ج1:
بغية الطلب في تاريخ حلب
المؤلف : ابن العديم
الجزء
الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي.
ذكر مدينة حلب
باب في
ذكر فضل حلب
أخبرنا القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم قال: أخبرنا أبو بكر
محمد بن علي بن ياسر الجياني بالموصل.
وأخبرنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي، ومنصور بن عبد المنعم بن عبد الله ابن محمد
الفراوي في كتابيهما إلي من نيسابور قالوا كلهم: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن
الفضل الفراوي قال: أخبرنا أبو الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي قال: أخبرنا أبو
أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد ابن سفيان قال:
أخبرنا مسلم بن الحجاج القشيري قال: حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا معلى بن منصور
قال: حدثنا سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم
جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين
الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا،
تقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله،
ويفتتح الثلث لا ينثنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد
علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم،
فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف
إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم، فأمّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب
الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في
حربته.
وجه الاستدلال بهذا الحديث على فضل حلب قوله صلى الله عليه وسلم: ينزل الروم
بالأعماق وبدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض، ذكره بحرف الفاء
وإنها للتعقيب، والمدينة المذكورة التي يخرج منها الجيش هي حلب لأنها أقرب المدن
إلى دابق، وفي تلك الناحية إنما ينطلق اسم المدينة على حلب عند الإطلاق، لا على
يثرب كما في قوله تعالى: " وجاء رجل من أقصى المدينة " ، وفي قوله تعالى
" وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة " . حيث إنصرف الإطلاق
إلى المدينة التي يفهم إرادتها عند الاطلاق، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم من
خيار أهل الأرض، وما زالت عساكر حلب في كل عصر موصوفة بالمصابرة والغناء، والثبات
عند المقاتلة واللقاء.
ويؤيد ذلك ما يأتي في فضل أنطاكية من قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من
أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى
باب دمشق وما حولها ظاهرين على الحق لا يبالون من من خذلهم ولا من نصرهم. الحديث،
لأن الطائفة - والله أعلم - هي جيش حلب لأنه عليه الصلاة والسلام قال: لا تزال
طائفة من أمتي وأنطاكية استولى عليها الروم سنين عدة، ثم فتحها سليمان بن قطلمش،
ثم استولى عليها الفرنج إلى زمننا هذا، فلولا أن يكون المراد بالطائفة المذكورة
جيش حلب، وأنه يقاتل حول أنطاكية لتطرق الخلف إلى كلامه صلى الله عليه وسلم، وما
زالت عساكر حلب ظاهرة على من مجاورها بأنطاكية في قديم الزمان وحديثه إلا ما ندر
وقوعه.
باب في
بيان أن حلب من الأرض المقدسة
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الشافعي قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو
القاسم علي بن الحسن الشافعي، إن لم يكن سماعاً فإجازة قال: أخبرنا أبو الحسن
بركات بن عبد العزيز بن الحسين النجاد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
الخطيب قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن رزقويه قال: أخبرنا أبو بكر
أحمد بن سندي بن الحسن الحداد قال: أخبرنا أبو حذيفة إسحق بن بشر القرشي قال:
أخبرنا خارجة - يعني - ابن مصعب السرخسي عن ثور - هو ابن يزيد الكلاعي الحمصي - عن
خالد بن معدان عن معاذ رضي الله عنه قال: الأرض المقدسة ما بين العريش إلى الفرات.
وقد
حكينا عن أبي العلاء بن سليمان المعري أنه قال في بعض رسائله: والشام خمسة أجناد،
جند العواصم منه حلب وقنسرون، وجند حمص، وجند جلق، والأردن، وفلسطين، وهذه الأجناد
الخمسة بلاد مقبلة يزعم الأنبياء أنها ذرت فيها البركة، ويذكرون أن جميعها أرض
مقدسة.
باب في
بيان أن حلب مهاجر إبراهيم
صلى الله عليه وسلم وأنها من جملة الأرض المبارك فيها
أخبرنا الفقيه العالم فخر الدين أبو منصور بن عساكر الشافعي قال: أخبرنا عمي
الحافظ أبو القاسم الدمشقي قال أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه قال: أخبرنا
أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن أبي الحديد قال: أخبرنا جدي قال:
أخبرنا أبو الدحداح قال: حدثنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن كثير عن
الأوزاعي قال يهاجر الرعد والبرق إلى مهاجر إبراهيم حتى لا تبقى قطرة إلا فيما بين
العريش إلى الفرات.
وأخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا علي بن الحسن الإمام قال:
أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحنائي في كتابه قال أخبرنا
أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا
أبو الدحداح قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر قال: حدثنا الوليد بن موسى قال:
حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن كعب الأحبار قال: يوشك بالرعد والبرق أن
يهاجر إلى الشام حتى لا تكون رعدة ولا برقة إلا بين العريش والفرات.
قال علي بن الحسن وأنبأناه أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي قال:
حدثنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال:
حدثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق قال: قرىء علي أبي بكر محمد بن أحمد بن
النضر قال: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي اسحق عن الأوزاعي عن يحيى قال: قال كعب:
يهاجر الرعد والبرق إلى الشام حتى لا تبقى رعدة ولا برقة إلا فيما بين العريش
والفرات.
وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحسن قال أخبرنا أبو
الحسين عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن قال: أخبرنا جدي أبو عبد الله قال أخبرنا
أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد قال: أخبرنا محمد بن موسى بن
الحسن بن السمسار الحافظ قال: أخبرنا محمد بن خريم قال: حدثنا هشام بن عمار قال:
حدثنا معاوية بن يحيى قال: حدثنا سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن يزيد بن شريح
عن كعب الأحبار قال: إن الله تعالى بارك في الشام من الفرات إلى العريش.
باب في
بيان أن أهل حلب في رباط وجهاد
أخبرنا سليمان بن الفضل بن سليمان البانياسي فيما أذن لنا فيه، واجتمعت به بحلب،
قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن
عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد قال: أخبرنا جدي أبو عبد الله قال: أخبرنا أبو
بكر محمد بن عوف أحمد المزكي قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن موسى بن الحسين
السمسار قال: أخبرنا محمد بن خريم قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا معاوية بن
يحيى قال: حدثنا أرطاة عن من حدثه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أهل الشام وأزولهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون
في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة فهو في رباط، ومن احتل منها ثغراً من الثغور
فهو في جهاد.
وقال الحافظ أبو القاسم: وأنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي،
وأبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني، وأبو القاسم الحسين بن أحمد التميمي وأبو
اسحاق إبراهيم بن طاهر الخشوعي قالوا: حدثنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء
قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن حريز بن أحمد بن خميس السلماسي قال: حدثنا أبو الحسن
المظفر بن الحسن قال: حدثنا أحمد ابن عمير بن يوسف ابن جوصاء قال: حدثنا عمرو بن
عثمان قال: حدثنا ابن حمير عن سعيد البجلي عن شهر بن حوشب عن أبي الدرداء عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ستفتح على أمتي من بعدي الشام وشيكاً، فإذا فتحها فاحتلها
فأهل الشام مرابطون إلى منتهى الجزيرة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم وعبيدهم، فمن احتل
ساحلاً من تلك السواحل فهو في جهاد، ومن احتل بيت المقدس وما حوله فهو في رباط.
أنبأنا
أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو عبد الله بن أبي زيد
الكراني قال: أخبرنا محمود بن إسماعيل قال: أخبرنا أبو الحسين بن فادشاه قال:
حدثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني قال: حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي قال:
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا أبو مطيع معاوية ابن يحيى عن أرطاة بن المنذر عن من
حدثه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الشام وأزواجهم
وذراريهم وعبيدهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون فمن نزل مدينة من المدائن فهو في
رباط، أو ثغراً من الثغور فهو في جهاد.
أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب عن أبي بكر بن عبد الباقي قال: أخبرنا أبو محمد
الجوهري إذناً: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف إجازة قال:
حدثنا الحسين بن فهم قال حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني
عبد الله بن عامر قال: سمعت أبان بن صالح يقول: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول
بدابق: نحن في رباط.
باب في
بيان أن حلب كانت باب الغزو والجهاد
ومجمع الجيوش والأجناد
إعلم أن دابق كانت مجمعاً لعساكر الاسلام في كل صائفة من زمن معاوية ابن أبي
سفيان، فكانوا يجتمعون بها فإذا تكامل العسكر وقبضوا عطاءهم دخلوا حينئذ من الثغور
إلى جهاد العدو، واستمر ذلك في أيام بني أمية، لا سيما في أيام سليمان بن عبد
الملك، فإنه أقام بدابق سنين، وسير أخاه مسلمة لغزو القسطنطينية، وكان يمده
بالعساكر إلى أن مات سليمان بدابق، وبعد زوال ملك بني أمية تتبع بنو العباس مدن
الثغور وحصونها فعمروها وحصنوها، وغزوا غزوات مذكورة من نواحي حلب من العراق ودابق
وغيرهما، لا سيما أمير المؤمنين الرشيد رحمة الله عليه فإنه اجتهد في إقامة
الجهاد، وأنفق الأموال الوافرة في الثغور وأهلها، وكان يقدم حلب ويرتب أمر الغزو
منها، وكذلك فعل المأمون بعده، ومات غازياً بطرسوس، وجاء المعتصم كذلك وفتح
عمورية.
أخبرنا أبو منصور بن محمد بن الحسن الشافعي قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم
قال: قرأت على أبي القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان عن عبد العزيز بن أحمد الكتاني
قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي زروان الحافظ قال: حدثنا عبد الوهاب بن
الحسن قال: أخبرنا أحمد بن عمير بن يوسف قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر قال:
حدثنا الوليد بن مسلم قال: وحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وغيره: أن جند حمص
الجند المقدم، وأن قنسرين كانت يومئذ ثغراً وأن الناس كانوا يجتمعون بالجابية لقبض
العطاء، وإقامة البعوث من أرض دمشق في زمن عمر وعثمان حتى نقلهم إلى معسكر دابق
معاوية ابن أبي سفيان لقربه من الثغور.
قال: وكان والي الصائفة، وإمام العامة في أهل دمشق، لأن من تقدمهم من أهل حمص وأهل
قنسرين، وأهل الثغور مقدمة لهم، وإلى أهلها يؤولون إن كانت لهم جولة من عدوهم.
وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الفقيه قال: أخبرنا علي بن أبي محمد الشافعي
قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد وعبد الكريم بن حمزة قالا: حدثنا عبد
العزيز قال: أخبرنا تمام وعبد الوهاب قالا: أخبرنا أحمد بن محمد قال: حدثنا أحمد
بن المعلى.
قال تمام: وأخبرني أبو إسحق إجازة قال: حدثنا ابن المعلى.
قال تمام: وأخبرني يحيى بن عبد الله قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال: حدثنا ابن
المعلى قال: وأخبرني صفوان بن صالح، أملاه علي، قال: حدثنا الوليد ابن مسلم قال:
حدثنا محمد بن مهاجر قال: سمعت أخي عمرو بن مهاجر قال: سمعت عمر بن عبد العزيز،
وذكر مسجد دمشق فذكر الحكاية ومقدم خالد بن عبد الله القسري إليه وقوله له حين هم
برفع الزخرفة منه: ما ذلك لك، حتى قال: فما قولك وما ذلك لي؟ قال: لأنا كنا معشر
أهل الشام وإخواننا من أهل مصر وإخواننا من أهل العراق نغزو فيعرض على الرجل منا
أن يحمل من أرض الروم قفيزاً بالصغير من فسيفساء، وذراع في ذراع من رخام، فيحمله
أهل العراق وأهل حلب إلى حلب، ويستأجر على ما حملوا إلى دمشق، ويحمله أهل حمص إلى
حمص ويستأجر على ما حملوا إلى دمشق، ويحمل أهل دمشق ومن وراءهم حصتهم إلى دمشق.
وقرأت
في كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها تأليف أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال:
وحدثني محمد بن سهم الأنطاكي قال: حدثني معاوية ابن عمرو عن أبي إسحق الفزاري قال:
كانت بنو أمية تغزو الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام
والجزيرة، وتقيم المراكب للغزو، وترتب الحفظة في السواحل، ويكون الإغفال والتفريط
خلال الحزم والتيقظ، فلما ولي أبو جعفر المنصور تتبع حصون السواحل ومدنها فعمرها
وحصنها وبنى ما احتاج إلى البناء منها، وفعل ذلك بمدن الثغور، ثم لما استخلف المهدي
استتم ما بقي من تلك المدن والحصون وزاد في شحنها.
قال معاوية بن عمرو: وقد رأينا من اجتهاد هرون في الغزو، ونفاذ بصيرته في الجهاد
أمراً عظيماً، أقام من الصناعة ما لم يقم قبله، وقسم الأموال في الثغور والسواحل،
وأشجر الروم وقمعهم، وأمر المتوكل بترتيب المراكب في جميع السواحل، وأن تشحن
بالمقاتله وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين.
باب في ذكر
صفة مدينة حلب وعمارتها وأبوابها
وما كانت عليه أولاً، وما تغير منها وما بقي
سور حلب: كان سوراً مبنياً بالحجارة من بناء الروم، ولما وصل كسرى أنوشروان إلى
حلب واستولى عليها، شعث سورها عند الحصار، ثم رم ما هدم منه، فبني بالآجر الفارسي
الكبار، وشاهدت مرمته بالآجر الكبار في الأسوار التي بين باب الجنان وباب النصر،
وسترها السور الثاني الذي ابتناه الملك الظاهر رحمه الله، فيما بين باب الجنان
وباب النصر، فلا يبين الآن إلا لمن يمر بين السورين، وأظن أن كسرى أنوشروان فتح
حلب من هذه الجهة، فإنها كانت أضعف مكان في البلد، فلهذا كانت المرمة فيه دون
غيره، وكان ملكها وملك أنطاكية الذي أخذها أنوشروان من يده يوسطينيانوس ملك الروم.
وفي أسوار حلب أبرجة عديدة جددها ملوك الاسلام بعد الفتوح، وأسماؤهم مكتتبة عليها،
وبنى نور الدين محمود بن زنكي فصيلاً على مواضع من الباب الصغير إلى باب العراق،
ومن باب العراق إلى قلعة الشريف، ومن باب اليهود - الذي يقال له الآن باب النصر -
إلى باب الجنان، ومن باب الأربعين إلى باب اليهود، جعل ذلك سوراً ثانياً قصيراً
بين يدي السور الكبير وأمر الملك الظاهر بتجديد سور من باب الجنان إلى برج
الثعابين، وفتح الباب المستجد، فرفع الفصيل وجدد السور والأبرجة على علو السور
الأول، وكان يباشر العمارة بنفسه، فصار ذلك المكان من أقوى الأماكن.
ثم إن أتابك طغرل ابتنى برجاً عظيماً فيما بين باب النصر وبرج الثعابين مقابل
أتونات الكلس ومقابر اليهود.
ثم إن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد أعز الله سلطانه أمر بتجديد أبرجة من
باب الأربعين إلى البرج الذي جدده أتابك، فجددت أبرجة عظيمة كل برج منها حصن مفرد،
وسفح من السور والأبرجة في الميل إلى الخندق فصار ذلك كله كالقلعة العظيمة في
الارتفاع والحصانة وأمر ببناء أبرجة كبار من باب الجنان إلى باب قنسرين، فقويت
المدينة بذلك قوة ظاهرة.
وأما قلعة حلب فلم يكن بناؤها بالمحكم، وكان سورها أولاً منهدماً على ما ذكره
أرباب التواريخ ولم يكن مقام الملوك حينئذ فيها، بل كان لهم قصور بالمدينة
يسكنونها، ولما فتح الروم حلب في سنة احدى وخمسين وثلاثمائة لجأ إلى القلعة من
لجأ، وستروها بالأكف والبراذع، فعصمتهم من العدو لعلوها، وزحف ابن أخت الملك فألقي
عليه حجر فقتله، ورحل الدمستق عنها، فاهتم الملوك بعد ذلك بعمارة القلعة وتحصينها.
وعصى فيها فتح القلعي على مولاه مرتضى الدولة بن لؤلؤ، ثم سلمها إلى نواب الحاكم،
فعصى فيها عزيز الدولة فاتك على الحاكم، وقتل بالمركز، وكان قصره الذي ينسب إليه
خانكاه القصر متصلاً بالقلعة، والحمام المعروفة بحمام القصر إلى جانبه، فخرب القصر
بعد ذلك تحصيناً للقلعة وصار الخندق موضعه. ودخلت أنا هذه الحمام وهي دائرة،
فهدمها الملك الظاهر رحمه الله، وجعلها مطبخاً له.
ولما
قتل عزيز الدولة، صار الظاهر وولده المستنصر يوليان والياً بالقلعة، ووالياً
بالمدينة خوفاً أن يجري ما جرى من عزيز الدولة. فلما ملك بنو مرداس سكنوا في القلعة،
وكذلك من جاء بعدهم من الملوك وحصنوها لا سيما الملك الظاهر غازي فإنه حصنها
وحسنها وابتنى بها مصنعاً كبيراً للماء، ومخازن للغلة، ورفع باب القلعة وكان
قريباً من المدينة، ويصعد منه إلى باشورة، هي موضع باب القلعة الآن.
ولها سور من موضع الباب الآن، يدور في وسط التل إلى المنشار المتصل بباب الأربعين
وكان في الباشورة مساكن لأجناد القلعة، ورأيت في وسطه برجاً كبيراً، مبنياً فوق
طريق الماء من القناة إلى الساتورة التي للقلعة، وكان على ذلك البرج اسم الملك
الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن زنكي، فخرب الملك الظاهر رحمه الله تلك
الباشورة، وسفح القلعة من أسفل الخندق إلى سورها الأعلى، وكان قد بنى بعض السفح
بالحجر الهرقلي، وعزم على تسفيحها بذلك الحجر، فحالت المنية بينه وبين أمله، وصده
عن مراده ما حضر من أجله، وكان قد وسع الخندق الذي للقلعة وعمقه، وبنى حائطه من
جهة المدينة، ورفع باب القلعة إلى مكانه الآن، وعمل له هذا الجسر الممتد، فجاء في
غاية الحسن والحصانة، وعمل باباً آخر كان إذا ركب ينزل منه وحده ويصعد ويغلق فلا
يفتح إلا له، وهو باب الجبل الذي هو إلى جانب دار العدل، وبنى الملك الظاهر سوراً
على دار العدل، وفتح له باباً من جهة القبلة تجاه باب العراق، وباباً من جهة الشرق
والشمال على حافة الخندق، كان يخرج منهما إذا ركب، وبنى دار العدل لجلوسه العام
فيها بين السورين، السور العتيق الذي فيه الباب الصغير، وفيه الفصيل الذي بناه نور
الدين، وبين السور الذي جدده إلى جانب الميدان.
واهتم الملك الظاهر أيضاً بتحرير خندق الروم، وهو من قلعة الشريف إلى الباب الذي
يخرج منه إلى المقام، وبنى ذلك الباب ولم يتمه، فتم في أيام ولده الملك العزيز
رحمه الله، ثم يستمر خندق الروم من ذلك المكان شرقاً، ثم يعود شمالاً إلى الباب
الذي جدد أيضاً في أيام الملك العزيز لصيق الميدان، ويعرف بباب النيرب، ثم يأخذ
شمالاً إلى أن يصل إلى باب القناة الذي يخرج منه إلى بانقوسا، وهو باب قديم، ثم
يأخذ غرباً من شمالي الجبل إلى أن يتصل بخندق المدينة. وأمر الملك الظاهر برفع
التراب والقائه على شفير هذا الخندق فيما يلي المدينة، فارتفع ذلك المكان وعلا،
وسفح إلى الخندق، وبني عليه سور من اللبن في أيام الملك العزيز محمد رحمه الله،
وولاية الأتابك طغرل، وأمر الحجارون بقطع الأحجار من الحوارة من ذلك الخندق، فعمق
واتسع وقويت به المدينة غاية القوة.
وأما قلعة الشريف فلم تكن قلعة بل كان السور محيطاً بالمدينة، وهي مبنية على الجبل
الملاصق للمدينة وسورها دائر مع سور المدينة على ما هي الآن.
وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله الحتيتي الهاشمي مقدم الأحداث بحلب، وهو
رئيس المدينة فتمكن وقويت يده، وسلم المدينة إلى أبي المكارم مسلم ابن قريش، فلما
قتل مسلم انفرد بولاية المدينة، وسالم بن مالك بالقلعة على ما نشرحه في ترجمته،
فبنى الشريف عند ذلك قلعته هذه، ونسبت إليه، في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، خوفاً
على نفسه من أهل حلب، واقتطعها عن المدينة، وبنى بينها وبين المدينة سوراً، واحتفر
خندقاً آثاره باقية إلى الآن، ثم خرب السور بعد ذلك في أيام ايلغازي بن أرتق حين
ملكها، واستقل بملكها في سنة ست عشرة وخمسمائة، فعادت من المدينة كما كانت.
وأما أبواب مدينة حلب فأولها باب العراق، سمي بذلك لأنه يسلك منه إلى ناحية
العراق.
ثم بعده إلى جهة الغرب باب قنسرين، سمي بذلك لأنه يخرج منه إلى ناحية قنسرين، وقد
جدد في أيام السلطان الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز أعز الله أنصاره، وغير عن
وضعه ووسع وعمل عليه أبرجة عظيمة، ومرافق للأجناد حتى صار بمنزلة قلعة عظيمة من
القلاع المرجلة.
ثم باب أنطاكية سمي بذلك لأنه يسلك منه إلى ناحية أنطاكية.
ثم باب الجنان، سمي بذلك لأنه يخرج منه إلى البساتين التي لحلب.
ثم
بعده باب اليهود سمي بذلك لأن محال اليهود من داخله، ومقابرهم من خارجه، وهذا
الباب غيره السلطان الملك الظاهر رحمه الله، وكان عليه بابان، ويخرج منهما إلى
باشورة يخرج منها إلى ظاهر المدينة، فهدمه وجعل عليه أربعة أبواب كل بابين بدركاة
على حدة، يسلك من احدى الدركاتين إلى الأخرى في قبو عظيم محكم البناء، وجعل عليه
أبراجاً عالية محكمة البناء، ويخرج منه على جسر على الخندق، وكان على ظاهره تلول
عالية من التراب والرماد وكنايس المدينة، فنسفها وأزالها وجعلها أرضاً مستوية،
وبني فيها خانات تباع فيها الغلة والحطب، وسمي الباب باب النصر، ومحي عنه اسم باب
اليهود، فلا يعرف الآن إلا بباب النصر، وهجر اسمه الأول بالكلية.
ثم بعده باب الأربعين وكان قد سد هذا الباب مدة مديدة، ثم فتح واختلف في تسميته
بباب الأربعين، فقيل إنه خرج منه مرة أربعون ألفاً فلم يعودوا.
وأخبرني والدي رحمه الله أنه بلغه أنه خرج منه أربعون ألفاً فلم يعد منهم غير
واحد، فرأته امرأة في طاق في علو وهو داخل منه، فقالت له: دبير جئت؟ فقال لها:
دبير من لم يجئ.
وقيل انما سمي باب الأربعين لأنه كان بالمسجد من داخله أربعون من العباد يتعبدون
فيه، وكان الباب مسدوداً.
وأخبرني عمي أبو غانم رحمه الله أنه بلغه أنه كان به أربعون محدثاً، وقيل كان به
أربعون شريفاً. وإلى جانبه أعلى المسجد مقبرة للشراف العلويين، قيل أنهم من بني
الناصر.
والباب الصغير وهو الباب الذي يخرج منه من تحت القلعة من جانب الخندق وخانكاه
القصر إلى دار العدل، ومن خارجه البابان اللذان جددهما الملك الظاهر رحمه الله في
السور الذي جدده على دار العدل، أحدهما يفتح على شفير الخندق ويدعى باب الصغير
أيضاً، وهو مسلوك فيه إلى ناحية الميدان.
والآخر القبلي الذي يقابل باب العراق، وهو مغلق لا يخرج منه أحد بعد موت الملك
الظاهر إلا السلطان في بعض الأحيان، وكذلك باب الجبل الذي للقلعة أغلق بعده.
وجدد الملك الظاهر رحمه الله إلى جانب برج الثعابين فيما بين باب الجنان وباب
النصر باباً سماه باب الفراديس، وبنى له جسر على الخندق، ومات الملك الظاهر ولم
يفتحه، فسد وتطيروا به، وفتحه الملك الناصر بعد ذلك، ورتب فيه أجناداً.
وجدد الملك الناصر أيضاً باباً إلى جانب برج الغنم، وعمل عليه برجان عظيمان وفتحة
إلى جهة ميدان باب قنسرين في سنة خمس وأربعين وستمائة وسمي باب السعادة.
وكان لحلب باب يقال له باب الفرج إلى جانب حمام القصر، كان إلى جانبه القصر
المشهور الذي يلي قلعة حلب، فخربه الملك الظاهر رحمه الله.
وكان خارج باب أنطاكية على جسر باب أنطاكية على نهر قويق باب يقال له باب السلامة،
وهو الذي ذكره الواساني في قصيدته التي يهجو فيها ابن أبي أسامة، وأولها:
يا ساكني حلب العوا ... صم جادها صوب الغمامه
وسيأتي ذكره بعد هذا.
وعلى خندق الروم أبواب مجددة أولها باب الرابية التي تباع فيها الغلة والتبن، خارج
باب قنسرين، والسور اللبن المجدد على خندق الروم من حده.
والثاني الباب المعروف بباب المقام خارج باب العراق من القبلة يسلك فيه إلى مقام
إبراهيم عليه السلام وغيره.
والثالث باب النيرب خارج باب العراق، وقد ذكرنا أنه جدد في أيام الملك العزيز رحمه
الله ثم باب القناة، وقد ذكرناه أيضاً.
وأما قناة حلب التي تدخل إلى المدينة فقيل هي عين إبراهيم عليه السلام، وهي تأتي
من حيلان، قرية شمالي حلب، وفيها أعين، جمع ماؤها وسيق إلى المدينة، وقيل إن الملك
الذي بنى حلب، وزن مائها إلى وسط المدينة، وبنى المدينة عليها، وهي تأتي إلى مشهد
العافية تحت بعاذين، وتركب بعد ذلك على بناء محكم رفع لها لانخفاض الأرض في ذلك
الموضع، ثم تمر إلى أن تصل إلى بابلي، وهي ظاهرة في مواضع، ثم تمر في جباب قد حفرت
لها إلى أن تنتهي إلى باب القناة، وتظهر في ذلك المكان، ثم تمر تحت الأرض إلى أن
تدخل من باب الأربعين، وتنقسم في طرق متعددة إلى البلد.
ولأهل
حلب صهاريج في دورهم يخزنون فيها الماء منها ويبردونه فيها، إلا ما كان من الأمكنة
المرتفعة كالعقبة، وقلعة الشريف فإن صهاريجهم من المطر، وقد كانت هذه القناة فسد
طريقها لطول المدة ونقص منابيع عيونها فكراها السلطان الملك الظاهر رحمه الله،
وحرر طريقها إلى البلد وكلمه وسد مخارج الماء فيه، فكثر ماؤها وقويت عيونها، وجدد القنوات
في حلب والقساطل، وأجرى الماء فيها حتى عمت أكثر دور البلد، واتخذت البرك في
الدور، حتى قال أبو المظفر بن محمد بن محمد الواسطي المعروف بابن سنينير يمدحه،
وسمعتها من لفظه:
روى ثرى حلب فعادت روضة ... أنفاً وكانت قبله تشكو الظما
أحيا رفات مّواتها فكأنّه ... عيسى بإذن الله أحيا الأعظما
لا غرو أن أجرى القناة جداولاً ... فلطالما بقناته أجرى الدّما
ووصل ماء القناة في أيامه إلى مواضع من البلد لم يسمع بوصوله إليها، حتى أنها سيقت
إلى الحاضر السليماني، ووقف عليها أوقافاً لعمارتها وإصلاحها.
قرأت في كتاب المسالك والممالك الذي وضعه الحسن بن أحمد المهلبي للعزيز الفاطمي
المستولي على مصر قال: فأما حلب فهي مدينة قنسرين العظيمة وهي مستقر السلطان، وهي
مدينة جليلة عامرة آهلة، حسنة المنازل، بسور عليها من حجر، وفي وسطها قلعة على جبل
وسط المدينة لا ترام، ليس لها إلا طريق لا مقابلة عليه، وعلى القلعة أيضاً سور
حصين؛ وشرب أهل حلب من نهر على باب المدينة يعرف بقويق، ويكنيه أهل الخلاعة أبا
الحسن.
وأعمال قنسرين كلها ومدينة حلب فتحت صلحاً.
وقال: فأما الأقاليم التي هي منها، فإن من الإقليم الرابع حلب، وعرضها أربع
وثلاثون درجة.
فأما أهلها فهم أخلاط من الناس من العرب والموالي، وكانت بها خطط لولد صالح بن علي
بن عبد الله بن عباس، وتأثلت لهم بها نعمة ضخمة، وملكوا بها نفيس الأملاك، وكان
منهم من لحقت بقيتهم بنو القلندر فإنني شاهدت لهم نعماً ضخمةً، ورأيت لهم منازل في
نهاية السرو.
وكان بها أيضاً قوم من العرب يعرفون ببني سنان، كانت لهم نعمة ضخمة.
وسكنها أحمد بن كيغلغ وبنى بها داراً معروفة إلى الآن؛ وملك بها بدر غلامه ضياعاً
نفيسة، فأتى على ذلك كله الزمان، وسوء معاملة من كان يلي أمورهم، لأنه لم يكن
بالشام مدينة أهلها أحسن نعماً من أهل حلب، فأتى على ذلك كله، وعلى البلد نفسه سوء
معاملة علي بن حمدان لهم، وما كان يراه من التأول في المطالبة.
قلت إلى ذلك أشار أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان في قصيدته التي يقول
فيها:
أودى علي بن حمدان بوفرهمُ ... وقُدّرت لهُم في ملكه المحنُ
وكان سيف الدولة علي بن حمدان قبض أملاك جده سعيد وهي مزرعة تعرف بكفر صفرا من
كورة قورس، ورحى الديناري وأرضها السقي والعذي، وبستان البقعة بحلب.
عدنا إلى كلام العزيزي قال: وحلب من أجل المدن وأنفسها، ولها من الكور والضياع ما
يجمع سائر الغلات النفسية، وكان بلد معرة مصرين إلى جبل السماق بلد التين والزبيب
والفستق والسماق، وحبة الخضراء يخرج عن الحد في الرخص، ويحمل إلى مصر والعراق،
ويجهز إلى كل بلد، وبلد الأثارب والأرتاح إلى نحو جبل السماق أيضاً، مثل بلد
فلسطين في كثرة الزيتون. ولها ارتفاع جليل من الزيت، وهو زيت العراق، يحمل إلى
الرقة إلى الماء. ماء الفرات، إلى كل بلد، وقد اختل ذلك ونهكه الروم.
فأما خلق أهلها، فهم أحسن الناس وجوهاً وأجساماً، والأغلب على ألوانهم الدرية
والحمرة والسمرة، وعيونهم سود وشهل، وهم من أحسن الناس أخلاقاً وأتمهم قامة وكانت
إعتقاداتهم مثل ما كان عليه أهل الشام قديماً، إلا من تخصص منهم، وقبلتهم موافقة
لقبلة أهل الشام.
يشير بقوله: وكانت إعتقاداتهم مثل ما كان عليه أهل الشام قديماً؛ إلى مذهب أهل
السنة وكذلك كان مذاهب أهل حلب، حتى هجمها الروم في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة،
وقتلوا معظم أهلها، فنقل إليها سيف الدولة من حران جماعة من الشيعة مثل الشريف أبي
إبراهيم العلوي وغيره، وكان سيف الدولة يتشيع، فغلب على أهل حلب التشيع لذلك.
وقوله:
وفي وسطها قلعة على جبل وسط المدينة، ليس كذلك، بل القلعة في طرف المدينة، وسور
المدينة يختلط بسورها، والظاهر أنه شاهد القلعة من داخل المدينة فظنها في وسطها،
ولم يشاهدها من خارج.
وقوله: وشرب أهل حلب من نهر قويق، ليس كذلك، إلا من كان بالقرب منه، أو أنه أراد
ما يحمله السقاؤون في الروايا، بل الغالب في شرب أهلها من قناة حيلان.
وقد أنبأنا أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف عن أبي الفتح بن البطي قال: أخبرنا
الحميدي قال: أخبرنا محمد بن هلال بن المحسن الصابيء وقال: كتب المختار بن الحسن
بن بطلان المتطبب كتاباً إلى والدي هلال بن المحسن في سنة أربعين وأربعمائة يذكر
له فيها خروجه من بغداد وما دخل من البلاد، قال فيها: رحلنا من الرصافة إلى حلب في
أربع مراحل، وحلب بلد مسور بحجر أبيض، فيه ستة أبواب، وفي جانب السور قلعة في
أعلاها مسجد وكنيستان، وفي أحديهما كان المذبح الذي قرب عليه إبراهيم عليه السلام.
وفي البلد جامع، وست بيع، وبيمارستان صغير، والفقهاء يفتون على مذهب الإمامية،
ويشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بماء المطر، وعلى بابه نهر يعرف بالقويق،
يمد في الشتاء وينضب في الصيف. وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري. وهو بلد
قليل الفاكهة والبقول والنبيذ إلا ما يأتيه من بلاد الروم، وفيها من الشعراء
جماعة، وذكر أبا الفتح بن أبي حصينة، وذكر كاتباً نصرانياً هو صاعد بن عيسى بن
سمان، وذكر أبا محمد بن سنان، وأبا المشكور.
ثم قال: ومن عجائب حلب أن في قيسارية البز عشرين دكاناً للوكلاء، يبيعون فيها كل
يوم متاعاً قدره عشرون ألف دينار مستمر ذلك منذ عشرين سنة، وإلى الآن وما بحلب
موضع خراب أصلاً.
قلت: الكنيسة التي أشار إليها في القلعة أن فيها مذبح إبراهيم عليه السلام، هي
الآن مقام إبراهيم عليه السلام الأسفل، والكنيسة الأخرى دثرت، والمسجد الذي في
أعلى القلعة هو مقام إبراهيم عليه السلام الأعلى، وأما البيع الست، فاثنتان
باقيتان أحديهما بالقرب من الزجاجين إلى جانب مسجد ابن زريق، والأخرى بالقرب من الرحبة،
والبواقي جعلت الذي بمشهد الدكة، ويقال إن به سقطاً للحسين بن علي رضي الله عنه،
وكان يدبر أمر البلدة أبو الفضل ابن الخشاب، لأن صاحبها تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق
كان بماردين فجعل ابن الخشاب كنائس حلب هذه مساجد، أحديهما الكنيسة العظمى التي
يقال إن هيلانة ملكة القسطنطينية بنتها، فجعل فيها محراب، وعرفت بمسجد السراجين،
وهي غربي المسجد الجامع وجعلها نور الدين محمود بن زنكي مدرسة لأصحاب أبي حنيفة
رضي الله عنه، والأخرى جعلت مسجداً بالحدادين، فوقفت مدرسة للحنفية أيضاً، وقفها
حسام الدين لاجين وهي مدرسة الحدادين، والأخرى كانت بدرب الخزاف فهدمها عبد الملك
بن المقدم، وبناها مدرسة للحنفية أيضاً، وأما الرابعة فلا أعلم بها.
قرأت بخط الحسين بن كوجك العبسي الحلبي في كتاب سيرة المعتضد بالله تأليف سنان بن
ثابت بن قرة، كتب بها إلى أبي الحسين محمد بن عبد الرحمن الروذباري الكاتب، قال
ثابت بن سنان في أول الجزء السادس منها: لما انتهيت إلى هذا الموضع، أمرني أمير
المؤمنين أن أميز معه وبحضرته ما في الخزائن القديمة للسلطان من الدفاتر والآلات
النجومية وغيرها مما يجري مجراها فما كان يصلح للأميرين أبي جعفر وأبي الفضل
أيدهما الله عزلته لهما على ما رسمه لي فيما رغب في إختياري إياه لهما مما يشاكل
سنهما من كتب الفقه، وكتب اللغة، وكتب السير القديمة والقريبة العهد وأخبار الملوك
وأيام الناس، وأخبار الدولة العباسية وأشباه ذلك.
قال:
فكان فيما أخرج إلينا صناديق كثيرة فيها كتب أحمد بن الطيب التي كان المعتضد قبضها
لما نكبه، وكنت بها عارفاً، وقد كنت ميزتها للمعتضد في ذلك العصر وعملت لها
فهرستاً، فمر فيها كتاب بخط أحمد بن الطيب بأخبار مسير المعتضد بالله من مدينة
السلام إلى وقعة الطواحين وأخبار إنصرافه عنها، فتتبعته نفسي تتبعاً شديداً لصحته،
وأنه أصل لرجل محصل وبخطه، وكان وقوع هذا الكتاب في يده قبل وقوعه في يدي، فبدأني
بما كان في نفسي، فرمى به إلي لأتأمله، ثم قال لي: أحسب هذا مما سبيله أن تقتصه في
الكتاب الذي عملته لمحمد بن عبد الرحمن الروذباري، فقلت: بل أنسخه فيه حرفاً
حرفاً، فقال: إفعل، ثم اردده، فنسخه ثابت من خط أحمد بن الطيب كما قال، وذكر فيه
المنازل إلى أن ذكر وقال: ورحلنا عن بالس ليلة السبت لأربع عشرة ليلة بقيت منه،
فنزلنا على ميلين من بالس على صهريج في أول برية خساف، ثم رحلنا عن الموضع سحراً
فقطعنا برية خساف إلى انقضائها، وبين بالس وبين انقضاء برية خساف خمسة عشر ميلاً
بأميال العراق، وفيها قرى خراب، ثم يوجد بعد هذه الخمسة عشر ميلاً ماء نزر قليل
ينصب من قني من حد حلب، حتى ينتهي إلى هذا الموضع قليلاً يسيراً، وفي هذا الموضع
يجري إليه الماء من قرية لمحمد بن العباس الكلابي، تعرف بقرية الثلج، كانت المنزل ذلك
اليوم، والقني في هذه القرية غزيرة كثيرة الماء، قد سيقت من نهر حلب من نهر قويق
من موضع إلى موضع حتى انتهى إليها، ثم إلى الموضع الذي ذكرناه على رأس برية خساف،
وبين بالس وبين قرية محمد بن العباس الكلابي ثلاثة وعشرون ميلاً، تكون سبعة فراسخ
وميلين.
قلت هكذا ذكر أحمد بن الطيب، وقد أخطأ في موضعين أحدهما قوله: ينصب من قني من حد
حلب، والآخر في قوله: والقني في هذه القرية غزيرة كثيرة الماء، قد سيقت من نهر
حلب، من نهر قويق، فإن حد حلب ونهر قويق بعيد من هذا المكان، يكون مقدار ستة فراسخ
من جهة الغرب، وهذه القني تأتي من جهة الشمال، لكن الماء في هذه المواضع التي
ذكرها وفي قرى تأتي بعد ذلك فيما بين هذه المواضع وبين الناعورة، قد حفر له جباب
إلى منبع الماء، ومنبع الماء قريب في تلك الأرض كلها، ثم خرق بعض الجباب إلى بعض
إلى أن ينتهي الماء إلى أرض يتسلط عليها، فيسقي أرض تلك القرية، وهذه القرية التي
أشار إليها أظنها تعرف الآن بالكلابية.
قال ابن الطيب: ورحلنا عن هذا الموضع يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت منه، فنزلنا
منزلاً يعرف بالناعوره، بينه وبين المنزل الذي كنا نزلناه ثمانية أميال، تكون
فرسخين وميلين وفيه قصر لمسلمة بن عبد الملك من حجارة صلدة ليس بالكبير، وماؤه من
العيون التي ذكرناها.
قلت: هذا القصر كان مبنياً من الحجارة السود الكبار المنحوتة، وأدركت أنا قطعة
منه، وهو برج من أبرجة القصر، وقد انهدم الآن، وتقسمت حجارته إلا القليل منه.
قال ابن الطيب: ورحلنا غداة يوم الاثنين لإثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر،
فنزلنا مدينة حلب في وقت ارتفاع النهار من هذا اليوم، وبين المنزلين ثمانية أميال
تكون فرسخين وميلين، وأقمنا بحلب إلى إنقضاء يوم الأربعاء لليلة خلت من رجب.
قال: وعلى حلب سور محيط بها وبقلعتها، كانت الروم بنته، وبنت الفرس بعضه أيام
أنوشروان، والقلعة على جبل مشرف على المدينة، وعليها سور، وعليها بابا حديد واحد
دون الآخر، وفي وسطها قد حفر إلى الماء ينزل إليه على مائة وعشرين مرقاه، قد خرقت
تحت الأرض خروقاً، وصيرت آزاجاً، ينفذ بعضها إلى بعض إلى ذلك الماء، وفيها دير
للنصارى، وفيه امرأة قد سدت الباب عليها في وجهها منذ سبع عشرة سنة. ثم ينحدر
السور إلى المدينة من جانبي القلعة. ولها ستة أبواب، تعرف: بباب العراق، وباب
قنسرين، وباب أنطاكية، وباب الجنان وباب اليهود، وباب أربعين، وهو مما يلي القلعة،
ومن جانبها الآخر باب العراق.
وشرب أكثر أهل حلب من ماء قويق، لأنه يجري إلى أبواب الجنان وأنطاكية وقنسرين،
وقدام باب أنطاكية ربض يعرف بربض الدارين في وسطه قنطرة على قويق، كان محمد بن عبد
الملك بن صالح بناه، أعني الربض، ولم يستتمه، واستتمه سيما الطويل، ورم ما كان
استهدم منه وصير عليه باب حديد حذاء باب أنطاكية، أخذه من قصر لبعض الهاشميين
بحلب، يسمى قصر البنات: ويسمى الباب باب السلامة.
قلت
والقصر قد كان في الدرب المعروف بدرب البنات بحلب، بالقرب من الصناديقيين، وشرقي
الدارين بستان، يعرف ببستان الدار من شمالي ميدان باب قنسرين، وهو الآن وقف على
المدرسة النورية الشافعية المعروفة ببني أبي عصرون، وهو منسوب إلى إحدى الدارين
اللتين ذكرهما أحمد بن الطيب.
قال ابن الطيب: وشرب أهل باب أربعين، وأهل باب اليهود، وأهل الأسواق من عيون تجري
على وجه الأرض مقدار أربعة فراسخ في موضع هو أعلى من حلب، ثم تجري على باب اليهود
على وجه الأرض، وتسقي بساتين الدور هناك سيحاً، ثم يكون ما وراء هذا الموضع من حلب
أسفل منه فقد عدل بعبارة بنتها الروم في الطريق، يجري الماء عليها، فهو في السوق،
وإنما بينه وبين باب أربعين ربع ميل على عشرة أذرع من الأرض.
قلت: يريد بالعيون المذكورة قناة حلب الآتيه من حيلان، وهي تسقي داخل باب الأربعين
بستاناً بطل، وبني دوراً، وتسقي بستان اليهود بباب اليهود الذي هو وقف على
الكنيسة.
قال: وقويق نهر يأخذ من واد على أربعة فراسخ من حلب مما يلي جبلاً يتصل بوادي
العسل.
قلت: وادي العسل غربي مدينة حلب، ونهر قويق يأتي إلى حيلان، ثم يجري في الوادي بين
جبلين، لا يتصل بوادي العسل.
وقال أبو إسحق إبراهيم بن الحسن بن أبي الحسن الزيات الفيلسوف في كتاب نزهة النفوس
وأنس الجليس: ذكر مدينة حلب، وهي في الإقليم الرابع قريباً من أنطاكية، وبها ينزل
الولاة العزام، وهي عامرة، أهلها كثير، وبعدها عن خط المغرب ثلاثة وسبعون درجة،
وعن خط الإستواء خمسة وثلاثون درجة.
وقرأت في كتاب جغرافيا تأليف ابن حوقل النصيبي، وهو كتاب حسن في بابه، قال: حلب
وهي مدينة جند قنسرين، وكانت عامرة جداً غاصة بأهلها، كثيرة الخيرات على مدرج طريق
العراق إلى الثغور وسائر الشامات، إفتتحها الروم، وكان لها سور من حجارة لم يغن
عنهم من العدو شيئاً، بسوء تدبير سيف الدولة وما كان به من العلة، فأخرب جامعها،
وسبى ذراري أهلها، وأحرقوها، وكان لها قلعة غير طائلة ولا حسنة العمارة، لجأ إليها
قوم من أهلها فنجوا، ونقل ما بها من المتاع والجهات للسلطان وأهل البلد وسبى بها،
وقتل من أهل سوادها ما في إعادته إرماض لمن سمعه ووهن على الإسلام وأهله.
وكانت لها أسواق حسنة وحمامات وفنادق ومحال وعراص فسيحة، ومشايخ وأهل جلة، وهي
الآن كالمتماسكة.
ولها واد يعرف بأبي الحسن قويق، وشرب أهلها منه، وفيه قليل طفس ولم تزل أسعارها في
الأغذية وجميع المآكل قديماً واسعة رخيصة.
وعليهم الآن للروم في كل سنة قانون يؤدونه وضريبة تستخرج من كل دار وضيعة معلومة،
وكأنهم معهم في هدنة، وليست وإن كانت أحوالها متماسكة وأمورها راجية بحال جزء من
عشرين جزءاً مما كانت عليه في قديم أوانها وسالف أزمانها.
أشار ابن حوقل إلى فتح الروم لها وتخريبها في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وفي ذكر
الضريبة التي تؤدى إلى الروم في كل سنة إلى ما قرره قرعويه السيفي مع الروم من
الأتاوة التي تؤدى في كل سنة عن حلب إلى الروم، وليس هذا موضع ذكرها.
وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الفارسي الإصطخري في كتاب صفة الأقاليم: وأما جند
قنسرين، فإن مدينتها قنسرين، غير أن دار الإمارة والأسواق ومجامع الناس والعمارات
بحلب.
قال: وهي عامرة بالأهل جداً، على مدرجة طريق العراق إلى الثغور، وسائر الشامات.
سمعت أبا عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر يقول: بلغني أن حلب كانت من أكثر المدن
شجراً، فأفنى شجرها وقوع الخلف بين سيف الدولة والإخشيد على ما نذكره، فإن كل واحد
منهما كان ينزل عليها ويقطع شجرها، فإذا أخذها جاء الآخر وفعل مثله.
وأخبرني مكي بن هرون بن صالح الكفر بلاطي وكان من كفر بلاط من نقرة بني أسد قال:
أخبرني هرون عن أبيه صالح يأثره عن سلفه أن الناس كانوا يمشون من مقام إبراهيم
عليه السلام الذي على سطح جبل نوائل إلى زبيدة، وهي قرية على طرف جبل الأحص، وهي
مشرفة على النقرة، في ظلال شجر الزيتون، والدليل على صحة ما ذكره أنه ما من قرية
في نقرة بني أسد إلا وفيها أثر معصرة للزيت والحجر الذي كان يعصر بها.
أعمال حلب
باب في
ذكر قنسرين
وتسميتها بهذا الاسم ومعرفة من بناها
قد
ذكرنا فيما تقدم أن إسم قنسرين كان أولاً صوبا، فسميت بعد ذلك قنسرين، وصوبا
بالعبرانية، قيل إن اسمها في التوراة كذلك، ويقال فيها قنسرون أيضاً، ويقال بفتح
النون بعد القاف وكسرها.
وقرأت بخط محمد بن يوسف بن المنيرة في حرفية اشتقاق أسماء البلدان: قنسرين من
قولهم للشيخ قنسري، وقيل نزل بها رجل يقال له ميسرة، فقال: ما أشبه هذه بقن نسرين،
فبني منه اسماً للمكان.
وقال محمد بن سهل الأحول في كتاب الخراج: قنسرين سميت برجل من قيس يقال له ميسرة،
وذلك أنه مر به رجل فقال له: ما أشبه هذا الموضع بقن نسرين، فسميت بذلك.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن الأوقي بالبيت المقدس قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر
أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأصفاني قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن
المسبح قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سعيد الحبال قال: أخبرنا أبو العباس منير
بن أحمد بن الحسن بن منير الخشاب قال: أخبرنا علي ابن أحمد بن إسحق البغدادي قال:
أخبرنا الوليد بن حماد الرملي قال: أخبرنا الحسين بن زياد عن أبي إسماعيل محمد بن
عبد الله البصري قال: وحدثني الحسين ابن عبد الله قال: ثم إن أبا عبيدة دعا ميسرة
بن مسروق فسرحه في ألفي فارس، فمر على قنسرين فأخذ ينظر إليها في الجبل، فقال: ما
هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: إنها لكذلك، والله لكأنها قن نسر.
وقال أبو بكر الأنباري: قنسرون أخذت من قول العرب رجل قنسري، أي مسن، وأنشد
للعجاج:
أطرباً وأنت قنّسريُّ ... والدهر بالانسان دوّاريُّ
وأنشد غيره:
وقنسرته أمور فاقسأن لها ... وقد حنى ظهره دهرٌ وقد كبرا
وقال أبو بكر بن الأنباري: وفي إعرابه وجهان يجوزان تجريها مجرى قولك الزيدون،
فتجعلها في الرفع بالواو فتقول: هذه قنسرون، وفي النصب والخفض بالياء، فتقول مررت
بقنسرين ودخلت قنسرين، والوجه الآخر أن تجعلها بالياء على كل حال، وتجعل الإعراب
في النون، فلا تصرفها.
وقال أبو القاسم الزجاجي: هذا الذي ذكره ابن الأنباري من طريق اللغة، ولم يسم
البلد كما ذكر، ولكنه روى أنها سميت برجل من عبس يقال له ميسرة وذلك أنه نزلها فمر
به رجل فقال: ما أشبه هذا الموضع بقن نسرين فبني منه اسم للمكان، فقيل قنسرين بفتح
النون من قنسرين.
وذكر عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي اللخمي ثم الرشاطي في كتاب إقتباس
الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار قال: قال آخرون: دعا أبو
عبيدة ميسرة بن مسروق القيسي فوجهه في ألف فارس، في أثر العدو فمر على قنسرين،
فجعل ينظر إليها، فقال: ما هذه؟ فسميت له بالروميه، فقال: والله لكأنها قنسرين
فسميت قنسرين بذلك.
قال الرشاطي: فهذا الخبر يدل على أن قنسرين إسم مكان آخر عرفه ميسرة القيسي، فشبه
به هذا، فسمي به.
قلت: وهذا وهم من الرشاطي، وقد تصحف عليه قن نسرين، أو قن نسر، على ما ذكرناه
بقنسرين، فقال ما قال، ولعله بلغة أن حيار بني القعقاع يقال لها قنسرين أيضاً،
فوقع في هذا الوهم، ولا يمكن الإعتداد بذلك، فإن من ذهب إلى ذلك جعل مدينة قنسرين
هي قنسرين الأولى، وحيار بني القعقاع هي قنسرين الثانية، فلا يمكن تشبيه الأولى
بالثانية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن علوان قال: أخبرنا القاضي أبو البركات محمد بن حمزة
العرقي إجازة قال: وأخبرنا أبو محمد عبد الدائم بن عمر بن حسين سماعاً منه قال:
أخبرنا أبو البركات بن العرقي قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن جعفر المعروف بابن
القطاع قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن البر اللغوي قال: أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن
محمد النيسابوري قال: أخبرنا أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري قال: وقنسرون بلد
بالشام، بكسر القاف والنون مشددة تكسر وتفتح، وأنشد ثعلب بالفتح هذا البيت لعكرشة
العبسي:
سقى الله فتياناً ورائي تركتهم ... بحاضر قنّسرين من سبل القطر
قال: والنسبة إليه قنسري، وإن شئت قنّسريني.
وقع
إلي كتاب ألفه أبو الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي سماه الحافظ
لمعارف حركات الشمس والقمر والنجوم في آفاقها والأقاليم وأسماء بلدانها في سياقها،
وهو مسموع عليه، وأحسبه بخطه، فقرأت فيه: حدثنا جدي رحمه الله قال: حدثنا روح بن
عبادة قال: حدثنا أشعث وسعيد جميعاً عن الحسن أنه قال: الأمصار: المدينة، والشام،
ومصر، والجزيرة، والكوفة، والبصرة، والبحرين.
قال ابن المنادي: وحدثني جدي قال: حدثنا روح قال: حدثنا سعيد عن قتادة أنه كان
يجعلها عشرة: المدينة، ومصر، والكوفة، والبصرة، ودمشق، والجزيرة، وحمص، والأردن،
وفلسطين، وقنسرين.
وقال ابن المنادي: الشامات خمس كور: الأولى قنسرين، ومدينتها العظمى حلب، وقنسرين
أقدم منها، وبينهما أربع فراسخ، وبها آثار الخليل عليه السلام ومقامه، وقد نزلها
أكابر الملوك كبني حمدان وغيرهم.
قال: ومن رسداقها منبج، وهي مدينة قديمة.
وذكر ابن حوقل النصيبي في كتابه قال في ذكر جند قنسرين: هي مدينة تنسب الكور إليها
من أضيق النواحي بناء وإن كانت نزهة الظاهر، معونة في موضعها لما كان بها من الرخص
والسعة في الأسعار والخيرات والمياه، اكتسحها الروم، فكأنها لم تكن إلا بقايا دمن،
وجميع جند قنسرين أعذاء، وشربهم من السماء، وهي مدينة كثيرة الخير والسعة، وبها
الفستق والتين وما شاكل ذلك.
قوله: وشربهم من السماء، يعني ضواحي قنسرين وقراها، أما المدينة نفسه فقويق يمر
بجانبها وكانت القناة من بركة عين المباركة بقرب حلب يأتي ماؤها إلى مدينة قنسرين،
وكانت القناة قد سيقت في لحف الجبل عند الوضيحي إلى صلدي، ثم سيقت تحت الأرض إلى
أن انتهت إلى القناطر، وهي قرية من عملها، فعقدت لها قناطر رفيعة، ورفع ماء القناة
فوقها إلى أن انتهى إلى مكان مرتفع، فسيقت تحت الأرض إلى مدينة قنسرين، فكان شرب
أهل قنسرين منها، وأدركت أنا معظم أسوارها، وبعض أسوار قلعتها، وأبواب مدينتها
قائمة.
وكان سليمان بن قطلمش بعد قتله مسلم بن قريش قد استولى على قنسرين وعمر قلعتها
وتحصن فيها، وحصر حلب، فاتفق على ما اتفق من قتله على ما نذكره في ترجمته، فخربت
قلعة قنسرين مع المدينة؛ وأخذ الناس حجارتها لعمارتهم، وسكورة الأرحاء.
وبنى محمود بن زنكي أولاً خان قنسرين منها، وزاده أتابك طغرل الظاهري ثانياً.
ونقل من عند المدينة إلى حلب شيء وافر، ونقل أيضاً من حجارتها إلى الجسر الذي جدده
سيف الدين علي بن سليمان بن خدر في الوطاة، ورصفه بالحجارة، وفي الخان الذي جدده
بتل السلطان، فتداعت أقطارها، وأمحت أثارها، ولم يبق منها اليوم غير قرية قنسرين
يسكنها الفلاحون والأكره، ويرى من شاهد آثارها فيها معتبره.
وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الإصطخري في كتاب صفة الأقاليم: وقنسرين مدينة
تنسب إليها الكور، وهي من أصغر المدن بها.
وقرأت في بعض كتبي من تواريخ القدماء، ولم يسم القائل أن سلوقوس، وهو الملك الأول بعد
الاسكندر بنى فامية، وحلب، وقنسرين، وقد ذكرت ذلك، والله أعلم.
قلت: ويقال لقنسرين هذه قنسرين الأولى، كذا ذكره ابن الطيب وابن واضح وقال ابن
واضح: وقنسرين الثانية، هي حيار بني القعقاع.
وقال ابن الطيب السرخسي في رحلة المعتضد: ورحل الأمير نحو قنسرين الأولى وقنسرين
مدينة صغيرة لأخي الفصيص التنوخي، وعليها سور، ولها قلعة، وسورها متصل بسور سائر
المدينة.
وقال ابن واضح: وكورة قنسرين الأولى، وهي مدينة على جادة الطريق الأعظم، وبها قوم
من تنوخ.
وقال أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتاب صورة الأرض والمدن: وقنسرين مدينة تنسب
الكورة إليها، وهي من أخصب المدن.
وقال أيضاً: وأما جند قنسرين، فإن مدينتها قنسرين، غير أن دار الإمارة والأسواق
ومجامع الناس والعمارات بحلب.
باب في
فضل قنسرين
واعلم أن لحلب من هذه الفضيلة الحظ الأوفر والنصيب الأكثر، لأن ذكر قنسرين في
الغالب عند الإطلاق ينصرف إلى جند قنسرين، فيتناول ناحيتها، وقد بينا فيما تقدم أن
قصبتها حلب، وأنها المدينة العظمى، فشاركتها في هذه الفضيلة المذكورة.
أخبرنا
أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا أبو
عبد الله محمد بن أبي زيد بن حمد الكراني، وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي
قالا: أخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي قال: أخبرنا أبو الحسين بن فاذشاه، قال
الطرسوسي: وأخبرنا أبو نهشل العنبري قال: أخبرنا أبو بكر بن ريذة قالا: أخبرنا أبو
القاسم سليمان بن أحمد الطبراني قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا
الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن عيسى بن عبيد عن غيلان بن عبد الله
العامري عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن
الله عز وجل أوحى إلي أي هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين،
أو قنسرين.
وأخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إذناً، وأبو محمد عبد العزيز ابن الأخضر
مكاتبة قالا: أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال: أخبرنا أبو
عامر محمود بن القاسم الأزدي قال: أخبرنا عبد الجبار ابن محمد الجراحي قال: أخبرنا
محمد بن أحمد المحبوبي قال: أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي الحافظ قال:
حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن عيسى بن عبيد عن غيلان
بن عبد الله العامري عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير بن عبد الله البجلي عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إلي أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار
هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين.
قال أبو عيسى الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى، تفرد به أبو
عمار. وقد تابع أبا عمار الحسين بن حريث جعفر بن محمد الخراساني، فرواه عن الفضل
بن موسى السيناني.
أخبرناه شيخنا الزاهد الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي
الحلبي مشافهة قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي قال: أخبرنا
أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل قال: أخبرنا جدي أبو محمد قال: حدثنا أبو علي
الحسن بن علي بن إبراهيم قال: حدثنا أبو القاسم حمزة بن عبد الله ابن الحسن الأديب
بأطرابلس قال: حدثنا القاضي أبو نصر محمد بن محمد بن عمرو النيسابوري قال: حدثنا
محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي قال جعفر ابن محمد الخراساني قال: حدثنا الفضل
بن موسى عن عيسى بن عبيد عن غيلان ابن عبد الله العامري عن أبي زرعة عن جرير بن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إلي أي هؤلاء نزلت فهي
دار هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين.
وقد تابع الفضل بن موسى السيناني علي بن الحسن بن شقيق فرواه عن عيسى بن عبيد
الكندي عن غيلان بن عبد الله العامري.
أخبرناه زين الأمناء أبو البركان الحسن بن محمد بن الحسن بدمشق قال: أخبرنا عمي
الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي إجازة، إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا أبو
عبد الله محمد بن الفضل الفراوي.
وأخبرنا المؤيد بن محمد الطوسي، وزينب بنت الشعري في كتابيهما إلي من نيسابور عن
أبي عبد الله الفراوي.
قالت زينب: وأنبأنا أبو المظفر القشيري قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ إملاءً قال: أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري بمرو
قال: أخبرنا إبراهيم بن هلال قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال: حدثنا عيسى بن
عبيد الكندي عن غيلان بن عبد الله العامري عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلي أي هؤلاء البلاد
الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين.
قال أبو عبد الله الحاكم في المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
باب في
ذكر أنطاكية
وتسميتها بهذا الاسم ولقبها ومعرفة من بناها وما قيل فيها
وهي
من الإقليم الرابع أيضاً، وكانت دار الملك للروم، إلى أن كانت وقعة اليرموك، ونصر
الله المسلمين فلم تقم للروم راية بعدها، فانتقل الملك عن أنطاكية إلى
القسطنطينية، ولما انفصل هرقل عنها، وخرج طالباً القسطنطينية، التفت نحو الشام
عندما جاوز الدرب وقال: عليك يا سورية السلام، وسورية هي الشام الخامسة، وأنطاكية
منها، وقد ذكرنا أن في طرف الأحص مدينة خربة يقال لها سورية.
وأنطاكية أعجمية معربة، قيل إنها بتشديد الياء، وقيل بالتخفيف، واسمها بالرومية
أنطوخيا.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسين الكندي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو منصور موهوب بن
أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي قال: في كتابه: فيما تلحن فيه العامة، ومما يشدد،
والعوام تخففه، قال: وأنطاكية بتشديد الياء.
وقال أبو منصور في كتابه المعرب: وأنطاكية اسم مدينة معروفة، مشددة الياء، وهي
أعجمية معربة، وقد تكلمت بها العرب قديماً، وكانوا إذا أعجبهم عمل شيء نسبوه
إليها. قال زهير:
علون بأنطاكية فوق عقمة ... وراد الحواشي لونها لون عندم
قلت: والمشهور من شعر زهير:
وعالمين أنماطاً عتاقاً وكلة ... وراد الحواشي......
البيت. وقد جاء في رواية، كما ذكره أبو منصور.
أنبأنا زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو الفضل بن ناصر قال: أخبرنا أبو زكريا
التبريزي قال: أخبرنا أبو محمد الدهان اللغوي قال: أخبرنا علي بن عيسى الرماني عن
ابن مجاهد القاريء عن أبي العباس ثعلب.
وقال ابن ناصر: وأخبرنا الحميدي سماعاً من لفظه قال: أخبرنا الشيخ أبو غالب أحمد
بن محمد بن سهل النحوي الواسطي قال: قرأت على أبي الحسين بن دينار قال: أخبرنا أبو
بكر بن مقسم قال: حدثنا أبو العباس ثعلب وأنشد بيت زهير.
وعالمين أنماطاً عتاقاً وكلة ... وراد الحواشي لونه لون عندم
وقال: ويروى:
علون بأنطاكية فوق عقمة ... وراد الحواشي لونه لون عندم
وقال في تفسيره: أنطاكية أنماط توضع على الخدور، نسبها إلى أنطاكية، قال: وكل شيء
عندهم من قبل الشام فهو أنطاكي.
قلت: وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي:
أهاجتك سعدى إذ أجد بكورها ... وحفت بأنطاكي رقم خدورها
وذكر أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري في اللامع العزيزي، قيل: إنما
سميت أنطاكية، لن الذي بناها يقال له أنطيخنوس الملك ولا شك أن لفظها قد عرب بعض التعريب،
فلو أنها عربية لوجب أن تكون من النطك، ولم يذكر ذلك أحد من الثقات.
قال أبو العلاء: أنطاكية بلد قديم، وقد ذكرته العرب في أشعارها، وقيل أنهم كانوا
يقولون لمن جاء من الشام، ولما جلب من متاعه أنطاكي، ومنه قول امرىء القيس:
علون بأنطاكية فوق عقمة ... كجرمة نخل أو كجنة يترب
أي بثياب أنطاكية.
قال السكري: وهي قرية من قرى الشام، ويقال لكل ما يأتي من الشام أنطاكي وقرأت في
كتاب أبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، كتاب معجم ما استعجم في ذكر
ما جاء في أشعار العرب من الأماكن، قال: أنطاكية بتخفيف الياء، مدينة من الثغور
الشامية معروفة، قال اللغويون كل شيء عند العرب من قبل الشام، فهو أنطاكي، قال
زهير:
وعالمين أنطاكية فوق عقمة ... وراد الحواشي لونه لون عندم
وقد وجدت بخط علي بن حمران في ديوان شعر زهير هذا البيت، وكتب بخطه نسبها إلى
أنطاكية، وكتب فوقها خف، وذكر أنه نقله من أصل أبي الحسين علي بن محمد بن دينار،
وهي مقابلة بنسخة أبي الفتح جخحج، وذكر أنه قابل بها كتاب أبي عمر القطربلي،
وكتاباً بخط أبي موسى الحامض، ونسخة بخط أبي الحسن محمد بن محمد الترمذي، ونقوله
من أصل أبي بكر بن مجاهد، وذكر أبو الفتح أنه قابل نسخته بأصل ابن الخياط، وقابل
أيضاً بأصل أبي سعيد بخطه، قال ابن حمران: وقرأته على أبي أحمد عبد السلام البصري،
وسمعته يقرأ على أبي الحسن علي بن عيسى صاحب أبي علي.
وقال الحسن بن أبي الخصيب الكاتب في كتاب الكارمتهر في علم أحكام النجوم: أقسام
الأرض أربعة، أولها أنطاكية وناحية المشرق، لها من البروج السرطان والأسد والعذراء
ومن السبعة الشمس والمشتري.
وقرأت
في تاريخ أبي الثناء حماد بن هبة الله بن حماد الحراني، بحران، قال: وقيل أن
إبراهيم عليه السلام قال: أخبرني ربي أن أول مدينة وضعت على وجه الأرض حران، وهي
العجوز، ثم بابل، ثم مدينة تيونه، ثم دمشق، ثم صنعاء اليمن، ثم أنطاكية، ثم رومية.
وهذا خلاف ما يأتي من أن بنائها كان بعد موت الاسكندر.
قرأت بخط محمد بن فتوح بن عبد الله الحميدي الحافظ: أنطاكية تسميها النصارى مدينة
الله، ومدينة الملك، وأم المدن، لأنها أول بلد ظهرت فيه النصرانية، وبها كرسي
باطره، وهو المقدم على التلاميذ، وهو سمعون، وقيل أنه هو الذي ابتدأ بنيان الكنيسة
بأنطاكية، التي تسمى القسيان.
وقرأت بخط الشريف ادريس بن حسن بن علي الادريسي المؤرخ ما ذكر أنه نقله من تاريخ
أنطاكية لبعض النصاري، أقلو ذنوس ملك ثلاثة عشر سنة وتسعة أشهر، وسمي المؤمنون
بالمسيح - يعني في أيامه - بأنطاكية نصارى، ومنها كان ابتداء النسبة وانتشر هذا
الاسم في سائر البلاد.
وذكر في هذا التاريخ يوسطليانوس ملك تسعاً وثلاثين سنة، وفي السنة الثالثة من ملكه
خسف بأنطاكية. وأبصر رجل قديس في نومه قائلاً يقول له: تكتب على أبواب المدينة،
الله معنا. ومن ذلك اليوم دعيت مدينة الله.
وقرأت في بعض تواريخ المسيحية أن مقام الروم بأنطاكية - وكانوا يدعونها مدينة
الله، ومدينة الملك، وأم المدن، وإنما قيل لها أم المدن، لأنها أول بلد ظهر فيه
دين النصرانية، وسميت مدينة الله، لأنه خسف بها في السنة الثالثة من مملكة
يوسطليانوس الرومي، وأبصر رجل صالح في نومه قائلاً يقول: يكتب على أبواب المدينة،
الله معنا، فدعيت من ذلك اليوم مدينة الله.
وأما
معرفة من بناها
فقرأت بخط يحيى بن جرير التكريتي في كتابه الذي ضمنه أوقات بناء المدن، وقد قدمنا ذكره
قال: بعد دولة الاسكندر وموته باثنتي عشرة سنة بنى سلوقس اللاذقية، وسلوقية
وأفامية، وباروا وهي حلب وإذا سا وهي الرها، وكمل بناء أنطاكية، وكان بناها قبله،
أعني أنطاكية، أنيطغنوس في السنة السادسة من موت الاسكندر.
قال يحيى بن جرير: بني أنطيغنوس الملك على نهر أورنطس مدينة سماها أنطوغنيا وهي
التي كمل سلوقوس بناءها، وزخرفها وسماها على اسم ولده أنطيوخوس، وهي أنطاكية.
وذكر أحمد بن محمد بن اسحق الهمذاني المعروف بابن الفقيه، فيما قرأته في كتاب
البلدان وأخبارها من تأليفه قال: وقال الهيثم بن عدي: أنطاكية بناها أنطيخس الملك
الثالث بعد الاسكندر وقد ذكرنا عن أبي العلاء أن الذي بناها يقال له أنطيخنوس
الملك.
وقرأت في تاريخ قديم وقع إلي وعدد فيه ملوك سورية قال: وهي بالشام فذكر سلوقس، وهو
الذي بنى حلب وقنسرين، ثم ملك بعده أنطياخوس بن سوطر تسعاً وعشرين سنة، وبنى
أنطاكية، وسمي الاله خمسة عشر سنة.
وقرأت في تاريخ سعيد بن بطريق النصراني قال: وملك بطليموس محب أمه عشرين سنة، وفي
أيامه غلب على الشام وأرض يهوذا أنطياخوس ملك الروم، فأخرج اليهود من الشام،
ونالهم منه كل شدة وعذاب. وملك بعده أخوه بطلميوس ويلقب أيضاً الصائغ ثلاثاً
وعشرين سنة، وفي أيامه بنى أنطياخوس ملك الروم أنطاكية، وسماها باسمه فسميت مدينة
أنطياخوس وهي أنطاكية.
وقرأت في بعض ما علقته من الفوائد قيل أن أول من سكن أنطاكية وعمرها أنطاكية بنت
الروم بن اليفن بن سام بن نوح، وهي أخت أنطالية باللام.
وقرأت في بعض تواريخ القدماء قال أونيناوس: في السنة الثالثة عشر من تاريخ
الاسكندر بنى سولوقس أنطاكية.
قرأت بخط غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن في كتاب الربيع، وأنبأنا به جماعة عن
ابن البطي عن محمد بن فتوح الحميدي قال: أخبرنا غرس النعمة أنه نقل من خط ابن
بطلان الطبيب رسالة، كتبها إلى والده هلال بن المحسن، بعد خروجه من بغداد يخبره
فيها بأحوال البلاد التي مر بها في سفره، وذلك في سنة أربعين وأربعمائة قال فيها:
وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية، وبين حلب وبينها يوم وليلة، فوجدنا المسافة التي
بين حلب وأنطاكية أرضاً عامرة لا خراب فيها أصلاً، لكنها أرض زرع للحنطة والشعير
تحت شجر الزيتون، قراها متصلة ورياضها مزهرة، ومياهها متفجرة، يقطعها السفر في بال
رخي وأمن، وسكون.
وأنطاكية
بلد عظيم ذو سور وفصيل، ولسوره ثلاثمائة وستون برجاً يطوف عليها بالنوبة أربعة
آلاف حارس، ينفذون من القسطنطينية من حضرة الملك يضمنون حراسة البلد سنة، ويستبدل
بهم في السنة الثانية. وسكك البلد كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل، والسور يصعد مع
الجبل إلى قلته، فيتم دائرة، وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تبين لبعدها عن البلد
صغيرة وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية، وللسور
المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب، وفي وسطها بيعه القسيان، وكانت دار قسيان الملك
الذي أحيا ولده فطرس رئيس الحواريين عليه السلام، وهو هيكل طوله مائة خطوة، وعرضه
ثمانون، وعليه كنيسة على أساطين، وكان بدور الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة
للحكومة، ومعلموا النحو واللغة، وعلى أبواب هذه الكنيسة بنجام للساعات يعمل ليلاً
ونهاراً دائماً، اثنتي عشر ساعة، وهو من عجائب الدنيا، وفي أعلاه خمس طبقات في
الخامسة منها حمامات وبساتين، ومعاصر حسنة تخرقها المياه، وعلة ذلك أن الماء ينزل
إليهم من الجبل المطل عليهم، وهناك من الكنائس ما لا نحد كثرةً، كلها معمولة بالفص
المذهب، والزجاج الملون والبلاط المجزع.
قال: وظاهر البلد نهر يعرف بالمقلوب، يأخذ من الجنوب إلى الشمال، وهو مثل نهر
عيسى، وعليه رحى، يسقي البساتين والأراضي.
وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الفارسي الإصطخري في كتاب صفة الأقاليم: أنطاكية،
وهي بعد دمشق أنزه بلد بالشام، عليها سور صخر يحيط بها، وبجبل مشرف عليها، فيه
مزارع ومياه وأشجار، ومراعي وأرحة، وما يشتغل به أهلها من مرافقها، يقال إن دور
السور للراكب يومين، وتجري مياههم في دورهم، وسككهم، وبها مسجد جامع، وبها ضياع
وقرى ونواحي خصبة جداً.
وقرأت في كتاب ابن حوقل النصيبي قال: والعواصم اسم الناحية، وليس بمدينة تسمى
بذلك، وقصبتها أنطاكية، وهي بعد دمشق أنزه بلد بالشام، وعليها إلى هذه الغاية سور
من صخر يحيط بها، وجبل مشرف عليها، فيه لهم مزارع ومراعي وأشجار وأرحية، وما يستغل
بها أهلها من مرافقها.
ويقال إن دور السور للراكب يوم واحد، وتجري مياههم في أسواقهم ودورهم وسككهم ومسجد
جامعهم، وكان لها ضياع وقرى ونواحي خصبة حسنة، استولى عليها الروم، وكانت قد اختلت
قبل افتتاحها، في أيدي المسلمين، وهي أيضاً في أيدي الروم أشد اختلالاً، وفتحها
الروم في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.
قلت: وبعد استيلاء الروم عليها في هذه السنة فتحها المسلمون، وذلك أن سليمان قطلمش
بن قاؤر بن سلجوق، وجده قاؤر أخو ألب أرسلان، أسرى من نيقيه، وكتم خبره وجد في
السير فوصل إلى أنطاكية في مائتي فارس وثمانية فوارس ليلاً، فتسوروا الأسوار،
وفتحوها ليلاً، وذلك في أول شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة، ثم قتل سليمان بن
قطلمش واستولى يغي سيان على أنطاكية، وأخذها الفرنج خذلهم الله منه في سنة تسعين
وأربعمائة، وبقيت في أيديهم إلى الآن.
والمسجد الجامع الذي كان بأنطاكية للمسلمين، هو إلى جانب القسيان، ودخلت أنطاكية
في سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة وستمائة، ودخلت بيعة القسيان فوجدت بجانبها محراب
المسلمين على حاله، وفي سقوفه آيات القرآن مكتوبة في النقش، وهي على ما ذكره ابن
بطلان من الصورة، وبيعة القسيان مزخرفة بالرخام والفسيفساء.
وقرأت في كتاب الحافظ لمعارف حركات الشمس والقمر والنجوم في آفاقها، تأليف أبي
الحسين ابن المنادي، يقال: ما من بناء بالحجارة أبهأ من كنيسة الرها، ولا بناء
بالخشب أبهأ من كنيسة منبج ولا بناء بالرخام أبهأ من قسيان أنطاكية.
قال لي الشيخ علي بن أبي بكر الهروي في ذكر أنطاكية: وهي من المدن التي كانت يتسلى
بها الغريب عن وطنه، وأما اليوم فلا يعنى لكربها صائم.
ونقلت
من كتاب البلدان تأليف أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب: ولجند قنسرين والعواصم
من الكور، كورة أنطاكية، وهي مدينة قديمة، يقال إنه ليس في أرض الإسلام، ولا أرض
الروم مثلها، أجل ولا أعجب سوراً، عليها سور حجارة في داخل السور منازل تسير فيها
الركبان. وبلغني أن مساحة دور السور، وهو يحيط بالمدينة وبالجبل الذي المدينة في
سفحه إثنا عشر ميلاً، وافتتحت مدينة أنطاكية صلحاً، صالحهم أبو عبيدة بن الجراح،
وعندهم كتاب الصلح إلى هذه الغاية، وبها الكف التي يقال أنها كف يحيى بن زكريا
عليه السلام في كنيسة يقال لها كنيسة القسيان. ولها نهر يقال له الأرنط، عليه
العمارات والأجنة، ولها عيون كثيرة تأتي من الجبل، ثم تجري في منازل المدينة،
ويصرف الماء فيها كيف أحب أهلها، وأهلها الغالبون عليها قوم من العجم، وبها قوم من
ولد صالح بن علي الهاشمي وقوم من العرب من يمن.
قرأت في كتاب أبي إسحق إبراهيم بن الحسن بن أبي الحسن الزيات الفيلسفوف، المسمى
نزهة النفوس وأنس الجليس في ذكر المدن والأقاليم، فقال: ذكر مدينة أنطاكية، وهي في
الإقليم الرابع، وبعدها من خط الإستواء ستة وثلاثون درجة، وهي مدينة قديمة، وليس
في أرض الإسلام ولا في أرض الروم مثلها، ولها سور من حجارة، ودورها اثنا عشر ميلاً
وبعدها عن خط المغرب إثنتان وستون درجة إفتتحها أبو عبيدة بن الجراح صلحاً، وعندهم
الآن كتاب الصلح، وبها قبر يحيى بن زكريا عليه السلام، وكنيسة يقال لها القسيان،
وبها نهر الأرنط، عليه العمارات والضياع والبساتين، وبها عيون كثيرة تأتي من قنوات
من الجبال، فتدخل منازلهم، فيضرب الماء لكل جهة، وأهلها قوم من العجم، وبها قوم من
العرب.
وقرأت في كتاب المسالك والممالك للحسن بن أحمد المهلبي العزيزي، وضعه للعزيز الفاطمي
المستولي على مصر، قال: فأما مدينة أنطاكية فهي مدينة العواصم، وهي مدينة جليلة
فتحها أبو عبيدة بن الجراح، وأسكنها المسلمين، وهي من الإقليم الرابع، وعرضها خمس
وثلاثون درجة، وهي مدينة عظيمة ليس في الإسلام، ولا في بلد الروم مثلها، لأنها في
لحف جبل، هو من شرقها مطل عليها، لا تقع عليها الشمس إلا بعد ساعتين من النهار،
وعليها سور من حجارة يدور بسهلها، ثم يطلع إلى نصف الجبل، ثم إلى أعلاه، ثم ينزل
حتى يستدير عليها من السهل أيضاً، وفي داخل السور عراص كثيرة في الجبل ومزارع
وأجنة وبساتين، ويتخرق الماء من عيون له في الجبل مقناة إلى المدينة والأسواق
والمنازل، كما يتخرق مدينة دمشق، وأبنيتها كلها بالحجر، والفواكه والزهر بها
كالمجان، ومساحة دور السور إثنا عشر ميلاً، وبها كنيسة القسيان، وهي كنيسة جليلة
عظيمة البناء والقدر عند النصارى، ويقال أن بها كف يحيى بن زكريا عليه السلام،
وبرسمها بطريق، وتجل النصارى قدره، لها أعمال واسعة من المشرق إلى المغرب، وأهلها
الغالبون عليها قوم من الفرس، وقوم من ولد صالح بن علي ومواليه، وأهلها أحسن خلق
الله تعالى وجوهاً، وأكرمهم أخلاقاً، وأرقهم طباعاً، وأسمحهم نفوساً، والأغلب على
خلقهم البياض والحمرة، ومذاهبهم على ما كان عليه أهل الشام إلا من تخصص ولها من
الكور، كورة تيزين، وهي ضياع جليلة القدر، وكورة الجومة وبها العيون الكبريتية
التي تجري إلى الحمة، وكورة جندارس مدينة عجيبة البناء، مبنية بالحجارة والعمد،
وكورة أرتاح، وهي مدينة جليلة القدر، وكورة الدقس، وهي كورة جليلة، وكورة قرصيلي،
وهي ضياع جليلة، وكورة السويدية وهي مدينة على ضفة البحر المالح، وكورة الفارسية
والعربية، وهي جليلة القدر، وكورة يدابيا والقرشية.
قلت وأهلها الآن هم من أبناء الروم والأفرنج، وخلقهم في الحسن والجمال على ما ذكر.
وكورة تيزين وكورة الجومة، وكورة جندارس، وكورة أرتاح في يد المسلمين الآن مضافة
إلى ولاة حلب.
وحارم من هذه الناحية لها قلعة عظيمة حصينة، وهي عامرة، ولها ربض وأسواق ومسجد
جامع، وهي كثيرة البساتين والفواكه نزهة، كانت من أعمال أنطاكية، وهي الآن مستقلة
بنفسها، مستتبعة لغيرها من أعمال حلب حرسها الله.
نقلت
من خط بنوسة في كتاب البلدان تأليف أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري مما حكاه عمن
حدثه من أهل الشام، قالوا: ونقل معاوية بن أبي سفيان إلى أنطاكية في سنة اثنتين
وأربعين جماعة من الفرس من أهل بعلبك وحمص، ومن المصرين، فكان فيهم مسلم بن عبد
الله، جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي، وكان مسلم قتل على باب من
أبواب أنطاكية يعرف اليوم بباب مسلمة، وذلك أن الروم خرجت من الساحل، فأناخت على
أنطاكية، وكان مسلم على السور، فرماه علج بحجر فقتله.
وقال البلاذري: وحدثني جماعة من مشايخ أهل أنطاكية منهم ابن برد الفقيه أن الوليد
بن عبد الملك أقطع جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل، وصير الفلثر، وهو الجريب،
عليهم بدينار ومدي قمح، فعمروها، وجرى ذلك لهم، وبنى حصن سلوقية.
قال: وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد عن مكحول قال: نقل معاوية في سنة تسع
وأربعين أو سنة خمسين إلى السواحل قوماً من زط البصرة والسيابجه، وأنزل بعضهم
أنطاكية.
قال أبو حفص: بأنطاكية محلة تعرف بالزط، وببوقا من عمل أنطاكية قوم من أولادهم
يعرفون بالزط، وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل إلى أنطاكية قوماً من زط السند ممن
حمله محمد بن القاسم إلى الحجاج، فبعث بهم الحجاج إلى الشام.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي مشافهةً عن أبي سعد
عبد الكريم بن محمد السمعاني قال: أنطاكية هي من أحسن البلاد في تلك الناحية
وأكثرها خيراً، استولى عليها الفرنج، وهي في أيديهم الساعة، وهي دار مملكتهم،
والدواء المسهل الذي يقال له الأنطاكي منسوب إلى هذه البلدة، المعروف بالسقمونيا،
ولا يكون ببلد إلا بهذه البلدة، وقيل إن هذه الآية في أنطاكية: " واضرب لهم
مثلاً أصحاب القرية، إِذ جاءها المرسلون " . وبها قبر حبيب النجار في السوق
كان بها، ومنها جماعة من العلماء المشهورين قديماً وحديثاً.
قرأت في كتاب أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني الفقيه في البلدان وأخبارها: لما أن
افتتح أنوشروان قنسرين ومنبج وحلب وحمص ودمشق وإيليا وأنطاكية استحسن أنطاكية،
فلما انصرف إلى العراق، بنى بها مدينة على مثال أنطاكية بأسواقها وشوارعها ودورها،
وسماها رندخسره، وهي التي يسميها العرب الرومية، وأمر أن يدخل إليها سبي أنطاكية،
فلما دخلوها لم ينكروا من منازلهم شيئاً، فانطلق كل رجل منهم إلى منزله، إلا رجل
أسكاف، كان على باب داره بأنطاكية شجرة فرصاد فلم يرها على بابه ذلك، فتحير ساعةً،
ثم دخل الدار فوجدها مثل داره.
وقرأت في بعض ما علقته من الفوائد أن كسرى بنى الرومية بالمدائن وهي باذبجان خسره،
وتفسيرها خير من أنطاكية.
وهذا الذي ذكره ابن الفقيه أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني من أنهم لم ينكروا من
منازلهم، وأن الرجل الأسكاف لم ير شجرة الفرصاد على بابه فتحير ساعة ثم دخل، بعيد
جداً، بل هو من المستحيلات، لأن أبنية أنطاكية بالحجر، وبناء هذه المدينة بالآجر،
بل يحتمل أنه شبهها بها في المنازل والشوارع، فدخل كل واحد إلى ما يشبه منزله، لا
أن الأسكاف أنكر الموضع لأنه لم ير شجرة الفرصاد.
وذكر أبو عبد الله حمزه بن الحسن الأصبهاني في كتاب تواريخ الأمم: كسرى أنوشروان
بن قباذ، وبنى عدة مدن، منها مدينة دخلت في عداد مدن المدائن السبع، وسماها به
أربذ يو خسره ومعنى به أربذ يو خسره، أي خير من أنطاكية وقال: أربذ يوم اسم لمدينة
أنطاكية، وبه اسم للخير.
وقع إلي قصيدة من نظم أبي عمرو القاسم بن أبي داود الطرسوسي مزدوجة وسمها بقصيدة
الأعلام يذكر فيها خروجه من طرسوس سنة ثمان وثلاثمائة، ويصف فيها المنازل التي
نزلها فذكر أنطاكية وفضلها، وفسر الأبيات، والنسخة نسخة عتيقة جداً. قال فيها:
ثم وردنا غُدوة أنطاكية ... وأهلها في خيره مُواسيه
أهل عفاف وأمور عالية ... أخلاقهم قدماً عليها جارية
مدينة ميمونةٌ مذ لم تزل ... النصف في السهل ونصف في الجبل
والبق لا يدخُلها ويتّصل ... لكن بها فأر عظيم كالورل
كثيرة الخيرات والثمار ... وتينها القلار في الأشجار
مثل النجوم في دجى الأسحار ... حصينة كثيرة الآثار
صاحب
ياسين حبيب فيها ... وكان عند ربّه وجيها
في الخُلد والثمار يجتنيها ... أكرم به مُفتخراً نبيها
وقال في تفسير الأبيات: أما أنطاكية فإن لها حصناً نصف في السهل ونصف في الجبل ولا
يدخلها البق، ومن خرج منها آذاه البق، وهي كثيرة الفأر، والتين القلاري لا يكون
إلا بها، ويعرف بالعراق بالشامي، وصاحب ياسين حبيب النجار قبره بها، وهو الذي قال:
يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.
باب
ما جاء في ذم أنطاكية
قيل إن أمير المؤمنين هرون الرشيد رحمة الله عليه كان ورد أنطاكية، فاستطابها جداً،
وهم بالمقام فيها، وكره ذلك أهلها، فقال له شيخ منهم، وصدفه عن الصورة،: يا أمير
المؤمنين ليست هذه من بلدانك، قال: وكيف؟ قال: لأن الطيب الفاخر يتغير فيها حتى لا
ينتفع به، والسلاح يصدأ فيها، ولو كان من قلع الهند، فتركها ورحل عنها.
ويقال إن أنطاكية كثيرة الفأر، وقد ذكر ذلك أبو عمرو القاسم بن أبي داود الطرسوسي
في أرجوزة له، فقال في ذكر أنطاكية:
والبق لا يدخلها ويتصل ... لكن بها فأرٌ عظيم كالورل
أنبأنا عبد المحسن بن عبد الله الخطيب عن أبي عبد الله الحسين بن نصر بن خميس قال:
أخبرنا أبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم البقال قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن
الحسين بن دوما النعالي قال: أخبرنا أبو علي محمد بن جعفر بن مخلد الباقرحي قال:
حدثنا أبو محمد الحسن بن علوية القطان قال: حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار قال:
حدثنا إسحق بن بشر أبو حذيفة عن ابن سمعان قال: بلغني عمن له علم بالعلم الأول أن
كل رجل بعثه سمعون بعد عيسى إلى أناس أو بلدة أقام عندهم حتى مات في بلادهم،
واتبعوه ما خلا يحنى وتومان بعثا إلى أنطاكية فلم يجيبوهما، وقتلوا من آمن بهما
واتبعهما، وعدوا عليهما، وأرادوا قتلهما، وقتلوا حبيب النجار، فأخذهم الله
بالصيحة، وكانت أول مدينة أهلكها الله بعد عيسى أنطاكية.
قال أبو حذيفة إسحق بن بشر: وقال الحسن: إن مدينة أنطاكية من مدائن جهنم.
قلت ظن أبو حذيفة أن الحسن أراد بقوله إن مدينة أنطاكية من مدائن جهنم، أنطاكية
الشام، فذكر ذلك عقيب ذكر حبيب النجار وأخذ أهل أنطاكية بالصيحة، وليس الأمر كذلك،
بل المراد من أنطاكية التي ذكرها الحسن أنطاكية المحترقه، وهي أنطاكية الروم، لما
نذكره ونبينه، وأخذ أهل أنطاكية بالصيحة لعتوهم وتكذيبهم، لا يدل على عدم الفضيلة،
فإن مكة أشرف البقاع وقد كذب أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتقم الله منهم،
ونصره عليهم، بل عقوبة الجاني في الموضع الشريف أليق بحال الجاني، ألا ترى إلى
أصحاب الفيل كيف انتهكوا حرمة الحرم، فأهلكهم الله تعالى كما أخبر في كتابه بقوله
تعالى: " وأرسل عليهم طيراً أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل. فجعلهم كعصف
مأكول " ، فكان ذلك زيادة في شرف الحرم، فهكذا فيما نحن فيه. ألا ترى إلى ما
حكيناه فيما تقدم من تسميتها مدينة الله، أنه لما خسف بها رأى رجل صالح في نومه
قائلاً يقول: تكتب على أبواب المدينة الله معنا، فسميت مدينة الله.
والدليل على أن المراد يقول الحسن أنطاكية الروم، ما أخبرنا الشيخ الإمام أبو
منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال أخبرنا عمي أبو القاسم على بن الحسن قال:
أخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد قال أخبرنا جدي
أبو عبد الله قال: أخبرنا أبو المعمر المسدد بن علي بن عبد الله بن العباس بن أبي
السحيس الحمصي، قدم علينا، قال: حدثنا أبو بكر محمد ابن سليمان بن يوسف الربعي
قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي قال: حدثنا ادريس بن سليمان
بالرمله قال: حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن حازم قال: حدثنا الوليد بن محمد عن
الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أربع مدائن في الدنيا من الجنة مكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق، وأربع مدائن
من النار روميه وقسطنطينية وأنطاكية وصنعاء، قال إدريس: يعني أنطاكية المحترقه.
وقد
جاء في رواية أخرى مصرحاً في الحديث بأنها أنطاكية المحترقة. أخبرنا بذلك الفقيه
العالم شرف الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد ابن الحسن الدمشقي قال أخبرنا عمي
أبو القاسم بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن المظفر بن سبط وأبو عبد الله
الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البارع ببغداد، وأم البهاء فاطمة بنت علي بن الحسين
العكبرية بدمشق قالوا: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي الدجاجي قال: أخبرنا علي بن
عمر بن محمد الحربي قال حدثنا أبو السري سهل بن يحيى، وقال ابن السبط: ابن يحيى بن
سبأ الحداد، قال: حدثنا سعيد بن عثمان الرازي قال: حدثنا عبد الواحد بن يزيد عن
محمد بن مسلم الطائفي عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مدائن من مدائن الجنة وأربع مدائن من مدائن
النار، فأما مدائن الجنة فمكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق، وأما مدائن النار
فالقسطنطينيه وطبريه وأنطاكية المحترقة وصنعاء.
وذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري أن أنطاكية المحترقة ببلاد الروم، أحرقها
العباس بن الوليد بن عبد الملك.
وقال أبو عبد الله السقطي ليس هي صنعاء وإنما هي صنعاء بأرض الروم.
وقد جاء في رواية أخرى بدل طبرية الطوانه وهو الصحيح قرأت في كتاب الحافظ لمعارف
حركات الشمس والقمر والأقاليم وأسماء بلدانها تأليف أبي الحسين أحمد بن جعفر بن
محمد بن عبيد الله المنادي، وأظنه بخطه، والنسخة مقروءة عليه، قال: بلغنا عن يزيد
بن عبد الله الخولاني عن كعب الأحبار أنه قال: خمس مدائن في الدنيا من مدائن الجنة
وخمس مدائن في الدنيا من مدائن النار، فأما مدائن الجنة فحمص، ودمشق، وبيت المقدس،
وبيت جبرين، وظفار اليمن، وأما مدائن النار فالقسطنطينيه وعمورية وأنطاكية وتدمر
وصنعاء اليمن.
قال أبو الحسين بن المنادي: هذه ليست أنطاكية الشام، ولكنها أنطاكية الروم.
أخبرني من أثق به، وكتبه لي بخطه، قال: قرأت في مجموع جمعه رشاء بن نظيف، قال:
وأظنه بخطه، قلت وأخبرنا به إجازة أبو البركات الحسن بن محمد ابن الحسن عن عمه أبي
القاسم الحافظ قال: أنبأنا أبو القاسم النسيب عن رشاء بن نظيف قال: حدثني أبو سعيد
محمد بن أحمد بن عبادة البيروتي، بمدينة دمشق قال: حدثني عبد المؤمن بن المتوكل
قال: حدثنا أبو عبد الرحمن مكحول قال: حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه
الوليد عن عروة عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تثور بنو الأصفر
بالعرب فتكون بينهم وقعة في موضع يقال له الرأس واللفئكة، فتسيل فيه دماء حتى تخوض
الخيل في الدماء إلى أرسانها، قال ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا
رسول الله أفمن قلة؟ قال: إنما تكثر الأعمال السوء، ولينزع الله المهابة من صدور
أعدائكم منهم، وتكونوا في عينهم كغثاء السيل، ويفتحون الملعونتان، قال ثوبان مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله وما الملعونتان؟ قال: أنطاكية وصيدا.
وهذه أيضاً أنطاكية المحترقة أيضاً، والله أعلم، لأنه قد ورد أنها من مدائن النار
أما أنطاكية الشام، فقد جاء في فضلها من الأخبار والآثار ما نذكره إن شاء الله
تعالى.
باب في
فضل أنطاكية
ذكر الله تعالى أنطاكية في القرآن في موضعين وسماها قرية، وسماها مدينة في
الموضعين، ذكرها في سورة الكهف في قصة الجدار الذي أراد أن ينقض فأقامه، وسماها في
أول القصة قرية بقوله تعالى: " حتى إِذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها "
وسماها تبارك وتعالى في آخر القصة بالمدينة حيث قال عز من قائل: " وأما
الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة " .
جاء في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه أنها أنطاكية، وذكر ذلك أبو إسحق الثعلبي
وغيره.
وذكرها الله تعالى أيضاً في سورة ياسين في قصة حبيب النجار، قال سبحانه وتعالى في
أول القصة: " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إِذ جاءها المرسلون " . وقال
عز من قائل في آخر القصة: " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى " .
أخبرنا
أبو الغنائم محمد بن أبي طالب بن شهريار في كتابه إلينا من أصفهان قال: أخبرتنا
فاطمة بنت أبي الفضل، المعروفة ببنت البغدادي، قالت: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن
محمود الثقفي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المقرىء قال: حدثنا إبراهيم بن
عبد الله قال: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن
السدي عن عكرمة في قوله تعالى: " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية " . قال
هي أنطاكية.
ونقلت من كتاب أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي الذي سماه الحافظ، وهو مسموع
عليه، قال: حدثنا جدي قال: حدثنا يونس قال: حدثنا شيبان عن قتادة: واضرب لهم مثلاً
أصحاب القرية. قال: ذكر لنا أنها أنطاكية، مدينة من مدائن الروم.
قلت: قوله من مدائن الروم يعني أنها كانت من مدائن الروم، والروم يعظمونها.
قال: قصة حبيب كانت بأنطاكية الشام، وقبره بها.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إذناً، قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن
محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا الحسين
بن علي بن الحسين بن بطحاء المحتسب قال: أخبرنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي
الحراني قال: حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبه قال: حدثنا أحمد بن مسلم الحلبي قال:
حدثنا عبد الله بن السري المدائني عن أبي عمر البزاز عن خالد بن سعيد عن الشعبي عن
تميم الداري قال: قلت يا رسول الله ما رأيت بالروم مدينة مثل مدينة يقال لها
أنطاكية، وما رأيت أكثر مطراً منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم وذلك أن
فيها التوراة، وعصا موسى ورضراض الألواح، ومائدة سليمان بن داوود في غار من
غيرانها، ما من سحابة تشرف عليها من وجه من الوجوه إلا أفرغت ما فيها من البركة في
ذلك الوادي، ولا تذهب الأيام والليالي حتى يسكنها رجل من عترتي، اسمه اسمي واسم
أبيه اسم أبي، يشبه خلقه خلقي وخلقه خلقي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً
وجوراً.
وقد روي هذا الحديث عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه زيادة
على ما رواه الشعبي عن تميم الداري، نقلته من خط القاضي أبي عمرو عثمان بن عبد
الله بن إبراهيم الطرسوسي قاضي معرة النعمان، وكان فاضلاً مسنداً، قال: حدثنا أبو
عمير عدي بن أحمد بن عبد الباقي قال: حدثنا يوسف ابن سعيد بن مسلم قال: حدثنا
الحجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه
وسلم إذ أتاه تميم الداري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين قدمت؟
قال: من الشام، فقال تميم: يا رسول الله لم أر بالشام مدينة أحسن من أنطاكية ولا
أطيب إلا أنها كثيرة الأمطار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما السبب
في ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فيها جبل، وفي ذلك الجبل غار، وفي ذلك
الغار عصاة موسى صلى الله عليه، وشيء من ألواحه، ومائدة سليمان، ومحبرة إدريس،
ومنطقه شعيب، وبردا نوح، ولا تطلع سحابة شرقية ولا غربية ولا قبلية ولا حربية إلا
حط من بركتها عليها وعلى ذلك الغار قبل أن تمطر في الدنيا، ولا تقوم الساعة ولا
تذهب الليالي والأيام حتى يخرج رجل من أهل بيتي ومن عترتي يوافق اسمه اسمي واسم
أبيه اسم أبي، فيستخرج جميع ما في ذلك الغار، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً
وظلماً.
أنبأنا عبد العزيز بن الحسين بن هلالة قال: أخبرتنا عفيفة بنت أحمد بن عبد الله
الأصبهانية قالت: أخبرتنا فاطمة الجوزدانية قالت: أخبرنا أبو بكر بن ريذة قال:
أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حاتم قال: حدثنا نعيم بن
حماد قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوراق عمن حدثه عن كعب قال: إنما سمي
المهدي لأنه يهدي لأمر قد خفي، ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال:
أخبرنا أبو الفضائل ناصر بن محمود بن علي القرشي.
وأخبرنا
أبو محمد هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن طاوس إجازة قال: أخبرنا أبو الفضائل
ناصر بن محمود قال: حدثنا علي بن أحمد بن زهير قال: حدثنا علي بن محمد بن شجاع
قال: أخبرنا أبو الحسن فاتك بن عبد الله المزاحمي بصور قال: حدثنا أبو القاسم علي
بن محمد بن طاهر بصور قال: حدثنا أبو عبد الملك محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن
جرير بن عبدوس قال: حدثنا موسى بن أيوب قال: حدثنا عبد الله بن قسيم عن السري بن
بزيع عن السري بن يحيى عن الحسن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها، وعلى أبواب
أنطاكية وما حولها، وعلى باب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان وما حولها،
ظاهرين على الحق لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم، حتى يخرج الله كنزة من الطالقان
فيحيي به دينه كما أميت من قبل.
وقرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي القاضي: حدثنا أبو
الفضل صالح بن يوسف العجلي قال: حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال: حدثنا ابن
مسرور عن ابن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: أفضل الرباط أربعة: عسقلان، والاسكندرية، وهما العروسان، وأنطاكية
ثم قال: لا تزال طائفة من الملائكة يقاتلون حول أنطاكية وحول دمشق وحول الطالقان
إلى أن يخرج يأجوج ومأجوج.
وسقط ذكر الرابعة في رواية القاضي أبو عمرو، وأظنها دمشق.
قرأت بخط القاضي أبي عمرو عثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي حدثنا أبو الحسن
علان بن عيسى بن مشكان القاساني سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة قال: حدثنا أبي وعمي
قالا: حدثنا إسحق بن راهويه قال: حدثنا روح ابن عيادة قال: حدثنا زكريا بن إسحق عن
عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالوا: سمعنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قبة بيضاء لم أر
أحسن منها، وحولها قباب كثير، فقلت ما هذه القباب يا جبريل؟ قال: فقال هذه ثغور
أمتك، فقلت: ما هذه القبة البيضاء فإني ما رأيت أحسن منها؟ قال: هي أنطاكية، وهي
أم الثغور، فضلها على الثغور كفضل الفردوس على سائر الجنان، الساكن فيها كالساكن
في البيت المعمور، يحشر إليها أخيار أمتك، وهي سجن عالم من أمتك، وهي معقل ورباط،
وعبادة يوم فيها كعبادة سنة، ومن مات بها من أمتك كتب الله له يوم القيامة أجر
المرابطين.
وقرأت في كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها تأليف أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال:
حدثني محمد بن سهم الأنطاكي عن أبي صالح الفراء قال: قال مخلد بن الحسين سمعت
مشايخ الثغر يقولون كانت أنطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عمر وعثمان رحمهما الله
تعالى.
أنبأنا أبو الفضل عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح المعزم قال: أخبرنا أبو بكر
هبة الله بن الفرخ بن أخت الطويل قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علي
المحكمي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل الكرابيسي
البخاري قال: حدثنا أبو عبد الله محمد ابن موسى قال: حدثنا أبو جعفر هرون بن
إبراهيم بن عيسى بن المنصور أمير المؤمنين الهاشمي ببغداد قال: حدثنا إبراهيم بن
الحسن الأنطاكي والربيع بن ثعلب قالا: حدثنا ربيع بن جميع عن الأعمش عن بشر بن
غالب قال: قدم أهل أنطاكية على الحسين بن علي فسألهم عن حال بلدهم وعن سيرة أميرهم
فيهم، فذكروا خيراً، إلا أنهم شكوا البرد، فقال الحسين بن علي: حدثني أبي عن جدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما بلده كثر أذانها بالصلاة كسر بردها.
وقد رواه الربيع بن ثعلب عن عمرو بن جميع عن بشر بن غالب.
أخبرنا
أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله مشافهة قال: أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أسعد
بن بوش قال: أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف
قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري بقراءة أبي بكر الخطيب وأنا
أسمع قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي المعروف بابن الزيات قراءة
عليه، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن الحسين بن إسحق الصوفي الصغير قال: حدثنا
الربيع بن ثعلب العابد قال: حدثنا عمرو بن جميع عن بشر بن غالب قال: قدم على
الحسين بن علي عليهما السلام ناس من أهل أنطاكية فسألهم عن حال بلادهم، وعن سيرة
أميرهم، فذكروا خيراً، إلا أنهم شكوا إليه البرد، فقال الحسين رضي الله عنه: حدثني
أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما بلدة كثر أذانها بالصلاة
كسر بردها.
وقد روي ذلك عن الحسن بن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وسنذكره في ترجمة أخي بشر بن غالب فيمن لا يعرف اسمه.
باب في
ذكر منبج واسمها وبنائها
وهي مدينة حسنة البناء صحية الهواء كثيرة المياه والأشجار، يانعة البقول والثمار،
وأهلها خلق حسنة، ويقال أنها كانت مدينة الكهنة ودورها وأسوارها مبنية بالحجارة،
ولم تزل أسوارها في أكمل عمارة إلى أن حصرها الملك الظاهر غازي ابن يوسف بن أيوب
في سنة ثمان وتسعين وخمسمائه.
ولما فتحها خرب حصنها وكان حصناً مانعاً، وهو الذي حصره بلك بن أرتق وصاحبها إذ
ذاك حسان، فقتل عليها، وبقي السور على حاله، وإذا انهدم منه شيء لا يعمر، فلما مات
الملك الظاهر جاء كيكاوس ملك الروم وفي صحبته الملك الأفضل علي بن يوسف أخو الملك
الظاهر، فاستولى على المدينة، ورم ما تشعث من سورها، وفتح تل باشر من يد ابن
دلدرم، واستدعى أتابك طغرل الملك الأشرف موسى بن الملك العادل من حمص ليدفع
كيكاوس، فجاء وخرج بعسكر حلب إلى الباب، واتفق للعسكرين وقعة أسر فيها جماعة من
أمراء الروم، فاندفع كيكاوس عن البلاد، فاستعادها الملك الأشرف، فشعت أتابك طغرل
سور منبج عند ذلك تشعيثاً فاحشاً، وتداعت أركانه، وبنى منه الخان الذي جدده أتابك
للسبيل، وهو موضع الحصن الذي خربه الملك الظاهر، وأخذ أهل البلد من حجارة السور
أحجاراً كثيرة لعمائرهم، فلم يبق منه إلا ما يمنع الغارة، وأما البلد فإنه عامر
آهل كثير الخيرات ومعايشهم وافرة جداً، لا سيما في استخراج ماء الورد والخلاف
الأبريسم.
وكان اسمها أولاً سرياس ثم سميت أبروقليس، فسماها كسرى منبه، وعربت فقيل منبج.
قرأت في تاريخ وقع إلي ذكر جامعه أنه انتسخه من كتب شتى، ومن التوراة اليونانية
والسريانية، ومن تاريخ للروم وغيرهم، قال: وفي سنة خمسين من ملكه - يعني ملك
بختنصر - قتل فرعون الأعرج ملك مصر واسمه يوياقيم، قال: وكان فرعون قد أحرق مدينة
منبج، ثم بنيت بعد ذلك، وسميت أبروقليس، وتفسيره مدينة الكهنة.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني في كتابه
إلي من مرو قال: أخبرنا أبي أبو سعد إجازه، إن لم يكن سماعاً، قال: ومنبج بناها
كسرى حين غلب على ناحية من الشام مما كان في أيدي الروم، وسماها منبه، وبنى بها
بيت نار، ووكل به رجلاً يسمى يزدانيار من ولد أزدشير ابن بابك، وهو جد سليمان بن
مجالد الفقيه، ومنبه بالفارسيه أنا أجود، فأعربت العرب منبه منبج، ويقال إنما سميت
ببيت نار منبه، فغلب على اسم المدينة.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إذناً قال: أخبرنا أبو منصور موهوب بن أحمد
بن محمد بن الخضر الجواليقي قال: ومنبج اسم البلد، أعجمي، وقد تكلموا به، ونسبوا
إليه الثياب المنبجانية.
قلت: ويقال الأنبجانية أيضاً، وقد جاء في الحديث....
وقال: أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتاب صورة الأرض والمدن: وأما منبج فهي مدينة
في برية، الغالب على مزارعها الأعداء، وهي خصبة.
وبقربها سنجه، وهي مدينة صغيرة بقربها قنطرة حجاره، تعرف بقنطرة سنجه، ليس في
الإسلام قنطرة أعجب منها.
وقرأت في كتاب أحمد بن الطيب السرخسي في المسالك والممالك، في الطريق من بلاد
الروم إلى الشام في بعض مسالكه، قال: ثم ارجع إلى الحوره، فمنها طريق إلى بحيرة
سماطي ثم بعقبة بيغاس، إلى علو وهي الفرات، ثم إلى سرياس وهي منبج.
وذكر
أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في كتاب البلدان في بغداد، كور جند قنسرين
والعواصم، فقال وكورة منبج وهي مدينة قديمة، افتتحت صلحاً صالح عليها عمرو بن
العاص وهو من قبل أبي عبيدة بن الجراح، وهي على الفرات الأعظم، وبها أخلاط من
الناس من العرب والعجم، وبها منازل وقصور لعبد الملك ابن صالح بن علي الهاشمي.
قلت: قوله " وهي على الفرات " خطأ، لكن جسر منبج على الفرات.
وقيل إن عياض بن غنم فتح منبج صلحاً على مثل صلح حلب.
وذكر البلاذري قال: ولم تزل قنسرين وانطاكية ومنبج وذواتها جنداً، فلما استخلف
هرون بن المهدي أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك جنداً واحداً، وأفرد منبج ودلوك
ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين، وسماها العواصم، لأن المسلمين يعتصمون بها، فتعصمهم
وتمنعهم إذا انصرفوا من عدوهم وخرجوا من الثغور، وجعل مدينة العواصم منبج، فسكنها
عبد الملك بن صالح ابن علي في سنة ثلاث وسبعين ومائه، وبنى بها أبنيته.
وذكر قدامه في كتاب الخراج نحواً من ذلك.
وقرأت في كتاب ابن حوقل النصيبي: مدينة منبج، وهي خصبة كثيرة الأسواق قديمة عظيمة
الآثار، وهي ذات سور أزلي رومي، وبقربها أيضاً مدينة صنجه، وهي مدينة صغيرة،
بقربها قنطره حجاره تعرف بقنطره صنجه، ليس على الإسلام أعجب بناءً منها، يقال أنها
من عجائب الزمان.
قال: وجسر منبج مدينة صغيرة لها زرع سقي ومباخس، وماؤها من الفرات، حصينة، وزروعها
سقي، نزهة ذات مياه وأشجار، وهي قريبة من الفرات، وقد قاربت أن تختل وتخرب.
قال البلاذري في كتاب البلدان: وقرية جسر منبج، ولم يكن الجسر يومئذ، إنما اتخذ في
خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه للصوائف، ويقال بل كان له رسم قديم.
وقال: قالوا: وأتى أبو عبيدة حلب الساجور وقدم عياضاً إلى منبج، ثم لحقه وقد صالح
أهلها على مثل صلح أنطاكية، فأنفذ أبو عبيدة ذلك.
قرأت بخط علي بن هلال الكاتب، المعروف بابن البواب،: لما دخل الرشيد منبج قال:
لعبد الملك بن صالح، وكان أوطنها،: هذا منزلك؟ قال: هو لك، ولي بك، قال: كيف
بناؤه؟ قال: دون منازل أهلي، وفوق منازل الناس، قال: فكيف طيب منبج؟ قال: عذبة
الماء، غذيه الهواء، قليلة الأدواء، قال: فكيف ليلها؟ قال سحر كله.
وفي رواية أخرى من غير خط ابن البواب، قال: إنها لطيبة؟ قال: بك طابت، وبك جملت.
وقرأت في تاريخ محمد بن الأزهر الكاتب: يقال إن الرشيد لما وصل منبج، قال: له،
يعني لعبد الملك بن صالح،: كيف مدينتك؟ قال عذبة الماء، باردة الهواء، صلبة
الموطأ، قليلة الأدواء، قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله. وقال له يوماً: يا أبا عبد
الرحمن ما أحسن بلادكم ! قال: وكيف لا يكون ذلك، وهي برية حمراء، وشملة صفراء،
وشجرة خضراء، فيافي فيح وجبال وضح ! فالتفت الرشيد إلى الفضل بن الربيع فقال له:
ضرب السوط أسهل من هذا الكلام.
أنبأنا أحمد بن عبد الله الأسدي عن الحافظ أبي طاهر الأصبهاني عن أحمد بن محمد بن
الآبنوسي عن أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي قال: يقال: إن
ما من بناء بالحجارة أبهأ من كنيسة الرها، ولا بناء بالخشب أبهأ من كنيسة منبج،
لأنها بطاقات من خشب العناب، ولا بناء بالرخام أبهأ من قسيان أنطاكية، ولا بناء
بطاقات الحجارة أبهأ من كنيسة حمص، ولا بناء بالآجر والجص أبهأ من إيوان كسرى
بالمدائن، ولا منارة أعجب بناءً من منارة الإسكندرية.
نقلت من خط أبي جعفر أحمد بن جبير في رحلته، ذكر مدينة منبج حرسها الله، بلدة
فسيحة الأرجاء صحيحة الهواء، يحويها سور عتيق ممتد الغاية والانتهاء، جوها صقيل،
ومختلاها جميل، ونسيمها أرج النشر عليل، نهارها يندى ظله، وليلها كما قيل فيها سحر
كله، يحف بغربيها وشرقيها بساتين ملتفة الأشجار مختلفة الثمار، والماء يطرد فيها،
ويتخلل جميع نواحيها.
قرأت في رسالة أبي المظفر إبراهيم بن أحمد بن الليث الأذري، بخط أبي طاهر السلفي
الحافظ: ورحلنا منه، يعني من نهر الساجور، إلى منبج، فرأيته ثغراً قد تشعث سوره،
وبلداً قد اختلت أموره، إلا أني رأيت له ظاهراً حسناً أديمه، وجواً طيباً نسيمه،
فلم ألم صديقنا الطائي على قوله:
أوطنتها وأقمت في أفيا ... ئها فكأنني في منبج
ولأبي
فراس الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي يصف منتزهات منبج، وقد أنشدنا بعض قوله
والدي رحمه الله قال: أنشدنا أبو المظفر سعيد بن سهل بن محمد الفلكي قال: أنشدنا
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد قال: أنشدنا أبو منصور بن طاهر قال: أنشدنا محمد بن
عمر المتكلم قال: أنشدنا أبو فراس لنفسه، فذكر بيتين من شعره، والأبيات:
قف في رسوم المستجا ... ب وحي أكناف المصلا
فالجرس فالميموم فالسُ ... قيا بها فالنهر الأعلى
تلك الملاعبُ والمنا ... زل لا أراها الله محلا
حيث التفتّ وجدت ما ... ءً سايحاً وسكنت ظلاّ
تر دار وادي عين قا ... صر منزلاً رحباً مطلاّ
وتحلُّ بالجسر الجنا ... ن وتسكن الحصن المُعلّى
يجلو عرائسُه لنا ... مرج أحسن العيش سهلا
والماءُ يفصل بين زه ... ر الرّوض في الشطّين فصلا
كبساط وشيٍ جرّدت ... أيدي القيون عليه نصلا
قلت: وجسر منبج الآن تحت قلعة نجم، وهي قلعة صغيرة على الفرات، والجسر في ذيلها،
وهي قلعة حسنة المنظر محمودة المخبر، كان لها ربض صغير ومسجد لطيف، فأقطعها الملك
الظاهر بدر الدين ايدمر عتيقه عند موته، وأخذ ولاية قلعة حلب منه، فعمرها وبنى في
الربض مسجداً جامعاً، وجعل فيه منبراً وخطيباً، وبنى سوقاً حسناً، فعظم الربض،
ورغب الناس في المقام فيه، وعوض عن قلعة نجم باللاذقية، وجعل في القلعة وال من جهة
السلطان الملك الناصر أعز الله نصره، وفي البلد وال، فكثرت العمائر في الربض،
وبنيت فيه منازل كثيرة، فاتسعت أرجاؤه، وكثر بناؤه، وصار مصراً من الأمصار، مقصداً
للمعاش من سائر الأقطار.
والقلعة منسوبة إلى نجم غلام جني الصفواني، وكانت لبني نمير، وآخر من كان بها
منصور بن الحسن بن جوشن بن منصور النميري من ولد الراعي عبيد بن الحصين الشاعر،
فقتل منصور وأخذت القلعة منهم، وخلف ولداً اسمه نصر، فأضر وعمره أربع عشرة سنة،
وقال الشعر، وانتقل إلى بغداد بعد أن تغلب الترك على ديارهم، فقال ولده يذكر أباه،
وأنشدنيها أبو الحسن المبارك بن أبي بكر بن مزيد الخواص البغدادي بها عنه.
لا تبعدنّ حسام دولة عامرٍ ... من ليث ملحمة وغيث عطاء
أنحى على شمل العشيرة بعده ... ريبُ الزمان بفرقةٍ وتناء
وسنذكر ترجمة نصر في الأسماء إن شاء الله تعالى.
وقد ذكرها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي بن الشيباني في بعض رسائله فقال: وجئنا
قلعة نجم، وهي نجم في سحاب، وعقاب في عقاب، هامة لها الغمامة عمامة، وأنملة إذا خصها
الأصيل كان الهلال لها قلامة.
باب في
ذكر رصافة هشام
وهي من عمل حلب، واسمها بالرومية قطا ميلا، وذكر ذلك أحمد بن الطيب السرخسي في
كتاب المسالك والممالك، وقال: ومن قطا ميلا إلى العذيب أربعة أربعة وعشرون ميلاً.
وبناها هشام بن عبد الملك بن مروان، ولها سور من الحجر، وفي داخلها مصنع كبير لماء
المطر يشرب منه أهلها، وهي قوية منيعة لأنها في برية ولا ماء عندها إلا ماء المصنع
الذي هو داخل السور، وكان هشام قد اتخذها دار إقامته، ويجري بها خيل الحلبة، وتفد
إليه الوفود بها.
وأهلها مياسير وتغلب عليهم التجارة.
نقلت من كتاب ربيع الآداب في محاسن الأخبار وعيون الأشعار، تصنيف أبي أحمد الحسن
بن عبد الله بن سعيد العسكري، من نسخة مقروءة عليه، قال: أخبرني محمد بن يحيى بن
العباس، أخبرنا الحسن بن عليل العنزي بها قال: حدثنا علي بن الصباح قال: حدثني
هشام بن محمد قال: لما كثر الطاعون في زمن بني أمية وفشا، كانت العرب تنتجع البر
وتبتني القصور والمصانع هرباً منه، إلى أن ولي هشام بن عبد الملك، فابتنى الرصافة.
وكانت الرصافة مدينة رومية بنتها الروم في القديم، ثم خربت، وكان الخلفاء وأبناؤهم
يهربون من الطاعون، فينزلون البرية، فعزم هشام على نزول الرصافة، فقيل له: لا تخرج
فإن الخلفاء لا يطعنون، لم نر خليفة طعن، قال: أفتريدون أن تجربوا بي، فخرج إلى
الرصافة، وهي برية فابتنى بها قصرين.
وذكر
حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب تواريخ الأمم أن النعمان بن الحارث بن الأيهم بن
الحارث بن مايه ذات القرطين، وهو أول ملوك غسان هو الذي أصلح صهاريج الرصافة وكان
بعض ملوك لخم خربها.
قلت وفي الرصافة دير مذكور للنصارى ذكره الشمشاطي في كتاب الديارات، وذكر حكاية
الأخطل، وشد راهب الدير إياه على هجوه الناس، وسنذكر ذلك في ترجمة الأخطل إن شاء
الله.
باب في
ذكر خناصره
وكانت بلدة صغيرة ولها حصن، وبناؤه بالحجر الأسود الصلد، وهي من كورة الأحص، وبلاد
بني أسد، وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قد تديرها وكان يقيم بها في أكثر
أوقاته، وهي اليوم قرية من قرى الأحص، يسكنها الفلاحون، وخرب حصنها وأبنيتها،
ونقلت حجارته.
وسميت باسم بانيها خناصره بن عمرو بن الحارث، وقيل بناها أبو شمر بن جبلة بن
الحارث.
أنبأنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني عن أبيه أبي سعد قال: وخناصره
بناها خناصره بن عمرو بن الحارث بن كعب بن الوغى بن عمرو بن عبد ود بن عوف بن
كنانة الكلبي، وقيل الخناصره بن عمرو، خليفة إبراهيم الأثرم صاحب الفيل، خلفه
باليمن بصنعاء إذ سار إلى كسرى أنوشروان، ويوم خناصره أجاروا على العجم، وقيل
بناها أبو شمر بن جبلة بن الحارث.
ونقلت من كتاب البلدان تأليف أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال: حدثني العباس بن
هشام عن أبيه قال: خناصرة نسبت إلى خناصر ابن عمرو بن الحارث الكلبي ثم الكناني.
وقرأت بخط محمد بن أسعد الجواني النسابة في كتاب الجوهر المكنون: خناصرة فخذ في
عذرة كلب، هم ولد خناصرة بن عمرو أحد بني عبد ود بن عوف بن كنانة بن عذرة بن زيد
اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب، وبه سميت خناصره.
وقرأت في جمهرة نسب اليمن، ولا أعلم مؤلفه، في ذكر كعب المعروف بالوكاء بن عمرو بن
عبد ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن زيد بن كلب بن
وبرة بن تغلب بن حلوان، قال: فمن بني الوكاء بن عمرو خناصر بن الحارث بن كعب
الوكاء، كان قد ملك الشام وبه سميت خناصرة.
وقال ابن الكلبي: بناها خناصرة بن عمرو بن الحارث بن كعب بن عمرو بن عبد ود بن عوف
بن كنانة، وكان ملك الشام.
وقال غيره: عمرها الخناصر بن عمرو خليفة الأثرم صاحب الفيل.
وقال جران العود، وجعلها خناصرات:
نظرت وصحبتي بخُناصرات ... ضحياًّ بعدما متع النهار
إلى ظعن لأخت بني نُميرٍ ... بكابة حيث زاحمها العقار
يعني الرمل.
وفي خناصرة يقول عدي بن الرقاع العاملي، وقد نزل بها الوليد بن عبد الملك، ووفد
عليه.
وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحصّ وزادها
نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثاً أغاث أنيسها وبلادها
وقال أبو زيد البلخي في جند قنسرين: والخناصرة حصن على شفير البرية كان يسكنه عمر
بن عبد العزيز.
وقال ابن حوقل النصيبي في جغرافيا: خناصرة، هي حصن يحاذي قنسرين من ناحية البادية،
وهي على شفيرها وسيفها، وكان عمر بن عبد العزيز يسكن بها، وهي صالحة في قدرها،
مغوثة للمجتازين عليها في وقتنا هذا، لأن الطريق انقطع من بطن الشام بإتيان الروم
عليه، وهلاك مرافقه وبوار ولاته، واستيلاء الأعراب عليهم بعد هلاك ولاته، فلجأ
الناس إلى طريق البادية والبر بالأدلاء والخفارة.
باب في
ذكر بالس
وهي مدينة كانت في أول الإسلام عامرة جداً، وهي أول مدن جند قنسرين وكان لها سور
من بناء الروم، وكانت تفضل على قنسرين في العمارة، وخرج منها جماعة من العلماء
والرؤساء، وفي زماننا خرب سورها، ولم يبق فيها من العلماء أحمد ولا من الرؤساء،
وينسب أهلها إلى قلة العقول.
والغالب على أهل البلد بنو كلاب، وبريتها نزلها قديماً بنو فزارة.
أخبرنا أبو منصور بن محمد الدمشقي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد، أخبرنا أبو
القاسم بن طاهر قال: أخبرنا علي بن محمد قال: أخبرنا محمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو
حاتم البستي قال: أول الشام بالس.
وقال أبو زيد البلخي في كتابه: وأما بالس فهي مدينة على شط الفرات صغيرة، وهي أول
مدن الشام، من العراق إليها عامر، وهي مدينة فرضة الفرات لأهل الشام.
قلت:
وكانت الفرات تلصق بسور المدينة، فجزرت عنها وبعدت جداً حتى صار بينهما بعد، وفي
زماننا قد قربت منها.
وقرأت في كتاب البلدان لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال: وحدثني سفيان بن محمد
البهراني عن أشياخه قالوا: فتح عبادة والمسلمون معه أنطرسوس وكان حصناً، ثم جلا
عنه أهله، فبنى معاوية أنطرسوس ومصرها وأقطع بها القطائع، وكذلك فعل بمدقية وبالس.
وقال البلاذري، فيما حكاه عن شيوخ الشام: قالوا: ثم سار أبو عبيدة - يعني بعد فتح
دلوك ورعبان - حتى نزل عراجين وقدم مقدمته إلى بالس، وبعث جيشاً عليه حبيب بن
مسلمة إلى قاصرين وكانت بالس وقاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التي
بالقرب منهما، وجعلا حافظين لما بينهما وبين مدن الروم بالشام، فلما نزل المسلمون
بها صالحهم أهلها على الجزية أو الجلاء، فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة.
قالوا: ورتب أبو عبيدة ببالس جماعة من المقاتلة، وأسكنها قوماً من العرب الذين
كانوا بالشام، فأسلموا بعد قدوم المسلمين من الشام، وقوماً لم يكونوا من البعوث
نزعوا من البوادي من قيس، وأسكن قاصرين قوماً ثم رفضوها وأعقابهم.
ونقلت من خط ابن كوجك في سيرة المعتضد تأليف سنان بن ثابت، وذكر سنان أنه نقله من
خط أحمد بن الطيب السرخسي في مسير المعتضد لقتال خمارويه ابن طولون في وقعة
الطواحين، على ما ذكرناه في وصفه لمدينة حلب، وذكر أنه رحل من دوسر إلى إلى بالس
يوم السبت لتسع ليال خلون منه - يعني من شهر ربيع الأول من سنة إحدى وسبعين - فنزل
في الجانب الشرقي، ثم عبر في يوم الأحد إلى الجانب الغربي من الفرات، وهو جانب
المدينة، وهي مدينة صغيرة ولها قلعة وربض، عليها سور واحد، بعض بنائها على الفرات
وبعضه بينه وبين الفرات رقه.
وذكر البلاذري في كتابه قال: وكانت بالس والقرى المنسوبة إليها حدها الأعلى
والأسفل أعذاء عشريه، فلما كان مسلمه بن عبد الملك بن مروان توجه غازياً للروم من
نحو الثغور الجزرية، عسكر ببالس، فأتاه أهلها وأهل توبلس وقاصرين وعابدين وصفين،
وهي قرى منسوبة إليها، وأتاه أهل الحد الأعلى فسألوه جميعاً أن يحفر لهم نهراً من
الفرات يسقي أرضهم على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان الذي كان
يأخذه، فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة ووفوا له بالشروط، ورم سور المدينة وأحكمه،
ويقال بل كان إبتداء العرض من مسلمة، وأنه دعاهم إلى هذه المعاملة، فلما مات مسلمة
صارت بالس وقراها لورثته، فلم تزل في أيديهم إلى أن جاءت الدولة المباركة، وقبض
عبد الله بن علي أموال بني أمية، فدخلت فيها، فأقطعها أمير المؤمنين أبو العباس
سليمان بن علي ابن عبد الله بن العباس، فصارت لابنه محمد بن سليمان. وكان جعفر بن
سليمان أخوه يسعى به إلى أمير المؤمنين الرشيد، ويكتب إليه فيعلمه أنه لا مال له
ولا ضيعه إلا وقد إختان أضعاف قيمته، وأنفقه فيما يرشح له نفسه، وعلى من اتخذ من
الخول وأن أمواله حل طلق لأمير المؤمنين، وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه، فلما توفي
محمد بن سليمان، أخرجت كتب جعفر إليه واحتج عليه بها، ولم يكن لمحمد أخ لأبيه وأمه
غيره، فأقر بها، وصارت أمواله للرشيد، فأقطع بالس وقراها المأمون، فصارت لولده من
بعده.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
قرأت في كتاب جغرافيا لابن حوقل النصيبي قال: بالس وهي مدينة على شط الفرات من
غربيه، صغيره، وهي أول مدن الشام على الفرات، فعفت آثارها ودرست قوافلها وتجارها
بعد سيف الدولة، وهي مدينة عليها سور أزلي، ولها بساتين فيما بينها وبين الفرات،
وأكثر غلاتها القمح والشعير، ومن مشهور أخبارها أن المعروف بسيف الدولة عند إنصرافه
عن لقائه صاحب مصر، وقد هلك جميع ماله، أنفذ إليها المعروف بأبي حصين القاضي، فقبض
من تجار كانوا بها، توافرت لهم الأوقات ولم يطلق لهم النفور مع خوف بالهم، فأخرجهم
عن أحمال بز، وأطواف زيت إلى ما عدا ذلك من متاجر الإسلام في دفعتين بينهما شهور
قلائل وأيام يسيرة ألف ألف دينار.
ونقلت
من كتاب البلدان تأليف أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب، وذكر بالس وقال: وهي
مدينة قديمة على شاطئ الفرات في أصل جبل، ومنها تحمل التجارات التي ترد من مصر
وسائر أرض الشام في السفن إلى بغداد، وخراج بالس إلى عامل ديار مضر، وحربها
وصلاتها إلى عامل جند قنسرين والعواصم، وأهلها أخلاط من العرب والعجم.
باب في
ذكر حيار بني القعقاع
ويعرف بحيار بني عبس أيضاً. وهي منسوبة إلى بني القعقاع بن خليد بن جزء بن الحارث
العبسي، وهم أخوال الوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان. لأن أمهما ولادة بنت
القعقاع بن خليد بن جزء، وقيل هي ولاده بنت العباس بن جزء.
وكان الحيار بلداً قديماً، فصار الآن منزلاً للأعراب، ويعرف بقنسرين الثانية،
فإنني قرأت في كتاب البلدان لابن واضح الكاتب في تعداد كور جند قنسرين والعواصم،
قال: وكورة قنسرين الأولى وهي مدينة على جادة الطريق الأعظم، وبها قوم من تنوخ،
وكورة قنسرين الثانية وهي حيار بني القعقاع وأهلها عبس وفزاره وغيرهم من قيس.
وذكر أبو الحسين بن المنادي في كتابه المعروف بالحافظ أن الحيار من الإقليم
الثالث.
وذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتاب البلدان فيما حكاه عن شيوخه، ونقلته من
خط بنوسه، قال: وقالوا: وكان حيار بني القعقاع بلداً معروفاً قبل الإسلام، وبه كان
مقتل المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة، فنزله بنو القعقاع بن خليد بن جزء
بن الحارث بن زهير بن جذيمة بن رواحة ابن ربيعه بن مازن بن الحارث بن قطيعه بن عبس
بن بغيض، فأوطنوه فنسب إليهم، وكان عبد الملك بن مروان أقطع القعقاع به قطيعة،
وأقطع عمه العباس بن جزء بن الحارث قطائع أو غرها له إلى اليمن، وأوغرت بعده،
وكانت، أو أكثرها مواتاً. وكانت ولادة بنت العباس عند عبد الملك بن مروان فولدت له
الوليد وسليمان.
باب في
ذكر معرة النعمان
هي مدينة حسنة وكان لها سور من الحجارة، وأبنيتها أبنية حسنة بالحجر، وهي كثيرة
الأشجار والفواكه، لا سيما من التين والفستق والزيتون. ويغلب على أهلها الذكاء
المفرط، وخرج منها جماعة من العلماء والشعراء منهم أبو العلاء بن سليمان، وكان
الفرنج قد هجموها، وتشتت أهلها في البلاد في سنة ست وسبعين وأربعمائة، ثم فتحها من
أيديهم أتابك زنكي بن آقسنقر، ورد على أهلها أملاكهم، فعادوا إليها وسكنوها وعمرت
المدينة عمارة حسنة، لكن سورها خرب، وبنى بها الملك المظفر محمود بن ناصر الدين
محمد بن تقي الدين عمر بن شاهانشاه حين كانت في يده قلعة حسنة حصينة، ونقل حجارتها
من سياث، مدينة خربه كانت قريباً منها، ومن أبنية الروم التي في الكنائس المنهدمة
في بلدها، وانتزعها من يده عسكر الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز بن
الملك الظاهر أعز الله أنصاره، فزاد في عمارتها وتقويتها، فقويت قلوب أهلها
بالقلعة ورغبوا في عمارة البلد وسكناه، وهي اليوم من أعمر البلاد، وقد صار أكثر
عبور القوافل عليها.
أنبأنا أبو محمد وأبو العباس ابنا عبد الله بن علوان الأسديان عن أبي عبد الله
محمد بن أبي السعادات عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحسن المسعودي قال: معرة النعمان
هي منسوبة إلى النعمان بن بشير من الصحابه رضوان الله عليهم، كان والي حمص
والعواصم وتلك النواحي، وكانت المعرة قديماً تسمى ذات القصور، فلما مات للنعمان
ابن هناك، قيل لها معرة النعمان.
وأخبرني أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي قال: كان اسمها - يعني المعرة - قديماً
ذات القصور، فنسبت إلى النعمان بن بشير من الصحابة رضي الله عنهم، لأن ابنه مات
بها.
وبلغني من غيره أن التي تعرف بذات القصور هي معرة مصرين، والأول أصح.
وأخبرني
القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مدرك بن سليمان المعري قاضيها بها، فيما
يأثره عن أهل معرة النعمان أن معرة النعمان إنما نسبت إلى النعمان بن بشير لأن
موضعها كان أجمة قصب، وكان سكنى أهل المعرة بسياث، وهي المدينة إذ ذاك، وآثارها
تدل على ذلك فخرج من سياث ولد النعمان يتصيد، فافترسه الأسد عند الأجمة، فدفنه في
ذلك الموضع، وبنى منزلاً عند قبره، وقال لأهل سياث من كان يودني ويحب موافقتي
فليبن له موضعاً عند الموضع الذي ابتنيته، فبنى الناس معرة النعمان، وسميت بذلك
لما لحق العمان من معرة الحزن على ولده.
قلت: والصحيح أن النعمان بن بشير جدد بناءها وزاد فيه، واختارها للمقام أيام
ولايته فنسبت إليه، وقد كانت مدينة معروفة قبل ذلك، فتحها أبو عبيدة رضي الله عنه.
وأكثر أهلها من تنوخ.
وقال البلاذري في كتاب البلدان له: هي منسوبة إلى النعمان بن بشير.
وقال ابن حوقل النصيبي في جغرافيا: معرة النعمان مدينة هي وما حولها من القرى
أعذاء ليس بنواحيها ماء جار ولا عين.
كذا قال وقد شاهدت عين ماء من قبلي المعرة على الطريق بالقرب منها.
وقال الجدلي: هي منسوبة إلى النعمان بن بشير الأنصاري، كان معاوية ابن أبي سفيان
أقطعه إياها فنسبت إليه.
وقال ابن واضح الكاتب: ومعرة النعمان مدينة قديمة خراب وأهلها تنوخ.
وذكر صاحبنا ياقوت بن عبد الله الحموي في كتابه وقال: بمعرة النعمان قبر محمد بن
عبد الله بن عمار بن ياسر.
وقرأت بخط محمد بن أحمد بن الحسن الكاتب في روزنامج أنشأه وذكر فيه رحلته من بلاد
أذربيجان إلى الحج وعوده منه، وجعله كالتذكرة لولده قال فيه بعد أن ذكر خروجه من
حلب حرسها الله: ونزلنا سرمين، فاستقبلي القائد بها بالإكرام والإنعام، وركب في
صحبتي إلى معرة النعمان، بل مقر الروح والريحان، بل زهرة العين والجنان، بل معدن
البيان واللسان والرجحان في الأدب والشعر والاتقان، بل محل كل كريم وهجان، وهي
مدينة تتبل غلة الظمآن، وتفثأ أكلة الغرثان السغبان.
أخبرنا أبو علي الأوقي إذناً عن أبي طاهر السلفي قال: حدثني محمد بن أحمد ابن
إبراهيم الرازي قال: هذه نسخة كتاب الشيخ أبي القاسم عبد العزيز بن الحسين بن علي
بن زبيد المصري وقد رأيته بمعرة النعمان، ولم أسمعها منه، وذكر فيها: ثم سافرت
منها - يعني طرابلس - فوصلت معرة النعمان فوجدتها واسعة الأسواق كثيرة الأرفاق،
صحيحة الهواء، واسعة الفضاء، مياهها غزيرة، وفواكهها كثيرة، وأهلها يميلون إلى
الخير والتعفف، ويعيشون بالقناعة والتكلف، وفيهم بعض الحمية، وشيء من العصبية،
ولهم مع هذا معرفة بالشر والخصومة، وعادة شدة السعاية والنميمة، غير أن ذلك فيما
بينهم لا يتعداهم ولا يتجاوزهم إلى أحد سواهم.
وأنبأنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي عن تاج الاسلام أبي سعد السمعاني
قال: وذكر أبو نصر بن هميماه الرامشي أن النسبة الصحيحة إليها معرنمي لأن ثم
معرتين معرة النعمان ومعرة مصرين، فالنسبة إلى الأولى معرنمي وإلى الثانية معرمصي
غير أن أكثر أهل العلم لا يعرف ذلك، والمعري المطلق منسوب إلى معرة النعمان.
قال أبو سعد السمعاني: خرج منها جماعة من العلماء في كل فن، وقبر عمر ابن عبد
العزيز رضي الله عنه في سوادها بموضع يقال له دير سمعان.
ومن أحسن ما وقع إلي في وصفها أبيات قالها الوزير أبو القاسم الحسين بن علي بن
الحسين بن المغربي، وقد أخبرنا ببعض قوله أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد
المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور قال: أنشدني أبو
صالح قراطاش بن طنطاش الظفري إملاءً قال: أنشدني أبو العز أحمد بن عبيد الله بن
كادش العكبري.
وقد أنبأنا أبو حفص بن طبرزد عن ابن كادش قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن حرده
قال أنشدني الوزير أبو القاسم المغربي لنفسه والأبيات:
ما على ساكن المعرّة لو أن ... دياراً أنبت بهم أو طلولا
يسكنون على العُلى معاقل شُما ... ويرون الآداب ظلاً ظليلا
منزل شاقني أنيس وما كا ... ن رسوماً نواحلاً وطلُولا
حيث يدعى النسيم فظاً وتلفى ... سبُلُ الغاديات شكساً بخيلا
أينما
تلتفت تجد ظلّ طُوبى ... وتجد كوثراً أغر صقيلا
تُربُها طيب الشباب فما تص ... حب إلاّ السرور فيها خليلا
فترى اللهو إن أردت طليقاً ... والتُّقى إن أردتهُ مغلولا
وإذا ما اعتزى بها الأدب العُذ ... ريُّ جاءوا عمارة وقبيلا
ليت لا يعنف السحاب عليها ... ليته جادها عليلاً كليلا
وسلام على بنيها ولا زا ... ل نعيم الحياة فيهم نزيلا
أنشدنا الحسن بن عمرو بن دهن الخصا قال: أنشدنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد
الطوسي قال: أنشدنا الخطيب أبو زكريا التبريزي إجازة.
وأنشدنا أبو المحامد إسماعيل بن حامد القوصي قال: أنشدني أبو جعفر محمد ابن المؤيد
بن أحمد التنوخي قال: أنشدني جدي أبو اليقظان أحمد بن محمد بن حواري قالا: أنشدنا
أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه مما قاله ببغداد يتشوق بلده:
متى سألت بغداد عني وأهُلُها ... فإني عن أهل العواصم سآّلُ
إذا جنّ ليلي جُنّ لبي وزائد ... خُفوق فؤادي كلما خفق الآل
وماء بلادي كان أنجع مشرباً ... ولو أن ماء الكرخ صهباءُ جريال
فيا وطني إن فاتني بك سابقٌ ... من الدهر فلينعم لساكنك البال
فإن أستطع في الحشر آتك زائراً ... وهيهات لي يوم القيامة اشتغال
باب في
ذكر معرة مصرين
وهي من الجزر من عمل حلب، ويقال فيها معارة مصرين أيضاً، وهي مدينة مذكورة وبلدة
مشهوره، لها ذكر في الفتوح، وباب الرزق فيها لطالبه مفتوح، باطنها حسن وظاهرها أغن
محفوفة بالأشجار، وشرب أهلها من ماء الأمطار، ولها سور قديم مبني بالحجر، وقد
تهدم، وكاد أن لا يبقى منه إلا الأثر، وكان الفرنج قد استولوا عليها حين استولوا
على الأثارب وزردناً.
وزردناً قرية قريبة منها كان لها قلعة خربت، ففتح إيلغازي بن أرتق مدينة معرة
مصرين وزردنا والأثارب في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة بعد أن كسر الفرنج على ما نشرحه
إن شاء الله في ترجمته؛ وأهلها ذوو يسار وأموال وأملاك ولما هجمها الفرنج دفن
أهلها فيها أموالاً، فظهر بعدهم منها شيء.
ويقال أنها هي التي تعرف بذات القصور، وكان أكابر حلب وأعيانها يرغبون في إقتناء
الأملاك بها، واتخاذ الدور والمنازل فيها، وكان فيها لسلفنا أملاك وافرة، خرج عنا
بعضها، وبقي البعض، ويجلب منها الزيت الكثير، وأرضها عذي يزرع فيها البصل والثوم
والكسفره والحبه، فتأتي على أكمل ما يكون من غير سقي.
وذكر أحمد بن يحيى البلاذريب في كتاب البلدان ما ذكره عن مشايخه في ذكر الفتوح
قالوا: وبلغ أبا عبيدة أن جمعاً للروم بين معارة مصرين وحلب، فلقيهم وقتل عدة
بطارقة وفض ذلك الجيش،، وسبى وغنم، وفتح معارة مصرين على مثل صلح حلب.
وقد عد ابن واضح الكاتب لجند قنسرين ولعواصم كوراً فقال: وكورة مرتحوان، وكورة
معرة مصرين.
قلت: وكلتاهما من الجزر متلاصقتان، ومرتحوان قريبة من معرة مصرين.
وقال الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه: وكان بلد معرة مصرين إلى جبل السماق بلد
التين والزبيب والفستق والسماق وحبة الخضراء، يخرج عن الحد في الرخص، ويحمل إلى
مدن العراق، ويجهز إلى كل بلد.
أنشدني بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد الخشاب قال: أنشدني بعض أهل
معرة مصرين لحمدان بن عبد الرحيم.
جادت معرة مصرينٍ من الديم ... مثلُ الذي جاد من دمعي لبينهم
وسالمتها الليالي في تغيُّرها ... وصافحتها يد الآلاء والنّعم
ولا تناوحت الإعصارُ عاصفةً ... بعرصتيها كما هبّت على إرم
حاكت يدُ القطر في أفنائها حُللاً ... من كل نورٍ شنيب الثغر مبتسم
إذا الصّبا حرّكت أنوارها اعتنقت ... وقبّلت بعضُها بعضاً فماً لفم
كأنما نشرت كفُّ الربيع بها ... بهار كسرى مليك الفُرس والعجم
كم وقفةٍ لي بباب السوق أذكرها ... مع أسرةٍ ماتت الدُنيا لموتهم
وكم
على تل باب الحصن من أربٍ ... أدركته عند خلٍّ من بني جُشم
وكم على الجانب الشرقي لي خُلسٌ ... مع فتيةٍ يدرؤون الهم بالهمم
مُهلهليُّون لا يألُون في كرم ... جهداً ويرعون حقّ الجارٍ والذمم
عاقرتُهم وجلابيبُ الصبا قُشب ... هل يجمعً الله شملي بعد بينهم
وما كفى الدهر مني أن نأى بكمُ ... عني وغادرني لحماً على وضم
حتى أراني حصار الكفر ثانيةً ... بناظرٍ غرق تحت الدموع عم
صبراً لعلي أرى للدهر عاطفةً ... تدبُّ فينا دبيب البُرء في السّقم
فاللهُ يُعقبُ أهل الصّبر إن صبروا ... وصابروا بنعيم غير مُنصرم
الكفر قرية كبيرة من الجزر من كورة مرتحوان ولها مغائر كان الفرنج إذا أغاروا على
البلد دخلوا واحتموا فيها ومعهم أهل يحمول وبيت رأس وهي ثلاثة قرى مجتمعات يسمع في
كل قرية صوت من يصيح في الأخرى، فكان الفرنج يحصرونهم في المغائر فلا يقدرون
عليهم.
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن صصرى قال أجاز لنا أبو عبد الله محمد بن
نصر بن صغير القيسراني وقال في معرة مصرين، ورأيته أنا بخطه في ديوان شعره:
معرّة مصرين ناهيك مصرا ... محلاًّ مُحلى بهاءُ وفخرا
أرق البقاع هواءً وماءً ... وأبهى المنازل داراً وقصرا
أقمت بها يوم صدرٍ أغر ... يُضاهي وُجُوهاً من القوم غرا
ووالهفتا لو أعان الزمان ... خلعت على ذلك اليوم شهرا
باب في
ذكر حاضر قنسرين
ويقال له حاضر طيء، وكان مدينة إلى جانب قنسرين، ولها قلعة تشبه قلعة قنسرين وبها
قوم من طيء، فلهذا ينسب إليهم. وقيل بأن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس لما
تزوج رائطة بنت عبد الله الحارثية، دخل بها في دار رجل من أهل الحاضر يقال له طلحة
بن مالك الطائي، أو منصور بن مالك الطائي، فاشتملت على أبي العباس السفاح في داره.
والحاضر الآن قرية كبيرة يسكنها الفلاحون، وخربت قلعتها وصارت الآن تلاً يزرع فيه
القصيل والأشنان.
قرأت بخط ابن كوجك العبسي الحلبي في كتاب سيرة المعتضد تأليف سنان ابن ثابت بن قره
مما نقله من خط أحمد بن الطيب السرخسي في مسير المعتضد إلى وقعة الطواحين فقال بعد
أن ذكر دخول المعتضد إلى حلب: ورحل الأمير من مدينة حلب يوم الخميس لليلتين خلتا
من رجبيعني منسنة إحدى وسبعين نحو قنسرين الأولى، وبينهما إثنا عشر ميلاً تكون
أربعة فراسخ، وقنسرين مدينة صغيرة لأخي الفصيص التنوخي، وعليها سور، ولها قلعة،
وسورها متصل بسور سائر المدينة، وعلى فرسخ من هذا الموضع مما يلي حلب مثل هذه
المدينة لطيء، وهي التي تعرف بحاضر طيء، وعليها سور أيضاً، ولها قلعة على بناء
قنسرين.
وقرأت بخط بنوسه في كتاب أخبار البلدان وفتوحها وبنائها تأليف أحمد بن يحيى بن
جابر البلاذري: وكان حاضر قنسرين لتنوخ مذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه وهم في خيم
الشعر، ثم ابتنوا به المنازل، فدعاهم أبو عبيدة إلى الإسلام، فأسلم بعضهم، وأقام
على النصرانية بنو سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
قال: فحدثني بعض ولد يزيد بن حنين الطائي الأنطاكي عن أشياخهم أن جماعة من أهل ذلك
الحاضر أسلموا في خلافة المهدي، فكتب على أيديهم بالخضرة قنسرين.
ثم قال البلاذري: وكان حاضر طيء قديماً نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حتى
نزل الجبلين من نزل منهم، فتفرق باقوهم في البلاد، فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم
بعضهم، وصالح كثير منهم على الجزية، ثم أسلموا بعد ذلك بيسير إلا من شذ عن
جماعتهم.
وقال ابن واضح الكاتب: وبإزاء مدينة قنسرين مدينة يقال لها حاضر طيء بها منازل
طيء.
قلت: وبها الآن جماعة كبيرة عبسيون. وكان عكرشة بن أربد العبسي نازلاً بها في أيام
هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد، فمات بنوه فيها فقال يرثيهم وسنذكرها في
ترجمته إن شاء الله تعالى.
سقى اللّه أجداثاً ورائي تركتها ... بحاضر قنسرين من سبل القطر
مضوا لا يريدون الرواح وغالهم ... من الدهر أسباب جرين على قدر
أخبرنا
أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بالمزة من لفظه قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي
أحمد لفظاً قال: أنبأنا محمد بن محمد الصوفي عن أبي سعد الفقيه قال: أخبرنا أبو
نعيم الحافظ قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: قريء على أبي محمد بن عبد الله بن
محمد بن يعقوب قال: أخبرنا أبو حاتم الرازي قال: دخلت حاضر قنسرين فرأيت مدينتها
وبيوتها وحيطانها وأنهارها قائمة ليس فيها أحد، فسألت عن أمرهم فقيل لي: إنه كان
بينهم وبين أهل حلب قتال، فكانوا يغدون كل يوم للقتال حتى كان ليلة دخلوا مدينتهم،
فأصبحوا وليسوا في المدينة لا يدرى أين أخذوا.
باب في
ذكر سرمين
وهي مدينة بطرف جبل السماق كبيرة العمل واسعة الرستاق، ولها مسجد جامع وأسواق. وكان
لها سور من الحجر خرب في زماننا هذا ودثر، وبها مساجد كثيرة داثرة كانت معمورة
بالحجر النحيت عمارة فاخرة، قيل إن بها ثلاثمائة وستين مسجداً ليس بها الآن مسجد
يصلى فيه إلا المسجد الجامع، وأكثرها الآن إسماعيلية ولهم بها دار دعوة.
وكان يسكن بها الحسن بن عجل المعروف بالصوفي الذي ينتسب إليه بنو الصوفي رؤساء
دمشق، وكان جد أبي الحسن علي بن مقلد بن منقذ صاحب شيزر لأمه، ولما قوي أمر
الإسماعيلية بسرمين تحول إلى حلب فسكنها، وداره بحلب هي الدار التي وقفها شيخنا
قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف ابن رافع بن تميم رحمه الله مدرسة لأصحاب الشافعي
رحمه الله، تجاه المدرسة النورية، وخرج منها فضلاء وشعراء.
وذكرها أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في كتاب البلدان في تسمية كور جند قنسرين
والعواصم فقال: كورة سرمين وأهلها من قيس.
وكان بقربها في جبل بني عليم حصن منيع يقال له كفر لاثا، وكان الفرنج قد استولوا
عليه وعلى سرمين في سنة ست وسبعين وأربعمائة، فاستنقذه نور الدين محمود بن زنكي من
أيديهم وخربه.
باب في
ذكر كفر طاب
وأما مدينة كفر طاب فكانت مدينة مبنية بالمدر وشربهم من صهاريج من ماء المطر، وكان
بها جماعة من الأعيان الموسرين، ومن أهل العلم والدين، فهجمها الفرنج في سنة ست
وسبعين، فتشتت أهلها في بلاد الشام، وكان منهم المعروفون ببني قشام، ولما استرجعها
أتابك زنكي من أيدي الكفار رجع إليها من أهلها من أحب الرجوع واختار، وكان بها
جماعة من العلماء، والأدباء والشعراء.
وذكرها أحمد بن أبي يعقوب بن واضح في كتاب البلدان فقال: ومدينة كفر طاب والأطميم
وهي مدينة قديمة، وأهلها قوم من يمن من سائر البطون، وأكثرهم كنده.
الأطميم هي المعروفة الآن بلطمين، وهي قرية كبيرة جامعة.
قرأت بخط أبي طاهر السلفي في رسالة أبي المظفر إبراهيم بن أحمد الأذري التي ذكر
فيها رحلته إلى الشام وغيرها قال: ومنها - يعني من معرة النعمان - إلى كفر طاب،
وما أحسنها بلدة لو أن لأهلها ماء لشفاههم وشرباً لأفواههم.
أنشدني والدي رحمه الله لبعض الشعراء يصف كفر طاب بقلة الماء:
بالله يا حادي المطايا ... بين حُناك وأرمنايا
عرّج على أرض كفر طاب ... وحيّها أوفر التحايا
وأهد لها الماء فهي ممن ... يفرح بالماء في الهدايا
ويروى: يهدى لها الماء في الهدايا.
وقيل بأن هذه الأبيات لأبي محمد عبد الله بن محمد سعيد الخفاجي الحلبي، والأمر على
ما ذكره في قلة الماء بها، فإن حمامها لها صهريج من ماء المطر، وما يخرج منها من
الماء المستعمل يستعملونه في دباغة الجلود، ثم يستعملونه في طين الفخار الذي يعمل
بها، ويحمل إلى البلاد التي حولها.
باب في
ذكر أفامية
ويقال فيها فاميه أيضاً بغير ألف، وهي مدينة قديمة، وبها آثار روميه عظيمه ولها
قلعة منيعة في نهاية القوة، هي باقية إلى اليوم، وقد ذكرنا فيما تقدم إن سلوقس
بناها وبنى سلوقيه، وحلب، والرها، واللاذقية.
وقال ابن واضح الكاتب في كتاب البلدان: ومدينة فاميه، وهي مدينة رومية قديمة خراب
على بحيرة عظيمة، وأهلها عذرة وبهراء.
وشاهدت في طريق حماه بالقرب من العبادي أثر قناة قيل لي: إن هذه قناة أفاميه وكانت
تأتي إليها من سلميه.
وأخبرني والدي رحمه الله قال إذا مد نهر قويق وغاض بالمطخ يحمر ماء بحيرة أفاميه
فيقولون إن مغيض الماء يخرج تحت الأرض إلى البحيرة المذكورة.
وبعض
الناس يقول: إن سمك البحيرة يحيض فيحمر ماؤها، وأفاميه بلدة وبئة جداً.
ويقال: إن أبا هريرة صار إلى فاميه فلم يضيفوه، فارتحل عنهم، فقالوا: يا أبا هريرة
لم ارتحلت عنا؟ فقال لأنكم لم تضيفوني. قالوا: ما عرفناك. فقال وإنما تضيفون من
تعرفوا؟ قالوا: نعم، فارتحل عنهم.
أخبرنا بذلك أبو الحسن محمد بن علي قال: أخبرنا أبو الفضل إسماعيل بن علي الخزوي
قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأكفاني قال: حدثنا أبو محمد عبد
العزيز بن أحمد الكتاني قال: أخبرنا أبو المعمر المسدد بن علي ابن عبد الله بن
العباس الأملوكي قال: أخبرنا أبي أبو طالب علي قال أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز
بن سعيد قال: حدثنا عمران بن بكار البراد قال: حدثنا عبد السلام بن محمد الحضرمي
عن بقية عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن أبا هريرة دخل حمص مجتازاً بها حتى
صار إلى فاميه فلم يضيفوه، فارتحل عنهم، وذكر ما ذكرناه إلى آخره.
وقلعة فاميه من القلاع الموصوفة بالحصانة والمنعة.
وأنبأنا أبو القاسم الأنصاري عن الحافظ أبي طاهر السلفي عن أحمد بن محمد ابن
الآبنوسي عن أبي الحسين بن المنادي قال: أما القلاع التي اتخذها جباروا الأمم
وملوك الأرض عواصم من أعدائهم، والأبنية التي تحصنوا بها من مخاوفهم فأكثر من أن
تحصى، وإن من أعجبها بنياناً وأمنعها بإذن الله لمن استقطنها قلعة ماردين، وقلعة
بعلبك، وقلعة فاميه. وذكر غير ذلك.
وكانت أفامية في أيدي نواب المصريين فنزل عليها قسيم الدولة آق سنقر في سنة أربع
وثمانين وأربعمائة، فكاتبه أهلها فخاف الوالي وسلمها إليه، فسلمها إلى أبي المرهف
نصر بن منقذ، ثم أخذها منه تاج الدولة تتش، فلما قتل وثب أهلها فيها، ونادوا بشعار
المستنصر المستولي على مصر، فسير إليها خلف بن ملاعب في سنة ثمان وثمانين، إلى أن
قتله الباطنيه بها فنزل عليها طنكري الفرنجي فتسلمها في شهر محرم من سنة خمسمائة
بعد أن أقام عليها ثمانية أشهر.
باب في
ذكر شيزر
هي مدينة صغيرة وفواكهها كثيرة ولها قلعة حصينة، ومدينة تحت مدينة استولى عليها
الفرنج حين خرجوا إلى الشام وانتزعوها من أيدي ولاة الإسلام وكان لسديد الملك أبي
الحسن علي بن المقلد بن منقد قلعة الجسر إلى جانبها فعمرها وحصنها، وقصد بذلك
التضييق على الأسقف الذي كان بشيزر، فحصل لابن منقذ ما قصده، وضاق بالأسقف الأمر
وكره بلده، فاشترى شيزر من الأسقف بمال بذله، وتسلم منه البلد ونزله، وذلك في سنة
أربع وسبعين وأربعمائة، وعمرها ابن منقذ وسكنها، وشيد قلعتها وحصنها، فصارت مذكورة
بين البلاد.
وأمراؤها السادة بنو منقذ هم الأجناد، وقصدها أبو المكارم مسلم بن قريش بالحصار،
فعاد عنها بالخيبة والخسار، فقال فيه سالم بن المهذب عند عجزه عنها أبياتاً ستذكر
في ترجمته إن شاء الله، منها.
قمُت كمداً فالجسرُ لست بجاسرٍ ... عليه وعاين شيزراً أبداً شزراً
وشيزر بلد موصوف بالوخامة، وفيه يقول مؤيد الدولة أسامة:
وخمت وجاورها العدو فأهلها ... شهداء بين الطعن والطاعون
ولم تزل شيزر في أيدي بني منقذ يسكنونها ويحامون عنها ويحفظونها إلى أن جاءت
الزلزلة سنة إثنتين وخمسين وخمسمائة، فهدمت شيزر وحماه، وقتلت صاحبها محمد بن
سلطان بن منقذ، وهتكت حماه، وكان قد ابتنى داراً وزخرفها، وجلس فيها وعنده أولاده
وبنو عمه وحاشيته وهم يتفرجون على قرد عندهم، فجاءت الزلزلة وهدمت الدار عليهم،
فلم ينج منهم غير القرد، وبادر نور الدين محمود بن زنكي إلى شيزر فتسلمها وعمر
أسوارها، ودفعها إلى سابق الدين عثمان ابن دايته، ولم تزل في عمارة وزيادة إلى أن
أخذت من ابن ابنه، حصره الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر رحمهما الله، فتشعثت
أحوال المدينة، وقلت معايش أهلها لعدم سكنى العسكر بها، وأما القلعة فأحوالها
منتظمة وأمورها مستقيمة ملتئمة، ونهر الأرنط يحلء سفح القلعة، وقد بني عليه سكر ليجتمع
الماء تحت القلعة، ويسمى ذلك الموضع الخرطله. وقد ذكرها امرؤ القيس في قصيدته
الرائية بقوله:
تقطّع أسباب اللُبانه والهوى ... عشية جاوزنا حماة وشيزرا
أخبرنا
أبو العباس أحمد بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن
حمزة العرقي كتابة وأخبرنا عنه سماعاً أبو محمد عبد الدائم ابن عمر بن حسين قال:
أخبرنا أبو القاسم علي بن جعفر السعدي المعروف بابن القطاع قال: أخبرنا أبو بكر
محمد بن البر اللغوي قال: أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن محمد النيسابوري قال: أخبرنا
أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري قال: وشيزر اسم موضع لا أحسبه عربياً صحيحاً.
وقد ذكرها أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتاب صوره الأرض والمدن وما تشتمل عليه
فقال: فأما شيزر وحماه فإنهما مدينتان صغيرتان نزهتان، كثيرتا المياه والشجر
والزرع.
باب في
ذكر حماة
حماة بلدة حسنة نضرة حلوة خضرة، أطاع حسنها العاصي واستحلاها الداني والقاصي طيبة
الفواكه والثمار، وأهلها خيرة أبرار، وهي مدينتان والقلعة بينهما، وعلى كل مدينة
منهما سور، وفيها سوق، والمدينة الغريبة تعرف بسوق الأعلى، والمدينة الشرقية تعرف
بسوق الأسفل، ولكل واحدة منهما مسجد جامع تقام فيه الخطبة، ونهر الأرنط يحف بدور
المدينتين، ولم تكن قلعتها بالحصينة ولا المختارة وخربتها الزلزلة سنة إثنتين
وخمسين وخمسمائة، وكانت زلزلة عظيمة هائلة.
ولما ملكها تقي الدين عمر ابن أخي السلطان الملك الناصر حصنها وقواها، وجاء بعده
ولده الملك المنصور محمد بن عمر فجدد أسوار القلعة، وبناها وشيدها وعلاها فصارت من
أحسن القلاع وأبهاها، ويغلب على أهلها العلم والأدب، وقد عدها البشاري كما ذكرناه
من مدن حلب.
وقرأت بخط أبي طاهر السلفي في رسالة أبي المظفر الليثي قال: ومنها - يعني من
كفرطاب - إلى حماه، وهي مدينة نزهة بنيت على النهر المعروف بالعاصي، وربما قيل له
المقلوب، وعلى حافتي النهر دواليب يسميها أهلها الحنانات، ومن جملتها الحنانة
المعروفة بأم الحسن، ويقال إن فلكها أربعون ذراعاً وقد ذكرها امرؤ القيس مع شيزر
في شعره كما ذكرنا، وكذلك عبيد الله ابن قيس الرقيات في قوله:
قضوا بي أنظر نحو قومي نظرةً ... فلم يقف الحادي بنا وتغشمرا
فواحزنا إذ فارقونا وجاوزوا ... سوى قومهم أعلى حماة وشيزرا
وقال أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في ذكر حماة: وهي مدينة قديمة وعلى نهر
يقال له الأرنط وأهل هذه المدينة قوم من يمن، والأغلب عليهم بهراء وتنوخ. وعدها
ابن واضح من عمل حمص لكن البشاري ذكرها وشيزر ورفنيه من مدن حلب.
وذكر أبو العلاء المعري أنها من العواصم.
ورفنية مدينة قريبة من حماة خربت ودثرت.
وقيل إنما سميت حماة لأنه نزل بها الحماني بن كنعان بن حام.
أنشدني أبو الربيع سليمان بن ينيمان بن أبي الجيش بن ينيمان الإربلي لنفسه:
سقى زمناً بربع حماة ولّى ... هزيُم الودق مُنهلُّ الرّباب
حتى يستطيرُ البرقُ فيه ... كمتن السيف سُلّ من القراب
فكم سلفت لنا فيها ليالٍ ... سرقناهُنّ من عصر التّصابي
وكم صدنا بها من ظبي إنسٍ ... رخيم الدلّ مُقتبل الشباب
يُريك إذا بدا أنوار وجهٍ ... كشمس الأفق تُسفر عن نقاب
وعاصيها يُصفّقُ حين تشدو ال ... حمائم فوق أغصانٍ رطاب
ترى الأنهار منها في اصخطاب ... إذا الورقاءُ أبدت في انتحاب
فكم من جدولٍ ينسابُ فيه ... على الحصباء فضّي الإهاب
فلا تعدل بعاصيها قُويقاً ... فأين الدّوحُ من تلك الهضاب
باب في
ذكر بغراس
هي قلعة مذكورة حصينة وكان الطريق إلى الثغور للغزاة عليها، وكان الملك الناصر
صلاح الدين يوسف بن أيوب قد استنقذها من أيدي الكفار في ثاني شعبان من شهور سنة
أربع وثمانين وخمسمائة، فخرب قلعتها.
فجاء الفرنج الديوية وعمروها واستولوا عليها وهي الآن في أيديهم.
وقريب منها حصن الدربساك فتحه الملك الناصر أيضاً في ثامن من شهر رجب من السنة
المذكورة، وهو في أيدي المسلمين اليوم.
وقرأت في كتاب أبي زيد أحمد بن سهل البلخي في صفة الأرض والمدن وما تشتمل عليه
قال: وبغراس على طريق الثغور، وبها دار ضيافة لزبيدة، وليس بالشام دار ضيافة
غيرها.
وذكر
أحمد بن يحيى البلاذري في كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها ونقلته من خط بنوسه وحكاه
البلاذري عمن حدثه من أهل الشام قالوا: وكانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك
فوقفها في سبل البر، وكانت عين السلور وبحيرتها له أيضاً.
قلت: يريد بعين السلور وبحيرتها بحيرة يغرا من عمل حارم، وناحية العمق.
وقال البلاذري: وحدثني بعض أهل أنطاكية وبغراس أن مسلمة بن عبد الملك لما غزا
عموريه حمل معه نساءه وحمل ناس ممن معهم نساءهم وكانت بنو أمية تفعل ذلك إرادة
الجد في القتال للغيرة، فلما صار في عقبة بغراس عند الطريق المستدقة التي تشرف على
الوادي سقط محمل فيه امرأة إلى الحضيض، فأمر مسلمة أن تمشي سائر النساء، فمشين،
فسميت تلك العقبة عقبة النساء.
قال: وقد كان المعتصم بالله صلوات الله عليه بنى على حد تلك الطريق حائطاً قصيراً
من حجارة.
قال البلاذري: وقد اختلفوا في أول من قطع الدرب، وهو درب بغراس، فقال بعضهم لبعض:
قطعه ميسرة بن مسروق العبسي، وجهه أبو عبيدة بن الجراح فلقي جمعاً للروم ومعهم
مستعربة من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بهرقل، فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة
عظيمة، ثم لحق به الأشتر النخعي مدداً من قبل أبي عبيدة وهو بأنطاكية.
وقال بعضهم: أول من قطع الدرب عمير بن سعد الأنصاري حين توجه في أثر جبلة بن
الأيهم.
وقال أبو الخطاب الأزدي: إن أبا عبيدة نفسه غزا الصائفة فمر بالمصيصة وطرسوس، وقد
جلا أهلها وأهل الحصون التي تليها، فأدرب وبلغ في غزاته زندة.
وقال غيره: إنما وجه ميسرة بن مسروق فبلغ زندة.
باب في
ذكر المصيصة
وهي الآن في أيدي الأرمن.
وهي مدينة مذكورة من الثغور الشامية وأعمال حلب، والاقليم الرابع، وتشتمل على
مدينتين بينهما نهر جيحان، مدينة المصيصة من الجانب الغربي من النهر، ومدينة كفر
بيا من الجانب الشرقي، وكلتاهما كان بها جماعة من أهل العلم.
وقرأت في بعض المجاميع في عجائب طبائع البلدان قال: ومن أطال الصوم بالمصيصة في
الصيف هاجت به المرة السوداء، وربما جن.
وقرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قال: حدثنا أبو محمد وأبو الفضل
والقاسم وصالح ابنا أبي القاسم العجليان قالا: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أيوب بن
الضريس الرازي قال: سمعت علي بن عبد الله يقول: توسوس يوسف بن أسباط بالمصيصة،
وعوفي حتى صار إلى حال الصحة.
وقرأت بخط أبي عمرو حدثني أبو الحسن العدل علي بن الحسين الحذاء وأبو بكر غانم بن
يحيى بن عبد الباقي قالا: حدثنا أبو القاسم يحيى بن عبد الباقي قال: وكذلك يحكم
أهل الحكمة على من أدمن شرب ماء جيحان مع ملازمة الصوم أنه يورث الوسواس.
وقرأت في كتاب أحمد بن محمد بن إسحق الزيات الهمذاني في البلدان وذكر من أعاجيب
البلاد وقال: ومن أطال الصوم في المصيصة هاج به المرار الأسود.
وقال أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري في كتاب معجم ما استعجم من
أسماء البلاد: المصيصة بكسر أوله وتشديد ثانيه بعده ياء ثم صاد أخرى مهملة، ثغر من
ثغور الشام.
وقال أبو حاتم: قال الأصمعي: ولا يقال مصيصه بفتح أوله.
وقرأت بخط إبراهيم بن محمد الطبري المعروف بتوزون في كتاب الياقوت تأليف أبي عمر
محمد بن عبد الواحد صاحب ثعلب في ياقوته البرم، وذكر أن أبا عمر أملاه علينا من
حفظه في شهور سنة سبع وثلاثمائه وعشرين، وذكر أنه قرأة على أبي عمر أيضاً قال:
أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: هي المصيصة، والنسب إليها مصيصي.
وأخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو منصور موهوب بن
أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي قراءة عليه فيما تلحن فيه العامة مما يكسر،
والعامة تفتحه، وهي المصيصة بكسر الميم.
وقرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي، وأجازه لنا عنه غير واحد من الشيوخ قال: وسمعته
- يعني أبا الحسن أحمد بن حمزه بن أحمد التنوخي العرقي - يقول كان أبو القاسم بن
القطاع يقول فلان المصيصي بتخفيف الصاد وينكر على من يشدده.
وأما معرفة من بناها أولاً فاختلف في ذلك، فقال أحمد بن الطيب السرخسي في المسالك
والممالك: المصيصة، قال: وهي مسماة فيما زعم أصحاب السير باسم الذي عمرها وهو
المصيصة بن الروم بن اليفن بن سام بن نوح.
وقرأت
في كتاب وقع إليّ بالقاهرة في جماهير أنساب اليمن وأسماء ملوكها، قال أبو القاسم
الحسن بن علي الكوفي حدثنا أبو سليمان داود بن عبد الله اليماني الصنعاني قال:
حدثنا أحمد بن القاسم قال: حدثنا الفضل بن العباس الأنصاري عن أبيه قال: أتي
معاوية بن أبي سفيان بشيخ كبير قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فما ينظر إلا ما
رفع باليد، قال: ما اسمك؟ قال: عبيد بن شريه، قال: المني؟ قال: الجرهمي، قال: وهل
بقي من جرهم أحد؟ قال: أنا من بقيتهم، قال: فسأله عن مسائل ذكرها، إلى أن ذكر له
ولد يافث بن نوح، فقال: يافث بن نوح ولد سبعة ذكور منهم جومر بن يافث، ومأجوج بن
يافث وماذي بن يافث، وياوان بن يافث، وثوبان بن يافث، وماشج بن يافث وتيراس بن
يافث.
قال: وولد ياوان بن يافث أياس، والمصيصة وطرسوس، وأذنه، والروم من ولد هؤلاء،
وحلوا بلادهم، فعرفت بأسمائهم على تخوم الروم، طرسوس وأذنه والمصيصة وأياس.
وقد ذكر في التوراة ولد ياوان كما ذكرناه.
وقال الحسن بن أحمد المهلبي العزيزي في كتاب المسالك والممالك الذي وضعه للعزيز
المستولي على مصر، وذكر المصيصة: فكانت تسمى بغداد الصغيرة لأنها كانت جانبين على
النهر، وكان بها من أهلها فتيان فرسان ظرفاء شجعان.
قال: فأما خاصيات الثغر فإنه كان يعمل بالبلد الفراء المصيصية، تحمل إلى الآفاق،
وربما بلغ الفرو منها ثلاثين ديناراً، ويعمل بها عيدان السروج التي يبالغ بثمنها
إلى هذه الغاية، ولم يكن على وجه الأرض بلد يعمل فيه الحديد المحزوز للكراسي
الحديد واللجم والمهاميز والعمد والدبابيس كما يعمل بالثغور.
وقرأت في كتاب البلدان تأليف أحمد بن يعقوب بن واضح الكاتب قال: ومدينة المصيصة
مدينة بناها المنصور أمير المؤمنين في خلافته، وكانت قبل ذلك مصلحة، وأول من قطع
جبل اللكام وصار إلى المصيصة مالك بن الحارث الأشتر النخعي، من قبل أبي عبيدة بن
الجراح، وكان بها حصن صغير بناه عبد الله بن عبد الملك لما غزا الصائفة.
وقد حكينا في الباب الذي قبل هذا الباب عن البلاذري قال: وقال أبو الخطاب الأزدي:
إن أبا عبيدة نفسه غزا الصائفة فمر بالمصيصة وطرسوس، وقد جلا أهلها وأهل الحصون
التي تليها فأدرب، وبلغ في غزاتة زنده.
عدنا إلى كلام ابن واضح قال: وخرج المنصور إلى الثغور، فبنى مدينة المصيصة العظمى
على النهر الذي يقال له جيحان، ونقل إلى مدينة المصيصة أهل السجون من الآفاق
وغيرهم، وبنى أمير المؤمنين المأمون مدينة إلى جانبها سماها كفر بيا، فصار النهر
المعروف بجيحان بين المدينتين، وعلى النهر جسر عظيم قديم معقود بالحجارة، ومدينة
المصيصة من الجانب الغربي من جيحان، ومدينة كفر بيا من الجانب الشرقي، وأهلها
أخلاط من الناس.
وذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتاب البلدان قال: وحدثني محمد ابن سعد عن
الواقدي وغيره قالوا: لما كانت سنة أربع وثمانين غزا على الصائفة عبد الله ابن عبد
الملك بن مروان، فدخل من درب أنطاكية، وأتى المصيصة فبنى حصنها على أساسه القديم،
ووضع بها سكاناً من الجند فيهم ثلاثمائة رجل انتخبهم من ذوي البأس والنجدة
المعروفين، ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك، وبنى فيها مسجداً فوق تل الحصن، ثم
سار في جيشه حتى غزا حصن سنان ففتحه ووجه يزيد بن حنين الطائي الأنطاكي فأغار ثم
انصرف إليه.
وقال أبو الخطاب الأزدي: وكان أول من ابتنى حصن المصيصة في الإسلام عبد الملك بن
مروان على يد ابنه عبد الله بن عبد الملك في سنة أربع وثمانين على أساسها القديم،
فتم بناؤها وشحنتها في سنة خمس وثمانين، وكانت في الحصن كنيسة جعلت هريا، فكانت
الطوالع من أنطاكية تطلع عليها في كل عام، فتشتوا بها، ثم تنصرف، وعدة من كان يطلع
إليها ألف وخمسمائة إلى الألفين.
قالوا: وشخص عمر بن عبد العزيز حتى نزل هرى المصيصة وأراد هدمها وهدم الحصون بينها
وبين أنطاكية، وقال: أكره أن يحاصر الروم أهلها، فأعلمه الناس أنها عمرت ليدفع من
بها الروم عن أنطاكية وأنه إن أخربها لم يكن للعدو ناهية دون أنطاكية، فأمسك وبنى
لأهلها مسجداً جامعاً من ناحية كفر بيا، واتخذ فيه صهريجاً، ثم إن المسجد جدد في
خلافة المعتصم، وهو يدعى مسجد الحصن.
قالوا:
ثم بنى هشام بن عبد الملك الربض، ثم بنى مروان بن محمد الخصوص في شرقي جيحان وبنى
عليها حائطاً، وأقام فيه باب خشب، وخندق خندقاً، فلما استخلف أبو العباس رحمه الله
فرض بالمصيصة لأربعمائة رجل زيادة في شحنتها، وأقطعهم، ثم لما استخلف المنصور
صلوات الله عليه فرض فيها لأربعمائة رجل، ثم لما دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة أمر
بعمران مدينة المصيصة، وكان حائطها متشعثاً من الزلازل، وأهلها قليل في داخل
المدينة فبنى سور المدينة وأسكنها أهلها سنة أربعين ومائة، وسماها المعمورة وبنى
فيها مسجداً جامعاً في موضع هيكل كان فيها وجعله مثل مسجد عمر مرات، ثم زاد فيه
المأمون أيام ولاية عبد الله بن طاهر بن الحسين المغرب، وفرض المنصور رحمة الله
عليه فيها لألف رجل، ثم نقل أهل الخصوص وهم فرس وصقالبه وأنباط نصارى، كان مروان
بن محمد أسكنهم إياها وأعطاهم خططاً في المدينة عوضاً من منازلهم على ذرعها، ونقض
منازلهم وأعانهم على البناء، وأقطع أرباب الفرض قطائع ومساكن، ثم لما استخلف
المهدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه فرض بالمصيصة لألفي رجل ولم يقطعهم لأنها قد
كانت شحنت من الجنود والمطوعه ولم تزل الطوالع تأتيها من أنطاكية في كل عام، حتى
وليها سالم البرنسي، وفرض معه لخمسمائة مقاتل على خاصة عشرة دنانير عشرة دنانير،
فكثر من بها وقووا، وذلك في خلافة المهدي رحمة الله عليه.
وقال البلاذري: وحدثني محمد بن سهم عن مشايخ الثغر قالوا: ألحت الروم على أهل
المصيصة في أول الدولة المباركة حتى جلوا عنها، فوجه صالح ابن علي جبريل بن يحيى
البجلي إليها فعمرها وأسكنها الناس سنة أربعين ومائة، وبنى الرشيد صلوات الله عليه
كفر بيا، ويقال بل كانت ابتديت في خلافة المهدي رحمة الله عليه، ثم غير الرشيد
بناءها، وحصنها بخندق ثم رفع إلى المأمون رضي الله عنه في غلة كانت على منازلها،
فأبطلها، وكانت منازلها كالخانات، وأمر فجعل لها سور، فرفع، فلم يستتم حتى توفي،
فقام المعتصم صلوات الله عليه بإتمامه وتشريفه.
وقال البلاذري: حدثني دؤاد بن عبد الحميد قاضي الرقة عن أبيه عن جده أن عمر بن عبد
العزيز أراد هدم المصيصة ونقل أهلها عنها لما كانوا يلقون من الروم فتوفي قبل ذلك.
أخبرنا أبو جعفر يحيى بن أبي منصور جعفر بن عبد الله الدامغاني البغدادي إذناً،
وقرأت عليه هذا الإسناد بحلب، قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا الشريف أبو العز محمد
بن المختار بن محمد بن المؤيد قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب قال:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد
بن حنبل قال: حدثنا هرون بن معروف قال: حدثنا ضمره عن رجاء بن أبي سلمة قال: هم
عمر بن عبد العزيز بهدم المصيصه لتغولها في بلاد الروم.
عدنا إلى ما ذكره البلاذري قال: وقال أبو النعمان الأنطاكي: كان الطريق فيما بين
أنطاكية والمصيصة مسبعة يعترض الناس فيها الأسد، فلما كان الوليد بن عبد الملك شكي
ذلك إليه، فوجه أربعة آلاف جاموسة وجاموس، فنفع الله بها، وكان محمد ابن القاسم
الثقفي عامل الحجاج على السند بعث منها بألوف جواميس، فبعث الحجاج إلى الوليد منها
بما بعث من الأربعة الآلاف، وألقى باقيها في آجام كسكر، ولما خلع يزيد بن المهلب
فقتل، وقبض يزيد بن عبد الملك أموال بني المهلب أصاب لهم أربعة آلاف جاموسة، كانت
بكور دجلة، فوجه بها يزيد بن عبد الملك إلى المصيصة أيضاً مع زطها، فكان أصل
الجواميس بالمصيصة ثمانية آلاف جاموسة، وكان أهل أنطاكية وقنسرين قد غلبوا على
كثير منها واحتازوه لأنفسهم في أياه فتنة مروان بن محمد، فلما استخلف أمير
المؤمنين المنصور رحمه الله، أمر بردها إلى المصيصة، وأما جواميس أنطاكية فكان
أصلها ما قدم به الزط معهم، وكذلك جواميس بوقا.
وقال أبو الخطاب: بني الجسر الذي على طريق أذنه من المصيصة وهو على تسعة أميال من
المصيصة سنة خمس وعشرين ومائة، فهو يدعى جسر الوليد، وهو الوليد بن يزيد بن عبد
الملك المقتول.
قالوا: ولما كانت سنة خمس وستين ومائة أغزى المهدي رحمه الله ابنه هرون الرشيد
صلوات الله عليه بلاد الروم، فنزل على الخليج، ثم خرج فرم المصيصة ومسجدها، وزاد
في شحنتها، وقوى أهلها.
وقرأت
في كتاب أبي زيد أحمد بن سهل البلخي في صفه الأرض والمدن قال: والمصيصة مدينتان
أحديهما المصيصة والأخرى تسمى كفر بيا على جانبي جيحان وبينهما قنطرة حجاره حصينة
جداً على شرف من الأرض، ينظر منها الجالس في مسجد الجامع بها إلى قرب البحر نحو
أربعة فراسخ.
وجيحان يخرج من بلد الروم حتى ينتهي إلى المصيصة، ثم إلى رستاق يعرف بالملون، حتى
يقع في بحر الروم.
قلت: فقد ينخل من مجموع ما ذكرناه أن بناء المصيصة في الدولة الإسلامية كان، لأن
هرقل لما خرج عن أنطاكية إلى القسطنطينية استصحب أهل هذه البلاد، وأجلوا منها،
ونقلهم معه، وشعث هذه البلاد. فإن البلاذري قال في كتابه: حدثني مشايخ من أهل
أنطاكية وغيرهم قالوا: كانت ثغور المسلمين الشامية أيام عمر وعثمان وما بعد ذلك
أنطاكية وغيرها من المدن التي سماها هرون الرشيد فكان المسلمون يغزون ما وراءها
كغزو اليوم ما وراء طرسوس، وكانت فيما بين إسكندرونه وطرسوس حصون ومسالح للروم،
كالمسالح والحصون التي يمر بها المسلمون اليوم، فربما أجلاها أهلها، وهربوا إلى
بلاد الروم خوفاً، وربما نقل إليها من مقاتلة الروم من تشحن به، وقد قيل إن هرقل
أدخل أهل هذه المدن معه عند انتقاله من أنطاكية لئلا يسير المسلمون في عمارة ما
بين أنطاكية وبلاد الروم، والله أعلم.
قال البلاذري: وحدثني ابن طيبون البغراسي عن أشياخهم أنهم قالوا: الأمر المتعالم
عندنا أن هرقل نقل أهل هذه الحصون معه، وشعثها، وكان المسلمون إذا غزوا لم يجدوا
بها أحداً، وربما كمن عندها القوم من الروم، فأصابوا غرة المتخلفين عن العساكر
والمنقطعين عنها، فكان ولاة الشواتي والصوائف إذا دخلوا بلاد الروم خلفوا بها
جنداً كثيفاً إلى خروجهم.
فكانت المصيصة وغيرها من الثغور الشامية خراباً بسبب ذلك، فلما غزا عبد الله بن
عبد الملك بنى حصن المصيصة دون مدينتها، فأراد عمر بن عبد العزيز هدمه بالكلية،
فلما عرف المصلحة في تركه، تركه وبنى مسجداً جامعاً للمسلمين من ناحية كفر بيا، ثم
بنى هشام ربض الحصن، ثم بنى مروان بن محمد الخصوص من الناحية الشرقية، لقلة من يعم
المدينة بالسكنى، فيكون ساكنوا الخصوص مستيقظين لأنفسهم، وجعل عليه خندقاً وحائطاً،
وكثروا في أيام السفاح، ثم ازدادوا في أيام المنصور، فرأى أن يجدد عمارة المصيصة
ويسكنها الناس لأنهم كثروا، فبنى المدينة على الوجه الذي نقلناه، فلهذا نسب بناء
المدينة إليه، وكثر الناس بعد ذلك، فاحتيج في أيام الرشيد إلى بناء كفر بيا، ولم
يكن لها سور، فبنى المأمون لكفر بيا سوراً، فلهذا نسب بناؤها إليه، والله أعلم.
باب في
فضل المصيصة
أخبرنا الفقيه العالم أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو
القاسم قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزه قال: حدثنا عبد العزيز ابن أحمد
قال: حدثنا تمام بن محمد قال: أخبرنا أبو الحارث بن عمارة قال: حدثنا أبي وهو محمد
بن أبي عمارة بن أبي الخطاب الليثي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم عن هشام بن
خالد عن الوليد بن مسلم عن مكحول عن كعب قال: بطرسوس من قبور الأنبياء عشرة،
وبالمصيصة خمسة، وهي التي يغزوها الروم في آخر الزمان، فيمرون بها فيقولون إذا
رجعنا من بلاد الشام أخذنا هؤلاء أخذاً، فيرجعون وقد تحلقت بين السماء والأرض.
قال الحافظ أبو القاسم رواه غيره عن محمد بن هشام والرجل سعيد بن عبد العزيز.
قال أبو القاسم: أخبرنا أبو الفضل ناصر بن محمود بن علي قال: حدثنا علي ابن أحمد
بن زهير قال: حدثنا علي بن محمد شجاع قال: حدثنا تمام بن محمد قال: حدثنا أبو
يعقوب إسحق بن إبراهيم الأذرعي قال: حدثنا محمد بن هشام بن خالد عن الوليد - يعني
- ابن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن كعب، فذكره.
أخبرنا
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الإربلي قال: أخبرتنا الكاتبة شهدة
بنت أحمد بن الفرج الآبري قالت: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن محمد بن
طلحة النعالي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبيد الله بن يوسف قال: أخبرنا أبو
عمرو عثمان بن أحمد السماك قال: حدثنا أبو القاسم إبراهيم بن إسحق بن سنين الختلي
قال: حدثني عثمان بن سعيد الأنطاكي قال: حدثنا علي ابن الهيثم المصيصي عن عبد
الحميد بن بحر عن سلام الطويل عن داود بن يحيى مولى عون الطفاوي عن رجل كان
مرابطاً في بيت المقدس وبعسقلان قال: بينا أنا أسير في وادي الأردن إذ أنا برجل في
ناحية الوادي قائماً يصلي فإذا سحابة تظله من الشمس، فوقع في ظني أنه الياس النبي
عليه السلام، فانتبه، فسلمت عليه، فانفتل من صلاته فرد علي السلام، فقلت له: من
أنت رحمك الله؟ فلم يرد علي شيئاً، فأعدت القول مرتين، فقال: أنا الياس النبي،
فأخذتني رعدة شديدة خشيت على عقلي من أن يذهب، فقلت له: إن رأيت رحمك الله أن تدعو
لي أن يذهب الله عني ما أجد حتى أفهم حديثك، فدعا لي ثمان دعوات، قال: يا بر يا
رحيم يا قيوم يا حنان يا منان يأهيا شراهيا، فذهب عني ما كنت أجد، فقلت له: إلى من
بعثت؟ قال: إلى أهل بعلبك، قلت: فهل يوحى إليك اليوم؟ قال: منذ بعث محمد صلى الله
عليه وسلم خاتم النبيين فلا، قال: قلت: فكم من الأنبياء في الحياة؟ قال: أربعة،
أنا والخضر في الأرض، وإدريس وعيسى في السماء، قلت: فهل تلتقي أنت والخضر؟ قال:
نعم في كل عام بعرفات وبمنى، قلت: فما حديثكما؟ قال: يأخذ من شعري وآخذ من شعره،
قلت: فكم الأبدال؟ قال: هم ستون رجلاً، خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطيء الفرات،
ورجلان بالمصيصة، ورجل بأنطاكية، وسبعة في سائر أمصار العرب، وهم بهم يسقون الغيث،
وبهم ينصرون على العدو، وبهم يقيم الله أمر الدنيا حتى إذا أراد الله أن يهلك
الخلق كلهم أماتهم جميعاً.
وقد رواه أبو حذيفة إسحق بن بشر عن محمد بن المفضل بن عطيه عن داود بن يحيى عن زيد
مولى عون الطفاوي نحوه، والله أعلم.
قرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي: حدثنا محمد بن سعيد بن الشفق قال:
حدثنا محمد بن أحمد أبو الطيب قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نوح قال: سمعت محمد بن
يعسى يقول: قيل لعلي بن بكار، وذكر له جزع الروم، فقال: البطيخ كبير، والحلو منه
قليل، كنا في هذا الحصن - يعني حصن المصيصة - أربعمائة فتى، إذا أقبلنا حوافر
خيولنا لننعلها للغزو اضطربت ركب بطارقة القسطنطينية.
باب في
ذكر عين زربة
وهي في أيدي الأرمن الآن.
وهي مدينة من الثغور الشامية، والإقليم الرابع، بينها وبين المصيصه ثمانية عشر
ميلاً، وهي مدينة مذكورة خرج منها جماعة من العلماء والحكماء.
وقال أحمد بن يحيى البلاذري في كتاب البلدان: وحدثني أحمد بن الحارث الواسطي عن
محمد بن سعد عن الواقدي قال: لما كانت سنة ثمانين ومائة، أمر الرشيد صلوات الله
عليه بابتناء مدينة عين زربه وتحصينها، وندب إليها ندبةً من أهل خراسان وغيرهم،
فأقطعهم بها المنازل. هكذا ذكر البلاذري.
وقال أحمد بن يعقوب بن واضح الكاتب: بنى عين زربه أمير المؤمنين المهدي ابن
المنصور، وأتقنها.
فيحتمل أن المهدي حين أغزى الرشيد ابنه الغزاة المعروفة ابتناها الرشيد بأمر أبيه،
فنسبت إليه، والله أعلم.
وذكر أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتابه الذي ذكر فيه صورة الأرض والمدن وما
تشتمل عليه، قال فيه: وعين زربه بلد فيه الغورية، بها نخل، وهي خصبة واسعة الثمار
والزروع والمرعى، وهي المدينة التي أراد وصيف الخادم أن يدخل بلد الروم منها،
فأدركه المعتضد هناك.
وقيل إن أبا سليمان الخادم التركي بنى عين زربه في أيام الرشيد، وكان ولاه الثغور،
والصحيح أنه أبو سليم فرج.
قال البلاذري: وقد كان المعتصم بالله نقل إلى زربه ونواحيها بشراً من الزط الذين
كانوا قد غلبوا على البطائح بين واسط والبصرة فانتفع أهلها بهم.
وكانت عين زربه قد خربت في أيام سيف الدولة بن حمدان، فسار سيف الدولة، وبناها،
وغزا الروم بعد بنائها، وفي ذلك قال أبو فراس:
وكل يومٍ تزور الثّغر لا ضجرٌ ... يثنيك عنه ولا شغل ولا ملل
فالنّفس
جاهدةٌ والعين ساهدةٌ ... والحبس منتهكٌ والمال مبتذل
باب في
ذكر أذنة
وهي في أيدي الأرمن.
وهي مدينة قديمة من بناء الروم سميت باسم أذنه ين ياوان بن يافث، وقد ذكرنا ذلك في
باب المصيصه، وجددت عمارتها في الدولة العباسية، كما جدد عمارة غيرها من مدن
الثغور، وحالها في الخراب كحال المصيصه.
قرأت بخط ياقوت بن عبد الله الحموي قال: ولأذنه نهر سيحان وعليه قنطرة حجارة عجيبة
بين المدينة وبين حصن مما يلي المصيصة، وهو شبيه بالربض، والقنطرة معقودة على طاق
واحد، ولأذنه ثمانية أبواب، وسور وخندق.
وقال: قال ابن الفقيه: عمرت أذنه في سنة تسعين ومائة على يدي أبي سليمان خادم تركي
كان للرشيد ولاه الثغور، وهو عمر طرسوس وعين زربه.
قال: وقال البلاذري بنيت أذنه في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة، وجنود خراسان
معسكرون عليها بأمر صالح بن علي بن عبد الله بن العباس.
وقرأت بخط بنوسه في كتاب البلدان للبلاذري فيما حكاه عن شيوخه قالوا: ولما كانت
سنة خمس وستين ومائة أغزى المهدي رحمه الله ابنه هرون الرشيد صلوات الله عليه بلاد
الروم، فنزل على الخليج، وبنى القصر الذي عند جسر أذنه على سيحان، وقد كان المنصور
صلوات الله عليه أغزى صالح بن علي بلاد الروم، فوجه هلال بن ضيغم في جماعة من أهل
دمشق والأردن وغيرهم، فبنى ذلك القصر، ولم يكن بناؤه محكماً، فهدمه الرشيد، وبناه.
ثم لما كانت سنة أربع وتسعين ومائة بنى أبو سليم فرج الخادم أذنه، فأحكم بناءها
وحصنها، وندب إليها رجالاً من أهل خراسان وغيرهم على زيادة في العطاء، وذلك بأمر
محمد بن الرشيد، ورم قصر سيحان، وكان الرشيد رحمة الله عليه توفي سنة ثلاث وتسعين
ومائة، وعامله على أعشار الثغور أبو سليم، فأقره محمد، وأبو سليم هذا هو صاحب
الدار بأنطاكية.
قلت: وهذا أبو سليم قدم الثغور في أيام المهدي هو وغيره من الخدم، وسكنوها رغبة في
الجهاد، وكانوا من أولاد الملوك بخراسان، ولخصائهم سبب أنا ذاكره، ونقلته من خط
أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قال: سمعت أبا نصر محمد بن أحمد بن الحمال،
قبل أن يصيبه ما أصابه، يقول: سمعت أبا حفص يقول: سمعت أبا حفص عمر بن سليمان بن
الشرابي يقول: سمعت أبا العباس بن المعتز بالله يقول: وردت الكتب من خراسان في
أيام أبي جعفر المنصور: إن قوماً من أبناء وجوه خراسان منعوا جانبهم، وقدر عليهم،
والتمس إذن المنصور فيهم، فألفى ورود الكتاب أبا جعفر حاجاً، وتوفي في طريقه ذاك،
واستخلف المهدي، فعرض عليه الكتاب، فأمر بكتب الجواب عنه، وأن يحصى أولئك الأبناء
فيعمل في بابهم ما يعود بالصلاح، فسقط من قلم الكاتب على أعلى الحاء مقدار النقط،
فقريء بخراسان بالخاء معجمة. فخصوهم خدماً، أربعة آلاف، منهم أبو سليم، والحسين
صاحب المهدي، وأبو معروف، وبشار.
ونقلت من كتاب أبي زيد أحمد بن سهل البلخي في كتاب صورة الأرض والمدن وما تشتمل
عليه، قال: وأذنه مدينة خصبة عامرة، وهي منعطفة على نهر سيحان في غربي النهر.
وسيحان هو دون جيحان في الكبر، عليه قنطرة حجارة عجيبة البناء طويلة جداً، يخرج
هذا النهر من بلد الروم أيضاً.
وقال أحمد بن أبي يعقوب بن واضح في كتابه: ومدينة أذنه بناها أمير المؤمنين
الرشيد، واستتمها أمير المؤمنين محمد بن الرشيد، وبها منازل ولاة الثغور في هذا
الوقت لسعتها، وهي على هذا النهر الذي يقال له سيحان.
وأهلها أخلاط من موالي الخلفاء وغيرهم.
قلت: وكان بأذنه جماعة من الرؤساء والعلماء والمحدثين، سنذكرهم في الأسماء إن شاء
الله.
باب في
ذكر الكنيسة السوداء
ويقال لها الكنيسة المحترقة أيضاً، وهي مدينة قديمة، مبنية بالحجر الأسود من بناء
الروم، وأغارت الروم عليها وأحرقتها فقيل لها الكنيسة المحترقة، وحالها في الخراب
والعمارة حال بقية مدن الثغور.
وقال أبو زيد البلخي في كتابه: والكنيسة حصن فيه منبر، وهو ثغر في معزل من شاطىء
البحر.
وقال أحمد بن الطيب السرخسي في كتاب المسالك والممالك: ومن عوادل الثغور الشامية،
الهارونية، كنيسة السوداء، تل جبير.
وقال
أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في كتابه، بعد ذكر المصيصه وأذنه وطرسوس:
وللثغور الشامية غير هذه الثلاث المدن التي قد ذكرناها مدينة عين زربه،
والهارونية، والكنيسة المحترقة.
بنى عين زربة أمير المؤمنين ابن المنصور وأتقنها، وبنى الهارونية الرشيد في أيام
المهدي، وهو ولي عهد، وبنى الكنيسة المحترقة الرشيد أيضاً.
ونقلت من خط بنوسة في كتاب البلدان للبلاذري، مما حكاه عن شيوخه من أهل الشام،
قالوا: وكانت الكنيسة السوداء من حجارة سود بناها الروم على وجه الدهر، ولها حصن
قديم، أخرب فيما أخرب، فأمر الرشيد ببناء مدينة الكنيسة السوداء وتحصينها، وندب
إليها المقاتلة في زيادة العطاء.
قال: وأخبرني بعض أهل الثغر وعزان بن سعد أن الروم أغارت عليها، والقاسم بن الرشيد
مقيم بدابق فاستاقوا مواشي أهلها، وأسروا عدة منهم، فنفر إليهم أهل المصيصة
ومطوعتها، فاستنقذوا جميع ما صار إليهم، وقتلوا منهم بشراً كثيراً، ورجع الباقون
منكوبين مفلولين، فوجه القاسم من حصن المدينة ورمها وزاد في شحنتها.
قلت وهذه المدينة هي الآن أيضاً في أيدي الأرمن خذلهم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
باب في
ذكر مدينة طرسوس
وهي مدينة قديمة من بلاد الثغور الشامية عظيمة، وبها كان يقوم سوق الجهاد وينزلها
الصالحون والعباد، ويقصدها الغزاة من سائر البلاد، وهي اليوم في أيدي الأرمن من
ولد ابن لاون الملعون، وفيها قبر أمير المؤمنين عبد الله المأمون، واسمها بالرومية
تارسين، وسميت أيضاً طريسوس، فعربت، وقيل طرسوس بفتح الراء وقيل باسكانها.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قراءة عليه بدمشق قال: أخبرنا أبو منصور
موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن علي
الخطيب التبريزي.
وأخبرنا أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن علي قراءة عليه بحلب قال: أخبرنا محمد بن
خمردكس مولى أبي زكريا التبريزي عن مولاه أبي زكريا قال: أخبرنا أبو محمد الدهان
اللغوي قال: أخبرنا علي بن عيسى الرماني قال: أخبرنا ابن مجاهد القارىء قال:
أخبرنا أبو العباس ثعلب.
قال: شيخنا أبو اليمن: وأخبرنا سعد الخير بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا أبو سعد
المطرز قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ أحمد بن عبد الله قال: أخبرنا ابن كيسان
النحوي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في كتاب الفصيح في باب المفتوح
أوله من الأسماء قال: وهي طرسوس.
وقرأت في كتاب البهيء فيما تلحن فيه العامة لأبي حاتم السجستاني قال: وتقول هي
طرسوس بفتح الطاء والراء جميعاً ومثاله أسود حالك وحلكوك. قال أبو زيد: عقيل وعامر
يقولون طرسوس بضم الطاء وتسكين الراء، ويزعمون أنهم ليس يعرفون لحلكوك اسماً
ثانياً.
وقرأت بخط جعفر بن أحمد بن صالح المعري كاتب أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن
سليمان في فوائد عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه قال: - يعني ابن خالويه
- ومما تخطىء فيه العامة شغب الجند، وثغر طرسوس، وجبل وعر، ورجل سمح، هؤلاء الأربع
سواكن والعامة تحركهن.
وقد ذكرنا في باب ذكر المصيصة ما قرأته في كتاب جماهير أنساب اليمن من حديث الشيخ
الكبير الذي دخل على معاوية بن أبي سفيان وذكر أنه من جرهم، وذكر له أن يافث بن
نوح ولد سبعة ذكور وعد فيهم ياوان بن يافث، وقال: وولد ياوان بن يافث أياس،
والمصيصة وطرسوس وأذنه والمصيصة وأياس.
وقرأت في تاريخ وقع إلى ذكر جامعة - ولم أعرف اسمه - أنه نقله من تواريخ شتى قال:
في تاريخ بني إسرائيل بعد مائة وخمسة وخمسين سنة بعد الألف الرابع لآدم عليه
السلام أنه ملكهم يولع بن هوا من سبط ايسا جار ثلاثة وعشرين سنة، وفي زمانه بنيت
طريسوس، وهي طرسوس.
وذكر أحمد بن الطيب السرخي في كتاب المسالك والممالك في ذكر طرسوس قالوا: سميت
بطرسوس بن الروم بن اليفن بن سام بن نوح. وقالوا: واسم طرسوس بالرومية تارسين.
قال ابن الطيب في رحلة المعتضد: ورحلنا من المصيصة نريد العراق إلى أذنه، ومن أذنه
إلى طرسوس، وبينها وبين أذنه ستة فراخ، وبين أذنه وطرسوس فندق بغا، والفندق
الجديد، وعلى طرسوس سوران وخندق واسع ولها ستة أبواب، ويشقها نهر البردان.
قلت
وكانت طرسوس قد خربت وجلا أهلها في صدر الاسلام، خربها المسلمون حين غزوها وقاتلوا
أهلها وهزموهم، ومضى من مضى منهم إلى الروم، وكان ذلك في السنة التي فتحت فيها حلب
وأنطاكية.
فجدد عمارتها أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله، وقواها وحصنها، ولم تزل قوتها تزيد
وتتضاعف إلى أن استولى عليها الروم في شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
قرأت في كتاب صفة الأرض والأقاليم وما تشتمل عليه تأليف أبي زيد أحمد بن سهل
البلخي قال: وطرسوس مدينة كبيرة عليها سوران تشتمل على خيل ورجال وعدة، وهي على
غاية العمارة والخصب، وبينها وبين حد الروم جبال، وهي الحاجز بين المسلمين والروم،
ويقال أن بها زهاء ألوف من الفرسان فيما يزعم أهلها، وليس من مدينة عظيمة من حد
سجستان إلى كرمان وفارس والجبل وخوزستان وسائر العراق والحجاز واليمن والشامات
ومصر إلا وبها لأهلها دار وأكثر، أهلها ينزلونها إذا وردوها.
وقال ابن واضح الكاتب في كتاب البلدان: وطرسوس مدينة بناها أمير المؤمنين الرشيد
في المرج الذي في سفح الجبل الذي يقطع منه إلى أرض الروم، وكان بناؤه إياها سنة
سبعين ومائة، في أول خلافته على يد أبي سليم فرج التركي الخادم، وبها نهر جار يأتي
من جبل الروم، حتى يشق في وسطها، وأهلها أخلاط من الناس من سائر الآفاق.
وقال اسحق بن الحسن بن أبي الحسن الزيات الفيلسوف في كتاب نزهة النفوس وأنس
الجليس: مدينة طرسوس وهي من الاقليم الرابع، وبعدها من خط المغرب ثمانون درجة،
وبعدها من خط الاستواء ست وثلاثون درجة، بناها الرشيد سنة سبعين ومائة، وبها نهر
جار يأتي من بلاد الروم يشق وسطها، وأهلها أخلاط من الناس.
وقرأت في كتاب المسالك والممالك الذي وضعه الحسن بن أحمد المهلبي للعزيز المستولي
على مصر: فأما مدينة طرسوس فهي من الاقليم الخامس، وعرضها ست وثلاثون درجة.
وارتفاع الثغور بجميع جباياتها ووجوه الأموال بها مائة ألف دينار على أوسط
الارتفاع، تنفق في المراقب والحرس والقوائين والركاضة والموكلين بالدروب والمخاض،
وغير ذلك مما جانسه، وكانت تحتاج بعد ذلك لشحنتها من الجند وما يقوم للمماليك
وراتب تعاريفها للصوائف والشواتي في البر والبحر وعمارة الصناعة على الاقتصاد إلى
مائة وخمسين ألف دينار، وعلى التوسعة إلى ثلاثمائة ألف دينار.
فأما ما يلقاها من بلاد العدو ويتصل بها فإنها من جهة البر وما يسامت الثغور
الجزرية تواجه بلاد الفنادق من بلد الروم، وبعض الناطليق، ومن جهة البحر بلاد
سلوقية.
وكانت عواصم هذه الثغور من ناحية الشام أنطاكية وبلاد الجومة وقورس.
فأما أهل هذه الثغور ومن كان يسكنها وأحوال البلاد ومقاديرها، فإن طرسوس كانت
أجلها مدينة وأكثرها أهلاً، وأغصها أسواقاً، وليس على وجه الأرض مدينة جليلة إلا
ولبعض أهلها دار حبس عليها حبس نفيس وغلمان برسم تيك الدار بأحسن العدة وأكمل
الآلة، يقوم بهم الحبس الذي عليهم، وكان أكثر ذلك لأهل بغداد، فإنه كان لهم بها
ولغيرهم من وجوه أهل البلدان وذوي اليسار منهم جلة الغلمان، مقيمين عليهم الوقوف
السنية، والأرزاق الدارة، ليس لهم عمل إلا ارتباط فرهة الخيل وتخريجها في الطراد
والعمل عليها بسائر السلاح، يعملون ذلك في صدور أيامهم، ويتصرفون في أعجازها إلى
منازل فياحة فيها البساتين والمياه الجارية والعيش الرغد.
وكان أهل البلد في نفوسهم على هذه الصفة من ركوب الخيل والعمل بالسلاح ليس فيهم من
يعجز عن ذلك، ولا يتخلف عنه حتى أن دور المتاجر الدنية والصنائع الوضيعة كانوا
يلحقون بالطبقة العليا في الفروسية والشجاعة وارتباط الخيل، واعداد السلاح.
وكانت غزواتهم تتصل ومن الغنائم والمقاسم لهم معيشة لا تنقطع.
فأما أهل البلد فكانوا من سائر أقطار الأرض بخلق حسن وألوان صافية، وفيهم رقيق وأجسام
عبلة، والأغلب على ألوانهم البياض والحمرة والسمرة الصافية وكان في أكثرهم جفاء
وغلظة على الغريب، إلا من كان منهم قريب عهد بالغربة، وكذلك الشح كان فيهم فاشياً
إلا في الغريب، وغلب على السوقة والمستخدمين قوم من الخوز وسفلة العجم، ومن كانت
فيه فسولة عن الحرفة، وكسل عن طلب المعاش فأظهروا زهداً وورعاً، وأعلنوا بالنصب،
فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
قال:
فأما أهل البلد وأولاد المجاهدين وأولاد الغلمان وأولاد خراسان فكانوا من الأخلاق
السمحة، والنفوس الكريمة، والهمم العالية والمحبة للغريب على ما ليس عليه أحد،
ولكنهم كانوا في تقية من هؤلاء الأوباش، فهذا الأكثر من حال طرسوس.
وأما ما سوى ذلك من مدن الثغر فعلى هذا الوصف وهذا النعت، وخاصة المصيصة.
قال: وكان يعمل بها - يعني بالثغور - ثياب كان تسمى الشفايا مثل رفيع الدبيقي تحمل
إلى كل بلد، وبالثغر زبيب لا عجم فيه كالقشمش، ويقطع إلى الثغور الجارح من بلد
الروم، فتؤخذ فيه البزاة الفره، وقد كان في جبال الثغر أيضاً أوكار للجارح والكلاب
السلوقية الموصوفة من بلاد سلوقية.
فهذه أحوال الثغر ومن فيه ولم تزل أحواله تجري على الانتظام والرخاء والسلامة
والغزو متصل والمعايش رغده، والسبل آمنه ما دام الغزاة إليهم من العراق ومن مصر
متصلين، فلما زهد الناس في الخير، وقع بينهم في نفوسهم من التنافس والتحاسد والغل
ما وقع، وخاصة بين الغلمان الثملية، وابن الزيات، والمعروف بسيف الدولة علي بن عبد
الله بن حمدان.
وقرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي في كتاب سير الثغور، وضعه للوزير
أبي الفضل جعفر بن الفضل، فذكر فيه صفة طرسوس، فقال: مدت طرسوس على سورين في كل
سور منها خمسة أبواب حديد، فأبواب السور المحيط بها حديد ملبس وأبواب السور المتصل
بالخندق حديد مصمت، فالسور الأول الذي يلي المدينة مشرف تعلوه ثمانية آلاف شرافه،
فيها مرتبة عند الحاجة إلى الحرب عنها رجال يرمون عن ستة عشر ألف قوس رمية رجل
واحد، وفي هذا السور من الأبراج مائة برج سواء، منها ثلاثة أبرجة للمجانيق الحرري،
وعشرون برجاً للمجانيق الكبار، وعشرون برجاً للعرادات، وسائرها لقسي الرجل، وهذه
الأبرجة التي ذكرناها فهي ملك لأربابها، ومساكن لمتأهلين وعزاب، وبعضها مرسوم بعمل
الورق والكاغد، وهو مما يلي زاوية الحبالين.
قال: فأما برج باب قلميه المبني على يمين الخارج منه فموسوم بتفرقة أعشار غلات
ضياع طرسوس، متى ورد منها عشرة أحمال أو رواحل أو عجل، حط واحد من عشرة وأطلق له
تسعه، يقبل قوله فيه، فإذا اجتمع أطلق منه لأهل الشرف أبناء المهاجرين والأنصار
على رسم جريدة أمر بانشائها المأمون عبد الله بن هرون الرشيد رحمهما الله،؛ يتوارث
ما ثبت في تلك الجريدة أهل الشرف المقيمون بطرسوس، ويجري بينهم مجرى الميراث،
يأخذه خلفهم عن سلفهم، وإن طرأ طرسوس غريب من أبناء المهاجرين والأنصار دفع إليه
مقدار كفايته، وكفاية جملته إن كان ذا عيال أو ذا جملة شريفة. ويفض منه على الشيوخ
المسجدية رسماً لا ينقطع عنهم في كل سنة عند قبض الأعشار من الغلات، لكل شيخ منهم
ستة أمداء بالمدي الطغاني الذي يبلغ كل مدي منه أربعة عشر مكوكاً بالمكوك
الطرسوسي، مبلغ المكوك منه زيادة على المكوكين بالبغدادي المعدل، ويفض منه على
الأدلاء المؤلفه قلوبهم من الروم والأرمن وأولادهم بحسب ما يراه السلطان بطرسوس من
حسن النظر لهم ولمن يتجدد منهم، ويجعل ما يفضل عما وصفناه من الحنطة للخباز المقام
لقوت الأعلاج المحبوسين في سجن طرسوس؛ وما ورد من الشعير برسم العشر أطلق للأدلاء
المؤلفة قلوبهم رسماً على مقدار كراعهم قضيماً لها في كل سنة، وحمل سائره لقضيم
بغال الساقه أولاً أولاً، فإن فضل من القمح شيء عما وصفناه وذكرناه من وجوهه بيع بسعر
وقته وصرف في مهمات البلد، وسنذكرها في أماكنها إن شاء الله.
قال: وما وقع في هذا البرج من غلات القطاني كلها مع ما ينضاف إليها من زيتون وكمون
وبزر فجل وبزر كتان وسمسم وترمس وأرز، بيع كل صنف منه بسعره وأضيف إلى راتب البلد.
قال: وكان في هذا السور قديماً، وقد رأيناه رأي عين، أثر خمسة وعشرين باباً، منها
خمسة أبواب مفتوحة مسلوكة معروفة، وهي: باب الشام، وباب الصفصاف، وباب الجهاد،
وباب قلمية، وباب البحر، وسائرها مسدودة.
وقال: سمعت أبا الربيع سليمان بن الربيع الجوزاني، شيخاً كبيراً كان أقام بحصن
الجوزات زيادة على أربعين سنة مجاهداً يذكر أن جيشاً لجباً خرج عن طرسوس غازياً في
زيادة على عشرين ألف فارس وراجل من بال المسدود فأصيبوا عن آخرهم في بلد الروم،
واستشهدوا رحمة الله عليهم، ولم يعد منهم إلى طرسوس مخبر، فأجمع رأي أهل طرسوس على
سده تشاؤماً به.
قال:
وقد رأيته مفتوحاً، وهو ما بين زاويه الحبالين وباب الجهاد عند آخر شارع النجارين،
تصل به الدار الكبيرة التي بنيت للسيدة أم المقتدر بالله رحمهما الله، وليس بطرسوس
ولا بالثغر كله دار أكبر منها، وبرسم هذه الدار صناع معروفون من أهل سوق السلاح
لتدبير جوانبها، ورم شعث سلاحها وجلاء دروعها وسيوفها في كل سنة مرة أو مرتين.
وكان يركب من هذه الدار إلى الجهاد في سبيل الله مائة وخمسون غلاماً بجنائبهم ومن
ضامهم، ويروسهم رجل منهم على رأسه مطارد تعرف بهم متى إحتيج إليهم في الغزو لساقة
أو ميمنة أو ميسرة أو في تجريد لحادثة سدوا أكبر مسد، وقوفهم بأرض الثغر وأعمال
أنطاكية وحلب معروفة مشهورة.
وارتفاعها في السنة الواحدة مائة ألف دينار، يستغرقها الانفاق، وربما اقترضوا إن
تعذر وجه مالهم، وردوه عند حصوله.
قال: وأما شارع باب الصفصاف ففيه دار قبيحة أم المعتز بالله رحمهما الله، قد بنيت
حجراً مقدره، لسكنى مائة وخمسين غلاماً في كل حجرة منها بيتان ومرتفق، وبرسم هذا
الوقف رئيس يركب هؤلاء الغلمان بركوبه، ويسيرون بسيره، ينشر على رأسه مطرد وأعلام
كتابتها المعتز بالله، وكذلك شعارهم إذا سافروا وغزوا في بلد الروم وغيره.
قال: وللدار خزانه للسلاح تظهر في أيام الأعياد عند ورود الرسل من الروم، فيها
الدروع الحصينة تستر الفارس والفرس، والعمد المذهبه والجواشن اليبنية والخوذ
المنيعة، ومن الأسلحة كل نوع يحمل كل غلام ما يعاني العمل به، وبرسم هذه الدار
مؤدب لا يدخل مكتبه أحداً، إلا أولاد موالي المعتز بالله، والرئيس على موالي المعتز
من الموالي من وجوده مذكوراً فارساً رئيساً مقدماً فإن تعذر من هذه صورته من
الموالي، نصب لهم رئيس من قواد طرسوس ووجوهها، يدبر أمرهم ويكتب العقود والضمانات
باسمه، وقد رأيت أبا حفص عمر بن سليمان الشرابي رحمه الله رئيساً عليهم، ثم رأيت
بعده جماعة منهم ومن غيرهم.
قلت وهذا أبو حفص عمر بن سليمان هو ممدوح أبي الطيب المتنبي بالقصيدة التي أولها.
نرى عظماً بالصّد والبينُ أعظم ... وتتّهم الواشين والدمع منهم
وكان من موالي المعتز وشرابياً لابنه عبد الله بن المعتز، وسنذكر ترجمته في كتابنا
هذا إن شاء الله تعالى.
ومما نقلته من خط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي: حدثني أبو نصر محمد بن
أحمد بن الحمال قال: حدثني ابن عطية قال: أحصينا سنة تسعين ومائتين سكك طرسوس
فوجدناها ألفي سكة نافذة ومسدودة، وأحصينا الدور فوجدناها أربعة وثلاثين ألف إقتضى
التقدير أن يكون ثلثاها للعزاب أهل البلدان، حتى لا يعرف من عمائر الإسلام بلد إلا
ولهم بطرسوس دار أو داران، حتى أهل قم؛ وثلثها للمتأهلين بها ملكاً لأربابها أو
وقفاً عليهم.
قلت: ووقفت على كتاب وقفه كتبه جد جدي زهير بن هرون بن أبي جرادة بحصة من ملكه
بأورم الكبرى من ضياع حلب، على أن تستغل ويشتري من مغلها فرس تكون مقيمةً بثغر
طرسوس بدار السبيل المعروفة بزهير بن الحارث، ويقام لها العلوف وأجرة من يخدمها،
ويقام عليها فارس يكون مقيماً بالدار المذكورة يجاهد عليها عن زهير بن هرون، وما
فضل من المغل يعد لنائبة إن لحقت هذه الفرس.
وقد ذكر هذه الدار أبو عمرو الطرسوسي وقال: وهذه الدار بيوت سفالي وإصطبلات ومخازن
وعلالي؛ فأما الحوانيت فهي وقف على سبعة أفراس تكون في مربط هذه الدار بسروجها
وآلاتها وجلالاتها، ويقام بقضيمها ونعالها ومساميرها وأجرة بياطرتها وأجرة ساستها،
وقد رسمت هذه الأفراس السبعة كل فرس منها بقائد من قواد طرسوس، متى نودي بنفير أو
غزو قاد السائس فرساً برسم قائد من القواد إليه بعينه، بعد القيام بكفايته، حتى
إذا عاد القائد من نفيره أو غزوه رد الفرس إلى مربطه.
وذكر دوراً كثيرة لا يحتمل الحال ذكرها، ويطول كتابنا بإيراد ما ذكره.
قرأت
في كتاب البلدان لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، ونقلته من خط بنوسه قال: وحدثني
محمد بن سعد عن الواقدي قال: لما غزا الحسن بن قحطبة الطائي بلاد الروم سنة اثنتين
وستين ومائة في أهل خراسان وأهل الموصل والشام وأمداد اليمن ومتطوعة العراق
والحجاز، خرج مما يلي طرسوس، فأخبر المهدي بما في بنائها وتحصينها وشحنتها
بالمقاتلة من عظيم الغناء عن الإسلام، والكبت للعدو والوقم له فيما يحاول ويكيد،
وكان الحسن معه في غزاته مندل العنزي المحدث الكوفي، ومعتمر بن سليمان البصري.
قال: وحدثني محمد بن سعد قال: حدثني سعد بن الحسن قال: لما خرج الحسن من بلاد
الروم نزل مرج طرسوس فركب إلى مدينتها وهي خراب فنظر إليها وأطاف بها من جميع
جهاتها، وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مائة ألف، فلما قدم على المهدي وصف له أمرها
وما في بنائها وشحنتها من غيظ العدو وكبته وعز الإسلام وأهله؛ وأخبره في الحدث
أيضاً بخبر رغبه في بناء مدينته، فأمر ببناء طرطوس، وأن يبدأ بمدينة الحدث، فبنيت،
وأوصى المهدي ببناء طرطوس.
فلما كانت سنة إحدى وسبعين ومائة بلغ الرشيد أن الروم قد ائتمروا بينهم بالخروج
إلى طرسوس لتحصينها وترتيب المقاتله فيها، فأغزى الصائفة في سنة إحدى وسبعين ومائة
هرثمة بن أعين، وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها ففعل، وأجري أمرها على يدي
فرج الخادم أبي سليم بأمر الرشيد فوكل ببنائها، ووجه أبو سليم إلى مدينة السلام،
فأشخص الندبة الأولى من أهل خراسان وهم ثلاثة آلاف رجل، فوردوا طرسوس، ثم أشخص
الندبة الثانية وهم ألفا رجل، ألف من أهل المصيصه وألف من أهل أنطاكية على زيادة
عشرة دنانير لكل رجل في أصل عطائه، فعسكروا مع الندبة الأولى بالميدان على باب
الجهاد في مستهل المحرم سنة اثنتين وسبعين ومائة، إلى أن استتم بناء طرسوس
وتحصينها، وبناء مسجدها؛ ومسح فرج ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف
خطة، كل خطة عشرون ذراعاً في مثلها، وأقطع أهل طرسوس الخطط، وسكنتها الندبتان في
شهر بيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائة.
قال: وكان عبد الملك بن صالح قد استعمل يزيد بن مخلد الفزاري على طرسوس، فطرده من
بها من أهل خراسان، واستوحشوا منه للهبيريه، فاستخلف أبا الفوارس، فأقره عبد الملك
بن صالح، وذلك في سنة ثلاث وتسعين ومائة.
قرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي سمعت أبا زرعة نعيم بن أحمد المكي
سنة ست وثلاثين وثلاثمائة يقول: سمعت عبد الله بن كلرت يقول: سمعت أشياخنا رحمهم
الله يذكرون أن خيل خراسان وردت لعمارة طرسوس في أيام المهدي مع رسله وعساكره،
وأنهم حطوا بمكان وصفه لنا بباب الجهاد غربي حائط المصلى، أربعة آلاف راحلة
دقيقاً، مكتوب عليها بلخ، خوارزم، هراة، سمرقند، فرغانه، أسبيجاب، حمل ذلك كله على
البخاتي من خراسان مع أبي سليم، وبشار، وأبي معروف الخدم أبناء الملوك.
أنبأنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي عن أبي سعد عبد الكريم
بن محمد السمعاني قال: سمعت أبا علي الحسن بن مسعود الوزير الدمشقي الحافظ يقول:
كان المشايخ يقولون زينة الإسلام ثلاثة: التراويح بمكه، فإنهم يطوفون سبعاً بين كل
ترويحتين، ويوم الجمعة بجامع المنصور لكثرة الناس والزحمه ونصب الأسواق، ويوم
العيد بطرسوس، لأنها ثغر وأهلها يتزينون ويخرجون بالأسلحة الكثيرة المليحة والخيل
الحسان، ليصل الخبر إلى الكفار فلا يرغبون في قتالهم.
قرأت بخط أبي عمرو الطرسوسي، وذكره بإسناده إلى وريزه بن محمد بن وريزه الغساني
قال: حدثني الحارث بن همام قال: سمعت أبي يقول: استوصف الحجاج ابن القرية البصرة
والكوفة وواسط فوصفها، ثم استوصف منه الشام، فقال: الشام عروس بين نسوة جلوس.
قالوا أبو عمرو القاضي: قلت أنا: وابن القرية نعت الشام وليس للمسلمين يومئذ
طرسوس، فأما منذ ملكهم الله إياها، وجعل خطبة خلفاء دينه على منابرها، ونصبها قبة
للجهاد وملجأ وعلماً لأولئك الأخيار البررة، فما اختلف اثنان سلكا عمائر الإسلام
وجابا أفقها أن مدن الشام كالنسوة الجلوس وأن طرسوس تلمع بينها بمنزلة العروس.
ذكر كيفية النفير بطرسوس
وكيف كان يجري أمره
قرأت
بخط أبي عمرو القاضي في كتابه قال: يركب المتولي لعمل الحسبة أي وقت وقع النفير من
ليل أو نهار، ورجالته بين يديه ينادون بأعلى أصواتهم أجمع، صوتاً واحداً، يقولون:
النفير يا أصحاب الخيل والرجاله، النفير حملكم الله إلى باب الجهاد؛ وإن أراد إلى
باب قلميه أو إلى باب الصاف أو إلى أي باب اتفق، وتغلق سائر أبواب المدينة، وتحصل
مفاتيحها عند صاحب الشرطة، فلا تزال مغلقة حتى يعود السلطان من النفير، ويستقر في
داره ثم تفتح الأبواب المغلقة كلها.
ويطوف المحتسب ورجالته الشوارع الجداد كلها، فإن كان ذلك نهاراً إنضاف إلى رجالته
عدد كثير من الصبيان، وساعدوهم على النداء بالنفير، وربما احتاجوا إلى حشد الناس
لشدة الأمر وصعوبة الحال، فأمر أهل الأسواق بالنفير وحضهم على المسير في أثر
الأمير أين أخذ وكيف سار، ويكون مركز صاحب الشرطة إذا وقع النفير مع رجالته
الموسومين به عند الباب الأول الذي يلي المدينة الذي يخرج منه الناس إلى النفير،
وكذلك المحتسب، إلا أن المحتسب يتردد في الأسواق إذا طال أمر النفير، وتأخر خبره،
ويبعث على اللحوق بمن سار مع الأمير وبمن توجه إلى النفير، فلا يزال الأمر على هذا
حتى يعود السلطان إلى دار الإمارة.
ويخرج إلى النفير قواد الرجالة، معروفون متى عقد السلطان لقائد من الفرسان فبعثه
للقاء من ورد من ذلك الوجه أضاف إليه قائداً من قواد الرجالة، وأتبعه من أجلاد
الرجالة أهل القوة والنشاط والنية من المطوعة المسجدية، حتى إذا نزلوا أول منزل،
تبتل شيخ، بل شيوخ من الصلحاء معروفون بحفظ من هناك من الغلمان المرموقين بالصباحة
والوضاءة، فتنضاف طبقة طبقة إلى ذي معرفتهم وثقتهم وحصلوا تحت علمه ورايته، فلو هم
أحدهم بالوضوء لصلاة لما أفرج عنه إلا برقيب ثقة أمين شيخ معروف، يمضي معه لحاجته،
حتى إذا فرغ منها عاد إلى جملته.
وقد رأينا في آخر أيام طرسوس رجلاً يعرف برؤبة يجتمع إليه الصبيان الذين لم يبلغوا
الحلم، يزيد عددهم على ألف صبي كلهم بالسلاح الذي يمكن مثله حمل مثله، وبمزاودهم
وقد أعدوا فيها من صنوف أطعمة أمثالهم يطوف جميعهم بمطرد يحمله رؤبة، يسيرون بسيره
ويقفون بوقوفه، فلا يزال ذلك دأبهم حتى إذا عاد السلطان إلى مقر داره عند رجوعه من
نفيره، دخل أولئك الصبيان أمامه على مراتبهم، يصفهم قائدهم الأمثل فالأمثل، رماتهم
عن قسي الرجل التي قد عملت على مقاديرهم، ثم رماتهم عن القسي الفارسية، وربما كان
فيه من أولاد اليمانية من يحمل القسي العربية بنبلها، فيدخلون فوجاً فوجاً صبيين
صبيين، ثم من يحسن الثقاف، فيثاقف قرينه ومثله وخدينه وشكله حتى يدخل كل صنف منهم
في مرتبته، ثم يتلوهم رؤبة قائدهم بمطرده وعلامته، حتى إذا خرج أحد أولئك الصبيان
من حد الطفولة، واشتد عضده، وقارب حد البلوغ، أو بلغ، أو تجاوز البلوغ قليلاً،
إنضاف إلى قائد من قواد الرجالة الذين ذكرت، وصحبه في نفيره وغزوه، وارتاد لنفسه
الرفاق بحسب ما يختار تربه وجاره وقرينه، فإذا التحى، وخرج عن حد المرد دخل في
جمهور الناس، حاذقاً بما يحتاج إليه، ماهراً بصيراً بأمر جهاده وتدبير أمره،
نافذاً يقظاً إن شاء الله.
وقع إلي قصيدة الأعلام، وهي أرجوزه نظمها أبو عمرو القاسم بن أبي داود الطرسوسي
يذكر فيها رحلته من طرسوس، ويتشوقها، ويصف أوضاع المجاهدين فيها، وقد شرحنا في
ترجمته من كتابنا هذا صورة القصيدة، قال فيها في وصف طرسوس:
يذكُر قومي عنهم إرتحالي ... وترك داري جانباً ومالي
تركي سجستان من المعالي ... مالي ودارٌ للغُواة مالي
لبئس ما بدلتها مراراً ... زرنج من طرسُوس لا مختارا
طرسوس أرض الفضل والجهاد ... ومُنتهى الرغبة للُعبّاد
تيك بلادي وبها تلادي ... وما لفي ومعدن الرشاد
سكانها أهل البلاء والجلد ... غُلامُهم لدى الحروب كالأسد
وكهلهم في المعضلات مُعتمد ... وشيخهم لكُل خير مُستند
أهل فضيلات وأهل سُنّة ... للعائفين والغريب جُنّة
حُبُّ النبي فيهمُ ما إنّه ... هداهم اللّه طريق الجنّة
قد
دوّخوا بالضرب في الحقائق ... بكل قطّاع من البوارق
هام العدى والوخز بالمزارق ... والطعن بالخطيّ في الحمالق
بالسُمهريات من الرّماح ... يختطفون شكّة الأرواح
وفي الدّجى يسروُن للتصباح ... سريةً في الروم لاجتياح
وللثواب والغنى والريش ... يرجُون خُلداً في لذيذ العيش
ليسوا بأطياشٍ غداة الهيش ... إذا اغتدوا كانوا أمام الجيش
تراهم صبيحة المغار ... كالأُسد في أشبالها الضّواري
على الجياد العُرب والشهاري ... كأنّها العقبان في البراري
من كُل طرفٍ مارح لدى العمل ... أغرّ كالبدر تدلّى ما أفل
مُحجّلٌ أرجُله جم الكفل ... ما هاب يوماً في الوغى لمح الأسل
فهم يحُلون بها الديارا ... ويقتُلون عندها الكُفّار
ويستبون الخُردّ الأبكارا ... ويحتوون المال والأسارى
قد صفّدوا في السير في وثاق ... وضُمّت الأيدي إلى التراقي
لخشية الفرار والإباق ... وتلكُم الجوار في استباق
يُسقن كالأغنام في الشغاف ... يُحزن بالرماح والقذاف
حوز الرُعاة لشاء في الفيافي ... كم فيهمُ من ظبيةٍ ذلاف
يمنعها من مشيها سحج الربل ... وثقل ردفٍ مائل لها عدل
وأنها ذات دلالٍ وخجل ... لو حسّها الراهب يوماً لنزل
والقسُ لو أبصرها لما صبر ... وقبّل الرجلين منها واعتذر
تبكي بعين ذات غُنج وحور ... وتلطم الوجه المُنير كالقمر
أبيض يعلوه كلون الخمر ... نعم وفي الصدر الوضيء تفري
باللكم والخمش ونتف الشعر ... من حالكٍ قد حلُ عند الخصر
وكل ما يبدو لها مليحُ ... إذا احتواها المُرد يستريح
دع ذكرها فذكرها قبيحُ ... على الفتى وخُذ بما تبُوح
ذكر زهاد طرسوس
بها رجال بعضُهم من بعض ... في اللّه قاموا بحقوق الفرض
فيها يعيشون بكل خفض ... يحبُوهُم ببركات الأرض
يبدون من يلقون بالتسليم ... يعفُون عن ذي القدرة الظلوم
نهارُهم صوم بلا تعتيم ... وليلُهم عبادة القيُّوم
فتارة يبكون شجواً دررا ... خوف الحساب والخطايا حذرا
وتارة يعتبرون السُورا ... مستغفرين عله قد غفرا
وتارة يغزون أرض الروم ... يرجون قتلاً في هوى الكريم
يا ليتني في الأرض كالرميم ... عندهم فقصّري أو لومي
هذا كان حال مدينة طرسوس والشرائع محفوظة، وأمور الجهاد ملحوظة، وأحوال البدع
مرفوضة، والجفون عن الحرمات مغضوضة، فحين فسدت الأمور، وارتكبت الفجور، وقلت
الخيرات، واشتغل أهل الجهاد باللذات، طمع العدو ومنعه طلب الثأر الهدو فقصد البلاد
وأكثر الأمداد، وهجم حلب وفتح أنطاكية، وقتل الأبطال، وسبى الذرية، ثم استولى على
الديار، وقصد طرسوس، وألح عليها بالحصار، فجرى في أمرها العظيم ما ذكره عثمان بن
عبد الله بن إبراهيم في مقدمة كتابه الموسوم بسير الثغور، ونقلته من خطه مع ما
نقلته من حوادث الأمور.
قال
بعد أن حمد الله على نعمه التي تظاهرت فما تحصى وأياديه التي ترادفت فما تستقصى:
نفذت سوابق أقضيته في عالم من بريته أسكنهم حيناً من الدهر ثغراً بأطراف الشام،
نوه به وبهم في معالم الإسلام، متعهم فيه مدةً من المدد، وأعزه وأعزهم إلى غاية من
الأمد، ظاهرين على أعدائهم، مظفرين في قلوب إخوانهم المسلمين، معظمين مبجلين، ضاقت
بهم أرض الروم، ترأى نيرانهم، وتكافح فرسانهم، إن دنوا منهم هلكوا، وإن أمعنوا
الهرب عنهم أدركوا، لا تحرزهم أرضهم وإن اتسعت، ولا تحميهم معاقلهم وإن امتنعت،
تغزى بنودهم، وتهزم حشودهم، وتفق جنودهم، وتستباح حريمهم، ويستأصل كريمهم، وتروح
أفنيتهم، وتهدم أبنيتهم، وتشن الغارات فيهم، زيادة على مائتي سنة، حتى نبغ من
نقفور بن خاردس الفقاس من صمد نحوهم وعندهم، وأناخ بهم وقصدهم، وأجمع على
استئصالهم واجتياحهم، وبوارهم، فغزاهم عاماً بعد عام، ونازلهم في عقر ديارهم، يدوخ
أطرافهم، ويسوق عواملهم، ويتردد إلى زروعهم أوان استحصادهم فيجتثها ويأتي عليها،
وتتوالى لأجل ذلك سنوات الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وضيق
الأسعار، وتأخر المبر والأمداد، وفناء الحماة من الرجال الكماة، وتلاشي الشجعان
والفرسان، وانحلال الأحوال، واختلال الأبطال، وحلول الداء الذي لا دواء له، والعلة
التي لا يرجى برؤها، وهو نبو السلاطين حينئذ عن نصرتهم، وتثاقلهم عن إجابة
مستصرخهم، وتخلفهم حين دهمهم ما دهمهم عن معونتهم.
فالنائب بمصر وما ينسب إليها براً وبحراً من أقاصي الصعيد إلى حدود جوسيه راض
بمدافعة الأيام وسلامة الشهور والأعوام من صولة ملك الغرب ومدبره، والرائب المشار
إليه بأرض العراق وما يجري مجراها إلى حدود بحر الصين وباب الأبواب، يتشاغل
بأساورة ديلمان وجيلان، وملك خراسان في كف غربه كما قال المساور بن هند العبسي:
وتشعبوا شعباً فكل جزيرةٍ ... فيها أمير المؤمنين ومنبرُ
فحاق لذلك بأهل الثغر - جدده الله - من قراع الروم - وقمهم الله - على وفور عددهم
وقوة عددهم، ووفاق أجناس الكفرة إياهم ما ثقل حده وعظم مرده، وامتنع مسده، بما
وصفنا من خلف سلاطين الإسلام وأمرائه، وتفاوت كل منهم في شتات آرائه، وما خامر
أفئدتهم من الوهل وران على قلوبهم من الرعب والوجل كما سبق لهم في علم الله العزيز
وإرادته ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة.
فقد حدثني أبو العباس محمد بن نصر بن مكرم، أحد عدول بغداد، في درب الريحان، أن
أحمد بن بويه رحمه الله جلس بمكان أرانيه بباب داره المعزية، يعرض خيله متنزهاً
بالنظر إليها، فقيد بين يديه من دار الدواب إلى ذلك المكان في مدة أربعة عشر يوماً
متصلة اثنا عشر ألف فرس، أغلاها ثمناً بمائة ألف درهم، وأدناها ثمناً بعشرة آلاف
درهم، لم يطرح قط على فرس منها سرج في سبيل الله ولا في غير سبيل الله.
وحدثني أيضاً كهل من أهل أذنه يعرف بابن الشعراني وقد سألته ببغداد عن منصرفه،
فوصف إشرافاً على قضيم حمير برسم فناخسرو بن الحسن بن بويه رحمه الله عددها ستة
آلاف حمار، قد رتبها لخدمة الكراع ينقل لها القصيل في حينه، والقضيم والعلوفات في
سائر الأوقات، وسألته عن عدد هذا الكراع الذي قد رتبت هذه الحمير لخدمته، فذكر أن
المشرف على قضيم جميع الكراع يستوفي كل ليلة قضيماً لثمانين ألف رأس، من ذلك
ثلاثون ألف رجل، وأربعة وعشرون ألف بغل وعشرون ألف فرس وستة آلاف حمار.
فهذان رجلان من أمراء الاسلام وصفنا ظاهر نعم الله عليهما، والجهاد معطل والثغر
بباب لا أنيس به خاو من القرآن، خال من الأذان.
مدارس آياتٍ خلت من تلاوة ... ومنزل حيٍ مقفر العرصات
فمن قتيل أو جريح، وعفير من أهلها طريح، وهارب طامح، ومتحيز إلى وطن نازح، ومفتون
في دينه، ومغلوب على ملك يمينه، قد استبيحت منازلهم بجميع ما كانت تحويه إلا ما
نقله السائر عنها على ظهره بحسب قوته إن كان ذا طاقة لشيء من حمله، أو على ذي
أربعة إن كان واحداً له أو أعوانه إن وجد عوناً، " فلكل امرىء منهم يومئذ شأن
يغنيه " ، لا يعرج على سواه ولا يعود بعد إلى مثواه بذلك سبق فيهم علم الله
المكنون الغامض المصون، " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " .
وقرأت
بخط أبي عمرو في كتابه: وجرى من اعتياد الروم طرسوس ما اقتضت الصورة إخراج وفد إلى
مصر والعراق يستصرخون ويطلبون المدد، ورسم أبو الحسن ابن الفياض بوفادة مصر، ووفد
أبو بكر الأصبهاني الاسكاف، وأبو علي ابن الأصبهاني خليفة القاضي العباس بن أحمد
الخواتيمي على طرسوس إلى بغداد، فندب للخطبة أو صالح عبد الغفار بن الحراني الوراق
عوضاً منه فقام مقامه، وأقام أبو صالح عند خروج الناس بطرسوس لعلة منعته من الحركة
بها توفي، وما زال أبو صالح يخطب مدة أيام منازلة نقفور إيانا، فلما انتهينا إلى
الأيام التي وادعناه فيها للخروج عن طرسوس إعتل أبو صالح علة حالت بينه وبين
الصلاة، واحتاج الناس في آخر جمعة جمعوها بطرسوس إلى خطيب فسئل أبو الحسن بن
الفياض الصلاة، وقد كان عاد من مصر معذراً لم ينل في الوفادة ما تمنى من أرسله
لها، فأبى، وقال: ما أحب أن أكون آخر خطيب خطب بطرسوس، وحضرت الصلاة فصلى بالناس
يومئذ أبو ذر، رجل من أبناء طرسوس، شيخ من أهل العلم كان سافر وغاب عن طرسوس عدة
سنين، وعاد إلينا في تلك الأيام، فهو آخر من خطب على منبر طرسوس يوم الجمعة العاشر
من شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، لأن خروج الناس كان عنها في يوم الأربعاء
النصف من هذا الشهر في هذه السنة، وأقام المؤذنون في ذلك اليوم وأخذوا في الأذان،
فسهوا فأقاموا، فرد عليهم فأذنوا، وقام أبو ذر فخطب، فلما أتى الدعاء للسلطان خطب
للمعتضد، ورد عليه، فتمم خطبته ونزل، فأقيمت الصلاة وكبر وقرأ في الركعة الأولى
بفاتحة الكتاب، وسورة والشمس وضحاها، وفي الركعة الثانية بسورة الحمد وسورة إذا
زلزلت الأرض زلزالها.
فلما سلم قام أبو عبد الله الحسين بن محمد الخواص قائماً في قبلة المسجد، واستقبل
الناس بوجهه وقال: يا معشر أهل طرسوس أقول فاسمعوا: هذا المقام الذي كان يتلى فيه
كتاب الله العظيم، هذا المقام الذي كانت تعقد فيه المغازي إلى الروم، هذا المقام
الذي كان يصدر عنه أمر الثغور، هذا المقام الذي كانت تصلي فيه الجمع والأعياد، هذا
المقام الذي يأوي إليه الملهوف بالدعوات، هذا المقام الذي يزدحم عليه أهل الستر
والسداد، هذا المقام الذي كان يفد إلى الله فيه الوافدون، هذا المقام الذي كان
يعتكف فيه العابدون الزاهدون، وما يجرى مجرى هذا الكلام.
وقرأت في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل المعري أن نقفور لما صالح أهل طرسوس،
وخرجوا منها وتسلمها صعد على منبرها وقال: يا معشر الروم أين أنا؟ فقالوا: على
منبر طرسوس، فقال: لا بل أنا على منبر بيت المقدس، وهذه البلدة التي كانت تمنعكم
من بيت المقدس.
باب ما جاء في فضل طرسوس
قرأت
بخط القاضي أبي عمرو عثمان بن عبد الله الكرجي، ونقلته منه، حدثنا أبو عمير عدي بن
أحمد بن عبد الباقي قال: حدثنا عمي أبو القاسم يحيى بن عبد الباقي قال: حدثنا يحيى
بن زكريا أبو زكريا قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن مالك الصوري قال: حدثني فتح بن
محمد بالغور قال: حدثنا عبد الله بن عيسى العقدي قال: حدثنا نصر بن يونس قال:
حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا السري بن بزيعة عن أبي بكر اليشكري عن الحسن البصري
عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ودموعه تقطر
على لحيته قال: فقلنا بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، من اخواننا هؤلاء الذين
ذكرتهم فرققت لذكرهم؟ قال: قوم من أمتي يكونون في مدينة تبنى من وراء سيحان وجيحان
فمن أدرك ذلك الزمان فليأخذ بنصيبه منها، فإن شهيدهم يعدل شهداء بدر، والذي نفسي
بيده ليبعثن الله يوم القيامة من تلك المدينة سبعين ومائة ألف شهيد يدخلون الجنة
بغير حساب، وإن الله عز وجل ينظر إلى أهل تلك المدينة كل يوم سبعين مرة، كلما نظر
إليهم ذر عليهم من بره وحنانه، الله عز وجل أرفق بتلك المدينة من الوالدة بولدها،
يغفر الله لأهل تلك المدينة كل يوم عند طلوع الشمس وعند غروبها، ولا يزالون على
الحق والحق معهم حتى يكون آخر الزمان عصابة منهم يحاربون الدجال، يحشر الله من تلك
المدينة اثني عشر ألف زمرة، في كل زمرة مائة ألف شهيد، والشهيد منهم يشفع في مائة
ألف سوى أهل بيته وجيرانه، واسمها بالعربية طرسوس، وفي التوراة أبسوس، وفي الإنجيل
أرسوس، وهي الصارخة إلى الله عز وجل في بيت المقدس حين أخربت، ولها بابان مفتوحان
حول العرش، من دخلها من أمتي غفر له ما سلف من ذنبه، ولم يكتب عليه ذنب حادث، طوبى
لمن حشر منها من أمتي، طوبى له.
ونقلت من خطه حدثني أبو الحسن علي بن وهب الوراق الرملي بطرابلس قال: حدثنا أبو
يعقوب العدل العطار الموصلي بالموصل قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي قال:
حدثنا محمد بن إبراهيم الحراني عن قيس بن الربيع عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستعمر مدينة بين سيحان وجيحان تسمى
المنصورة، من دخلها من أمتي دخلها برحمة، ومن خرج عنها رغبة عنها خرج بسخطة، يبنى
مسجدها على روضة من رياض الجنة، يدعى مسجد النور، الصلاة فيه بألفي صلاة، النائم
فيها كالصائم القائم في غيرها، المنفق فيها على عياله الدرهم بسبعمائة، طوبى
للمجاهدين فيها، وطوبى لمن حشر منها، الميت فيها شهيد، وشهيدها يعدل عشرة من شهداء
البحر.
وقال أبو عمرو القاضي فيما نقلته من خطه: حدثنا أبو هاشم عبد الجبار ابن عبد الصمد
السلمي قال: حدثنا أبو يعقوب الأذرعي قال: حدثنا أبو العباس عبد الله بن عبيد الله
السليماني قال: حدثنا محمد بن عباد قال: حدثنا إبراهيم ابن صدقة الجهني قال: حدثنا
عبد الله بن المبارك قال: حدثنا هشام بن مودود الهجري عن برد بن سنان عن وهب بن
منبه قال: لا تذهب الأيام حتى تبنى مدينة من وراء سيحان وجيحان قريبة من العدو غير
بعيدة، تخيف العدو من وجهين من بر ومن بحر، ينظر الله عز وجل إليهم في كل يوم
سبعين مرة، كلما نظر إليهم ذر عليهم من بره وحنانه، الله عز وجل أروف بأهل تلك
المدينة من الوالدة الشفيقة بولدها، يغفر الله لهم في كل يوم مرتين عند طلوع الشمس
وعند غروبها، يحشر الله منها يوم القيامة اثني عشر ألف زمرة في كل زمرة مائة ألف
شهيد، لا يزالون على الحق، والحق معهم، آخر عصابة منهم تقاتل الدجال.
قال ابن منبه: يا طوبى لأهل تلك المدينة هم أولياء الله وأحباؤه.
ومن خطه أيضاً حدثنا عدي بن أحمد بن عبد الباقي أبو عمير قال: حدثنا عمي يحيى بن
عبد الباقي أبو القاسم قال: حدثنا يوسف بن بحر قال: حدثنا سعيد بن هشام الفيومي
قال: حدثنا هشام بن مودود قال: سمعت وهب بن منبه يقول: تبنى مدينة من وراء نهر من
أنهار الجنة ينظر الله في كل يوم إلى تلك المدينة سبعين مرة، يدر عليهم من بره
وحنانه وهو أروف بهم من الوالدة بولدها.
قال سعيد بن هشام: سمعت هشام بن مودود يقول: هي طرسوس.
ونقلت
من خطه: حدثنا أبو عمير عدي بن أحمد الأذني بطرسوس إملاءً في داره يوم السبت غرة
ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة حدثنا عمي أبو القاسم يحيى بن عبد الباقي
حدثني أبو القاسم يوسف بن بحر الساحلي قال: حدثنا جنادة بن مروان بن الحكم الأزدي
قال: حدثني الهيثم بن حميد الكندي عن الحكم بن عمرو الرعيني عن كعب الأحبار قال:
إن طرسوس خرجت إلى ربها عز وجل من وحشتها وبكت إليه من خرابها، فأوحى الله عز وجل
إليها أيتها الصارخة إلي أنا أذنت لخرابك، وأذنت لعمرانك، وأنزل عليك من بركات
سمائي لأطهرك من دنس الأرجاس الأنجاس، ثم أعمرك " بخير أمة أخرجت للناس
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ، وأضع فيك معهم توراة محدثة وخدوداً
سجوداً يدفعون إليك دفيف النسور إلى أوكارها، ويحنون إليك حنين الحمامة إلى
فراخها.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد
قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة.
وأنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن عبد الكريم بن حمزة قال: حدثنا عبد
العزيز بن أحمد قال: حدثنا تمام بن محمد قال: أخبرنا أبو الحارث بن عمارة قال:
حدثنا أبي وهو محمد بن عمارة بن أبي الخطاب الليثي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن
إبراهيم عن هشام بن خالد عن الوليد بن مسلم عن رجل عن مكحول عن كعب قال: بطرسوس من
قبور الأنبياء عشرة.
أخبرنا أبو الفتوح الحصري وأبو محمد عبد القادر الرهاوي في كتابيهما قالا: أخبرنا
أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبوا عثمان الصابوني
والبحيري وأبوا بكر البيهقي والحيري إجازة منهم قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله
قال: سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب العدل يقول: سمعت حمش التريكي الزاهد يقول:
سمعت أحمد بن حرب يقول: المقام بطرسوس في وقتنا هذا أحب إلي من الجوار بمكة.
وقرأت بخط أبي عمرو القاضي في كتابه حدثنا أبو هاشم السلمي قال: حدثنا أبو يعقوب
الأذرعي قال: حدثنا أبو العباس عبد الله بن عبيد الله السليماني قال: سمعت يوسف بن
عبد الله الهاشمي يقول: قال عبد الله بن المبارك: تكبيرة على حائط طرسوس تعدل
فرساً في سبيل الله، ومن حمل على فرس في سبيل الله حمله الله على ناقة من نوق
الجنة.
قلت وكان ابن المبارك قد قدم طرسوس فأقام بها وبالمصيصة غازياً سنين عدة، فقال له
أبو إسحق الفزاري، ما أخبرنا به القاضي أبو القاسم عبد الصمد ابن محمد إذناً قال:
كتب إلينا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي قال: أخبرنا أبوا بكر أحمد البيهقي
ومحمد الحيري، وأبوا عثمان إسماعيل الصابوني وسعيد البحيري إجازة منهم قالوا:
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال: أخبرني محمد بن عمر قال: حدثنا
محمد بن المنذر قال: حدثني محمد بن الوليد قال: حدثني أبو عمران الطرسوسي قال:
سمعت عبد الله بن محمد بن ربيعة المصيصي يقول: حضرت أبا إسحق الفزاري وابن
المبارك، قال أبو إسحق الفزار لابن المبارك يا أبا عبد الرحمن تركت ثغور خراسان
الوا شجرد وقزوين وقد قال الله تعالى: " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
" ، فقال: يا أبا إسحق وجدت آية أوكد من هذه، قال الله عز وجل: " قاتلوا
الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله " ،
قال: ثم قال: هؤلاء يقاتلون على دنيانا، يعني الترك والديلم، وهؤلاء يحاربونا على
ديننا، يعني الروم، فأيما أولى الذب عن ديننا أو عن دنيانا؟ قال: لا بل عن ديننا،
لا بل عن ديننا.
وقال الحاكم أبو عبد الله: حدثني أبو أحمد بن أبي الحسين قال: حدثنا محمد بن الفيض
الدمشقي قال: حدثنا المسيب بن واضح قال: أنشدنا عبد الله بن المبارك رحمه الله:
إنّي أشير على العُزّاب إن قبلوا ... بأن يكون لهم مثوى بطرسُوس
الدار واسعة بالأهل رافقةٌ ... غيظ العدو وأجر غير محسوس
قوم إذا نابهم في الحرب نائبةٌ ... حلّوا الرباط فلم يُلووا على كُوس
قرأت
بخط أبي عمر والطرسوسي: حدثنا أبو بكر محمد بن سعيد بن الشفق قال: حدثنا محمد بن
أحمد أبو الطيب قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نوح قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن عن
أبيه قال: قال ابن المبارك: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام واضعاً يده
على سور طرسوس قال: اللهم احفظني فيها وفي أهلها.
ومن خطه: حدثنا عبد الجبار بن عبد الصمد قال: حدثنا أبو يعقوب الأذرعي قال: حدثنا
أبو العباس عبد الله بن عبيد الله السليماني قال: سمعت أبا الطيب يقول: حدثني بعض
إخواني قال: قال ابن المبارك: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو واضع
يده على حائط طرسوس وهو يقول: اللهم إخلفني على من فيها.
وقرأت بخطه أيضاً: حدثني محمد بن أحمد أبو نصر بن الحمال قال: سمعت أحمد بن مضر؛
وهو أبو أبي العباس بن مضر محمد بن أحمد يقول: كنا نسمع شيوخ الثغر قديماً يقولون:
لم يسكن طرسوس فيما مضى من الدهر والأزمنة في الكفر والاسلام إلا أوطاء أهل زمانهم
حتى أن قوماً من اليونانية سكنوها، فكانوا أهل سداد وصلاح.
ونقلت من خطه: حدثنا أبو بكر محمد بن سعيد بن الشفق البغدادي بطرسوس سنة خمس
وأربعين وثلاثمائه قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن أحمد البغدادي بطرسوس سنة إحدى
وتسعين ومائتين قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن نوح قال: سمعت محمد بن عيسى
قال: جاء رجل إلى ابن المبارك فقال: يا أبا عبد الرحمن أريد أن أسكن الثغر، قال:
اسكن أنطاكية، قال: أريد أن أتقدم، قال: أذنه، قال: أريد أن أتقدم، قال: أتريد أن
تكون في الطلائع فعليك بطرسوس.
باب في ذكر حصون مذكورة
مجاورة لطرسوس والمصيصة وأنطاكية، كانت مضافة إلى هذه المدن، وهي من الثغور
الشامية التي يفصل جبل اللكام بينها وبين الثغور الجزريه، نذكرها عقيب ذكر طرسوس
لأنها الآن في أيدي الكفار خذلهم الله، وأعادها إلى أيدي المسلمين. فمنها ذكر
اقليقيه، وهي مدينة بين المصيصة وأذنه داثرة.
قرأت بخط أبي عمرو الطرسوسي: سمعت أبا الحسن علي بن جعفر بن عقبه الأعرابي صاحب
الجيش بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة قال: سمعت أبي جعفر بن عقبه رحمه الله
يقول كان شيوخنا يقولون: إن أول مدينة عرفت في إقليم الثغر أزلية قبل الاسلام
مدينة اقليقية، وإليها ينسب علماء الروم الثغر فيقول بند اقليقيه، قال لنا أبو
الحسن بن الأعرابي: وقد بقي أثر هذه المدينة دمنة فيها آثار أبنية قديمة وهي عن
يمين السالك من المصيصة إلى أذنه بينها وبين أذنه نحو ميلين.
ذكر حصن ثابت بن نصر
وهو كان المشهور قبل الثغور وبنائها.
قرأت بخط أبي عمرو القاضي حدثني محمد بن أحمد الزمام قال: سمعت عبد الله بن كلرت
يقول: ما زال أولونا يقولون لم يعرف الجهاد فيما مضى في شيء من أرض الثغور، يعني
طرسوس وأذنه وعين زربه، إنما كان حصن ثابت بن نصر بمدينة المصيصة في آخر أيام بني
أمية، وأول أيام بني العباس، يخرج منه أربعمائة فارس صلحاء إذا أقلبوا حوافر
خيولهم لتنعل للغزو، قلبوا بذلك قلوب بطارقه قسطنطينية خوفاً منهم وجزعاً.
قال: وقد غزا محمد بن عبد الله أمير المؤمنين المهدي رحمه الله فلم تك هناك طرسوس
ولا أذنه ولا عين زربه، وإنما كان هذا الحصن لا غير.
وقرأت بخطه أيضاً حدثني أبو الحسن العدل علي بن الحسين الحذاء وأبو بكر غانم بن
يحيى بن عبد الباقي قالا: حدثنا أبو القاسم يحيى بن عبد الباقي قال: كان حصن ثابت
بن نصر مشحناً بالابدال يجاهدون الروم، منهم يوسف بن أسباط صاحب سفيان الثوري، كان
أدمن الصوم به فتوسوس.
وقرأت بخطه: حدثني علي بن إسحق صاحب العرض قال: سمعت أبا العباس ابن عبدوس يقول:
كان ابتداء أمر الثغر وحصول المسلمين به أن نفراً صالحين سكنوا حصن ثابت بن نصر
بالمصيصة كثرت غزواتهم، وتشمر الروم منهم لشدة بأسهم وعظم نكايتهم فيهم، منهم:
يوسف بن أسباط، وعلي بن بكار، وبعدهم إبراهيم بن أدهم، وعبد الله بن المبارك، وأبو
معاوية الأسود وطبقاتهم، وقتاً بعد وقت من لا يحصى عدداً إلى أن شحنت طرسوس، كلهم
أهل فضل وجهاد.
قلت:
وهذا ثابت بن نصر الذي نسب هذا الحصن إليه، هو ثابت بن نصر بن مالك بن الهيثم بن
عوف الخزاعي، أخو أحمد بن نصر الشهيد، وكان فيه دين، وله حسن أثر في جهاد الروم،
وولي الثغور بالشامية، وسنذكر حاله ونسبه في ترجمته إن شاء الله تعالى.
ذكر حصن عجيف
وهذا الحصن ينسب إلى عجيف بن عنبسه من أكابر القواد، ومن له بأس ونجدة في الجهاد،
وكان من قواد المأمون، ودخل معه إلى بلاد الروم، وسنذكره إن شاء الله تعالى.
قرأت بخط أبي عمرو الطرسوسي في ذكر حصون طرسوس، ذكر حصن عجيف وأبرجته، رسم هذا
الحصن أمير وأربعة فرسان، وثلاثة حراس، وثلاثة رجالة وخطيب، رزق الأمير عشرة
دنانير، ورسم كل فارس ديناران، والرجالة والحرس دينار دينار، والخطيب ديناران.
برج الوصيفي ثمانية رجال، للرئيس دينار وسدس، وللرجاله دينار دينار.
برج المنشا ستة نفر، رئيس بدينار وسدس، ولكل راجل دينار.
برج المقطع خمسة عشر رجلاً، الرئيس دينار وسدس، ولكل راجل دينار.
برج الجزيري سبعة نفر، الرئيس بدينار وسدس، ولكل راجل دينار.
حصن شاكر
وهو قريب من طرسوس، ينسب هذا الحصن إلى شاكر بن عبد الله أبي الحسن المصيصي، وكان
من الغزاة المذكورين والمحدثين المشهورين، وسنذكر ترجمته في بابه إن شاء الله.
ذكر حصن الجوزات
وبينه وبين طرسوس ثمانية فراسخ، وهو بي البذندون وطرسوس، وبينه وبين البذندون اثنا
عشر ميلاً، وهو حصن مذكور موصوف بالقوة.
وقفت على فصل في ذكره بخط أبي عمرو الطرسوسي في سير الثغور، فنقلته على حاله
وصورته: رسم هذا الحصن أمير وخليفة ينوب عنه، وخطيب وقيم للدار، وصاحب الحمام،
وكاتب، ومطرديان، وبوقي، وبواب.
وفي جبل هذا الحصن شجر جوز مثمر مسافته ثلاثة أميال في عرض ميل، فإذا حان إدراكه،
خرج والي الجوزات وجميع رجالته، إلا من يضبط الحصن من الثقات، فينفضون الجوز
أياماً، وضم كل واحد ما نفضه، وعد بالإحصاء ما حصل، فدفع إلى الوالي من كل عشرة
آلاف جوزة ألف جوزة، وأمسك لنفسه تسعة آلاف، فيجتمع للوالي - أعني والي الجوازات -
من ذلك خمسمائة ألف جوزة وأكثر، ومما ينمحق من ذلك بالمسامحة فيه عند ضمه مع ما
تعذر نفضه، لبعد فروع أشجاره وتعذر وصول الناس إليه، أكثر مما وصفت، فتمتليء بيوت
الجوزانيين كلهم من الجوز يرتفقون مدة أيام الشتاء، ويتهادونه إلى طرسوس، إلى ذي
موداتهم وقراباتهم.
وفي فضاء عن عمل الجوزات منبت للأشنان الزبطري، فإذا تناهى إدراكه ضموه وارتفقوا
به من هدية وبيع واستعمال.
وفي هذا الجبل أشجار مخصوصة بأوكار البزاة يغتادها قوم من الجوزانيين، فإذا فرخ في
وكره تعهده الطالب له بالتفقد وتردد إليه، حتى إذا صلح، تلطف بحيلة في نقل الفراخ،
ودبر تربيتها، وتكلف حملها إلى طرسوس، وربما بيع الواحد بمائة وخمسين درهماً،
فتستحيل إلى الفراهة إذا علم وضري، فبلغ خمسمائة درهم وأكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي.
وفي جبلها أيضاً عقار يعرف بالغاريقون يحمل منه إلى أكثر الأقاليم.
حدثني أبو محمد عبد الله بن أبي مروان المعداني، وهو الأفطس، وهو ممن رابط وجاهد
في حصن الجوزات ثلاثين سنة، أنهم أخرجوا في فاثور، فوجد أحدهم شيئاً من الغاريقون،
فرفعه في مئزر معه، ثم وجدوا ماء ينبع من عين، فعرسوا عليها وأخرجوا زادهم، ورفعوا
الغاريقون من المئزر في مزود مع أحدهم وبلوا كعكاً معهم بذلك بالماء البارد ولفوه
في المئزر، وسار ثلاثة أو أربعة منهم يتجسسوا مكانهم لئلا يعمل بمكانهم، فتناول
صاحبهم شيئاً من الكعك المبلول فنال منه، وأبطأ أولئك، فعمل الغاريقون الملتصق
بالمئزر في طبع الرجل، وتردد واختلف، فوافاه أصحابه وقد تردد نحو مائتي طريق، وحيل
بينه وبين القوة والحركة، فرأوا إن قطعوا دهقين، وجعلوا صاحبهم في عباء، وحملوه
بينهم إلى الجوزات، فعولج وعوفي، فباع ما كان معه من الغاريقون بجملة جاملة.
وما
وطىء هذا الحصن منذ ملكه المسلمون وشيدوه إمرأة، ولا أطلق لأحد أن يدخل بغلام
أمرد، إلى أن أخرج عنها المسلمون، وإنما يختار لها أهل القوة والبأس، ومن يعاني
أعمال السلاح المختلفة كالثقاف بالسيف والرمح، والرمي عن القسي الفارسية، وقسي
الرجل، من أبناء أربعين وما زاد وما نقص، فإذا حضر الغزو فقد رسم الجوزانيون يوماً
في ساقة عسكر المسلمين، ويوماً في مقدمته بأحسن الزي، وأجمل الأحوال، وأكمل العدة،
شامة في الناس.
ذكر تل جبير
وهو من عوادل الثغور الشامية على ما ذكره أحمد بن الطيب السرخسي في كتابه، وقال:
ومن طرسوس إلى تل جبير اثنا عشر ميلاً.
وقرأت في كتاب البلدان تأليف أحمد بن يحيى البلاذري فيما نقله عن أشياخ الثغر
قالوا: وتل جبير نسب إلى رجل من فرس أنطاكية، كانت له عنده وقعة، وهو من طرسوس على
أقل من عشرة أميال.
ذكر حصن أولاس
ويقال له حصن الزهاد، وهو على ساحل البحر، ومنه أبو الحارث فيض بن الخضر بن أحمد
التميمي الأولاسي، أحد الأولياء المشهورين، وسنذكر ترجمته في بابها إن شاء الله
تعالى.
وقال أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتاب صورة الأرض والمدن وما تشتمل عليه:
وأولاس حصن على ساحل البحر، بها قوم متعبدون، وهو آخر ما على بحر الروم من العمارة
للمسلمين.
ذكر الهارونية
قال أبو زيد البلخي في كتابه: والهارونية غربي جبل اللكام في بعض شعابه وهي حصن
صغير، بناها هرون الرشيد، فنسبت إليه.
وقال أحمد بن الطيب في المسالك والممالك: ومن عوادل الثغور الشامية الهارونية،
كنيسة السوداء، تل جبير.
وذكر أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في كتاب البلدان قال: وللثغور الشامية
مدينة عين زربه، والهارونية، والكنيسة المحترقه.
قال: وبنى الهارونيه الرشيد في أيام المهدي، وهو ولي عهد.
قال البلاذري، ثم لما كانت سنة ثلاث وثمانين ومائة أمر - يعني الرشيد - ببناء
الهارونية فبنيت وشحنت أيضاً بالمقاتله ومن نزع إليها من المطوعة، ونسبت إليه،
ويقال أنه بناها في خلافة المهدي رحمة الله عليه، ثم أتمت في خلافته.
ذكر الإسكندرونة
وهو حصن بنته أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم الأمين، وجدد بناءه أحمد بن
أبي دؤاد، وهو على ساحل البحر.
قال ابن واضح الكاتب: تهبط من جبل اللكام إلى مدينة على ساحل البحر الأخضر يقال
لها الإسكندرونه، بناها ابن أبي دؤاد الإيادي في خلافة الواثق.
وقال أبو زيد البلخي: والإسكندرونه حصن على ساحل البحر للروم، وهي صغير بها نخيل.
وقال أبو عمرو القاسم بن أبي داود الطرسوسي في مزدوجته.
والإسكندرون حصن أم جعفر ... وردت يوم الجمعة المطهر
كم من شهيد عندهم في المقبر ... ومن خبايا من طبيات الثمر
وفسره بأن قال: بنته أم جعفر يعني زبيدة.
قال البلاذري في كتاب البلدان: وكانت الإسكندرونه له - يعني لمسلمة بن عبد الملك -
ثم صارت لرجاء مولى المهدي إقطاعاً يورثه منصور وإبراهيم ابنا المهدي، ثم صارت
لإبراهيم بن سعيد الجوهري، ثم لأحمد بن أبي دؤاد الإيادي ابتياعاً، ثم انتقل ملكها
إلى المتوكل على الله.
ذكر بياس
وهي مدينة على البحر خرج منها جماعة من الرواة، وبينها وبين الإسكندرونة عشرة
أميال، وبينها وبين فندق حسين خمسة عشر ميلاً، وهذا الفندق في مرج يقال له مرج
حسين منسوب إلى حسين بن سليم الأنطاكي، كانت له به وقعة مع العدو، وسنذكره إن شاء
الله.
وقال أبو زيد أحمد بن سهل البلخي: وبياس مدينة صغيرة على شاطىء بحر الروم ذات نخيل
وزروع خصبة.
ذكر أياس
قد ذكرنا أن الشيخ الجرهمي ذكر لمعاوية أن ياوان بن يافث ولد أياس، فعرف المكان
الذي حله باسمه.
قلت: وأياس، مدينة إلى جانب بياس على شاطىء بحر الروم، من الثغور الشامية، هي الآن
في يد الأرمن أيضاً.
ذكر التينات
وهو حصن على شاطىء البحر بين بياس والمصيصة، أقام به أبو الخير التيناتي، فنسب
إليه.
قال أبو زيد البلخي: والتينات حصن على شاطىء البحر أيضاً، فيه يجمع خشب الصنوبر
الذي ينقل إلى الشامات، وإلى مصر، وإلى الثغور.
ذكر المثقب
وهو حصن على ساحل بحر الروم.
قال
أبو زيد البلخي: والمثقب حصن صغير بناه عمر بن عبد العزيز رحمه الله، بها منبر ومسجد
ومصحف.
قال البلاذري: وكان الذي بنى حصن المثقب هشام بن عبد الملك على يد حسان بن ماهويه
الأنطاكي، ووجد في خندقه حين حفر عظم ساق مفرط الطول، فبعث به إلى هشام.
ذكر سيسة
ويقال لها سيس، وهي مدينة قريبة من عين زربه، وهي الآن مستقر ملك الأرمن خذلهم
الله، ولم يكن لها فيما مضى كبير ذكر. غير أن أحمد بن يحيى ابن جابر البلاذري
ذكرها في كتاب البلدان وقال: قال محمد بن سعدن بعد أن أسند عنه فقال: حدثني محمد
بن سعد قال: حدثني الواقدي قال: جلا أهل سيسية، مدينة تلي عين زربه، وقد عمرت
سيسية في خلافة المتوكل على يدي علي بن يحيى الأرمني، فنزلوها، ثم أخربتها الروم،
ثم عمرها فارس بن بغا الصغير في خلافة أحمد المعتمد على الله في سنة ستين ومائتين،
أو سنة تسع وخمسين ومائتين، وأنفق عليها من ماله بسبب نذر كان عليه، وجرت عمارتها
على يدي مكين الخادم.
ذكر حصن ذي الكلاع
قال البلاذري، فيما حكاه عن شيوخ الشام، قالوا: والحصن المعروف بذي الكلاع إنما هو
الحصن ذو القلاع، لأنه على ثلاث قلاع فحرف اسمه، وتفسير اسمه بالرومية الحصن الذي
مع الكواكب.
حصن قطر غاش
قال أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري: وبنى هشام حصن قطر غاش على يدي عبد العزيز بن
حيان الأنطاكي.
قلت: وهذا الحصن بين أنطاكية والمثقب.
حصن مورة
وهو في جبل اللكام.
قال البلاذري: وبنى هشام أيضاً حصن موره على يدي رجل من أهل أنطاكية وكان سبب
بنائه إياه أن الروم عرضوا لرسول له في درب اللكام عند العقبة البيضاء، ورتب فيه
أربعين رجلاً وجماعة من الجراجمة، وأقام ببغراس مسلحة في خمسين رجلاً، وابتنى لهم
حصناً.
ذكر حصن بوقا
وهو حصن من عمل أنطاكية ينسب إليه بعض أهل الحديث، وله كورة تنسب إليه.
قال أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري: وبنى هشام - يعني ابن عبد الملك - حصن بوقا من
عمل أنطاكية، ثم جدد وأصلح حديثاً، وبنى محمد بن يوسف المروزي المعروف بأبي سعيد
حصناً بساحل أنطاكية، بعد غارة الروم على ساحلها في خلافة المعتصم.
ذكر الصخرة
وهي بقرب أنطاكية، وقيل هي التي ذكرها الله في القرآن بقوله تعالى: " أرأيت
إِذا أوينا إلى الصخرة " . وقد ذكرها أبو زيد البلخي في ذكر المدن والحصون عقيب
ذكر أنطاكية فقال: وأما الصخرة فإنها تعرف بصخرة موسى بن عمران في هذا الموضع.
باب في
ذكر الجرجومة
قد ذكر أحمد بن الطيب السرخسي فيما أوردنا عنه إنه عد في المسالك والمالك في ذكر
المدن والكور بقنسرين والعواصم وقال: الجرجومة على جبل اللكام.
وقد ذكر أحمد ين يحيى البلاذري في كتاب البلدان فيها فصلاً نذكره ها هنا بعينه،
قال: حدثني مشايخ من أهل أنطاكية أن الجراجمة من مدينة على جبل اللكام عند معدن
الزاج، فيما بين بياس وبوقا يقال لها الجرجومة، وأن أمرهم كان في أيام استيلاء
الروم على الشام وأنطاكية إلى بطريق أنطاكية وواليها، فلما قدم أبو عبيدة أنطاكية
وفتحها، لزموا مدينتهم، وهموا باللحاق بالروم إن خافوا على أنفسهم، ولم ينتبه
المسلمون لهم، ولم ينبهوا عليهم، ثم إن أهل أنطاكية نقضوا وغدروا، فوجه إليهم أبو
عبيدة من فتحها ثانية، وولاها بعد فتحها حبيب بن مسلمة الفهري، فغزا الجرجومة، فلم
يقاتله أهلها، ولكنهم بدروا بطلب الأمان والصلح، فصالحوه على أن يكونوا أعوان
المسلمين وعيوناً ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية، وأن ينفلوا أسلاب
من يقتلون من عدو المسلمين إذا حضروا معهم حرباً في مغازيهم.
ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من الأنباط وأهل القرى وغيرهم في هذا
الصلح، فسموا الرواديف لأنهم تلوهم وليسوا منهم، ويقال أنهم جاؤوا بهم إلى عساكر
المسلمين وهم أرداف لهم، فسموا الرواديف، فكان الجراجمة يستقيمون للولاة مرة،
ويعوجون أخرى، فيكاتبون الروم ويمايلونهم.
ولما
كانت أيام ابن الزبير، وموت مروان بن الحكم، وطلب عبد الملك الخلافة بعده لتوليته
إياه عهده، واستعداده للشخوص إلى العراق لمحاربة المصعب بن الزبير خرجت خيل الروم
إلى جبل اللكام، وعليها قائد من قوادهم ثم صارت إلى لبنان وقد ضوت إليها جماعة
كثيرة من الجراجمة وأنباط وعبيد أباق من عبيد المسلمين فاضطر عبد الملك إلى أن
صالحهم على ألف دينار في كل جمعة، وصالح طاغية الروم على مال يؤديه إليه ليشغله عن
محاربته، وتخوفه أن يخرج إلى الشام فيغلب عليها، واقتدى في صلحه بمعاوية حين شغل
بحرب أهل العراق، فصالحم على أن يؤدي إليهم مالاً وارتهن منهم رهناً وضعه ببعلبك
ووافق ذلك أيضاً طلب عمرو بن سعيد بن العاص الخلافة وإغلاقه أبواب دمشق حين خرج
عبد الملك عنها، فازداد شغلاً، وذلك في سنة سبعين.
ثم إن عبد الملك وجه إلى ذلك الرومي سحيم بن المهاجر وتلطف حتى دخل عليه متنكراً،
فأظهر الممالأة له، وتقرب إليه بذم عبد الملك وشتمه وتوهين أمره حتى أمنه، واغتر
به، ثم أنه انكفأ عليه بقوم من موالي عبد الملك وجنده، كان أعدهم لمواقعته، ورتبهم
بمكان عرفه، فقتله ومن كان معه من الروم، ونادى في سائر من ضوى إليه بالأمان،
فتفرق الجراجمة بقرى حمص ودمشق، ثم رجع أكثرهم إلى مدينتهم باللكام، وأتى الأنباط
قراهم، ورجع العبيد إلى مواليهم.
وكان ميمون الجرجماني عبداً رومياً لبني أم الحكم أخت معاوية ابن أبي سفيان، وهم
ثقفيون وإنما نسب إلى الجراجمة لاختلاطه بهم، وخروجه بجبل لبنان معهم، فبلغ عبد
الملك عنه بأس وشجاعة، فسأل مواليه أن يعتقوه، ففعلوا، وقوده على جماعة من الجند
وصيره بأنطاكية، فغزا مع مسلمه بن عبد الملك الطوانه وهو على ألف من أهل أنطاكية،
فاستشهد بعد بلاء حسن وموقف مشهود، فغم عبد الملك مصابه، وأغزى الروم جيشاً عظيماً
طلباً بثأره.
قالوا: ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إلى مدينتهم، وأتاهم قوم من
الروم من قبل الإسكندرونة وروسس، فوجه الوليد بن عبد الملك إليهم مسلمة بن عبد
الملك فأناخ عليهم في خلق من الخلق، فافتتحها على أن ينزلوا بحيث أحبوا من الشام،
ويجري على كل إمرىء منهم ثمانية دنانير، وعلى عيالاتهم القوت من القمح والزيت، وهو
مديان من قمح وقسطار من زيت، وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم على
ترك النصرانية وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين، ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم
ونسائهم جزية، وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا أسلاب من يقتلونه مبارزة، وعلى
أن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين، فأخرب مدينتهم،
وأنزلهم جبل الحوار، وشيح اللولون، وعمق تيزين، وصار بعضهم إلى حمص، ونزل بطريق
الجرجومة في جماعة معه أنطاكية، ثم هرب إلى بلاد الروم، وقد كان بعض العمال ألزم
الجراجمة بأنطاكية جزية رؤوسهم، فرفعوا ذلك إلى الواثق بالله، وهو خليفة، فأمر
باسقاطها عنهم.
وحدثني بعض من أثق به من الكتاب أن أمير المؤمنين المتوكل على الله أمر بأخذ
الجزية من هؤلاء الجراجمة، وأن تجرى عليهم الأرزاق، إذا كانوا ممن يستعان به في
المسالح وغير ذلك.
وروى أبو الخطاب الأزدي أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون في أيام عبد الملك بن مروان
على قرى أنطاكية والعمق، وإذا غزت الصوائف قطعوا على المتخلف واللاحق ومن قدروا
عليه ممن في أواخر العسكر، وغالوا في المسلمين، فأمر عبد الملك ففرض لقوم من أهل
أنطاكية وأنباطها جعلوا مسالح، وأردفت بهم عساكر الصوائف ليذبوا الجراجمة عن
أواخرها، فسموا الرواديف، وأجرى على كل امرىء ثمانية دنانير، والخبر الأول أثبت.
فهذه أخبار الثغور الشامية، فنشرع الآن في ذكر الثغور الجزرية، وجبل اللكام هو
الفاصل بين الثغور الشامية والثغور الجزرية.
وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الفارسي الإصطخري في كتاب صفة الأقاليم: وقد جمعت
إلى الشام الثغور الشامية، وبعض الثغور تعرف بثغور الجزيرة، وكلاهما من الشام وذلك
أن كل ما وراء الفرات من الشام، وإنما سمي من ملطية إلى مرعش ثغور الجزيرة لأن أهل
الجزيرة بها يرابطون، وبها يعرفون لأنها من الجزيرة، وبين ثغور الشام وثغور
الجزيرة جبل اللكام وهو الفاصل بين الثغرين.
باب في
ذكر مرعش
وهي
مدينة من أعمال حلب عامرة ولها مياه وزروع وأشجار، ولها حصن منيع، وخرج منها جماعة
من أهل العلم والعبادة منهم حذيفة المرعشي.
وقد ذكرها أبو زيد البلخي في كتابه فقال: والحدث ومرعش هما مدينتان عامرتان، فيهما
مياه وزروع وأشجار كثيرة وهما ثغران.
قلت: وبين مرعش والحدث ثمانية فراسخ، وهي في زمننا هذا في أيدي المسلمين، تسلمها
نور الدين محمود بن زنكي من جوسلين حين أسره، ثم استولى عليها الأرمن في سنة ست
وخمسين وستمائة من أيدي نواب ملك الروم كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباذ.
وذكر أحمد بن يحيى البلاذري في كتاب البلدان مما نقله عن مشايخ الشام، وقالوا: وجه
أبو عبيدة بن الجراح وهو بمنبج خالد بن الوليد إلى ناحية مرعش ففتح حصنها، على أن
جلا أهله ثم أخربه.
وكان سفيان بن عوف الغامدي لما غزا الروم سنة ثلاثين دخل من قبل مرعش فساح في بلد
الروم، وكان معاوية بنى مدينة مرعش، وأسكنها جنداً، فلما كان موت يزيد بن معاوية
كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها.
قال: ثم إن العباس بن الوليد بن عبد الملك صار إلى مرعش، فعمرها وحصنها ونقل الناس
إليها، وبنى لهم مسجداً جامعاً، وكان يقطع في كل عام على أهل قنسرين بعثاً إليها،
فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص، خرجت الروم فحصرت مدينة مرعش
حتى صالحهم أهلها على الجلاء، فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم، ثم
أخربوها، وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي، وكان
الطاغية يومئذ قسطنطين بن اليون، ثم لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث
جيشاً لبناء مرعش، فبنيت ومدنت، فخرجت الروم في فتنته فأخربتها، فبناها صالح ابن
علي في خلافة أبي جعفر المنصور، وحصنها وندب الناس إليها على زيادة العطاء،
واستخلف المهدي، فزاد في شحنتها وقوى أهلها.
قال البلاذري: وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال: خرج ميخائيل من درب الحدث في
ثمانين ألفاً فأتى عمق مرعش، فقتل وأحرق، وسبى من المسلمين خلقاً، وصار إلى باب
مدينة مرعش وبها عيسى بن علي، وكان قد غزا في تلك السنة، فخرج إليه موالي عيسى
وأهل المدينة ومقاتلتها، فرشقوه بالنبل والسهام، فاستطرد لهم حتى إذا نحاهم عن
المدينة كر عليهم، فقتل ثمانية نفر من موالي عيسى، واعتصم الباقون بالمدينة
فأغلقوها، فحاصرهم بعض نهار، ثم انصرف حتى أتى جيحان، وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد
العبسي وهو بدابق وكان قد ولي الصائفة سنة إحدى وستين ومائة، فوجه إليه خيلاً
كثيفة، فأصيبوا إلا من نجا منهم، فأحفظ ذلك المهدي، واحتفل لإغزاء الحسن بن قحطبة
في العام المقبل، وهو سنة اثنتين وستين ومائة.
وقال سعيد بن كثير بن عفير في تاريخه كانت سنة اثنتين وستين ومائة، كان فيها خروج
الروم على مرعش فخرجت شيئاً كثيراً.
قلت: وخرب الروم مرعش كما ذكرناه فبناها سيف الدولة أبو الحسن علي ابن عبد الله بن
حمدان، وجاء الدمستق ليمنع من بنائها، فقصده سيف الدولة، فولى هارباً، وتمم سيف
الدولة عمارة مرعش. وفي ذلك يقول المتنبي:
أتى مرعشاً يستقرب البُعد مُقبلاً ... وأدبر إذا أقبلت يستبعد القُربا
فأضحت كأن السُور من فوق بدؤهُ ... إلى الأرض قد شق الكواكب والتُربا
تصُدُّ الرياح الهُوج عنها مخافةً ... وتفزع فيها الطير أن تلقط الحبّا
وتردي الجيادُ الجُرد فوق جبالها ... وقد ندف الصّنبُّر في طرقها العُطبا
كفى عجباً أن يعجب الناس أنه بنى ... مرعشاً تبّاً لآرائهم تبّا
وما الفرق ما بين الأنام وبينه ... إذا حذر المحذور واستصعب الصعبا؟
باب في
ذكر الحدث
وتعرف
بالحدث الحمراء لحمرة أرضها، وهي مدينة كثيرة الماء والزرع، وحولها أنهار كثيرة
وخرب حصنها وبقيت المدينة، وساكنوها في زمننا هذا أرمن أهل ذمة، وهي في أيدي
المسلمين، وكان ينزل في مروجها الأكراد بأغنامهم، وتسميتها الأرمن كينوك، وتسميها
الأكراد الهت، والعرب تسميها الحدث، وكانت تسمى قديماً المحمدية، والمهدية، لأنها
بنيت في أيام المهدي محمد بن المنصور رحمه الله، وتحول إليها أبو محمد عيسى بن
يونس السبيعي من الكوفة، فنزلها مرابطاً إلى أن مات، وبقي ولده بها بعده. والجبل
المعروف بالأحيدب من قبليها مطل عليها، شاهدتها ونزلت في أرضها عندما توجهت إلى
الروم.
وفتحها حبيب بن مسلمة من قبل عياض بن غنم.
وقرأت في كتاب البلدان تأليف أحمد بن يحيى البلاذري مما رواه عن شيوخ الشام قالوا:
كان حصن الحدث مما فتح أيام عمر فتحه حبيب بن مسلمة من قبل عياض بن غنم، وكان
معاوية يتعهده بعد ذلك، وكان بنو أمية يسمون درب الحدث درب السلامة للطيرة، لأن
المسلمين كانوا أصيبوا به، فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس.
قال: وقال قوم: لقى المسلمين على الدرب غلام حدث، فقاتلهم في أصحابه فقيل درب
الحدث.
قال: ولما كان زمن فتنة مروان بن محمد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث، وأجلت عنها
أهلها، كما فعلت بملطية، ثم لما كانت سنة إحدى وستين ومائة خرج ميخائيل إلى عمق
مرعش، ووجه المهدي الحسن بن قحطبة ساح في بلاد الروم، فثقلت وطأته على أهلها حتى
صوروه في كنائسهم، وكان دخوله من درب الحدث، فنظر إلى موضع مدينتها فأخبر أن
ميخائيل أخرج منه، فارتاد الحسن موضع مدينة هناك فلما انصرف كلم المهدي في بنائها،
وبناء طرسوس فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث، فأنشأها علي بن سليمان بن علي، وهو على
الجزيرة وقنسرين وسميت المحمدية، وتوفي المهدي مع فراغهم من بنائها، فهي المهدية
والمحمدية، وكان بناؤها باللبن، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة، واستخلف موسى
الهادي ابنه، فعزل علي بن سليمان، وولى الجزيرة وقنسرين محمد بن إبراهيم بن محمد
بن علي، وقد كان علي بن سليمان فرغ من بناء مدينة الحدث، وفرض محمد لها فرضاً من
أهل الشام والجزيرة وخراسان في أربعين ديناراً من العطاء، وأقطعهم المساكن، وأعطى
كل امرىء منهم ثلاثمائة درهم، وكان الفراغ منها في سنة تسع وستين ومائة.
قال: وقال أبو الخطاب: فرض علي بن سليمان بمدينة الحدث لأربعة آلاف فأسكنهم إياها،
ونقل إليها من ملطية، وشمشاط، وسميساط، وكيسوم، ودلوك ورعبان ألفي رجل.
قال الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج، وكثرت الأمطار ولم يكن
بناؤها بمتوثق منه ولا محتاط فيه، فتثلمت المدينة، وتشعثت، ونزل بها الروم فتفرق
عنها من كان فيها من جندها وغيرهم، وبلغ الخبر موسى، فقطع بعثا مع المسيب بن زهير،
وبعثا مع روح بن حاتم، وبعثا مع حمزة بن مالك، فمات قبل أن ينفذوا، ثم ولي الرشيد
رحمة الله عليه الخلافة فأمر ببنائها وتحصينها وشحنتها، واقطاع مقاتلتها المساكن
والقطائع.
قال: وقال غير الواقدي: أناخ بطريق من عظماء بطارقة الروم في جمع كثيف على مدينة
الحدث حتى بنيت، وكان بناؤها بلبن قد حمل بعضها على بعض، وأضر به الثلوج، فهرب
عاملها ومن فيها، ودخلها العدو فحرق مسجدها وأخربها، واحتمل أمتعة أهلها، فبناها
الرشيد حين استخلف.
قال: وحدثني بعض أهل منبج قال: حدثني شيخ لنا أن الرشيد رحمة الله عليه كتب إلى
محمد بن إبراهيم باقراره على عمله، فجرى أمر المدينة الحدث من قبل الرشيد على يده
ثم عزله.
وقيل: إن المهدي بنى الحدث لمنام رآه، أنبأنا عبد اللطيف بن يوسف بن علي عن أبي
الفتح بن البطي عن أبي عبد الله الحميدي قال: أخبرنا غرس النعمة أبو الحسن محمد بن
هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابيء قال: وذكر الرئيس أبو الحسن رضي الله عنه يعني
والده هلال بن المحسن في كتاب المنامات الذي صنفه قال: ذكر أبو بكر بن دقة مولى
بني هاشم قال: لما عزم المهدي على الخروج إلى قنسرين والعواصم رأى في منامه كأن
آتياً أتاه وقال له: إنك تمضي إلى مدينة يقال لها منبج، وهناك شيخ كبير له ثمانون
سنة يؤذن في بعض المساجد، فادع به واضرب رقبته، وإذا خرجت من هذه المدينة فسترى
آثار خطوط فابن عليها مدينة وسمها الحدث.
قال:
فلما وصل المهدي إلى منبج وحضره أهلها سألهم وقال: هل عندكم شيخ كبير مؤذن؟ قالوا:
نعم عندنا شيخ له مائة سنة وأربع سنين يؤذن منها ثمانين سنة في بعض المساجد، فأمر
باحضاره، فلما حضر تقدم بضرب رقبته، فارتاع الشيخ، وناشده الله تعالى في أمره
وأذكره بالله في دفعه عن دمه، وعرفه كبر سنه وكثرة عياله، فقال له دع هذا عنك، ولا
بد مما أمرت به فيك، ولكن إن صدقتني عن أمرك حفظتك في مخلفيك، وإلا أسأت إليهم
بعدك، فقال: أما على ذاك فإني منذ ثمانين سنة أقول في أذاني: أجحد أن محمد رسول
الله، فأمر به وقتل.
قال ابن دقة: وهذا الشيخ جد البحتري الشاعر.
قلت وجاء ملك الروم الدمستق في أيام سيف الدولة ابن حمدان ونزل على حصن الحدث
ليحصره، وكان سيف الدولة قد بناه وأحكم بناءه، فخرج سيف الدولة، فتركه ومضى، وجرت
له وقعة مع الروم أيضاً، وقد خرج سيف الدولة لبناء الحدث فواقعهم وقتل منهم وأسر،
وكان أهل الحدث سلموه بالأمان إلى الروم قبل ذلك فخربوه.
أخبرنا عبد العزيز بن محمود بن الأخضر البغدادي كتابة قال: أخبرنا الرئيس أبو
الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله بن
يحيى قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين قال: أنشدنا أبو الطيب المتنبي لنفسه يمدح
سيف الدولة، ويذكر بناءه ثغر الحدث، بعد أن كان أهلها أسلموها عن الأمان إلى
الروم، ومنازلة ابن الفقاس إياه وهزمه لابن الفقاس، وكان أسر قودس الأعور بطريق
سمندو وابن ابنة الدمستق، وأنشده إياها بعد الوقعة في الحدث.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظُم في عين الصغير صغارُها ... وتصغر في عين العظيم العظائم
يُكلّف سيف الدولة الجيش همُّه ... وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
قال فيها:
هل الحدث الحممراء تعرف لونها ... وتعلم أيُّ الساقين الغمائم
سقتها الغمامُ الغُر قبل نزُوله ... فلما دنا منها سقتها الجماجُم
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا ... وموجُ المنايا حولها مُتلاطمُ
وكان بها مثل الجُنُون فأصبحت ... ومن جُثث القتلى عليها تمائم
طريدةُ دهرٍ ساقها فرددتها ... على الدّين بالخطّي والدهرُ راغم
وكيف يُرجى الرّوم والروس هدمها ... وذا الطعن أساسٌ لها ودعائم
وقد حاكموها والمنايا حواكمٌ ... فما مات مظلومٌ ولا عاش ظالم
نثرتهمُ فوق الأحُيدب كُلّه ... كما نُثرت فوق العروس الدراهم
وفي ذلك يقول أبو فراس:
وحسبي بها يوم الأحيدب وقعة ... على مثلها في الحرب تُثنى الخناصرُ
عدلنا بها في قسمة الموت بينهم ... وللسيف حكمٌ في الكتيبة جائر
إذ الشيخُ لا يلوي ونقفور مجحرٌ ... وفي القيدّ ألف كالليُوث قساور
ولم يبق إلاّ صهره وابن بنته ... وثُوّر بالباقين من هو ثائرُ
وأنبأنا
عبد العزيز بن الأخضر قال: أخبرنا أبو الحسن قال: أخبرنا أبو البركات قال: أخبرنا
علي بن أيوب قال: أنشدنا أبو الطيب المتنبي لنفسه يمدح سيف الدولة، وقد ورد عليه
خبر آخ ساعة نهار يوم الثلاثاء لست خلون من جمادى الأولى سنة أربع وأربعين
وثلاثمائة أن الدمستق وجيوش النصرانية قد نازلت ثغر الحدث ونصبت مكائد الحصون
عليه، وقدرت أنها فرصة لما تداخلها من القلق والانزعاج والوصم في تمام بنائه على
يد سيف الدولة، ولأن ملكهم ألزمهم قصدها، وأنجدهم بأصناف الكفر من البلغر والروس
والصقلب وغيرهم، وأنفذ معهم العدد، فركب سيف الدولة لوقته نافراً، وانتقل إلى موضع
غير الموضع الذي كان به، ونظر فيما وجب أن ينظر فيه في ليلته، وسار عن حلب غداة
يوم الأربعاء لسبع خلون، فنزل رعبان، وأخبار الحدث مستعجمة عليه لضبطهم الطرق
وتقديرهم أن يخفى عليه خبرهم، فلما أسحر لبس سلاحه وأمر أصحابه بمثل ذلك، وسار
زحفاً، فلما قرب من الحدث عادت إليه الطلائع بأن عدو الله لما أشرفت عليه خيول
المسلمين على عقبة يقال لها العبراني، رحل ولم تستقر به دار، وامتنع أهل الحدث من
البدار بالخبر خوفاً من كمين يعترض الرسل، فنزل سيف الدولة بظاهرها، وذكر خليفته
بها أنهم نازلوه وحاصروه، فلم يخله الله من نصر عليهم إلا في نقوب نقبوها في فصيل
كان قديماً للمدينة، وأتتهم طلائعهم بخبر سيف الدولة في اشرافه على حصن رعبان،
فوقعت الصيحة وظهر الاضطراب وولى كل فريق على وجهه، وخرج أهل الحدث، فأوقعوا
ببعضهم وأخذوا آلة حربهم فأعدوها في حصنهم، فقال أبو الطيب في ذلك.
ذي المعالي فليعلُون من تعالى ... هكذا هكذا وإلا فلا، لا
شرفُ ينطح النجوم بروقيه ... وعزٌّ يقلقل الأجبالا
حالُ أعدائنا عظيمُ وسيفُ ال ... دولة ابن السيوف أعظم حالا
لا ألوم ابن لاون ملك الرو ... م وإن كان ما تمنى محالا
أقلقته بنيّةٌ بين أُذنيه ... وبانٍ بغى السماء فنالا
كلما رام حطّها اتسع البني ... فغطى جبينهُ والقذالا
يجمع الروم والصقالب والبُل ... غر فيها ويجمع الآجالا
ويوافيهمُ بها في القنا السُمر ... كما وافت العطاش الصلالا
قصدوا هدم سورها فبنوه ... وأتى كي يقصروه فطالا
قال فيها:
إنّ دون التي على الدرب والأح ... دب والنهر مخلطاً مزيالاً
غضب الدّهر والملوك عليها ... فبناها في وجنة الدهر خالا
وحماها بكل مُطرد الأكب ... عب جور الزمان والآجالا
فهي تمشي مشي العروس اختيالاً ... وتثنّى على الزمان دلالا
باب في
ذكر زبطرة
وهي مدينة هي الآن في أيدي المسلمين، وهي مذكورة، وفيها معدن حديد، يجلب منها
الحديد إلى البلاد، وهي الآن قرية، وبينها وبين الحدث ثمانية عشر فرسخاً.
وذكرها أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتابه وقال: وأما زبطرة فإنها حصن كان من
أقرب هذه الثغور إلى بلد الروم، خربها الروم.
قلت: وقد كانت الروم في صدر الإسلام تنتابه وتطرقه لقربه من بلادها فتخربه ويعمره
المسلمون مرة بعد أخرى، فإن أبا جعفر أحمد بن يحيى البلاذري ذكر فيما نقله في كتاب
البلدان عمن حدثه من أهل الشام فقال: قالوا وكانت زبطرة حصناً قديماً رومياً، ففتح
مع حصن الحدث القديم، فتحه حبيب بن مسلمه الفهري وكان قائماً إلى أن أخربته الروم
في أيام الوليد بن يزيد، فبنى بناءً غير محكم، فأناخت الروم عليه في أيام فتنة
مروان فهدمته، فبناه المنصور، ثم خرجت إليه فشعثته فبناه الرشيد أمير المؤمنين على
يد محمد بن إبراهيم، وشحنه.
فلما كانت خلافة المأمون طرقه الروم فشعثوه، وأغاروا على سرح أهله فاستاقوا لهم
مواشي، فأمر المأمون رحمه الله بمرمته وتحصينه، وقدم وفد الطاغية في سنة عشر
ومائتين يسأل الصلح، فلم يجبه إلى ذلك، وكتب إلى عمال الثغور، فساحوا في بلاد
الروم فأكثروا فيها القتل، ودوخوها وظفروا ظفراً حسناً، إلا أن يقظان بن عبد
الأعلى بن أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي أصيب.
ثم
خرجت الروم إلى زبطرة في خلافة المعتصم أبي إسحق بن الرشيد فقتلوا الرجال وسبوا
النساء وأخربوها، فأحفظه ذلك وأغضبه، فغزاهم حتى بلغ عمورية، وقد أخرب فيها
حصوناً، فأناخ عليها حتى فتحها، فقتل المقاتله وسبى النساء والذرية ثم أخربها وأمر
ببناء زبطرة، وحصنها وشحنها، فرامها الروم بعد ذلك، فلم يقدروا عليها
باب في
ذكر حصن منصور
وهو في أيدي المسلمين، تولى بناءه بعد أن كان الروم خربوه منصور بن جعونه بن
الحارث العامري من بني عامر بن صعصعة، وكان هو وأبوه يغزون الروم، وقتله المنصور
في خلافته، وسنذكر حاله في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وذكره أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتابه فقال: وحصن منصور حصن صغير فيه منبر
وزروعه عذي.
وقال أحمد بن يحيى البلاذري: وحدثني أبو عمرو الباهلي وغيره قالوا: نسب حصن منصور
إلى منصور بن جعونه بن الحارث العامري، من قيس، وذلك أنه تولى بناءه ومرمته وكان مقيماً
به أيام مروان ليرد العدو، ومعه جند كثير من أهل الشام والجزيرة.
قال: وكان الرشيد بنى حصن منصور وشحنه في خلافه المهدي.
باب في
ذكر ملطية
وكان اسمها بالرومية ملطيا، وقيل كان اسمها ملدني فعرب وجعل ملطية.
ويقال: إن الإسكندر بناها، والعامة يقولون: ملطية بكسر الطاء وتشديد الياء.
كذلك ضبطها أبو نصر الجوهري في كتاب الصحاح في اللغة، أخبرنا بذلك أبو العباس أحمد
بن عبد الله بن علوان قال: أخبرنا أبو البركات بن العرقي في كتابه؛ وأخبرنا أبو
محمد عبد الدائم بن عمر قال: أخبرنا ابن العرقي قال: أخبرنا أبو القاسم بن القطاع
قال: أخبرنا أبو بكر بن البرء قال أخبرنا إسماعيل بن محمد قال: أخبرنا أبو نصر
إسماعيل بن حماد الجوهري قال: وملطية بلد.
ولما قرأت المقامات الحريرية على شيخنا أبي اليمن الكندي فقرأت عليه: أزمعت عن
ملطية مطية البين، وكانت مضبوطه في نسختي كذلك بخط أبي المعمر الأنصاري وعليها خط
الحريري، فقال لي شيخنا أبو اليمن: ملطية لا غير لا يجوز غيرها.
ثم قرأت عليه بعد ذلك: أخبركم أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر
الجواليقي، فأقر به، قال: فيما تلحن فيه العامة مما يخفف، والعامة تشدده، وهي
ملطية.
وأخبرنا شيخنا أبو اليمن إذناً قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر
أحمد بن علي الخطيب قال: حدثني محمد بن علي الصوري قال: قال لي عبد الغني بن سعيد
الحافظ: ليس في الملطيين ثقه.
وكتب إلينا أبو المظفر عبد الرحيم السمعاني من مرو يذكر عن أبيه أبي سعد عبد
الكريم بن محمد السمعاني أنه قال، في ذكر ملطية: بنى هذه المدينة الإسكندر.
قال: وسمعت أن أكثر من خرج منها من المحدثين كانوا ضعفاء.
قلت وقد خرج منها جماعة من المحدثين، وهي الآن في أيدي المسلمين وهي مدينة عامرة
كبيرة حصينة.
وقد ذكرها أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في كتاب صفة الأرض والأقاليم والمدن وما
تشتمل عليه قال: وملطية مدينة كبيرة من أكبر الثغور التي دون جبل لكام، ويحتف بها
جبال كثيرة الجوز، وسائر الثمار، مباح لا مالك له، وهي من قرى بلد الروم على
مرحلة.
نقلت من كتاب البلدان تأليف أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب قال: وللثغور الجزرية
من المدن مرعش والحدث وزبطرة وسميساط وحصن منصور وحصن زياد وملطية، وهي المدينة
العظمى، وكانت مدينة قديمة فأخربتها الروم، فبناها أبو جعفر المنصور سنة تسع
وثلاثين ومائه، وجعل عليها سوراً واحداً بلا فصيل، ونقل إليها عدة قبائل من العرب،
فهي سبعة أسباع، سبع لسسليم وسائر قيس، وسبع الهواسيه، وسبع الراعية والجعاونة،
وسبع تيم، وسبع ربيعة، وسبع اليمن، وسبع هوازن.
وملطية في مستوى من الأرض تحيط بها جبال الروم، وماؤها من عيون وأودية ومن الفرات.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن أبي القاسم
قال: أخبرنا أبي أبو القاسم علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو غالب الماوردي قال:
أخبرنا محمد بن علي قال: أخبرنا أبو عبد الله النهاوندي قال: أخبرنا أحمد بن عمران
قال: حدثنا موسى قال: حدثنا خليفة قال: وفيها - يعني سنة أربعين ومائه - وجه أبو
جعفر عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي لبناء ملطية، فأقام عليها سنة حتى
بناها وأسكنها الناس.
قرأت
في كتاب البلدان تأليف أبي جعفر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، وحكاه عمن حدثه من
أهل الشام قالوا: وجه عياض بن غنم حبيب بن مسلمه الفهري من سميساط إلى ملطية
ففتحها، ثم أغلقت، فلما ولي معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب بن مسلمه ففتحها
عنوةً ورتب فيها رابطة من المسلمين مع عاملها، وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم،
فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزيرة وغيرها، وكانت طريق الصوائف، ثم إن أهلها
انتقلوا عنها في أيام عبد الله بن الزبير، وخرجت الروم فشعثتها ثم تركتها، فنزلها
قوم من النصارى من الأرمن والنبط.
فحدثني محمد بن سعد عن الواقدي في إسناده قالوا: كان المسلمون نزلوا طرنده بعد أن
غزاها عبد الله بن عبد الملك سنة ثلاث وثمانين، وبنوا بها مساكن وهي من ملطية على
ثلاث مراحل واغلة في بلاد الروم، وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة
من الأرمن وغيرهم، فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف فيقيمون بها إلى أن
ينزل الشتاء وتسقط الثلوج، فإذا كان ذلك قفلوا، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رحل
أهل طرندة عنها وهم كارهون، وذلك لاشفاقه عليهم من العدو، فاحتملوا فلم يدعوا لهم
شيئاً حتى كسروا خوابي الخل والزيت، ثم أنزلهم ملطية وأخرب طرندة، وولي على ملطية
جعونه ابن الحارث أحد بني عامر بن صعصعه.
قالوا: وخرج عشرون ألفاً من الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائة، فنزلوا على ملطية،
فأغلق أهلها أبوابها، وظهر النساء على السور عليهن العمائم يقاتلن، وخرج رسول لأهل
ملطية مستغيثاً، فركب البريد وسار حتى لحق بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة، فندب
هشام الناس إلى ملطية، ثم أتاه الخبر بأن الروم قد رحلت عنها، فدعا الرسول فأخبره،
وبعث معه بخيل لترابط عليها، وغزا هشام نفسه، ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت،
وكان ممره بالرقه دخلها متقلداً سيفاً، ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه.
قال الواقدي ولما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائه أقبل قسطنطين الطاغية عامداً
لملطية، وكمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بني سليم، فبعث أهل كمخ الصريخ
إلى أهل ملطية، فخرج إلى الروم منهم ثمانمائة فارس، فواقعتهم خيل الروم فهزمتهم،
ومال الرومي فأناخ على ملطية فحصر من فيها، والجزيرة يومئذ مفتونه، وعاملها من قبل
بني العباس موسى بن كعب بحران، فوجهوا رسولاً لهم، فلم يمكنه إعانتهم وبلغ ذلك
قسطنطين الطاغية، فقال لهم: يا أهل ملطية إني لم آتكم إلا على علم من أمركم وشاغل
من سلطانكم، إنزلوا على الأمان، وأخلوا المدينة أهدمها وأمضي عنكم، فأبوا عليه،
فوضع عليها المجانيق فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار، سألوه أن يوثق لهم،
ففعل، ثم استعدوا للرحلة وحملوا ما استدف لهم، وألقوا كثيراً مما ثقل عليهم في
الآبار والمخابيء، ثم خرجوا، وقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع آخرهم
مخترطي السيوف، طرف سيف كل إمرئ منهم مع طرف سيف الذي يقابله حتى كأنها عقد قنطرة،
ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم، وتوجهوا نحو الجزيرة، فتفرقوا فيها، وهدم الروم
ملطية، فلم يبقوا منها إلا هريها، فإنهم شعثوا منه شيئاً يسيراً وهدموا حصن
قلوذية.
فلما
كانت سنة تسع وثلاثين ومائه كتب المنصور إلى صالح بن علي يأمره ببناء ملطية
وتحصينها، ثم رأى أن يوجه عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام والياً على الجزيرة
وثغورها، فتوجه في سنة أربعين ومائه ومعه الحسن بن قحطبه في جنود أهل خراسان، وقطع
البعوث على أهل الشام والجزيرة، فتوافى معه سبعون ألفاً، فعسكر على ملطية، وقد جمع
الفعلة من كل بلدة، فأخذ في بنائها، فكان الحسن بن قحطبة ربما حمل الحجر حتى
يناوله البناء، وجعل يغذي الناس ويعشيهم من ماله مبرزاً مطابخه، فغاظ ذلك عبد
الوهاب، فبعث إلى أبي جعفر يعلمه أنه يطعم الناس، وأن الحسن يطعم أضعاف ذلك
إلتماساً لأن يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالإسراف والرياء، وأن له منادين ينادون
الناس إلى طعامه، فكتب إليه أبو جعفر رحمة الله عليه: يا صبي يطعم الحسن من ماله،
وتطعم من مالي فيفضلك، ما أتيت إلا من صغر خطرك وقصر همتك وسفه رأيك، وكتب إلى
الحسن أن أطعم ولا تتخذ منادياً، وكان الحسن يقول: من سبق إلى شرفة فله كذا، فجد
الناس في العمل حتى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر وبنى للجند الذين
أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليان فوقهما واصطبل، والعرافة عشره نفر إلى
الخمسة عشر، وبنى لها مسلحة على ثلاثين ميلاً منها، ومسلحة على نهر يدعى قباقب
يدفع في الفرات، وأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة، لأنها من
ثغورهم، على زياده عشرة دنانير في عطاء كل رجل، ومعونة مائة دينار سوى الجعل الذي
تتجاعله القبائل، ووضع فيها شحنتها من السلاح، وأقطع الجند المزارع، وبنى حصن
قلوذيه، وأقبل قسطنطين الطاغية في أكثر من مائة ألف، فنزل جيحان، فبلغه كثرة
العرب، فأحجم عنها.
قال: وفي سنة إحدى وأربعين ومائة غزا محمد بن إبراهيم ملطية في جند من أهل خراسان
وعلى شرطته المسيب بن زهير، فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو فيراجع إليها من كان
باقياً من أهلها، وكانت الروم عرضت لملطية في خلافة الرشيد فلم تقدر عليها، وغزاهم
الرشيد فأشجاهم وقمعهم، وقد سمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب بن إبراهيم نصر بن
مالك، وكان نصر بن سعد الكاتب مولى الأنصار معه أيضاً، وقال:
تكنفك النصران نصر بن مالك ... ونصر بن سعد عزّ نصرك من نصر
باب في
ذكر سميساط
وهي مدينة صغيرة على الفرات، ولها قلعة حصينة، وهي مذكورة وخرج منها جماعة من
العلماء.
وقال أبو زيد أحمد بن سهل البلخي في ذكر صفة الأرض والمدن وما تشتمل عليه: وأما
سميساط فهي على الفرات، وكذلك جسر منبج، وهما مدينتان صغيرتان خصبتان لهما زروع
سقي ومباخس، وماؤهما من الفرات.
وذكر أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في كتاب البلدان قال: وكورة سميساط وهي
مدينة على الفرات بها أخلاط من الناس.
وقد ذكرها ابن واضح في كور ديار مضر، وليست منها، بل إنما ذكرها فيها لأنها من
جملة الثغور الجزرية، وقد ذكرنا أنها من ثغور الشام، وإنما تعرف بثغور الجزيرة لأن
أهلها يغزون منها وبها يرابطون، وخراجها إلى عامل ديار مضر، وأما حربها وصلاتها
فإنه ما زال إلى عامل جند قنسرين والعواصم.
وذكر البلاذري في كتاب البلدان قال: وحدثني أبو أيوب الرقي المؤدب قال: حدثني
الحجاج بن أبي منيع الرصافي عن أبيه عن جده قال: فتح عياض الرقة، ثم الرها، ثم
حران، ثم سميساط على صلح واحد.
وقال فيما حكى عن شيوخ الشام وغيرهم: قالوا: ثم أتى عياض ففتح حران، ووجه صفوان بن
المعطل وحبيب بن مسلمة الفهري إلى سميساط فصالح عياض أهل حران على مثل صلح الرها،
وفتحوا له أبوابها وولاها رجلاً، ثم سار إلى سميساط فوجد صفوان بن المعطل وحبيب بن
مسلمة مقيمين وقد غلبا على قرى وحصون من قراها وحصونها، فصالحه أهلها على مثل صلح
الرها.
قال: ثم إن أهل سميساط كفروا، فلما بلغه ذلك رجع إليهم فحاصرهم حتى فتحها.
قلت: وصلح الرها على أن يؤدوا عن كل رجل ديناراً ومدي قمح، وعليهم إرشاد الضال
وإصلاح الطرق والجسور، ونصيحة المسلمين.
وقرأت في تاريخ سعيد بن بطريق النصراني قال: وكان في عصر إبراهيم عليه السلام ملك
في الشرق واسمه كموس وهو الذي بنى مدينة سوميساط وقلوذيا والعراق.
وقلوذية
حصن قريب من ملطية قد ذكر البلاذري أن المنصور بناه، وبين ملطية وسميساط ستة عشر
فرسخاً. وهي في أيدي المسلمين في زمننا هذا.
باب في
ذكر رعبان
وهي مدينة صغيرة قديمة البناء ولها قلعة حسنة، وهي الآن في أيدي المسلمين، وكان
لسيف الدولة ابن حمدان بها وقعة مع الروم، وبينها وبين الحدث سبعة فراسخ وبها آثار
أبنية قديمة، وينسب إليها جماعة منهم بنو الرعباني بحلب من أكابر الحلبيين منهم
الوزير سديد الدولة أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الباقي بن الرعباني كاتب
معز الدولة ثمال بن صالح، وتولى الوزارة للمستنصر المستولي على مصر، وسنذكر ترجمته
وترجمة غيره ممن ينسب إليها في كتابنا هذا إن شاء الله.
وذكر ابن واضح في كتابه، في ذكر كور قنسرين والعواصم فقال: وكورتا دلوك ورعبان
وهما متصلتان.
وذكر قدامة في كتاب الخراج أن الرشيد لما استخلف أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك
جنداً، وأفرد منبج، ودلوك، ورعبان، وقورس، وأنطاكية، وتيزين وسماها العواصم، لأن
المسلمين يعتصمون بها في ثغورهم فتعصمهم.
وكانت الزلازل قد أخربت رعبان، وجلا أهلها واندرس أثرها، وملكها العدو في أيام سيف
الدولة، فأنهض إليها العساكر والصناع، وأنفق عليها الأموال الجسيمة حتى بناها في
مدة شهر وعساكر الروم جامعة والحرب واقعة، وكان خليفته على الجيش أبا فراس، وبعد
أن بناها قصدها الدمستق ونزل عليها، فسار إليه سيف الدولة فأوقع به وهزمه وقتل
وأسر خلقاً من عسكره، وخلف أسلحتهم في المدينة قوة لأهلها، وبصدد ذلك يقول أبو
فراس:
وسوف على رغم العدو يعيدها ... معوّد ردّ الثغر، والثغر داثر
باب في
ذكر دلوك
وهي مدينة قديمة لها ذكر، وخرج منها بعض العلماء ممن نذكره في كتابنا هذا، وكانت
مدينة عامرة ولها قلعة من بناء الروم عالية مبنية بالحجارة من بناء الروم، وكان
الرشيد قد أفردها مع غيرها، وجعلها من العواصم، لأنها كانت تعصم ما يليها من
الثغور الجزرية من جهة الشمال، وكان لها قناة قد ركبت على قناطر يصعد الماء عليها
إلى القلعة، وحولها أبنية عظيمة حسنة منقوشة في الحجر، وحولها مياه كثيرة وبساتين،
وهي كثيرة الفواكه والكروم، وقيل إن مقام داود عليه السلام كان بها، وأنه جهز
الجيش منها إلى قورس، فقتل فيه أوريا بن حنان، وقد خربت المدينة والقلعة، وبقيت
الآن قرية مضافة إلى عين تاب، وبها فلاحون وأكره.
وذكر البلاذري في كتاب البلدان قال: وبعث - يعني أبا عبيدة - عياض بن غنم إلى
ناحية دلوك ورعبان فصالحه أهلها على مثل صلح منبج، واشترط عليهم أن يبحثوا عن
أخبار الروم، ويكاتبوا بها المسلمين.
وصلح منبج كان على الجزية أو الجلاء.
وخربها نور الدين محمود بن زنكي بعد ما تسلمها من الجوسلين بعد أن أسره على ما
نذكره بعد إن شاء الله.
باب في
ذكر قورس
وهي مدينة كانت قديمة من بناء الروم، وبها آثار عظيمة، ويقال أن بها قبر أوريا بن
حنان، وخرج منها جماعة من الرواة، ولها ذكر في الفتوح.
وذكرها أحمد بن أبي يعقوب بن واضح في كور جند قنسرين والعواصم فقال: وكورة قورس
مدينة قديمة وأهلها قوم من قيس وكان الغالبون عليها آل العباس بن زفر الهلالي.
وذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري فيما حكاه في كتاب البلدان عن مشايخ الشام
قالوا: وسار أبو عبيدة يريد قورس، وقدم أمامه عياضاً، فتلقاه راهب من رهبانها يسأل
الصلح عن أهلها، فبعث به إلى أبي عبيدة وهو بين جبرين وتل عزاز فصالحه، ثم أتى
قورس فعقد لأهلها عهداً وأعطاهم مثل الذي أعطى أهل أنطاكية، وكتب للراهب كتاباً في
قرية له تدعى سرقينا، وبث خيله فغلب على جميع أرض قورس إلى آخر حد نقابلس.
قالوا: وكانت قورس كالمسلحة لأنطاكية، يأتيها في كل عام طالعة من جند أنطاكية
ومقاتلتها، ثم حول إليها ربع من ربع أنطاكية، وقطعت الطوالع عنها.
وقال البلاذري: ويقال إن سلمان بن ربيعة الباهلي كان في جيش أبي عبيدة مع أبي
أمامة الصدي بن العجلان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل حصناً بقورس، فنسب
إليه فهو يعرف بحصن سلمان.
قال: وقيل إن سلمان بن ربيعة كان غزا الروم - بعد فتح العراق، وقبل شخوصه إلى
أرمينية - بعسكر عند هذا الحصن، فنسب إليه.
قال:
وسمعت من يذكر أن سلمان هذا رجل من الصقالبة الذين رتبهم مروان ابن محمد بالثغور،
وكان فيهم زياد الصقلبي، فنسب إليه هذا الحصن، والله أعلم
باب في
ذكر كيسوم
وكانت مدينة كبيرة قديمة، وولاية واسعة عظيمة، وكان حصنها حصيناً وبناؤه قوياً
ركيناً، وكان بها في أيام المأمون نصر بن شبث العقيلي، وكان من قواد بني العباس،
فعصى فيها على المأمون، فسير إليه طاهر بن الحسين، فلقيه نصر وكسره، فعاد طاهر
مفلولاً إلى الرقة، وبقي نصر على عصيانه، فسير المشأمون إليه عبد الله ابن طاهر بن
الحسين، فحصره بها إلى أن فتحها، وخرب الحصن، وبقيت المدينة، وهي الآن قرية كبيرة
عامرة بها الفلاحون، وهي في أيدي المسلمين.
وقد ذكرها أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في كتابه فقال: وهي مدينة جليلة حصينة
كان بها نصر بن شبث متحصناً لما خالف، وقد صار إليها المأمون.
قلت: وقد رأيتها في طريقي إلى الروم، وبينها بين الحدث سبعة فراسخ.
باب في
ذكر عزاز
وهي الآن مدينة عامرة، ومحاسنها في هذا العصر سائره، قد كثر بناؤها، واتسعت
أرجاؤها، وعمرت قلعتها، وكثرت منفعتها، وكانت قلعتها مبنية باللبن والمدر، فعمرها
الملك الظاهر رحمه الله بالحجر، فصارت من أحصن القلاع، ومدينتها من أحسن البقاع،
وكانت تعرف في صدر الإسلام بتل عزاز، ولا ذكر لها إلا بالعبور بها والاجتياز،
ولإسحق بن إبراهيم الموصلي قصة فيها مع بنت قس يقال لها حنه ذكرها أبو الفرج
الأصبهاني، وقال فيها إسحق الموصلي أبياتاً وهي:
إن قلبي بالتّل تلّ عزاز ... عند ظبي من الظباء الجوازي
شادنّ يسكن الشآم وفيه ... مع شكل العراق ظرف الحجاز
يا لقومي لبنت قسٍّ أصابت ... منك صفو الهوى وليست تجازي
حلفت بالمسيح أن تنجز الوع ... د وليست تهمّ بالإنجاز
وكان الفرنج خذلهم الله قد استولوا على عزاز في شهر رمضان من سنة اثنتي عشرة
وخمسمائة، ولقي أهل حلب منهم شدة عظيمة، إلى أن فتحها نور الدين محمود ابن زنكي بن
آق سنقر رحمه الله في سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وتسلمها من يد جوسلين.
وحكى لي والدي رحمه الله أن نور الدين كان على حصارها، فسمعنا بحلب أنها قد فتحت،
وكان ذلك في ساعة من نهار، ولم تتحقق الخبر فوقع كتاب نور الدين على جناح طائر
بأنها فتحت في تلك الساعة التي أخبر بفتحها فيها.
وكان محمود بن نصر بن صالح أمير حلب قد ولي فيها أبا محمد عبد الله بن محمد
الخفاجي الحلبي، فعصى بها، فاحتال محمود حتى سمه فمات بها، وسنذكر القصة في ترجمة
أبي محمد الخفاجي.
وقال أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير القيسراني، وقد اجتاز بعزاز، فرأى فيها
نساء الفرنج؛ وأجازها لنا شيخنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي عنه، وقرأتها بخطه
في ديوان شعره:
أين عزّي من روحتي بعزاز ... وجوازي على الظّباء الجوازي
واليعافير ساحبات الغفافي ... ر علينا كالرّبرب المجتاز
بعيونٍ كالمرهفات المواضي ... وقدودٍ مثل القنا الهزهاز
ونحور تقلّدت بثغور ... ريقها ذوب سكر الأهواز
ووجوه لها نبوّة حسن ... غير أن الإعجاز في الأعجاز
كل خمصانة ثنت طرف الزنّ ... ار من سرةٍ على هرّاز
ذات خصر يكاد يخفى على الفا ... رس منه مواقع المهماز
لاحظتني فانفضّ منها على قل ... بي طرفٌ له قوادم باز
وسبتني لها ذوائب شعرٍ ... عقدتها تاجاً على ابراز
من معيني على بنات بني الأ ... صفر غزواً فإنني اليوم غاز
باب في
ذكر بزاعا والباب
وهما قريتان عظيمتان، بل مدينتان صغيرتان، وفي كل واحدة منهما منبر وخطيب وبساتين
تلذ للنازل بها وتطيب، ولكل منهما وال يقطع الخصام، وقاض يفصل الأحكام، وبينهما
وادي بطنان ومرجه، وإلى محاسن هذا الوادي عمرة كل متنزه وحجه، وهو من أصح البقاع
ماء، وأرقها هواء، وفيه نزل أبو نصر المنازي وقال، وقد تفيأ في ظلاله من الحر
وقال:
وقانا لفحة الرّمضاء وادٍ ... غذاه مضاعف النبت العميم
نزلنا
دوحه فحنا علينا ... حنوّ الوالدات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالاً ... ألذّ من المدامة للنديم
يصدّ الشمس أنّى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم
وقد خرج من الموضعين جماعة من الأدباء وعصابة من الشعراء، وأعيان الموضعين
عباسيون، من بني العباس بن الوليد الكلابي، وكان والي جند قنسرين، ونسله وعقبه
ومواليهم بوادي بطنان.
فأما بزاغا فكان لها حصن مانع وعليه خندق وآثاره باقية إلى يومنا هذا، وكان الروم
قد استولوا على هذا الحصن في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، فتحه ملك الروم بالسيف،
ثم اندفع وعاد في سنة اثنتين وثلاثين وفتحه بالأمان، ثم غدر بهم ونادى مناديه من
تنصر فهو آمن، ومن أبى فهو مقتول أو مأسور، فتنصر منهم أكثر من خمسمائة إنسان،
منهم القاضي والشهود، وانقطعت الطرقات على طريق بزاغا وصارت على طريق بالس، وضاق
بالمسلمين الخناق، فاستنقذه أتابك الشهيد زنكي من أيديهم في محرم سنة ثلاث وثلاثين
وخرب الحصن والبلد عامر.
وأما الباب فهي أكثر عمارة من بزاغا، وكان فيها مغائر تعصمهم من الغارات، وكان بها
طائفة كثيرة من الإسماعيلية، فاجتمع النبويه في، وزحفوا إلى الباب فاعتصموا في
المغائر فاستخرجوهم منها بالدخان، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وليس بها في زمننا هذا
منهم إلا القليل، وقد كثرت عمائر الباب، واتسعت وصارت مصراً من الأمصار، وعمر فيها
الأتابك طغرل الظاهري خاناً للسبيل، ومدرسة لأصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، وكنت
في أيام الصبى أتردد إليها، فازدادت عمارتها على الضعف مما كانت، ولأبي عبد الله
محمد بن نصر القيسراني فيها أبيات شاهدتها بخطه، وأخبرنا بها أبو اليمن زيد بن
الحسن الكندي إجازة عنه قال: ومررنا بسقي الباب وهي ضيعة حسنة الظاهر كثيرة المياه
والشجر فقلت ارتجالاً:
أما لك رقي سرّح الطرف غادياً ... على أهل بطنان سقتها سحابها
حدائق للأحداق فيها لبانةٌ ... يعيد لنا شرخ الشباب شبابها
وإن كنت تبغي بالك الخير مدخلاً ... إلى جنة الفردوس فالباب بابها
والوادي ينسب إلى بطنان حبيب، وهي قرية تعرف ببطنان حبيب ولها تل عليه دير يقال له
دير حبيب.
قال البلاذري في كتاب البلدان: وبطنان حبيب نسب إلى حبيب بن مسلمة الفهري، وذلك أن
أبا عبيدة، أو عياض بن غنم وجهه من حلب، ففتح حصناً بها، فنسب إليه. وإلى جانب
بطنان مرج كان ينزله عبد الملك بن مروان إذا توجه لقتال مصعب بن الزبير. وبوادي
بطنان مواضع نزهة كثيرة المياه والأشجار، منها تاذف، وبو طلطل والفين. وقال إمرؤ
القيس في قصيدته الرائية يذكر تاذف وباطلطل:
ألا ربّ يومٍ صالح قد شهدته ... بتاذف ذات التّلّ من فوق طرطرا
ولا مثل يوم في قذاران ظلته ... كأني وأصحابي على ظهر أعفرا
وقذاران قرية شمالي الباب.
قرأت بخط توزون إبراهيم بن محمد الطبري في كتاب الياقوت املاء أبي عمر الزاهد قال
توزون: أملاه علينا من حفظه في شهور سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وذكر أنه قرأه أيضاً
عليه، قال: فيما رواه عن أبي عمرو بن الطوسي ونقله عن ابن الأعرابي، وقال - يعني
أبا عبد الله بن الأعرابي في بيت إمرئ القيس.
................. ... بتاذف دون التل من جنب طرطرا
فقال له بعض من حضر: أفيروى تاذف؟ فقال: هو حرف أعجمي يصنعون به ما شاءوا.
قال: وقال أبو عمرو الطوسي: وأما طرطر فأخبرني الوليد بن عبيد البحتري الشاعر قال:
هي قرية عندنا بناحية منبج يقال لها باطرطل، باللام.
قلت: واليوم يقال لها بو طلطل بلامين.
وفي
هذا الوادي يجري نهر الذهب، ويخرج على قرى يسقيها، وتمده عيون بالوادي إلى أن
ينتهي إلى الجبول، وتجتمع إليه عيون أخر من قرى نقره بني أسد، فيجتمع الماء في
الشتاء في أرض سبخة، إلى جانب الجبول، لاستغناء الناس عن السقي بالمياه في الشتاء،
فلا يزال الماء في السبخة إلى فصل الصيف، فيهب الهواء الغربي، فيحمل ذلك الماء
شيئاً فشيئاً إلى الأرض التي يجمد الماء فيها، فيصير ملحاً، ويجمع الأول فالأول،
ويعبى ويباع، وتمتار منه البلاد، وربما ثقل ماء السبخة في بعض السنين، فيستقون ماء
من أبار حفرت في تلك الأرض، ويجرونه إلى مساكب قد سكبوها فيجمد فيها ويصير ملحاً،
فيجمعونه منها ويرفعونه ويصنعون غيره، وهذا الملح الذي يصنع يكون أشد بياضاً من
الأول ويقال إن عجائب الدنيا ثلاث: قلعة حلب، وجب الكلب، ونهر الذهب.
فأما قلعة حلب فلعلوها وارتفاعها وأنها في وطأة ليس إلى جانبها جبل يحكم عليها
وأما جب الكلب فإنه بئر في قرية تعرف بجب الكلب في طرف الحبل من قرى حلب إلى جنب
قبثان الحبل هي الآن خربة، كان الذي يعضه الكلب الكلب يأتي إلى هذه البئر فيغتسل
فيها فيبرأ، وقد بطل الآن فعلها لما نذكره إن شاء الله في باب يأتي.
وأما نهر الذهب فقال لي والدي رحمه الله: انما سمي نهر الذهب لأن أوله بالقبان
وآخره بالكيل، لأن أوله يزرع على مائه القطن، والبصل، والثوم والكسفره، والكراويا،
والخشخاش، والحبة السوداء، والحبة الخضراء، وبزر البقلة وغير ذلك، ويباع ذلك كله
بالقبان وآخره يجمد فيصير ملحاً، فيباع بالكيل ولا يضيع من مائه شيء، ولهذا سمي
نهر الذهب، لأنه ذهب كله باعتبار ما يؤول إليه.
أنشدني بعض الاخوان لحمدان بن يوسف بن محمد البابي الضرير، وكان من أهل الباب،
وأدركته وسمعت منه شيئاً من شعره غير هذه الأبيات، ثم حمل إلى بعض أهل الباب،
وأنابها، شعر حمدان المذكور، فنقلت منه هذه القصيدة، يصف فيها وادي بطنان، وما على
نهر الذهب من القرى إلى الجبول ويمدح فيها الملك الظاهر وهي.
سل وميض البروق حمل التحيه ... من محبٍ أشواقه عذريّه
أظهرت لوعة الغرام شجوناً ... منه كانت بين الضلوع خفيّه
وبرى جسمه النحول فأمسى ال ... همّ في حندس الظلام نجيّه
وأبى البين أن يبقّي من الصبّ ... ر عليه بعد الفراق بقيّه
أيها السائق الذي لم يزل يطرب شجواً بشدوه الشد نيّه
لا تسل عن قبا وسل عن نواحي ... قبّيا فهي جنّة عدنيه
حبذا تاذف الأنيقة والأنه ... ار تجري تحت الغصون البهيّه
وبساتينها إذا جاوبت ور ... قاء فيها بسجعها قمريّه
وبنونا يا ليت لي كل يوم ... غرفاً فوق مائها مبنيه
ولكم قد شممت في مرقونا ... نسماتٍ مثل العبير ذكيّه
رشقتني على عوينات زكيّ ... طيباتٍ بأعين بابليّه
هذه كلها مزارع بين الباب وبزاعا:
سفح الوابل الملث على وا ... دي بزاعا وسميه ووليه
وسما بارق الغمام على بط ... نان بالغيث بكرةً وعشيه
وغدت بالحبا وراحت على البا ... ب غوادي السحائب الوسميه
قف على عينها تجد كل حورا ... ء تثنيّ كأنها حورية
وعلى تيمر وقيت من الخط ... ب فقف بي بالله عند الوقيه
تيمر الجبل المشرف على الباب من غربية، والوقيه حجر كبير في هذا الجبل يعرف
بالوقية.
آخر الجزء السادس. ويتلوه في أول السابع
وانظر العين من شماليه والرا ... هب تزهو أنواره قبليّه
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
وانظر العين من شماليه والرا ... هب تزهو أنواره قبليه
وأرمق السقي عندما تتثني ... برباها أشجاره شرقيه
لا تكلني إلى اللوى فلقد غا ... درت من دون وصفه لي أليّه
لست ممن تثنيه عن وصف إقلي ... م بزاعا ذكر الحمى والثنيّه
فلكم ظلت في ربوع أبي طل ... طل أقضي أوقات لهو هنيه
ومساع
كانت إلى السيعة الفيح ... اء أنوارها لدي مضيه
وبألفين لي وبيرة خفا ... ن شجونٌ طول الزمان شجيه
قف بأعران لي ومحان والبر ... ج وأيشى إن شئت والحصفيه
وتأمل زهور نجارة الفي ... حاء تزهو كالأنجم الدريّه
فبأكناف عين أرزة لهوي ... والمروج الأنيقة الشربعيه
منسوبة إلى شربع قرية على النهر
طالما بتّ بالقبيبة أفني ... جلدي باكياً على الجلديه
وتأمل بلحظ عينك يا صا ... ح مروج الجبّول والنجبيّه
كم بذاك الحمى ظباءٌ بأطرا ... ف العوالي وبالظبى محميه
كل سمراء في التماثيل تهتز ... دلالاً كالصعدة اليزنيه
غازلتنا قبل السفور بعي ... نيها فخلنا بأنها تركيه
أي قاض يعدي لمكتئب غ ... رته تلك الغريرة العدوية
مستهام تبيت أحشاؤه من ... ها على لاعج الأسى محنيه
وانسكاب الدموع من جفنه ين ... شر طي السرائر المطويه
يا خليلي خليا ذكر سلع ... وربوع المعالم الحاجريه
واذكرا لي أكناف ساحة بطنا ... ن وتلك المشاهد التيمريه
وصفا لي أنهار تاذف مع أش ... جارها لا الحدائق الجلقيه
بتّ أسري وهنا من الباب واللي ... ل علينا ستوره حندسيه
أنا أعمى وقائدي في دجاه ... أعورٌ والأُتان لي مهريه
وهو مما تغشرم البيد يسعى ... أعرجاً فاعجبوا لها من قضيه
من يرانا يظل يطرب بالسا ... ئق عجبا والممتطي والمطية
يالنا من ثلاثةٍ يعجز الطا ... لب عن رابعٍ لنا في البريه
سرت حتى طويت أرض معير ث ... يا وتلك المعالم الغوريه
واتساع الميدان مع سطح ربا ... ثا وتلك الحفيرة النشزيه
وربا البقعة التي نشر الغي ... ث عليها ملابساً سندسيه
وترتبت بالمرتب في ظه ... ر أتاني لأدرك الأمنيه
وتجشمت بالصخير وشحنجّ ... ار وعراً تهابه الشّد قميّه
وفليت الفلا إلى نحو بابلي ... بعزم أمضى من المشرفيه
وعلى هضب بانقوسا بدا الصب ... ح ولاحت أنواره المخفيه
وأتى الدهر مقلعاً إذ رأى ... أن ملاذي بالقلعة الظاهريه
فحططنا لما حططنا عن الده ... ر بها كل زلةٍ وخطيه
يا ذوي البؤس يمموها تحلوا ... كعبة الجود والندى والعطيه
فبها مالك أقل أيادي ... ه تفوق الأيادي الطائيه
قلعة سامت السماء وضاهت ... في المعالي أفلاكها العلويه
شرفت بالغياث حتى غدت فو ... ق الثريا أركانها مبنيه
ثم أطال في مدح الملك الظاهر رحمه الله فاختصرته خوفاً من الاطالة.
أنشدني والدي رحمه الله وقال: خرج أبو عبد الله القيسراني مع والدي إلى وادي بزاعا
فمرا بتاذف فراقهم حسنها، فقال القيسراني فيها:
ما زلت أخدع عن دمش ... ق صبابتي بالغوطتين
حتى مررت بتاذفٍ ... فكأنني بالنيربين
فرأيت ما قد كنت آ ... مله بأشواقي بعيني
باب في
ذكر صفين
وبقعتها وحكم من شهدها من الجانبين ووقعتها
ويقال فيها صفون وصفين، وهي من أعمال حلب وجند قنسرين، وقد قال بعض أصحاب علي عليه
السلام، وقد رأى شدة القتال بها، فأتى أهله:
إن أباك فر يوم صفين ... لما رأى عكا والآشعرين
والخمس قد أجشمتك الأمرين ... جمزا إلى الكوفة من قنسرين
وحابسا تشك بالطائيين ... وقيس عيلان الهوازنيين
لا خمس إلا جندل الأحرين
والكلام في صفين يقع في فصول.
الفصل الأول
في
ذكر بقعتها
وهي قرية كبيرة عامرة على مكان مرتفع على شط الفرات، والفرات في سفحه وفيها مشهد
لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقيل بأنه موضع فسطاطه، وموضع الوقعة
من غربيه في الأرض السهلة، وقتلى علي رضي الله عنه في أرض قبلي المشهد وشرقيه،
وقتلى معاوية من غربي المشهد، وجثثهم في تلال من التراب والحجارة، كانوا لكثرة
القتلى يحفرون حفائر ويطرحون القتلى فيها، ويهيلون التراب عليهم، ويرفعونه عن وجه
الأرض، فصارت لطول الزمان كالتلال.
وفي حديث محمد بن إسحق قال: أقبل معاوية حتى نزل صفين، والصفين مدينة عتيقة من
مدائن الأعاجم في أرض قنسرين على شاطئ الفرات فيما بين منبج والرقة، على نجفة
مشرفة الجذل، وبين النجفة وبين الفرات غيضة آسنة ذات ماء آجن، لا يقدر على الفرات
إلا من شرائع الغيضة، فمن قدر على الشريعة استقى، ومن لم يقدر على الشريعة استقى
من الجرف بالدلاء ماءً آجناً غليظاً لا يشرب إلا بالشن.
أنبأنا أبو الحسن بن أبي عبد الله البغدادي عن أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن أحمد
بن أحمد بن الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد الفراء قال: أخبرنا أبو
طاهر الباقلاني قال: أخبرنا علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن
ننجاب قال: حدثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع
قال: حدثنا صفوان بن عمرو عن ضمضم أبي المثنى الأملوكي عن كعب أنه رأى صفين والحجارة
التي على الطريق فقال: لقد وجدت نعتها في الكتاب أن بني إسرائيل اقتتلوا فيها تسع
مرات حتى تفانوا، وأن العرب ستقتتل فيها العاشرة حتى يتافنوا ويتقاذفوا بالحجارة
التي تقاذفت بها بنو إسرائيل، فاقتتل فيها أهل الشام مع معاوية وأهل العراق مع علي
عليهما السلام حتى تفانوا وتقاذفوا بتلك الحجارة.
قال صفوان: وكان أهل الشام ستين ألفاً، فقتل منهم عشرون ألفاً، وكان أهل العراق
مائة وعشرين ألفاً، فقتل منهم أربعون ألفاً.
وقرأت في كتاب صفين تأليف أبي جعفر محمد بن خالد الهاشمي، المعروف بابن أمه، قال:
حدثني الوليد بن مسلم قال: حدثنا إسماعيل بن عياش أن كعب الأحبار مر بصفين قافلاً
من غزاة، فسأل حراثاً يحرث، ما يقال لهذه الأرض؟ قال: صفين، قال: والذي نفسي بيده
إنها لفي كتاب الله صفواً، إقتتلت فيها بنو إسرائيل تسع مرار، وستقتتل فيها أمة
محمد صلى الله عليه وسلم العاشرة.
قال: وبنحو ذلك حدثني سهل بن زيد الأنصاري عن سعيد بن عبد الرحمن الزرقي عن نافع
بن عوف الزرقي عن كعب.
قال أبو جعفر الهاشمي: حدثني أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي البصري عن سليمان
بن بشير عن قدامة بن موسى قال: حدثني إسحق بن أبي قبيصة بن ذؤيب سأل كعب الذماري
من أين كان كعب يعلم ملحمة صفين؟ قال: أما ملحمة صفين فإنها في كتاب الله تبارك
وتعالى: إني حابس لأميين حيث حبست بني إسرائيل، قال: وكانت قبل صفين تسع ملاحم
كانت صفين العاشرة.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم ابن بوش
قال: أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن يوسف قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الملك
بن بشران قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن العباس بن محمد ابن حيويه قال: أخبرنا أبو
اسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الكندي قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا
وكيع قال: حدثنا الأعمش قال: قيل لأبي وائل شهدت صفين؟ قال: نعم، وبئست الصفون
كانت.
أنبأنا أبو الغنائم محمد بن أبي طالب بن أبي الرجاء بن شهريار قال: أخبرتنا أم
البهاء فاطمة بنت محمد بن أحمد بن الحسن المعروفة ببنت البغدادي قالت: أخبرنا أبو
طاهر أحمد بن محمود بن أحمد بن محمود الثقفي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم
بن المقريء قال: حدثنا صدقة قال: حدثنا محمد بن بكار قال: حدثنا فرج بن فضالة عن
إسماعيل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
أربعة أنهار من أنهار الجنة وأربعة جبال من جبال الجنة، وأربعة ملاحم في الجنة،
فأما الأنهار فسيحان وجيحان والنيل والفرات، وأما الجبال فطور، ولبنان، وورقان،
وأحد، وأما الملاحم فصفين والحرة ويوم الجمل. قال: وكان يكتم الرابعة.
أنبأنا
أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل ابن أحمد السمرقندي،
إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن المحسن بن محمد بن
الحسن بن الخلال قال: أخبرنا أبو محمد الحسن ابن الحسين بن علي بن العباس النوبختي
قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن مبشر قال: حدثنا أحمد بن النضر بن مهران
قال: حدثنا سورة قال: حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة.
قال: وحدثنا فرج بن فضالة عن إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أربعة ملاحم في الجنة: الجمل في الجنة، وصفين في الجنة،
وحرة في الجنة، وكان يكتم الرابعة.
الفصل الثاني
في بيان أن علياً عليه السلام على الحق
في قتاله معاوية رحمه الله
لا خلاف بين أهل القبلة في أن علياً رضي الله عنه إمام حق منذ ولي الخلافة إلى أن
مات، وأن من قاتل معه كان مصيباً، ومن قاتله كان باغياً ومخطئاً، إلا الخوارج فإن
مذهبهم معلوم، ولا اعتبار بقولهم.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني في كتابه إلينا من مرو قال:
أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي قراءة عليه.
وأنبأنا أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر بن الصفار قال: أخبرنا الشيخان أبو
الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري قراءة عليه، وأبو البركات
عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي إجازة. قال أبو الأسعد: أخبرنا أبو محمد عبد
الحميد بن عبد الرحمن البحيري قراءة عليه، وقال أبو البركات: أخبرنا أبو عمرو
عثمان بن محمد بن عبد الله المحمي، قالا: أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن
الأسفراييني قال: أخبرنا خالي الإمام الحافظ أبو عوانه يعقوب بن إسحق الأسفراييني
قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا أسد بن موسى.
قال أبو عوانه: وأخبرنا حمدان بن علي قال: حدثنا محمد بن محبوب.
قال: وحدثنا أحمد بن يحيى بن أبي زنبر الصوري قال: حدثنا الهيثم بن جميل.
قال: وحدثنا الصغاني قال: حدثنا عفان، كلهم عن أبي عوانة عن قتادة عن أبي نضرة عن
أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي فرقتان يخرج بينهما
مارقه يقتلهم أولاهما بالحق.
وقال أبو عوانه الأسفراييني: حدثنا ابن أبي رجاء قال: حدثنا وكيع.
وقال: وحدثنا ابن المبارك قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا القاسم ابن الفضل.
وقال: وحدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا عبد الملك الحري.
قال: وحدثنا يونس بن حبيب قال: حدثنا أبو داود.
قال: وحدثنا الصغاني قال: حدثنا يونس بن محمد وعفان.
قال: وحدثنا أبو أمية قال: حدثنا أبو نعيم وعبيد الله قالوا: حدثنا القاسم ابن
الفضل الحداني عن أبي نضره عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفين بالحق. معناهم واحد.
وقال أبو عوانه: روى أبو أحمد الزبيري عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن الضحاك
المشرقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في حدث ذكر فيه قوماً
يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق.
قال: رواه مسلم عن القواريري عن أبي أحمد.
قال أبو عوانه في هذا الحديث دليل أن علياً كان الحق له فيما كان بينه وبين
معاوية، وأن أصحابهما كانوا على الاسلام، ولم يخرجوا من الاسلام بمحاربة بعضهم
بعضاً.
أنبأنا
أبو العلاء أحمد بن شاكر بن عبد الله بن سليمان المعري عن أبي محمد عبد الله بن
أحمد بن أحمد بن الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد ابن الفراء قال:
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن
شاذان قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن اسحق بن ننجاب الطيبي قال: حدثنا إبراهيم بن
الحسين قال: حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو
معاوية عن عمار بن رزيق عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى عبد
الله بن مسعود فقال: إن الله قد آمنا أن يظلمنا ولم يؤمنا أن يفتنا، أرأيت إذا
نزلت فتنة كيف أصنع؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: قلت: أرأيت إن جاء قوم كلهم يدعو
إلى كتاب الله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان
ابن سمية مع الحق.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي بالبيت المقدس قال: أخبرنا أبو طاهر
أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا أبو بكر الطريثيثي.
وأخبرنا أبو اسحق إبراهيم بن أزرتق قال: أخبرنا أبو الفتح بن السبطي، وأبو المظفر
الكاغدي، قال أبو الفتح: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، وقال أبو المظفر: أخبرنا أبو
بكر الطريثيثي قالا: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا أبو محمد بن جعفر بن
درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو عمرو أحمد بن حازم الغفاري قال:
حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا ناصح عن سماك عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: تقتل عماراً الفئة الباغية.
فبان بهذين الحديثين أن الحق مع علي رضي الله عنه، لأنه قال في الحديث الأول: إذا
اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق، وهو عمار بن ياسر، وكان مع علي رضي الله عنه،
وقال في الحديث الثاني تقتل عماراً الفئة الباغية، وقتله أصحاب معاوية رحمه الله.
وقد أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد قال: أنبأنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن البناء
قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران إجازة قال: أخبرنا أبو الحسين
المراعيشي وأبو العلاء علي بن عبد الرحمن بن غيلان الواسطي قال: أخبرنا أبو عبد
الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه قال: نسخ لي من كتاب محمد بن عبد الملك عن
يزيد بن هرون عن العوام بن حوشب قال: حدثني أسود بن مسعود عن جبلة بن خويلد قال:
كنت عند معاوية بن أبي سفيان فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار بن ياسر رحمه الله،
كل واحد منهما يقول: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: لتطب نفس أحدكما لصاحبه
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال معاوية:
ألا تغني مجنونك يا عمرو عنا، فما بالك معنا؟ فقال: إن أبي شكاني إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال لي: أطع أباك ما دام حياً ولا تعصه، فأنا معك ولست أقاتل.
أنبأنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقير عن أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن
الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال: أخبرنا أبو طاهر
الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن بن ننجاب قال: حدثنا
إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا يحيى بن سليمان حدثني نصر بن مزاحم قال: حدثنا محمد
بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وذكر أهل صفين فقال: كانوا عرباً يعرف بعضهم
بعضاً في الجاهلية، فالتقوا في الاسلام معهم تلك الحمية ونية الاسلام، فتصابروا
واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر
هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم.
فلما
أصبحوا يوماً وذلك يوم الثلاثاء خرج الناس إلى مصافهم، فقال أبو نوح الحميري: وكنت
في خيل علي، فبينا أنا واقف إذ نادى رجل من أهل الشام من دلني على أبي نوح
الحميري، قال أبو نوح: فقلت: أيهم تريد؟ فقال: الكلاعي. فقلت: قد جدته، فمن أنت؟
فقال: أنا ذو الكلاع فسر إلي، قال أبو نوح: فقلت: معاذ الله أن أسير إليك إلا في
كتيبة، فقال: سر ولك ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة ذي الكلاع حتى
ترجع، فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم، فسار إليه أبو نوح، وسار إليه ذو الكلاع
حتى التقيا، فقال له ذو الكلاع: إنما دعوتك أحدثك حديثاً حدثناه عمرو بن العاص في
إمارة عمر، فقال أبو نوح: وما هو؟ فقال ذو الكلاع: حدثنا عمرو بن العاص أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: يلتقي أهل الشام وأهل العراق في إحدى الكتيبتين الحق. أو
قال الهدى ومعها عمار بن ياسر، فقال أبو نوح: نعم والله إن عماراً لمعنا وفينا.
وقال: أجاد هو على قتالنا؟ فقال أبو نوح: نعم ورب الكعبة، لهو أجد على قتالكم مني،
ولود أنكم حلق واحد فذبحه.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمود الصابوني كتابة قال: أنبأنا أبو محمد بن محمد قال:
أخبرنا أحمد بن الحسن قال: أخبرنا الحسن بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن اسحق قال:
حدثنا إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا سعيد بن كثير بن عفير قال: حدثنا ابن لهيعة عن
ابن هبيرة عن حنش الصنعاني قال: جئت إلى أبي سعيد الخدري وقد عمي فقلت: أخبرني عن
هذه الخوارج؟ فقال: تأتوني فأخبركم ثم ترفعون ذلك إلى معاوية فيبعث إلينا بالكلام
الشديد فقال له: حنش؟ تعال مرحباً بك يا حنش المصري سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: يخرج ناس يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق
السهم من الرمية، تنظر في نصله فلا ترى شيئاً، وتنظر في قذذه، فلا ترى شيئاً سبق
الفرث والدم، يصلى بقتالهم أولى الطائفتين بالله.
قال حنش: فإن علي بن أبي طالب عليه السلام صلي بقتالهم؟ قال: وما يمنع علياً أن
يكون أولى الطائفتين بالله عز وجل.
وقال: حدثنا إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا عمرو بن الربيع قال: حدثنا السري عن عبد
الكريم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أصحاب محمد تناصحوا، فإنكم إن لم
تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان.
أخبرنا أبو الحسن بن المقير إذناً عن أبي محمد بن أحمد النحوي قال: أخبرنا أبو
الحسين بن الفراء قال: أخبرنا أبو طاهر الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان
قال: حدثنا أبو الحسن بن ننجاب قال حدثنا ابن ديزيل قال: حدثنا يحيى ابن سليمان
الجعفي قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن موسى بن طريف يذكر عن أبيه أو عن عبد
الله بن ربعي قال: قال علي عليه السلام: أنا قسيم النار قال أبو معاوية: قال
الأعمش: وإنما يعني بقوله أنا قسيم النار أن من كان معي فهو على الحق، ومن كان مع
معاوية فهو على الباطل.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي عن كتاب زاهر بن طاهر الشحامي أن أبوي
عثمان الصابوني والبحيري وأبوي بكر البيهقي والحيري كتبوا إليه: أخبرنا أبو عبد
الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثني محمد بن الحسن القاضي ببغداد قال: حدثنا
الحسن بن أحمد بن الحسن السبيعي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا قيس بن الربيع عن الصلت
بن بهرام عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: ما آسي على شيء كما آسي على أني لم
أقاتل الفئة الباغية مع علي.
قرأت
في كتاب صفين تأليف أبي جعفر محمد بن خالد الهاشمي المعروف بابن أمه قال: حدثني
أبو إسماعيل أسد بن سعيد النخعي وعلي بن أبي بكر العرزمي عن صباح المزني عن الحارث
بن حصيرة عن أبي صادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزلون صفين على ثلاث
أمم، أمة على الحق لا ينتقص الباطل منهم شيئاً، وأمة على الباطل لا ينتقص الحق
منهم شيئاً، وأمه ملبدة يقولون هؤلاء أهدى من هؤلاء، بل هؤلاء أهدى، مثلهم كمثل
شاة باتت في ربيض غنم فاغترت من الليل وقد سرح قطيعها الذي هي منه، فخرجت فلقيت
قطيعاً آخر، فاغترت به فأنكرته، فبينا هي كذلك إذ جاء الذئب فأكلها، كذلك من مات
من أمتي ليس عليه إمام عامة، فهو ميت ميتة جاهلية يحاسب بأعمال الإسلام، ثم
ترتحلون منها وأنتم على أربع أمم أمة على الحق لا ينتقص الباطل منهم شيئاً، مثلهم
كمثل الذهب إذ أدخل النار فنفخ عليه لم تزده النار إلا جودة، وأمة على الباطل لا
ينتقص الحق منهم شيئاً، مثلهم كمثل خبث الحديد إذا أدخل النار فنفخ عليه صار
رماداً، فذلك مثل أعمالهم كرماد إشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا
على شيء، ذلك هو الضلال البعيد، وأمة ملبدة، وأمة مارقة يلتمسون الدين فيمرقون منه
كما تمرق السهم من الرمية، لا يرجع فيه حتى يرجع السهم في رميته. قال: قيل: يا
رسول الله وأين المؤمنون يومئذ، أما يقاتلون؟ قال: " بلى ويُزلزَلون زلزالاً
شديداً " .
أخبرنا السلار بهرام بن محمود بن بختيار الأتابكي إذناً، وسمعت منه بالمزة من غوطة
دمشق قال: أخبرنا الحافظ عبد الخالق بن أسد بن ثابت قال: أخبرني أبو المعالي عبد
الخالق بن عبد الصمد بن البدن ببغداد قال: أخبرنا قاضي القضاة أبو بكر محمد بن عبد
الله بن الحسين إجازة قال: أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي قال:
أخبرنا الحاكم أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن
علي بن جعفر بالري قال: حدثنا أبو بكر الجعابي قال: حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا
أحمد بن يحيى قال: حدثنا الوليد بن حماد عن عمه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه
قال: ما قاتل أحد علياً إلا وعلي أولى بالحق منه، ولولا ما سار علي فيهم ما علم
أحد كيف السيرة في المسلمين.
قال: وروى سالم بن سالم عن أبي حنيفة أنه قال: ما جازيت أحداً بسيئة قط، ثم قال:
أتدرون لم يبغضنا أهل البصرة؟ قلنا: لا، قال: لأن قولهم في القدر ما قد علمتم،
ونحن نخالفهم، ولذلك لم يحبونا، ثم قال: أتدرون لم يبغضنا أهل الشام؟ قلنا: لا،
قال: لأنا لو حضرنا صفين كنا مع علي على معاوية، فلذلك لا يحبونا.
أخبرنا بهرام إذناً قال: أخبرنا عبد الخالق بن أسد قال: أخبرنا الفقيه أبو الحسن
علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه اليزدي ببغداد قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن
الحسين بن الحر بن بلوك.
وقال: أخبرنا عبد الخالق قال: وأخبرنا الفقيه أبو الخير مسعود بن الحسين ابن سعد
بن علي بن بندار ببغداد قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو محمد الحسن ابن الحسن
قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن الحسين بن أشتويه قال: حدثنا إبراهيم - هو
ابن أحمد بن إبراهيم المستملي - ، قال: أخبرنا فارس - هو ابن محمد بن علي بن عبد
الله بن يحيى - قال: حدثنا سعيد قال: سمعت أبا نعيم يقول حدثني علي بن قادم قال:
سمعت سفيان يقول: ما قاتل علي أحداً إلا كان أولى بالحق منه.
قرئ
على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي أخبركم أبو منصور عبد الرحمن بن
محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني الحسن بن علي بن
عبد الله المقريء قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن جعفر
المطيري قال: حدثنا أحمد بن عبد الله المؤدب بسر من رأى قال: حدثنا المعلى بن عبد
الرحمن ببغداد قال: حدثنا شريك عن سليمان بن مهران الأعمش قال: حدثنا إبراهيم عن
علقمه والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا أبا
أيوب إن الله أكرمك بنزول محمد صلى الله عليه وسلم وبمجيء ناقته تفضلا من الله
وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا
إله إلا الله ! فقال: يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي، بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما
الناكثون فقد قاتلنا، هم أهل الجمل طلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من
عندهم، يعني معاوية وعمراً، وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات وأهل السعيفات وأهل
النخيلات وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لا بد من قتالهم إن شاء
الله.
قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: يا عمار تقتلك الفئة
الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار بن ياسر إن رأيت علياً قد سلك
وادياً وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردىً، ولن يخرجك من
هدىً، يا عمار من تقلد سيفاً أعان به عليا على عدوه قلده الله يوم القيامه وشاحين
من در، ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار،
قلنا يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله.
قال الخطيب أبو بكر أحمد بن علي: المعلى بن عبد الرحمن ضعيف جداً، قيل إنه كان
يكذب.
الفصل الثالث
معاوية ومن كان معه بصفين لم يخرجوا عن الإيمان
في بيان أن معاوية ومن كان معه بصفين لم يخرجوا عن الإيمان بقتال علي عليه السلام.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي قال: أخبرنا أبو القاسم
تميم بن أبي سعيد الجرجاني قال: أخبرنا الحاكم أبو الحسن علي بن محمد البحاثي قال:
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن هرون قال: أخبرنا أبو حاتم محمد بن حبان البستي
قال: أخبرنا أحمد بن محمد الحيري قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا يحيى
القطان عن عوف قال: حدثنا أبو نضره عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: يكون في أمني فرقتان تفرق بينهما مارقه تقتلها أولى الطائفتين
بالحق.
وقد ذكرنا في الفصل المتقدم عند فرقة من المسلمين، فجعل الفرقة من المسلمين وهم
أصحاب علي ومعاوية وفي هذه الرواية جعل الفرقتين من أمته، فلم يخرج واحدة منهما عن
كونها من أمته صلى الله عليه وسلم، ولا عن كونها من المسلمين بهذه الفرقة التي
وقعت، والمارقة هم الخوارج الذين قتلهم علي رضي الله عنه يوم النهر، فبان بذلك أن
معاوية وأصحابه لم يخرجوا بقتال علي عن الإسلام، عن كونهم من أمة محمد صلى الله
عليه وسلم، وكون علي أولى بالحق لقتله المارقة تبين أن من قاتله من المسلمين كان
باغياً عليه.
والذي يوضح ما ذكرناه ما أخبرناه أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب
الهاشمي قال: أخبرنا أبو الفتح أحمد بن الحسين الشاشي قال: أخبرنا أبو المعالي
محمد بن زيد الحسيني في كتابه قال: أخبرنا طلحة بن علي بن الصفر الكتاني قال
أخبرنا محمد بن عبد الله البزاز قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي قال:
حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد.
وأخبرنا
أبو الحسن المبارك بن أبي بكر بن مزيد الخواص وأبو عبد الله محمد بن نصر بن أبي
الفتوح البغداديان بها قال محمد: وأنا حاضر، قالا: أخبرنا أبو محمد عبد الغني بن
الحسن بن أحمد قال: أخبرنا سعيد أبي الرجاء الصيرفي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد
بن محمد بن النعمان قال: أخبرنا أبو بكر بن المقريء قال: أخبرنا أبو محمد الخزاعي
قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يحيى العدني قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة.
وأنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن
حمزة بن الخضر السلمي قال: حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن علي الكتاني
الصوفي قال: حدثنا أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي
الحافظ قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر بن هشام الكندي قال: حدثنا
أبو العباس أحمد بن نصر بأنطاكية قال: حدثنا سليم بن منصور بن عمار قال: حدثنا أبي
قال: حدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون لأصحابي من بعدي
زلة يغفرها الله عز وجل بسابقتهم معي، يعمل بها قوم من بعدهم يكبهم الله عز وجل في
النار على مناخرهم.
وأنبأنا أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد الصابوني قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله
بن أحمد بن أحمد النحوي إجازة قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفراء قال: أخبرنا أبو
طاهر الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن بن ننجاب قال:
حدثنا إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا الحكم بن نافع قال: حدثنا شعيب بن أبي حمرة عن
الزهري قال: حدثنا الحسن بن مالك عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
رأيت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم دم بعض، سبق ذلك من الله عز وجل كما سبق في
الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعةً فيهم ففعل.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي بها قال: أخبرنا أبو جعفر
أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي العباسي النقيب ببغداد قال: أخبرنا أبو علي
الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد الشافعي المكي بها قال: أخبرنا أبو الحسن
أحمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن فراس العبقسي قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن
إبراهيم بن عبد الله بن الفضل الديبلي قال: حدثنا أبو صالح محمد بن أبي الأزهر
المعروف بابن زنبور قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعد عن رجل عن علي رضي الله
عنه قال: من كان يريد وجه الله منا ومنهم نجا، يعني صفين.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي إذناً قال: أخبرنا أبو البركات عبد
الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الصريفيني
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحق بن حبابه قال: حدثنا أبو القاسم
البغوي قال: حدثنا علي الجعد أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن عبد الرحمن بن جندب
قال: سئل علي عن قتلاه وقتلى معاوية قال: يؤتى بي وبمعاوية يوم القيامة فنجتمع عند
ذي العرش فأينا فلج فلج أصحابه.
وأخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله إذناً، وقرأت عليه إسناده
قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: أخبرنا أبو عبد
الله الحسين بن محمد بن خسرو البلخي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب
حدثنا أبو إسحق إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي الهمذاني قال: حدثنا يحيى بن
سليمان أبو سعيد الجعفي قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت أبا مالك الأشجعي
ذكر عن رجل من أشجع يقال له سالم بن عبيد الأشجعي قال: رأيت عليا بعد صفين وهو آخذ
بيدي ونحن نمشي في القتلى فجعل علي يستغفر لهم حتى بلغ قتلى أهل الشام، فقلت له:
يا أمير المؤمنين إنا في أصحاب معاوية، فقال لي إنما الحساب علي وعلى معاوية.
وخبرنا
أبو البركات إذناً قال: أخبرنا عمي قال: وأخبرنا أبو عبد الله البلخي قال: أخبرنا
أبو الحسن بن أيوب قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا أبو الحسن الطيبي
قال: حدثنا إبراهيم الكسائي قال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني زيد بن الحباب
قال: أخبرني إسحق بن أبي بكر مولى حويطب المدني قال: حدثني عبد الرحمن بن نافع
القاري عن أبيه قال: قدمت العراق فدخلت دار علي بن أبي طالب التي كان يسكن فإذا
الوالي حلقتان يتحدثون، فجلست معهم، فخرج علي وهم يذكرون قتلى علي ومعاوية فقالوا:
قبلتنا واحدة، والهنا واحد ونبينا واحد فأين قتلانا وقتلاهم؟ فأقبل علي، فلما رآهم
قصد إليهم فسكتوا، فقال علي: ما كنتم تقولون؟ فسكتوا، فقال علي: عزمت عليكم
لتخبرني، فقالوا: ذكرنا قتلانا وقتلى معاوية، وأن قبلتنا واحدة، وإلهنا واحد
وديننا واحد، فقال علي: فإني أخبركم عن ذلك، إن الحساب علي وعلى معاوية.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي أخبرنا أبو الفتح أحمد
بن جعفر الخلمي ببلخ قال: أخبرنا أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين اليزدوي إملاء
ببخارى قال: أخبرنا الحاكم أبو الحسين إبراهيم بن علي بن أحمد الاسماعيلي قال:
أخبرنا أبو محمد عبد السلام بن موسى بن عيسى قال: أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن
محمد بن المرزبان قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن البلخي قال: أخبرنا
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان قال: قال رجل يوم صفين: اللهم
إلعن أهل الشام، قال: فقال علي رضي الله عنه: لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً، فان
بها الابدال، فان بها الابدال، فان بها الابدال.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا أبو عبد
الله محمد بن أبي زيد الكراني قال: أخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي قال: أخبرنا
أبو الحسين بن فاذشاه قال: أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال: حدثنا محمد ابن عبد
الله الحضرمي قال: حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني قال: حدثنا أبو داود
الطيالسي قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون
قال: مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم صفين وهو متكئ على الأشتر، فمر حابس
اليماني، وكان حابس من العباد، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين حابس معهم، عهدي به
والله مؤمن، فقال علي: وهو اليوم مؤمن.
قلت: وهذا حابس اليماني هو حابس بن سعد، وقيل حابس بن ربيعة، قيل إن له صحبة.
أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد عن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري
قال: أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال: حدثنا أبو عمر
حمزة بن القاسم بن عبد العزيز الهاشمي قال: حدثنا محمد بن عثمان قال: حدثنا أبو
بلال الأشعري قال: حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم عن محمد بن قيس عن سعد بن
إبراهيم قال: خرج علي بن أبي طالب ذات يوم ومعه عدي بن حاتم الطائي، فإذا رجل من
طيء قتيل قد قتله أصحاب علي، فقال عدي: يا ويح هذا كان أمس مسلماً واليوم كافراً،
فقال علي: مهلاً كان أمس مؤمناً، وهو اليوم مؤمن.
وأنبأنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن
الحسن الحافظ، ونقلته أنا من خط الحافظ أبي القاسم، قال أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن
أحمد بن عبد الملك الفقيه قال أخبرنا القاضي أبو الفضل محمد بن أبي جعفر الهاشمي
قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الصدفي المروزي قال: أخبرنا
أبو محمد الحسن بن محمد بن حليم المروزي الحليمي قال: أخبرنا أبو الموجه محمد بن
عمرو بن الموجه الفزاري المروزي قال: أخبرنا الحكم بن موسى قال: حدثنا شعيب بن
إسحق عن محمد بن راشد عن مكحول قال: سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن من قتل
بصفين ما هم؟ قال: هم المؤمنون.
أنبأنا
أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد بن هبة
الله قال: أنبأنا أبو الحسين عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد قال:
أخبرنا جدي أبو عبد الله قال أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الربعي قال:
أخبرنا أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد
السلام قال: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا بقية قال: حدثنا محمد بن راشد عن مكحول
أن أصحاب علي سألوه عن من قتلوا من أصحاب معاوية، قال هم المؤمنون.
وأخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد مشافهة عن أبي البركات عبد الوهاب بن
المبارك الأنماطي الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الطيوري،
قال: أخبرنا أبو بكر عبد الباقي بن عبد الكريم بن عمر قال: أخبرنا أبو الحسين عبد
الرحمن بن عمر الخلال قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب ابن شيبة قال: حدثنا جدي
قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال:
حدثنا صلهب، أبو أسد الفقعسي عن عمه قال: قال رجل يوم صفين من دعا إلى البغلة يوم
كفر أهل الشام؟ قال: فقال علي: من الكفر فروا.
أنبأنا القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الدمشقي، وسمعت منه بها، قال: أخبرنا
أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه، إجازة إن لم يكن سماعاً قال: حدثنا أبو محمد بن
عبد العزيز بن أحمد الكتاني لفظاً قال: أخبرنا أبو محمد ابن أبي نصر قال: أخبرنا
أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد قال: حدثنا أبو زرعة عبد
الرحمن بن عمرو النصري قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن
أبيه قال: سمع علي يوم الجمل أو يوم صفين رجلاً يغلو في القول يقول: الكفره، قال:
لا تقولوا، فإنهم زعموا أنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا.
وأخبرنا القاضي أبو القاسم إذناً قال: كتبت إلينا أبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي
قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن بن محمد الأزهري قال: أخبرنا أبو محمد الحسن
بن أحمد بن محمد بن الحسن المخلدي قال: حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي
قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم قال: أخبرنا سعد بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن جعفر بن
محمد عن أبيه قال: ذكر عند علي يوم صفين أو يوم الجمل، فذكرنا الكفر قال: لا
تقولوا ذلك، زعموا أنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا، فقاتلناهم على ذلك.
أنبأنا أبو الحسن بن المقير البغدادي عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد ابن
الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفراء قال: أخبرنا أبو طاهر الباقلاني قال:
أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن بن ننجاب قال: حدثنا إبراهيم بن
الحسين قال: حدثنا يحيى - يعني ابن سليمان - قال: حدثني سفيان ابن عيينة عن عمرو
بن دينار عن أبي فاخته قال: أتيت علياً يوم صفين بأسير، فقال له الأسير: لا
تقتلني، فقال له علي: لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين، ثم قال له علي:
أفيك خير، أتبايع؟ فقال الرجل: نعم، فقال علي للذي جاء به: خذ سلاحه وخل سبيله.
وقال: حدثنا إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: حدثنا الوليد بن
بكير التميمي عن سيف بن عمر عن مجالد عن عامر الشعبي قال: سئل عن أهل الجمل وأهل
صفين فقال: أهل الجنة لقي بعضهم بعضاً، فاستحيوا أن يفر بعضهم عن بعض.
أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي - إجازه إن لم
يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو الحسين بن النقور قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال:
أخبرنا محمد بن هارون الحضرمي قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا النضر بن
منصور العبدي قال: حدثنا أبو الجنوب عقبة بن علقمه اليشكري قال: شهدت مع علي صفين،
فأتي بخمسة عشر أسيراً من أصحاب معاوية، فكان من مات منهم غسله وكفنه وصلى عليه.
وقد رواه إبراهيم بن الحسين، فيما أجيز لنا بالاسناد المتقدم إليه، قال: حدثنا عبد
الله بن عمر بن أبان قال: أخبرنا النضر بن منصور عن أبي الجنوب قال: شهدت مع علي
صفين، قال: فاسر علي من أصحاب معاوية خمسة عشر رجلاً جرحى فلم يزل يداويهم يموت
واحد بعد واحد، يكفنهم ويصلي عليهم ويدفنهم.
أنبأنا
ابن طبرزد قال: أنبأنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب
محمد بن أحمد بن بشران إجازة قال: أخبرنا أبو الحسن المراعيشي وأبو العلاء علي بن
عبد الرحمن بن غيلان الواسطي قالا: أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفه
نفطويه قال: حدثنا العباس بن محمد قال: حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن
عمرو بن ميمون عن أبي أمامه قال: شهدت مع علي بن أبي طالب صفين، فكانوا لا يجهزون
على جريح ولا يتبعون مولياً.
قلت: وهذا كله حكم أهل البغي، ولهذا قال أبو حنيفة: لولا ما سار علي فيهم ما علم
أحد كيف السيرة في المسلمين.
أنبأنا أحمد بن أبي اليسر بن أبي المجد التنوخي قال: أخبرنا أبو محمد النحوي
كتابة، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الحسين قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان أخبرنا
أبو الحسن أحمد بن إسحق بن ننجاب الطيبي قال: حدثنا أبو إسحق إبراهيم ابن الحسين
بن علي الهمذاني قال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثنا هشيم بن بشير عن العوام بن
حوشب عن بعض أشياخه قال: لما كان الموادعه بين علي ومعاوية توادعاً إلى رأس الحول
بدومة الجندل.
قال: وكان أصحاب علي يصلون خلف أصحاب معاوية، وكان أصحاب معاوية لا يصلون خلف
أصحاب علي، فذكر ذلك أصحاب علي لعلي، فقال لهم: إذا استقبلوا بكم القبلة، وقرأوا
بكم القرآن، فصلوا خلفهم.
أخبرنا القاضي أبو القاسم بن الحرستاني إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي
كتابة قال: أخبرنا أبو محمد أحمد وأبو الغنائم محمد ابنا علي بن الحسن بن أبي
عثمان، وأبو القاسم علي بن أحمد البسري، وأبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم
الغضاري، وأبو الحسن علي بن محمد بن محمد الأنباري الخطيب قالوا: أخبرنا أبو عمر
عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن
شيبة قال: حدثنا جدي يعقوب قال: حدثنا عثمان بن محمد قال: حدثنا أبو أسامة قال:
حدثنا هشام بن عروة قال: أخبرني عبد الله بن عروة قال: حدثني رجل شهد صفين قال:
رأيت علياً خرج في بعض تلك الليالي فنظر إلى أهل الشام فقال: اللهم إغفر لي ولهم.
قال: فأتي عمار فأخبر فقال: جروا له الحصير فأجره لكم.
قال: وحدثنا جدي قال: حدثنا عثمان بن محمد قال: حدثنا وكيع عن حنش ابن الحارث عن
رياح بن الحارث قال: قال عمار بن ياسر: لا تقولوا كفر أهل الشام، قولوا ظلموا،
فسقوا.
قال: وحدثنا جدي قال: حدثنا ابن الأصبهاني وهو محمد بن سعيد قال: أخبرنا شريك عن
حنش عن رياح بن الحارث قال: سمع عمار رجلاً يقول: كفر أهل الشام، قال: لم يكفروا،
إن حجتنا وحجتهم واحدة، وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق،
فحق علينا أن نردهم إلى الحق.
قرأت في كتاب صفين تأليف أبي جعفر محمد بن خالد الهاشمي المعروف بابن أمه، قال:
حدثني الوليد بن مسلم قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: لقي أبو قرة حدير السلمي
كعب في فج معلولا فقال: حدثني حديثاً ينفعني الله به، قال كيف بكم إذا قاتلتم أهل
العاقول؟ قال: قلت أمن المسلمين أم من المشركين؟ قال: لا بل من المسلمين، قلت أمن
العرب أم من العجم؟ قال: من العرب، قلت لا يكون ذلك أبداً، قال: بلى، ثم عسى أن لا
تنفك حتى تعور فيها عينك، ويهدم فيها فوك، فلما كان بصفين أصيبت عينه وهدم فوه،
حصبت ورمي بجلمودة فذهب فوه.
أخبرنا ثابت بن مشرف بن أبي سعد البغدادي كتابة، وسمعت منه الكثير، قال: أخبرنا
أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد ابن علي
الدقاق قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا أبو علي بن صفوان قال: حدثنا
أبو بكر بن أبي الدنيا القرشي: قال حدثنا عباد بن موسى قال: حدثنا علي بن ثابت
الجزري عن سعيد بن أبي عروبة عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت وجلست، فبينا أنا جالس إذ أتي بعلي
عليه السلام ومعاوية رحمه الله، وأدخلا بيتاً وأحيف عليهما الباب، وأنا أنظر، فما
كان بأسرع من أن خرج علي عليه السلام وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة، وما كان بأسرع
أن خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة.
وقال:
حدثنا ابن أبي الدنيا حدثني الحسين بن علي العجلي قال: حدثنا الحسين بن علي الجعفي
قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الزبيري قال: رأيت في المنام كأن الناس حشروا فأرى
سواداً عظيماً ينطلقون، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المقتتلون من أصحاب محمد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قلت: فأين ينطلقون؟ قالوا: إلى الجنة، قلت: سبحان الله،
وبينما هم يتطاعنون بالرماح إذ صاروا إلى الجنة ! قال: فقالوا: وما تنكر من رحمة
الله تعالى.
وأنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الصابوني قال: أنبأنا أبو محمد ابن أحمد
النحوي قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفراء قال: أخبرنا أبو طاهر الباقلاني قال:
أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن بن ننجاب قال: حدثنا إبراهيم بن
الحسين قال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثنا يحيى بن اليمان قال: حدثنا سفيان
الثوري عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني
قال: رأيت عمار بن ياسر وذا الكلاع في المنام في ثياب بيض بأقبية الجنة، فقلت: ألم
يقتل بعضكم بعضاً؟ فقالوا: بلى، ولكنا وجدنا الله واسع المغفرة.
وقال: حدثنا إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا يزيد بن هرون قال:
أخبرنا العوام بن حوشب عن عمرو بن مرة عن أبي وائل قال: رأيت أبو ميسرة - وكان من
أفاضل أصحاب ابن مسعود - قال: رأيت في المنام كأني دخلت الجنة فإذا قباب مضروبة،
فقلت لمن هذه؟ فقالوا: لذي الكلاع وحوشب، قال: وكانا ممن قتل مع معاوية بصفين قال:
فقلت فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قلت: قد قتل بعضهم بعضاً فقيل لي: إنهم
لقوا الله فوجدوه واسع المغفرة، قال: قلت: فما فعل أهل النهر - يعني الخوارج -
قال: لقوا ترحاً.
وأخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخصر في كتابه إلي من بغداد قال:
أخبرنا أبو بكر بن عبيد الله قال: حدثنا محمد بن علي قال: أخبرنا علي ابن محمد
قال: أخبرنا أبو علي البردعي قال: حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثنا عبد الرحمن بن
صالح قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن بهدله عن أبي وائل قال: قال عمرو بن
شرحبيل ليلة صفين: رأيت في المنام البارحة كأنا وهؤلاء القوم جميعاً، فقص من بعضنا
لبعض، ثم أدخلنا الجنة جميعاً.
قال: فكان أبو وائل يقول: إن صدقت رؤيا أبي ميسرة.
الفصل الرابع
في ذكر ما جاء
في الكف عن الخوض في حديث صفين
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة قراءة عليه، قال أخبرنا
أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الحافظ - إن لم يكن سماعاً فإجازة -
قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا محمد بن علي
الصوري قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن حامد بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن
محمد بن سعيد الموصلي قال: حدثنا الحسن بن عليل قال: كتب إلي يونس بن عبد الأعلى
في كتابه إلي، وحدثنا موسى بن أبي موسى قال: حدثنا يونس أنه سمع محمد بن إدريس
قال: قيل لعمر ابن عبد العزيز ما تقول في أهل صفين؟ قال: تلك دماء طهر الله يدي
منها، ولا أحب أن أخضب لساني فيها.
أخبرنا عتيق بن أبي الفضل بن سلامة السلماني قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن
الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب قال: أخبرنا رشاء بن نظيف
قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل بن محمد الضراب قال حدثنا أبو بكر أحمد بن
مروان المالكي قال: حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن الحارث عن المدائني عن
الحسن بن دينار قال: سئل عمر بن عبد العزيز عن قتلى صفين فقال: تلك دماء طهر الله
يدي منها، فما لي أخضب لساني فيها؟! أنبأنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقير
عن عبد الله بن أحمد بن الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن الفراء قال: أخبرنا
أبو طاهر الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن الطيبي
قال: حدثنا إبراهيم بن الحسين ابن ديزيل قال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: حدثنا
الوليد بن بكير التميمي عن سفيان عن فضيل بن غزوان عن أبي معشر عن أن تميم قال:
كان إذا سئل عن أهل الجمل وأهل صفين قال: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما
كسبتم، ولا يسألون عما كانوا يعملون.
وأخبرنا
عبد الله بن أبي علي الحموي الأنصاري قراءة عليه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد
الحافظ - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو الحسين بن الطيوري، بانتخابي
عليه من أصول كتبه، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتقي قال: حدثنا
سهل قال: حدثنا محمود قال: حدثنا أبو شريك قال: حدثنا يعقوب ابن عبد الرحمن عن
عباية بن سليمان عن عثمان بن عمر التيمي قال: بلغني أنه قدم ناس من أهل المشرق المدينة
فاستدلوا على من يسألونه فأشاروا لهم إلى عبد الله بن عتبة، فجلسوا إليه فقالوا:
يا أبا محمد: ما تقول في أهل صفين؟ فقال: أقول فيهم ما قال من هو خير مني لمن هو
شر منهم، عيسى بن مريم عليه السلام: " إِن تعذبهم فإنهم عبادك وإِن تغفر لهم
فإنك أن العزيز الحكيم " .
أخبرنا السلار بهرام بن محمود بن بختيار الأتابكي، إجازة غير مرة، وقد سمعت منه
بظاهر مدينة دمشق، قال: أخبرنا عبد الخالق بن أسد بن ثابت قال: أخبرني أبو العلاء
أحمد بن محمد بن الفضل بأصبهان قال: أنبأنا أبو شجاع بن شهردار الديلمي كتابة قال:
سمعت أبا ثابت الديلمي يقول سمعت الإمام خالي أبا حاتم أحمد بن الحسن يقول: سمعت
أحمد بن عبد الله بن الخضر المقريء بباب الشام يقول: سمعت أبا علي الصواف يقول:
سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: كنت جمعت شيئاً من حديث الصفين - صوابه صفين
- والجمل، فرأيت أبي رحمه الله في المنام عاضاً على إصبعه يهددني ويقول: جمعت حديث
الفتنة، فانتهيت عنه.
الفصل الخامس
في ذكر نبذة من حديث وقعة صفين
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شيخنا رحمه الله عن أبي بكر محمد ابن عبد
الباقي الأنصاري قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران إجازة قال: أخبرنا
أبو الحسين المراعيشي، وأبو العلاء علي بن عبد الرحيم ابن غيلان الواسطي قالا:
أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفه نفطويه قال: وكانت وقعة صفين أول سنة
سبع وثلاثين.
أنبأنا ابن طبرزد عن أبي القاسم بن السمرقندي قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله قال: أخبرنا
أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا عثمان بن أحمد قال: حدثنا حنبل ابن إسحق قال:
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع عن علي بن صالح عن أبيه عن أبي بكر بن عمرو قال:
كان بي الجمل وبين صفين شهران أو نحوه، وكانت صفين في سنة سبع وثلاثين.
وأنبأنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن البغدادي عن أبي محمد عبد الله بن
أحمد بن الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء قال:
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي
الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن أحمد ابن إسحق بن ننجاب
الطيبي قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذاني قال: حدثنا أبو
نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا شريك بن عبد الله النخعي عن مجالد عن عامر عن مسروق
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رحى الإسلام ستزول بعد خمس
وثلاثين سنة، فإن يصطلحوا فيما بينهم يأكلوا الدنيا سبعين عاماً رغداً، وإن
يقتتلوا يركبوا سنن من كان قبلهم.
قال: وأخبرنا إبراهيم - يعني ابن ديزيل - قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا شريك عن
منصور عن ربعي بن خراش عن البراء بن ناجيه قال: قال عبد الله قال لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إن رحى الإسلام ستزول بعد خمس وثلاثين سنة أو ست وثلاثين أو
سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم سبعين عاماً. قال
عثمان: يا نبي الله مما مضى أو مما بقي؟ قال: مما بقي.
وقال: حدثنا إبراهيم - يعني ابن ديزيل - قال: قالوا: وسار معاوية حتى ورد صفين في
النصف من المحرم، فسبق إلى سهولة المنزل، وسعة المناخ وقرب الماء من الفرات، وبنى
قصراً لبيت ماله.
وقال إبراهيم حدثنا يحيى - يعني ابن سليمان - قال: حدثنا إبراهيم عن أبي يوسف عن
المجالد عن عامر أن علياً قدم صفين في المحرم سنة سبع وثلاثين، لسبع أو ثمان بقيت
من المحرم، فأقاموا سلخ المحرم، ثم اقتتلوا.
وذكر أبو يوسف أيضاً عن أبي بكر الهذلي أنهم التقوا في المحرم.
وقال
إبراهيم بن ديزيل: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: حدثنا صفوان ابن عمرو قال:
وكان أهل الشام ستين ألفاً، فقتل منهم عشرون ألفاً، وكان أهل العراق مائة وعشرين
ألفاً، فقتل منه أربعون ألفاً.
وقرأت في كتاب صفين تأليف أبي جعفر محمد بن خالد الهاشمي، قالوا بأسنادهم عن أبي
مخنف لوط بن يحيى: قال: حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عبد الرحمن بن عبيد أبي
الكنود قال: نزل معاوية بن أبي سفيان صفين في ثلاثة وثمانين ألفاً.
قال: وحدثني أبو مسهر قال: سمعت المشايخ يقولون ذلك أيضاً أن معاوية ابن أبي سفيان
في ثلاثة وثمانين ألفاً.
قال محمد بن خالد: قلت للوليد بن مسلم: إن أبا مسهر حدثني أن معاوية نزل صفين في
ثلاثة وثمانين ألفاً، فقال: صدق لم أزل أسمع الجند يقولون ذلك.
وقرأت بخط بنوس وراق بني مقلة عن أبي الحسن المدائني أن أبا الحسن ابن أبي نعيم
الفضل بن دكين قال: حدثنا جرير بن حازم عن يونس بن خباب قال: شهد مع علي بن أبي
طالب يوم صفين ثمانون بدرياً.
وأنبأنا أبو العلاء أحمد بن شاكر قال: أخبرنا أبو محمد بن أحمد النحوي قال: أخبرنا
محمد بن محمد قال: أخبرنا أبو طاهر الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال:
أخبرنا أبو الحسن الطيبي قال: حدثنا أبو إسحق الكسائي قال: حدثنا يحيى - يعني ابن
سليمان - قال: حدثنا محمد بن عميرة النخعي قال: حدثنا أبو إسرائيل العبسي عن الحكم
بن عتيبة قال: شهد صفين مع علي رضي الله عنه ثمانون بدرياً، وخمسون ومائة ممن بايع
تحت الشجرة.
وقال أبو إسحق: حدثنا يحيى قال: حدثني سيف الضبي قال: أقام علي ومعاوية بصفين سبعة
أشهر أو قال: تسعة أشهر، وكانت بينهم قبل القتال نحواً من سبعين زحفاً، وقتل في
ثلاثة أيام من شهر أيام البيض، ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، ثلاثة وسبعون
ألفاً من الفريقين.
وقال أبو إسحق حدثنا يحيى قال: حدثنا ابن زياد قال: حدثنا أبو عبد الله الثمالي عن
معمر عن لزهري قال: إلتقى علي ومعاوية بصفين فاقتتلوا زماناً، فلقد بلغني أنه كان
يدفن في القبر خمسون إنساناً.
قال معمر: فلقد رأيتها مد البصر، يعني قبورهم.
وقال أبو إسحق: حدثنا عقبة بن مكرم الكوفي قال: حدثنا يونس عن عمرو ابن شمر عن
جابر عن محمد بن علي ومحمد بن المطلب وزيد بن حسن قالوا: شهد مع علي بن أبي طالب
في حربه من أصحاب بدر سبعون رجلاً، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل فيما
لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد معه من التابعين ثلاثة بلغنا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لهم بالجنة، أويس القرني، وزيد بن صوحان،
وجندب الخير، فأما أويس القرني فقتل في الرجالة يوم صفين، وأما زيد بن صوحان فقتل
يوم الجمل.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد المؤدب إذناً قال: أخبرنا أبو غالب أحمد بن
الحسن بن البناء إجازة قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران إجازة قال: أخبرنا أبو
الحسين المراعيشي وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم ابن محمد
بن عرفه نفطويه قال: أخبرني محمد بن عيسى الأنصاري عن عبيد الله بن محمد التيمي عن
إسماعيل بن عمرو البجلي عن حبان بن علي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته عن علي
بن أبي طالب رحمه الله أنه قال: يوم صفين: من يبايعني على الموت؟ فقام تسعة وتسعون
رجلاً فبايعوه، فقال: أين التمام الذي وعدت؟ فقام إليه رجل من أخريات الناس محلوق
الرأس، عليه أطمار من صوف فبايعه، فإذا هو أويس القرني، فقاتلوا فقتلوا.
أنبأنا
أبو الحسن بن المقير قال: أخبرنا محمد بن ناصر إجازة، قال: أخبرنا المبارك بن عبد
الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي المعروف بابن
اللاعب قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي الحاكم قال: حدثنا أبو العباس
أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم المروزي قال: حدثنا جدي أبو جعفر محمد بن
عبد الكريم قال: حدثنا الهيثم بن عدي قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحق قال: حدثني أبي
قال: قلت لأبي: أي أبة أشهدت صفين؟ قال: نعم، لقد رأيت عجباً، لقد شهدتهم يوماً،
وشجرونا بالرماح وشجرناهم بها حتى لو شاء رجل أن يمشي عليها لمشى، أسمع من ها هنا
لا إله إلا الله والله أكبر، ومن ها هنا لا إله إلا الله والله أكبر، ثم رأيتهم
يوماً آخر، ودلفوا إلينا ودلفنا إليهم فإذا رجل قد نذر بين الصفين على رأس أحوى
ذنوب، حتى إذا كان بين الصفين لا يدرى أهو إلينا أقرب أم إلى أهل الشام، إستدبر
أهل الشام، واستقبلنا، فإذا هو الأشتر، فقال: أيها المسلمون أقدكم من ربكم، لقد
أسأتم الضراب أمس، عض من ها هنا بهن أمه، استقبلوا القوم بالهام وخذوا قوابع
سيوفكم بأيمانكم وعضوا على النواجذ واطعنوا في الشراشيف اليسرى فإنها مقاتل، ثم
إلتقى القوم، فقتلوا منا صفوفاً خمسة وقتلنا منهم مثلها، فأفضينا إلى الصف السادس
أو السابع وقد عقلوا أنفسهم بالعمائم، فوالله الذي لا إله غيره ما كان عندهم ولا
عندهم إلا العناق والكدم، فقلت: أي أبة لقد صبرتم، قال: أي بني إنها والله كانت
العرب ليس فيها شائبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
أخبرنا أبو محمد أحمد بن الأزهر بن عبد الوهاب السباك في كتابه إلينا من بغداد أن
القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي أخبرهم كتابة عن أبي غالب محمد ابن أحمد بن
بشران قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي وأبو العلاء علي بن عبد الرحيم بن غيلان
الواسطي قالا: أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: أخبرني محمد بن
عيسى الأنصاري عن ابن عائشة قال: لما ورد أصحاب معاوية صفين بادأهم أصحاب علي
بالقتال، فقتلوا منهم جماعة، فكتب معاوية إلى علي رحمه الله.
أزجرُ حمارك لا يرتع بروضتنا ... إذاً يُردّ وقيد العير مكروب
إن تقبلوا الحق نُعط الحق سائله ... والدرع مُحقبة والسيف مقروب
فكتب إليه علي عافانا الله وإياك، فكان أول من كتب بها، فلما ورد علي صفين قيل له:
يا أمير المؤمنين جاءتك كتائب الشام كأنها موج البحر وقطع السحاب وظلمة الليل،
يسوقها معاوية، ويحدوها أبو الأعور، ويقدمها عمرو بن العاص وهو يقول:
لا تحسبنّي يا علي غافلاً ... لأُصبحن الكُوفة القنابلا
والخيل والخطّية الذوابلا ... من عامنا العام وعاماً قابلا
فقال علي: ما يقول ابن النابغة؟.
لأُصبحنّ العاصي بن العاصي ... سبعين ألفاً عاقدي النواصي
مُستحقبين حلق الدّلاص ... مجتنبين الخيل بالقلاص
أشبال غيل حين لا مناص
فبادر أبو الأعور السلمي إلى ماء الفرات، فصف خيله عليه ومنعه أصحاب علي، فشاور
معاوية أصحابه، فقال له عمرو بن العاص: خل لهم عن الماء فإن ابن أبي طالب لا يعطش
وبيده أعنة الخيل، فبعث علي إلى معاوية إنا وإياك جئنا لأمر فخل لنا عن الماء وإلا
تجالدنا عليه، فبعث معاوية إلى أبي الأعور خل لهم عن الماء، فبعث إليه والله لا
شربوا منه شربةً وفي شيء من الروح، وقال له ابن أبي سرح: اقتلهم عطشاً قتلهم الله
كما قتلوا أمير المؤمنين عثمان عطشاً، فقال معاوية: إن عمراً أعلم منكما، وأبى أبو
الأعور أن يخلي لهم عن الماء، فحمل الأشعت بن قيس في إثني عشر ألفاً، فكشفهم عن
الماء، فقال علي: هذا يوم نصرتنا فيه الحمية، فقال رجل ممن كان في عسكر علي:
ألا تتقون اللّه إذ تمنعوننا ال ... فرات وتروى بالفرات الثعالب
وقد وعدونا الأحمرين فلم نجد ... لهم أحمراً إلا قراع الكتائب
وخرج
علي يستعرض عسكر معاوية على بغل له قصير، وفرسه تحت غلام له وراءه، فهموا به، فقال
علي لغلامه: انزل عن الأدهم لا أبالك، ثم بعث إلى هاشم بن عتبة، وهو المرقال، وكان
صاحب لواء علي يوم صفين، أن إحمل بلوائك، فحمل به، وسطع الغبار حتى حال بينهم وبين
السماء، وثبت العسكران فقال هاشم بن عتبة: والله إن لهؤلاء القوم لشأناً والله ما
حملت بلوائي هذا على عسكر قط إلا زعزته، وتجالد العسكران بالسيوف، وحمل المرقال
وهو يقول:
أعور يبغي أهله محلاّ ... قد عالج الحياة حتى ملاّ
لا بد أن يقتل أو يفلاّ
وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد إجازة قال: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن
أحمد قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفراء قال: أخبرنا أبو طاهر الباقلاني قال:
أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن بن ننجاب قال: حدثنا إبراهيم بن
الحسين قال: حدثنا يحيى بن سليمان حدثني نصر بن مزاحم قال: حدثني عمرو بن شمر عن
جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي وزيد بن الحسن بن علي، ورجل منهم آخر قد
سماه، قالوا: استعمل علي على مقدمته الأشتر النخعي ثم سار في خمسين ومائة ألف،
وسار إليه معاوية في نحو من ذلك من أهل الشام، واستعمل على مقدمته أبا الأعور
السلمي سفيان بن عمرو حتى توافقا بقناصرين إلى جانب صفين، فأتى الأشتر وأبو الأعور
قد سبقه إلى المعسكر وكان الأشتر في أربعة آلاف من مستنصري أهل العراق، فأزالوا
أبا الأعور عن معسكره، وأقبل معاوية في جمع الفيلق، فلما رأى ذلك الأشتر إنحاز إلى
علي، وغلب معاوية، وأقبل معاوية على الماء وحال بين أهل العراق وبينه، وأقبل علي
حتى إذا أراد المعسكر حالوا بينه وبين الماء.
وقال إبراهيم بن الحسين حدثنا يحيى قال: حدثنا نصر بن مزاحم قال: حدثنا عمر - يعني
ابن سعد الأسدي - في اسنادة الأول - يعني عن رجل من الأنصار عن الحارث بن حصيرة عن
أبي الكنود وعن غيره - أن علياً أقبل يومئذ يطلب موضعاً لمعسكره، وأمن الناس
فوضعوا أثقالهم، وهم مائة ألف أو يزيدون، فلما نزلوا أسرع فوارس من فرسان علي على
خيلهم إلى أصحاب معاوية، وكانوا في ثلاثين ومائة ألف فناوشوهم القتال فاقتتلوا
هويا.
قال إبراهيم بن الحسين حدثنا يحيى قال: حدثنا إبراهيم عن أبي يوسف عن أبي بكر
الهذلي أن معاوية لما قدم عليه علي وأصحابه بصفين اقتتلوا على الإبل يجنبون الخيل،
فقال معاوية لعمرو ويحك يا عمرو لقد وفى علي بن أبي طالب بقوله:
مُجنّبين الخيل بالقلاص
وقال إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا نصر قال: حدثنا عمرو بن شمر عن
جابر الجعفي عن أبي الطفيل قال: لما انسلخ المحرم من سنة سبع وثلاثين واستهل صفر
بعث علي عليه السلام نفراً من أصحابه حتى إذا كانوا من عسكر معاوية حيث يسمعونهم
الصوت قام يزيد بن الحارث الجشمي فنادى يا أهل الشام: إن أمير المؤمنين علياً
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لكم: إنا والله ما كففنا عنكم شكاً في
أمركم ولا بقيا عليكم وإنما كففنا لدخول المحرم، وقد انسلخ، وقد نبذنا إليكم على
سواء إن الله لا يحب الخائنين فتحاجز الناس وثاروا إلى أمرائهم.
وقال: حدثنا يحيى قال: حدثنا نصر قال: حدثنا عمرو بن شمر عن أبي الزبير قال: كانت
وقعة صفين في صفر.
وقال: حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن
شهاب قال: لما خرج علي بمن معه يؤم معاوية وأهل الشام، وخرج إليه معاوية بأهل
الشام حتى التقوا بصفين فاقتتلوا قتالاً شديداً لم تقتتل الأمة مثله قط.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد المؤدب إذناً عن أبي غالب أحمد بن الحسن ابن البناء عن
أبي غالب محمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي وأبو العلاء الواسطي
قالا: أخبرنا أبو عبد الله نفطوية قال: وقال عوانه بن الحكم كانت وقعات صفين
أربعين وقعة كلها لأهل العراق على أهل الشام، فلما خاف عمرو على أهل الشام أشار
على معاوية برفع المصاحف، ففتر أهل العراق، ودعوا إلى حكم المصاحف، وحكم الحكمان.
أخبرنا
أبو القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد ابن محمد
الحافظ - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار
الصيرفي قال: حدثنا أبو عبد الله الصوري قال: أخبرنا أبو الحسين الغساني قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن بكر الهزاني قال: حدثنا العباس بن الفرح الرياشي عن الأصمعي
عن شيخ من أهل الكوفة قال: قال زبيد اليامي - وهو حي من همدان - خرج من همدان إلى
صفين اثنا عشر ألف رجل فما رجع منهم إلا خمسة أو ستة.
أنبأنا أبو العلاء بن سليمان المعري أن أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب
أخبرهم إجازة قال: أخبرنا أبو الحسين بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين قال:
أخبرنا أبو علي بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن إسحق قال: أخبرنا أبو إسحق الهمذاني
قال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد باسناده قال:
افترقوا على سبعين ألف قتيل، فلما صدر علي والناس من صفين أنشأ علي يقول:
وكم قد تركنا في دمشق وأرضها ... من أشمط موتور وشمطاء ثاكل
وغانيةٍ صاد الرماح حليلها ... فأضحت تُعدّ اليوم إحدى الأرامل
تبكّي على بعلٍ لها راح غازياً ... فليس إلى يوم الحساب بقافل
وإنا أُناسٌ ما تصيب رماحنا ... إذا ما طعنا القوم غير المقاتل
باب في ذكر
حصون لم يقع لها ذكر في الفتوح
ولا ورد في كتب الممالك والبلدان عنها خبر مشروح وهي زماننا معدودة من البلاد
موصوفة بالحصانة مشحونة بالأجناد، وهي من أعمال حلب وبقاعها وحصونها المتعلقة بها
وقلاعها. فمن ذلك.
تل باشر
وهي بلدة مشهورة، ولها قلعة معمورة وبساتينها كثيرة، ومياهها غزيرة، وأجاصها موصوف
مذكور، وشرب بلدها جمعيه من نهر الساجور، وهو نهر أصله من عين تاب، تجتمع إليه
عيون ببلد عين تاب، ويجري إلى قرية تعرف بالنفاخ، وتجتمع إليه عيون أخر من بلد تل
باشر، ثم ينتهي إلى الفرات ويصب فيه، وللساجور ذكر في الفتوح، ونزله أبو عبيدة رضي
الله عنه عند فتح منبج، واياه عنى البحتري بقوله:
يا خليلي بالسواجير من عمرو ... بن ود وبحتر بن عتود
إطلبا ثالثاً سواي فإني ... رابعُ العيس والفلا والبيد
جمعه على السواجير لأنه جعل كل نهر يجتمع إلى الساجور مسمى بالساجور.
وتل باشر كانت قلعة للجوسلين الأرمني فعمرها وحصنها، وكان أهلها أرمن وخرج يوماً
متنزهاً ومتصيداً في خف من أصحابه، فصادفه التركمان فأحاطوا به وبمن معه وحملوه
إلى نور الدين، فأعطاهم عشرة ألاف دينار، وسير الأمير حسان المنبجي فتسلمها وذلك
في سنة ست وأربعين وخمسمائة، وصارت بعد ذلك للأمير بدر الدين دلدرم بن ياروق
فحصنها وبناها وعمر فيها أبنية حسنة ومنازل مزخرفة، وسكنها المسلمون واتسع ربضها،
وصار بها قاض ومنبر وخطيب.
في ذكر عين تاب
وهي قلعة حصينة كانت لجوسلين المذكور، فلما جرى عليه ما جرى، وصار في أسر نور
الدين محمود رحمه الله، سار نور الدين إلا بلاده وقلاعه ففتحها ومن جملتها عين
تاب، ورتب فيا الرجال والعدد والذخائر، وصارت إلى..... فعمرها وحصنها وصارت إلى
ولده من بعده، فلما مات تسلمها أتابك طغرل الظاهري للملك العزيز محمد بن الملك
الظاهر، ثم أنه سلمها إلى الملك الصالح أحمد ابن الملك الظاهر، فسكنها وبنى
بالقلعة آدراً حسنه وتنوع في زخرفتها بالرخام والذهب، وبنى أصحابه في الربض منازل
سكنوها، وبنى فيها جوسقاً تنوق في بنائه ومنجوره وزخرفته بالرخام والذهب، وعمله في
بستان كبير نصب فيه صنوفاً كثيرة من الفواكه، وصارت الأخشاب تحمل من بلاد الأرمن
ومرعش إليها، وتباع بها وتنقل منها إلى البلاد وصار بها قاض ومنبر وخطيب.
في ذكر الراوندان
وهي قلعة صغيرة على رأس جبل عال منفرد في مكانه لا يحكم عليها منجنيق ولا يصل
إليها نبل ولها ربض صغير في لحف جبلها وهي من أقوى القلاع وأحسن البقاع، ويحف
بالقلعة واد من جهة الغرب والشمال هو كالخندق، وفيه نهر جار، وصعدت إلى هذه القلعة
راكباً فوجدت مشقة عظيمة، لعلوها وضيق المسلك إليها.
أنبأنا
أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي عن مؤيد الدولة أسامة بن مرشد ابن علي بن منقذ
قال: تل هراق والراوندان هذان المركزان من أعمال حلب وكان فيهما ولاة الملك رضوان
بن تاج الدولة، فكان يلي تل هراق عزك بن الوزير أبي النجم، وكان الملك رضوان
ينادمه ويضحك من حكاياته فشرب عنده ليلة فعربد عليه الملك رضوان وضربه، فخرج من
المجلس وسار من حلب ووصل إلى شيزر وعليه آثار العربدة وعيناه مخضرتان، فحكى يوماً
قال: بلغني أن بالراوندان أسارى أفرنج وقد وثبوا في حصنها وملكوه، فسرت من تل هراق
إلى الراوندان نزلت عليه وراسلت الأفرنج الذين ملكوه وتلطفت في أمرهم إلى أن استقر
أني أحلف لهم أنهم آمنون وأني أسيرهم إلى أنطاكية ويسلموا لي الحصن، فحلفت لهم،
وخرجوا وأطلقتهم وتسلمت الحصن واعتقدت أنني قد خدمت الملك رضوان خدمةً يراها لي
لاستخلاص الحصن مع قربه من الفرنج، فلما وصلت حلب بلغني أن الملك رضوان قال لما
بلغه الخبر قد ضيع علي عزك ألف دينار ثمن الأسارى، فجلست من الغد في الدركاه
والأمراء فيها مجتمعون وقلت: سمعت أن مولانا قال: ضيع علي عزك من ثمن الأسارى ألف
دينار.....
ذكر المرزبان
واسمها الصحيح البرسمان
فغير، وغلب هذا الاسم عليها، ولها قلعة قد تشعثت وتهدمت، وهي قرية كبيرة وأهلها
أرمن أهل ذمة، وكانت في يد قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان السلجوقي، فاستولى
عليها نور الدين محمود بن زنكي وأخذها من يده، والسبب في ذلك أن الملك المسمى ذو
النون بن الدانشمند كانت ملطيه وسيواس وغيرهما في يده، فضايقه قليج أرسلان وقوي
عليه فأخذ بلاده من يده، فقصد نور الدين محمود بن زنكي وتعلق به، فأكرمه وأحسن
إليه وشفع فيه إلى قليج أرسلان فلم يشفعه، فدخل إلى بلاده واستولى على البلاد
الشامية منها مثل المرزبان وكيسوم ومرعش وبهسنى، وعجز قليج أرسلان عن مقاومته،
وتحرك الفرنج بنواحي حمص فعاد نور الدين بسببهم.
ذكر بهسنى
وهي قلعة عظيمة حصينة مانعة، ولها ربض كبير يسكنه جماعة من المسلمين والأرمن،
وبلدها بلد حسن كثير الخيرات، وبها قاض ومنبر وخطيب وحولها أنهار وبساتين كثيرة،
وهي على تخم بلاد الروم الإسلامية وهي من جملة ما انتزعه نور الدين محمود بن زنكي
من البلاد الشامية من يد قليج أرسلان للسبب الذي ذكرناه وكان ذلك في سنة ثمان
وخمسين وخمسمائة.
ولما توفي الملك الظاهر غازي رحمه الله خرج ملك الروم كيكاوس بن كيخسرو بن قليج
أرسلان، فقصد بلاد الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر فافتتح منبج ورعبان
والمرزبان، وكان قد نزل إليه الطنبغا الظاهري، وكان ببهسنى، فعصى على الملك العزيز
وانضوى إلى كيكاوس وصار في عسكره، وفتح تل باشر من يد ولد دلدرم، فاستدعى أتابك
طغرل الملك الأشرف موسى بن الملك العادل في سنة خمس وعشرة وستمائة، فوصل إلى حلب
ودفع كيكاوس عنها على ما نذكره فيما يأتي من ترجمتهما إن شاء الله.
وعاد الطنبعا مع كيكاوس فطلب منه تسليم بهسنى فامتنع من ذلك، فأحضر تحت القلعة
وعذب بأنواع العذاب، فأمر الولاة بها بالتسليم إليه، فلم يفعلوا، فمات تحت
العقوبة، ورحل كيكاوس عنها وكان بها والدة الملك الصالح أحمد بن الملك الظاهر، وهي
زوج الطنبغا وأولادها منه، فاتفق الأمر معها ومع ولاة بهسنى على أن عوضهم أتابك
طغرل بقلعة عزاز ومواضع من بلدها، وتسلم منهم بهسنى للملك العزيز رحمه الله.
ذكر الشغر وبكاس
وهما قلعتان قويتان من أعمال حلب من النواحي الغربية، والشغر قلعة صغيرة قريبة من
بكاس يعبر من أحديهما إلى الأخرى بجسر، وهما على جانب نهر الأرنط المعروف بالعاصي،
ولبكاس نهر يخرج من تحتها، وهما في غاية المنعة والقوة.
وكانت
هاتان القلعتان في يد الفرنج ففتحهما الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب رحمه
الله على ما أخبرني به القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم قال:
وسرنا حتى أتينا بكاس، وهي قلعة حصينة على جانب العاصي، وكان النزول بذلك المنزل
يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة، وكان المنزل على شاطئ العاصي، وصعد السلطان الملك
الناصر إلى القلعة جريدة، وهي على جبل يطل على العاصي، فأحدق بها من كل جانب،
وقاتلها قتالاً شديداً بالمنجنيقات والزحف المضايق إلى يوم الجمعة أيضاً تاسع
جمادى الآخرة، ويسر الله فتحها عنوة، وأسر من فيها بعد قتل من قتل منهم، وغنم جميع
ما كان فيها، وكان لها قليعة تسمى الشغر قريباً منها، يعبر إليها منها بجسر، وهي
في غاية المنعة ليس إليها طريق، فسلطت عليها المنجنيقات من الجوانب، ورأوا أنهم لا
ناصر لهم، فطلبوا الأمان وذلك في يوم الثلاثاء ثالث عشرة، وسألوا أن يؤخروا ثلاثة
أيام لإستئذان من بأنطاكية يسر الله فتحها، فأذن في ذلك، وكان تمام فتحها وصعود
العلم السلطاني على قلتها يوم الجمعة سادس عشرة.
ذكر حصن برزويه
والآن يعرف بحصن برزيه
وهو حصن منيع يضرب المثل بحصانته ومنعته فيقول الناس: كأنه في حصن برزيه، وكان
الفرنج قد استولوا عليه ففتحه الملك الناصر يوسف بن أيوب من أيديهم كما أخبرني به
شيخنا بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم قال بعد ذكر فتح بكاس: ثم سار
السلطان رحمة الله عليه جريدة إلى قلعة برزيه وهي قلعة حصينة في غاية القوة
والمنعة على سن جبل شاهق يضرب بها المثل في جميع بلاد الفرنج والمسلمين، يحيط بها
أودية من سائر جوانبها، وذرع علو قلتها فكان خمسمائة ذراع ونيفاً وسبعين ذراعاً،
ثم حرر عزمه على حصارها بعد رؤيتها، واستدعى الثقل، فكان وصول الثقل وبقية العسكر
يوم السبت رابع عشري جمادى الآخرة، ونزل الثقل تحت جبلها، وفي بكرة الأحد خامس
وعشرين منه صعد السلطان رحمه الله جريدة مع المقاتلة والمنجنيقات وآلات الحصار إلى
الجبل، فأحدق بالقلعة من سائر نواحيها، وركب القتال عليها من كل جانب وضرب أسوارها
بالمنجنيقات المتواترة الضرب ليلاً ونهاراً، وقاتلها فقسم العسكر ثلاثة أقسام، كل
قسم يقاتل شطراً من النهار ثم يستريح، وضرس الناس من القتال وتراجعوا عنه، وتسلم
النوبة الثانية السلطان رحمه الله بنفسه وركب وتحرك خطوات عدة وصاح في الناس
فحملوا عليها حملة الرجل الواحد، وصاحوا صيحة الرجل الواحد وقصدوا السور من كل
جانب فلم يكن إلا بعض ساعة وقد رقى الناس على الأسوار وهجموا القلعة واستغاثوا
الأمان، وقد تمكنت الأيدي منهم فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا، ونهب جميع
ما فيها وأسر جميع من كان فيها، وكان قد أوى إليها خلق عظيم، وكانت من قلاعهم
المذكورة.
قلت وقد بقي حصون لحلب وأعمالها خربت بالكلية وأمحي رسمها وبقي اسمها مثل زردنا من
بلد الجزر والأثارب، وقد خرج منها بعض الرواة، وكفر لاثا من جبل بني عليم وغيرها
لم أذكرها لعدم الفائدة في ذكرها.
فإن جاء في أثناء كتابنا هذا ذكر لشيء منها أو اسم ينسب إلى شيء منها نبهت عليه في
موضعه، وكذلك لها حصون صغيرة وليست مشهورة ولا مذكورة لم أذكرها خوفاً من الإطالة،
وتحامياً عما يفضي إلى الملاله.
باب في ذكر عربسوس
وهي مدينة قد ذكر أنها من ثغور الشام، وبعضهم لم يثبتها فيها لأنها من وراء الدرب
داخلة في بلاد الروم، ولهذا أخرت ذكرها لوقوع الإختلاف في كونها من الثغور
الشامية، ولم أر إسقاط ذكرها بالكلية لأنه قد نقل أنها منها، ويقال لها أبسس وأفسس
وأرب سوس وعربسوس، وهي مدينة دقيانوس، ودخلت هذه المدينة وقد اجتزت إلى زيارة
أصحاب الكهف، وهم في جبل قريب منها، والمدينة قد خربت أسوارها وبقيت آثارها وبعض
حيطانها قائم وبعضها قد هدمه الهادم، وبها الآن سكان من الأرمن وأسواق دائرة،
والناحية المسكونة من هذه المدينة قرية عامرة.
وذكر يحيى بن معين في التاريخ قال الأصمعي: سألت عبد الملك بن صالح عن عذب سوس،
فقال: إنما هي عرب سوس قرية من قرى الشام أنا بها عارف.
وذكر
ابن خرداذ به أن أصحاب الرقيم في عمل من أعمال الروم يسمى ترقسيس وفيه من الحصون
أفسيس في رستاق الأواسي، وهي مدينة أصحاب الكهف وذكر أنه قد قرئ في مسجدهم كتاباً
بالعربية بدخول مسلمة بلاد الروم.
كتب إلينا أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج بن علي الحصري من مكة شرفها الله أن أبا
عبد الله محمد بن العباس بن عبد الحميد الحراني أخبرهم قال: أخبرنا النقيب أبو
الفوارس طراد بن محمد بن علي الزينبي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسن
بن البادا قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحق الخراساني قال: أخبرنا عم أبي
علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا يزيد بن هرون
عن هشام بن حسان عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب استعمل عمير بن سعيد أو سعد، شك
أبو عبيد، على طائفة من الشام، فقدم عليه قدمةً فقال: يا أمير المؤمنين إن بيننا
وبين الروم مدينة يقال لها عرب سوس وإنهم لا يخفون على عدونا من عوراتنا شيئاً،
ولا يظهرونا على عوراتنا، فقال له عمر: فإذا قدمت فخيرنهم بين أن تعطيهم مكان كل
شاة شاتين، ومكان كل بعير بعيرين، ومكان كل شيء شيئين، فإن رضوا بذلك فأعطهم
وخربها، فإن أبوا فانبذ إليهم، وأجلهم سنة ثم خربها، فقال: إكتب لي عهداً بذلك،
فكتب له عهداً، فلما قدم عمير عليهم عرض عليهم ذلك، فأبوا فأجلهم سنة ثم أخربها.
قال أبو عبيد فهذه مدينة بالثغر من ناحية الحدث يقال عرب سوس وهي معروفة هناك، وقد
كان لهم عهد فصاروا إلى هذا، وإنما عمر عرض عليهم ما عرض من الجلاء وأن يعطوا
الضعف من أموالهم لأنه لم يتحقق ذلك عنده من أمرهم، أو أن النكث كان من طوائف منهم
دون إجماعهم، ولو أطبقت جماعتهم عليه ما أعطاهم من ذلك إلا القتال والمحاربة.
وقد وقع في غير هذه الرواية عن طراد قال: أخبرنا أبو الحسن بن البادا قال: أخبرنا
أبو علي حامد بن أحمد الهروي قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز أخبرنا بذلك أبو إسحق
إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي وأبو الفرج عبد الرحمن ابن نجم بن
عبد الوهاب الحنبليان فيما أجازاه لي، وقد سمعت من كل واحد منهما بدمشق قالا:
أخبرتنا الكاتبة شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الآبري قالت: أخبرنا النقيب أبو
الفوارس طراد بن محمد بن علي الزينبي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسن
المعروف بابن البادا قال: أخبرنا أبو علي حامد بن أحمد الهروي قال: أخبرنا أبو
الحسن علي بن عبد العزيز البغوي قال: أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام فذكره
بإسناده مثله، وإنما وقع الإختلاف من أبي الحسن بن البادا لأن أبا علي الهروي
المذكور في هذا الإسناد الثاني وأبا محمد الخراساني المذكور في الإسناد الأول لأبي
عبيد الذي هذا الحديث منه عن علي ابن عبد العزيز، وسمعه أبو الحسن بن البادا عنهما
جميعاً ورواه لطراد الزينبي عنهما فرواه طراد عن ابن البادا عن أبي علي، ومرة عن
ابن البادا عن أبي محمد والله أعلم.
وعمير المذكور في الحديث هو عمير بن سعد بن شهيد بن قيس بن النعمان الأوسي
الأنصاري ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمص وقنسرين، وكان من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وسنذكره في حرف العين في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله
تعالى.
أنبأنا
عبد الصمد بن محمد القاضي عن أبي الحسن علي بن المسلم السلمي قال: أخبرنا أبو
القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر بن الجندي قال: أخبرنا أبو القاسم بن
أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال
الوليد: حدثنا غير واحد ممن سمع هشام بن حسان أن محمد بن سيرين حدثه أن عمير بن
سعد كان يعجب عمر بن الخطاب، فكان من عجبه به يسميه نسيج وحده، وبعثه مرة على جيش
من قبل الشام فقدم مرة وافداً فقال: يا أمير المؤمنين إن بيننا وبين عدونا مدينة يقال
لها عرب السوس يطلعون عدونا على عوراتنا ويفعلون ويفعلون، فقال عمر: إذا أتيتهم
فخيرهم أن ينتقلوا من مدينتهم إلى كذا وكذا، وتعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل
بقرة بقرتين ومكان كل شيء شيئين، فإن فعلوا فأعطهم ذلك، وإن أبوا فانبذ إليهم، ثم
أجلهم سنة، فقال: يا أمير المؤمنين اكتب لي عهدك بذلك، فكتب له عهده، فأرسل إليهم
فعرض عليهم ما أمره به أمير المؤمنين، فأبوا فأجلهم سنة، ثم نابذهم، فقيل لعمر: إن
عمير قد خرب عرب السوس وفعل وفعل، فتغيظ عليه عمر، ثم إنه قدم بعد ذلك وافداً ومعه
رهط من أصحابه، فلما قدم عليه علاه بالدرة، وقال: خربت عرب السوس، وهو ساكت لا
يقول له شيئاً، ثم قال لأصحابه: مبرنسين مبرنسين ضعوا برانسكم، قال عمير برانسكم
ثكلتكم أمهاتكم، إنكم والله ما أنتم بهم، فوضعوا برانسهم، فقال عمر: معممين معممين
ضعوا عمائمكم، قال عمير: ضعوا عمائمكم فإنا والله ما نحن بهم، فقال مكممين مكممين
ضعوا كمائمكم، فقال عمير: ضعوا كمائكم فإذا عليهم جمام، فقال عمر أما والله الذي
لا إله إلا هو لو وجدتكم محلقين لرفعت بكم الخشب؛ ثم إن عمر دخل على أهله فاستأذن
عليه عمير، فدخل فقال: يا أمير المؤمنين إقرأ عهدك إلي في عرب السوس، فقال عمر:
رحمك الله فهلا قلت لي ذلك وأنا أضربك، قال كرهت أوبخك يا أمير المؤمنين، فقال
عمر: غفر الله لك، ولكن غيرك لو كان.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم ابن علي بن
الحسن قال: أنبأنا الفقيه أبو الحسن السلمي، وأخبرنا أبي عنه قال: حدثنا علي بن
محمد الفقيه قال: أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن هرون قال: أخبرنا علي بن يعقوب
بن إبراهيم قال: أخبرني أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد:
ورأيت خلف درب الحدث مدينة حين أشرفنا على قباقب ناحيةً، فسألت عنها مشيخة من أهل
قنسرين فقالوا: هذا عرب السوس مدينة أنسطاس التي غدرت، فأتاها عمير بن سعد،
فقاتلهم وخربها، فهي خراب إلى اليوم.
وقريب من هذه المدينة جبل فيه الكهف الذي ذكره الله في كتابه، وجاء في التفسير أن
عربسوس هي المدينة التي قال الله تعالى فيما قصه في كتابه الكريم: " فابعثوا
بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف " .
وزرت هذا الموضوع فوجدته على الصفة التي أخبر الله تعالى في كتابه الكريم: "
وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم
في فجوة منه " وقد بني على الموضع بناء عظيم حسن واسع لمن يقصده من الزوار،
ووقف عليه وقف، ورتب لهم ضيافة بناه صاحب مرعش.
وأنبأنا أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر الحافظ عن أحمد بن محمد بن الآبنوسي عن
أبي الحسين بن المنادي قال: ومدينة أصحاب الكهف من عمل الروم في رستاق الأواسي،
والكهف في جبل بانجلوس، وقرئ في مسجدهم كتاب بالعربية: يدخل مسلمة بلاد الروم،
ويفتح أربع حصون.
باب في
ذكر فضائل الشام
ولحلب وبلادها منها أوقر الأقسام
وقد ذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقي في تاريخ دمشق من فضله ما كفى، وأورد في ذلك من
الأحاديث والآثار ما أشبع القول فيه وشفى، فإنه أطال فيما ذكره وأطنب، وأكثر النقل
فيما أورده وأسهب، ومد عنان قلمه فيما سطره وأطلقه وأوسع المجال في كل حديث أسنده
وبين طرقه، فاكتفينا بما نقله وأورده، واستغنينا بما رواه في فضل الشام وأسنده،
إلا إنا لم نر اخلاء كتابنا هذا عن ايراد شيء من فضله، ولا استحسنا ترك التنبيه
على ما ورد فيه وفي أهله، فاقتصرنا من ذلك على القليل، واكتفينا بالاشارة إلى وجه
الدليل.
أخبرنا
الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب بقراءتي عليه بقلعة حلب حماها الله، والقاضي
أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن الشيرازي، وولده أبو المعالي أحمد، قراءة
عليهما بدمشق، قالوا: أخبرنا القاضي أبو المجد الفضل بن الحسين بن إبراهيم
البانياسي قال: أخبرنا الاخوان أبو الحسن وأبو الفضل ابنا الحسين الموازيني قالا:
أخبرنا أبو عبد الله بن سلوان قال: أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي قال:
أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي قال: حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر
الغساني قال: حدثنا سعيد ابن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي ادريس الخولاني
عن عبد الله بن حوالة الأزدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنكم ستجندون
أجناداً: جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن فقال الحوالي: خر لي يا رسول،
قال: عليكم بالشام، فمن أبي فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي
بالشام وأهله. فكان أبو ادريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث التفت إلى ابن عامر
فقال: من تكفل الله به، فلا ضيعة عليه.
وقد روي من طريق آخر أن ابن حواله كان يقول ذلك، أخبرناه أبو منصور عبد الرحمن بن
محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم بن أبي محمد، الحافظ، قال: أخبرنا أبو
الفتح أحمد بن عقيل بن محمد بن رافع الفارسي البزاز الدمشقي ببغداد، وبدمشق، قال:
أخبرنا أبي أبو الفضل.
وقال الحافظ أبو القاسم: وأخبرناه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ببغداد قال: أخبرنا
أبو محمد عبيد الله بن إبراهيم بن كبيبة النجار.
قال أبو القاسم: وأخبرناه أبو محمد طاهر بن سهل بن بشر قال: أخبرنا أبو القاسم
الحسين بن محمد بن إبراهيم بن الحنائي قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن
بن عبيد الله بن يحيى القطان قراءة عليه، ونحن نسمع قال: أخبرنا أبو الحسن خيثمة
بن سليمان بن حيدرة قال: حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي وعقبة بن
علقمة قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثني مكحول عن أبي ادريس الخولاني عن عبد
الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستجندون أجناداً،
جنداً في الشام، وجنداً في العراق، وجنداً باليمن قال: قلت: يا رسول الله خرلي،
قال: عليكم بالشام، فمن أبى، فليلحق بيمنه وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي
بالشام وأهله. قال سعيد: وكان ابن حوالة رجلاً من الأزد، وكان مسكنه الأردن، وكان
إذا حدث بهذا الحديث قال: وما تكفل الله به، فلا ضيعة عليه.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد الشافعي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن
أبي الحسن ابن إبراهيم الداراني قال: أخبرنا أبو الفرج سهل ابن بشر بن أحمد
الاسفراييني قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد ابن الطفال قال: أخبرنا
أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر الذهلي قال: حدثنا موسى بن هرون قال:
حدثنا أبو طالب قال: حدثنا بقيه بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبي
قتيلة عن ابن حوالة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيصير الأمر إلى
أن يكون جنوداً مجندة، جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق. فقال ابن
حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليكم بالشام، فإنها خيرة الله من
أرضه، يجتبي إليه خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن
الله قد تكفل لي بالشام وأهله.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الصوفي بالبيت المقدس قال: أخبرنا أبو طاهر
أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر الطريثيثي وأخبرنا أبو
اسحق إبراهيم بن عثمان الكاشغري قال: أخبرنا أبو الفتح بن البطي، وأبو المظفر
الكاغدي، قال أبو الفتح: أخبرنا ابن خيرون، وقال الكاغدي: أخبرنا أبو بكر
الطريثيثي، قالا أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا ابن درستويه قال: حدثنا
يعقوب الفسوي قال: حدثنا يزيد ابن مهران قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن داود بن
أبي يزيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول الناس
هلاكاً فارس، ثم العرب، وسائر الناس ها هنا. وأشار بيده إلى الشام.
أخبرنا
أبو منصور الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم
الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي بدمشق قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن
موسى بن السمسار قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن مروان قال: أخبرنا أبو عبد الملك
قال: حدثنا محمد بن أبي السري قال: حدثنا فضاله بن حصين قال: حدثنا عبد الله بن
عمر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ستخرج نار من حضرموت، فتسوق الناس إلى المحشر، تقيل إذا قالوا، وتسير إذا ساروا:
قالوا: يا رسول الله فما تأمر من أدرك ذلك منا؟ قال: عليكم بالشام.
أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو القاسم قال: وأخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر بن
محمد الشحامي قال: أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن اسحق ابن محمد بن يحيى
بن منده قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا جمح بن القاسم بن عبد الوهاب بن أبان بن خلف
المؤذن بدمشق قال: حدثنا أحمد بن بشر بن حبيب الصوري قال: حدثنا عبد الحميد بن
بكار قال: حدثنا عقبة بن علقمة قال: حدثنا الأوزاعي عن عطية بن قيس عن عبد الله بن
عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أريت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي،
فذهب به إلى الشام، فأولته الملك.
أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد اللطيف بن الحسين بن علي بن خطاب الدينوري - عرف بابن
الحسمي - ببغداد قال: أخبرنا أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن شاتيل
قال: أخبرنا الحاجب أبو الحسن بن العلاف قال: أخبرنا أبو القاسم ابن بشران قال:
أخبرنا أبو بكر النجار قال: حدثنا أبو الليث يزيد بن جمهور بطرسوس قال: حدثنا أبو
توبة الربيع بن نافع عن يحيى بن حمزة عن ثور بن زيد عن بسر بن عبيد الله عن أبي
إدريس الخولاني عائذ الله، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بينا أنا نائم رأيت عمود الاسلام احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته
بصري، فعمد به إلى الشام ألا وأن الايمان حين تقع الفتن بالشام.
أخبرنا ثابت بن مشرف بن أبي سعد قال: أخبرنا عبد الأول بن عيسى قال: أخبرنا أبو
الحسن الداؤدي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن حموية السرخسي قال: أخبرنا عيسى
بن عمر السمرقندي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال:
أخبرنا زيد بن عوف قال: حدثنا أبو عوانه عن عبد الملك بن عمير عن ذكوان أبي صالح،
عن كعب: في السطر الأول محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظ، ولا غليظ، ولا صخاب
في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة، وهجرته بطيبه،
وملكه بالشام.
وفي السطر الثاني محمد رسول الله، أمته الحمادون، يحمدون الله في السراء والضراء،
يحمدون الله في كل منزلة، ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء
وقتها، ولو كانوا على رأس كناسة، ويأتزرون على أوساطهم، ويوضئون أطرافهم وأصواتهم
بالليل في جو السماء كأصوات النحل.
وقال أبو محمد الدارمي: أخبرنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا معن - هو ابن عيسى - قال:
حدثنا معاوية بن صالح عن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل كعب الأحبار، كيف تجد بعث
النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ فقال كعب: نجده محمد بن عبد الله، يولد
بمكة، ويهاجر إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، وذكر تمام الحديث.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي عن أبي مسعود الأصبهاني قال: أخبرنا
أبو علي الحسن بن أحمد الحداد، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا سليمان بن
أحمد قال: حدثنا الحسين بن إسحق قال: حدثنا مخلد ابن مالك قال: حدثنا إسماعيل بن
عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن أبي أمامة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، وليدخلن الجنة من أمتي ثلة
لا حساب عليهم ولا عذاب.
أخبرنا
عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم قال: أبو القاسم زاهر بن
طاهر الشحامي قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي قال:
حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي
حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم نؤلف القرآن من الرقاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى للشام. قلنا
لأي شيء ذاك؟ قال: لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي.
وأنبأنا به عمر بن محمد بن طبرزد عن ابن السمرقندي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن
هبة الله الطبري قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر
قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن حمزة
قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة الحضرمي من أهل حمص أن عمير بن الأسود وكثير بن
مرة الحضرمي قالا: إن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان: لا يزال المسلمون في
الأرض حتى تقوم الساعة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال من
أمتي عصابة قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها، تقاتل أعداء الله، كلما ذهب
حزب نشب حزب قوم آخرين، يزيغ الله قلوب قوم ليرزقهم منه، حتى تأتيهم الساعة كأنها
قطع الليل المظلم، فيفزعون لذلك حتى يلبسوا لذلك الدروع. وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم هم أهل الشام. ونكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعه يومىء بها إلى
الشام، حتى أوجعها. رواه البخاري في التاريخ عن عبد الله بن يوسف.
أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا عمي الحافظ قال: أخبرنا أبو القاسم الخضر بن الحسين
بن عبد الله عن عبدان قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد قال:
أخبرنا أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن المظفر بن
محمد الموصلي بها قال: حدثنا عبد الله بن حيان بن عبد العزيز بن حيان قال: حدثنا
الحسن بن علوية القطان قال: حدثنا إبراهيم بن يزيد بن مصعب الشامي قال: حدثنا ابن
خليد الدمشقي عن الوضين عن عطاء عن مكحول عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: الخير عشرة أعشار، تسعة بالشام، وواحد في سائر البلدان؛ والشر
عشرة أعشار، واحد بالشام، وتسعة في سائر البلدان، وإذا فسد أهل الشام فلا خير
فيكم.
أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا عمي قال: قرأت بخط شيخنا أبي الفرج غيث بن علي بن
عبد السلام الخطيب قال: قرأت بخط عبد الله بن علي بن أبي العجائز الأزدي حدثنا علي
بن محمد بن أبي سليمان الصوري قال: حدثنا يزيد ابن عبد الصمد الدمشقي عن سلمة بن
أحمد قال: حدثنا إسحق بن عبد الواحد القرشي الموصلي قال: حدثنا عمرو بن رزيق - وهو
موصلي - عن ثور بن يزيد عن حفص بن بلال بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: إذا وقعت الفتن فهاجروا إلى الشام، فإنها من الله بمنظر وهي أرض المحشر.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد
بن عبد الرحيم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي
الرجاء الصيرفي الأصبهاني - قالت إجازة - .
وأنبأنا أبو القاسم القاضي عن أبي الفرج بن أبي الرجاء.
وأخبرنا
أبو منصور الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو الفرج
سعيد بن أبي الرجاء الأصبهاني بها قال: أخبرنا أحمد بن محمود الثقفي ومنصور بن
الحسين الكاتب قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقريء قال: حدثنا محمد بن علي الحسن بن
حرب، قاضي الطبرية، بطبرية قال: حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الأقطع قال: حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية - قال حدثنا زياد بن بيان حدثنا سالم عن عبد
الله بن عمر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الفجر ثم انفتل، فأقبل
على القوم فقال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك
لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا. فقل رجل: والعراق يا رسول الله، ثم عاد
فقال مثل ذلك، فقال الرجل: والعراق يا رسول اله، فسكت ثم قال: اللهم بارك لنا في
مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا
ويمننا. فقال رجل: والعراق يا رسول الله، قال: ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن.
أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا عمي قال: أخبرنا أبو الفضائل ناصر بن علي بن محمود
قال: حدثنا علي بن أحمد بن زهير قال: حدثنا علي بن أحمد بن شجاع قال: أخبرنا أبو
القاسم عبد الرحمن بن عمر قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن بيهس بمصر قال: حدثنا
أحمد بن ثابت بن زيد قال: حدثنا أبو حميد أحمد بن محمد بن المغيرة قال: حدثنا يحيى
بن سعيد العطار قال: حدثنا علي بن همام عن كعب قال: جاء إليه رجل فقال: إني أريد
الخروج أبتغي فضل الله عز وجل قال: عليك بالشام فإنه ما نقص من بركة الأرضين يزاد
في الشام.
وأخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا عمي قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن
طاووس وأبو القاسم الحسين بن أحمد بن عبد الصمد بن تميم وأبو إسحق إبراهيم بن طاهر
بن علي بن بركات الخشوعي قالوا: أخبرنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن أبي
العلاء قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جرير بن أحمد بن خميس السلماسي قال: حدثنا أبو
الحسن المظفر بن الحسن قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصاء قال:
حدثنا أبو حفص عمرو بن عثمان بن كثير قال: حدثنا أبو المغيره قال: حدثني الغاز بن
جبلة قال: حدثني الوليد بن عامر البرقي عن كعب أنه كان يقول: يا أهل الشام إن
الناس يريدون أن يضعوكم، والله يرفعكم وإن الله يتعاهدكم كما يتعاهد الرجل نبله في
كنانته، لأنها أحب أرضه إليه، يسكنها أحب خلقه إليه، من دخلها محروم، ومن خرج منها
مغبون.
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي بالربوة بظاهر
دمشق قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل - إجازة - قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن زهير المالكي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد
بن شجاع الربعي المالكي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عمر بن نصر بن محمد
الشيباني قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن بهيس بمصر قال: حدثنا علي بن الحسين بن
عبد المؤمن قال: حدثنا محمد بن إسحق الصيني قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار قال:
حدثنا المسعودي عون بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت فيما أنزل الله جل وعز على بعض
الأنبياء: إن الله يقول: الشام كنانتي، فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم.
أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد قراءة عليه قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله ابن محمد
بن الحصين قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان قال: أخبرنا أبو
بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال: حدثنا إسحق بن الحسن قال: حدثنا أبو
حذيفة قال: حدثنا سفيان في قول الله عز وجل: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون
مشارق الأرض ومغاربها. قال الشام.
أخبرنا
أبو منصور عبد الرحمن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم قال: أنبأنا أبو الفرج غيث بن
علي الصوري، ونقلته من خطه، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا
علي بن إبراهيم البزاز بالبصرة قال: حدثنا أبو بكر يزيد بن إسماعيل بن عمر الخلال
قال: حدثنا العباس بن عبد الله ابن أبي عيسى الترفقي قال: حدثنا محمد بن كثير
المصيصي عن إسماعيل بن خالد عن محمد بن عمرو - أو عمر - شك أو محمد - يعني العباس
- قال ابن كثير: وأراني قد سمعته منه - عن وهب بن منبه قال: إني لأجد ترداد الشام
في الكتب حتى كأنه ليس لله حاجة إلا بالشام.
أنبأنا الأخوان أبو محمد عبد الرحمن وأبو العباس أحمد ابنا عبد الله بن علوان عن
مسعود الثقفي قال: أخبرنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق قال: قرىء على أبي بكر
محمد بن أحمد بن النضر ابن بنت معاوية بن عمرو: حدثنا معاوية بن عمرو بن المهلب
الأزدي عن إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري عن الأوزاعي عن
ثابت بن معبد قال: قال الله تعالى: يا شام أنت خِيرتي من بلدي أُسكنك خيرتي من
عبادي.
أخبرنا قاضي القضاة بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم قال: أخبرنا
الحافظ أبو بكر بن محمد بن علي الجياني قال: أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد
بن أحمد الخواري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي المفسر قال:
قوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة قال قتادة هي الشام.
باب في
ذكر قويق نهر حلب
ومخرجه وما ورد فيه
وله مخرجان شاهدتهما، وبين حلب وبينهما أربعة وعشرون ميلاً، أحدهما في قرية يقال
لها الحسينية، بالقرب من عزاز، يخرج الماء من عين كبيرة، فيجري فيه نهر، ويخرج بين
جبلين حتى يقع في الوطاة التي قبلي الجبل الممتد من بلد عزاز شرقاً وغرباً،
والمخرج الآخر يجتمع من عيون ماء من سنياب، ومن قرى حولها كلها من بلد الراوندان،
فتجتمع تلك الأعين وتجري في نهر يخرج من فم فج سنياب، فيقع في الوطاة المذكورة،
ويجتمع النهران فيصيران نهراً واحداً في بلد عزاز، وهو نهر قويق، ثم يجري إلى دابق
ويمر بدينة حلب، وتمده عيون قبل وصوله إليها، وكذلك بعد أن يتجاوز حلب، وتمده عين
المباركة فيقوى وتدور عليه الأرحاء، ويسقي في طريقه مواضع كثيرة حتى ينتهي إلى
قنسرين، ثم يمر إلى المطخ، فيغيض في الأجم.
وحكى لي والدي رحمه الله قال: يقال إن نهر يغيض في المطخ، ويخرج إلى بحيرة أفامية،
وأن قويق إذا مد في الشتاء احمر ماء بحيرة أفامية، فاستدلوا بذلك على ما ذكرناه.
ومسافة ما بين مغيضه إلى أفامية مقدار أربعة عشر ميلاً.
وقال أبو زيد البلخي في تاريخه: ومخرج نهر حلب من حدود دابق، دون حلب بثمانية عشر
ميلاً، ويغيض في أجمة أسفل حلب.
وقال ابن حوق النصيبي في جغرافيا وقد ذكر حلب: ولها واد يعرف بأبي الحسن قويق،
وشرب أهلها منه، وفيه قليل طفس.
وذكر الحسن بن أحمد المهلبي العزيزي في كتاب المسالك والممالك، الذي صنفه للعزيز
الفاطمي المستولي على مصر، فذكر حلب بما قدمنا ذكره في صدر كتابنا هذا وقال: وشرب
أهل حلب من نهر على باب المدينة يعرف بقويق، ويكنيه أهل الخلاعة أبا الحسن.
وقال أبو الحسين بن المنادي في كتابه المسمى بالحافظ، وأنبأنا بذلك أبو القاسم
الحموي قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي إجازة عن أحمد بن محمد الآبنوسي قال: ذكر أبو
الحسين بن المنادي قال: ومخرج قويق - نهر حلب - من قرية تدعى سنياب على سبعة أميال
من دابق، ثم يمر إلى حلب، ثمانية عشر ميلاً، ثم إلى مدينة قنسرين اثنا عشر ميلاً،
ثم إلى مرج الأحمر اثنا عشر ميلاً، ثم يغيض في الأجمة، فمن مخرجه إلى مغيضه مقدار
اثنين وأربعين ميلاً.
وذكر أبو عبد الله محمد بن أحمد الجيهاني في كتابه قال: ويخرج قويق - نهر حلب - من
قرية تدعى سنياب، على سبعة أميال من دابق، ثم يمر إلى حلب ستة عشر ميلاً، ثم إلى
مدينة قنسرين اثنا عشر ميلاً، ثم إلى مرج الأحمر اثنا عشر ميلاً، ثم يغيض في
الأجمة.
وقال
أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني المعروف بابن الفقيه فيما قرأته في كتاب البلدان
وأخبارها من تأليفه قال: مخرج قويق - نهر حلب - من قرية تدعى بسنياب على ستة أميال
من دابق، ثم يمر إلى حلب ثمانية عشر ميلاً، ثم يمر إلى مدينة قنسرين إثنا عشر
ميلاً، ثم يغيض في الأجمة؛ فمن مخرجه إلى مغيضه اثنان وأربعون ميلاً.
قلت وهذا مرج الأحمر هو المرج المعروف الآن بمرج تل السلطان، ولا يعرف الآن بمرج
الأحمر؛ ويعرف قويق تحت جبل جوشن بالعوجان، لاعوجاجه في ذلك الموضع.
قال الصنوبري من أبيات:
والعوجان الذي كلفتُ به ... قد سُوّي الحُسن فيه مذعُوّج
وقال أبو نصر منصور بن المسلم بن أبي الخرجين الحلبي من أبيات:
هل العوجان العمر صاف لوارد ... وهل خضبته بالخلوق مُدُود
وكان سيف الدولة بن حمدان لما ابتنى قصره بالحلبة ساق نهر قويق من الموضع المعروف
بالسقايات وأدخله في قصره في شباك يجري في القصر، ثم يخرج من جانبه القبلي في شباك
آخر، ثم يصب في النهر الأصلي عند الموضع المعروف بالفيض؛ وكان قد رأى في منامه كأن
حية قد تطوقت على داره، فعظم عليه ذلك، فقال له بعض المفسرين: الحية في النوم ماء،
فأمر بحفر يحفر بين داره، وبين قويق حتى أدار الماء حول الدار، وقضى الله أن الروم
خرجوا، فصبحوا حلب، واستولوا على دار سيف الدوله، وأخذوا منها أموالاً عظيمة، وذلك
في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وخربت الدار، فعاد النهر إلى ما هو عليه الآن.
أخبرنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي كتابة، واجتمعت به في مجلس
شيخنا أبي اليمن الكندي بدمشق قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن
الدمشقي قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد ابن مقاتل السوسي قال: أخبرنا جدي أبو
محمد قال: حدثنا أبو علي الأهوزي قال: حدثنا أبو القاسم حمزة بن عبد الله بن
الحسين الأديب قال: حدثنا أبو نصر محمد بن محمد بن عمرو النيسابوري حدثني يحيى بن
علي بن هاشم قال: حدثنا عبد الملك بن دليل قال: حدثنا عباس الحذاء عن سعيد بن إسحق
الدمشقي في قول الله عز وجل: " إِذ يلقون أقلامهم أيهم يَكْفُل مريم "
على نهر حلب يقال له قويق.
وقد ذكر قويق جماعة من الشعراء، ووصفوه، فمنهم الوزير أبو القاسم الحسين بن علي
المغربي قال فيه، وقرأتها في ديوان شعره:
أما قُويق فلا عدته مزنةٌ ... من خدرها برز الغمام الصيب
نهر لأبناء الصبابة معشق ... فيه وللصادي المُلوّح مشرب
لا زال يدرم تحت وسق مُكلٍّ ... عمم يقدح منكبيه وينكب
مما تمناه الربيع لريه ... أيام ظم رياضه لا تُقربُ
فرد الرباب يقول شائمُ برقه ... من أين رفع ذا الفريق المهدب
والغيث في كلل السحاب كأنه ... ملكٌ بقاصية الرواق محجب
ضخب الرعود وإنما هي ألسنٌ ... فأمرهن اللوذعي المسهب
راعي الضحى في حين غرة أمنه ... فسناه مخطوف الاضاءة أكهب
جذلان إن هتك اللثام بداله ... خد بحادي البوارق مُذهب
والأرض حاسرة تود لو أنها ... مما يحبره الربيع تجلببُ
وقال أبو بكر أحمد بن محمد الصنوبري وقد أنشدنا بعض قوله القاضي أبو القاسم بن
محمد قاضي دمشق بها قال: أنشدنا أبو الحسن علي بن المسلم السلمي قال: أخبرنا أبو
نصر الحسين بن محمد بن طلاب قال: أنشدنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن جميع
قال: أنشدني أبو بكر الصنوبري.
قويق له عهد لدينا وميثاق ... وهذي العهود والمواثيق أطواقُ
نفى الخوف أنا لا غريق نرى له ... فنحن على أمن وذا الأمن أرزاقُ
ونزهه ألا سفينة تمتطي ... مطاه لها وخدٌ عليه وإعناقُ
وأن ليس تعتاق التماسيح شربه ... إذا اعتاق شرب النيل منهن معتاقُ
ولا فيه سلور ولو كان لم أكن ... أرى أنه إلا حميم وغساقُ
بلى تعلن التسبيح في جنباته ... علاجم بالتسبيح مذ كن حذاقُ
أقامت
به الحيتان سوقاً ولم تزل ... تقام على شطيه للطير أسواقُ
وسربل بالأرجاء مثنى وموحداً ... كما سربلت غصناً من البان أوراق
وفاضت عيون من نواحيه ذرف ... ولما تعاونها جفون وآماقُ
هو الماء إن يوصف بكنه صفاته ... فللماء إغضاء لديه وإطراقُ
ففي اللون بلور وفي اللمع لؤلؤ ... وفي الطيب قنديد وفي النفع درياق
إذا عبثت أيدي النسيم بوجهه ... وقد لاح وجهٌ منه أبيض براق
فطوراً عليه منه درعٌ خفيفةٌ ... وطوراً عليه جوشُن منه رقراقُ
ولم يعده نيلوفر مُتشوّف ... بأرؤس تبر والزبرجد أعناقُ
له ورقٌ يعلو على الماء مُطبقٌ ... كأطباق مدهون يليهن أطباقُ
يهاب قويق أن يُملّ فإنما ... يُقيم زماناً ثم يمضي فنشتاقُ
وقد عابه قومُ وكلهمُ له ... على ما تعاطوه من العيب عشّاقُ
وقالوا أليس الصيف يُبلي لباسه ... فقلتُ الفتى في الصيف يُقنعهُ طاقُ
وما الصُبح إلاّ آيبٌ ثم غائبٌ ... تُواريه آفاق وتُبديه آفاقُ
ولا البدرُ إلاّ زائدٌ ثم ناقصٌ ... له في تمام الشهر حبس وإطلاقُ
ولو لم تطاول غيبةُ الورد لم تتُق ... إليه قلوبٌ تائقاتٌ وأحداقُ
ولو دام في الحب الوصالُ ولم يكن ... فراقٌ ولا هجرٌ لما اشتاق مشتاقُ
وفضلُ الغنى لا يستُبينُ لذي الغنى ... إذا لم يبين ذلك الفضل إملاقُ
قُويق رسيل الغيث يأتي وينقضي ... ويأتي انسياقاً تارة ثم ينساقُ
قرأت هذه الأبيات بخط أحمد بن خلف الممنع وقال: قال القاضي أبو عمر عثمان بن عبد
الله الطرسوسي: حدثنا أبو العباس عبد الله بن عبيد الله الصفري قال: وأنشدني -
يعني الصنوبري لنفسه يصف قويقاً ويحن له، وهذا مما أبدع فيه.
وقال الصنوبري أيضاً في قويق وقد مد:
اليوم يا هاشمي يوم ... لباسه الطلُّ والضبابُ
عيّد في عيدنا قويق ... وخلقت وجهه السحاب
ما لون الزعفران ما قد ... لوّن من مائه الترابُ
تذهب أمواجه كخيل ... شقرً لها وسطه ذهابُ
فبادر الشرب قبل فوت ... قد برد الماءُ والشرابُ
وقال الصنوبري أيضاً فيه:
رياض قويق لا تزال مروضه ... يجاور فيها أحمر اللون أبيضه
يعارضنا كافوره كل شارق ... إذا ما الصبا مرت به متعرضه
لدى العوجان المستفادة عنده ... مغان على حث الكؤوس محرضه
إذا ما طفا النيلوفر الغض فوقه ... مفتحة أجفنانه أو مغمضة
حسبت نجوماً مذهبات تتابعت ... فرادى ومثنى في سماء مفضضه
أنشدنا ضياء الدين الحسن بن عمرو الموصلي المعروف بابن دهن الخصا النحوي بقراءتي
عليه قال: أنشدنا الخطيب بالموصل - أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن الطوسي - قال:
أنشدنا الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اجازة قال: أنشدنا أبو العلاء أحمد
بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه من أبيات كتب بها إلى ابن حلبات المعري.
ونكب إلاّ عن قويق كأنه ... يظن سواه زائداً في أوامه
بعيس تقضي الدهر جرياً كأنها ... مفتشة أحشاءه عن كرامه
تذكرن من ماء العواصم شربة ... وزرق العوالي دون زرق جمامه
فلو نطق الماء النمير مسلماً ... عليهن لم يرددن رجع سلامه
وملتثم بالغلفق الجعد عرست ... عليه فلم تكشف خفي لثامه
وكم بين ريف الشام والكرخ منهلاً ... موارده ممزوجة بسمامه
وأنشدنا الحسن بن عمر وقال: أنشدنا أبو الفضل الخطيب قال: أنشدنا أبو زكريا
التبريزي في كتابه قال: أنشدنا أبو العلاء المعري لنفسه، وقالها وهو ببغداد.
طربن
لضوء البارق المُتعالي ... ببغداد وهناً مالهنّ ومالي
سمت نحوه الأبصار حتى كأنها ... بناريه من هنا وثم صوال
إذا طال عنها سرها لورؤوسها ... تُمدُّ إليه في صدور عوال
تمنت قويقاً والصراة حيالها ... ترابٌ لها من أينق وجمال
إذا لاح إيماضٌ سترت وجوهها ... كأني عمرو والمطيُّ سعال
وكم هو نضوٌ أن يطير مع الصبا ... إلى الشام لولا حبسه بعقال
أنشدني أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي لنفسه بدمشق
ما بردى عندي ولا دجلة ... ولا مجاري النيل في مصر
أحسن مرأى من قويقٍ إذا ... أقبل في المدّ وفي الجزر
يا لهفتا منه على جرعةٍ ... تبُلُّ مني غلة الصدر
ومما قاله الصنوبري في قويق:
أما قويقٌ فارتدى بمُعصفرٍ ... شرق بحُمرته الغداة بياضهُ
فكأنما فيما اكتسى من صبغه ... نفضت شقائقها عليه رياضهُ
هذا يصف قويق، وقد مد في الشتاء واحمر لون مائه، ولا أعلم نهراً إذا مد يكون أشده
حمرة من ماء قويق، لأن السيول التي تسيل عليه تمر في البقاع التي في بلد اعزاز إلى
حلب، وترابها كلها أحمر شديد الحمرة، فيحمر الماء لذلك، ويكتسي لوناً حسن المنظر.
وقال الصنوبري في قويق:
قويق على الصفراء رُكبّ جسمه ... رُباه بهذا شُهّدٌ وحدائقه
فإن جد جد الصيف غادر جسمه ... ضئيلاً ولكن الشتاء يوافقه
يريد أن أصحاب الأمزجة الصفراوية تنحل أجسامهم في الصيف، ويوافقهم الشتاء، ويريد
أن قويق يقل ماؤه في الصيف، وهو كذلك لأن النهر يبقى حول المدينة كالساقية، لأن
أهل القرى يسقون من مائه، والذي يصل منه إلى حيلان يتقسمه أرباب البساتين الشمالية
يسقونها منه، فيقل ماؤه لذلك، وربما انقطع في بعض السنين بالكلية لذلك، ولهذا قال
ابن حوقل فيما حكيناه: وفيه قليل طفس. ثم يزداد قبلي مدينة حلب من عين المباركة،
وتدور الارحاء منها.
وللصنوبري أبيات يصف فيها قلة ماء قويق في الصيف أنشدني بعضها والدي رحمه الله.
قويق إذا شم ريح الشتاء ... أظهر تيهاً وكبراً عجيباً
وناسب دجلة والنيل وال ... فرات بهاء وحسناً وطيبا
وإن أقبل الصيف أبصرتهُ ... ذليلاً حقيراً حزيناً كئيباً
إذا ما الضفادع نادينه ... قويقُ قويقُ أبى أن يُجيبا
فيأوين منه بقايا كُسين ... من طحلت الصيف ثوباً قشيباً
وتمشي الجرادة فيه فلا ... تكاد قوائمها أن تغيبا
أنشدني والدي رحمه الله:
تخوض الجرادة فيه فلا ... تكاد قوائمها أن تغيبا
وقال الصنوبري أيضاً في المعنى:
قويق إذا شم ريح الشتاء ... تشم الخلافة من جيبه
وفي الصيف وغد متى عبته ... فلست ملوماً على عيبه
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
باب في
ذكر الفرات
ومخرجه ومعرفة من حضره وما ورد في فضله
وإنما ذكرناه لأنه يمر في عمل حلب من حد ملطية إلى أن يتجاوز الرقة، وقد ذكرنا
فيما أوردناه في صدر كتابنا هذا عن كعب الأحبار قال: إن الله تعالى بارك في الشام
من الفرات إلى العريش فيدل ذلك على دخوله في حد حلب، والفرات بالتاء، هذا هو
المعروف بالمنقول.
وقرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي في رسالة كتبها أبو المظفر إبراهيم ابن أحمد
الليث الأذري إلى الكيا أبي الفتح الحسن بن عبد الله بن صالح الأصبهاني يذكر له
فيها سفرته، قال في أثنائها: إلى أن حصلنا بشط الفرات، وهم يقولونها الفراه،
بالهاء، ولم أك أحقها حتى قرأت في بعض الكتب: إنه يقال: فرات وفراه، كما يقال
عنكبوت وعنكبوه، وتابوت وتابوه، هذا على أن يكون لغة لهم، ولا يكون على سبيل
الاعتقاب.
وذكر لي من شاهد مخرج الفرات من أرزن الروم من جبل هناك قال: ويخرج من جانبه الآخر
نهر جيحون.
والفرات
إذا انتهى إلى الشام ودخل في أراضيها نصب فيه أنهار متعددة من أعمال حلب، شاهدتها
منها: النهر الأزرق، ويعرف ببردا، وهو دون الدرب على حد بلاد الروم من الشام،
ومنها نهر بهسنى، ومنها نهر رعبان، ومنها نهر البرسمان، ومنها نهر الساجور، ويجتمع
إليه أيضاً ذوب الثلوج من الجبال الشامية، فلهذا يكثر ماؤه، ويمد عند اقبال الصيف
وعقد الرمان.
وقال أبو عبد الله محمد أحمد الجيهاني: الفرات طالعه السنبله، وصاحب الساعة القمر،
ونهر الفرات يخرج من بلاد الروم فوق موضع يقال له أبريق، فيقبل مع الشمال حتى يمر
بالجزيرة والرقة، ثم ينحدر إلى الكوفة وفي غربية بلاد الشام، وفي شرقيه بلاد
الجزيرة، ثم يصب في البطائح بعد أن يتفرق فيصير أنهاراً عظاماً، ومصبه في البطائح
بموضع كسكر.
ويقع في الفرات في أرض الجزيرة نهر الخابور، فيصب في الفرات في موضع يسمى قرقيسيا
وقال الحسن بن أبي الخصيب الكاتب في كتاب الكار مهتر في علم أحكام النجوم: الفرات
نجمه العذراء.
وقرأت في كتاب المسالك والممالك تأليف أحمد بن الطيب السرخسي قال: مخارج الفرات من
قاليقلا على فرسخين من عين، يمر بأرض الروم ويستمد من عيون، ويصب فيه أرسناس نهر
شمشاط، ويجيء إلى كمخ على ميلين من ملطية، ويخرج إلى حينيا حتى يبلغ إلى سميمشاط،
فيحمل من هناك السفن والأطواف، ويصب في أنهار تتشعب منه بسواد بغداد والكوفة في
دجلة.
وقال أحمد بن الطيب: علو هي الفرات.
أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن، وأبو العباس أحمد ابنا عبد الله بن علوان الأسديان
قالا: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ إجازة عن أحمد بن محمد ابن الآبنوسي
قال: ذكر أبو الحسين بن المنادي في كتاب الحافظ من تلخيصه قال: ومخرج الفرات من
قاليقلا حتى يمر بأرض الروم، ويستمد من عيون حتى يخرج على ميلين من ملطية، ثم يبلغ
إلى سميساط، فيحمل من هناك السفن والأطواف، ثم يبلغ إلى الكوفة من فوة دمما،، وإلى
دجلة من هنالك أيضاً، ومصا به في دجلة.
وقال أبو زيد البلخي في تاريخه: ومخرج الفرات من أرض الروم من جبال بها من موضع
يقال له أبويق صخر، ويمر بالجزيرة والرقة، وينحدر إلى الكوفة، ثم يمر حتى ينصب إلى
البطائح فيختلط بدجلة.
قال: ويخرج الخابور من رأس عين، ويستمد من الهرماس، وينصب في الفرات.
أخبرنا عبد الله بن الحسين الأنصاري عن أبي طاهر السلفي قال: أخبرنا المبارك بن
عبد الجبار قال: حدثنا أبو عبد الله الصوري قال: أخبرنا أبو الحسين الغساني قال
حدثنا أحمد بن محمد بن بكر الهزاني قال أخبرنا العباس بن الفرج الرياشي قال: يقال
إن الفرات جاء من بلاد الروم، فجاء حتى صب في دجلة، وصبت دجلة في البحر، وعطفت
البحر إلى عدن، ثم إلى جدة.
قال الرياشي: وقال الأصمعي: هو من حضرموت إلى جده.
وقرأت في كتاب أحمد بن أبي أحمد بن القاص، قاضي طرسوس في كتاب دلائل القبلة قال:
ومخرج الفرات من قاليقلا من موضع يقال له: أبويق بين قاليقلا وبلاد الروم، ثم
ينحدر إلى ناحية الكوفة، فيتم فاصلاً بين بلاد الشام والجزيرة، ففي شرقية بلاد
الجزيرة، وفي غربيه بلاد الشام، فيمر على ميلين من ملطية، ويخرج إلى حينيا حتى
يبلغ إلى سميساط، ويمر بقرقيسيا ويحمل منها السفن إلى الأطراف، وآخر مصبه في
البطائح في موضع يقال له كسكر والبطائح، ثلاثون فرسخاً في ثلاثين فرسخاً، حد منها
جزيرة العرب، وحد منها أرض مشان، وحد منها دجلة بغداد، وحد منها مصب الفرات
والنهروان، ويمر البطائح حتى يقع في خليج أبلة في بحر الهند.
ووقع إلي رسالة في ذكر الدنيا وما فيها من الأقاليم والجبال والأنهار والبلاد، ولم
يسم واضعها فنقلت منها في فصل ذكره في المشهور من الأنهار الكبار في الربع
المسكون، ومعرفة إبتدائها وإنتهائها.
قال: والمشهور من هذه الأنهار الكبار إثنا عشر نهراً، وهي: الدجلة، والفرات،
والنيل وجيحون، ونهر الشاش، وسيحان وجيحان، ونهر بردان ومهران، ونهر الرس، ونهر
الملك، ونهر الأهواز، وجميع هذه الأنهار تجري فيها السفن.
قال: فأما الفرات فإنها تخرج، وتلقى بلد الروم، ثم تتفرق على إقليم أثور وتتشعب
إليها الخابور، ثم تدخل العراق، وتنبطح خلف الكوفة، وتلقى دجلة منها أربع شعب.
وأما
معرفة من حفر الفرات، فقد قيل: إنه خلقة من الله تعالى لم يحفره أحد فإن أبو
القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري، وعبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل أجاز لنا عن
أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي عن أحمد بن محمد بن الآبنوسي قال أخبرنا عن أبي
الحسين بن المنادي في كتاب الحافظ من تأليفه قال: حدثنا موسى بن إسحق بن موسى
الخطمي قال: حدثنا منجاب بن الحارث قال: أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك
عن ابن عباس في قوله وفجرنا فيها من العيون، ليأكلوا من ثمره وكذلك كانوا يقرؤونها
وما عملت أيديهم، ذلك وجدوه معمولاً، يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ، وأشباهها، وجدوه
معمولاً لم تعلمه أيديهم.
وقد قيل إن دانيال حفره. أخبرنا زيد بن الحسن البغدادي إذناً، ونقلته من أصل
سماعة، قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد الحريري قال: أبو القاسم بن
البسري عن محمد بن جعفر بن النجار قال: يقال إن الفرات حفره دانيال مع الدجلة، وأن
الفرات يجيء من واد يقطع الروم، وأن دجلة يخرج ماؤها من جبل بآمد.
وأخبرنا أبو اليمن الكندي إجازةً، قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو
بكر أحمد بن علي ثابت الخطيب قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل قال:
أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: حدثنا الفضل بن
غانم قال: حدثنا الهيثم بن عدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أوحى الله
سبحانه إلى دانيال الأكبر أن فجر لعبادي نهرين، واجعل مغيضهما البحر، فقد أمرت
الأرض أن تطيعك. قال: فأخذ قناةً، أو قصبة، فجعل يخدها في الأرض ويتبعه الماء،
فإذا مر بأرض شيخ كبير أو يتيم ناشده الله، فيحيد عن أرضه، فعواقيل دجلة والفرات
من ذلك.
وقال أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد
الواعظ مولى بني هاشم قال: أخبرنا أبو علي إسماعيل ابن محمد الصفار إملاء قال:
حدثني أبو بكر محمد بن إدريس الشعراني قال: حدثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري عن
إسماعيل بن جعفر المدني عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: أوحى الله تعالى إلى دانيال
أن احفر لي سيبين نهرين بالعراق، قال دانيال: إلهي بأي مكاتل، وبأي مساحي، وبأي
رجالي، وبأي قوة أحفر لك هذين النهرين؟ فأوحى الله سبحانه، أن أعد سكة حديد وعرضها
وإجعلها في خشبة، وألقها خلف ظهرك، فإني باعث إليك الملائكة يعينونك على حفر
السيبين؛ قال: ففعل فحفر، وكان إذا انتهى إلى أرض أرملة أو يتيم حاد عنه، حتى حفر
الدجلة والفرات، فهذه العواقيل التي في الدجلة والفرات من حفر دانيال.
وأنبأنا سعيد بن هاشم بن أحمد الخطيب عن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الآبنوسي
قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي قال: وروي عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى
دانيال الأكبر، وكان بين نوح وإبراهيم صلى الله عليهم أجمعين، أن احفر لعبادي
نهرين ينتفعون بهما فإني قد أمرت الأرض والماء أن يطيعاك فأخذ عصاً، ثم أقبل يخط
في الأرض، والماء يتعبه، يمر بالقراح والكرم والنهر للشيخ وللمرأة وللصبي، فتقول
المرأة نحه عن كرمي وارحمني لضعفي، فصرف به حتى قذفه، فعواقيل دجلة والفرات من
ذلك.
وقد قيل إن ملكاً من ملوك العجم يقال له جم شاد هو الذي حفر الفرات. فإن البلخي
ذكر في تاريخه وقال: وفي كتب العجم إن جم شاد حفر سبعة أنهار سيحون، وجيحون،
والفرات، ودجلة، ونهر مران بأرض السند. قالوا ونهران لم يسميا لنا.
وهذا غير جائز ولا ممكن، اللهم إلا أن يقال، هو ساق ماء هذه الأنهار إلى أراضي
البلاد فاستعمرها، واستنزلها وحفر الأنهار منها، والله سبحانه أعلم.
فصل في
تفضيل ماء الفرات على غيره من المياه
أخبرنا
أبو المظفر حامد بن العميد بن أميري القزويني الفقيه القاضي بحلب، وأبوا محمد عبد
الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي بنابلس، ومحفوظ بن هلال ابن محفوظ الرسعيني
برأس عين قالوا: أخرتنا شهدة بنت أحمد الآبري، قال محفوظ: إجازة، قالت: أخبرنا أبو
الفوارس طراد بن محمد الزينبي قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران قال:
أخبرنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثني
محمد بن الحسين عن عبيد الله بن محمد عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال: كان
بصري قد ذهب، فرأيت إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم، فيما يرى النائم،
فمسح عيني وقال: ائت الفرات، فغض فيه، وافتح عينيك فيه، ففعلت، فذهب ما كان بعيني.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد
الحريري قال: أخبرنا أبو القاسم بن البسري عن محمد بن جعفر بن النجار قال: وقالت
الأطباء: كل ماء في نهر فطير إلا ماء فرات فإنه خمير، لكثرة اختلاط الأهوية به،
وتكسير المهدزانات له، وهذه المهدزانات عملت لتكسير حدة الماء.
قلت: وإلى زمننا هذا يختار ماء الفرات للخلفاء، على ماء دجلة، فإن دجلة تمر ببغداد
بدور الخليفة، ويحمل الماء لشرب الخليفة من نهر عيسى، وهو نهر يأتي من الفرات،
ويصب في دجلة، حتى أن السقائين ببغداد يمنعون أن يستقوا للعامة من نهر عيسى، فلا
يمكن من الشرب منه إلا أهل الدور التي هي على نهر عيسى، وما يقاربها.
وقرأت فيما علقته من الفوائد، وقيل إن الفرس تسمي نهر الفرات عندهم نهر شير، وهو
نهر الملك، وكانوا يرون سقي الفرات وثماره أفضل من سقي دجلة وأحلى وأجود.
باب في ذكر
ما جاء في فضل الفرات من الأحاديث والآثار
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي كتابة، وسمعته بدمشق في منزله قال:
أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري قال: أخبرنا أبو القاسم بن
البسري قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي إجازة قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن
الحسن بن مهدي قال: حدثنا محمد بن زيد الرطاب قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الثقفي
قال: أخبرنا يوسف بن بهلول قال: حدثنا عبده ابن سليمان الكلابي عن سعيد بن أبي
عروبه عن قتادة عن أنس ابن مالك عن مالك بن صعصعة قال: أخبرنا نبي الله صلى الله
عليه وسلم: أنه رفع له سدرة المنتهى فرأى أربعة أنهار يخرجن من أصلها. قلت: يا
جبريل ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الظاهران فالنيل والفرات، وأما الباطنان
فنهران في الجنة. وقد رواه حفص بن عبد الله السلمي عن إبراهيم بن طهمان عن شعبة
ابن الحجاج عن قتادة عن أنس، وذكر فيه زيادة.
أخبرناه أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة قال: أخبرنا أسعد بن أبي سعيد بن روح
قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزجانية قال: أخبرنا أبو بكر بن ريذة قال:
أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني قال: حدثنا يعقوب بن إسحق أبو عوانه
النيسابوري الحافظ قال: حدثنا محمد بن عقيل النيسابوري قال: حدثنا حفص بن عبد الله
السلمي قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن شعبة بن الحجاج عن قتادة عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا أربعة أنهار،
نهران ظاهران ونهران باطنان، فأما الظاهران فالنيل والفرات، وأما الباطنان فنهران
في الجنة، وأتيت بثلاثة أقداح، قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت
الذي فيه اللبن فشربت فقيل: أصبت النظر أنت وأمتك. قال الطبراني: لم يروه عن شعبة
إلا إبراهيم بن طهمان، تفرد به حفص بن عبد الله.
أخبرنا زيد بن الحسن الكندي إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم بن الطبر قال: أخبرنا
أبو القاسم بن البسري قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي إجازة قال: أخبرنا أبو
سعيد الأحمسي قال: حدثنا الحسين - يعني - ابن حميد قال: حدثنا يوسف بن يعقوب
الصفار قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهران مؤمنان النيل والفرات، ونهران
كافران دجلة وبردى. وفي رواية أخرى بدل بردى نهر بلخ.
وأنبأنا
الكندي قال: أخبرنا ابن الطبر قال: أخبرنا ابن البسري قال: أخبرنا التميمي إجازة
قال: أخبرنا أبو سعيد الأحمسي قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
الواسطي قال: حدثنا علي بن عاصم عن الليث بن سعد، أراه عن عطاء، قال: دجلة نهر
اللبن في الجنة، والفرات نهر العسل، والنيل نهر الخمر في الجنة.
وقرىء على شيخنا أبي اليمن الكندي أخبركم أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر
الخطيب قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هرون بن الصلت
الأهوازي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال: قرأت على العباس بن
يزيد البحراني قلت: حدثكم مروان بن معاوية عن إدريس الأودي عن أبيه عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهران من الجنة النيل والفرات.
وقد جاء في حديث آخر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعة
أنهار من الجنة الفرات وسيحان وجيحان والنيل. ونحن نذكر الحديث بإسناده في الباب
الذي يأتي بعد هذا في فضل سيحان وجيحان.
أنبأنا أبو المحاسن سليمان بن الفضل البانياسي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي
بن الحسن قال: أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين ابن البغدادي.
وأنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي عن أبي سعد إجازة قال: أخبرنا أبو
الفضل المطهر بن عبد الواحد بن محمد قال: أخبرنا أبو عمر عبد الله ابن محمد بن
أحمد بن عبد الوهاب السلمي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن يزيد الزهري
قال: حدثنا عمي عبد الرحمن بن عمر بن يزيد أبو الحسن الزهري يعرف برسته، قال:
حدثنا أبو داود قال: حدثنا المسعودي عن القاسم قال: مد الفرات على عهد عبد الله،
فكره الناس ذلك فقال عبد الله: يا أيها الناس لا تكرهوا مده، يوشك أن يلتمس فيه
ملء طست من ماء فلا يوجد ذلك، وذلك حين يرجع كل ماء إلى عنصره، فتكون بقية الماء
والمؤمنون بالشام. والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود.
وذكر أبو زيد البلخي في تاريخه قال: وزعموا أن الفرات مد فرمى برمانة شبه البعير
البارك، وذلك في زمن معاوية، فسئل كعب الأحبار عن ذلك فقال: هي من الجنة.
وقد رواه جعفر بن عون العمري عن أبي عميس عن القاسم موقوفاً عليه أنبأنا به عبد
الرحيم بن يوسف وغيره عن أبي طاهر الحافظ عن أحمد ابن محمد بن الآبنوسي قال:
أخبرنا عن أبي الحسين بن المنادي قال: وحدثنا العباس بن محمد - يعني - الدوري
إملاءً قال: حدثنا جعفر بن عون العمري قال: أخبرنا أبو عميس عن القاسم قال: مد
الفرات فجاء برمانة مثل البعير، فكانوا يتحدثون أنها من الجنة.
وأخبرنا أبو اليمن الكندي فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا أبو القاسم الحريري قال:
أخبرنا أبو القاسم بن البسري قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي إذناً قال: حدثنا
أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن مهدي قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن زيد الرطاب
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي قال: حدثني ابن ابي أويس الوراق قال:
حدثنا جعفر بن عون عن العميس عن أبيه قال: قذف الفرات رمانة مثل البعير، فتحدث أهل
الكتاب أنها من الجنة.
وقال محمد بن جعفر التميمي: حدثنا أبو القاسم بن مهدي قال: حدثنا محمد قال: حدثنا
إبراهيم قال: حدثني يحيى بن الحسن بن الفرات قال: حدثنا علي بن بهيس قال: حدثني
موسى بن أبي الغمر عن عطاء الهمداني عن تميم بن خذيم قال: كنا عند علي جلوساً
فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين جاء البارحة شيء فسكر الفرات، ما ندري ما هو،
قال: فدعا بدلدل فركبها، وركب الناس معه حتى انتهى إلى الفرات، فقال: هذه رمانة من
رمان الجنة. فدعا بالرجال والحبال، فاستخرجت، فقسم ما فيها فما بقي أهل بيت
بالكوفة إلا وقد دخله منها. قال علي: قال موسى: قلت لعطاء: أرني الموضع الذي أراكه
تميم، قال: فأراني المضيق الزمي.
وقال:
حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا محمد قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا إسماعيل بن أبان
قال: حدثنا عمرو عن جابر قال: غضب الشعبي على رجل من همدان اسمه عبد الرحمن فقال
لي: ماله قاتله الله، كأن رأسه رمانة الفرات، فقلت يا أبا عبد الرحمن وما قصة
رمانة الفرات؟ قال: حدثني من زعم أنه نظر إليها في زمن ابن أبي طالب أسفلها قد
أفرغ في أسفل الوادي وأعلاها بارز، وذكر أنه كان فيها حين كيل حبها أكرار. وذكروا
أن علياً قال: إن الفرات لواد من أنهار الجنة.
وقال: حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا محمد قال: حدثنا إبراهيم حدثني عبد الرحمن بن
أبي هاشم قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد العرزمي عن أبيه عن السدي عن أبي أراكة
قال: أتي علي عليه السلام ذات يوم فقيل له: يا أمير المؤمنين هذه رمانة قد سدت
الفرات، فقال: يا غلام بغلتي، فركبها وركب الناس معه، فإذا رمانة عظيمة، فأمر
فأنشبت فيها الحبال، ثم أمر بها فأخرجت، ثم هدمت، فاستخرجوا منها كرين وأقفزة،
فقال علي: إن نهركم هذا من أنهار الجنة، هذه الرمانة من رمان الجنة. قال ابن
العرزمي: فحدثت به عمرو الجعفي فذكره عن جابر عن أبي أركة قال: كانت الحبة منه مثل
الكمة العظيمة.
أنبأنا أبو اليمن بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر
الخطيب قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد بن محمد بن الحباب الدلال قال: أخبرنا
أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن برد قال:
حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع.
قال الخطيب: وأخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان - واللفظ
له - قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الرازي قال: حدثنا أبو بكر عبد
الله بن محمد بن طرخان البلخي قال: حدثنا أحيد ابن الحسين - قرأت عليه أن محمد بن
حفص حدثهم - قالا: حدثنا الربيع بن بدر عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل في الفرات كل يوم مثاقيل من بركة
الجنة.
وقال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد
الواحد الهاشمي بالبصرة قال: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الختلي قال: حدثني عبد الله
بن محمد بن علي البلخي قال: حدثنا محمد بن أبان قال: حدثنا أبو معاوية عن الحسن بن
سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ليس في الأرض من الجنة إلا ثلاثة أشياء، غرس العجوة وأواق تنزل في الفرات كل يوم
من بركة الجنة والحجر.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن
الحسن قال: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون قال: أخبرنا أبو عبد الله
محمد بن علي بن الحسن الحسني قراءة عليه قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الجعفي قال:
حدثنا الحسين بن محمد بن الفرزدق الفزاري قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي:
سمعت محمد بن أبي عمير يذكر عن محمد بن مسلم قال: سألت الصادق عن قول الله عز وجل
" وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " . قال:
الربوة النجف، والقرار المسجد، والمعين الفرات، ثم قال: إن نفقة بالكفوة الدرهم
الواحد يعدل بمائة درهم في غيرها، والركعة بمائة ركعة، ومن أحب أن يتوضأ بماء
الجنة، ويشرب من ماء الجنة، ويغتسل بماء الجنة فعليه بماء الفرات، فإن فيه مثعبين
من الجنة، وينزل من الجنة في كل ليلة مثقالان مسك في الفرات.
أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن بن المقير بالقاهرة أخبرنا محمد بن
ناصر السلامي إجازةً قال: أنبأنا إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال قال: أخبرنا
أبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق قال: أخبرنا أحمد ابن عبد الرحمن بن
القاسم الحراني أبو صالح قال: حدثنا أبو الحسن عمر بن الحسن القاضي قال: حدثنا أبو
بكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال: حدثنا يونس بن بكير
عن موسى بن قيس الحضرمي قال: سمعت جعفر بن محمد بن علي في قوله عز وجل "
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " قال: الربوة الكوفة والمعين الفرات.
أنبأنا
أبو القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري وعبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل عن الحافظ
أبي طاهر السلفي عن أحمد بن محمد بن الآبنوسي قال: أخبرنا عن أبي الحسين المنادي
قال: أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا أبو يحيى الحماني قال: حدثنا الأعمش
عن خيثمه بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو موقوفاً قال: ما من يوم إلا يحمل في
الفرات مثاقيل من بركة الجنة.
أخبرنا أبو اليمن الكندي إذناً، ونقلته من أصل سماعه، قال أخبرنا أبو القاسم
الحريري قال أخبرنا أبو القاسم بن البسري قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي إذناً
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن مهدي قال: حدثنا محمد بن زيد قال: حدثنا
إبراهيم الثقفي قال: حدثنا بكر قال: حدثنا شعبة بن الحجاج قال: أخبرني الحكم قال:
سمعت خيثمه بن عبد الرحمن يقول: قال عبد الله بن عمرو: ما من يوم إلا وهو يوزن في
الفرات مثاقيل من ماء الجنة.
قال محمد بن جعفر التميمي وأخبرنا أبو بكر الدارمي قال: أخبرنا الحسين ابن محمد بن
الحسين البجلي قال: حدثنا علي بن سعيد قال: حدثنا مطلب عن عبد الملك بن عمير قال
إن الفرات نهر من أنهار الجنة، لولا ما يخلطه من الأذى، ما تداوى به بشر إلا برأ،
وإن عليه ملكاً يصرف عنه الأذى.
باب في
ذكر جيحان
نهر المصيصة وأهل بلاد الروم يسمونه جهان
وهو نهر كبير يخرج من بلد الروم، وينتهي إلى المصيصة، فيفصل بينها وبين كفر بيا،
ثم يخرج منهما، فيلقي ماءه في بحر الروم، وشاهدت مخرجه من بلد الروم من قرية يقال
لها كيز ميت، قريبه من مدينة أبلستين من شرقيها وقبليها، وبينها وبين مدينة
أبلستين مقدار ميل، والماء يخرج من شقيف حجر إلى أرض بين يدي الشقيف، وهي تنبع
الماء جميعها، وعلى الشقيف كنيسة قديمة من بناء الروم، وقد صور فيها الجنة، والنهر
يخرج منها، ويأتي النهر إلى مدينة أبلستين، فينقسم قسمين، ويحيط بالمدينة، فإذا
جاوزها عاد واجتمع، وتلقى إليه أنهار متعددة منها نهر يأتي من بلدة يقال لها
الرمان، شاهدتها وشاهدت نهرها، وهو نهر كبير أيضاً.
ويجري هذا النهر حتى يخرج إلى الشام، ويصل إلى المصيصة، وهي من الجانب الغربي منه،
وكفر بيا من الجانب الشرقي، وعلى النهر بين المدينتين جسر عظيم قديم معقود
بالحجارة.
وقال أبو زيد البلخي: جيحان يخرج من بلد الروم حتى ينتهي إلى المصيصة، ثم إلى
رستاق يعرف بالملون، حتى يقع في بحر الروم.
وقال أحمد بن أبي أحمد بن القاص في كتاب دلائل القبلة قال: ونهر جيحان هو نهر
المصيصة، مخرجه من بلاد الروم، وينصب أيضاً في بحر الشام.
أنبأنا أحمد بن عبد الله الأسدي عن الحافظ أبي طاهر عن أحمد بن محمد بن علي
الآبنوسي قال: أخبرنا عن أبي الحسين بن المنادي قال: ويخرج جيحان نهر المصيصة من
بلاد الروم على مسيرة مراحل منها، ثم يجتاز في طريقه إليها بموضع يدعى هنالك نهر
المسدود، ثم يصب في بحر اللبنان، ويستمد من وادي الريح، ثم يصب في البحر الشامي.
وقال أحمد بن الطيب السرخسي في كتاب المسالك والممالك: ويخرج جيحان نهر المصيصة من
بلاد الروم، ويصب في نهر اللبنان، ويستمد من وادي الريح، ويصب في البحر الشامي.
أنبأنا عيسى بن عبد العزيز بن عيسى قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن
أحمد الأصبهاني قال: أخبرنا أبو صادق المديني قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن منير
بن أحمد في كتابه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج قال: أخبرنا أبو
القاسم علي بن الحسن بن خلف الأزدي قال: حدثنا عبد الرحمن ابن عبد الله قال: حدثنا
سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا الليث بن سعد وعبد الله ابن لهيعة قالا: حدثنا يزيد
بن أبي حبيب عن أبي الخير عن أبي جنادة الكتاني أنه سمع كعباً يقول: النيل في
الآخرة عسل، أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل، ودجلة في الآخرة لبن
أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله، وجيحان ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى
الله.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو غالب محمد بن أحمد بن الحسين بن علي بن قريش، وأبو بكر محمد بن عبيد الله بن دحروج، وأبو المعالي أحمد بن منصور ابن المؤمل الغزال، قالوا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن بن عيسى السكري قال: حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي وأبو بكر محمد بن صالح الأنماطي، قالا: حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد قال: حدثني الليث بن سعد قال: بلغني أنه كان رجل من بني العيص يقال له حائذ بن أبي شالوم بن العيص بن إسحق بن إبراهيم نبي الله عليهما السلام، وأنه خرج هارباً من ملك من ملوكهم حتى دخل أرض مصر، وأقام بها سنين، فلما رأى عجائب نيلها وما يأتي به، جعل الله عليه أن لا يفارق ساحله حتى يبلغ منتهاه أو يموت، فسار عليه، قال بعضهم، ثلاثين سنة في الناس، وثلاثين سنة في غير الناس، وقيل خمسة عشر كذا، وخمسة عشر كذا حتى انتهى إلى بحر أخضر، فنظر إلى النيل يشق مقبلاً، فقعد على البحر، فإذا رجل قائم يصلي تحت شجرة من تفاح فلما رآه استأنس به، وسلم عليه، فسأله الرجل صاحب الشجرة فقال: من أنت؟ فقال له: أنا حائذ بن أبي شالوم بن العيص بن إسحق عليهما السلام، قال: فمن أنت؟ قال: أنا عمران بن فلان بن العيص بن إسحق عليه السلام، قال: فما الذي جاء بك هنا يا حائذ؟ قال: جئت من أجل هذا النيل. فما جاء بك يا عمران؟ قال: جاء بي الذي جاء بك حتى إنتهيت إلى هذا الموضع، فأوحى اله إلي أن قف في هذا الموضع، فأنا واقف حتى يأتيني أمره، قال له حائذ: أخبرني يا عمران ما إنتهى إليك من أمر هذا النيل، وهل بلغك في الكتب أن أحداً من بني آدم يبلغه؟ قال له: نعم، قد بلغني أن رجلاً من ولد العيص يبلغه، ولا أظنه غيرك يا حائذ، قال له حائذ: يا عمران أخبرني كيف الطريق إليه؟ فقال له: لست أخبرك بشيء إلا أن تجعل لي ما أسألك. قال: وما ذاك؟ قال: إذا رجعت إلي وأنا حي أقمت عندي حتى يوحي الله تعالى إلي بأمره: أو يتوفاني فتدفنني، وإن وجدتني ميتاً دفنتني وذهبت، قال: ذلك لك علي، قال له: سر كما أنت على هذا البحر، فإنك ستأتي على دابة ترى آخرها، ولا ترى أولها، فلا يهولنك أمرها، إركبها فإنها دابة معادية للشمس، فإذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها حتى يحول بينها وبينها حجبتها، وإذا غربت أهوت إليها لتلتقمها فتذهب بك إلى جانب البحر فسر عليه راجعاً حتى تنتهي إلى النيل. فسر عليه فإنك ستبلغ أرضاً من حديد، جبالها وأشجارها وسهولها حديد، فإن أنت جزتها وقعت في أرض من نحاس جبالها وأشجارها وسهولها من نحاس، فإن أنت جزتها وقعت في أرض من فضة، جبالها وأشجارها وسهولها من فضة، فإن أنت جزتها وقعت في أرض من ذهب جبالها وأشجارها وسهولها من ذهب، فيها ينتهي إليك علم النيل.
فسار
حتى إنتهى إلى أرض الذهب، فسار فيها حتى إنتهى إلى سور من ذهب وشرفه من ذهب وفيه
قبة من ذهب، لها أربعة أبواب، فنظر إلى ماء ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقر في
القبة، ثم ينصرف في الأبواب الأربعة، أما ثلاثة فتغيص في الأرض، وأما واحد فيسير
على وجه الأرض، وهو النيل، فشرب منه، واستراح، وأهوى إلى السور ليصعد، فأتاه ملك
فقال: يا حائذ قف مكانك، قد إنتهى إليك علم هذا النيل، وهذه الجنة والماء ينزل
منها، فقال: أريد أن أنظر إلى ما في الجنة، فقال: إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا
حائذ، فقال: فأي شيء هذا الذي أرى؟ قال: هذا الفلك الذي يدور به الشمس والقمر، وهو
شبه الرحى، فقال: إني أريد أن أركبه فأدور فيه، - فقال بعض العلماء: إنه ركبه حتى
دار الدنيا، وقال بعضهم: لم يركبه - فقال له: يا حائذ إنه سينالك من الجنة رزق،
فلا تؤثر عليه شيئاً من الدنيا، فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر عليه شيء من
الدنيا، إن لم تؤثر عليه شيئاً من الدنيا بقي ما بقيت، فبينما هو كذلك إذ نزل عليه
عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف، لون كالزبرجد الأخضر، ولون كالياقوت الأحمر، ولون
كاللؤلؤ الأبيض؛ ثم قال: يا حائذ أما إن هذا من حصرم الجنة وليس من طيب عنبها
فارجع يا حائذ، فقد إنتهى إليك علم النيل؛ قال: فهذه الثلاثة التي تغيص في الأرض
ما هي؟ قال: أحدها الفرات، والآخر دجلة، والآخر جيحان، فارجع، فرجع حتى إنتهى إلى
الدابة، فركبها، فلما أهوت الشمس لتغرب قذفت به في جانب البحر، فأقبل حتى إنتهى
إلى عمران، فوجده ميتاً حين مات، فدفنه، وأقام على قبره ثلاثاً، فأقبل شيخ متشبه
بالناس، أغر من السجود، ثم أقبل إلى حائذ فسلم عليه، فقال له يا حائذ: ما انتهى
إليك من علم هذا النيل؟ فأخبره قال الرجل: هكذا نجده في الكتب، ثم طرى ذلك التفاح
في عينيه، فقال: ألا تأكل منه؟ قال: معي رزق قد أعطيته من الجنة، ونهيت أن أوثر
عليه شيئاً من الدنيا، قال: صدقت يا حائذ، وينبغي لشيء من الجنة يؤثر بشيء من
الدنيا، وهل رأيت في الدنيا مثل هذا التفاح، إنما أنبت في الأرض ليست من الدنيا،
وإنما هي شجرة من الجنة، أخرجها الله لعمران يأكل منها، وما تركها إلا لك، ولو
وليت عنها لرفعت، فلم يزل يطريها في عينه، حتى أخذ منها تفاحةً، فلما عضها عض على
يديه، ثم قال: أتعرفه هو الذي أخرج أباك من الجنة، أما إنك لو سلمت بما معك لأكل
منها أهل الدنيا قبل أ، ينفد، وأقبل حائذ حتى دخل مصر، فأخبرهم بهذا، ومات بأرض
مصر رحمه الله.
باب في
ذكر سيحان نهر أذنة
وهو نهر كبير دون جيحان في العظم، وبين مخرجه ومخرج جيحان يومان، ومخرجه أيضاً من
بلاد الروم، وشاهدته في قرية يقال لها بالعربية رأس العين، ويقال لها بالتركية يا
نغرباشي، ومعناه رأس الماء، وهو يخرج من فوجة بين جبلين ينبع ماؤه من تحت الجبل من
الصخر الأصم، وعنده كنيسة قديمة من بناء الروم، قد صورت الجنة فيها، ونهر سيحان
خارج منها، فيجري النهر، وتجتمع إليه عيون تسيل في واد في الدربند الذي بين الساروص،
وبين هذه القرية، وتخرج هذه العيون في الوادي المذكور، فتصب في سيحان، ويخرج سيحان
في بلد الروم حتى يمر تحت قلعة سمندو، ويمر على بلاد الأرمن، ويمتد على تلك البلاد
حتى ينتهي إلى أذنه، وهو من شرقيها، ثم يمتد منها فيصب في البحر الشامي.
أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: كتب إلينا أحمد بن
محمد بن أحمد الحافظ أن أحمد بن محمد بن علي بن الآبنوسي أخبرهم إجازة قال: أخبرنا
عن أبي الحسين بن المنادي قال: ومخرج سيحان نهر أذنه من بلاد الروم، ثم يمر على
موضع من بلاد أرمينية، فيدعى هنالك نهر محمد، ثم يمتد حتى ينتهي إلى أذنه، وهنالك
يدعى سيحان، ثم يسير حتى يصب في البحر الشامي.
قلت: قوله من بلاد أرمينية وهم فإن أرمينية هي أخلاط، والفرات يحول بينها وبين
بلاد الروم، بل الظاهر أن ابن المنادي وجد في بعض الكتب أنه يمر ببلاد الأرمن،
فظنها أرمينيه، والله أعلم.
ونقلت من خط صديقنا ياقوت الحموي في كتاب البلدان: ولأذنه نهر سيحان، وعليه قنطره
حجارة عجيبة بين المدينة وبين حصن مما يلي المصيصة، وهو شبيه بالربض، والقنطرة
معقودة على طاق واحد.
وقرأت
في كتاب أبي زيد أحمد بن سهل البلخي في كتاب صورة الأرض قال: وسيحان هو دون جيحان
في الكبر، عليه قنطرة حجارة عجيبة البناء، طويلة جداً، يخرج هذا النهر من بلد
الروم أيضاً.
وقال أحمد بن الطيب السرخسي في كتابه: ومخرج سيحان نهر أذنة من بلاد الروم، ويصب
في البحر الشامي.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إذناً قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن
يعقوب الإيادي قال: أخبرنا أحمد بن يوسف بن خلاد قال: حدثنا الحارث بن محمد قال:
حدثنا سعيد بن شرحبيل عن ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال: قال كعب: نهر
النيل نهر العسل في الجنة، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة، ونهر الفرات نهر الخمر
في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة؛ قال: فأطفأ الله نورهن فيصيرهن إلى
الجنة.
باب في ذكر
الفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة
باب في ذكر ما ورد في الحديث والسنة أن الفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة
وهذه الأنهار الثلاثة قد إختص عمل مدينة حلب بفضلها، لأنها من عملها، لم تختص
مدينة أخرى بنظير هذه الفضيلة ولا بمثلها، فإن أبا الحسين مسلم بن الحجاج خرج في
صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة؛ وهذه الثلاثة داخلة في عمل حلب،
لا يخرج عنه غير النيل.
أخبرنا بهذا الحديث قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي قاضي حلب
قراءة عليه وأنا أسمع قيل له: أخبرك أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الأنصاري الجياني
قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي.
وكتب إلينا عالياً أبو القاسم منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل
الفراوي، وأبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي من نيسابور قالا: أخبرنا أبو عبد الله
الفراوي قال: أخبرنا وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي قال: أخبرنا أبو أحمد
بن محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سفيان الفقيه
قال: أخبرنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري قال: وحدثنا محمد بن عبد الله بن
نمير قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا عبيد الله - يعني - ابن عمر العمري عن
خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة.
وقد رواه عن عبيد الله بن عمر، عبد الله بن يوسف، وعبد الله بن جعفر؛ فأما حديث
عبد الله بن يوسف فأنبأنا به عيسى بن عبد العزيز بن عيسى بن عبد الواحد قال:
أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا أبو صادق مرشد بن
يحيى بن القاسم المديني قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن منير بن أحمد الحلال في
كتابه قال أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج الصماح قال: أخبرنا أبو القاسم
علي بن الحسن بن خلف بن قديد الأزدي قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله
بن عبد الحكم قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن خبيب بن
عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة.
وأما رواية عبد الله بن جعفر فإن فيها زيادة على هذه الأنهار الأربعة دجلة.
أخبرنا بها أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إذناً قال: أخبرنا أبو منصور القزاز
قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن علي
بن إبراهيم البيضاوي قال: أخبرنا محمد بن العباس بن حيويه الخزار قال: أخبرنا ابن
المجدر قال: حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا عبيد
الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: النيل والفرات ودجلة وسيحان وجيحان من أنهار الجنة.
وقد رواه شعبة بن الحجاج عن خبيب بن عبد الرحمن كذلك مرفوعاً، وقال في آخر حديثه:
كل من أنهار الجنة وكل قد شربت منه.
ورواه
عن أبي هريرة رضي الله عنه عبد الله بن مغيث مولى الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن
وسعيد بن المقبري، فأما عبد الله بن مغيث فحدث بها يونس بن بكير عن محمد بن إسحق
عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن مغيث مولى الزبير عن أبي هريرة مرفوعاً، وزاد
في آخره: ولو أن النيل إذا مد التمستم لوجدتم فيه من ورق الجنة.
وأما رواية سعيد المقبري فأنبأنا بها الأخوان أبو محمد عبد الرحمن وأبو العباس
أحمد ابنا عبد الله بن علوان الحلبيان عن كتاب أبي طاهر السلفي قال: أنبأنا أحمد
بن محمد بن الآبنوسي قال: أخبرنا عن أبي الحسين بن المنادي قال: حدثنا القاسم بن
زكريا قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار قال: حدثنا قاسم بن يزيد الجرمي عن
الفرج بن فضاله عن أبي رافع - هو إسماعيل بن رافع - المزني المديني - نزل البصرة -
عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة أنهار
في الجنة سيحان وجيحان والنيل والفرات.
وأما رواية أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً، فأخبرنا بها أبو الحسن المبارك ابن
محمد بن مزيد بن هلال الخواص وأبو عبد الله محمد بن نصر بن أبي الفرج الحصري
البغداديان ببغداد قالا: أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الغني بن الحافظ أبي العلاء
الحسن بن أحمد الهمداني قال: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء بن أبي منصور
الصيرفي.
وأنبأنا عن أبي الفرج شيخنا القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني قال
أبو الفرج: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن النعمان قال: أخبرنا أبو بكر محمد
بن إبراهيم بن المقريء قال أخبرنا أبو إسحق بن أحمد ابن نافع الخزاعي قال: أخبرنا
أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العداني قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد
بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعة
أنهار من الجنة، الفرات وسيحان وجيحان والنيل.
وقد رواه سعدان بن نصر عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عمر، وشك سفيان في رفعه،
أنبأنا به سعيد بن هاشم بن أحمد الأسدي قال: أخبرنا أحمد بن محمد كتابة عن أحمد بن
محمد بن الآبنوسي قال: أخبرنا عن أبي الحسين بن المنادي قال: سمعت سعدان بن نصر
قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو بن علقمة قال: أربعة أنهار من الجنة
الفرات والنيل وسيحان وجيحان، فقيل لسفيان: أهذا عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لعله.
ورواه يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً.
أخبرنا به أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن
بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا أبو
الحسن محمد بن عمر بن عيسى البلدي، قال: حدثنا أبو العباس عمرو بن هشام بن عمرو
قال: قرىء على الحارث بن محمد القيطري حدثكم يزيد بن هارون.
قال الخطيب وأخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ، وأبو بكر محمد
بن أحمد بن يوسف الصياد وأبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر الكتاني قالوا: أخبرنا
أحمد بن يوسف بن خلاد العطار قال: حدثنا الحارث بن محمد قال: حدثنا يزيد بن هارون
قال: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فجرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان.
وقد رواه عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة موقوفاً عليه،
ولم يذكر النيل.
أخبرنا بذلك القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني الأنصاري قراءة
عليه بدمشق وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن
علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي قال: أخبرنا أبو جعفر
محمد بن الحسن اليقطيني قال: حدثنا محمد بن الحسين السامري قال: حدثنا عمرو بن علي
قال: حدثنا وكيع عن مسعر عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي
هريرة قال: سيحان وجيحان والفرات كلهن من الجنة، موقوف.
أخبرنا
أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال:
قرأت بخط شيخنا أبي الفرج غيث بن علي بن عبد السلام لخطيب ذكر القاضي أبو القاسم
الحسن بن محمد الأنباري فيما قري عليه بصور في ذي القعدة سنة سبع عشرة وأربعمائة
أن أبا محمد الحسن بن رشيق أخبرهم قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن أبكجور مولى
أمير المؤمنين قال: حدثنا أبو محمد المراغي قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانه
عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن
الله إختار من الملائكة أربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، وإختار من النبين
أربعة، إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم؛ وقال فيه: واختار من الأنهار
أربعة، سيحان وجيحان والنيل والفرات.
قال الحافظ: هذا حديث منكر بمره، وأبو الفضل والمراغي مجهولان.
أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: أخبرنا أبو القاسم بن
السمرقندي.
وأنبأنا عمر بن طبرزد عن ابن السمرقندي قال: أخبرنا أبو القاسم بن مسعده قال:
أخبرنا أبو القاسم حمزه بن يوسف قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: أخبرنا بهلول بن
إسحق بن بهلول قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثنا كثير المري عن أبيه عن
جده قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: أربعة أجبل من جبال الجنة، وأربعة
أنهار من أنهر الجنة، وأربعة ملاحم من ملاحم الجنة؛ قيل: فما الأجبل يا رسول الله؟
قال: أحد جبل يحبنا ونحبه، جبل من جبال الجنة، وطور جبل من جبال الجنة ولبنان جبل
من جبال الجنة، والأنهار النيل والفرات وسيحان وجيحان، والملاحم بدر وأحد والخندق
وخيبر، وسقط ذكر الجبل الرابع.
أنبأنا عيسى بن عبد العزيز بن عيسى بن عبد الواحد قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر
الأصبهاني قال: أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني قال: أخبرنا أبو
الحسن علي بن منير بن أحمد الحلال في كتابه قال: أخبرنا أبو بكر محمد ابن أحمد بن
الفرج القماح قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن خلف بن قديد الأزدي قال:
حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا عبد الله بن
صالح قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن كعب الأحبار أنه كان
يقول: أربعة أنهار من الجنة، وصفها الله عز وجل في الدنيا فالنيل نهر العسل في
الجنة والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن
في الجنة.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الفنكي وفرج بن عبد الله الحبشي إجازة من كل واحد
منهما قالا: أخبرنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي قال: أخبرنا أبو الحسن علي
بن المشرف بن المسلم قال: أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن حمود الصواف قال: حدثنا
أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد قال: حدثنا أبو حفص عمر بن المفضل بن المهاجر الربعي
قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا زهير
قال: حدثنا داود بن هلال عن الصلت بن دينار عن أبي صالح عن نوف البكالي قال:
الصخرة تخرج من تحتها أربعة أنهار من الجنة سيحان وجيحان والفرات والنيل.
وقرأت في تاريخ أبي زيد البلخي قال: وأهل الكتاب يزعمون أن أربعة أنهار تخرج من
الجنة سيحان وجيحان والفرات والنيل.
وقرأت في قصيدة الأعلام المزدوجة من نظم أبي عمرو القاسم بن أبي داود الطرسوسي في
ذكر الفرات وسيحان وجيحان:
ثم انشمرنا في الفرات الرّحب ... وادٍ من الجنان ذات الحجب
أيمن وادٍ ومحلّ الخصب ... بالبركات دهره ذو حلب
وإنّه يوماً من الأيّام ... عن ذهبٍ يحسر للأنام
ينتابه قومٌ من الطعام ... يقتّلون ثمّ في الزّحام
وقال في تفسيره: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يحسر الفرات عن جبل من ذهب يأتيه
شرار الناس، فيقتل من كل عشرة تسعة. وسنذكر الحديث بإسناده في باب يأتي في كتابنا
إن شاء الله تعالى.
ثم ذكر المصيصة وكفر بيا في قصيدته وقال:
أهلاهما خصّا ببأسٍ وجره ... بينهما جيحان تحت القنطره
يجري فيسقي يمنةً وميسره ... حتى ترى في البحر أفضى أثره
ذاك
وسيحان كصاحبين ... حلاّ من الجنّة في المصرين
باب في
ذكر العاصي
وهو نهر أنطاكية وحماة وذكر البردان وهو نهر طرسوس
وهما نهران كبيران مشهوران يصبان في البحر الشامي، فأما نهر البردان فإنه يخرج من
بلد الروم، ويمتد إلى طرسوس، ثم يصب في البحر، وتجري فيه السفن، ويشق وسط مدينة
طرسوس، وماؤه موصوف بشدة البرد في الصيف.
أنبأنا أبو القاسم بن رواحة الأنصاري عن الحافظ أبي طاهر الأصبهاني عن أحمد ابن
محمد الآبنوسي قال: أخبرنا عن أبي الحسين بن المنادي قال: ومخرج البردان نهر طرسوس
من طرف بلاد الروم على دعوة من طرسوس، ثم يصب في البحر الشامي على خمسة أميال من
طرسوس، وهو شديد البرودة في الصيف، فاتر في الشتاء.
وقد ذكرت في باب الفرات أنه وقع إلى رسالة في ذكر الدنيا وما فيها من الأقاليم
والجبال والأنهار وقال فيها: والمشهور من هذه الأنهار الكبار إثنا عشر نهراً، وهي
الدجلة والفرات والنيل، وجيحون، ونهر الشاش، وسيحان، وجيحان، ونهر بردان، ومهران،
ونهر الرس، ونهر الملك ونهر الأهواز. وجميع هذه الأنهار تجري فيها السفن.
قال: وأما سيحان وجيحان وبردان، فانهن أنهار طرسوس وأذنه والمصيصة، تخرج من بلد
الروم، ثم تغيص في البحر، وكذلك سائر أنهار الشام جميعها إلا بردى والأردن.
وهذا غير مسلم لصاحب الرسالة فإن في أنهار الشام عدة أنهر تصب في الفرات، مثل نهر
الساجور والنهر الأزرق وغيرهما من الأنهر التي ذكرنا أنها تغيص في الفرات وغيرها؛
فإن اعتذر له معتذر وقال: إنه أراد أنهار الشام الكبيرة مثل سيحان وجيحان وبردان،
فنقول استثناؤه بردى أوجب مؤاخذته، فإن نهر الساجور والنهر الأزرق لا يقصران عن
بردى في الكبر، فدل على أنه أراد جميع الأنهار التي بالشام.
وأما نهر العاصي فيقال له الأرند والأرنط، ويقال له العاصي والمقلوب، لأنه يخالف
أنهار الدنيا كلها لأنه يجري من الجنوب إلى الشمال، بخلاف سائر الأنهر ومخرجه من
أرض بعلبك من موضع يقال له اللبوة، يخرج من عين هناك، شاهدتها ثم تمده عيون أخر في
طريقه، ويجري حتى يشق بحيرة قدس من عمل حمص، ويمتد من غربي حمص، ويأتي إلى الرستن،
ثم يأتي حماه من غربيها، فيلاصق دورها، ثم يأتي شيزر فيلصق بسفح قلعتها، ودور
المدينة من الغرب والشمال، ويمتد إلى أفامية، ويخرج إلى أنطاكية فيحف بالمدينة من
جهة الغرب، وينفصل عنها، فيصب في البحر.
وكان ينسب إلى أنطاكية، فيقال الأرنط نهر أنطاكية، وأما في زمننا هذا فنسبته إلى
حماه أكثر. وأهل حماه لا ينتفعون بمائه في السقي والزرع وإلا بالنواعير، فإن عامة
سقي بساتينهم منه بالنواعير، وكذلك الماء الذي يدخل إلى منازلهم.
وأما حمص فإن بساتينها تشرب منه سيحاً. وساق الملك المجاهد شيركوه بن محمد بن شيركوه
حين كانت حمص له من العاصي أنهاراً إلى مدينة حمص، يجري بعضها في المسجد الجامع
والبيمارستان، والمنازل بها، ويجري منه في خندق المدينة والقلعة، وبعض الأنهر تسقي
في قرى حمص.
أنبأنا أبو القاسم بن رواحة عن الحافظ أبي طاهر عن ابن الآبنوسي قال: ذكر أبو
الحسين بن المنادي في كتاب الحافظ من تأليفه قال: ومخرج الأرند نهر أنطاكية من أرض
دمشق مما يلي طريق البريد، وهو يجري مع الجنوب ولذلك يسمى المقلوب، ثم يصير في
البحر الشامي.
وقال أحمد بن محمد بن إسحق الزيات، ومخرج الأرند نهر أنطاكية من أرض دمشق مما يلي
البريد، ويجري مع الجنوب، ويصب في البحر الرومي.
هذا ما ذكره ابن المنادي وأحمد بن محمد الزيات أنه من أرض دمشق، وقد ذكرنا أن
مخرجه من اللبوة، قرية من بلد بعلبك، ولعلهما أرادا أن بعلبك من أعمال دمشق، فنسبا
أرضها إلى دمشق.
في ذكر البحر الشامي
ويعرف أيضاً ببحر الروم
وهو ملاصق لأعمال حلب حرسها الله، من طرطوس إلى السويدية ساحل أنطاكية، وعلى شاطئه
من مدنها طرسوس، وحصن أولاس، والإسكندرونة، وبياس، والمثقب، والسويدية، والأنهار
الأربعة التي ورد الحديث الصحيح أنها من أنهار الجنة، وهي النيل، والفرات، وسيحان،
وجيحان، يصب فيه ثلاثة منها، وهي النيل وسيحان وجيحان، فقد صار لحلب وعملها قسط من
ماء النيل، فتكمل لها بركة الأنهار الأربعة، بعضها بحقيقه الأنهر وبعضها
بالممازجة.
وقد
ورد في فضل سكان ساحل هذا المبحر ما أنا ذاكره، وهو ما أخبرنا به أبو يعقوب يوسف
بن محمود الساوي الصوفي إجازة - إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر
أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قراءة عليه وأنا حاضر أسمع.
وأنبأنا أبو الحسن علي بن المفضل بن علي بن مفرج المقدسي قال: أخبرنا أبو طاهر
السلفي والصالح المعمر أبو الضياء بدر بن عبد الله الحبشي سماعاً عليهما
بالإسكندرية قالا: أخبرنا أبو إسماعيل إبراهيم بن الحسن بن محمد بن الحسين الموسوي
قال: أخبرنا عبيد الله بن أبي مطر المعافري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر
الفقيه قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله سوار قال: حدثنا أحمد ابن الحجاج قال:
حدثنا حمزة قال: حدثنا محمد بن يزيد عن مالك بن يحيى عن معاوية عن الأوزاعي عن
بلال بن سعد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كبر على شاطئ بحر
الروم تكبيرةً لا يريد بها إلا وجه الله والدار الآخرة جعل الله في ميزانه يوم
القيامة صخرة أثقل من السموات السبع والأرضين السبع وما بينهن وما تحتهن.
وقال: أخبرنا أبو الحسن الفقيه قال: حدثنا هانئ عن محمد بن هرون عن حفص بن عمر عن
الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: يا أبا هريرة طوبى لقوم من أمتي يموتون على ساحل البحر، يخرجون من قبورهم
حتى يرذوا العرش، فيقول الله تعالى: هؤلاء سكان السواحل؟ فيقولون: نعم، فيقول الله
عز وجل: لا حساب عليهم، انطلقوا فعانقوا الأبكار.
أنبأنا سليمان بن الفضل بن سليمان قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ
الدمشقي قال: أنبأنا أبوا محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني وعبد الله بن أحمد بن
عمر السمرقندي قالا: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد قال:
أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك قال:
حدثنا أنس بن السلم قال: حدثنا الحسن بن يحيى القرشي قال: حدثنا إبراهيم اليماني
قال: قدمت من اليمن، فأتيت سفيان الثوري فقلت: يا أبا عبد الله إني جعلت في نفسي
أن أنزل جدة فأرابط بها كل سنة، فأعتمر في كل شهر عمرةً، وأحج في كل سنة حجة،
وأقرب من أهلي، أحب إليك، أم آتي الشام فقال لي: يا أخا اليمن، عليك بسواحل الشام،
عليك بسواحل الشام، فإن هذا البيت يحجه في كل عام مائة ألف ومائة ألف وثلاثمائة
ألف، وما شاء الله من التضعيف، لك مثل حجهم وعمرهم ومناسكهم.
أخبرنا إبراهيم بن محمود بن سالم إجازة قال: أنبأنا أبو الفتح بن البطي قال:
أخبرنا أبو بكر الطريثيثي قال: أخبرنا أبو القاسم الطبري قال: أخبرنا محمد بن رزق
الله قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري قال: حدثنا خلف ابن شمس المقريء
الخصيب على نهر عيسى قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي إسحق الجرشي عن
الأوزاعي عن القاسم بن مخيمرة قال: كان لأبي قلابه الجرمي ابن أخ ركب المحارم،
فاحتضر فجاء طائران أبيضان يشبهان النسرين، فجلسا في كوة البيت فقال أحد الطائرين
لصاحبه: انزل ففتشه، فنزل ففتشه، ثم غرق منقاره في جوفه، وذلك بعين أبي قلابه،
فقال الطائر لصاحبه: الله أكبر، إنزل إليه فقد وجدت في جوفه تكبيرة كبرها في سبيل
الله عز وجل على سور أنطاكية، فأخرج الطائر خرقة بيضاء فلفا روحه في الخرقة، ثم
إحتملاها، ثم قالا يا أبا قلابه قم إلى ابن أخيك فادفنه فإنه من أهل الجنة؛ قال:
وكان أبو قلابه عند الناس مرضياً، فخرج إلى الناس، فأخبرهم بالذي ظهر: قال: فما
رأيت جنازة أكثر أهلا منها.
فصل في صفة البحر الشامي وطوله وعرضه
ذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن يعقوب ابن القاص، قاضي طرسوس، في كتاب دلائل
القبلة قال: وأما بحر الروم الذي هو بحر إفريقية والشام فيكون من عند الخليج الذي
يخرج من عند البحر الأخضر إلى المشرق، يمد إلى صور وصيدا وأنطاكية وطرسوس، طوله
خمسة آلاف ميل، وعرضه في مكان سبعمائة ميل، وفي مكان ثمان مائة ميل، يخرج منه خليج
إلى ناحية الشمال قريب من الرومية، طول ذلك الخليج خمسمائة ميل يسمى أرس، وخليج
آخر إلى خلف قبرس، ففي هذا البحر مائة وإثنان وستون جزيرة عامرة، منها خمس جزائر
عظام كقبرس.
وقال:
وبحر اللاذقية، فإنه يمد بين لاذقية إلى خلف قسطنطينية، يخرج منه خليج يجري كأنه
نهر حتى يصب في بحر الروم، وعرضه عند قسطنطينية قدر ثلاثة أميال فقط مشرفة عليه.
وقال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن عبد الله المسعودي في ذكر بحر الروم
والشام: إن طوله خمسة آلاف ميل وعرضه مختلف، فمنه ثمانمائة ميل فما دونه، وأضيق
موضع فيه بين سبتة وطنجة، وهو المعروف بزقاق سبتة نحو عشرة أميال. وعلى هذا البحر
من المدن الغربية سبتة وطنجة، والجزائر وتونس والمهدية، وطرابلس وسفاقس. ومن المدن
المصرية والثغور، الإسكندرية ورشيد، ودمياط، وتنيس؛ ومن المدن الشامية، غزة،
وعسقلان، وعكا وصيدا، وصور، وبيروت، وطرابلس، واللاذقية، وأنطاكية، وأذنه وطرسوس
وجبلة وغير ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الجيهاني: وبحر الروم وافريقية والشام ومصر طوله
من الخليج الذي يخرج من بحر المغرب إلى ناحية المشرق، ينتهي إلى صور وصيدا، يكون
ذلك مقدار خمسة ألاف ميل، وعرضه في مكان ستمائة ميل وفي مكان ثمانمائة ميل، ويخرج
منه خليج إلى ناحية الشمال قريب من الرومية، يكون طوله ثمانين ميلاً، وفي هذا
البحر مائتان واثنتان وستون جزيرة عامرة منها خمس جزائر عظام، أعظمها قوريس، يحيط
بها مائتا ميل، وسردانية، يحيط بها ثلاثمائة ميل، وسقليه، يحيط بها خمس مائة ميل،
وأطريقية يحيط بها ثمانمائة ميل، وقوبرس، يحيط بها ثلاثمائة وخمسون ميلاً.
قال: وعند القسطنطينية، يخرج منه، يعني من بحر نيطش خليج يجري كهيئة النهر، وينصب
في بحر مصر، وعرضه عند القسطنطينية قدر ثلاثة أميال، بنيت القسطنطينية عليه.
قال: وأما البحر الشامي، فإنه إذا صارت الشمس في أول العقرب إلى أن تصير في أول
الحوت في هذه الأربعة الأشهر لا يستطيع الناس ركوبه، وذلك لأن الشمس تباعد عنه،
وتحدث فيه الرياح العاصفة، وذلك في ناحية الشمال منه.
وقرأت في كتاب مروج الذهب تأليف أبي الحسن علي بن الحسين ابن علي بن عبد الله
المسعودي قال: فأما بحر الروم وطرسوس، وأذنه، والمصيصة، وأنطاكية، واللاذقية،
وطرابلس، وصيدا وصور وغير ذلك من ساحل الشام، ومصر والاسكندرية، وساحل المغرب.
فذكر جماعة من أصحاب الزيجات في كتبهم النجومية منهم محمد بن جابر البتاني وغيره
أن طوله خمسة ألاف ميل، وعرضه مختلف، فمنه ثمانمائة ميل، ومنه سبعمائة، ومنه
ستمائة، وأقل من ذلك على حسب مضايقة البر للبحر، والبحر للبر. ومبدأ هذا الخليج من
خليج يخرج من بحر أقنابس، وأضيق موضع في هذا البحر بين ساحل طنجة وسبتة من بلاد
المغرب وبين ساحل الأندلس، وهو الموضع المعروف بشيطا، وعرضه فيما بين الساحلين نحو
من عشرة أميال، وهذا الموضع هو المعبر لمن أراد من المغرب إلى الأندلس، ومن
الأندلس إلى المغرب، ويعرف بالزقاق، ويتشعب من بحر الروم والشام ومصر خليج من نحو
خمسمائة ميل، يتصل بمدينة رومية، يسمى بالرومية ادوس، وفي البحر الرومي جزائر
كثيرة، منها جزيرة قبرس بين ساحل الشام والروم، وجزيرة رودس مقابل الاسكندرية،
وجزيرة أقريطش، وجزيرة صقلية، والتنانين فيه يعني بحر الشام كثيرة، وأكثر ما تكون
فيه مما يلي طرابلس واللاذقية والجبل الأقرع من أعمال أنطاكية، وتحت هذا الجبل
معظم ماء البحر، وأكثره، وهو يسمى عجز البحر وغايته إلى ساحل أنطاكية وسيس
والاسكندرية، وبياس، وحصن المثقب، وذلك في سفح جبل اللكام، وساحل المصيصة، وفيه
مصب نهر جيحان، وساحل أذنة، وفيه مصب نهر سيحان، وساحل طرسوس، وفيه نهر مصب
البردان، وهو نهر طرسوس.
والعمارة
على هذا البحر الرومي من المضيق الذي قدمنا ذكره، وهو الخليج الذي عليه طنجة متصل
بساحل المغرب، وبلاد افريقية، والسوس، وطرابلس المغرب، والقيروان، وساحل برقة
والرقادة، وبلاد الاسكندرية، ورشيد، وتنيس ودمياط، وساحل الثغور الشامية، ثم ساحل
الروم متصل ماراً إلى بلاد رومية إلى أن يتصل بساحل الأندلس الذي ينتهي إلى ساحل
الخليج الضيق المقابل طنجة على ما ذكرنا أنه لا يقطع بين هذا البر كله، والعمائر
التي وصفناها من الاسلام والروم، إلى الأنهار الجارية إلى البحر إلا خليج
القسطنطينية، وعرضه نحو من ميل، وخلجانات أخر من البحر الرومي داخلة في البر لا
منفذ لها، فجميع ما ذكرنا على شط هذا البحر الرومي متصل بالديار، غير منفصلين بماء
يمنعهم أو بحر يقطعهم إلا ما ذكرنا من الأنهار، وخليج القسطنطينية، ومثال هذا
البحر الرومي ومثال ما ذكرنا من العمائر عليه إلى أن ينتهي إلى مبدأه الخليج الاخذ
من أقنابس الذي عليه المنار النحاس، ويلي الاعلام من طنجة وساحل الأندلس مثل
الكرنيب فمقبضه الخليج والكرنيب على صفة البحر إلا أنه مدور الشكل لما ذكرنا من
طوله.
قال: وقد ذكر أحمد بن الطيب السرخسي في رسالته في البحار والمياه والجبال عن
الكندي: أن بحر الروم طوله ستة آلاف ميل من بلاد صور وطرابلس وأنطاكية والمثقب
وساحل المصيصة وطرسوس وقلمية إلى منار هرقل، وأن أعرض موضع فيه أربع مائة ميل.
وقال: شاهدت أرباب المراكب في البحر الرومي من الحربية والعمالة وهم النواتية
وأصحاب الأرجل والرؤساء ومن يلي تدبير المراكب والحرب فيها، مثل لاون المكنى بأبي
الحارث غلام زرافة صاحب طرابلس الشام من ساحل دمشق، وذلك بعد الثلاثمائة، يعظمون
طول البحر الرومي وعرضه وكثرة خلجانه وتشعبه.
وعلى هذا وجدت عبد الله بن وزير صاحب مدينة جبلة من ساحل حمص من أرض الشام، ولم
يبق في هذا الوقت، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة أبصر منه بالبحر الرومي، ولا
آنس به، وليس فيمن يركبه من أرباب المراكب من البحرية والعمالة إلا وهو ينقاد إلى
قوله، ويقر له بالبصر والحذق مما هو عليه من الديانة والجاد القديم فيه.
وأنبأنا الاخوان أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله، وأبو العباس أحمد الاسديان
قالا: أخبرنا أبو طاهر السلفي إذناً عن أحمد بن محمد بن الآبنوسي قال: ذكر أبو
الحسين بن المنادي في كتاب الحافظ لمعارف حركات الشمس والقمر والنجوم، وأوصاف
الافلاك، والأقاليم وأسماء بلدانها قال: حدثني هرون بن علي بن الحكم المزوق قال:
حدثنا علي بن داود القنطري قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز الرملي قال: حدثنا محمد
بن شعيب بن شابور قال: حدثنا عمر بن يزيد المنقري قال: في الكتاب الذي تنبأ عليه
هرون عليه السلام أن بحرنا هذا خليج من فنطس وفنطس خلفه محيط بالأرض كريا فهو عنده
كعين على سيف البحر، ومن خلفه الأصم محيط بالأرض كلها، ففنطس وما دونه عنده كعين
على سيف البحر، ومن خلفه المظلم محيط بالأرض كلها، فالأصم وما دونه عنده كعين على
سيف البحر ومن خلفه الماس محيط بالأرض كلها، فالمظلم وما دونه عنده كعين على سيف
البحر ومن خلفه الباكي، وهو ماء عذب أمره الله تبارك وتعالى أن يرتفع، فأراد أن
يستجمع، فزجره، فهو باك يستغفر الله، محيط بالأرض كلها، فالماس وما دونه عنده كعين
على سيف البحر، ومن خلفه العرش محيط بالدنيا كلها، فالباكي وما دونه عنده كعين على
سيف البحر.
قال ابن المنادي: ثم بلغنا بعد ذلك أن البحر المعروف بفنطس من وراء قسطنطينية يجيء
من بحر الخزر وعرض فوهته ستة أميال، فإذا بلغ أندس صار هنالك بين جبلين وضاق حتى
يكون عرضه غلوة سهم، وبين أندس هذه وبين قسطنطينية مائة ميل في مستوى من الأرض، ثم
يمر الخليج حتى يصب في بحر الشام، وعرضه عند مصبه ذلك مقدار غلوة سهم أيضاً،
وهنالك زعموا صخرة عليها برج فيه سلسلة تمنع المسلمين من دخول الخليج، وطول الخليج
من بحر الخزر إلى بحر الشام ثلاثة وعشرون ميلاً تنحدر المراكب فيه من بحر الخزر
وتيك النواحي، وتصعد فيه من بحر الشام إلى القسطنطينية.
وقال
أبو الحسين بن المنادي: حدثنا جدي رحمه الله قال: حدثنا يزيد بن هرون قال: أخبرنا
العوام بن حوشب قال: حدثني شيخ كان مرابطاً بالساحل قال: خرجت ليلة بحرس إلى
الميناء، ولم يخرج تلك الليلة أحد غيري، فصعدت الميناء، فكان يخيل إلي وأنا مستيقظ
أن البحر يشرف حتى يحاذي برؤوس الجبال ففعل ذلك مراراً وأنا مستيقظ، ثم نمت فرأيت
في النوم كأن الراية يبدي وأنا أمشي أمام أهل هذه المدينة، وهم يمشون خلفي، فلما
أصبحت رجعت، فاستقبلني أمير المدينة، وأبو صالح مولى عمر بن الخطاب رحمه الله،
فكانا أول من خرج من المدينة فقالا لي: أين الناس؟ قلت رجعوا قبلي، قالا: لم
تصدقنا، انحن أول من خرج من المدينة، قال: قلت: لم يخرج أحد غيري، قالا: فما رأيت؟
قلت: والله لقد كان يخيل إلي أن البحر يشرف حتى يحاذي برؤوس الجبال، ففعل ذلك مرات
وأنا مستيقظ، ثم نمت، فرأيت كأن الراية بيدي، وأنا أمشي أمام أهل هذه المدينة، وهم
يمشون خلفي، فقال أبو صالح: صدقت، حدثنا عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف على الأرض ثلاث مرات يستأذن الله في أن
ينتضح عليهم، فيكفه الله، وأما ما رأيت من الراية فإن تصدق رؤياك تفز بأجر أهل هذه
المدينة الليلية، قال: وكان أبو صالح مباعداً لي قبل ذلك، فكأنه استأنس بي، فجعل
يحدثني، وذكر كلاماً قطعناه.
وعلى قول المسعودي فيما ذكرنا عنه أن التنانين في بحر الشام كثيرة، فوقع إلى
ببغداد من تصنيف أحمد بن محمد بن اسحق الزيات مؤلف كتاب البلدان قال فيه: وقال
المعلى بن هلال العوفي: كنت بالمصيصة فسمعتهم يتحدثون أن البحر ربما مكث أياماً
وليالي تصفق أمواجه، ويسمع له دوي شديد، فيقولون ما هذا إلا لشيء قد آذى دواب
البحر فهي تصيح إلى الله، قال: فتقبل سحابة حتى تغيب في البحر، ثم تقبل أخرى حتى
عد سبع سحابات، ثم ترتفع التي جاءت آخرهن وتتبعها التي تليها والريح تصفقها، ثم
يرتفعن جميعاً في السماء، وقد أخرجن شيئاً يرونه أنه التنين، حتى تغيب عنا، ونحن
نراه وننظر إليه ورأسه في السحاب، وذنبه يضطرب، فيقال أنه تطرحه إلى يأجوج ومأجوج،
قال: ويسكن البحر عند ذلك.
قال الصوري: فربما رأيناه قد انفلت من السحاب ورجع إلى البحر، فتجيء السحابة، ولها
رعد وبرق حتى تخرجه ثانية، فربما مر في طريقه بالشجرة العادية العظيمة، فيقتلعها،
أو الصخرة العظيم فيرفعها.
فصل في ذكر ما ورد في ذم بحر الشام
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي فيما أذن لنا في روايته عنه قال:
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن
ثابت قال: أخبرنا محمد بن عمر بن بكر المقريء قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم
قال: حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري قال: حدثنا سعد بن زنبور قال: حدثنا عبد
الرحمن بن عبد الله بن عمر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
قال محمد: وحدثنا سريج قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن عاصم بن عمر
بن الخطاب عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - المعنى واحد - قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلم الله البحر الشامي فقال: يا بحر ألم أخلقك
فأحسنت خلقك وأكثرت فيك من الماء؟ قال: بلى يا رب، قال: فكيف تصنع إذا حملت فيك
عبادي يهللوني ويحمدوني ويسبحوني ويكبروني؟ قال: أغرقهم قال: فإني جاعل بأسك في
نواحيك، وحاملهم على يدي، قال ثم كلم الله البحر الهندي فقال: يا بحر ألم أخلقك
فأحسنت خلقك وأكثرت فيك من الماء؟ قال: بلى يا رب، قال فكيف تصنع إذا حملت فيك
عبادي يهللوني ويسبحوني ويحمدوني ويكبروني؟ قال: أهلك معهم، وأسبحك معهم، وأكبرك
معهم، وأحملهم بين ظهري وبطني، قال: فآتاه الله الحليه والصيد والطيب.
قال
أبو بكر أحمد بن علي: هكذا رواه عبد الرحمن بن عبد الله العمري عن سهيل وتابعه أبو
عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب فرواه عن عمه عبد الله بن وهب عن عبد العزيز
بن محمد الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وخالفه خالد بن خداش المهلبي فرواه عن عبد العزيز الدراوردي عن أبيه عن عبد الله
بن عمرو بن العاص عن كعب الأحبار، وخالفهما خالد بن عبد الله الواسطي فرواه عن
سهيل عن النعمان ابن أبي عياش الزرقي عن عبد الله بن عمرو موقوفاً لم يجاوزه،
ورفعه غير ثابت.
قال: أما حديث ابن أخي عبد الله بن وهب فأخبرناه أبو بشر محمد بن عمر ابن محمد بن
إبراهيم الوكيل قال: أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ قال: حدثنا محمد بن محمد بن
سليمان الباغندي قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثنا عمي، حدثني
الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: إن الله تعالى كلم البحرين فقال البحر الذي بالشام: يا بحر إني قد خلقتك
وأكثرت فيك من الماء، وحامل فيك عباداً لي يسبحوني ويحمدوني ويهللوني ويكبروني،
فما أنت صانع بهم؟ قال: أغرقهم، فقال الله: فإني أحملهم على ظهرك وأجعل بأسك في
نواحيك، وقال للبحر الذي باليمن مثل ذلك، فما أنت صانع بهم؟ قال: أسبحك وأحمدك
وأهللك معهم، وأكبرك معهم، وأحملهم في بطني وبين أضلاعي، قال الله: فإني أفضلك على
البحر الآخر بالحيلة والطيب.
قال: وأما حديث خالد بن خداش عن الدراوردي، فأخبرناه علي بن محمد بن عبد الله
المعدل قال: أخبرنا الحسين بن صفوان البرذغي قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد
بن أبي الدنيا قال: حدثنا خالد بن خداش قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي
عن سهيل بن أبي صالح عن أبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن كعب الأحبار قال: إن
الله تعالى أوحى إلى البحر الغربي حين خلقه قد خلقتك، فأحسنت خلقك فأكثرت فيك من
الماء، وإني حامل فيك عباداً لي يكبروني ويسبحوني ويهللوني ويقدسوني فكيف تفعل
بهم؟ قال: أغرقهم، قال الله: فإني أحملهم على كفي وأجعل بأسك في نواحيك، ثم قال
للبحر الشرقي: قد خلقتك فأحسنت خلقك، وأكثرت فيك من الماء، وإني حامل فيك عباداً
لي يكبروني ويهللوني ويسبحوني، فكيف أنت فاعل بهم؟ قال: أكبرك معهم وأهللك معهم
وأحمدك معهم، وأحملهم بين ظهري وبطني فأعطاه الله الحلية والصيد والطيب.
قال: وأما حديث خالد بن عبد الله الواسطي عن سهيل فأخبرناه محمد بن الحسين القطان
والحسن بن أبي بكر بن شاذان قالا: أخبرنا دعلج بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن علي بن
زيد الصائغ أن سعيد بن منصور حدثهم قال: حدثنا خالد ابن عبد الله عن سهيل بن أبي
صالح عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن عبد الله بن عمرو قال: كلم الله هذا البحر
الغربي فقال: يا بحر إني خلقتك فأحسنت خلقك، وأكثرت فيك من الماء، وإني حامل فيك
عباداً لي يكبروني ويحمدوني ويسبحوني ويهللوني، فكيف أنت فاعل بهم؟ قال: أغرقهم،
قال: بأسك في نواحيك، وأحملهم على يدي، وكلم الله هذا البحر الشرقي فقال: يا بحر
إني خلقتك فأحسنت خلقك، وأكثرت فيك من الماء، وإني حامل فيك عباداً لي يكبروني ويحمدوني
ويسبحوني ويهللوني، فكيف أنت فاعل بهم؟ قال: إذا أسبحك معهم وأهللك معهم وأحملهم
بين ظهري وبطني فأثابه الله الحلية والصيد.
قلت: وقد تابع النعمان بن أبي عياش سعيد بن محمد بن عبد الله بن عمرو فرواه عن
أبيه عبد الله بن عمرو موقوفاً عليه.
أنبأنا
به أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة الحموي عن الحافظ أبي طاهر الأصبهاني
عن أحمد بن محمد بن الابنوسي عن رجل عن أبي الحسين بن المنادي قال: أخبرنا العباس
بن محمد الدوري قال: حدثنا أبو سلمة التبوذكي قال: حدثنا سعيد بن زيد قال: حدثنا
يزيد بن حازم قال: مر بنا شعيب بن محمد ابن عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة
فجلس في حلقه سليمان بن يسار فحدثنا عن عبد الله بن عمرو قال: إن الله تعالى لما
خلق بحر الشام أوحى إليه أني خلقتك وأني حامل فيك عباداً إلي يبتغون من فضلي
يسبحوني ويقدسوني ويكبروني ويهللوني، فكيف أنت صانع بهم؟ قال: رب إذا أكسر بهم
سفينتهم وأغرقهم، قال: اذهب فقد لعنتك، وسأنقل أو سأقل حليتك، وأقل صيدك، وأوحى
إلى بحر العراق إني قد خلقتك وإني حامل فيك عباداً إلي يبتغون من فضلي يسبحوني
ويقدسوني ويكبروني ويهللوني فكيف أنت صانع بهم؟ قال: رب: إذا أحملهم على ظهري
وأحملهم في بطني، إذا سبحوك سبحتك معهم، وإذا قدسوك قدستك معهم، وإذا كبروك كبرتك
معهم، وإذا هللوك هللتك معهم، قال: اذهب فقد باركت فيك، وسأكثر حليتك، وأكثر صيدك.
وقد رواه صفوان بن عمرو عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، أخبرنا به أبو محمد وأبو العباس الأسديان، إجازة من كل واحد
منهما، قالا: كتب إلينا أبو طاهر الحافظ أن أحمد بن محمد بن الآبنوسي أنبأهم قال:
أخبرنا عن أبي الحسين بن المنادي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد بن دينار أبو محمد
الفارسي قال: حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر الحراني قال: حدثنا محمد بن إسحق
العكاشي عن صفوان بن عمرو عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلى بحر الهند كيف أنت يا بحر الهند إذا حملت
فيك عباداً لي يقدسوني ويهللوني ويسبحوني ويكبروني؟ قال أكون لهم كالملوك على أسرتهم
إذا سبحوك سبحتك، وإذا كبروك كبرتك، وإذا قدسوك قدستك، وإذا هللوك هللتك، فبارك
الله فيه فأكثر حليته وصيده؛ وأوحى إلى بحر الروم كيف أنت يا بحر الروم إذا حملت
فيك عباداً لي يقدسون ويهللون ويسبحون ويكبرون؟ قال: أكون لهم كفار بين الأسد إن
ثبتوا فزعتهم، وإن غرقوا أكلتهم، قال: فلعنه الله، وأقل حليته وصيده.
باب في ذكر
البحيرات التي في أعمال حلب
وتسمى الواحدة منها بحيرة لانبساطها على ظهر الأرض في سعة وامتداد تشبيهأ بالبحر
وتخرج عن حدود الأنهار. فمنها: بحيرة أفامية، وهي بحيرة كبيرة مذكورة، ويجلب منها
السمك السلور، وهو الجريث، ويقال: إن قويق إذا مد في الشتاء وغاض ماؤه في الأجمة
بالمطخ يحمر ماء بحيرة أفامية، فيقولون إنه يمر تحت الأرض إلى بحيرة أفامية، وقد
ذكرنا ذلك فيما تقدم، وقال بعضهم: إن السلور يحيض في ذلك الأوان فيحمر ماؤها،
والله أعلم بذلك؛ ويضمن سلورها بمبلغ وافر.
ومنها: بحيرة يغرا، وهي بحيرة كبيرة في جانب العمق، مستطيلة بعمق أنطاكية، وتعرف
أيضاً ببحيرة بغراس، ويجلب منها السمك الكثير، ولها ارتفاع وافر أيضاً.
ومنها: بحيرة أنزنيت، وهي بحيرة أصغر من البحرتين اللتين قدمنا ذكرهما، وهي بحيرة
على جانبها تل عال، عليه قرية يقال لها أنزنيت بالقرب من مدينة الحدث، وتخم بلاد
الروم، وأهلها أرمن وهي اليوم من عمل بهسنى، بينها وبين الحدث.
باب في ذكر
الجبال المذكورة بحلب وأعمالها
ونبدأ أولاً بالجبال التي تختص بها وبقراها، ثم نذكر ما هو في عملها سواها؛
فأولها: جبل جوشن، وهو جبل من غربي مدينة حلب، وفي لحفه نهر قويق، ويسمى قويق في
ذلك الموضع العوجان؛ وهذا الجبل فيه معدن النحاس.
وأخبرني والدي رحمه الله قال: إنما امتنعوا من عمل النحاس به لأنهم عملوه فما حصل
فيه فائدة، وقيل: إن سبب عدم الفائدة فيه قله الحطب بحلب.
وقرأت بخط بعض الحلبيين، وأظنه بعض أعيان بني الموصول، قال: ويقال إنه بطل منذ عبر
عليه سبي الحسين ونساؤه وأولاده عليهم السلام، وأن زوجة الحسين كانت حاملاً، وأنها
أسقطت هناك وطلبت من الضياع في ذلك الجبل خبزاً أو ماء، وأنهم شتموها، ومنعوها
فدعت عليهم، وإلى الآن من عمل فيه لم يربح سوى التعب.
سمعت بعض شيوخ الشيعة بحلب يقول: كان دعاؤها عليهم، لا أربح الله لكم تجارة، فما
ربحوا بعدها.
وقبلي
الجبل فيه مشهد يعرف بالسقط، وهو يسمى مشهد الدكة، والسقط يسمى المحس بن الحسين.
قلت وللشيعة بحلب فيه إعتقاد عظيم، وينذرون له النذور، وتسمية السقط بالمحسن لا
أصل له، لأن السقط لا يسمى، وإن كان استهل وسمي، فكان ينبغي أن يذكره النسابون في
كتبهم، ومع هذا لم يذكر، اللهم إلا إن كان الحسين عليه السلام عزم على تسمية ما في
بطن إمرأته المحسن، فلما أسقطت أطلق هذا الاسم، لكن هذا وغيره لم يذكر في كتاب
يعتمد عليه، وإنما يتداول الحلبيون ما ذكرناه.
ولما نزل الفربخ على حلب وحصروها في سنة ثمان عشرة وخمسمائة نبشوا الضريح الذي
يقال به السقط في المشهد المذكور، ونزلوا فيه، فلم يروا فيه شيئاً فأحرقوه، وكان
أبو الفضل بن الخشاب حينئذ يتولى تدبير أمر المدينة في الحصار فغير كنائس النصارى
بحلب، واتخذ فيها محاريب إلى جهة القبلة، وجعلها مساجد؛ أخبرني بذلك والدي رحمه
الله عن أبيه.
وإنما عرف هذا المشهد مشهد الدكة لأن في سطح جبل جوشن من شمالي المشهد المذكور في
مكان مشرف صخرة ناتئة في الجبل تشبه الدكة المبنية. ووقفت يوماً عليها ومعي رضى الدين
أبو سالم بن المنذر، وكان شيخاً حسناً من أعيان الحلبيين فقال لي: هذه الدكة كان
يجلس عليها الأمير سيف الدولة بن حمدان كثيراً ويتفرج على مدينة حلب وما حولها،
فلا يستتر عنه شيء منها؛ وهذا المشهد جدد عمارته قسيم الدولة أق سنقر والدزنكي،
واسمه عليه.
وفي سفح جبل جوشن من شمالي مشهد الدكة مشهد آخر يسمى مشهد الحسين، بناه الحلبيون
لمنام زعموا أنه رؤي، وتنوقوا في بنائه وإحكامه ومنجوره، وتبرع جماعة من الصناع في
عمارة شيء منه، وأظهر صنعته فيه؛ ووقف الملك الظاهر غازي رحمه الله عليه وقفاً
حسناً، إستمالة لقلوب الشيعة من أهل حلب.
وكان في سفح جبل جوشن دير للنصارى يعرف بدير البيعتين، ويعرف أيضاً بمارة مروثا
وقد ذكره الشمشاطي في كتاب الديرة، وقيل إن سيف الدولة كان أيام مقامه بالحلبة في
قصره كان ينتباب هذا الدير، ويحسن إلى أهله، وقد خرب هذا الدير بالكلية، ولم يبق
له أثر، وكان من شمالي مشهد الحسين، وأراني موضعه بعض أكابر أهل حلب؛ وقد ذكره أبو
عيسى صالح بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي في قصيدة قالها في إحراق
المنتزهات حول حلب، وأظن أن سيما الطويل أحرقها، أول القصيدة.
عفا أثرُ من المُتنزّهات
قال فيها:
إلى البرج المُنيف فبيعتيه ... إلى تلك الديار الخاليات
وهذا الدير هو الذي عناه الخالديان بقولهما من قصيدة يأتي ذكرها في موضعها
واستشرفت نفسي إلى مُستشرفٍ ... للدّيرتاه بحُسنه وبطيبه
فنعمتُ بين رياضه وغياضه ... وسكرتُ بين سكُوره وعُروبه
وقد ذكر جماعة من الشعراء جبل جوشن، فمنهم أبو بكر الصنوبري قال:
فللظهر من حلبٍ منزل ... تُثاب العُيون على حجّه
أعد نحو جوشنه نظرةً ... إلى بيعتيه إلى بُرجه
وأنشدنا الخطيب أبو عبد الله محمد بن هاشم بن أحمد بن عبد الواحد الحلبي قال:
أنشدنا أبي هاشم الخطيب بحلب قال أنشدنا أبي أحمد بن عبد الواحد الأسدي قال:
أنشدنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي لنفسه:
قل للنسيم إذا حملت تحيةً ... فاهد السلام لجوشنٍ وهضابه
واسألهُ هل سحب الربيعُ رداءه ... فيها وجرّ الفضل من هُدّابه
وتبسمت عنهُ الرياض وأفصحت ... بثناء بارقه ومدح سحابه
فلقد حننتُ وعادني من نحوه ... شجنٌ بخلتُ به على خُطابه
وأنشدنا أبو عبد الله الخطيب قال: أنشدني أبي قال: أنشدني أبي قال: أنشدنا أبو
محمد الخفاجي لنفسه:
يا برق طالع من ثنيّه جوشنٍ ... حلباً وحيّ كريمةً من أهلها
وقال الاستاذ أبو نصر منصور بن المسلم بن أبي الخرجين الحلبي المعروف بالدميك.
عسى موردٌ من سفح جوشن ناقع ... فإني إلى تلك الموارد ظمآنُ
وما كلُّ ظنٍ ظنّهُ المرءُ كائنٌ ... يقومُ عليه للحقيقة برهان
ذكر جبل بانقوسا
وهو
جبل ممتد قليل الارتفاع من شرقي مدينة حلب، وبينها وبين بابلى، وحلب فيما بينه
وبين جبل جوشن، وقد كان مسكوناً وفيه آثار صهاريج للماء، ولم يبق من أثر بنيانه
القديم غير الصهاريج، ثم بني في سفحه أبنية كثيرة جدد أكثرها في أيام الملك العزيز
محمد بن الملك الظاهر، ثم إتصل البناء إلى سطح الجبل، وبني عليه منازل كثيرة في
دولة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز أعز الله أنصاره، وقيل إن منبت
خشب الشربين بحلب كان ببانقوسا، وهو خشب السرو، ومنه كانت تعمل السقوف بحلب،
والسقوف في آدر حلب القديمة والأنجاف من خشب الشربين، ويدل على ذلك وصف الصنوبري
حلب بكثرة السرو كما في قوله في القصيدة الهائية التي يأتي ذكرها في باب مدح حلب
إن شاء الله.
أي حسن ما حوتهُ ... حلبٌ أو ما حواها
سروُها الداني كما تد ... نو فتاة لفتاها
وفيها:
بانقُوساها بها با ... هى المباهي حيث باها
وأخبرنا قاضي العسكر أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: كانت حلب من أكثر
المدن شجراً، فأفنى شجرها وقوع الخلف بين سيف الدوله بن حمدان وبين الإخشيد أبي
بكر محمد بن طعج، فإن الإخشيد كان ينزل على حلب ويحاصرها، ويقطع شجرها، فإذا أخذها
وصعد إلى مصر جاء سيف الدوله، وفعل بها مثل ذلك، وتكرر ذلك منهما حتى فني ما بها
من الشجر، واتفق بعد ذلك نزول الروم على حلب، وأخذ المدينة في سنة إحدى وخمسين
وثلاثمائة، ففني شجر الشربين لذلك، وكانت الوقعة بين سيف الدولة وبين الدمستق في
هذه السنة بسفح بانقوسا، وسميت وقعة بانقوسا، وقتل فيها جماعة من أهله وكتابه؛
وكان عسكره غائباً مع نجا، واستولى الدمستق على حلب تسعة أيام، وسنذكر الوقعة فيما
يأتي من كتابنا هذا في موضعها، والحيات التي ببانقوسا قواتل لا يسلم من لدغته بل
يموت في الحال، وحيات داخل المدينه لا تكاد تقتل أحداً، وبين المدينة وبين بانقوسا
مقدار شوط من جري الفرس، وقد ذكرت بانقوسا كثيراً في الشعر، وقال الصنوبري في
القصيدة الجيمية بعد البيتين اللذين ذكرناهما في جبل جوشن:
إلى بانقُوسا تلك التي ... حكت راكباً لاح من فجه
لترتاض نفسُك في روضه ... ويمرج طرفُك في مرجه
وقال أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري يذكر بانقوسا وبابلى وبطياس:
أقام كلُّ مُلثّ الودق رجاس ... على ديار بعلو الشام أدراس
فيها لعلوة مُصطافٌ ومُرتبعٌ ... من بانقوسا وبابلّى وبُطياس
منازلٌ أنكرتنا بعد معرفةٍ ... وأوحشت من هوانا بعد إيناس
هل من سبيل إلى الظُّهر من حلبٍ ... ونشوةٍ بين ذاك الورد والآس
إذا أقبل الريح والأيام مقبلةمن أهيفٍ خنث العطفين مياس
ذكر جبل سمعان
وهذا الجبل غربي مدينة حلب أوله شمالي جبل جوشن، ثم يمتد غرباً ويتصل بجبال عدة
محسوبة منه، إلى كورة تيزين، وهو جبل نزه، كثير الشجر من التين والزيتون والكرم
والكمثرى؛ وفيه آثار عظيمه من بناء الروم، وفيه دير سمعان، وكان من الأبنيه
العظيمة المستحسنة التي تقصد لحسنها وكان على الدير حصن مانع، أخربه سعد الدولة
أبو المعالي شريف بن سيف الدولة بن حمدان، خوفاً من غلبة الروم عليه، ومضايقتهم
حلب به.
وهذا الدير غير دير سمعان الذي دفن فيه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بالقرب من
معرة النعمان، ويعرف بدير النقيرة أيضاً.
وفي هذا الدير الذي بجبل سمعان يقول أبو الفوارس بن أبي الفرج الاستاذ البزاعي،
أنشدنا عبد الرحمن بن أبي غانم بن إبراهيم بن سندي الحلبي قال: أنشدني أبو الفوارس
بن أبي الفرج البزاعي الاستاذ لنفسه وكتبها على حائط دير سمعان؛ وقرأت هذه الأبيات
أيضاً بخط اللطيف علي بن سنان السراج، وذكر أنه أنشده إياها أبو الفوارس لنفسه،
وكتبها على حائط دير سمعان، وقد أتاه متفرجاً في سنة إحدى وثمانين وخمسمائه.
يا دير سمعان قُل لي أين سمعانٌ ... وأين بانوك خبرني متى بانوا
وأين سكانك القوم الأُلى سلفوا ... قد أصبحوا وهم في الترب سكانُ
أصبحت قفراً خراباً مثل ما خربوا ... بالموت ثم انقضى عمرٌ وعمران
وقفتُ
أسألُه جهلاً ليخبرني ... هيهات من صامت بالنطق تبيانُ
أجابني بلسان الحال إنهمُ ... كانوا ويكفيك قولي إنهم كانوا
وقيل إن هذا الجبل ينسب إلى سمعان حواري عيسى عليه السلام الذي ينسب الدير إليه،
وسنذكر ترجمته إن شاء الله، وقيل سمعان هو اسم الجبل نفسه، والدير المذكور مضاف
إلى الجبل المسمى بسمعان ويدل على ذلك ما أخبرنا أبو البيان بن أبي المكارم بن
هجام الحنفي بالقاهرة المعزية قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن
محمد بن منصور الحضرمي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي
قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن أحمد ابن عيسى السعدي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد
الله بن أحمد بن علي المقريء قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه
قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن نعيم قال: حدثنا أبو علي عبيد
الله الدارسي حدثني أبو مسعود عبيد بن سميع عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
قال: لما قدم وفد إياد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل قس بن ساعدة؟
قالوا: مات يا رسول الله، قال: يرحم الله قس بن ساعدة كأني أنظر إليه بسوق عكاظ
على جمل له أورق، وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة، وما أجدني أحفظه؛ فقال أبو بكر رضي
الله عنه: سمعته يقول بسوق عكاظ: أيها الناس، اسمعوا واحفظوا من عاش مات، ومن مات
فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحار تزخر، ونجوم تزهر، ومطر
ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، وضوء وظلام، وبر وأثام، ولباس ومركب ومطعم ومشرب،
إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟
أرضوا بالمقام هنالك فأقاموا، أم تركوا هنالك فناموا، يقسم بالله قس بن ساعدة
قسماً براً لا إثم فيه، ما لله في الأرض دين أحب إليه من دين قد أظلكم زمانه،
وأدرككم أوانه، طوبى لمن أدركه فتابعه، وويل لمن أدركه ففارقه، ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر
لا من مضى منهم يرا ... جعهم ولا الباقي بغابر
أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله قس بن ساعدة إني لأرجو أن يأتي يوم
القيامة أمة وحده، فقال رجل من القوم: يا رسول الله، لقد رأيت من قس عجباً، قال:
وما الذي رأيت؟ قال: بينا أنا يوماً بجبل في ناحيتنا يقال له سمعان في يوم قائظ
شديد الحر، إذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة عندها عين من ماء، وإذا حوله سباع
كثيرة قد وردت، وهي تشرب من الماء، فإذا زأر سبع منها على صاحبه، ضربه بيده، وقال:
كف حتى يشرب الذي ورد قبلك، فلما رأيته وما حوله من السابع هالني ذلك، ودخلني رعب
شديد، فقال لي: لا تخف، لا بأس عليك إن شاء الله، وإذا أنا بقبرين، بينهما مسجد،
فلما أنست به قلت له ما هذان القبران؟ قال: هذان قبرا أخوين كنا لي يعبدان الله في
هذا الموضع، واتخذت فيما بينهما مسجداً أعبد الله فيه حتى ألحق بهما، ثم ذكر
أيامهما وفعالهما، فبكى ثم قال:
خليلي هُبّا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما أني بسمعان مفرد ... وما لي فيها من حبيب سواكما
أقيم على قبريكما لست نازحاً ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
أبكيكما طول الحياة وما الذي ... يُردُّ على ذي لوعة إن بكاكما
كأنكما والموت أقرب غايةٍ ... بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقايةً ... لجدت بنفسي أن تكون وقاكما
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله قس بن ساعدة.
فقد صرح في هذا الخبر بقوله: بجبل في ناحيتنا يقال له سمعان، وفي الشعر
ألم تعلما أني بسمعان مفرد ... ........
ويجوز
أن يكون الجبل في الأصل منسوباً إلى سمعان، ثم غلب الاسم على الجبل، كما سمي جبل
البشر باسم رجل يقال له البشر، ثم غلب على الجبل، ومثل هذا كثير في كلام العرب،
وفي هذا الجبل قرية يقال لها روحين، وفي أرضها مشهد حسن يقال له مشهد روحين، وفيه
قبور ثلاثة، قيل أن أحد القبور قبر قس، وإلى جانبه عين إذا زاد الماء سرحت.
وسنذكره فيما يأتي من المزارات بمدينة حلب وأعمالها إن شاء الله.
وفي وسط هذا الجبل جبل عال شاهق على الجبال التي حوله، يقال له بيت لاها وهو بيت
لاها الشرقي، لأن جبل اللكام يقال له بيت لاها الغربي، ومعناه بالسريانية بيت
الله، ويقال: إن إبراهيم عليه السلام لما هاجر إلى الشام كان يرعى غنمه من أرض حلب
إلى بيت لاها، ويقال لما حوله من الجبال، جبل ليلون، وقيل فيه لولون، كذا ذكره
البلاذري في حديث الجراجمة وهو من أحسن الأماكن وأكثرها بهجة، وجميعها من جبل
سمعان، وأنشدني منصور بن سعيد بن أبي العلاء الحلبي قال: أنشدني عيسى بن سعدان
لنفسه.
يا دار علوة ما جيدي بمنعطف ... إلى سؤال ولا قلبي بمنجذب
ويا قرى الشام من ليلون لا بخلت ... على بلادكم هطالة السحب
ما مر برقك مجتازاً على بصري ... إلاّ وذكرني الدارين من حلب
ليت العواصم من شرقي فامية ... أهدت إليّ نسيم البان والغرب
ما كان أطيب أيامي بقربهم ... حتى رمتنا عوادي الدهر عن كثب
ولمحاسن بن إسماعيل بن علي الشوا من قصيدة أولها:
أيّها المُزنُ إن طرقت الأحصّا ... فاسق منهُ ذاك المكان الأخصا
قال فيها:
وتهد ليلون ليلا تجد زه ... ر عراصٍ تحكي بروقل عرصا
ذكر الجبل الأعلى
وهو جبل عال يتصل بجبل سمعان من جهة الشمال، وبجبل السماق من قبليه ومن غربي هذا
الجبل أرمناز وكورتها، ومن شرقيه الحفة والجزر، وفيه من العمائر وبناء الروم آثار
تروق الطرف، وتبسط النفوس، وهو كثير الأشجار من التين والزيتون والرمان والجوز
والسماق، وفيه قرى فيها أعين ماء، وكذلك القرى التي في لحف هذا الجبل، وتحف به من
جوانبه الأربع.
وقرأت بخط حمدان بن عبد الرحيم بن حمدان الأثاربي من أجزاء من شعره، سيرها إلي
القاضي أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب صديقنا رحمه الله، فنقلت منه أبياتاً
كتبها بعد خروجه من معربونية، وهي قرية كانت ملكه في جانب هذا الجبل، إلى جيرانه
بها وهي:
أسكان عُرشين القصور عليكمُ ... سلامي ما هبت صباً وقبول
ألا هل إلا حثّ المطابا إليكمُ ... وشمّ خُزامى حربنوس سبيل
وهل غفلاتُ العيش في دير مرقُشٍ ... تعود وظلُّ اللهّو فيه ظليل
إذا ذكرت لذّاتها النفسُ عندكم ... تلاقى عليها زفرة وعويل
بلاد بها أمسى الهوى غير أنني ... أميل مع الأقدار حيث تميل
ذكر جبل السماق
وهو جبل يشتمل على جبال وقرى من أنزه البقاع وأعجبها، وأحسن الأماكن وأطيبها، وفيه
من البنية الرومية والآثار والفواكه الحسنة، والثمار ما يتجاوز الوصف، ويسر النفس،
ويقر الطرف، ويزرع في أرضه القطاني كلها، والقثاء والحبوب، فتأتي على أكمل ما يكون
في الأراضي التي تسقى بالماء، وكذلك أشجاره فإنها قد عمت الجبال والبقاع والأودية
والقلاع، من التين والعنب، والفستق واللوز والجوز، والتفاح والمشمش والكمثرى،
والسماق، وإنما عرف بجبل السماق لكثرته فيه، وسماقه أجود من غيره.
وقراه قرى نزهة عامرة، وفي بعضها ماء نبع وعيون وأكثرها من ماء المطر وفي قراها
قرية يقال لها إصطمك فيها مصنع عظيم للماء من بناء الروم، مبني بالحجر الهرقلي على
قناطر كثيرة محكمة البناء، وهو من عجائب العمائر.
وقراه قرى نزهة عامرة، وفي بعضها ماء الروم، مبني بالحجر الهرقلي على قناطر كثيرة
محكمة البناء، وهو من عجائب العمائر.
والغالب من أهل هذا الجبل أسديون من بني كاهل، ومذاهب عامتهم في زمننا هذا مذهب
الإسماعيلية النزارية.
وكان
أحمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين أبو الفضل قد قدم الشام، ونزل بجبل السماق،
فاستطاب ماءه، واستلذ هواءه، وأعجب به اعجاباً كثيراً، ورحل عنه فقال:
يا جبل السماق سقيا لكا ... ما فعل الظبي الذي حلكا
فارقت أطلالك لا أنه ... قلاك قلبي لا ولا ملكا
فأي لذاتك أبكي دماً ... ماءك أم ظبيك أم ظلكا
أم نفحات منك تندى إذا ... دمع الندى إثر الدُجى بلكا
ومن شعر عيسى بن سعدان الحلبي في ذكره.
عهدي بها في رواق الصبح لامعةٍ ... تلوى ظفائر ذاك الفاحم الرجل
وقولها وشُعاع الشمس منخرطٌ ... حييت يا جبل السُماق من جبل
ذكر جبل الطور بقنسرين
وهو جبل عال، مدينة قنسرين كانت في لحفه من جهة القبلة والمشرق، ونهر قويق يمر من
شرقيه، وفي رأسه مشهد يقال أنه مقام صالح النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولن إن
الناقة خرجت منه، وهذا لا أصل له، فإن صالحاً عليه السلام كان بالحجر، وقتل قومه
الناقة بالحجر، والذي يغلب على ظني أن هذا المشهد بناه صالح بن علي بن عبد الله بن
عباس، فنسب إلى صالح النبي عليه السلام.
ذكر جبل بني عليم
وهو منسوب إلى بني عليم بن جناب بن كلب وبرة بن تغلب بن حلوان، نزلوه فعرف بهم،
ونسلهم به إلى اليوم، وسيأتي في أثناء كتابنا هذا ذكر جماعة منهم إن شاء الله، وهو
جبل عال مشرف على جبل السماق، وفي ذيله قرية كبيرة يقال لها ريحا.
وفي رأس الجبل عين ماء في موضع يقال له الكرساني فيه أشجار على العين، من الجوز
وغيره، ويشرف ذلك الموضع على جبل السماق وغيره، ويقصد الناس هذا الموضع للنزهة به
من حلب وغيرها، وينحدر الماء في هذا الجبل إلى أسفله، فيجري في قرية ريحا،
وينتفعون به للشرب والحمام، ونفس القرية إذا حفر فيها بئر لا يصلون إلى منبع الماء
إلا بعد مجاوزة ثلاثمائة ذراع، وفي القرية أبنية عظيمة من بناء الروم.
وفي هذا الجبل قبلى الكرساني قرية يقال لها كفر لاثا في شعب من شعابه فيها عين
ماء، وتحتها بساتين تشرب منها، وهي من أنزه البقاع تشرف على كورة قنسرين، وكورة
حلب، وكان بها حصن منيع استولى عليه طنكري الفرنجي، وأخذه من نواب رضوان بن تتش في
سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، ففتحه نور الدين محمود بن زنكي في سنة ست وأربعين
وخمسمائة، وخربه.
وفي قرية من هذا الجبل يقال لها نحله مقابر يشاهد الناظر النور عليها ليلاً عن
بعد، فإذا وصل إليها لا يرى شيئاً، وعليها كتابة بالرومية، حكى لي صديقنا بهاء
الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب رحمه الله أن الأمير سيف الدين علي بن
قلج أمر بأن تنقل تلك الكتابة، ودفعها إلى بعض علماء الروم بحلب، فترجمها فكان
فيها هذا النور موهبة من الله العظيم لنا، أو ذكر كلاماً نحو هذا، وفيه زيادة
عليه.
ذكر جبل الأحص
وهو من شرقي مدينة حلب وقبليها، ومن غربيه السهول، ومن شرقيه برية الرصافة، ومن
شماليه نقرة بني أسد، وهو جبل كبير وفيه قرى عامرة، كثيرة الغلة، وفيه خناصرة منزل
عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وفيه شبيث ماء مذكور وفيه يقول الشاعر:
فقال تجاوزت الأحص وماءه ... وماء شبيث وهو ذو مترسم
وكان جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان، وهو قاتل كليب وائل ينزل الأحص، فجرت وقعة
البسوس، فقتل جساس كليباً، فلما غشية الموت قال لجساس: أغثني بشربة، فقال تجاوزت
شبيثاً والأحص فأرسلها مثلاً، ووقعت الحرب بين الحيين بكر وتغلب على ما نذكره في
موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله.
وفي الأحص من المدن الخربة الاندرين، وهي مدينة خربة، مبنية بالحجر الأسود، على
شفير البرية، وينسب إليها الخمر، قال:
ألا هُبيّ بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
مشعشعة كأن الحُصّ فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا
وتنسب إليها الحبال أيضاً قال النابغة الذبياني:
كأني شددت الكور حين شددته ... على قارح مما تضمن عاقل
أقب كعقد الاندري معقرب ... حزابية قد كدحته المساحل
وقاتلته الحمر وطاردها.
وفي
هذا الجبل مدينة خربة، وهي سورية كانت مبنية بالحجر الأسود، وهي اليوم خراب لا
ساكن بها، ويعمل بها القلي السورياني، وأظن اللسان السورياني منسوب إليها، وصار
اسمها بعد خرابها ينطلق على ناحية قنسرين وحلب وأعمالها أنبأنا أبو حفص عمر بن
محمد بن طبرزد قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي إجازة، إن
لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله بن النقور البزاز
قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص قال: أخبرنا أبو بكر
أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني قال: حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى التميمي
قال: حدثنا شعيب ابن إبراهيم التيمي قال: حدثنا سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة عن
عبادة وخالد أن هرقل كان كلما حج بيت المقدس خلف سورية وطعن في أرض الروم، التفت
إليها فقال: عليك السلام يا سورية تسليم مودع ولم يقض منك وطره، وهو عائد، فلما
توجه المسلمون نحو حمص عبر الماء فنزل الرها، فلم يزل بها حتى طلع أهل الكوفة،
وفتحت قنسرين، وقتل ميناس، فخنس عند ذلك إلى شمشاط حتى إذا فصل منها نحو الروم علا
على شرف، والتفت ونظر نحو سورية وقال: عليك السلام يا سورية لا اجتماع بعده، ولا
يعود إليك رومي أبداً إلا خائفاً، حتى يولد المولود المشؤوم، ويا ليته لا يولد، ما
أحلى فعله، وأمر عاقبته على الروم.
وقال: حدثنا السري قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف عن أبي الزهراء وعمرو بن ميمون
قالا: لما فصل هرقل من شمشاط وأخلى الروم، التفت إلى سورية فقال: قد كنت سلمت عليك
تسليم المسافر، فأما اليوم فعليك السلام يا سورية تسليم المفارق لا يعود إليك رومي
أبداً إلا خائفاً حتى يولد المولود المشؤوم، ويا ليته لم يولد، ومضى حتى نزل
قسطنطينية.
ذكر جبل البشر
وهو جبل كبير في طرف عمل حلب من جهة البرية، وبينه وبين الرصافة أربعة فراسخ، وهو
متصل بعاجنة الرحوب، بينهما فرسخ واحد، وعاجنة الرحوب من شماليه، ويفرغ سيوله
فيها، وسمي البشر برجل يقال له البشر، وفي هذا الجبل كانت وقعة الجحاف بن حكيم
السلمي ببني تغلب، قتل فيها الرجال والنساء وبقربطون الحبالى، وسنذكر ذلك إن شاء
الله تعالى، في ترجمة الجحاف مسنداً.
وإياه عنى عبد الله بن قيس الرقيات.
أمست رقية دونها البشر ... فالرقة السوداء فالغمر
ووقفت على صفة هذا الجبل وذكر الوقعة في شعر القطامي رواية أبي جعفر الخراساني، عن
أبي يوسف يعقوب بن السكيت، مما ذكره ابن السكيت في شرح قول القطامي:
حلّوا الرحوب وحل العز ساحتهم ... تدعوا أمية أو مروان والحكما
فأوردت الفصل جميعه في هذا الموضع لما تضمن من وصف الجبل، وذكر الوقعة.
قال ابن السكيت: هذا يوم الرحوب، ويوم مخاشن، ويوم البشر، وكان من سبب هذا اليوم
أنه لما كانت سنة ثلاث وسبعين قتل عبد الله بن الزبير، فهدأت الفتنة، واجتمع الناس
على عبد الملك، وتكافت قيس وتغلب عن المغازي بالشام والجزيرة، وظن كل واحد من
الفريقين أن عنده فضلاً لصاحبه، وتكلم عبد الملك، ولم يحكم الصلح، فبينا هم على
تلك الحال، إذ أنشد الأخطل عبد الملك، وعنده وجوه قيس قوله:
ألا سائل الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر
حتى
أتى على آخرها، فنهض الجحاف بن حكيم يجر مطرفه حتى خرج من عند عبد الملك، ثم شخص
من دمشق، حتى أتى منزله بباجروان من أرض البليخ، وبين باجروان وبين شط الفرات
ليلة، ثم جمع قومه بها، فقال: إن أمير المؤمنين استعملني على صدقات تغلب، فانطلقوا
معي، فارتحل، وانطلقوا معه وهو لا يعلمهم ما يريد، وجعلت امرأته عبلة تبكي حين
ودعته، ثم أتى بهم شط الفرات منازل بني عامر، فقال لهم مثل ذلك، وجمعهم فارتحلوا معه،
ثم قطع بهم الفرات إلى الرصافة، وبينها وبين شط الفرات ليلة، وهي قبلة الفرات، حتى
إذا كانوا بالرصافة قال لهم: إنما هي النار أو العار، فمن صبر فليتقدم، ومن كره
فليرجع، فقالوا: ما بأنفسنا رغبة عن نفسك، فأخبرهم بما يريد، فقالوا: نحن معك،
فيما كنت فيه من خير وشر، فارتحلوا فطرقوا صهيناً بعد روية من الليل، وهي في قبلة
الرصافة، بينهما ميل؛ ثم صبحوا عاجنة الرحوب، وهي في قبلة صهين، والبشر واد لبني
تغلب، وإنما سمي البشر برجل من قاسط يقال له البشر، كان يخفر السابلة، وكان يسلكه
من يريد الشام من أرض العراق بين مهب الدبور والصبا معترض بينهما يفرغ سيوله في
عاجنة الرحوب وبينهما فرسخ وبين عاجنة الرحوب وبين الرصافة ثلاثة فراسخ، والبشر في
قبلة عاجنة الرحوب، ودمشق في قبلة البشر.
ثم أغاروا على بني تغلب بين البشر والشام ليلاً، فقتلوهم، وبقروا النساء فقتلوهن،
فهو يوم البشر، ويوم عاجنة الرحوب، ويوم مخاشن، وهو جبل ينعرج إلى بعض البشر، وهو
يوم مرج السلوطح، لأنه بالرحوب.
قال: وقتل أبو الأخطل في تلك الليلة، وفي ذلك يقول جرير:
شربت الخمر بعد أبي غياث ... فلا نعمت لك النّشوات بالا
وهرب الجحاف بعد فعله هذا، فتبعه عبيدة بن همام التغلبي، فلحقه دون الدرب وهو يريد
بلاد الروم، فعطف عليه فهزم أصحابه وقتلهم، وأفلت الجحاف، ومكث زماناً في بلد
الروم حتى سكن غضب عبد الملك، ولان وكلمته العبسية في أن يؤمنه، فتلكأ، فقيل إنا
والله لا نأمنه على المسلمين أن يأتي بالروم إليهم، فأعطاه الأمان، وقد كان عامة أصحابه
تسللوا إلى منازلهم، فأقبل فيمن بقي من أصحابه، فلما قدم على عبد الملك لقيه
الأخطل، فأنشده الجحاف:
أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني ... على القتل أم هل لامني لك لائم
فزعموا أن الأخطل قال له: أراك بالله شيخ سوء، ورأى عبد الملك أنه إن تركهم على
حالهم أنه لم يحكم الأمر، فأمر الوليد بن عبد الملك فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك
بين قيس وتغلب، وضمن الجحاف قتلى البشر، وألزمها إياه عقوبة له فقال الأخطل في
تصداق ذلك:
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إلى الله منها المشتكى والمعوّل
فأدى إليهم الوليد الحمالات، ولم يكن عند الجحاف ما حمل، فلحق بالحجاج ابن يوسف،
لأنه من هوازن، فسأل الإذن على الحجاج، فمنعه، فلم يعد إليه، وأتى أسماء بن خارجه،
فعصب حاجته به، فقال: إني لا أقدر لك على منفعة، وقد علم الأمير مكانك، ولم يأذن
لك، فقال لأسماء: والله لا يلزمها غيرك أنجحت أم نكثت، فلما بلغ ذلك الحجاج قال:
ما له عندي شيء، فأبلغه ذلك، قال: وما عليك أن تكون أنت الذي تويسه، فإنه قد لح،
فأذن له، فلما رآه قال: أعهدتني خائناً لا أبا لك؟ قال: أنت سيد هوازن، وبدأنا بك،
وعمالتك خمسمائة ألف في كل سنة، وما بك بعدها إلى خيانة، قال: أشهد أن الله وفقك،
وأنك نظرت بنور الله، فلك نصفها العام، فأعطاه وأدى أسماء البقية، ثم إستأذن
الجحاف في الحج، فأذن له في ذلك مع الجلة من الشيوخ التي شهدت الوقعة، وفعلوا
الأفاعيل، فخرجوا وقد أبروا آنفهم - يقول خزموها - يمشون من الشام محرمين يلبون،
فلما قدموا المدينة خرج أهل المدينة ينظرون إليهم ويتعجبون منهم، فلما قدموا مكة،
تعلقوا بأستار الكعبة فقالوا: اللهم إغفر لنا وما أراك تفعل، فقال ابن عمر: يأسكم
من قبول التوبة أشد عليكم من ذنوبكم، فقيل له: هذا الجحاف وأصحابه، فسكت وتم ذلك
الصلح.
قلت قوله في هذا الخبر: ودمشق في قبلة البشر، يريد في السمت، لا أنها على قرب منه،
فإن بين دمشق وبين البشر ثمانية أيام، وقد ذكر الصمة بن عبد الله القشيري جبل
البشر في شعره فقال:
ولما رأيت البشر قد حال دوننا ... وأضحت بنات الشوق يحننّ نزّعا
تلفت
نحو الحي حتى وجدتني ... ألمت من الإصغاء ليتاً وأخدعا
وقرأت في كتاب معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري، البشر بكسر أوله على لفظ البشر
الذي هو الإستبشار، قال عمارة بن عقيل: البشر هو عاجنة الرحوب متصل بها، وسمي
البشر برجل من النمر بن قاسط، كان يخفر السابلة يسمى بشراً، يقطعه من يريد الشام
من أرض العراق بين مهب الصبا والدبور، معترضاً بينهما يفرغ سيوله في عاجنة الرحوب،
وبينهما فرسخ، والبشر في قبلة عاجنة الرحوب، وبين عاجنة الرحوب وبين رصافة دمشق
ثلاثة فراسخ، وفي البشر قتل الجحاف بن حكيم بني تغلب، فهو يوم البشر، ويوم الرحوب،
ويوم مخاشن، وهو جبل إلى جنب البشر، ويوم مرج السلوطح لأنه بالرحوب، والرحوب منقع
ماء الأمطار، ثم تحمله الأودية فيصب في الفرات. وقال أبو غسان: البشر دون الرقة
على مسيرة يوم منها، فهذا بشر آخر. قال الأخطل:
سمونا بعرنين أشمّ وعارضٍ ... لنمنع ما بين العراق إلى البشر
وقال أيضاً في إيقاع الجحاف بهم:
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعةً ... إلى الله منها المُشتكى والمُعوّل
قلت: قوله: فهذا بشر آخر غلط منه لأن الرصافة من الرقة تكون بمقدار يوم وزيادة
يسيرة، وهي غربي الرقة وقبليها، وطرف جبل البشر ينتهي إلى الفرات، فيقرب من الرقة
من هذا الطرق، وبينه وبين الرصافة ثلاثة فراسخ في وسطه فظن أبو عبيد البكري أن ثم
بشراً آخر لقول عمارة بن عقيل أن بينه وبين رصافة دمشق ثلاثة فراسخ، وقال أبو
غسان: البشر دون الرقة على مسيرة يوم منها، فظن أبو عبيد البكري أن الرصافة عند
دمشق، ولم يعلم أنها من أرض قنسرين، لبعده عن بلاد الشام، لأنه مغربي لا خبرة له
ببلاد الشام، وإنما نسب الرصافة إلى دمشق لنزول هشام بن عبد الملك فيها وهو خليفة،
وكان كرسي ملكه بدمشق، فنسبها إلى دمشق ليفرق بينها وبين رصافة بغداد، والبشر جبل
طويل عريض يمتد في العرض إلى قباقب، وهو ماء في طرف البشر، وقد نزلت به، بينه وبين
رحبه مالك بن طوق مقدار عشرة فراسخ.
ولأبي الحسن محمد بن أحمد بن خلف النصروي أبيات قالها بالعراق يذكر فيها البشر
وحلب وهي:
يا راكباً والفجر قد غار على ال ... جوزاء إذ جللها الازارا
وحلّق النسران ثم انغمسا ... كالراكبين أنجدا أو غارا
أمامك البشرُ فإن طرحته ... مُستقبلاً من حلبٍ أحجارا
فكم ستلقى دونها من باحثٍ ... عن خبري يستقبل السُفّارا
يودّ أن كان الذي زودتّه ... من العراق كُلُّه أخبارا
فبلّغ القوم بأن لا سفرٌ ... يحدُث أرضى بالعراق دارا
أرضى من الإسعاد أن صيّرني ... لبيته سعد الكُفاة جارا
ذكر جبل برصايا
وهو جبل عال شامخ شمالي عزاز، يشرف على بلد عزاز وكورة الأرتيق، وهو من أبهى
البقاع منظراً وأرقها هواء، وعلى رأسه مشهد حسن، وقريب منه مسجد آخر، وتحتهما قرية
يقال لها كفر شيغان، وقفها نور الدين محمود بن زنكي على مصالح المسلمين، وعلى مشهد
برصايا ويقال إن مقام داود صلى الله عليه وسلم كان بموضع المشهد المذكور، وقال لي
الشيخ علي بن أبي بكر الهروي السائح: جبل برصايا به مقام برصيصا العابد، وقبر شيخ
برصيصا، ومقام داود عليه السلام، وهذا الجبل بين عزاز وقورس.
ذكر الجبل الأسود
وهو جبل دون جبل اللكام من شرقيه ويقال: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان إذا
أقام بحلب يبث رعاءه إليه ليرعوا غنمه فيه، وفيه أشجار كثيرة غير مثمرة يؤخذ منه
الخشب إلى البلاد التي حوله، وفيه حصن الدربساك، وهو حصن مانع وفي لحفه من شرقيه
النهر الأسود له ذكر في حديث الملاحم أن الروم ينزلون عليه في الملحمة، ويقال له
نهر الرقية أيضاً، ويتصل هذا الجبل إلى صرفد كان حصن قوي في يد الأرمن، وكان به
جماعة من العباد والرهبان.
أخبرنا عتيق بن أبي الفضل بن سلامة قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن.
وحدثنا أبو الحسن بن أبي جعفر عن أبي المعالي بن صابر قالا: أخبرنا الشريف النسيب
أبو القاسم العلوي قال: أخبرنا رشاء بن نظيف.
وأخبرنا
أبو القاسم عبد الغني بن سليمان بن سنين قال: أخبرنا أبو القاسم البوصيري وأبو عبد
الله بن حمد الأرتاحي قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين الموصلي - قال ابن حمد
إجازة - قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل قالا: أخبرنا أبو
محمد الحسن بن إسماعيل بن محمد الضراب قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان قال:
حدثنا يوسف بن عبد الله قال: قال حذيفة المرعشي: مررت على راهب في جبل الأسود
فناديته يا راهب، فأشرف علي، فقلت له: بأي شيء تجتلب الأحزان؟ قال: بطول الغربة، وما
رأيت شيئاً أجلب لذوي الأحزان من الوحشة والوحدة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
ذكر جبل اللكام
ويقال له أيضاً بيت لاها الغربي، ومعناه بالسريانية بيت الله، وهو جبل عال مشرف
يبين عن مسيرة أربعة أيام، ولا يزال به الثلج في الشتاء والصيف، وهو مسكن العباد والزهاد
وفيه من الفواكه المباحة ما يقتاتون به، وهو يفصل بين الثغور الشامية والجزرية.
وكانت به وقعة لسيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان مع الروم، قتل منهم
فيها ثلاثين ألفاً. وقال أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان في ذلك:
وأبقت على اللُكام قتلى سيُوفه ... لهم من بطون الخامعان مقابر
ويقال بتشديد الكاف وتخفيفها.
وقال أبو العباس أحمد بن أبي أحمد بن القاص في كتاب دلائل القبلة وذكر الجبال
فقال: ربما كان الجبل دليلاً لأهل ناحية على القبله كجبل لكام بالشام، وجبل الشراة
بتهامة، وجبل الراهون بسرنديب وجبل دنباوند عندنا بآمل طبرستان.
قال: وأما جبل لكام فإنه جبل ممدود إبتداؤه من مكة والمدينة، ويسمى هنالك العرج،
يمتد طولاً حتى يتصل بالشام، ويصير من جبال حمص، فيسمى هنالك لبنان، وينثني من
دمشق ثم يمضي حتى يصير من جبال أنطاكية والمصيصة، فيسمى هنالك باللكام، ثم يمتد حتى
يصير من جبال ملطيه وشمشاط وقاليقلا، ويمتد طولاً حتى يصير من جبال خزر، ويسمى
هنالك القيق.
ونقلت من كتاب الحافظ لمعارف حركات الشمس والقمر والنجوم في آفاقها، والأقاليم
وأسماء بلدانها في سياقها، تلخيص أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد ابن عبيد الله
المنادي، وأنبأنا به أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة، وعبد الرحيم بن يوسف
بن الطفيل عن أبي طاهر السلفي عن أحمد بن محمد بن الآبنوسي عن رجل عنه قال: وأما
جبل العرج الذي بين مكة والمدينة فإنه يمضي إلى الشام حتى يتصل بلبنان من حمص، ثم
يسير من دمشق فيمضي حتى يتصل بجبال أنطاكية والمصيصة، ويسمى هنالك اللكام، ثم يتصل
بجبال ملطية وشمشاط وقاليقلا أبداً إلى بحر الخزر، وهو الباب والأبواب، ويسمى
هنالك القيق.
وقال قدامة في جبل العرج: وهذا الجبل يتصل بالشام فبعضه يتصل بلبنان وبعضه بجبل
الثلج من أرض دمشق، ويمتد إلى الروم.
قال: وقال النضر بن شميل: يأتي إلى الشام من ناحية أيلة، ثم إلى الطور ثم إلى بيت
المقدس ثم إلى طبرية، ويمتد بالبقاع وبعلبك، ويمتد غربي حمص وحلب حتى يتصل
باللكام، ثم يمتد إلى ملطية، وإلى بحر الخزر، وفيه القلاع والحصون الكثيرة والمدن.
ذكر جبل الأقرع
وهو من جبال أنطاكية، جبل عال يستبين من مسيرة ثلاثة أيام، وهو مستدير عال لا نبات
عليه، ولهذا يسمى الأقرع، ويتصل بجبل اللكام، وهو على شاطىء البحر.
وقال المسعودي في كتاب مروج الذهب: والجبل الأقرع من أعمال أنطاكية، وتحت هذا
الجبل معظم ماء البحر وأكثره وهو يسمى عجز البحر.
وأنبأنا أبو القاسم بن رواحة وابن الطفيل عن الحافظ أبي طاهر عن ابن الآبنوسي عمن
أخبره عن أبي الحسين بن المنادي قال: وأما الجبل المطل الذي بأنطاكية، فهو على ما
ذكروا قطعة من اللكام.
قال لي علي بن أبي بكر الهروي: وجبلها - يعني أنطاكية - كان معبداً يزار من الآفاق.
باب في
ذكر الاقليم الرابع
إعلم أن حلب من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة، وقد قيل إنه أفضل الأقاليم
السبعة وأصحها هواء وأعذبها ماء، وهو وسط الأقاليم وخيرها.
ووقع
إلي رسالة في ذكر الدنيا وما فيها من الأقاليم والجبال والأنهار والبلاد، ولم أظفر
باسم مؤلف الرسالة، فنقلت منها بعض ما ذكره ملخصها في فصل منها في قسمة الأقاليم
السبعة قال: فأما الأقاليم السبعة فإنها قسمت في الربع المسكون سبعة أقسام، فسمي
كل قسم منها إقليم، فتكون الأقاليم كلها سبعة، فأما هرمس الأول فقسمها قسمة
مستويةً، فجعل الإقليم الرابع في الوسط من العمران، والستة الأقاليم تحيط به، وكل
إقليم منها سبعمائة فرسخ في سبعمائة فرسخ، فالأول منها الهند، والثاني الحجاز،
والثالث مصر والإسكندرية، والرابع بابل والخامس الروم، والسادس يأجوج ومأجوج،
والسابع الصين.
فأما بطليموس الحكيم فقسمها بخلاف ذلك، وجعلها على قدر بعدها عن خط الإستواء،
وقسمها سبعة أقسام جعلها في الربع المسكون من الأرض، كل إقليم كأنه بساط مفروش قد
مد طوله من الشرق إلى الغرب، وعرض من الجنوب إلى الشمال، وهي مختلفة الطول والعرض،
فأطولها وأعرضها الإقليم الأول، وأقصرها طولاً وعرضاً الإقليم السابع، وأما سائر
الأقاليم مقسم بينهما من الطول والعرض، ثم ذكر كل واحد من الأقاليم السبعة وقال في
الإقليم الرابع: الإقليم الرابع للشمس أطول ما يكون النهار في المدن التي على الخط
المسمى، وبسيطه أربعة عشر ساعة ونصف، وبعد هذا الخط من خط الإستواء ستة وثلاثون
درجة يكون من الأميال ألفي ميل وأربعمائة ميل، وسعة عرضه من آخر حدود الإقليم
الثالث إلى أول حد الخامس من الأجزاء خمس درج وأربع دقائق ونصف يكون ذلك من
الأميال ثلاثمائة وثمانية وثلاثين ميلاً ونصف ميل، وابتداؤه من الشرق، ويمر على
بلاد الصين وجنوب بلاد يأجوج ومأجوج، ثم يمر على بلاد الترك مما يلي الجنوب
والشمال من بلاد الهند، ثم يمر على بلاد بلخ، ثم يمر على شمال بلاد كابل ثم يمر
على سجستان، ثم يمر على وسط بلاد كرمان وخراسان، ثم يمر على بلاد فارس وخوزستان،
ثم يمر على وسط بلاد العراق، ثم على وسط ديار بكر وربيعة، ثم يمر على جنوب بلد
الثغر، وشمال بلد الشام، ويمر على وسط بحر الروم وجزيرة قبرس، وجزيرة رودس، ويمر
في البحر على شمال بلاد مصر والإسكندرية، وشمال بلاد مساريقي وبلاد القادسية،
وبلاد القيروان وبلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثر هذه المواضع ألوانهم بين
السمرة والبياض.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال إثنان وعشرون يهراً، ومن المدن المشهورة الكبار
نحو مائتي مدينة وإثنا عشر مدينة، وهذا الإقليم هو إقليم الأنبياء والحكماء، لأنه
وسط الأقاليم، ثلاثة جنوبية وثلاثة شمالية، وهو أيضاً في قسمة النير الأعظم من بعد
الإقليمين اللذين عن جنبتيه أعني الثالث والخامس؛ وعد من المدن المشهورة في هذا
الاقليم: زبطرة، ملطيه، سميساط، بالس، منبج، حلب، قنسرين، المعرة، كفر طاب، شيزر،
حماه، فامية، أنطاكية، طرسوس، الكنيسة السوداء، أذنه، المصيصة، قورص، دلوك.
قال: وعرض هذه البلدان جميعها من ثلاثة وثلاثين درجة إلى تسعة وثلاثين درجة، وعد
غير هذه المواضع من المدن لم أكتبها لأنه لا يتعلق بذكرها لي غرض، وإنما غرضي منها
ما ذكرته لأنه من أعمال حلب حرسها الله تعالى.
وقرأت في تاريخ الموصل للخالديين أبي بكر وأبي عثمان قالا: وأما موقعها يعني
الموصل من الأقاليم السبعة، ففي الإقليم الرابع وهو أفضل الأقاليم وأجلها، وذلك
أنه يبتدىء من المشرق بالصين فيمر ببلاد التبت ثم على خراسان، ففيه من المدن:
خجنده وأشروسنة وفرغانة وسمرقند وبلخ وبخارى وهراة وأبرشهر ومرو روذ ومرو الشاهجان
وسرخس وطخارستان وطوس ونيسابور وجرجان وقومس وطبرستان ودنباوند والديلم والري
وأصبهان وقم وهمذان ونهاوند والدينور وحلوان وشهرزور وسرمن رأى والموصل وبلد
نصيبين وآمد ورأس عين وقاليقلا وشمشاط وحران والرقة وقرقيسيا، ثم يمر على شمال
الشام، ففيه من المدن: بالس ومنبج وسميساط وملطيه وزبطرة حلب وقنسرين وأنطاكية والمصيصة
وأطرابلس وصيدا وأذنه وطرسوس وعمورية واللاذقية؛ ثم يمر في بحر الشام على جزيرة
قبرس، ورودس، وإليها ينسب هذا الإقليم؛ ثم يمر في أرض المغرب بالأندلس وقرطبة
وسردينه إلى بلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب.
وأهل هذا الإقليم أصح هذه الأقاليم طباعاً وأتمهم اعتدالاً، وأحسنهم وجوهاً
وأخلاقاً.
والإقليم
الوسط هو الذي فيه الموصل أكثر الأقاليم السبعة مدناً وعمارة، وإنه واسطة الأقاليم
وأطيبها ماء، وأعدلها هواء، وأحسنها أهلاً، وفيه مغاص الدر، وفي جباله أنواع
اليواقيت والحجارة المثمنة، وجميع أصناف الطيب، ولأهله الصنائع واللطف والتأليف في
الرخام، وصنع الرخام وعمل الفسيفساء ونصب الطلسمات.
ومن أهله كان الجبابرة من الملوك، وخيرة الصالحين، وكل مدينة معتدلة الهواء مشهورة
الاسم فمنه، داخلة فيه.
وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الجيهاني في كتابه: والإقليم الرابع يبتدىء من
المشرق فيمر ببلد التبت ثم على خراسان، فيكون فيه من المدن: فرغانه وخجنده
وأشروسنة وسمرقند وبخارى وبلخ وآمل وهراة ومرو الروذ ومرو وسرخس وطوس ونيسابور
وجرجان وقومس وطبرستان ودنباوند وقزوين والديلم والري وأصبهان وقم وهمذان ونهاوند
والدينور وحلوان وشهرزور وسر من رأى والموصل وبلد ونصيبين وآمد ورأس العين
وقاليقلا وشمشاط وحران والرقة وقرقيسيا؛ ويمر على شمال الشام ففيه من المدن هناك:
بالس ومنبج وسميساط وملطيه وزبطرة وحلب وقنسرين وأنطاكية وأطرابلس والمصيصة
والكنيسة السوداء وأذنه وطرسوس وعمورية ولاذقية؛ ثم يمر في بحر الشام على جزيرة
قبرس، ورودس، ثم يمر في أرض المغرب على بلاد طنجه، وينتهي إلى بلاد المغرب.
قال: والاقليم الرابع وسطه حيث يكون طول النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصف ساعة،
وارتفاع المقطب ستة وثلاثين جزءاً وخمس جزء، وعرضه من حد الاقليم الثالث إلى حيث
يكون طول النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة، وارتفاع القطب تسعة
وثلاثين جزءاً وهو مسافة ثلاثمائة ميل.
أنبأنا الخطيبان أبو البركات سعيد وأبو الفضل عبد الواحد ابنا هاشم بن ابن أحمد بن
عبد الواحد الاسديان قالا: كتب إلينا الحافظ أبو طاهر بن محمد الأصبهاني أن أحمد
بن محمد بن الآبنوسي أنبأهم قال: أخبرت عن أبي الحسين ابن المنادي قال: والاقليم
الرابع وسطه حيث يكون طول النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصف ساعة، وارتفاع القطب
ستة وثلاثين جزءاً وخمس جزء، وعرضه من حد الاقليم الثالث إلى حيث يكون طول النهار
الأطول أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة وارتفاع القطب تسعة وثلاثين جزءاً وهو مسافة
ثلاثمائة ميل.
قال: والاقليم الرابع يبتدىء من المشرق فيمر ببلاد التبت ثم على خراسان، وفيه من
المدن هنالك خجنده، وأشروسنة، وفرغانة، وسمرقند، وبلخ، وبخارى وآموية، ومروذ،
ومرو، وسرخس، وطوس، ونيسابور، وجرجان وقومس وطبرستان، ودنباوند، وقزوين، والديلم،
والري، وأصبهان، وقم، وهمذان ونهاوند، والدينور، وحلوان، وشهرزور، وسر من رأى
والموصل وبلد ونصيبين وآمد، ورأسعين، وقاليقلا، وشمشاط وحران، والرقة، وقرقيسيا،
ثم يمر على شمال الشام وفيه من المدن هنالك بالس ومنبج وسميساط وملطية وزبطرة
وحلب، وقنسرين وأنطاكية، وطرابلس، والمصيصة، وصيدا، والكنيسة السوداء، وأذنة،
وطرسوس، وعمورية، ولاذوقية، ثم يمر في بحر الشام على جزيرة قبرس، ورودس ثم يمر في
أرض المغرب على بلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب، وذكر الحيار من الاقليم الثالث.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الشافعي بدمشق قال: أخبرنا عمي أبو
القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي الحافظ قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن
إبراهيم الحسيني وأبو الحسن علي بن أحمد بن منصور المالكي وأبو منصور عبد الرحمن
بن محمد بن عبد الواحد بن زريق.
وأنبأناه إجازة عاليا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن
زريق قالوا: قال لنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ: ذكر علماء الأوائل أن
أقاليم الأرض سبعة وأن الهند رسمتها فجعلت صفة الأقاليم كأنها حلقة مستديرة
تكتنفها ست دوائر على هذه الصفة.
فالدائرة
الوسطى هي اقليم بابل والدوائر الست المحدقة بالدائرة الوسطى كل دائرة منها إقليم
من الأقاليم الستة فالاقليم الأول منها إقليم بلاد الهند، والاقليم الثاني اقليم
الحجاز، والاقليم الثالث اقليم مصر، والاقليم الرابع إقليم بابل وهو الممثل
بالدائرة الوسطى التي اكتنفتها سائر الدوائر، وهو أوسط الأقاليم وأعمرها، وفيه
جزيرة العرب، وفيه العراق الذي هو سرة الدنيا، وحد هذا الاقليم مما يلي أرض الحجاز
وأرض نجد الثعلبية من طريق مكة، وحدة مما يلي الشام وراء مدينة نصيبين من ديار
ربيعة بثلاثة عشر فرسخاً، وحده مما يلي أرض خراسان وراء نهر بلخ، وحده مما لي
الهند خلف الديبل بستة فراسخ، وبغداد في وسط هذا الاقليم، والاقليم الخامس بلاد
الروم والشام، والاقليم السادس بلاد الترك، والاقليم السابع بلاد الصين.
وهذا الذي ذكره الخطيب من أن الاقليم الخامس بلاد الروم والشام وهم فاحش لأن
البلاد الشمالية من الشام وهي التي حكينا فيها عن الخالدين والجيهاني، وأبي الحسين
بن المنادي، وعن الرسالة التي ذكرناها في أول الباب ما حكيناه، اتفقوا كلهم على
أنها من الاقليم الرابع، وما عدا هذه البلاد من بلاد الشام وهي الأكثر هي من
الاقليم الثالث، فكيف يجعل الشام جميعه من بلاد الاقليم الخامس ولم يذهب أحد إلى
ذلك، وإنما أوردنا قوله لوصفه الاقليم الرابع لكونه أوسط الأقاليم وأعمرها. والله
الموفق للصواب.
باب ما جاء في
صحة تربة حلب
وهوائها واعتدال مزاجها وخفة مائها
أعلم أن هواء حلب الغربي ينعش الأنفس ويحييها، ويربي الأجسام ويغذيها، ويؤثر في
الأجساد كتأثيره في الزروع بعد الفساد، فإن الزرع بها قد يذبل ويبور فيخضر عندما
تهب عليه الدبور، ومياهها بالرقة والخفة موصوفة، وتربتها بقلة العفونات مشهورة
معروفة، وهذه الأسباب موجبة للصحة والاعتدال مؤثرة في دفع الاسقام والأعلال، وما
أحسن ما وصفها عبد الملك بن صالح وجمع في أوجز كلام ما فيها وفي بلادها من
المدائح، وقد قبل له يوماً: يا أبا عبد الرحمن ما أحسن بلادكم ! فقال: وكيف لا
تكون كذلك، وهي تربة حمراء، وسنبلة صفراء، وشجرة خضراء، فيافي فيح وجبال وضح.
وسمعت الحكيم الصفي سليمان بن يعقوب بن سعيد البغدادي بقيصرية من بلد الروم يقول
لي: ذكر أرسطا طالس في كتاب الكيان أنه لما أتى مع الاسكندر لقصد دارا الملك
ومقابلته، وصل معه إلى حلب وكانت تسمى باليونانية بيرواء فتحقق حال تربتها وصحة
هوائها، فاستأذن الاسكندر في المقام بها وقال: إن بي بهاء مرضاً باطناً، وهواء هذه
البلدة موافق لشفائي، فأقام بها، فزال ما كان به من المرض.
وقد اتبعه الاسكندر بعد ذلك فيما اعتمده من فعاله، وسلك طريقه الذي سلكه ونسج على
منواله، فإن الشيخ أبا منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الفقيه الدمشقي أخبرنا
بها قال أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه قال: أخبرنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم
المقدسي وأبو محمد عبد الله بن عبد الرزاق بن فضيل قالا: أخبرنا أبو الحسن محمد بن
عوف بن أحمد بن عوف قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن منير قال: أخبرنا أبو بكر محمد
بن خريم قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا غالب بن غزوان الثقفي قال: حدثنا صدقة
بن يزيد الخراساني عمن حدثه قال: لما أتى ذو القرنين العراق استنكر قلبه فبعث إلى
تراب الشام فأتي به، فجلس عليه، فرجع إليه ما كان يعرف من نفسه.
ولا أشك أن التراب الذي أحضر إليه من تراب حلب، أو بعض عملها لما ذكرناه من فعل
أرسطو، ولما بيناه في الباب المتقدم من أن الاقليم الرابع واسطة الأقاليم وأطيبها
ماء وأعدلها هواء وأحسنها أهلاً، وأصحها طباعاً، وليس في بلاد الشام من الاقليم
الرابع غير حلب وأعمالها.
وقرأت بخط الحافظ أبي نصر بن فتوح الحميدي قال: ووقع طاعون ووباء بالشام فأراد
الوليد أن يخرج إلى حلب فيقيم بها، فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل
يقول: " قل لن ينفعكم الفرار إِن فررتم من الموت أو القتل وإِذاً لا تمتعون
إلا قليلاً " فقال له الوليد: فذلك القليل أريد.
قلت
وقد كان جماعة من بني أمية اختاروا المقام بناحية حلب، وأثروها على دمشق مع طيب
دمشق وحسنها، وكونها وطنهم، ولا يرغب الانسان عن وطنه إلا بما هو أفضل منه، فمنهم
هشام بن عبد الملك انتقل إلى الرصافة، وسكنها واتخذها منزلاً لصحة تربتها، واختار
المقام بها على دمشق، ومنهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله أقام بخناصرة واتخذها له
منزلاً، ومنهم مسلمة بن عبد الملك سكن بالناعورة، وابتنى بها قصراً وبناه بالحجر
الصلد الأسود، وبقي ولده به بعده، وكان صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قد ولي
الشام جميعه، فاختار حلب لمقامه، وابتنى له بظاهرها قصر بطياس وهو من غربي النيرب
وشماليه، وولد له به عامة أولاده، كل هذا لما اختصت به هذه البلاد من الصحة
والاعتدال، وكذلك الحصانة.
فإنني قرأت في كتاب نسب بني العباس تأليف أبي موسى هرون بن محمد بن اسحق بن موسى
بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: أن إبراهيم بن صالح بن علي
بن عبد الله بن العباس لما مات وكان أولاده بفلسطين قال: فأمر الرشيد عبد الملك بن
صالح بحمل ولد إبراهيم جميعاً من فلسطين إلى حلب من مال أمير المؤمنين لاجتماع ولد
صالح بن علي بها ولأنها حصينة منيعة، وأن يجري عليهم من الأرزاق ما أمر به لهم،
فحملهم عبد الملك بن صالح جميعاً من فلسطين إلى حلب، فلم يزالوا بها إلى أن توفي
الرشيد، ثم افترقوا.
وأما غير هؤلاء من الملوك العظام أرباب الممالك الواسعة والبلاد الشاسعة الذين
تركوا سائر بلادهم، واختاروا المقام بحلب قراراً، وجعلوها مسكناً لهم وداراً،
فأكثر من أن يحصون، وهذا هرقل على سعة مملكته واستيلائه على بلاد الروم وبلاد
الشام جميعها اختار المقام بأنطاكية، وكان كما ذكرنا عنه أنه كلما حج بيت المقدس،
خلف سورية وهي شام حلب وقنسرين وعملهما وطعن في أرض الروم التفت إليها فقال: عليك
السلام يا سورية تسليم مودع ولم يقض منك وطره، وهو عائد، ولما فتحت قنسرين، وسار
نحو القسطنطينية التفت وقال: عليك السلام يا سورية سلام لا اجتماع بعده.
باب في ذكر
ما ورد من الكتابة القديمة على الأحجار بحلب
وعملها وما أشبه ذلك
قد ذكرنا في أول كتابنا هذا ما حكاه أبو أسامة الخطيب بحلب أن أباه حدثه أنه حضر
مع أبي الصقر القبيصي ومعهما رجل يقرأ باليونانية فنسخوا كتابة كانت على القنطرة
التي على باب أنطاكية قال: ونسختها: بنيت هذه المدينة بناها صاحب الموصل والطالع
العقرب والمشتري فيه، وعطارد يليه ولله الحمد كثيراً. وذكرنا أن صاحب الموصل هو
تلوكوس.
وقرأت بخط إبراهيم بن أحمد بن اسحق بن إبراهيم بن عطاء الله مما سمعه على أبي
العباس الكندي قريء على أبي العباس أحمد بن إبراهيم الكندي قال: حدثني أبو مزاحم
موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان في رجب من سنة تسع عشرة وثلاثمائة قال: حدثني
أبو محمد عبد الله بن أبي سعد الوراق قال: حدثني علي بن الحسين بن هرون قال: حدثني
أحمد بن عباد قال: حدثنا عبد الملك بن قريب قال: وجد حجر بقنسرين مزبور مكتوب فيه
بالعبرانية:
إذا كان الأمير وصاحباه ... وقاضي الأرض يدهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضي الأرض من قاضي السماء
وقرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان في كتاب سير
الثغور من تأليفه في ذكر مدينة طرسوس قال: وبباب قلمية يعني باب طرسوس حجر بحضرة
دار مزاحم مدور لاصق بالحائط مكتوب عليه باليونانية سطور قرأها أحمد بن طغان
السندي البيطار فذكر أن المكتوب عليه: الحمد لله الوارث للخلق بعد فناء الدنيا كما
غرقني، فإني ابن عم ذي القرنين عشت أربعمائة سنة وكسرا، ودرت الشرق والغرب أطلب
دواء للموت من أراد أن يدخل الجنة فليصل في هذا الدير عند العمود ركعتين، ومن أراد
صنعة العمد وآلتها، فعليه بالقنطرة السابعة من جسر أذنه.
أخبرنا
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الاربلي قال: أخبرتنا الكاتبة شهدة
بنت أحمد بن الفرج قالت: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن محمد النعالي
قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا أبو عمرو
عثمان بن سعيد بن السماك قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم الختلي قال حدثني أبو عمرو
عثمان بن سعيد بن يزيد الأنطاكي قال: حدثنا علي ابن الهيثم المصيصي قال: حدثنا
تمام بن كثير أبو قدامة الساحلي قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور قال: حدثنا
الوليد القاص قال: أتيت أنطاكية فإذا أسود قد نبش قبراً فأصاب فيه صفيحة نحاس فيها
مكتوب بالعبرانية، فأتوا بها إلى أمام أنطاكية، فبعث إلى رجل من اليهود فقرأه،
فإذا فيه أنا عون بن أرميا النبي، بعثني ربي إلى أنطاكية أدعوهم إلى الايمان
بالله، فأدركني فيها أجلي، وسينبشني أسود في زمان أمه أحمد صلى الله عليه وسلم.
ووقع إلي ببغداد كتاب من تأليف أحمد بن محمد بن إسحق الزيات الهمذاني الفقيه،
فنقلت منه: حدثنا أبو عمرو عبد العزيز بن محمد بن الفضل قال: حدثني الفضل بن شحرف
قال: حدثنا عبد الله بن جبير قال: حدثني موسى بن طريف عن أبي يحيى عن إسماعيل بن
عياش قال: كنت جالساً إلى عامل أنطاكية إذ ورد عليه كتاب من أبي جعفر بنبش القبور
فنبشوا في هذا الجبل قبراً فإذا فيه رجل أضلاعه تتثنى، وعند رأسه لوح مكتوب فيه لا
إله إلا الله محمد رسول الله، أنا عوذ بن سام بن نوح بعثت إلى أهل أنطاكية فكذبوني
وقتلوني، وينبشني رجل أسود فرع أصلع، فنظروا فإذا الذي نبشه أسود، وكانت عليه
عمامه فكشفوها، فإذا هو أصلع، ونزعوا خفه فإذا هو أفرع، فقال: إتركوه كما كان.
أخبرنا سليمان بن محمد بن الفضل الموصلي في كتابه قال أخبرنا أبو القاسم ابن
السمرقندي قال: أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم السهمي
قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا سعيد بن كثير
قال: حدثنا ابن لهيعة عن يزيد عن أبان بن أبي عياش عن أنس ابن مالك قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إنه وجد تحت الجدار الذي قال الله عز وجل في كتابه:
" وكان تحته كنز لهما " . أنه كان لوح من ذهب، والذهب لا يصدأ ولا
يتغير، فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت
لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن
إليها، محمد رسول الله.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم الإربلي قال: أخبرتنا الكاتبه شهدة
بنت الآبري قالت: أخبرنا أبو عبد الله النعالي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد ابن
عبيد الله الحنائي قال: أخبرنا أبو عمرو بن السماك قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم بن
سنين قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عمرو بن الجراح قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد في قوله " وكان تحته كنز لهما " قال: صحف علم؛ وقال:
حدثنا إسحق بن سنين قال: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا قتيبه بن بسام عن إسماعيل
عن ليث عن مجاهد قال: كان الكنز لوحاً من ذهب في أحد جانبيه، لا إله إلا الله
الواحد " الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " ، وكان في
الجانب الآخر عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك،
وعجباً لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها، ثم هو يطمئن إليها، عجباً لمن أيقن بالحساب
غداً ثم لا يعمل.
قلت: وكان الكنز المذكور بأنطاكية فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، وقد ذكرنا
ذلك في فضل أنطاكية.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن
إبراهيم قال: أخبرنا أبو بكر الطريثيثي.
وأخبرنا
أبو إسحق إبراهيم بن عثمان الزركشي البغدادي قال أخبرنا أبو الفتح بن البطي قال:
أخبرنا أبو فضل بن خيرون قال: أبو إسحق وأخبرنا أبو المظفر الكاغدي قال: أخبرنا
أبو بكر الطريثيثي قالا: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا أبو جعفر بن درستويه
قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثتنا هنادة بنت مالك الشيباني ذكرت عن صاحبها
حماد بن الوليد الثقفي أنه سمع جعفر بن محمد وهو يقول حين سئل عن كنز الغلامين
اليتيمين وصلاح أبيهما فقال جعفر: إنه كان أبوهما صالحاً دونه سبعة آباء، فحفظ
الغلامان بصلاح أبيهما الأكبر، وإنما كان الكنز علم سطرين ونصف ولم يتم الثالث،
فيه مكتوب: يا عجبا من الموقن بالموت كيف يفرح، ويا عجبا من الموقن بالرزق كيف
يتعب، ويا عجبا من الموقن بالحساب كيف يغفل.
وهذا الكنز كان بأنطاكية، جاء في التفسير عن ابن عباس وغيره ذلك.
وفي جبل بني عليم من أعمال حلب قرية يقال لها: نحله، وقريب منها مقبرة عليها كتابة
بالرومية، ويشاهد الناظر على المقبرة في بعض الليالي نوراً ساطعاً حتى إذا قصده
إختفى عنه النور، فلا يرى شيئاً، وهذا أمر شائع ذائع مستفيض، أخبرني جماعة لا
يتصور تواطؤهم على الكذب أنهم شاهدوه.
وقال لي صديقنا بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب رحمه الله: أمر
الأمير سيف الدين علي بن قلج وكان من أكابر الأمراء بحلب، وقد اجتمعت أنا به ولم
أسأله عن ذلك، بأن تنقل تلك الكتابة الرومية، فنقلت، ودفعها إلى بعض علماء الروم،
فترجمها، فكان معناها هذا النور هبة من الله العظيم لنا، أو ذكر كلاماً نحو هذا،
وفيه زيادة عليه.
وحضرت بقلعة الراوندان عند الملك الصالح أحمد بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن
أيوب فحكى أن عنده ببلد الراوندان قرية، وأثمار بيده نحو الغرب، وقال: هي في ذلك
المكان، وإنه يشاهد فيها نور ساطع إما في ليلة الجمعة أو في ليلة أخرى سواها ينظر
إليه من كان خارجاً عن تلك القرية، حتى إذا قصدها ووصل إليها غاب عنه فلم ير
شيئاً..
قرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي في كتاب سير الثغور قال: وفي البرج
المنسوب إلى الهري، فذكر أشياء ثم قال: وعلى أسكفتي الباب العلياتين حجر قد طبق
المصراعين، فيه قبر دقيانوس ملك أصحاب الكهف، وذكر لي جماعة ثقات بطرسوس أن يازمار
الخادم في ولايته كشف عنه بمقدار ما يمكن الوصول إليه، فوجوده أحد عشر أوقية
بالطرسوسي التي وزن كل أوقية منها إثنان وثلاثون درهماً، ورد ما كان كشف منه إلى
حاله.
قلت والعجب أن عبد الله المأمون دفن في بطانة محراب جامع طرسوس بسلاحه، ولما ملك
الدمستق طرسوس، سقط محراب الجامع، وسقط المأمون بسلاحه، فأخذ الدمستق سيفه، ورد
الباقي إلى حاله، ورد إلى موضعه.
وشاهدت في المدرسة الحنفية المعروفة بالحلاوية بحلب مذبحاً من الرخام الملكي
الشفاف الذي يقرب النصارى عليه القربان وهو من أحسن الرخام صورة إذا وضع تحته ضوء
من وجهه، فسالت الشريف تاج الدين أبا المعالي الفضل ولد شيخنا إفتخار الدين أبي
هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي عنه، وكان نشأ بهذه المدرسة، وولي تدريسها بعد
أبيه فقال لي: إن نور الدين محمود بن زنكي أحضره من أفامية، ووضعه في هذه المدرسة،
وعليه كتابة باليونانية، فسألته عنها فذكر لي أنه حضر من ترجمها، وفيها مكتوب عمل
هذا للملك دقلطيانوس والنسر الطائر في أربعة عشر درجة من برج العقرب، قال: فيكون
مقدار ذلك ثلاثة آلاف سنة.
قلت وهذا دقلطيانوس هو آخر ملوك رومية، قيل أنه ملك عشرين سنة والله أعلم. وسمعت
والدي رحمه الله يقول لي: إن نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله كان يحشو للفقهاء
القطائف، ويملأ بها هذا الجرن الرخام، ويجتمعون عليه ويأكلونها.
باب في
ذكر ما بحلب وأعمالها من المزارات
وقبور الأنبياء والأولياء والمواطن الشريفة التي بها مظان اجابة الدعاء
فأما قلعة حلب ففيها مقاما إبراهيم صلى الله عليه وسلم الأعلى والأسفل، وقيل أن
إبراهيم عليه السلام كان قد وضع أثقاله بتل القلعة، وكان يقيم به ويبث رعاءه إلى
نهر الفرات والجبل الأسود، ويحبس بعض الرعاء بما معهم عنده، ويأمر بحلب ما معه،
واتخاذ الأطعمة وتفرقتها على الضعفاء والمساكين، وقد ذكرنا ذلك مستقصى في باب
تسمية حلب.
فأما
المقام التحتاني فكان موضعه كنيسة للنصارى إلى أيام بني مرداس، وقد قال ابن بطلان
في بعض رسائله إن فيها كان المذبح الذي قرب عليه إبراهيم عليه السلام، فغيرت بعد
ذلك وجعلت مسجداً للمسلمين، وجدد عمارته نور الدين محمود بن زنكي ووقف عليه وقفاً
حسناً، ورتب فيه مدرساً يدرس الفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه.
وأما المقام الأعلى ففيه تقام الخطبة بالقلعة ويصلي فيه السلطان الجمعة، وفيه رأس
يحيى بن زكريا عليه السلام موضوع في جرن من الرخام في خزانة، ووقع الحريق ليلة من
الليالي في المقام المذكور فاحترق جميعه في سنة أربع وستمائة، ولم يحترق الجرن
المذكور ودفع الله النار عنه.
وقرأت في تاريخ محمد بن علي العظيمى، وأنبأنا به شيخنا أبو اليمن الكندي عنه قال:
في سنة خمس وثلاثين وأربعمائه ظهر ببعلبك رأس يحيى بن ذكرياء في حجر منقور، فنقل
إلى حمص، ثم إلى حلب وهو إلى الآن.
وأخبرني أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي رحمه الله قال: بقلعة حلب مقام إبراهيم
عليه السلام، وبه صندوق فيه قطعة من رأس يحيى بن زكريا عليه السلام، ظهرت سنة خمس
وثلاثين وأربعمائة.
وأما ما هو في نفس المدينة فمنها مسجد الغضائري، ويعرف الآن بمسجد شعيب، وهو أول
مسجد إختطه المسلمون بحلب عند فتحها.
أنبأنا شيخنا أبو اليمن الكندي عن محمد بن علي العظيمي قال: لما فتح المسلمون حلب
دخلوها من باب أنطاكية، ووقفوا داخل الباب، وحفوا حولهم بالتراس، فبني في ذلك
المكان مسجد وهو المعروف بالغضائري.
وأخبرني عمي أبو غانم محمد بن هبة الله أن الغضائري كان يعبد الله بالمسجد المعروف
بالغضائري داخل باب أنطاكية، وهو المعروف الآن بمسجد شعيب، لأن نور الدين وقف عليه
وقفاً، وجعل فيه الشيخ شعيباً يقريء الناس الفقه.
وهذا الغضائري هو أبو الحسن علي بن عبد الحميد الغضائري أحد الأولياء من أصحاب سري
السقطي وحج من حلب ماشياً أربعين حجه، وسنذكر ترجمته في موضعها من كتابنا هذا إن
شاء الله.
وأما شعيب فهو ابن أبي الحسن بن حسين بن أحمد الأندلسي الفقيه، كان من الفقهاء الزهاد،
وكان محمود بن زنكي يعتقد فيه، وكان مقيماً بهذا المسجد، فوقف على المسجد وقفاً
ورتب فيه شعيباً هذا يذكر الدرس على مذهب الشافعي رضي الله عنه، فاليوم يعرف بمسجد
شعيب. وسنذكر ترجمته إن شاء الله تعالى.
ومنها مسجد غوث داخل باب العراق في المرمى، وفيه قطعة من عمود فيه كتابة في الجمر،
يزعمون أن علياً رضوان الله عليه كتبها بسنان رمحه حين ورد إلى صفين، ويقولون: إن
هذا الحجر نقل من الرقة إلى حلب.
قال لي: علي بن أبي بكر الهروي فيما ذكره من الزيارات بحلب: وبها داخل باب العراق
مسجد غوث به حجر عليه كتابه، ذكروا أنها خط علي بن أبي طالب عليه السلام، وله
حكاية.
قلت وأظن أن مسجد غوث هذا منسوب إلى غوث بن سليمان بن زياد قاضي مصر، وكان قدم مع
صالح بن علي بن عبد الله بن العباس إلى حلب، وسنذكر ترجمته في موضعها من هذا
الكتاب إن شاء الله تعالى. ومنها مشهد النور وهو بالقرب من باب قنسرين في برج من
أسوار حلب فيما بين برج الغنم وباب قنسرين قال لي عمر أبو غانم محمد بن هبة الله
بن أبي جرادة: هذا مشهد النور، إنما سمي بذلك لأنه رؤي النور ينزل عليه مراراً؛
قال: وكان ابن أبي نمير العابد يتعبد فيه، فاتفق أن نزل ملك الروم على حلب محاصراً
لها، فجاء الحلبيون إلى ابن أبي نمير العابد فقالوا إدع الله لنا أيها الشيخ، قال:
فسجد على ترس كان عنده، ودعا الله تعالى وسأله دفع العدو عن حلب، فرأى ملك الروم
في منامه تلك الليلة قائلاً يقول له إرحل عن هذه البلدة، وإلا هلكت، أتنزل عليها
وفيها الساجد على الترس في ذلك البرج، وأشار إلى البرج الذي فيه مشهد النور،
فانتبه ملك الروم، وذكر المنام لأصحابه، وصالح أهل حلب، وقال: لا أرحل حتى تعلموني
من كان الساجد على الترس في ذلك البرج، فكشفوا عنه فوجدوه ابن أبي نمير ورحل ملك
الروم عن حلب.
وقال لي الوزير الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف القفطي: مشهد النور تعتقد فيه
النصيرية إعتقاداً عظيماً ويحجون إليه.
وهذا
ابن أبي نمير هو أبو عبيد الله عبد الرزاق بن عبد السلام بن عبد الواحد بن أبي
نمير العابد الأسدي، وكان من الأولياء المشهورين بالكرامات، وسنذكره في موضعه من
هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وقبره خارج باب قنسرين يزار، وتنذر له النذور إلى
يومنا هذا، وهو مدفون في تربة بني أمين الدولة ابن الرعباني، غربي قلعة الشريف
والخندق، وقيل إنه ما سئل الله عنده حاجة إلا قضاها.
وقال لي أبو بكر أحمد بن عبد الرحيم بن العجمي يقال لقبره سم ساعة، لسرعة الإجابة
عنده، يعني إذا دعا الانسان عنده على عدوه.
وكان بالقرب منه من جهة الشمال إلى جانب سور باب قنسرين قبر مشرق ابن عبد الله
العابد الحنفي، وكان فقيهاً حنفياً منقطعاً في المسجد الجامع، وكان قبره يزار
ويتبرك به، وزرته مراراً مع والدي رحمه الله، فلما حرر الملك الظاهر خنادق حلب،
ووضع التراب على المقابر حول قبر مشرق العابد من موضعه، ونقل إلى سفح جبل جوشن،
وشاهدته في الموضع الذي نقل إليه، ولوح قبره الأول عليه، وسنذكره إن شاء الله في
موضعه.
وفي المسجد الجامع في الشرقية من القبلية في العضادة الثانية الملاصقة لصحن الجامع
في شمال الشرقية موضع متعبد مشرق العابد المذكور.
وأخبرني القاضي أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب قال: كان الخطيب أبو الفضل
عبد الواحد بن هاشم يصلي بجامع حلب في الشرقية، ويتعمد الصلاة في هذا الموضع
المذكور، فسألته عن ذلك، فقال: كان أبي هاشم يصلي أبداً ها هنا كثيراً، وأخبرني أن
الشيخ مشرق بن عبد الله العابد كان يصلي فيه، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم
في المنام يصلي ها هنا.
وخارج المدينة مما يلي القبلة مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الجبانة، وفي
محراب المسجد حجر قيل أنه يجلس عليه، وفي الرواق القبلي الذي يلي الصحن صخرة نابته
فيها نقرة قيل إنه كان يحلب فيها غنمه، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم، وفي المشهد
المذكور في جهة الشمال فيها قبر الإمام علاء الدين أبي بكر الكاساني الحنفي أميركا
سان، وقبر امرأته فاطمة بنت شيخه علاء الدين السمرقندي، وكان من العلماء الصالحين،
وسنذكرها في هذا الكتاب إن شاء الله.
وقبلي هذا المشهد مقبرة فيها جماعة من العلماء الصالحين الأخيار منهم أحمد الأصولي
صاحب برهان الدين البلخي، وسيأتي ذكره إن شاء الله.
وقبلي هذه المقبرة قبر أبي الحسين الزاهد المقدسي، ينذر له النذور، والدعاء عنده
مستجاب وله كرامات مشهورة، وكان الفرنج يعظمونه، وقيل إنه رؤي وهو راكب الأسد وإلى
جانبه قبر صاحب له من الأولياء أيضاً يقال له زيد العابد.
ومن شمالي المشهد التربة المعروفة بسلفي من بني العديم فيها جد أبي أبو غانم وعمي
أبو غانم وكانا من العباد الأولياء، وفيها قبر الحافظ أبي بكر الجياني، وسيأتي ذكر
هؤلاء في هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
وفي جهة الشمال من هذه الجبانة مشهد للخضر عليه السلام قيل إنه رؤي فيه، وهو قديم
وعليه وقف.
ومن شرقي المدينة بينها وبين النيرب مشهد قرنبيا على جبل صغير قيل إنه رؤي النبي
صلى الله عليه وسلم يصلي فيه، فعمره قسيم الدولة آق سنقر، ووقف عليه وقفاً.
وخارج باب الأربعين قبر بلال بن رباح مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف موضع
قبره بل نقل إنه مات بحلب ودفن بها خارج باب الأربعين، وسنذكر ذلك في موضعه، ونذكر
إختلاف الناس فيه إن شاء الله، وقد شوهد النور مراراً ينزل على الجبانة التي خارج
باب الأربعين بالجبل.
وفي هذا الجبانة جماعة من الأولياء والصالحين منهم الحافظ أبو الحسن علي ابن
سليمان المرادي أحد الأولياء المكاشفين، والاستاذ عبد الله بن علوان والد شيخنا
الحافظ أبي محمد عبد الرحمن، وشيخنا المذكور، وفيها في تربة واحدة قبور جماعة من
الأولياء منهم الشيخ أبو الحسن علي بن يوسف الفاسي، والشريف الزمن، والشيخ عبد
الحق المغربي، وشيخ الشيوخ بالموصل وسيأتي ذكرهم في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وفي جبانة باب النصر مشهد يعرف بمشهد الدعاء، يقال إن الدعاء به مستجاب.
وبباب الجنان ملاصق الباب من ظاهره مشهد قديم يعرف بمشهد علي بن أبي طالب رضي الله
عنه، قيل رؤي في المنام؛ أخبرني بذلك الشيخ علي بن أبي بكر الهروي.
وبجبل
جوشن مشهد الدكة، ومشهد الحسين رضي الله عنه، وقد ذكرناهما عند ذكر جبل جوشن.
وفي قبلي جبل جوشن في طرف الياروقيه مشهد الأنصاري، قال لي أبو الحسن بن الهروي به
قبر عبد الله الأنصاري، كما ذكروا.
وأخبرني والدي رحمه الله قال: رأت امرأة من نساء أمراء الياروقية في المنام قائلاً
يقول: ها هنا قبر الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فنبشوا،
فوجدوا قبراً، فبنوا عليه هذا المشهد، وجعلوا عليه ضريحاً.
وفي قرية يقال لها نوايل من شرقي مدينة حلب على رأس جبلها مشهد يقال هو مقام
إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
وبأرض آرل، وهي قرية من جبل سمعان، على رأس الجبل من جهة الشرق، مشهد مشرف على بلد
الأرتيق جميعه، يقال له مشهد الرجم، يزار ويتبرك به، وفيه سرداب، قيل إن نبياً من
الأنبياء رجمه قومه، وإنه في ذلك السرداب؛ سمعت والدي رحمه الله يذكر لي ذلك.
وبروحين، قرية من جبل سمعان، مشهد حسن، وفي جانب المسجد منه ثلاثة قبور، قيل إن
الأوسط منها قبر قس بن ساعدة الإيادي والقبران الآخران قبرا سمعان وشمعون من
الحواريين، وقد ذكرنا قصة قس، ومقامه بين القبرين، والشعر الذي أنشده، فلا حاجة
إلى إعادته ها هنا، وسيأتي في ترجمة قس من شرح ذلك ما فيه مقنع إن شاء الله تعالى.
وبجبل برصايا قبر شيخ برصيصا، ومقام داود عليه السلام، وقد ذكرناه، وقال لي الشيخ
علي بن الهروي: جبل برصايا به مقام برصيصا العابد وقبر شيخ برصيصا، ومقام داود
عليه السلام.
وقال: مشحلا قرية من بلد عزاز بها قبر أخي داود النبي عليه السلام. قلت وهذه مشحلا
قرية من قبلي عزاز وغربها، وبها نهر جار وبساتين، وقد خرج منها بعض أهل الحديث.
وبقورس قبر أوريا بن حنان، في قبة من قبلي المدينة، وقصته مع داود عليه السلام
معروفة، تذكر في موضعها إن شاء الله تعالى.
وبمنبج مشهد من شرقي المدينة زعموا أن به قبر خالد بن سنان العبسي، وهو النبي الذي
ضيعه قومه، وسنذكر قصته إن شاء الله.
أخبرني علي بن أبي بكر الهروي قال: وبها يعني منبج مشهد النور، يزعمون أن به بعض
الأنبياء، ويقولون إنه خالد بن سنان العبسي الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ذلك نبي أضاعه قومه.
قال: وبها مسجد المستجاب، وبها قبور جماعة من الصالحين.
وفيها مشهد من غربي المدينة وشماليها يقال له المستجاب، يتبرك به، ويقال إن الدعاء
به مستجاب.
وبجبل باب بزاعا من غربي الباب، ويقال للجبل تيمر، مشهد مطل على الباب يزورونه
ويتبركون به، ويقولون بأنه في كل سنة في خميس نيسان يجتمع إليه من هذه الدويبات
الحمر التي تشبه الدراريج، ويوجد على المقابر شيء كثير حتى يعم أكثر الأرض التي
حول المشهد، ثم تذهب من حوله، ولا يبقى إلا اليسير.
وبجبل الطور إلى جانب قنسرين مشهد قيل إنه مقام صالح النبي عليه السلام وقد تقدم
ذكره.
وقال لي الشيخ علي بن أبي بكر الهروي مدينة قنسرين بجبلها مشهد يقال إنه مقام صالح
النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إن الناقه منه خرجت لصالح، وبه آثار أقدام
البعير.
وقال: والصحيح أن صالحاً كان بأرض اليمن، وقبره في شبوه باليمن، هذا ما ذكره ابن
الهروي، والصحيح أن موضع الناقة بالحجر من مدائن ثمود، والذي يغلب على ظني أن هذا
المشهد من بناء صالح بن علي بن عبد الله بن العباس، وكان إليه ولاية الشام، وله
آثار بحلب وقنسرين، فنسب المشهد إلى صالح عليه السلام.
وبمعرة النعمان فيما زعموا قبر يوشع بن نون عليه السلام، في مشهد هناك جدد عمارته
الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب رحمه الله، وهو يزار ويتبرك به.
وقيل إن بها قبر محمد بن عبد الله بن عمار بن ياسر، يزار أيضاً.
وبكفر طاب قرية يقال لها شحشبو قيل بها قبر الإسكندر، وقيل إنه مات بها ونزع ما في
جوفه ودفن بهذا المكان، وصبر جسده وحمل إلى أمه؛ وقد ذكر بعض أرباب التواريخ أنه
مات بحمص، فلا استبعد ذلك فإن كفر طاب كانت من أعمال حمص، والله أعلم.
قال لي علي بن أبي بكر الهروي: شحشبو قرية من أعمال فاميه، بها قبر الإسكندر،
ويقال إن أمعاءه هناك وجثته بمنارة الاسكندرية، وقيل إنه مات ببابل.
وبدير
سمعان من قرى معرة النعمان، ويقال أيضاً دير النقيره لأن إلى جانبها قرية يقال لها
النقيرة قبر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في حائر صغير وإلى جانبه من خلف ظهره
قبر الشيخ أبي زكرى يحيى بن المنصور، وكان أحد أولياء الله تعالى، وله كرامات
ظاهرة، وكان قد أقام في المسجد الذي بهذه القرية يعبد الله تعالى حتى أدركه أله،
فدفن في الحائر إلى جانب عمر رضي الله عنهما، وسنذكره إن شاء الله تعالى في كتابنا
هذا.
وبأنطاكية قبر حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وزرت قبره بها. وبها قبر عون بن أورميا
النبي، وقبر عوذ بن سام بن نوح النبي عليهما السلام، وقد ذكرناهما في باب قبل هذا.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن داود بن عثمان الدربندي بحبرى في مشهد الخليل عليه
السلام قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الشافعي قال: أنبأنا أبو سعد
عمار بن طاهر بن عمار بن إسماعيل الهمذاني قال: أخبرنا أبو القاسم مكي بن عبد
السلام بن الحسن بن القاسم بن محمد الرميلي المقدسي قال: أخبرني الشيخ أبو الحسن
علي بن الخضر بن سليمان بن سعيد السلمي الدمشقي إجازة، شافهني بها قال: أخبرنا أبو
القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الحافظ الرازي قال: حدثنا أبو يعقوب إسحق بن
إبراهيم الأذرعي قال: حدثنا محمد بن الخضر عن هشام بن خالد عن الوليد بن مسلم عن
سعيد - يعني - بن عبد العزيز عن مكحول عن كعب قال: بطرسوس من قبور الأنبياء عشرة،
وبالمصيصة خمسة، وبسواحل الشام من قبور الأنبياء ألف قبر، وبأنطاكية قبر حبيب
النجار، وذكر تمام الحديث.
وقد ذكرنا فيما تقدم في فضل أنطاكية حديثاً مسنداً مرفوعاً إلى النبي صلى الله
عليه وسلم قال: إن فيها التوراة، وعصا موسى، ورضراض الألواح، ومائدة سليمان بن
داود في غار من غيرانها؛ وفي حديث آخر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: وفيها جبل، وفي ذلك الجبل غار، وفي ذلك الغار عصا موسى صلى الله عليه وسلم
وشيء من ألواحه، ومائدة سليمان، ومحبرة إدريس، ومنطقة شعيب، وبردا نوح.
وقد ذكرنا فيما نقلناه عن الحسن بن أحمد المهلبي في وصفها، وبها كنيسة القسيان وهي
كنيسة جليلة، ويقال إن بها كف يحيى بن زكرياء عليه السلام.
وقرأت بخط أبي عمرو الطرسوسي قاضي المعرة قال: قبر أبي معاوية الأسود بطرسوس، بباب
الجهاد في الطريق الآخذ إلى الميدان يمنة السائر، بإزاء قبة ابن الأغلب، ما فارقه
الزوار مدة عمارة طرسوس تبركاً به وتيمناً بالدعاء بحضرته؛ وقال أبو عمرو سمعت عدة
من شيوخ طرسوس يقولون ما صدق أحد نيته في حاجة لله عز وجل فيها رضاً، فتوسل ودعا
عند قبر أبي معاوية إلا أجابه الله عز وجل.
وبعرب سوس، وقيل إنها آخر حدود الشام في جبل بانجلوس من غربي عرب سوس، الكهف الذي
كان فه أصحاب الكهف، ولبثوا فيه ثلاثمائه سنين، وزرت المكان عند دخولي إلى بلاد
الروم، وهو مكان حسن كثير الزوار، وهو كما وصفه الله تعالى في كتابه. " وترى
الشمس إِذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإِذا غربت تقرضهم ذات الشمال " .
والكهف يدخل إليه الإنسان حبواً لا يمكن الماشي أن يمشي فهي قائماً لقصر سقفه،
وبني عليه مشهد عظيم بالحجر، وجعل له سور، ووقف عليه للزوار، وقد ذكرنا عرب سوس
فيما تقدم.
قال لي علي بن أبي بكر الهروي مدينة الرصافة بها قبور جماعة من الصحابة والتابعين
لا أعرف أسمائهم.
وقال: مدينة بالس بها مشهد علي بن أبي طالب عليه السلام، وبها مشهد الطرح، وبها
مشهد الحجر، يقال إن رأس الحسين عليه السلام وضع عليه عندما عبروا بالسبي والله
أعلم.
باب في
ذكر ما بحلب وأعمالها من العجائب
والخواص والطلسمات والغرائب
حدثني والدي رحمه الله قال: لم يكن البق يوجد في مدينة حلب ولا يعهد منه شيء، إلى
أن اتفق عمارة في بعض أسوارها، ففتح فيها طاقة أفضت إلى مغارة كانت مسدودة، فخرج
منها بق عظيم عند فتحها، أظنها في ناحية قلعة الشريف، فحدث البق فيها من ذلك
اليوم.
قال: وقيل بأنه كان الانسان إذا أخرج يده من داخل السور إلى خارجه سقط البق على
يده، فإذا أعادها إلى داخل السور إرتفع.
وأخبرني
الرئيس إبراهيم بن الفهم رئيس معرة النعمان قال: كان في معرة النعمان عمود فيه
طلسم للبق، قال: وذكر أهل المعرة أن الرجل كان يخرج يده وهو على سور المعرة إلى
خارج السور فيسقط عليها البق، فإذا أعادها إلى داخل السور زال عنها.
قال لي وأخبرني رجل من أهل المعرة يسمى محمداً قال: رأيت أسفل عمود في الدار التي
كنت بها في معرة النعمان ففتحت موضعه لأستخرجه، فانخرق إلى مغارة، فأنزلت إليها
إنساناً، أو قال نزل هو بنفسه، ظناً أنه مطلب، فوجدنا مغارة كبيرة، ولم نجد فيها
شيئاً، قال: ورأى فيها في الحائط صورة بقة، قال: فمن ذلك اليوم كثر البق بمعرة
النعمان وقد قال أبو عمرو القاسم بن أبي داود الطرسوسي في قصيدة الأعلام في وصف
أنطاكية وقد قدمنا ذكره.
والبق لا يدخلها ويتصل ... لكن بها فأر عظيم كالورل
وقال في تفسير هذا البيت، ولا يدخلها البق، ومن خرج منها آذاه البق، وهي كثيرة
الفأر.
وسمعت والدي رحمه الله وغيره من الحلبيين يقولون: لم نسمع بأن حية من الحيات التي
داخل مدينة حلب لدغت أحداً فمات من لدغتها. قال لي والدي رحمه الله: ويقال إن بها
طلسماً للحيات، وقيل إنه ببرج الثعابين في الزاوية التي عند باب الفراديس المستجد.
وبلغني أن جماعة في زماننا لدغتهم حيات داخل مدينة حلب، ولم تؤذهم كجاري العادة،
وأن الملدوغ لا يبقى بالألم إلا أياماً يسيره ويبرأ، والعجب أن حيات بانقوسا خارج
المدينة لا تلدغ أحداً إلا ويموت في الحال، وحيات المدينة كما ذكرنا، وهذا لطف من
الله عز وجل.
وسرمين لا يوجد فيها حية أصلاً، وفي وسطها عمود يقال إنه طلسم للحيات.
وذكر لي أهل معرة النعمان أن حيات معرة النعمان لا تؤذي إذا لدغت كما يؤذي غيرها.
وسمعت إبراهيم بن الفهم رئيس المعرة يقول: إن العمود القائم في مدينة المعرة هو
طلسم، ذكروا أنه للحيات، وأن الحية إذا لدغت إنساناً عندنا بالمعرة لا تؤذيه. وهذا
العمود قائم مستقر على قاعدة بزبرة حديد في وسطه يميله الانسان فيميل، وربما تميله
الريح القوية، ويضع الناس إذا مال الجوز أو اللوز فيعود إلى مستقره فيكسره.
وسمعت إبراهيم بن الفهم المذكور يقول كان بالمعرة عمود آخر كان فيه طلسم للعقارب،
فكانت العقارب بالمعرة لا تؤذي، فزال ذلك العمود، فزال أثره والعقارب اليوم
بالمعرة إذا لدغت تقتل وبناحية الجزر من أعمال حلب بالقرب من معرة مصرين قرية يقال
لها يحمول، ولنا فيها ملك تتوارثه عن أجدادنا من حدود الثلاثمائه للهجرة، لا يوجد
في أرضها عقرب أصلاً. وحكى لي جماعة من فلاحيها أنهم يخرجون في بعض الأوقات،
ويحتطبون من جبل الأعلى حطباً، ويأتون به إلى يحمول هذه فربما يعلق في الحطب من الجبل
عقرب، فمتى ما شمت تراب يحمول ماتت.
ومن العجب أن إلى جانب يحمول قريتين يقال لأحديهما الكفر وللأخرى بيت رأس، وبين
جدارها وجدار كل واحدة من القريتين مقدار شوط فرس، وإذا صاح إنسان في القريه سمع
في القرية الأخرى، وفي كل واحدة من القريتين من العقارب شيء كثير، وهي من أشد
العقارب ضرراً.
وفي يحمول هذه آبار كثيره ماؤها معين طول البئر مقدار عشره أذرع، وهاتان القريتان
ليس فيهما بئر واحد، وإذا حفر فيهما بئر لا يجدون فيها معيناً، ولهم صهاريج من ماء
المطر، وربما يقل عليهم الماء، فيكون شرب أهل القريتين من يحمول هذه.
وأخبرني من أثق به من الحلبيين أنه ولي عملاً بشيح الحديد، وأنه لا يوجد بها عقرب
أصلاً وأن الرجل من أهل شيح إذا غسل ثوبه في مائها ثم خرج إلى موضع آخر، فوضع على
ثوبه ماء وعصر وشربه من لدغته عقرب بريء من وقته، وإن قطر منه قطرة على عقرب ماتت
في الحالة الراهنة.
وهذه شيح الحديد قرية كبيرة لها كورة، وفيها وال وديوان، وهي في طرف العمق من
أعمال أنطاكية وهي اليوم من أعمال حلب مضافة إلى حارم، وبها كان مقام يوسف بن
أسباط رحمة الله عليه.
وأخبرني
والدي رحمه الله وجماعة من مشايخ حلب، يأثره الخلف عن السلف، أن العمود الحجر المعروف
بعمود العسر، بالقرب من الأسفريس بمدينة حلب، ينفع من عسر البول، وإذا أصاب
الإنسان، أو الدابة عسر البول أتوا به إليه وأداروا به حوله، فيزول ما به، وذكروا
أن هذا مجرب، والناس يعرفون ذلك إلى زمننا هذا ويستعملونه فيفيد، والمحله التي هذا
العمود بها تعرف بعمود العسر.
وفي قرى حلب في الناحية الشرقية وتعرف بالحبل خربة تعرف بجبب الكلب، وهي إلى جانب
قبثان الحبل كان بها بئر ينفع المكلوب؛ وأخبرني والدي رحمه الله فيما يأثره عن
سلفه أن هذا البئر كان ينفع من عضه الكلب الكلب، فيأ من المعضوض من الكلب بالنظر
في تلك البئر والشرب منها.
قال والدي رحمه الله: وبطلت منفعة البئر بأن امرأة ألقت فيها خرقة حيض، فبطل
تأثيرها، وهذا متداول عند أهل حلب، يأثره الخلف عن السلف، وإنما بطلت منفعه البئر
في حدود الخمسمائه.
ونقلت من خط أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن منقذ في تاريخه الموسوم بالبداية
والنهاية قال: سنة خمس وأربعين وأربعمائه فيها كلبت الذئاب والكلاب وأتلفت أكثر
الناس.
قال أبي: قال لي جدك رحمه الله كان أبي أبو المتوج قد دخل إلى حلب وتركني عند جدي
الصوفي أتفرج بسرمين، وكنت لا أعرف لي والداً سواه لغيبة أبي عند الأمراء والملوك،
فقال: يا علي إحذر أن تخرج وحدك فإن الكلاب الكلبة كثير، فاتفق أنني خرجت مع
أصحابي وغلماني فقيض لي كلب فرعشني، فدخلت غير طيب النفس، وذلك بعد العصر والزمان
الصفري في التشارين، فمضى من خبر جدي الحسن الصوفي العجلي، فركب فرسه، وأخذ دلواً
للسموط وأخذني، ومضى يخب ويناقل وأنا معه إلى أن أتى بي جب الكلب شمالي حلب فسقاني
منه، وغسل يدي ورجلي ووجهي، وقال: إقلع ثيابك، فقلت: الله الله إن خلعت ثيابي في
هذا البرد مت، فقال: وليت مت واسترحت يا فاعل يا صانع، فاستقى أربعين دلواً وصبها
علي، وقال: تطلع في الجب، وكانت آية الجب إن نفع المرعوش أبصر النجوم في الجب، وإن
لم ينفعه سمع نبيح الكلاب، فقال: ما ترى؟ فقلت أرى النجوم في الماء، فقال: الحمد
لله، وركب، وأخذني فبات في سرمين، ولكن بعد تهور الليل.
قال: يقول جدك: فوالله بعد تمام الإسبوع بلت ثلاث كلاب مصورة بأذنابها ورؤوسها.
قال: ولم يزل هذا الجب يتداوى به الناس إلى أن ملك حلب رضوان الملك ابن تاج
الدولة، فعول على توسيع فمه، وكان ضيقاً عليه أربعة أعمدة، تمنع أن ينزل فيه،
فقال: نعمله يكون الإنسان ينزل إليه، ولا يقلب عليه، فقيل له: إن هذه الطلسمات لا
يجب أن تتغير عن كيفياتها، فلم يقبل ففتحه فزال عنه ما كان يزيل الأذى، وكان يقال
إن ذلك كان في سنة ست وتسعين وأربع مائه، وهو كان من العجائب الثلاث: جب الكلب،
ونهر الذهب، وقلعة حلب، فأما النهر فهو ماء يجري إلى أن ينتهي إلى مواضع في الجبول
وغيرها من القرى، فيسكبونها ويجرون إليها السواقي، فإذا دخل تلك المساكب جمد بإذن
الله، وصار ملحاً أبيض في بياض الثلج، فيباع منه بالأموال الخطيرة، ولذلك سمي نهر
الذهب.
قلت: وهذا علي بن منقذ صاحب هذه الواقعة هو الأمير سديد الملك أبو الحسن علي بن
أبي المتوج مقلد بن منقذ الكناني الذي فتح شيزر واشتراها من الأسقف بمال بذله له
على ما ذكرناه في الباب المتقدم في ذكر شيزر، وكان من الرجال العقلاء، والأمراء
العلماء، والأدباء الشعراء، وجده المذكور لأمه هو الحسن بن عجل المعروف بالصوفي،
وبنو الصوفي الذين تولوا رئاسة دمشق كانوا من نسله، وكان الصوفي يسكن سرمين،
وسيأتي ذكرهما في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
قرأت في كتاب الربيع تأليف غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال بن المحسن ابن
إبراهيم بن هلال الصابي، وأخبرنا به عبد اللطيف بن يوسف إجازة عن أبي الفتح محمد
بن عبد الباقي بن البططي عن أبي عبد الله الحميدي قال: أخبرنا غرس النعمة أبو
الحسن قال: وحدثني أبو عبد الله بن الأسكافي كاتب البساسيري في سنة إحدى وخمسين
وأربعمائه قال: احترق بحلب عاماً أول برج من أبراج سورها، وحكى ذلك للمستنصر بالله
صاحب مصر خادم كان له بحلب، فقال له: إن كنت صادقاً ففي هذه السنة يخطب لنا
بالعراق، وذاك عندنا في كتبنا دليل على ما قلناه.
قال
أبو عبد الله: وأتفق أن جئنا وأقمنا الخطبة في ذي القعدة من سنة خمسين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
وفي قرية من قرى جبل السماق من أعمال حلب يقال لها كفر نجد، وهي قرية كبيرة كثيرة
الأشجار، بئر من غربي القرية ربما ساح ماؤها في بعض السنين على وجه الأرض، من
خاصية ماء البئر أنه يخرج العلق إذا نشب في حلق الانسان أو الدابة، إذا شرب ذلك
الماء.
وهذا أمر مستفيض لا شك فيه، فإنني جربته أنا بنفسي، فإنني سافرت في بعض السنين مع
والدي رحمه الله إلى حماه، فشربت ماءً بتمنع، وهي قرية في طريق حماة من عمل كفر طاب،
ولها ركية معروفة بالعلق، فنشب في حلقي علقة في موضع لا يوصل إليه في أقصى الحلق،
وعدت إلى حلب، وهي على حالها، وعولجت بأنواع الأدوية التي تستعمل لاستخراج العلق،
فلم تنجع شيئاً، وجعلت تكبر في حلقي، ويزداد خروج الدم بسببها، حتى أني كنت ألقي
منه في كل يوم شيئاً كثيراً، فاشتغل خاطر والدي رحمه الله لذلك، فاتفق أن حضر مقدم
قرية كفر نجد عند عمي أبي المعالي، وذكر له خاصية هذه البئر، فجاء عمي وذكر لوالدي
ذلك، فقام في الحال وركب، وسار بي إلى كفر نجد، فوصلناها آخر النهار قبل المغرب،
وخرج بي إلى البئر وشربت من مائها مراراً، وعدت إلى القرية، وألقيت من الدم شيئاً
كثيراً، وغلبني النوم لما نالني من التعب، فأغمضت، فخرجت العلقة من حلقي إلى فمي
فوجدته مطبقاً، فطلبت منفسي الهواء وأن تخرج من خيشومي، فانتبهت، وفتحت فمي، فنزلت
إليه، فأخرجتها من فمي وهي بمقدار الاصبع الطويلة بعد أن ألقت ما كان في جوفها من
الدم.
وفي أعمال حلب عدة حمات تنفع من البلاغم والرياح وكثير من الأدواء، فمنها حمة في
السخنة من عمل المناظر من ناحية قنسرين ماؤها في غاية الحرارة، وأهلها يغتسلون
فيها ويتعوضون بها عن الحمام، وذكر لي جماعة من أهلها أنهم ينتفعون بها من الريح
والبلغم والحب، ونزلت إليها واغتسلت فيها.
وذكر لي أن بناحية العمق حمة أخرى يتداوى بها الناس أيضاً.
وذكر أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب في كتاب البلدان، وعد كور قنسرين والعواصم،
وقال: وكورة الجومة، وبها العيون الكبريتية التي تجري إلى الحمة، والحمة بقرية
يقال لها جندارس، ولها بنيان عجيب معقودة بالحجارة، يأتيها الناس من كل الآفاق
فيسبحون فيها للعلل التي تصيبهم، ولا يدرى من أي يجيء ماؤها ذلك الكبريتي، ولا أين
يذهب.
وقرأت في كتاب أخبار البلدان تأليف أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني، المعروف بابن
الفقيه، قال: وعلى سبعة أميال من منبج حمة عليها قبة تسمى المدير، وعلى شفيرها
صورة رجل من حجر أسود، تزعم النساء أن كل من لا تحبل منهن إذا حكت فرجها بأنف تلك
الصورة حبلت، وبها حمام يقال له حمام الصراني في وسطه صورة رجل من حجر يخرج ماء
الحمام من إحليله.
أخبرني بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب رحمه الله قال: أخبرني ابن
الإكليلي المنجم الحلبي قال: لما حفر بالمسجد الجامع بحلب موضع المصنع للماء، وجد
فيه صورة أسد من الحجر الأسود، وهو موضوع على بلاط أسود، ووجهه إلى جهة القبلة،
قال: فاستخرجوه من مكانه، فجرى بعد ذلك ما جرى من خراب جامع حلب إما بالزلزلة وإما
بالحريق.
قلت ووقع مثل ذلك في زماننا في أيام دولة الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي
بن يوسف بن أيوب، وأتابكه ومدبر دولته طغرل الخادم الظاهري، فجدد طغرل داراً في
القلعة ليسكنها، فلما حفر أساسها، ظهر فيما حفروه صورة أسد من حجر أسود، فأزالوه
عن موضعه، فسقط بعد ذلك الجانب القبلي من أسوار قلعة حلب، وانهدم من سفح القلعة
قطعة كبيرة.
أخبرنا
أحمد بن الأزهر بن السباك البغدادي في كتابه إلي عن أبي بكر محمد ابن عبد الباقي
الأنصاري قال: أنبأنا المحسن بن علي التنوخي قال: حدثني الحسن ابن ابنة غلام أبي
الفرج الببغا، وكتب خطه، وشهد له أبو الفرج بصحة الحكاية، قال: في أعمال حلب ضيعة
تعرف بعين جارا، وبينها وبين الحوته حجر قائم قائم كالتخم بين أرض الضيعتين، فربما
وقع بين أهل الضيعتين شر فيكيدهم أهل الحوتة بأن يطرحوا ذلك الحجر القائم، فكما
يقع الحجر، يخرج أهل الضيعتين من النساء ظاهرات متبرجات لا يعقلن بأنفسهم طلباً
للجماع ولا يستقبحن في الحال ما هم عليه من غلبة الشهوة إلى أن يتبادر الرجال إلى
الحجر، فيعيدونه إلى حاله الأولى، فيتراجعن النساء إلى بيوتهن وقد عاد إليهن
التميز باستقباح ما كن عليه.
وهذه الضيعة كان سيف الدولة أقطعها أبا علي أحمد بن نصر البازيار، وكان أبو علي
يتحدث بذلك ويسمعه منه الناس وذكر هذه الحكاية بخطه في الأصل.
قلت: هكذا قال: الحوتة بالحاء، وهي الآن تسمى الهوته بالهاء، وهي إلى جانب عنجار
والهوتة أقطعتها، وبطل ما ذكره التنوخي، وقيل لي بأن الحجر باقي.
قرأت في تاريخ أعارنيه بعض الهاشميين بحلب جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر
المهذب المعري، ذكر فيه حوادث سنة سبع وستين وأربعمائة أنه ظهر بأنطاكية طلسم في
جرن على صور الأتراك، فما حال الحول حتى فتحها الأتراك.
ثم قرأت بخط محمد بن علي العظيمي الأستاذ في تاريخه، وأنبأنا به عنه المؤيد بن
محمد الطوسي في حوادث سنة سبع وستين قال: وفيها فتح سليمان بن قطلمش نيقيه
وأعمالها، وفيها كانت الزلزلة بأنطاكية فأخربت منها كنائس ومنازل وبعض سورها،
وفيها ظهر بأنطاكية طلسم الأتراك في دير على بابها، وكان الدير عاب، فلم يجدوا له
خشباً لسعة أكواره، فجددوا في وسطه أساسات للقناطر، فخرج عليهم جرن فيه خيال أتراك
من نحاس، فظهر الأتراك على أنطاكية.
وذكر العظيمي في تاريخه المختصر ما أخبرنا به شيخنا أبو اليمن الكندي إجازة عنه
قال، في حوادث سنة سبع وستين وأربعمائة: وزلزلت أنطاكية، وفتح سليمان بن قطلمش
نيقيه وأعمالها وظهر بأنطاكية طلسم الأتراك في دير الملك على باب أنطاكية سبعة
أتراك من نحاس على خيل نحاس بجعابهم، فما حال الحول حتى فتحها الأتراك.
قلت: فقد تواطأ ابن المهذب والعظيمي على أن هذا كان في سنة سبع وستين وليس الأمر
كذلك بل كان فتح سليمان بن قطلمش أنطاكية في سنة سبع وسبعين وأربعمائة، والظاهر أن
ابن المهذب نقل ذلك وطغى القلم في سنة سبع وسبعين بستين، فكتبه على الغلط، ونقل
العظيمي ذلك من تاريخه على الغلط، والصحيح ما ذكره حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي
في أخبار الفرنج، وقرأته بخط الرئيس يحيى بن المراوي الحلبي، وذكر أنه نقله من خط
حمدان بن عبد الرحيم، قال: وكان من عجائب الزمان أن أنطاكية خربتها زلزلة عظيمة
قبل فتحها بمدة أربع سنين، وسقط من سورها عدة أبرجة.
حكى
القاضي حسن بن الموج الفوعي قال: كنت قد هربت من المجن ووصلت إلى أنطاكية وخدمت
بها الأجل مسعود وزير يغي سغان، فتركني على العمارة، قال: فعدنا إلى ما قد أخربته
الزلزلة من السور فعمرناه، فعاد أحد الأبرجة هبطاً وعاب، فأشير علينا بنقضه، وأن
يقرر أساسه، فهدمناه، ونزلنا على آخر دمس في أساسه، فوجدنا جرناً قد انكسر عليه طابق
عظيم، فكشفناه فوجدنا فيه سبعة أشخاص من نحاس على خيل من نحاس، على كل واحد ثوب من
الزرد، معتقلاً ترساً ورمحاً؛ قال: فعرفت الأجل مسعود بذلك، فنفذ ثقته، فأخرج
الأشخاص وكشف ما تحت الجرن فلم يجد شيئاً سواها، فحمل الأشخاص إلى الوزير فأخذها
وأحضرها إلى مجلس الأمير يغي سغان؛ فقال بعض الحاضرين: لو أحضر الأمير من مشايخ
المدينة من يكشف له حقيقة هذا الأمر، فتقدم بإحضار جماعة، وأبرزت إليهم الأشخاص
وقيل لهم: تعرفون ما هذه الأشخاص؟ قالوا: ما نعرف، بل إننا نحكي للأمير ما يقارب
هذا الأمر، لنا دير يعرف بدير الملك واسع الهواء، عاب علينا في سنة سبع وسبعين
وأربعمائة فتكسر أكثر خشبه، فنقضناه وتطلبنا له خشباً بمقداره فلم نجد بأنطاكية
وبلدها شيئاً، فأشار علينا بعض الصناع بتقديم الحائط فحفرنا أساس الحائط الجديد،
فلما انتهينا إلى أسفله وجدنا أشخاص أتراك من نحاس في أوساطهم القسي والنشاب، فلم
نحفل بذلك، وعمرنا الحائط، فما مضى لنا غير مدة قصيرة حتى سرق المدينة سليمان بن
قتلمش في أول شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة في أربعمائة غلام أو دون، وملكنا كما
سمع الأمير، وهذه الأشخاص ربما كانت أمة هذه أشكالهم من العرب أو غيرهم من
المسلمين، ووروا عن خبر الفرنج، وكان قد وصلهم عنهم أخبار شاذة وما يجسر أحد يفوه
بها، فشتمهم يغي سغان أقبح شتم وقال: يا كفار في الأرض غير الأتراك؟! وأمر
بإخراجهم، فما حال الحول حتى قيل الفرنج قد نزلوا القسطنطينية.
هذا ما حكاه القاضي حسن بن الموج، والتواريخ كلها متفقة على أن سليمان بن قطلمش
هجم أنطاكية في سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وقال حمدان بن عبد الرحيم بعد هذه الحكاية، ونقلته من خط ابن المراوي،: ومثل هذا
أن روجار صاحب أنطاكية احتاج إلى رخام يستعمله، فذكر له: إن في الموضع الفلاني
قصراً عمره الملك الذي عمر أنطاكية، وإن فيه من الرخام كل عجيبة، فأمر أن يطلب،
وكان هذا في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، فلما كشف عنه وجد جرن رخام، وفيه فارس على
فرس، إلا أن فيها ما ينافي الفرس، وهو ملثم لا يبين فيه غير عينيه، فأحضر ذلك
الشخص إليه، وأخذ في أحاديث تلك الأشخاص التركية والفرنجية، فنظر في ذلك، فقال له
بعض القسوس إضرب به الأرض ينكسر وينكسر شره، فضرب به الأرض حتى تكسر؛ وفي تلك
الجمعة وصله مستصرخ بيت المقدس يخبره بنزول عسكر المصريين إليهم، فسار حتى إذا
وصلهم وبرز لمقاتلة عسكرهم فجايشوا أياماً، ثم رجع عسكر مصر وقد خسر، وعاد روجار
إلى أنطاكية، ولم يقم بها غير عشرة أيام، وخرج إلى أعزاز وحاصرها، فأنفذ الحلبيون
إلى إيل غازي بن أرتق، فاستدعوه وملكوه حلب، وشد التركمان، وسار إليه فالتقوا على
فرضة ليلون على موضع إسمه تل عقبرين فكسر الفرنج، وقتل رجار وأخذ رأسه، وقتل من
الفرنج عدد ألوف، ولو تم عسكر إيل غازي إلى أنطاكية لأخذت، ولكنه هاب الأمر ولله
المشيئة.
باب في
ذكر ما يتعلق بحلب وأعمالها من الملاحم وأمارات الساعة
أخبرنا
أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي في كتابه إلينا قال: أخبرنا أبو
القاسم تميم بن أبي سعد بن أبي العباس الجرجاني قال: أخبرنا الحاكم أبو الحسن علي
بن محمد بن علي البحاثي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد ابن أحمد بن هرون قال: أخبرنا
أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون قال:
حدثنا أبو ثور قال: حدثنا معلى بن منصور قال: حدثنا سليمان بن بلال قال: حدثنا
سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة
حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من أهل المدينة، وهم خيار أهل
الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم،
فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فيهزموا، ثلث لا
يتوب الله عليهم أبداً ثم يقتل ثلثهم وهم أفضل شهداء عند الله، ويفتح ثلث، فيفتحون
قسطنطينية فبينا هم يقسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان
إن المسيح قد خلفكم في أهاليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج - يعني
الدجال - فبينا هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن
مريم فإذا رآه عدو الله يذوب كما يذوب الثلج، ولو تركوه لذاب حتى يهلك، ولكه يقتله
الله بيده فيريهم دمه في حربته.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه عن زهير بن حرب عن معلى بن منصور عن
سليمان بن بلال، وقد أوردناه عنه فيما تقدم.
كتب إلينا أبو محمد أحمد بن الأزهر بن عبد الوهاب بن السباك من بغداد أن القاضي
أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد أخبرهم كتابة عن أبي محمد الحسن ابن علي بن
محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن زكريا بن حيوية قال: أخبرنا
أبو الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن المنادي قال: أخبرت عن الحكم بن موسى السمسار
قال: حدثنا يحيى بن حمزه عن إسحق بن عبد الله قال: أخبرني عبد الرحيم بن شيبة عن
من أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بدأ الإسلام غريباً ثم يعود
غريباً، فطوبى للغرباء، قالوا: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا
فسد الناس، والذي نفسي بيده ليأرزن الإيمان إلى المدينة كما يجوز السيل الدمن،
والذي نفسي بيده ليأرزن الاسلام إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها،
فبينما هم كذلك استغاث العرب بأعرابها فخرجوا في مجلية لهم لصالح من قضى وخير من
بقي، فاقتتلوا هم والروم، فستتقلب بهم الحرب حتى بردوا العمق، عمق أنطاكية،
فيقتتلون فيها ثلاث ليال، العرب والروم، ويرفع الله النصر عن كل حتى تخاض الخيل
إلى ركبها في الدم، وتقول الملائكة يا رب ألا تنصر عبادك المؤمنين، فيقول حتى يكثر
شهادهم فيستشهد ثلث، ويصبر ثلث، ويرجع ثلث شكاكاً، فيخسف بهم، فقول الروم: لن
ندعكم حتى تخرجوا كل بضعة فيكم ليست منكم، فيقول العرب للعجم: إلحقوا بالروم،
فتقول العجم أكفر بعد الإيمان ! فيغضبون عند ذلك فيجتمعون على الروم فيقتتلون هم
وهم، ويغضب الله عز وجل عند ذلك فيضرب بسيفه ويطعن برمحه، فقيل لعبد الله بن عمرو:
وما سيف الله ورمحه؟ قال: سيف المؤمن ورمحه حتى يهلك الروم جميعاً فما ينفلت منهم
مخبر، ثم ينطلقون إلى أرض الروم فيفتحون حصونها ومدائنها بالتكبير، ثم يأتوا مدينة
هرقل فيجدوا خليجها بطحاء، ثم يفتحونها بالتكبير ثم يأتوا فيكبروه الله تكبيرة
فتسقط جداراً من جدرها، ثم يكبرون تكبيرة أخرى فتسقط جداراً آخر، ثم يكبرون تكبيرة
أخرى فتسقط جداراً آخر، ثم لا يبقى جدارها البحري إلا سقط، ويسيرون إلى روميه فيفتحونها
بالتكبير فيكيلون بها غنائمهم كيلاً بالفرايق.
قال
أبو الحسين بن المنادي: وحدثنا علي بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال:
حدثني الليث بن سعد قال: حدثني أبو قبيل المعافري عن عبد الله بن عمرو أنه قال
فيما كان يسأل عنه من الملاحم: إن رجلاً من أعداء المسلمين بالأندلس يقال له ذو
العرف يجمع من قبائل الشرك جمعاً عظيماً، فيعرف من بالأندلس أنه لا طاقة لهم به
فيهرب أهل القوة من المسلمين في السير فيجوزون إلى طنجة، ويبقى ضعفة المسلمين
وجماعتهم ليس لهم سفن يجوزون فيها، فيبعث اللهم لهم وعلاً يبين لهم الأرض في البحر
فيجوزون فلا يبطن الماء أظلافه فيفطن له الناس، فيقول بعضهم لبعض اتبعوا الوعلة،
فيجوز الناس كلهم على أثره، ثم يرجع البحر قلا على ما كان عليه قبل ذلك، ثم يجوز
العدو في المراكب، فإذا أحسسهم أهل إفريقية هربوا كلهم من إفريقية ومعهم من كان
بالأندلس من المسلمين حتى يقتحون الفسطاط هرباً من ذلك العدو حتى ينزلوا فيما بين
ترنوط إلى الأهرام مسيرة خمسة برد، فيصلون هنالك تترى، فتخرج إليهم راية المسلمين
على الجسر فينصرهم الله عليهم فيهزمونهم ويقتلونهم إلى نوبية مسيرة عشر ليال من
النيل، فيوقد أهل الفسطاط بعجلهم وأداتهم سبع سنين وينقلب ذو العرف من أهل القتل
ومعه كتاب قد كتب له وأمر أن لا ينظر فيه حتى يقدم مصر، فينظر فيه وهو منهزم، فيجد
فيه ذكر الإسلام، وأنه يؤمر بالدخول فيه إذا قرأ ذلك الكتاب، فيسأل الأمان على
نفسه وعلى من أجابه إلى الإسلام الذين انفلتوا معه من القتل، فيسلم ويصير مع
المسلمين ثم يأتي في العام الثاني رجل من الحبشة يقال له اسيس وقد جمع جمعاً،
فيهرب المسلمون من أسوان حتى لا يبقى فيها ولا فيما دونها أحد من المسلمين إلا دخل
الفسطاط فينزل اسيس بجيشه مدفاً على رأس بريد من الفسطاط، فتخرج إليهم راية من
المسلمين على الجسر فينصرهم الله عليهم، فيقتلونهم ويأسرونهم حتى يباع الأسود
بعباءة.
قال الليث بن سعد: قال أبو قبيل: فالفارس يومئذ خير من كذا وكذا راجلاً، يغير على
فرسه فيصيب لأهله الشاة والطعم يغيثهم به.
قال الليث بن سعد: فقلنا لأبي قبيل: قدر ماذا؟ فقال: قدر ما يأتيهم أعراب على
قعدانهم مداداً لهم يخرج الراكب يومئذ من عدن أبين فلا يجد لراحلته كلأً حتى يرد
الشام فإذا اجتمع المسلمون بالشام ساروا إلى الروم، فالتقوا بالأعماق من أرض
قنسرين فاقتتلوا، وأنزل الله على الفريقين الصبر ورفع عنهم النصر، قال أبو قبيل:
فيقتل ثلث المسلمين، فهم من خيار شهداء المسلمين، ويهرب ثلث فيخسف بهم ويبقى ثلث.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بدمشق قال: أخبرنا الحافظ أبو
القاسم بن الحسن قال: أنبأنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي
قال الحافظ: وحدثنا أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الواحد الحارثي الفقيه عنه
قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقريء قال: حدثنا أبو نصر عبد
الوهاب بن عبد الله بن عمر المري قال: أخبرنا أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد
السلمي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصاء قال: حدثنا أبو عامر
موسى بن عامر بن عمارة بن حريم المقريء قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثني سعيد
بن عبد العزيز أن من أدرك من علمائنا كانوا يقولون: يخرجون أهل مصر من مصرهم إلى
ما يلي المدينة، ويخرج أهل فلسطين والأردن إلى مشارق البلقاء وإلى دمشق ويخرج أهل
الجزيرة وقنسرين وحمص إلى دمشق وذلك ما كان حدثنا به سعيد عن مكحول عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بالغوطة مدينة
يقال لها دمشق.
أخبرنا
أبو الحسن محمد بن أحمد بدمشق قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال:
أخبرنا أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الواحد الحارثي قال: أخبرنا أبو طاهر محمد
بن الحسين بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم
المقريء قال: حدثنا أبو نصر عبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المري قال: أخبرنا أبو
هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف
بن جوصاء قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر بن عمارة بن خريم المقريء قال: حدثنا
الوليد بن مسلم قال: لقيت أبا بشر الكلاعي، وكان ثقة، فذاكرته، فقال: سمعت أبا وهب
الكلاعي يخبر عن مكحول أن الملاحم عشر، فأولاهن ملحمة قيسارية بفلسطين وآخرهن
ملحمة عمق أنطاكية.
قرأت في كتاب الملاحم والفتن لأبي عبد الله نعيم بن حماد المروزي، وقد قرأه كاتبه
على أبي بكر عبد الله بن محمد بن سعيد بن الحكم بن أبي مريم، قال أبو بكر: حدثنا
نعيم بن حماد.
وأنبأنا عبد العزيز بن الحسين بن هلاله قال: أخبرتنا بذلك أم هانىء عفيفة بنت أبي
بكر أحمد بن عبد الله بن محمد الفارفاني الأصبهانية قالت: أخبرتنا فاطمة بنت عبد
الله الجوزدانيه قالت أخبرنا أبو بكر بن ريذه قال: أخبرنا أبو القاسم الطبراني
قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حاتم المرادي قال: حدثنا نعيم بن حماد حدثنا الوليد بن
مسلم عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب سمع القاسم أبا عبد الرحمن يقول: الفئة
الخاذلة للمسلمين بعمق عكا وأنطاكية ينخرق لهم من الأرض خرق يدخلون فيه لا يرون
الجنة ولا يرجعون إلى أهليهم أبداً.
وقال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا الوليد عن كلثوم بن زياد عن سليمان ابن حبيب
المحاربي عن كعب قال: تقتتلون بالأعماق قتالاً شديداً ويرفع النصر ويفرغ الصبر
ويسلط الحديد بعضه على بعض حتى تركض الخيل في الدم إلى ثنتها ثلاثة أيام متوالية
لا يحجز بينهم إلا الليل حتى تقول عمائر من الناس - يعني طوائف - : ما كان الاسلام
إلا إلى أجل ومنتهى، وقد بلغ أجله ومنتهاه، فالحقوا بموالد آبائنا، فيلحقون
بالكفر، ويبقى أبناء المهاجرين، فيقول رجل منهم: يا هؤلاء ما ترون إلى ما صنع
هؤلاء قوموا بنا نلحق بالله، فما يتبعه أحد، فيمشي إليهم حتى يأتيهم فينشلونه
بينازكهم حتى أن دماءه لتبل أذرعهم، فيهزمهم الله.
قال الوليد: فحدثني عثمان بن أبي العاتكه عن كعب مثله، قال كعب: فذلك أكرم شهيداً
كان في الإسلام إلا حمزه بن عبد المطلب، فتقول الملائكة، ربنا ألا تأذن لنا بنصرة
عبادك؟ فيقول: أنا أولى بنصرتهم، فيومئذ يطعن برمحه ويضرب بسيفه ورمحه، وسيفه أمره،
فيهزمهم الله، ويمنحهم أكتافهم فيدوسونهم كما تداس المعصرة، فلا يكون للروم بعدها
جماعة ولا ملك.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا الحكم بن نافع عن جراح عن أرطأة قال: إذا ظهر صاحب
الأدهم في الإسكندرية وعلا أرض مصر لحقت العرب بيثرب والحجاز وتخلي بين الشام
وتلحق كل قبيلة بأهلها، ويبعث إليهم بجيش، فإذا انتهوا بين الجزيرتين نادى مناديهم
ليخرج إلينا كل صريح أو دخيل كان منا في المسلمين، فتغضب الموالي فيبايعون رجلاً
يسمى صالح بن عبد الله بن قيس بن يسار فيخرج بهم، فيلقى بهم جيش الروم فيقتلهم
ويقع الموت في الروم وهم يومئذ ببيت المقدس قد استولوا عليها، فيموتون موت الجراد
ويموت صاحب الأدهم، وينزل صالح بالموالي أرض سورية فيدخل عمورية وتدين له، وينزل
قموليه ويفتح بزنطيه وتكون أصوات جيشه فيها بالتوحيد عالية، وتقتسم أموالها بينهم
بالآنية، ويظهر على روميه ويستخرج منها تابوت صهيون، وتابوت من جزع فيه قرط حواء،
وكتونه آدم - يعني كساءه - ، وحلة هرون، فبينا هو كذلك إذ أتاه خبر - وهو باطل -
فيرجع.
قال جراح عن أرطاة: الملحمة الأولى في قول دانيل بالإسكندرية بسفنهم فيستغيث أهل
مصر بأهل الشام فيلتقون فيقتتلون قتالاً شديداً، فيهزم المسلمون الروم بعد جهد
شديد، ثم يقيمون عاماً ويجمعون جمعاً عظيماً، ثم يقبلون فينزلون يافا فلسطين عشرة
أميال، ويعتصم أهله بذراريهم في الجبال، فيلقاهم المسلمون فيظفرون بهم، ويقتلون
ملكهم.
والملحمة
الثانية: يجمعون بعد هزيمتهم جمعاً أعظم من جمعهم الأول فيقبلون فينزلون عكا، وقد
ملك ملكهم ابن المقتول، فيلتقي المسلمون بعكا، ويحبس النصر عن المسلمين أربعين
يوماً، ويستغيث أهل الشام بأهل الأمصار فيبطئون عن نصرهم، فلا يبقى يومئذ مشرك حر
ولا عبد من النصرانيه إلا أمد الروم، فيفر ثلث أهل الشام، ويقتل الثلث، ثم ينصر
الله البقية، فيهزمون الروم هزيمة لم يسمع بمثلها ويقتلونهم وملكهم.
والملحمة الثالثة: يرجع من رجع منهم في البحر، وينضم إليهم من كان فر منهم في
البر، ويملكون ابناً لملكهم المقتول، صغيراً لم يحتلم، ويقذف له مودة في قلوبهم،
فيقبلون بما لم يقبل به ملكاهم الأولان من العدد فينزلون عمق أنطاكية، ويجتمع
المسلمون فينزلون بإزائهم، فيقتتلون شهرين، ثم ينزل الله نصره على المسلمين
فيهزمون الروم، ويقتلون فيهم وهم هاربون طالعون في الدرب، ثم يأتيهم مدد لهم،
فيقفون ويتذامر المسلمون فيكرون عليهم كرة فيقتلونهم وملكهم، وينهزم بقيتهم،
فيطلبهم المهاجرون، فيقتلونهم قتلاً ذريعاً، فحينئذ يبطل الصليب، وينطلق الروم إلى
أمم من ورائهم من الأندلس، فيقبلون بهم حتى ينزلوا الدرب فيتميز المهاجرون نصفين،
فيسير نصف في البر نحو الدرب والنصف الآخر يركبون في البحر، فيلتقي المهاجرون
الذين في البر ومن في الدرب من عدوهم، فيظفرهم الله بعدوهم فيهزمونهم هزيمة أعظم
من الهزائم الأول، ويوجهون البشير إلى إخوانهم في البحر: إن موعدكم المدينة
فيسيرهم الله أحسن سيرة حتى ينزلوا على المدينة فيفتحونها ويخربونها، ثم يكون بعد
ذلك أندلس، وأنتم تجمعون فتأتون الشام فيلقاهم المسلمون فيهزمهم الله.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا الحكم بن نافع قال: ثم يستمد الروم بالأمم الثانية
فتجيش عليهم الألسنة المختلفة، ويجتمع إليه أهل رومية والقسطنطينية وأرمينية حتى
الرعاء والحراثون تغضب لملك الروم، فيقبل بأمم كثيرة سوى الروم، ملوك عشرة يبلغ
جمعهم مائة ألف وثمانين ألف، وتنزوي العرب بعضها إلى بعض من أقطار الأرض، ويجتمع
الجناحان مصر والعراق والشام وهي الرأس، فيقبل ملك الروم على منبر محمول على
بغلتين فيوجهون جيوشهم، فيجولون الشام كلها غير دمشق، فيسير إليهم المسلمون على
أقدامهم، فيلتقون في عمق كذا وكذا وعمق كذا وكذا أربعة مواطن، فيسير الجمعان على
نهر ماؤه بارد في الصيف حار في الشتاء، فيغور ماؤه، ويكثر يومئذ، فينزل المهاجرون
أدناه والروم أقصاه، ويربطون خيولهم بالشجر التي عند رحالهم، ويستعدوا للقتال حتى
يصيروا في أرض قنسرين، فيكون منزلهم ما بين حمص وأنطاكية، والعرب فيما بين بصرى
ودمشق وما وراءهما فلا يبقى الروم خشباً ولا حطباً ولا شجراً إلا أوقدوه، فيلتقي
الجمعان عند نهير فيما بين حلب وقنسرين، ثم يصيرون إلى عمق من الأرض فيه عظم
قتالهم، فمن حضر ذلك فليكن في الزحف الأول، فإن لم يستطع ففي الثاني أو الثالث أو
الرابع أو الآخر فإن لم يطق فليلزم فسطاط الجماعه لا يفارقها فإن يد الله عليهم،
ومن هرب يومئذ لم يرح ريح الجنة، فيقول الروم للمسلمين: خلوا لنا أرضنا وردوا
إلينا كل أحمر وهجين منكم، وأبناء السراري، فيقول المسلمون: من شاء لحق بكم ومن
شاء دفع عن دينه ونفسه، فيغضب بنو الهجن والسراري والحمراء، فيعقدون لرجل من
الحمراء راية وهو السلطان الذي وعد إبراهيم إسحق أن يعطيا في آخر الزمان،
فيبايعونه، ثم يقاتلون وحدهم الروم فينصرون على الروم، ثم تنحاز فجرة العرب إلى
الروم ومنافقوهم حين يرون نصرة الموالي على الروم، وتهرب قبائل بأسرها جلها من
قضاعة وناس من الحمراء، حتى يركزوا راياتهم فيهم، ثم ينادي الرفاق بالتميز، فإذا
لحق بهم من لحق نادوا غلب الصليب، فخير العرب يومئذ اليمانيون المهاجرون وحمير
وألهان وقيس، أولئك خير الناس يومئذ، فقيس يومئذ تقتل ولا تقتل، وحدس مثلها والأزد
يقتلون ولا يقتلون، ويومئذ يفترق جيش المسلمين أربع فرق، فرقة يستشهدون، وفرقة
تصبر، وفرقة تفر، وفرقة تلتجيء بعدوها.
قال:
وتشد الروم على العرب شدة فيقتل خليفتهم القرشي اليماني الصالح في ثلاثة آلاف،
فيؤمرون عليهم أميراً ومعه سبعون أميراً كلهم صالح صاحب راية، فالمقتول والصابر
يومئذ في الأجر سواء، ثم يسلط الله على الروم ريحاً وطيراً تضرب وجوههم بأجنحتها
فتفقأ أعينهم وتصدع بهم الأرض، فيتحلحلوا في مهواة بعد صواعق ورواجف تصيبهم، ويؤيد
الله الصابرين، ويوجب لهم من الأجر كما أوجب لأصحاب محمد عليه السلام، ويملأ
قلوبهم وصدورهم شجاعة وجرأة، فإذا رأت الروم قلة الفرقة الصابرة طمعت فقالت:
إركبوا كل حافر فطؤوهم وانبذوهم، فيقوم راكب من المسلمين على سرجه فينظر عن يمينه
وشماله وبين يديه فلا يرى طرفاً ولا انقطاعاً فيقول: أتاكم الخلق ولا مدد لكم إلا
الله فموتوا وأميتوا، فيبايعون رجلاً منهم بيعة خلافة فيأمرهم فيصلون الصبح، فينظر
الله إليهم، فينزل عليهم النصر، ويقول: لم يبق إلا أنا وملائكتي وعبادي المهاجرون،
اليوم مأدبة الطير والوحوش، لأطعمنها لحوم الروم وأنصارها ولأسقينها دماؤهم، فيفتح
ربك خزائن سلاحه التي في السماء الرابعة، وسلاحه العز والجبروت، فينزل عليهم
الملائكة، ويقذف المسلمون قسيهم، ويدقوا أغماد سيوفهم، فيصلتونها عليهم، ويوجهوا
أسنة رماحهم إليهم، ويبسط ربك يده إلى سلاح الكفار، فيضمه فلا يقطع، ويغل أيديهم
إلى أعناقهم، ويسلط أسلحة الموحدين عليهم، فلو ضرب مؤمن يومئذ بزند لقطع، ويهبط
جبريل وميكائيل فيدفعونهم بمن معهم من الملائكة، فيهزمهم الله، فيسوقونهم كالغنم
حتى ينتهوا بهم إلى ملوكهم، وملوكهم من الرعب لوجوههم، وتنتزع أتوجتهم عن رؤوسهم،
فيطؤونهم بالخيل والأقدام حتى يقتلوهم حتى تبلغ دماؤهم ثتن الخيل فلا تنشفه الأرض،
وكل دم يبلغ ثتن الخيل فهو ملحمه، وهو ذبح، فذلك انقطاع ملك الروم، ويبعث الله
ملائكة إلى جزائرها تخبرهم بقتل الروم.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا أبو المغيرة عن صفوان قال: حدثنا بعض مشايخنا قال:
جاءنا رجل وأنا نازل عند ختن لي بعرقه، فقال: هل من نزل الليلة فأنزلوه فإذا رجل
خليف للخير كأنه حين ينظر إليه ملتمس العلم، فقال: هل لكم علم بسوسية؟ قالوا: نعم،
قال: وأين هي؟ قلنا خربة نحو البحر، فقال: هل فيها عين يهبط إليها بدرج وماء بارد
عذب؟ قالوا: نعم، فقال: هل إلى جانبها حصن خرب؟ قلنا: نعم، قال: قلنا: من أنت يا
عبد الله؟ قال: أنا رجل من أشجع، قالوا: ما بال ما ذكرت؟ قال تقبل سفن الروم في
البحر حتى ينزلوا قريباً من تلك العين فيحرقون سفنهم، فيبعث إليهم أهل حمص وأهل
دمشق، فيمكثون ثلاثاً يدعونهم الروم على أن يخلوا لهم البلد، فيأبون عليهم،
فيقاتلهم المهاجرون، فيكون أول يوم القتل في الفريقين كلاهما، واليوم الثاني على
العدو، والثالث يهزمهم الله، فلا تبلغ سفنهم منهم إلا أقلهم، وقد حرقوا سفناً
كثيرة، قالوا: لا نبرح هذا البلد، فهزمهم الله، وصف المسلمين يومئذ بحذاء البرج
الخرب، فبينما هم على ذلك قد هزم الله عدوهم حتى يأتي آت من خلفهم فيخبرهم أن أهل
قنسرين أقبلوا مقبلين إلى دمشق، وأن الروم قد حملت عليهم، وكان موعداً منهم في
البر والبحر، فيكون معقل المسلمين يومئذ دمشق.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن داود قال: حدثنا أرطأة بن المنذر
قال: سمعت أبا عامر الألهاني يقول: خرجت مع تبيع من باب الرستن، فقال: يا أبا عامر
إذا نسفت هاتان الزبلتان فأخرج أهلك من حمص، قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: فإذا
دخلت أنطرسوس فقتل فيها ثلاثمائة شهيد فأخرج أهلك من حمص، قلت فإن لم أفعل؟ قال:
فإذا جاء الحمل من أهل الأندلس بألف قلع، ثم فرقها بين الأقرع ويافا فاخرج أهلك من
حمص، قلت: أرأيت إن لم أفعل؟ قال: فوالله لئن لم تفعل ليصيبن أهلك ما أصاب أهل
حمص، قلت: وما الذي يصيبهم؟ قال: يغلقها أعاجمها على ذراري المسلمين ونسائهم.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا بقية عن صفوان عن شريح بن عبد عن كعب قال: تكون وقعة
بيافا يقاتلهم المسلمون يوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد، ثم يفتح الله
للمسلمين يوم الاثنين.
قال صفوان: فسألت عن ذلك خالد بن كيسان فقال: حدثني أبي قال: إذا هزم الله الروم
من يافا ساروا حتى يجتمعوا بالأعماق فتكون الملحمة.
وقال:
حدثنا نعيم قال: حدثنا عبد القدوس عن صفوان عن عامر بن عبد الله أبي اليمان
الهوزني عن كعب قال: إن الله يمد أهل الشام إذا قاتلهم الروم في الملاحم بقطعتين،
دفعة سبعين ألفاً، ودفعة ثمانين ألفاً من أهل اليمن حمائل سيوفهم المسد، فيقولون:
نحن عباد الله حقاً حقاً، نقاتل أعداء الله، يرفع الله عنهم الطاعون والأوجاع
والأوصاب حتى لا يكون بلد أبرأ من الشام، ويكون ما كان في الشام من تلك الأوجاع
والطاعون في غيرها.
قال: وإن بالمغرب لحمل الضان ملك من ملوكهم يعد لأهل الإسلام ألف قلع، كلما أعدها
بعث الله عليها قاصفاً من الريح حتى يأذن الله بخروجها فترسي ما بين عكا والنهر
فيشغلوا كل جند أن يمد جنداً، فسألته أي نهر هو؟ قال: مهراق الأرنط نهر حمص،
ومهراقة ما بين الأقرع إلى المصيصة.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا ابن وهب ورشدين جميعاً عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن
جبريل بن شراحيل قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إن أهل الأندلس يأتون
في البحر وإن طول سفنهم في البحر خمسون ميلاً، وعرضها ثلاثة عشر ميلاً حتى ينزلوا
الأعماق.
قال ابن وهب: البر والبحر.
أنبأنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن علوان وسعيد بن هاشم بن أحمد الأسديان عن
أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي قال: أخبرنا أبو طاهر محمد ابن الحسين قال:
أخبرنا أبو علي الأهوازي قال: حدثنا أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر بن
أيوب المري قال: أخبرنا أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي قال: أخبرنا أحمد
بن عمير قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثني
كلثوم بن زياد عن سليمان بن حبيب المحاربي عن رجل من قومه أنه سمعه من كعب يقول:
يلتقون بعمق عكا فيقتتلون، ثم يتهايبون فينحازون، ثم يقتتلون ثم يتهايبون حتى
ينتهوا إلى عمق أنطاكية، فيقيمون به لا ينهزم هؤلاء ولا هؤلاء، ويبعث المسلمون
فيستمدون إلى عدن أبين، ويبعث الروم إلى من يمدهم من روميه.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الشافعي الدمشقي بها قال: أخبرنا
عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: أخبرنا أبو القاسم السمرقندي
قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر قال: أخبرنا هبة الله بن إبراهيم
بن عمر بن الصواف قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس قال: حدثنا
أبو بشر الدولابي قال: حدثنا محمد بن عوف قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان
بن عمرو قال: حدثنا أبو الزاهرية حدير بن كريب عن كعب أنه قال: قال الحافظ أبو
القاسم: وأنبأنا أبو علي الحداد، وحدثني أبو مسعود يعني عبد الرحيم بن علي بن حمد
عنه قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الذكواني قال: حدثنا أبو الشيخ قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا عيسى بن خالد قال: حدثنا أبو اليمان عن
صفوان بن عمرو عن أبي الزاهرية عن كعب أنه قال: لن تزالوا بخير ما لم يركب أهل
الجزيرة أهل قنسرين، وأهل قنسرين أهل حمص فيومئذ تكون الجفلة ويفزع الناس إلى
دمشق.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن
الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو البركات الخضر بن شبل الفقيه قال: أخبرنا أبو طاهر
محمد بن الحسين قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقريء قال: حدثنا
أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر المري قال: أخبرنا أبو هاشم عبد الجبار بن
عبد الصمد السلمي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف قال: حدثنا أبو عامر
موسى بن عامر قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني يزيد بن سعيد بن ذي غضوان العنسي
عن مدلج بن المقداد العذري عن سليم مولاهم أنه سمع كعب الأحبار يقول: إذا نزلت
الروم عمق الأعماق بأنطاكية، فمن لم ينصر المسلمين يومئذ فليس هو على شيء.
أنبأنا
أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري قال: أخبرنا
أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أبو الحسن بن معروف
قال: أخبرنا الحسين بن فهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال:
حدثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد قال نبئت أن عبد الله بن سلام قال: إن
أدركني وليس لي ركوب فاحملوني حتى تضعوني بين الصفين، يعني قتال الأعماق.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن
الحسن قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد المقريء قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ
قال: حدثنا حبيب بن الحسن وعبد الله بن محمد قالا: حدثنا عمر ابن الحسن أبو حفيص
القاضي الحلبي قال: حدثنا محمد بن كامل بن ميمون الزيات قال: حدثنا محمد بن اسحق
العكاشي قال: حدثنا الأوزاعي قال: قدمت المدينة في خلافة هشام، فقلت: من ها هنا من
العلماء؟ قالوا: ها هنا محمد بن المنكدر، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن علي بن
عبد الله بن عباس، ومحمد ابن علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقلت: والله لا بد أن أبدأ بهذا قبلهم، قال: فدخلت المسجد فسلمت فأخذ بيدي
فأدناني منه فقال: من أي إخواننا أنت؟ فقلت له: رجل من أهل الشام، قال: من أي أهل
الشام؟ قلت: رجل من أهل دمشق، قال: نعم، أخبرني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول للناس: ثلاث معاقل فمعقلهم من الملحمة الكبرى التي تكون بعمق
أنطاكية دمشق ومعقلهم من الدجال بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج طور سيناء.
ونقلت من كتاب الملاحم والفتن تأليف نعيم بن حماد مما رواه عنه أبو بكر ابن أبي
مريم، وأنبأنا عبد العزيز بن الحسين قال: أخبرتنا به الحرة عفيفة بنت أحمد قالت:
أخبرتنا فاطمة قالت أخبرنا ابن ريذة قال: أخبرنا الطبراني قال: أخبرنا المرادي
قال: حدثنا نعيم قال: حدثنا أبو عمر عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب ابن حسين عن محمد
بن ثابت عن أبيه عن الحارث عن عبد الله قال: لا ينجو من بليتها إلا من صبر على
الحصار، والمعقل من السفياني باذن الله ثلاث مدن للأعاجم ناحية الثغور، مدينة يقال
لها أنطاكية، ومدينة يقال لها قورس، ومدينة يقال لها سميساط، والمعقل من الروم جبل
يقال له المعنق.
وقال: أخبرنا أبو عبد الله نعيم بن حماد المروزي قال: حدثنا أبو عمر صاحب لنا من
أهل البصرة قال: حدثنا ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه
عن الحارث الهمداني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون
بين المسلمين وبين الروم هدنة وصلح حتى يقاتلوا معهم عدواً لهم فيقاسمونهم
غنائمهم، ثم أن الروم يغزون مع المسلمين فارس، فيقتلون مقاتلتهم ويسبون ذراريهم
فتقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم، فيقاسمونهم الأموال وذراري المشركين،
فتقول الروم: قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم، فيقولون لا نقاسمكم ذراري المسلمين
أبداً، فيقولون: غدرتم، فترجع الروم إلى صاحبهم بالقسطنطينية، فيقولون: إن العرب
غدرت بنا ونحن أكثر منهم عدداً وأتم منهم عده وأشد منهم قوة فأمدنا نقاتلهم،
فيقول: ما كنت لأغدر بهم وقد كانت لهم الغلبة في طول الدهر علينا، فيأتون صاحب
رومية فيخبرونه بذلك فيوجه بثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً في البحر،
ويقول لهم صاحبهم: إذا أرسيتم بسواحل الشام فحرقوا المراكب لتقاتلوا عن أنفسكم
فيفعلون ذلك، ويأخذون أرض الشام كلها برها وبحرها ما خلا مدينة دمشق والمعنق
ويخربون بيت المقدس.
قال: فقال ابن مسعود: وكم تسع دمشق من المسلمين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتتسعن على من يأتها من المسلمين كما تتسع الرحم على الولد، قال: قلت: وما المعنق يا نبي الله؟ قال: جبل بأرض الشام من حمص على نهر يقال له الأرنط، فتكون ذراري المسلمين في أعلى المعنق والمسلمون على الأرنط يقاتلونهم صباحاً ومساء، فإذا أبصر ذلك صاحب القسطنطينية، وجه في البر إلى قنسرين ثلاثمائة ألف حتى تجيئهم مادة اليمن سبعون ألفاً، ألف الله قلوبهم بالإيمان، فيهم أربعون ألفاً من حمير حتى يأتوا بيت المقدس فيقاتلون الروم، فيهزمونهم، يخرجونهم من جند إلى جند حتى يأتوا قنسرين، وتجيئهم مادة الموالي، قال: قلت وما مادة الموالي يا رسول الله؟ قال: هم عتاقتكم، وهم منكم قوم يجيئون من قبل فارس فيقولون: تعصبتم يا معشر العرب لا نكون مع أحد من الفريقين، أو تجتمع كلمتكم، فتقاتل نزار يوماً واليمن يوماً والموالي يوماً فيخرجون الروم إلى المعنق، وينزل المسلمون على نهر يقال كذا وكذا، والمشركون على نهر يقال له الرقية، وهو النهر الأسود، فيقاتلونهم، فيرفع نصره عن العسكرين وينزل صبره عليهما، حتى يقتل من المسلمين ثلث، ويفر ثلث ويبقى الثلث، فأما الذين يقتلون فشهيدهم كشهيد عشرة من شهداء بدر، يشفع الواحد من شهداء بدر لسبعين، وشهيد الملاحم يشفع لسبعمائة، وأما الثلث الذين يفرون فإنهم يفترقون ثلاثة أثلاث، ثلث يلحقون بالروم ويقولون لو كان لله بهذا الدين من حاجة لنصرهم، وهم مسلمة العرب بهراء وتنوخ وطيء وسليح، وثلث يقولون منازل آبائنا وأجدادنا، وحيث لا ينالنا الروم أبداً، مروا بنا مروا بنا إلى البدو، وهم الأعراب، وثلث يقولون: إن كل شيء كاسمه، وأرض الشام كاسمها الشؤم، فسيروا إلى أرض العراق واليمن والحجاز حيث تخاف الروم، وأما الثلث الباقي فيمضي بعضهم إلى بعض يقولون: الله الله دعوا عنكم العصبية، ولتجتمع كلمتكم، وقاتلوا عدوكم فإنكم لن تنصروا ما تعصبتم، فيجتمعون جميعاً ويتبايعون على أن يقاتلوا حتى يلحقوا باخوانهم الذين قتلوا، فإذا أبصر الروم إلى من تحول إليهم، ومن قتل، ورأوا قلة المسلمين قام رومي بين الصفين ومعه بندفي أعلاه صليب، فيقول: غلب الصليب غلب الصليب، فيقوم رجل من المسلمين بين الصفين ومعه بند فينادي: بل غلب أنصار الله وأولياؤه، فيغضب الله على الذين كفروا من قولهم: غلب الصليب، فيقول: يا جبريل أغث عبادي، فينحدر في مائة ألف من الملائكة، ويقول: يا ميكائل أغث عبادي، فينحدر في مائتي ألف من الملائكة، ثم يقول: يا إسرافيل أغث عبادي، فينحدر إسرافيل في ثلاثمائة ألف من الملائكة، وينزل الله نصره على المؤمنين، وينزل بأسه على الكفار فيقتلون ويهزمون ويسير المسلمون في أرض الروم حتى يأتوا عمورية، وعلى سورها خلق كثير يقولون: ما رأينا شيئاً أكثر من الروم كم قتلنا وهزمنا وما أكثرهم في هذه المدينة، فيقولون: آمنونا على أن نؤدي إليكم الجزية فيأخذون الأمان لهم ولجميع الروم على أداء الجزية، وتجتمع إليهم أطرافهم فيقولون: يا معشر العرب إن الدجال قد خالفكم إلى ذراريكم، والخبر باطل، فمن كان فيهم منكم فلا يلقين شيئاً مما معه، فإنه قوة لكم على ما بقي فيخرجون فيجدون الخبر باطلاً، وتثب الروم على من بقي في بلادهم فيقتلونهم حتى لا يبقى بأرض الروم عربي ولا عربية ولا ولد عربي إلا قتل، فيبلغ ذلك المسلمين فيرجعون غضباً لله فيقتلون مقاتلتهم ويسبون الذراري، ويجمعون الأموال، لا ينزلون على مدينة ولا على حصن فوق ثلاثة أيام حتى يفتح لهم، وينزلون على الخليج، ويمد الخليج حتى يفيض فيصبح أهل قسطنطينية يقولون: الصليب مد لنا بحرنا، والمسيح ناصرنا فيصبحون والخليج يابس، فتضرب فيه الأخبية ويحسر البحر عن القسطنطينية، ويحوط المسلمون ليلة الجمعة بالتحميد والتكبير والتهليل إلى الصباح ليس فيهم نائم ولا جالس، فإذا طلع الفجر كبر المسلمون تكبيرة واحدة، فيسقط ما بين البرجين فيقول الروم: إنما كنا نقاتل العرب فالآن نقاتل ربنا وقد هدم لهم مدينتنا وخربها لهم فيمكنون بأيديهم، ويكيلون الذهب بالأترسه، ويقسمون الذراري حتى يبلغ سهم الرجل منهم ثلاثمائة عذراء، ويتمتعون بما في أيديهم ما شاء الله، ثم يخرج الدجال حقاً، ويفتح الله القسطنطينية على يدي أقوام
هم
أولياء الله، ويرفع الله عنهم الموت والمرض والسقم حتى ينزل عليهم عيسى بن مريم،
فيقاتلون معه الدجال. أولياء الله، ويرفع الله عنهم الموت والمرض والسقم حتى ينزل
عليهم عيسى بن مريم، فيقاتلون معه الدجال.
وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي مريم: وأخبرني عمرو بن قيس عن أبي بحيرة
قال: لتسيرن الروم حتى ينزلوا دير بهراء حتى يضع ملكهم صليبه وبنوده على هذا التل
تل قحمايا فيكون أول هلاكهم على يد رجل من أنطاكية يدعوا الناس فينتدب معه رجال من
المسلمين، فهو أول من يحمل عليهم فيهلكهم الله.
كتب إلينا أبو محمد أحمد بن الأزهر بن عبد الوهاب بن السباك من بغداد أن القاضي
أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد، المعروف بقاضي المارستان، أنبأهم أن أبا محمد
الحسن بن علي بن محمد الجوهري أخبرهم فيما أذن لهم فيه قال: أخبرنا أبو عمر محمد
بن العباس بن زكريا بن حيوية قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن جعفر بن محمد المنادي
قال: أخبرني أبو سليمان عبد الله بن جرير الجواليقي قال: أخبرني رجل من أهل الكتاب
موصوف بجمع الملاحم أن هذا الكتاب يعني كتاب دانيال عليه السلام عندهم مسموع من
كبرائهم لا يكادون يدفعونه إلا إلى من يثقون بكتمه ليعرفهم بما يتضمنه من عجائب
الملاحم: فأخذت من أبي سليمان ما يكون من الملاحم الآتية، وتركت كتب الماضية،
فابتدأت من ذلك بآخر عهد المعتمد، ثم آخر الكتاب، فذكر دانيال عليه السلام في
كتابه هذا، وذكر ابن المنادي أشياء من الملاحم اختصرتها أنا وذكرت ما يتعلق بحلب
وأعمالها فمنها أنه قال: ويطوي الله الأرض للظاهر الخارج من مكة واسمه محمد بن علي
من ولد السبط الأكبر الحسن بن علي فيتسمى بالامام الحسني، فيبلغ البيداء من يومه.
وذكر حديث السفياني وهلاكه وهلاك جيشه إلى أن قال: ثم أن الحسني يستخلف على
العراقين وما ولاهما ويخرج إلى الروم، فيكتب ملك الروم إلى ملك الصقالبة أن هذا
العدو الذي قدم لقتالي إذا هزمني أقبل إليك، فأمدني أكفك أمره، فيمده ويكتب إلى
صاحب أرمينية بمثل ذلك، فأما صاحب أرمينية فقد شغله صاحب الحسني فلا يجيبه بلا ولا
نعم، ويحارب الحسني الروم فيفتح منها مدناً وحصوناً كثيرة، ويقيم بطرسوس، ويبث
أصحابه وجيوشه في جميع الثغور فكلهم ينصرهم الله، فيفتح الوجه الذي هو فيه ويغنم،
وذكر بعد ذلك فتح الحسني قسطنطينية وهرب ملكها وقد قسم السبي وغنم ما يعجز عن
قسمته حتى يكيل الذهب والفضة بالترس، وذكر خوارج يخرجون على أصحاب الحسني في
البلاد.
ثم قال: ويخرج أصحاب الحسني في كل الوجوه فينصرهم الله في الوجوه كلها، ويفتحون
البلدان، ويصفو الأمر للحسني، وقد كان ملك الروم لما بلغه أن الخوارج قد خرجوا على
الحسني حلف وهو بالرومية خلف قسطنطينية أن يخرج إلى أرض الاسلام، فيغلب على ما قدر
عليها من مدنها، ويدخلها كما دخل الحسني قسطنيطينة، ويرجع إلى قسطنيطينة، ثم تجتمع
بطارقته عنده ويسير إلى طرسوس، ثم يخرج منها حتى يأتي الفرات، ويمهله الحسني حتى
يأتي حران، ثم يأخذ عليه الحسني من ورائه ومن قدامه، فيقتل أصحابه ويأخذ صلبانهم،
وينزع ملك الروم ثيابه ويلبس ثياب أهل طرسوس ويتزيا بزي أهل الثغر، ويتقلد سيفاً
ويركب بغلاً، ويلطخ فمه بدم، فكلما تلقاه رجل من المسلمين أومأ إليه بيده كأنه
يسلم عليه، ويدعو له، فيظن أنه رجل من أهل الثغر قد أصابه ذلك في جهاده الروم، فلا
يزال كذلك حتى يأتي طرسوس، ثم يضرب إلى الروم وينادي ويسأل هل رأيتم الطاغية؟
فيقولون: هرب، ولو كان في القتلى وجدناه، فيولي الولاة، ويوجههم في وجوه بلدان
الاسلام كلها وقد استقام أمر الاسلام كله، ثم يخرج في أصحابه فيجاهد الروم، ويرسل
إليه ملك الروم ويخبره بحيلته التي نجا بها، ويسأله الصلح والرجوع ويخوفه فساد
بلاده إن هو اشتغل بقتال الروم، فيقول له لسنا نقاتلك على الأموال والغنائم، إنما
نقاتلك على أن يكون الدين دين الاسلام.
قال:
فيقرأ ملك الروم كتابه على بطارقته ويقول لهم: لا يكون هذا أحرص على الجهاد منكم،
فيقولون له: صدقت، فاخرج بنا إليه، فيجتمعون ويخرجون إلى الحسني في ألف صليب، تحت
كل صليب جمع كبير، ويلقاهم الحسني، فيقتل منهم كل يوم مقتلة عظيمة لا تحصى،
وينهزمون ويتبعهم حتى يبلغ بهم القسطنطينية ويحاصرهم أيضاً، ويضيق عليهم ويسألونه
الصلح فيأبى ذلك عليهم فيهزمون عنها إلى رومية ويخلونها له فيدخلها في أصحابه
فيهدمون بيعتها العظمى بعد أخذهم بيت مذبحها وصلبانه، ويحرثون قسطنطينية، ويهدمون
سورها ويقيمون فيها وفيما حولها، ويريدون المسير إلى رومية، فيرسل الحسني جيشاً
إلى ملك الصقالبة فيهزمونه أيضاً، ويأخذون بعض بلاده.
ويخرج بإصطخر من فارس رجل أعور يدعي أنه الدجال، ويسمي نفسه فيقول أنا الإله،
واقتص قصة خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم، وقال: ثم يقول المسيح للحسني وأصحابه:
دونكم أصحاب الدجال، فكل من لا يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاقتلوه
فيضعون فيهم السلاح فيقتلونهم عن آخرهم، ثم يقول المسيح عيسى للحسني: قد قضيت ما
عليك ووجب أجرك، وهذا آخرهم، ثم من الدنيا، ويأتيه ملك الموت، فيقبض روحه بأهون ما
قبض أحداً من الناس طيبة بذلك نفسه، ثم ذكر بعد ذلك قصة المهدي وبيعته.
كتبت إلينا زينب بنت عبد الرحمن الشعري من نيسابور أن أبا المظفر القشيري أنبأها
قال: أخبرنا الامام أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال:
حدثنا محمد بن صالح بن هانيء قال: حدثنا الفضل بن محمد الشعراني قال: حدثنا عبد
الصمد بن صالح قال: حدثنا الليث بن سعد عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاص
قال: للدجال آيات معلومات إذا غارت العيون، ونشفت الأنهار، واصفر الريحان، وانتقلت
مذحج وهمدان من العراق فنزلت قنسرين، فانتظروا الدجال غادياً أو رائحاً.
قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يخرجاه.
أخبرنا الشريف افتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي
قال أخبرنا أبو الفتح أحمد بن الحسين بن عبد الرحمن الشاشي قال: أنبأنا أبو
المعالي محمد بن محمد بن زيد الحسيني قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الفارسي قال:
أخبرنا دعلج بن أحمد العدل قال: حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا سعيد بن منصور قال:
حدثنا يونس بن أبي يعقوب قال: حدثني أبي أبو يعقوب عن مسلم أبي سعيد قال: كنت مع
ابن مسعود رضي الله عنه فوضع يده علي يتوكأ حتى دخل - يعني داراً قريبة من باب
السوق - فرأى فيها غضارة من عيش من رقيق وحشم وخيل وهدايا ودواجن من الغنم، فقال:
يا أبا سعيد يعجبك ما ترى ها هنا؟ قلت: أي والله يا أبا عبد الرحمن، فقال: والذي
نفس عبد الله بيده لئن بقيت قليلاً لتختار أن لك بالدنيا وما فيها بعيراً تقتنيه،
ثم أشار بيده نحو المغرب، ثم قال: طريق المسلمين هاربين من الدجال ملطاط الفرات
إلى الشام، فذكر الحديث.
أخبرنا أبو جعفر يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الدامغاني البغدادي الصوفي قراءة
عليه بحلب قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو العز محمد بن المختار بن محمد قال:
أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان
القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد ابن حنبل قال: حدثنا أبي قال: حدثنا
وكيع قال: حدثنا المسعودي عن حمزة العبدي - أو العيدي - قال: حدثنا أشياخنا قال:
خرج ابن مسعود فنادى نداءً، ولم يناج نجاءً، فقال: الملطاط شاطىء الفرات طريق بقية
المؤمنين، هراب من الدجال، فبئس المنتظر أم الساعة: فالساعة أدهى وأمر، ثم أخذ
حصاةً فقال بها على ظفره: هكذا ما خروجه بأنفض لإيمان مؤمن ما نفضت هذه الحصاة من
ظفري.
وقرأت في كتاب الملاحم والفتن لنعيم بن حماد راوية أبي بكر بن أبي مريم عنه من
نسخة قرئت على أبي بكر قال: حدثنا نعيم.
وأنبأنا
عبد العزيز بن هلالة قال: أخبرتنا به عفيفة بنت أحمد قالت أخبرتنا فاطمة قالت:
أخبرنا ابن ريذة قال: أخبرنا الطبراني قال: أخبرنا عبد الرحمن قال: حدثنا نعيم
قال: حدثنا الحكم عن نافع عن جراح عن أرطاة قال: تفتح القسطنطينية ثم يأتيهم الخبر
بخروج الدجال، قال: فيكون باطلاً ثم يقيمون ثلاث سبع سابوع فتمسك السماء في ثلث
السنة ثلث مطرها، وفي السنة الثانية ثلثيها، وفي الثالثة تمسك قطرها أجمع، فلا
يبقى ذو ظفر ولا ناب إلا هلك، ويقع الجوع فيموتون حتى لا يبقى من كل سبعين عشرة،
ويهرب الناس إلى جبال الجوف إلى أنطاكية، ومن علامة خروج الدجال ريح شرقية ليست
بحارة ولا باردة، تهدم صنم اسكندرية، وتقلع زيتون المغرب والشام من أصولها، وتيبس
الفرات والعيون والأنهار وتنسى لها مواقيت الأيام والشهور ومواقيت الأهلة.
وقال أبو بكر عبد الله بن أبي مريم حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا سفيان
عن مسلمة بن كهيل عن أبي الزعراء قال: ذكر عن ابن مسعود الدجال فقال: تفترقون أيها
الناس بخروجه على ثلاثة فرق، فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح،
وفرقة تأخذ شاطىء الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام،
فيبعثون إليه طليعة فيهم فارس على فرس أشقر أو أبلق فيقتلون لا يرجع منهم بشر.
أنبأنا
أبو القاسم بن الحرستاني عن أبي محمد عبد الكريم بن حمزة قال: أخبرنا أبو الحسن بن
أبي الحديد قال: أخبرنا جدي أبو بكر قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد بن خالد
الخشني قال: حدثنا أبو علي الحسن بن عوانة الكلابي، من كفر بطنا، قال: حدثنا محمد
بن نصر النيسابوري قال: حدثنا محمد بن بدر الملطي قال: حدثنا كثير بن الربيع بن
مرازم السلمي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس لا تؤذن علي اليوم أحداً، فجاء أبو بكر فاستأذن
فلم يؤذن له، ثم جاء عمر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم جاء علي فاستأذن فلم يؤذن له،
فرجع علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً فدخل عليه الحجرة، والنبي صلى
الله عليه وسلم يصلي، فجلس علي محمر قفاه، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم
أخذ برقبته فقال له: يا علي لعلك أمكنت الشيطان من رقبتك، قال: وكيف لا أغضب وهذا
أبو بكر صاحبك ووزيرك استأذن عليك فلم يؤذن له، وهذا عمر بن الخطاب صاحبك ووزيرك
استأذن عليك فلم يؤذن له، وأنا ابن عمك وصهرك استأذنت عليك فلم يؤذن لي، وجاءك رجل
من بني سليم فأذنت له، فقال: اسكت يا علي، يأبي الله لسليم إلا حباً، يا علي إن
جبريل أمرني أن أدفع الراية إلى بني سليم، يا علي إن لله ملائكة سياحين مشبهين
برجال من بني سليم يتصفحون وجوه بني سليم فإذا لقيتم الشيخ الكبير منهم، فسلوه أن
يدعو الله لكم فإنه تستجاب دعوتهم، يا علي إن بني سليم رضى الإسلام، يا علي إن بني
سليم ردء الإسلام، يا علي إن الله ادخر بني سليم إلى آخر الزمان، يا علي إنه إذا
كان في آخر الزمان يخرج من النواحي معهم أحياء من العرب من عك وسليم وبهراء وجذام
وطيء، فينتهون إلى مدينة يقال لها نصيبين، فيكون من فسادهم أمر عظيم، فينتهون إلى
مدينة يقال لها آمد، فيغلبون عليها، فيفزع الناس منهم ويدخلون في حصونهم، ثم
ينتهون إلى مدينة يقال لها الرقة، مدينة يجري على بابها نهر من الجنة، فيغلبون على
مدينة إلى جانبها يقال لها الرقة السوداء، فيستبيحون ذراري المسلمين وأموالهم،
فتنتهي طائفة منهم إلى نواحي من نواحيها، فتسبي نساء عيلان فيغضب لذلك رجل من بني
سليم، خميص البطن، أخوص العين، يقال له فلان، ويخرج حي من بني عقيل، فيلحقون
فيدركونهم فيستنقذون ذراري المسلمين وأموالهم، يا علي رحم الله بني سليم، يقتل
منهم الثلث، ويبقى الثلثان، ثم ينتهون من فورهم ذلك إلى مدينة يقال لها ملطية قد
غلب عليها العدو، يا علي رحم الله بني سليم يقتل منهم الثلثان، ويبقى الثلث، يا
علي رحم الله بني عقيل يقتل منهم الثلث ويبقى الثلثان، يا علي إن في بني سليم خمس
خصال، لو أن خصلة منها في جميع العرب لافتخرت بها، إن فيهم من خصب القراء، وفيهم
ثالث ثلاثة، وفيهم من نزلت براءته من السماء، وفيهم من نصر الله ورسوله، وفيهم من
الثلاثة الذين خلفوا، يا علي لو أن خصلة منها في جميع العرب لافتخرت بها، يا علي
لو مالت العرب فرقتين، فكانت فرقة منها بني سليم لملت مع بني سليم، يا علي إن
العرب كلها تختلف في حكمهم، وإن بني سليم على الحق، يا علي حب بني سليم، فإن حبهم
أمان وبغضهم نفاق، يا علي لا تخبرهم بما أخبرتك به.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أخبرنا الشيخ العلامة أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي فيما أذن لنا في
روايته عنه قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري قال: أخبرنا
أبو القاسم بن البسري قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي إجازة قال: أخبرنا أبو
سعيد الأحمسي قال: حدثنا الحسين بن حميد قال: حدثنا المسعودي عن القاسم بن عبد
الرحمن قال: مد الفرات، فكره الناس ذلك، فقال عبد الله: أيها الناس لا تكرهوا مده
فإنه يوشك أن يلتمس فيه ملء طست ماء فلا يوجد، وذلك حين يرجع كل ماء إلى عنصره،
وتكون بقية الماء والمؤمنون بالشام.
هكذا جاء في رواية عبد الرحمن المسعودي منقطعاً ليس بين القاسم وابن مسعود أحد،
ورواه الأعمش عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود متصلا.
أنبأنا
بها عمر بن محمد المؤدب قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، إجازة إن لم يكن
سماعاً، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن هبة الله بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسين بن
الفضل قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا قبيصة
قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن القاسم ابن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال:
شكوا إليه الفرات وقلة الماء، فقال: يأتي عليكم زمان لا تجدون فيه ملء طست من ماء،
ويرجع كل ماء إلى عنصره ويبقى الماء والمؤمنون بالشام.
ففي روايته منقطعاً، وفي هذه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن
مسعود متصلاً ذكر قلة الماء في الفرات، وفي رواية عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي
منقطعاً ليس بين القاسم وبين ابن مسعود أحد ذكر كثرة الماء في الفرات.
قال أبو الحسين بن المنادي: ثم إن الروايتين على الاتفاق أن الفرات يقل ماؤه قلة
ضارة بالناس والله أعلم.
قلت: ويحتمل أن الاختلاف في الكثرة والقلة إنما جاء لاختلاف الواقعتين بأن يكون
ماء الفرات مد سنة ونقص أخرى، فقال عبد الله فيه ما يؤول حاله إليه.
أخبرنا الشيخ الثقة أبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي قراءة عليه
بحلب قال: أخبرنا مسعود بن الحصين البغدادي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن
علي بن أحمد بن البسري قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى ابن عبد الجبار
السكري قال: أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار قال: حدثنا عباس بن عبد الله
الترقفي قال: حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الأيام والليالي حتى تعود
أرض العرب مروجاً وأنهاراً ويحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتلون عليه، فيقتل من
كل مائة تسعة وتسعين، وينجو واحد.
وقد رواه علي بن عاصم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وزاد فيه أن أبا
صالح قال لابنه سهيل: يا بني إن أدركته فلا تقربنه.
أخبرنا بذلك أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا المؤيد عبد الرحيم
بن الأخوة وصاحبته عين الشمس قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي،
قالت: إجازة، قال: أخبرنا أبو طاهر الثقفي وأبو الفتح منصور بن الحسين قالا:
أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال: حدثنا أحمد بن مسعود ابن عمرو بن ادريس الزنبري
المصري قال: حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى قال: حدثنا علي بن عاصم قال: أخبرني سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب
الدنيا حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة
وتسعون. قال لي أبي: يا بني إن أدركته فلا تقربنه، قال علي بن عاصم: فحدثت بهذا
الحديث شعبة فقال: إني قد سمعته من سهيل ولكن لا أحفظ أنه قال: يا بني إن أدركته
فلا تقربنه استيقنت أنه قال: يا بني إن أدركته فلا تقربنه، قلت: نعم.
وأخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي بدمشق قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا
أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد المقريء قال: أخبرنا أبو الحسين ابن النقور
قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين بن أخي ميمي الدقاق قال: حدثنا
يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا إسحق بن شاهين قال: حدثنا خالد عن سهيل عن أبيه
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يحسر
الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عنده، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعين.
وأخبرنا أبو سعد بن مشرف قال: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى ابن شعيب السجزي
قال: أخبرنا أبو الحسن الداودي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه
قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن خزيم الشاشي قال: حدثنا أبو محمد عبد بن حميد بن
نصر قال: أخبرني ابن أبي شيبة قال: وجدت في كتاب أبي محمد بن أبي شيبة عن عبد
الحميد بن جعفر قال: أخبرت عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن
أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب،
فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول الذين عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه
ليذهبون به، فيقتتلون عليه حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون.
وقد
رواه حفص بن عاصم بن عمر والأعرج عن أبي هريرة وزاد فيه: فمن حضره فلا يأخذ منه
شيئاً.
أخبرنا به أبو روح الهروي في كتابه قال: أخبرنا تميم الجرجاني قال: أخبرنا الحاكم
البحاثي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن هرون قال أخبرنا أبو حاتم بن حبان قال:
أخبرنا أحمد بن حمدان بن موسى قال: حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا عقبة بن خالد
قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن
حضره فلا يأخذ منه شيئاً.
وقال ابن حبان: أخبرنا أحمد بن حمدان في عقبه قال: حدثنا الأشج قال: حدثنا عقبة بن
خالد قال: حدثنا عبيد الله بن عمر قال: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال: يحسر عن جبل من ذهب.
وقد رواه الحسين بن حميد عن عبد الله بن سعيد الكندي عن عقبة بن خالد عن عبيد الله
بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن جده حفص بن عمر، وهو جد عبيد الله بن عمر بن حفص
بن عمر وليس بجد خبيب، وزاد فيه من ذهب ومن فضة.
أخبرنا به أبو اليمن الكندي إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد الحري
قال أخبرنا أبو القاسم بن البسري قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي إجازة قال:
أخبرنا أبو سعيد الأحمسي قال: حدثنا الحسين بن حميد قال: حدثنا عبد الله بن سعيد
الكندي قال: حدثنا عقبة بن خالد قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد
الرحمن عن جده حفص بن عمر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك
الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب ومن فضة، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً.
ورواه إسحق مولى المغيرة بن نوفل عن المغيرة بن نوفل عن أبي بن كعب وقال فيه:
فيقتل تسعة أعشارهم.
أنبأنا به أبو روح الهروي قال: أخبرنا تميم الجرجاني قال: أخبرنا الحاكم البحاثي
قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن هرون قال: أخبرنا أبو حاتم بن حبان قال: أخبرنا يحيى
بن أحمد بن عمرو بالفسطاط قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم ابن العلاء الزبيدي قال:
حدثنا عمرو بن الحارث قال: حدثنا عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال أخبرني محمد بن
مسلم قال: أخبرني إسحق مولى المغيرة بن نوفل أن المغيرة بن نوفل أخبره عن أبي بن
كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن تل
من ذهب، فيقتتل عليه الناس فيقتل تسعة أعشارهم.
وقرأت في كتاب الملاحم والفتن لنعيم بن حماد رواية أبي بكر بن أبي مريم قال: حدثنا
نعيم.
وأنبأنا عبد العزيز بن هلاله قال: أخبرتنا به عفيفة بنت أحمد بن عبد الله قالت:
أخبرتنا فاطمة الجوزدانية قالت أخبرنا أبو بكر بن ريذة قال أخبرنا الطبراني قال:
أخبرنا المرادي قال حدثنا نعيم قال: حدثنا مروان عن ابن أبي خالد عن قيس بن أبي
حازم عن حذيفة أنه قال لعروة بن أبي الجعد البارقي، ونظر إلى الفرات، فقال: كيف
أنتم حين تخرجون منها لا تذوقون منه قطرة؟ فقال له عروة: تظن ذلك؟ قال: لا بل
أستيقنه.
أنبأنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي قال: أخبرنا أبو
إسماعيل داود بن محمد بن أبي منصور بن ماشاذه بأصبهان أن فاطمة بنت عبد الله
الجوزدانية أخبرتهم قراءة عليها وهو حاضر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن ريذه
قال: أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني قال: أخبرنا أبو زيد عبد الرحمن بن حاتم
المرادي قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا يحيى ابن سعيد العطار وأبو المغيرة عن
ابن عياش عن عبد الله بن دينار عن كعب قال: تنزل الترك آمد وتشرب من الدجلة
والفرات ويسعون في الجزيرة وأهل الإسلام من الحيرة لا يستطيعون لهم شيئاً، فيبعث
الله عليهم ثلجاً بغير كيل فيه صر من ريح شديدة وجليد فإذا هم خامدون، فإذا أقاموا
أياماً قام أمير أهل الإسلام في الناس فيقول: يا أهل الإسلام ألا قوم يهبون أنفسهم
لله، فينظروا ما فعل القوم، فينتدب عشرة فوارس فيجيزون إليهم فإذا هم خامدون،
فيرجعون فيقولون إن الله قد أهلكهم وكفاكم، هلكوا من عند آخرهم.
قال
ابن عياش: وأخبرني عتبة بن تميم عن الوليد بن عامر اليزني عن زيد بن جبير، وفي
نسخة يزيد بن جبير، عن كعب قال: ليردن الترك الجزيرة حتى يسقوا خيولهم من الفرات،
فيبعث الله عليهم الطاعون فلا يفلت منهم إلا رجل واحد.
وأخبرنا أحمد بن الأزهر بن عبد الوهاب في كتابه قال: أنبأنا أبو بكر محمد ابن عبيد
الباقي قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري فيما أذن لنا في الرواية عنه قال: أخبرنا أبو
عمر بن حيوية قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي قال: حدثنا أبو موسى محمد بن
هارون أن موسى الأنصاري قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن المفضل الحراني المعروف
الكزبراني قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن - هو الطواييقي قال: حدثنا عبد الرحمن
بن ثابت بن ثوبان عن أبيه أنه سمع مكحولاً يقول: لا تنقضي الدنيا حتى يرد الترك
الفرات.
وقرأت في كتاب الملاحم والفتن تأليف نعيم بن حماد، رواية أبي بكر بن أبي مريم من
نسخة قرئت عليه قال: حدثنا نعيم بن حماد.
وأنبأنا عبد العزيز بن هلاله قال: أخبرتنا عفيفة بنت أحمد بن عبد الله قالت:
أخبرتنا فاطمة الجوزدانية قالت: أخبرنا أبو بكر بن ريذه قال: أخبرنا الطبراني قال:
أخبرنا عبد الرحمن قال: حدثنا نعيم قال: حدثنا الوليد عن ابن جابر وغيره عن مكحول
عن النبي صلى الله عليه وسلم: للترك خرجتان إحديهما يخربون أذربيجان والثانية
يشرعون منها على ثني الفرات، قال: فيرسل الله على جننهم الموت، يعني دوابهم،
فيرجلهم، فيكون فيهم ذبح الله الأعظم، لا ترك بعدها.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا يحيى بن سعيد وأبو المغيرة عن ابن عياش قال: وأخبرني
رجل من آل حبيب بن مسلمه عن الحكم بن عتيبه قال: يخرجون فلا ينهنههم دون الفرات
شيء، أصحاب ملاحمهم وفرسان الناس يومئذ قيس عيلان فتستأصلهم، لا ترك بعدها.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا الوليد عن ابن آدم عن أبي الأعبس عن كعب قال: يشرع
الترك على ثني الفرات فكأني بذوات المعصفرات يطفقن على ماء الفرات.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن
مسعود قال: كأني بالترك قد أتتكم على براذين مخذمه الآذان حتى يربطوها بشط الفرات.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا بقية عن أم عبد الله عن أخيها عبد الله بن خالد عن
أبيه خالد بن معدان عن معاوية قال: إتركوا الرايضة ما تركوكم فإنهم سيخرجون حتى
ينتهوا إلى الفرات فيشرب منه أولهم ويجئ آخرهم، فيقولون: قد كان ها هنا ماء.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا الحكم بن نافع عن جراح عن أرطاة عمن حدثه عن كعب قال:
قال عبد الله بن عمر: ثم يبعث الله بعد قبض عيسى وأرواح المؤمنين بتلك الريح
الطيبة ناراً تخرج من نواحي الأرض تحشر الناس والدواب والذر إلى الشام.
قال كعب: وتخرج تلك النار من القسطنطينية نار وكبريت يبلغ لهبها ودخانها السماء
فتركد عند الدروب بين جيحان وسيحان، ونار أخرى من عدن تبلغ بصرى، تقوم إذا قاموا،
وتسير إذا ساروا، وإن الفرات ليجري ماؤه أول النهار، وبالعشي يجري كبريتاً وناراً،
وذكر تمام الحديث.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا عبد الوارث عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن رجل عن
أبي هريرة قال: تخرج نار من قبل المشرق ونار أخرى من قبل المغرب تحشران الناس بين
أيديهم القرده، تسيران بالنهار، وتكمنان بالليل حتى تجتمعا بجسر منبج وقال: حدثنا
نعيم قال: حدثنا أبو يوسف المقدسي عن صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بسر الحمصي عن
كعب قال: المهدي يبعث بقتال الروم، يعطى قوة عشرة، يستخرج تابوت السكينة من غار
بأنطاكية فيه التوراة التي أنزل الله على موسى، والانجيل الذي أنزل الله على عيسى،
يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الانجيل بانجيلهم.
وقال: حدثنا نعيم قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوراق عمن حدثه عن كعب
قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر قد خفي، ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض
يقال لها أنطاكية.
وقال: حدثنا نعيم قال: حدثنا يحيى بن اليمان عن المنهال بن خليفة عن مطر الوراق
قال: المهدي يخرج التوراة غضة - يعني طرية - من أنطاكية.
أنبأنا
أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا الفراء قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: أخبرنا
الحسين بن علي قال: أخبرنا أبو سليمان الحراني قال: حدثنا محمد ابن الحسن قال:
حدثنا أحمد بن سلم قال: حدثنا عبد الله بن السري عن أبي عمر البزاز عن مجالد عن
الشعبي عن تميم الداري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تذهب الأيام
والليالي حتى يسكنها - يعني أنطاكية - رجل من عترتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي،
يشبه خلقه خلقي وخلقه خلقي، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
أخبرنا أبو محمد صقر بن يحيى بن صقر الحلبي الشافعي قاضي منبج قراءة عليه قال:
أنبأنا أبو طاهر هاشم بن أحمد بن عبد الواحد بن هاشم المعدل قال: أخبرنا أبو
الأسوار عمر بن منخل الدربندي بحلب قال: حدثنا محمد بن أبي نصر بن أبي بكر
اللفتواني من لفظه بأصبهان قال: أخبرنا أحمد بن عبد الغفار، وتميم بن عبد الواحد،
وعمر بن أحمد بن عمر الأصبهانيون بها قالوا: أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو
بن مهدي قال: أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال: حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن
إبراهيم القرشي الدمشقي بدمشق سنة سبع وسبعين قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن بن
بنت شرحبيل قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عبد الله
بن الديلمي قال: أتى رجل ابن عباس قال: بلغنا أنك تذكر سطيحاً تزعم أن الله عز وجل
خلقه، لم يخلق من ولد آدم شيئاً يشبهه؟! قال: نعم، إن الله عز وجل خلق سطيحاً
الغساني لحماً على وضم، والوضم شراح من جريد، وكان يحمل على وضمه، فيؤتى به حيث
يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمه والكفين، وكان يطوى من رجليه إلى
ترقوته كما يطوى الثوب، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه، فلما أراد الخروج إلى
مكه، حمل على وضمه فأتي به، فخرج إليه أربعة من قريش عبد شمس وعبد مناف ابنا قصي،
والأحوص بن فهر وعقيل بن أبي وقاص، إنتموا إلى غير نسبهم وقالوا: نحن أناس من جمح
أتيناك لنزورك لما بلغنا قدومك، ورأينا أن إتياننا نحوك حق لك واجب علينا، وأهدى
إليه عقيل صفيحة هندية وصعدة ردينية، فوضعت على باب البيت الحرام لينظروا هل يراها
سطيح أم لا، فقال: يا عقيل ناولني يدك، فناوله يده، فقال: يا عقيل والعالم الخفية،
والغافر الخطية، والذمة الوفية، والكعبة المبنية انك الجائي بالهندية والصعدة
الردينية، فقالوا: صدقت يا سطيح، فقال: والآتي بالفرح وقوس قزح وسائر القرح،
والحطيم المنتطح، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب من حيث مر سيح فأخبر أن القوم
ليسوا من جمح وأن نسبهم من قريش ذي السطح، فقالوا: صدقت يا سطيح، نحن أهل البلد
الحرام أتيناك لنزورك لما بلغنا من عملك، فأخبرنا عما يكون في زماننا وما يكون
بعد، إن يكن عندك علم في ذلك، فقال: صدقتم والآن خذوا مني إلهام الله عز وجل،
إباي، أنتم يا معشر العرب في زمان الهرم، سواء بصائركم وبصيره العجم، لا عمل عندكم
ولا فهم وينشؤ من عقبكم ذو فهم يطلبون أنواع العلم، يكسرون الصنم، يبلغون الردم،
يقتلون العجم يطلبون الغنم.
قالوا: يا سطيح من يكون أولئك؟ قال لهم: والبيت ذي الأركان، والأمن والسكان،
لينشؤن من عقبكم ولدان يكسرون الأوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن
وينشرون دين الديان، ويستفتون العميان.
قالوا: يا سطيح من نشو من يكون أولئك؟ قال: وأشرف الأشراف والمحصي للأشراف،
والمزعزع الأحقاف، المضعف الأضعاف لينشون آلاف من عبد شمس ومناف نشو يكون فيهم
إختلاف.
قالوا:
يا سوءتاه يا سطيح، فما تخبر من العلم بأمرهم، وفي أي بلدهم، ومن أي بلد يخرج
أولئك؟ فقال: والباقي الأبد، والبالغ الأمد ليخرجن أولئك من ذا البلد نبي يهدي إلى
الرشد، يرفض يغوث والفند، ينزه من عبادة المدد يعبد رباً إنفرد، ثم يتوفاه الله
محموداً، من الأرض مفقوداً، وفي السماء مشهوداً، ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق،
وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم يلي أمره الحنيف محرب غطريف يترك قول العنيف قد
صاف المضيف وأحكم التحفيف، ثم يلي أمره دارع لأمره مجرب، فتجتمع له جموع وعصب
فيقتلونه نقمة عليه وغضباً، فيؤخذ الشيخ يذبح إربا، فتقوم به رجال خطبا - يعني
عثمان - ، ثم يلي أمره الناصر يخلط الرأي برأي ماكر، يظهر في الأرض العساكر - يعني
معاوية - ، ثم يلي بعده ابنه يأخذ جمعه ويقل حمده، ويأخذ المال ويأكل وحده، ويكثر
المال من بعده، ثم يلي بعده عدة ملوك، الدم فيهم لا شك مسفوك، ثم يلي من بعده
الصعلوك يطأهم كطية الدرنوك - يعني أبا العباس - ، ثم يلي من بعده عضهور يقصي
الخلق ويدني مضرا، يفتتح الأرض إفتتاحاً منكراً - يعني أبا جعفر - ثم يلي قصير
القامه بظهره علامه يموت موتاً وسلامه - يعني المهدي - ، ثم يلي من بعده قليل ماكر
يترك الملك باير، ثم يلي بعده أخوه بسننه سائر، يختص بالأموال والمنابر، ثم يلي من
بعده أهوج صاح دنيا ونعيم مختلج، تبادره معاشر ودوده، ينهضون إليه يخلعونه ويأخذون
الملك ويقتلونه، ثم يلي أمره من بعده السابع يترك الملك مخلا ضائع، يثور في ملكه
كل مشوه جائع، عند ذلك يطمع في المال كل غرثان، ويلي أمره الصبيان، يرضي نزاراً
جمع قحطان، إذا التقيا بدمشق جمعان بين بيسان ولبهان، يصف اليمن يومئذ صنفان، صنف
المشورة، وصنف المخذول، لا ترى إلا خباء محلولاً أو أسيراً مغلولاً بين الفرات
والجبول عند ذلك تخرب المنازل، وتسلم الأرامل، وتسقط الحوامل، وتظهر الزلازل،
وتطلب الخلافة وائل، فتغضب نزار وتدني العبيد والأشرار، وتقصي النساك والأخيار،
وتغلوا الأسعار، في صفر الأصفار تقتل كل جبار، ثم يسيرون إلى خنادق وأنهار ذات
أسفار وأشجار تصد له الأنهار، يهزمهم أول النهار، تظهر الأحبار فلا ينفعهم نوم ولا
قرار حتى يدخل مصراً من الأمصار، فيدركه القضاء والأقدار، ثم تجىء الرماه بلطف
مشاه تقتل الكماة وتأسر الحماة، ومهلك الغواة، هنالك يدرك في أعلى المياه، ثم يبور
الدين، وتنقلب الأمور، ويكفر الزبور، وتقطع الجسور، فلا يفلت إلا من كان في جزائر
البحور، ثم تثور الجبوب، وتظهر الأعاريب ليس فيهم معيب على أهل الفسق والمريب في زمان
عصيب، لو كان للقوم جنى وما تغني المنى.
قالوا: ثم ماذا يا سطيح؟ قال: ثم يظهر رجل من أهل اليمن أبيض كالشطن يذهب الله على
رأسه الفتن.
هكذا وقع في هذه الرواية سقوط ذكر علي عليه السلام، وقد وقع لنا هذا الخبر من طريق
آخر وفيه ذكره.
أخبرنا به أبو محمد أحمد بن الأزهر بن عبد الوهاب السباك في كتابه إلينا من بغداد
قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي القاضي إجازة عن أبي محمد الجوهري قال:
أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي قال: أخبرت عن سليمان
بن شرحبيل الدمشقي عن إسماعيل بن عياش، وذكر باقي الاسناد والخبر كما سقناه إلا
أنه قال فيه: لا علم عندكم ولا فهم، ولينشون من عقبكم دهم، وقال: ويستنون بدين
الديان يشرفون البنيان، وقال: ثم يلي من بعده الأمين الناصر فيخلط الرأي بحزم
باهر، ثم يلي من بعده إمرء مناكر يظهر في المدائن العساكر، فقد ذكر في هذه الرواية
علياً ثم معاوية.
قلت والجبول قرية كبيرة من قرى حلب في طرف نقرة بني أسد والقرب من برية خساف في
أرضها يجمد الملح ويجمع، وبينها وبين الفرات سبعة فراسخ.
سير إلي ابن تيمية خطيب حران كتاب بابا الصابىء الحراني يشتمل على سبع مقالات ذكر
فيها ما يكون في الأزمان، وقيل أنه تكلم بذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
بثلاثمائة سنة وسبعة وستين سنة.
قال
في المقالة الرابعة: والأسرار الخفية ظهرت لي وانزعجت نفسي، ورعب قلبي أن أتكلم،
وتكلمت بغير اختياري لأني أمرت رب الأرباب بذلك حتى أعرف وأبين ماذا يكون في
الأزمان، وذلك أنه تنتبه الحبشة الذين هم أفاضل أهل القبلة، ويخرج ملكهم الذي اسمه
حسن بقوة عظيمة، ما لا يحويه عدد من كثرته مع دوابهم وسوادهم، وأعوادهم كالحياة،
ودوابهم كالسباع تهج، ويكون خروجهم من قبلة المغرب، ويكون عددهم كعدد الرمل
والجراد ويكون أشد شراً من الحياة، والشرايين التي على رؤوسهم من الخوص، وهم
فارغون من المال والنفقة، ولا في قلوبهم رحمة لوالد ولا ولد، وتجتمع أجنادهم
وجيوشهم كالجراد الذي يطير ويعبر البلاد الخربة، ويصل إلى البلاد العامرة، ويملكون
بلاد النوبة وبلاد مصر، ويصعدون من هناك إلى دمشق ويفسدونها ويخربونها، ويأتي نهر
الأردن وعبر على فلسطين، وينزل على الفرات، وتأمن مدينة الأحبار المسماة ما بوغ -
هي حلب، وحينئذ يأتي إليك يا حران، وأنت أيضاً تكونين في الأمن والسلامة، وأهل
السماء فيك يسكنون، ويرفع شأن أهل حران إلى المنزلة العليا ويحاربون ويقهرون البر
والبحر بعقد قوي، ويطرد واحد لمائة وعشرين، ويطرد عشرون لألفين، وكل من لا يقبل
منهم ويسمع كلامهم يقتلونه.
وذكر في المقالة السادسة وقال: فصل، إذا ما انتهت مملكة الأهواز يكون قتال عظيم،
ويسفك في الأرض دم عظيم، ويكون في المغرب قتال شديد مدة أيام، ومع هذا فالويل لكم
يا مدن بهيات، والويل للقرايا والمدن الصغار من شعب نجسه ينجسون الأرض بأعمالهم،
وهم الذين لا يعرفون الله ولا يوقرون أهل السماء، سلكوا طريق الشهوات الردية
وزاغوا عن الحق، فسخط عليهم أهل السماء، الويل لك يا دمشق البهية يا مدينة حسنة
الملك، كيف تخرب أسوارك وتهدم أسواقك إلى الأرض، والويل لك يا بعلبك يا مدينة
الشمس، كيف تنتقل قوى الطلسمات التي فيك إلى جبل الباجوك - وهو الجبل الشرقي من
حران - ويتبدل بخورك وعطرك وقرابينك، وتصيري إلى الخراب حتى تسمع أصوات الهدم، فيك
وأنت يا مابوغ - وهو حلب - مدينة الأحبار يأتي رجل سلطان ويحل بك، ويعلي أسوارك،
ويجدد أسواقك، ويجوز المعين الذي فيك، وبعد قليل يؤخذ منك، فالويل لك، وما تلتقين
من القتال والحروب، والويل لك يا سميساط.
وقال: فصل، وبالحقيقة أقول أن الرها تخرب والماء الذي أخذ منها يرجع إلى حران،
وتخرب سميساط، والماء الذي لكوزن يأخذونه إلى القبلة.
وقال في هذه المقالة: وتشال حجارة الرها إلى حران، ويبني بها لحران سور وفصيل، وفي
الباب الذي بين الشرق والقبلة يبنى بيت للعبادة، وذلك بأمر من قوة سيدنا الأعمى،
وهو أمرني أن أعرفكم بهذه الأشياء، وأقول أن ما بوغ - وهي حلب - تستعير من الأحبار
وتكون الأمن والسلامة على جميع العالم.
وقد ذكرنا هذا الفصل فيما تقدم، وأنه انهدم موضع في سور حران في سنة إثنتين وخمسين
وستمائة، فاحتيج إلى أن نقل إليه من سور الرها حجارة بني بها ما انهدم من سور
حران، أخبرني بذلك خطيب حران، ونقلت ما نقلته من هذا الكتاب على ما فيه من اللحن
وركة الألفاظ.
باب في
ذكر من نزل من قبائل العرب بأعمال مدينة حلب
ومن كان قبلهم في سالف الحقب
قرأت في كتاب جماهير أنساب اليمن قال أبو القاسم الحسن بن علي الكوني: حدثنا أبو
سليمان داود بن عبد الله اليماني قال: حدثنا أحمد بن القاسم قال: حدثنا الفضل بن
العباس الأنصاري عن أبيه قال: أتي معاوية بن أبي سفيان بشيخ كبير قد سقط حاجباه
على عينيه من الكبر فما ينظر إلا ما رفع باليد، فسأله عن أشياء ذكرها، وذكرها له،
وذكر له وقال: فكانت أرض الشام لسام بن نوح وبه سميت شاما، فحولهم عنها ولد حام،
وذكر من ولد حام كنعان بن حام وقال: وولد كنعان بن حام صيدون بن كنعان، وحاث بن
كنعان، واليبوسي بن كنعان، والروادي بن كنعان، والصماري بن كنعان، والحماني بن
كنعان، والحواني بن كنعان، حل هؤلاء كلهم وهم بنو كنعان السواحل من أنطاكية،
والساحل كله من صيدا وطرابلس وحمص وأرض القدس والغور إلى عمل البثنية، وهم الذين
قتلهم يوشع بن نون وأجلاهم إلى بلاد المغرب.
وقال:
وذكر له ولد يافث فقال: يافث بن نوح ولد له سبعة ذكور منهم: جومر بن يافث، ومأجوج
بن يافث، وماذي بن يافث، وياوان بن يافث، وثوبان بن يافث، وماشيج بن يافث، وتيراس
بن يافث.
وقال: وولد ياوان بن يافث أياس والمصيصة وطرسوس وأذنه، والروم من ولد هؤلاء، حلو
بلادهم فعرفت بأسمائهم على تخوم الروم طرسوس، وأذنه، والمصيصة، وأياس وذكر لي بعض
الاسرائيليين أن الروادي بن كنعان هو الاروادي.
وقرأت في نسخة معربة من التوراة عربت للمأمون قال: وبنو ياوان أياس، وطرسوس
والمصيصة وأذنه.
قلت: والحماني بن كنعان إليه تنسب حماه.
وقرأت في كتاب ديوان العرب وجوهرة الأدب وايضاح النسب تأليف محمد بن أحمد بن عبد
الله الأسدي النسابة قال: وقرأت في التوراة أن العيص لما ولد له هؤلاء الشعوب بأرض
ساعير وكان مع أخيه وأهل بيته، وكثر مالهما وأولادهما وضاقت عليهم الأرض فلم
يزالوا بتلك الأرض إلى أن خرج موسى ببني إسرائيل فاجتاز بهم، ودام حربهم، ونهاه رب
العالمين عن ذلك، فأخبره أن تلك الأرض دفعها إلى العيص وولده ميراثاً، ولم تزل
المشاحنة والبغضاء بين ولد يعقوب والعيص وولدهم وملوكهم، ولم يزل ولد العيص بتلك
الأرض يقتتلون إلى أن قويت ولد يعقوب بالملك والسعة.
كذا يقول الكتاب، إلى عصر داود فغزاهم وملكهم، وصار الأدميون عبيداً وإماءً لآل
اسرائيل اخوتهم، وتفرق من بقي منهم في البلاد، فمنهم من دخل بلد إسماعيل عمهم،
ومنهم من سار نحو الشام فدخلوا على الأمم واختلطوا بهم، ومنهم من نزل إلى نحو
العراق وبلاد الجزائر وأطراف البر مثل الرصافة وما والاها، فهم بها إلى اليوم،
وضاع نسبهم في الشعوب وليس لهم حفظ.
وأما من نزل من قريش بحلب وأعمالها، فمن بني هاشم: صالح بن علي بن عبد الله بن
عباس نزل ظاهر حلب، وابتنى به قصره المعروف ببطياس وكان على الرابية المشرفة على
النيرب من جهة الغرب والشمال، وكان عن يسار المتوجه من حلب إلى النيرب، وموضع
اصطبله عن يمين المتوجه، والطريق بينهما، ودثر القصر ولم يبق منه إلا الآثار، ويجد
الناس في موضعه شيئاً من الفسيفساء وكسور الرخام.
وولد لصالح عامة أولاده به، وبقي من أولاده عيسى بحلب بعده، ووقف بها وقوفاً على
ولده، فولده بحلب إلى زمننا وأوقافهم عليهم، وسنذكر إن شاء الله صالحاً وولد في
كتابنا هذا.
ونزل من ولده عبد الملك بن صالح بمنبج وابتنى بها قصراً وبستاناً وولده إلى اليوم
بمنبج، وبستان القصر بأيديهم إلى اليوم.
قال النسابة محمد بن أحمد بن عبد الله الأسدي في كتاب ديوان العرب: وأما صالح بن
علي بن عبد الله بن العباس فأمه يقال لها سعدى، وهي أم ولد يعرف ولدها ببني سعدى،
وأنه طلع إلى الشام بأرض حلب فولد هناك سبعة عشر ذكراً من صلبه، منهم بظاهر حلب
ومنهم بحلب، والعقب في العشرة إلى اليوم: الفضل بن صالح، وإسماعيل بن صالح، وعيسى
بن صالح، وعلي بن صالح، وعبد الملك بن صالح، ويعقوب بن صالح، وسليمان بن صالح،
وداود بن صالح وإبراهيم بن صالح، وعبد الله بن صالح. ذلك كل واحد منهم قد ولد
بطناً وهم أهل مدر لا وبر.
وأما ولد صالح فهو ممن علا أمره في بلد حلب وعظم قدره وملك منها الضياع والعقار
والعبيد مثل صباح، ومطرف، ولؤلو، وبدر، وغير ذلك من العبيد حتى لحقوا مواليهم في
النسب.
قال: وعقبهم إلى يومنا هذا لاحق بهم، عليهم الوقوف، وقوف مواليهم مثل الزامر وغيره
بأرض دمشق وغير ذلك من أرض الشام إلى سنة ثلاثمائه وعشرين، ثم غلب على الأمر
غيرهم.
قلت: ومن أوقاف مواليهم وقف بني فضال، وبني الصفري والطشتي كل هؤلاء من موالي صالح
وبنيه، وعوام حلب ورعاعها يقولون: إن وقف الزامر وقف على ولد الذي زمر بين يدي رأس
الحسين عليه السلام، ووقف الطشتي على الذي حمل رأسه في الطشت، ووقف الصفرية على
بني الذي صفر بين يديه، ووقف بني فضال على بني المتفضله، وهي امرأة أبدت ضوئها
لرأسه عليه السلام حين قدم حلب به يطوفون به، وهذا لا أصل له ولا صحه، والصحيح ما
ذكرناه.
ونزل
من ولد عبد الملك بن صالح بأنطاكية الفضل بن صالح بن عبد الملك بن صالح، فلما ولي
سيما الطويل أنطاكية قبض عليه وعلى ولده ودفنهما حيين في صندوقين، فبصر رجل
بالصندوق الذي كان ولد الفضل فيه فظنه مالاً، فحفر عليه واستخرجه وبه رمق، وعاش
بعد ذلك عشرين سنة وثلث.
والموجودون الآن بمنبج وحلب من ولد صالح بن علي، بنو عيسى بن صالح، وبنو عبد الملك
بن صالح من نسل عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح، وسنذكر من أخبارهم ما فيه كفاية
إن شاء الله تعالى.
وأما من نزل من بني أمية فهشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، نزل الرصافة
وبناها واتخذها منزلاً له، وبقي بها ولده بعده إلى أن زالت دولة بني أمية وتفرقوا.
ونزل عمر بن عبد العزيز بخناصره واتخذها منزلاً إلى أن مات.
ونزل مسلمة بن عبد الملك بن مروان بالناعورة من نقرة بني أسد، وبني بها قصراً
بالحجر الصلد الأسود، وآثاره باقية إلى يومنا هذا، وأدركت منه برجاً قائماً انهدم
في زماننا، وأخذ منه حجارة كثيرة، وبقي أولاد مسلمة بعده إلى دولة بني العباس،
ولما إجتاز الرشيد بهم، برم ووصلهم مجازاة لأبيهم لأنه كان يحسن إلى بني هاشم في
أيام ولاية أخوته، وكان لمسلمة قرى ومزارع بأعمال حلب إتخذها وعمرها أيام إقامته
بالناحية المذكورة، منها الحانوت وبها مات، وتسمى في زمننا الحانوته.
وأما سليمان بن عبد الله فإنه نزل دابق غازياً وأقام بها سنين ومات بها، وبقي من
أولاده بناحية حلب بعضهم، فإنني قرأت في كتاب نسب بني العباس تأليف أبي موسى هرون
بن محمد بن إسحق بن موسى بن عيسى الهاشمي قال: حدثني علي بن عيسى بن محمد قال:
سمعت أبي يقول: خرجنا مع أمير المؤمنين هرون رضي الله عنه ونحن نريد أن نغزو،
فمررنا بعسكرنا ونزلنا على نهر بين خساف وبين حلب يقال له سبعين، فتحدث أمير
المؤمنين مع قوم من بني هاشم من ساكني حلب، وجاءوا بلغط من القول، فقال لنا: إني
أريد أن أتفرد اليوم في مسيري فلا يدنو مني أحد إلا أنت.
قال: فمضى غير بعيد فتنكب عن الطريق فبصر برجل حسن الوجه يمشي خلف فدان يحرث عليه
وهو يبكي، فقصده فإذا عليه فرو مقلوب الجلد على ظهر جسده والصوف إلى خارج، فسلم
عليه أمير المؤمنين وأعجبه حسن وجهه، فقال: إسقني يا فتى ماءً، فقال: نعم يا سيدي،
ففزع إليه وترك الفدان وقال: تصير معي إلى القرية فأسقيك ماءً بارداً؟ فقال: نعم،
فعدا بين يديه وهرون يتلوه حتى جاء القرية، فأخرج مفتاحاً، ففتح باباً وخرجت منه
صبية ظاهرة الوضاءة يبين عليها سوء الحال، وأخرج قدحاً فغسله، ثم قال: يا سيدي تشرب
ماءً على الريق، هل لك أن تنزل عندي فتصيب ما حضر وتشرب على أثر طعامك؟ فقال: نعم،
فأنزله وأخذ فرسه فربطه، وأضجع عجلةً فذبحها واستخرج كبدها وأخرج دقيقاً من كوز
له، فدفعه إلى جارة له تصير له منه فطيراً، ومر إلى الفدان فحله وقد شوي الكبد
وخرج الخبز من التنور فقدمه إلى أمير المؤمنين، وجلس يأكل معه.
قال أبي: ثم قام فجاءني من ذلك الفطير ومن تلك الشرائح اللحم، فقال: كل، وعمد إلى
ريحان كان على سطح بيته فوضعه بين يديه؛ فقال أأتنشد من الشعر شيئاً؟ فأنشده من
أشعار بني أمية، وأنشده في زوال النعم، فقال له: حدثني حدثيك، فوالله ما وجهك بوجه
زراع ولا بوجه من ربي في بؤس، فأخبره أنه من ولد سليمان بن عبد الملك وأن هذه
الصبيه التي معه أخته، وأن بعض المسالمة خطبها، فأبى عليه، وأنه هرب فنزل ها هنا،
فاستأجره وكيل القرية بعشرة دراهم على أن يفرد له بيتاً يكون فيه وفدانه وأخته،
فبكى هرون وقال: عمل صالح قبل الغزو، فإنما النصر والتمكين بخوف الله، وجاءت
الخيول وحفت بالموضع، وقيل أمير المؤمنين أمير المؤمنين، فقال: لا بأس عليك لن
ترع، فكتب إلى الذي خلقه بالإحسان إلى بني أمية وإدرار العطاء عليهم، ودفع إلى من
إشترى له القرية التي هو بها.
قال: قال أبي: فرأيت أمير المؤمنين يبكي ويقول في سجوده إلهي إرحمني بقرابتي من
محمد، ولا تجعل محمداً خصمي وموبخي، ولا تؤاخذ الأمة بذنوبي، ثم صلى الظهر فركب
فنزلنا حلب بعد المغرب وهرون منكسر متخلياً بنفسه.
قوله: وإن بعض المسالمة خطبها، يريد بعض بني مسلمة بن عبد الملك، وكانت منازلهم
بالناعورة قريباً من سبعين.
وقرأت
في ديوان العرب تأليف محمد بن أحمد الأسدي النسابة قال: وأما النضر بن كنانه -
يعني ابن خزيمة بن مدركه - فهو قريش، وقبائل قريش كلها من ولده، وعد جماعة منهم.
وقال: وبنو عوف بن حرب بن خزيمة بن لؤي بن غالب فتشاءمت وتجزرت ومنهم بأرض حلب خلق
كثير أهل مدر لا وبر وهم أهل ذاذيخ وكفر بطيخ وغيرها من الضياع بأرض معرة مصرين،
وهي تعرف بهم ضياع العوفين إلى اليوم.
قلت ونسبهم بنو عوف بن حرب بن خزيمة بن لؤي - وفيه يجتمعون مع النبي صلى الله عليه
وسلم - بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن
مضر بن نزار.
ونزل بأعمال حلب بعض العمالقة، وقد ذكرنا فيما تقدم أن حلب إنما سميت بحلب بن
المهر من ولد جاب بن مكيف من العمالقة، وقيل فيه حلب بن مهر بن حيص بن عمليق.
ومنهم عمرو بن ظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن عاملة العماليق ملك العرب بأرض
قنسرين والمشارف، وبنته الزباء وإسمها نائله بنت عمرو بن ظرب ملكت قنسرين
والجزيرة، وكان لها حصون من غربي الفرات وشرقيها، وسنذكرهما في موضعها من كتابنا
إن شاء الله تعالى.
نزول بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بن أد
بن أدد بن الهميسع بن نبت بن حمل بن قيذار بن إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام.
قال محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الأسدي النسابة في كتاب ديوان العرب وجوهرة
الأدب وإيضاح النسب: وأما أسد بن خزيمة فهو شعب كبير تشعبت منه قبائل وعشائر وأفخاذ
إلى يومنا هذا.
قال وإنما سمي خزيمة لأنه خزم نور رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينظر من
النساء إلا أم ولده؛ فولد خزيمة: أسد بن خزيمة، وكنانة بن خزيمة، والهون بن خزيمة
قبيلة لا شعب.
قال: وخص الله بالرسالة والشرف كنانة دون أخيه أسد، فأما أسد بن خزيمة فولد خمس
نفر: كاهلاً، وهو أول ولده، وبه كان يكنى، قبيلة لطيفه، وعمراً قبيلة متوسطة،
وصعباً قبيلة، وحملة قبيلة، وذودان قبيلة. ومن ذودان تفرعت قبائل أسد بن خزيمة
وعمائرها وأفخاذها إلى يومنا هذا.
فولد ذودان ثعلبة وغنماً قبيلتين عظاماً في العدد والمنعة، فأما غنم فإنها حالفت
ولد عبد مناف وأقامت بالحرم ولم تشخص مع بني أبيها، وذلك أن بني أسد شخصت عن الحرم
لحرب جرى بينها وبين اليمن، فنزلت بئر فيد يقال له إهالة، فأقاموا بتلك الأرض مدة
طويلة، ثم انتشروا في الأرض فمنهم من أخذ نحو العراق وأرضها فتديروها إلى يومنا هذا،
أرض الطيب وقرقوب وبر الرمله وما والى تلك الأرض وهم أهل وبر ومدر، عالم كثير وملك
عظيم؛ ومنهم من أخذ نحو بلاد الشام فقطن بلاد دمشق وهم أصحاب مدر لا وبر، ومنهم من
نزل أرض الكوفة إلى أرض البصرة إلى الأحساء وما والى تلك الأرض، ومنهم من أخذ نحو
نهر كربلاء، ومنهم من جزر، ومنهم من أخذ نحو الشام السفلى نحو أرض حلب وما ولاها
فهم بها إلى اليوم أهل مدر ووبر، وبهم تعرف تلك الأرض فيقال نقره بني أسد طرف
البر، وكان نزولهم سنة سبع ومائتين للهجرة، فهم بها إلى اليوم.
قلت: وفي زمننا لم يبق من بني أسد في بلد حلب من ينزل بيوت الوبر بل مساكنهم المدر
لا غير.
قال النسابة: ومن قبائل غنم بن ذودان بن أسد بنو دهمان بن عامر بن غنم، وبنو صالح،
وهو قليع بن عامر قبيلة، كان منزلهم الأحص طرف البر، وهم أهل مدر لا وبر، وبنو
حبيبه بن عامر بطن لا قبيلة، وهم أهل مدر لا وبر، وكان منزلهم نحو بلاد الشمال
بدير يقال له دير قزمان.
قلت: ودير قزمان هذا قريب من عزاز من شماليها وشرقيها، وهو مذكور في كتب الديارات،
وسيأتي شيء من ذكره في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
قال: وأما مالك بن غنم فولد ربيعة بطن ومنازلهم باذيذ عاربه وما والاها وهم أهل
مدر لا وبر، وربيعة يعرف بالكذاب.
قال: وأما كثير بن غنم بن ذودان بن أسد، فهم محالفون لبني عبد مناف ابن قصي، وهم
أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم زينب زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن ذودان بن أسد.
قال: وبنو كثير قبائل وهم آل رئاب ومنازلهم بأرض الشام بحوران.
قال: وسليط بن رئاب ومنازلهم بأرض حلب طرف البر من الأحص، وهم أهل مريمين وما
والاها، وهم أهل مدر لا وبر.
قال
النسابة: وقد كان منهم بأرض الشام، أعني بني غنم، بأرض الحاتميه والملوحه وما والى
تلك الأرض بطن يقال له سليم، وكان سيداً جليلاً عظيماً، وله بطنان عبد الملك
وحاتم، وهم أهل مدر لا وبر، منزلهم مع أخوتهم بني غنم بأرض الحاتميه والملوحة.
قلت: الحاتمية - والله أعلم - منسوبة إلى حاتم بن سليم هذا والله أعلم.
قال النسابة: وقبائل ذودان بن أسد كان العز فيه دون إخوته، فقبائل ذودان بنو فقعس
رهط طليحة بن خويلد بن نضلة بن الأشترين بن حجوان بن فقعس الذي إدعى النبوة بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عظيم القدر في العرب، وأخوه حبال بن خويلد.
وقبائل فقعس بن طريف بن حجوان قبيلة كبيرة أيضاً، وبنو ديان قبيلة كبيرة، وبنو
نفيل قبيلة عظيمة، وبنو منقد قبيلة كبيرة، وبنو حذيم قبيلة كبيرة، وقد خرج من كل
قبيلة من هذه القبائل عمائر وأفخاذ وعشائر وفصائل إلى يومنا هذا، ومنازل بني فقعس
بأرض الطيب وقرقوب مع أخوتهم ولد الحارث بن ثعلبة، وهم أهل وبر لا مدر، في تلك
الأرض إلا من شذ منهم، فتشاءم وجزر فنزل أرض حلب طرف البر وهو حيار بني فقعس سميت
تلك الأرض بإسمه، فهم بها وبالنقرة متفرقين مع أخوتهم بني أسد بن خزيمة.
قلت: قوله مع أخوتهم ولد الحارث بن ثعلبة بن ثعلبة بن ذودان بن أسد، والثعلبية
بالقرب من كارس منسوبة إلى ثعلبة بن ذودان، وحيار بني فقعس في طرف البر من ناحية
منبج، وحبال بن خويلد بن نضله بن الأشتر بن حجوان بن فقعس بن ذودان بن أسد بن
خزيمة له فرقة تنسب إليه بضواحي حلب يقال لهم الحباليون، وبينهم وبين فرقة أخرى
بضواحي حلب يقال لهم الزواقله، حرب وعداوة مستمرة وشحناء وينسبون إلى زوقل بن حييط
بن قدامه بن عبد الله بن عامر بن حصين بن الحارث بن الهصان، وهو عامر الأكبر ابن
كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب، وهم ثلاث بطون: حمزه، وقابوس، وعجمي، ومنهم
الزوقليه أم صالح بن مرداس الكلابي أمير حلب، وكان حبال ينزل بحيار بني فقعس،
وزوقل بمنازل بني الهصان بنواحي وادي بطنان. فالحباليون من بني أسد والزواقله من
بني كلاب.
قال النسابة: فهذه قبائل ذودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس ابن مضر بن
نزار، وقد كنت ذكرت في ابتداء الكلام طرفاً من منازلهم بعد ما نزلوا بئر إهالة ثم
افترقوا منهم من تشاءم ومنهم من جزر ومنهم من تعرق، ومنهم من نزل الشمال من أرض
بلاد اليونانية بجبل يقال له عوريه من أرض الروم، منهم فيه عالم عظيم، وذلك أنهم
هربوا من جور الملوك من ديار العرب والغلاء إلى تلك الأرض، ومنهم فريق بأرض الغرب
من أهل المدن قاطنين بالغرب على غربي حلب بمعرة مصرين وجبل السماق بنحليا وبتباسون
وما والاها وهم أهل مدبر لا وبر، ومنهم بأرض الجزيرة خلق كثير، وتعرف أرضهم بنقرة
بني أسد، وحدها من خناصرة إلى جبل الأحص إلى الوادي إلى طرف البر ثم غرباً إلى حد
الناعورة، والجبال محيطة بها من حقلى إلى القبتين إلى الجراعة إلى الملوحة وكسيان
إلى حد البر من أرض السبخة ثم على الحبل سائر إلى حد النهر من سبعين وكارس إلى حد
وادي بني كلاب، كل هذه الضياع والجبال وما يليها من البقاع لبني أسد، وهم بها إلى
اليوم، وهذا الإقليم كبير تديروه سنة سبع ومائتين للهجرة.
قال: وأما كاهل بن أسد فولد ثلاث قبائل عظام: بنو أذينة، وبنو هراوة وبنو حرموا،
هذه ثلاث قبائل، ومن هذه القبائل تفرعت قبائل كاهل وبطونها، وهم أهل مدر ووبر
متفرقين في البلاد، منهم بالنقرة بالجراعة وكسيان، وكان منهم بطن بجبل السماق
وبالجزر وغير ذلك.
قلت: وأظن الكاهلية هي منسوبة إلى كاهل بن أسد والله أعلم.
قال النسابة: في ولد مالك بن مالك - يعني مالك بن أسامة بن نمير بن نصر بن قعين،
من بني أسد، أو مالك بن نصر بن قعين - قال: منهم: بنو قطبة بن محيس بن برة بن
خزيمة بن كوز بن موله، وقطبة بن كوز.
قلت: والقرية المعروفة بالقطبية منسوبة إلى أحد الرجلين، وهي من نقرة بني أسد
بالقرب من البر، ويقال لها القطبيات أيضاً، فلعلها منسوبة إليهما، وأبو عبد الله
عبد الرزاق بن عبد السلام بن أبي نمير الأسدي القطبي منسوب إلى أحدهما أيضاً،
والله أعلم.
قال
النسابة: وأما ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار خرج منه قبائل وعمائر
وبطون وأفخاذ وإلى يومنا هذا، فولد الضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر سعد بن
ضبة قبيلة عظيمة، وذكر جماعة منهم.
قال: وبنو شعاع بن علقمه كان بأرض حلب، ثم بوادي بني كلاب في ضيعة يقال لها
البيرة؛ وبنو علقمة قبيلة كبيرة.
قال: وبنو السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبه قبيلة عظيمة. قال: وقد كان شخص منهم
فريق، فنزل بأرض الشام، وكان يعرف بأبي رمادة فإنه نزل بأرض حلب، بأرض النقرة،
وجاور بني أسد في دارهم، وولد نحو من عشرة أولاد ذكور، وولد لهم أيضاً أولاد، فصار
قبيلة تعرف بقبيلة أبي رماده، وتأمر فيهم من تأمر وساد فيهم من ساد، وهم من هجان
بن كعب بن بجاله بن ذهل - يعني ذهل ابن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة - قال: ونسلهم
إلى اليوم وهم وبني عم لهم من ضبة بأرض حلب وأرض الغرب والباره وما والاها، وهم
أهل مدر لا وبر.
قلت: وبالملوحة رجل من نسل أبي رمادة في زمننا يعرف بالرمادي.
قال النسابة: وولد عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان واسمه الناس
بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قطيعة بن عبس، فولد قطيعة، غالباً قبيلة عظيمة،
وشيماء قبيلة، والحارث بن قطيعة قبيلة، فمن ولد الحارث بن قطيعه بن عبس مازن
قبيله، فولد مازن ربيعة قبيلة، فولد ربيعة رواحة قبيله، وعبيد قبيله، ورياحاً،
ورواحاً، هؤلاء بنو ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس، وهم رهط زهير بن
جذيمة بن رواحة سيد عبس في زمانه، وهو أبو عشرة، وأمهم تماضر السلمية، والحارث بن
زهير، وأهل الحيار من ولده.
قلت: ومن ولده القعقاع بن خليد بن جزء بن الحارث بن زهير، وعمه العباس بن جزء بن
الحارث بن زهير، ونسب حيار بني عبس إلى بني القعقاع، لأن عبد الملك بن مروان
أقطعهم به قطائع، وكانت مواتاً فعمروها، وتزوج عبد الملك منهم ولادة بنت العباس بن
جزء، وقيل إنها بنت القعقاع، وهي أم الوليد وسليمان.
عدنا إلى كلام النسابة قال: وقيس بن زهير صاحب حرب داحس، وكثير ابن زهير قتيل كلب،
وخداش بن زهير لم يعقب، وشأس بن زهير قتيل غني ولم يعقب، وورقاء بن زهير لم يعقب،
وأسيد بن زهير، وهم أهل وبر لا مدر، والحكم بن زهير له عقب بالبادية، وحذيم بن
زهير عقبه في البادية، وعوير بن زهير له عقب بالبادية.
قال: وعنترة الفوارس منهم. قال: ومنهم الحطيئة الشاعر واسمه جرول.
فولد غالب بن قطيعة مالك قبيلة، وعوذ قبيله، ومخزوم قبيلة، وعبد وعوذ قبيله، وقيس
بن غالب قبيلة.
ومن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس خالد بن سنان، وهو النبي الذي بعثه
الله إلى نار الحدثان فأطفأها، وله حديث يطول.
ومنهم بنو هذم قبيلة عظيمة، ما ولد هذم أهل شحشحور وفاح وما والاها وهم أهل مدر لا
وربر، فهذه عبس، ومن هذه تفرعت قبائل عبس وعمائرها وأفخاذها وبطونها، وهي قبيلة
عظيمة، وكانت من إحدى الجمرات ومنازلهم كان بالبر ثم تشاءم منهم وجزر وتعرق، وكان
لهم محل يعرف بجبل صراع وأرض زعرايا وهو طرف البرية تديرته عبس وتناسلت فيه أعني
في ضياعه مثل القعقاعية من أرض العرب وغير ذلك.
قلت: خالد بن سنان هو خالد بن سنان بن غيث بن مريط بن مخزوم بن مالك ابن غالب بن
قطيعة بن عبس وستأتي ترجمته في موضعها إن شاء الله تعالى. وشحشحور خربة بقرب من
فاح في الوادي الذي هو شمال المرتب والمقبله، وآثار العمارة بها كثيرة ليس بها
يومنا هذا ساكن.
وهذم هو ابن مخزوم بن مالك، والقعقاعية من ناحية الفايا من عمل منبج تنسب إلى
القعقاع بن خليد العبسي.
ونزل بحاضر قنسرين جماعة من عبس منهم عكرشه بن أربد بن عروة بن مسحل بن شيطان بن
حذيم بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث ابن قطيعة بن بعس بن بغيض وكان
في أيام هشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد؛ والغالب اليوم على أهل حاضر قنسرين
عبس.
قال النسابة: وولد مالك بن أعصر بن سعد بن قيس سعيداً قبيلة، وأمه يقال لها باهله،
وهي ابنة صعب بن سعد العشيرة من مذحج، ومعن قبيلة، وأمه هند ابنة سنان بن عبد الله
بن غطفان، فولد معن أود وحاده قبيلتين عظاماً، وأمهما باهله، وكان خلف عليها معن
بعد أبيه، فولد معن شيبان، وهو فراض قبيلة كبيرة، وهم بشط الفرات، وزيد قبيلة وهو
بحثان، وذكر غيرهم.
قال:
وولد سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفه بن قيس بن عيلان بن مضر، وسليم شعب لا قبيلة،
لأنه خرج منه عدة قبائل عمائر وبطون وأفخاذ متفرقين في البلاد أهل مدر ووبر. فولد
سليم بن منصور بهثة بن سليم كلها، فولد بهثه ابن سليم الحارث قبيلة كبيرة وثعلبة
قبيلة كبيرة، وامرؤ القيس قبيلة كبيرة، وعوف قبيلة وكان كاهناً في العرب، وثعلبة
ومعاوية قبيلتان كبار.
فولد امرؤ القيس خفاف وعوف وتيم ثلاث قبائل عظام تفرعت عنها عمائر وبطون وأفخاذ
كثيرة، فولد خفاف مالك بن خفاف قبيلة، وولد خفاف أيضاً عميرة وعصيه وناضرة ثلاث
قبائل عظام خرج من عمائر وبطون وأفخاذ كثيرة، ومن خفاف خلق كثير كانوا بطوناً
وأفخاذاً بأرض جبل صراع وأرض زعرايا طرف البر أهل مدر ووبر وغير ذلك من الأرض.
قال: وولد الحارث بن بهثه بن سليم جني، ورفاعة، وكعب، وظفر، ووائله وعبادة وعبيد،
كل هؤلاء قبائل خرج منها بطون وأفخاذ وفصائل متفرقون في الأرض.
فولد رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم عبس وربيعة وعامر وجشم وذكوان وبحتر، كل
هؤلاء قبائل، فمن عبس بن رفاعة مرداس بن أبي عامر، وجشم؛ فولد مرداس بن أبي عامر
العباس بن مرداس وهبيرة وحدي ومعاوية وعمر وهم قبائل خرج منها بطون وأفخاذ، وهم
بأرض العراق والحجاز والشام أهل مدر ووبر.
قلت ومن ولد العباس بن مرداس جماعة بعلم وهي قرية من طرف النقرة والحبل مما يلي
حلب، وهم يحفظون أنسابهم.
وقال النسابة: فولد صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور - يعني منصور بن
عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان - عامر شعب لا قبيلة، ومرة قبيلة، ومازن قبيلة
كبيرة، وهم رهط بني وردان، كان منازل هؤلاء بأرض الصنوبران من بر حمص إلى حيار عبس
خلق كثير أهل مدر لا وبر كان قد شخصوا عن بر الحجاز قديماً فتديروا هذه الأرض، ثم
رحلوا عنها.
فولد عائذ ووائل وأمهم عمرة بنت عامر بن الظرب العدواني يعرفون بها، وكان رحيلهم
من المصعبة والشدة، تولوا فنزلوا بأرض النقرة نقرة بني أسد، وذكر غيرهم.
ذكر نزول بني كلاب بأعمال حلب
ونزل منهم بنو عامر الأكبر، وهو عامر بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب.
قال النسابة الأسدي: وولد عامر الأكبر، وهو الهصان جميع ولد العباس بن سعيد بن بكر
بن سعيد بن المعاد بن المعارك بن سعيد بن الحارث بن الهصان، فولد المعاد سعيد
قبيلة، وعبد الله قبيلة، وحمزة قبيلة، ومحمد قبيلة، وولد المعارك معاد قبيلة،
ومرشد قبيلة، ومدرك قبيلة لطيفة، وأبا الهدله بطن كبير وأمهم كريمه ابنة أشرس.
قال: وكان سعيد بن الحارث بن الهصان وولد المعارك من بطن وفخذ بأرض الشام والبو،
وكان نزول المعاد بن المعارك الشام قبل نزول الهبير بالنسير، وهم أهل مدر لا وبر،
وكانت الإمارة والرئاسة من ولد الهصان فيهم، منهم الأمير العباس كان والي جند
قنسرين وما والاها، وغير ذلك، وساد في الإسلام، فولد له محمد الأمير وأحمد وسعيد،
وولد هؤلاء ومواليهم بوادي بطنان.
قلت وإلى العباس بن الوليد الكلابي تنسب الكلابية، وتعرف بقرية الثلج، وهي في طرف
النقرة مما يلي برية خساف، ذكر بعض ذلك أحمد بن الطيب السرخسي.
قال النسابة: ومن ولد سعيد بن قرط مسكر بن غليظ بن فرقد بن أشرس بن هوذة بن نهشل
بن ثمامة بن سعيد بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر ابن كلاب، كان سيداً وشريفاً في
زمانه، وشرف قرط فيه إلى اليوم بالشام.
قال: ومن هؤلاء أهل مدر لا وبر بأرض الشام بمحل سموقة بني مسكر، فولده بها إلى
اليوم.
قلت: هذه السموقة من كورة نهر بوجبار، وهي قرية كبيرة بين بزاعا ومنبج، وإلى
جانبها السكرية، أظنها منسوبة إلى بني مسكر فغير في نسبتها وقيل السكرية وهذه
أماكن لم يبق بها من بني كلاب أحد، وأهلها في زمننا هذا تركمان.
قال النسابة: وولد قرط بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب زنباع بطن كبير، من قرط أهل
كارس بني كلاب وهم أهل مدر لا وبر ومربع، فوقع ولده بأرض العرب.
قلت كارس بني كلاب هي كارس الشمالية، وكارس القبلية هي كارس بني أسد.
قال
النسابة: ومن ولد عبد القيس يعني ابن ربيعة بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب
- نباته بن حنظلة بن ربيعة بن عبد القيس بن ربيعة بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر
بن كلاب، كان سيداً وشريفاً في زمانه مع بني أمية، فولد محمد بن نباته بطن، وعبيد
الله بن نباته بطن، منهم بالرقة أهل مدر لا وبر، ومنهم بجرجان أيضاً من ولده،
ومنهم بأرض حلب بوادي بطنان بالسيعة وأرضها منهم بطن، والكل أهل مدر لا وبر إلا من
شذ منهم، وباسم نباته سمي محل ببر الوادي يقال له النباتية لأنه وقع هناك.
قلت والنباتية من عمل بزاعا على نهر بوجبار، وإلى جانبها قرية صغيرة يقال المرية
منسوبة إلى مرة بن أبي لطيفة بن عامر بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب.
ومن المشهورين من بني كلاب ممن كان بناحية حلب من ولد عبد القيس الأمير صالح بن
مرداس بن إدريس بن نصر بن حميد بن شداد بن عبد قيس بن ربيعة بن كعب بن عبد الله بن
أبي بكر بن كلاب، وأمه الرباب الزوقلية من ولد زوقل بن حييط بن قدامة بن عبد الله
بن عامر بن حصين، وكان لسلفه شرف وبأس بقنسرين وانتهت إمرة العرب بناحية حلب إليه،
فقبض عليه مرتضى الدولة بن لؤلؤ وسجنه بقلعة حلب فهرب منها وجمع بني كلاب، وقصد
ابن لؤلؤ فخرج إليه إلى تل حاصد ولقيد فأسر ابن لؤلؤ، فاشترى نفسه منه فأعاده إلى
حلب، ثم ضعف أمر ابن لؤلؤ، وتجددت ولاية حلب بعده لجماعة إلى أن نزل على حلب
وحاصرها وتسلمها في سنة خمس عشرة وأربعمائة، وسنذكر شرح ذلك مستقصى في ترجمته إن
شاء الله، وبقيت مملكة حلب في عقبه بعده إلى أن ملكها أبو المكارم مسلم بن قريش
العقيلي في سنة إثنتين وسبعين وأربعمائة، وزالت دولة بني مرداس وبقيت إمرة العرب
في بني كلاب إلى زمن ولاية الملك الظاهر، ثم أزاحهم عنها آل طيء فدخلوا إلى بلاد
الروم، وتحضر منهم جماعة واشتغلوا بالمعايش.
ومن ولد عبد الله بن أبي بكر بن كلاب القريطيون، ويعرفون بآل جهيل، ومنهم المعروف
بالدنين الذي أسر ناصر الدولة الحسين بن الحسن بن الحسين بن حمدان في الفنيدق وقد
قدم إلى حلب ليأخذها من محمود بن نصر بن صالح، وهم ينتسبون إلى جهيل بن نصير بن
زيد جناب بن نصير بن عمرو بن عصمة بن مريرة بن قريط بن عبد الله بن أبي بكر بن
كلاب، وتحضر بعض ولده وصار منهم علماء وفقهاء وعدول بمدينة حلب، وسنذكرهم في
كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
وذكر النسابة ولد عوف بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب فقال في ذكر عوف: وهو
الأفقه سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه أوفده إلى قومه فكان كلما كلمه
بشيء يقول: قد فقهت يا رسول الله.
قال: وولد عوف أهل وبر، وأخوتهم من عامر بن كعب ببر الشام.
قال: فمن ولد حية بن عاصم بن سلمان بن ثعلبة بن يزيد بن مالك بن خصفه ابن عوف بن
عبد الله بن أبي بكر بن كلاب أهل مدر لا وبر، وهم بأرض الوادي بضيعة تعرف بشيح أبي
حية باسم أبيهم، ومواليهم بها وبما والاها. فولد حية ابن عاصم إدريس بن حيه بطن
كبير، وموسى بن حية بطن والحويرث بن حية درج لم يعقب ولداً.
قلت شيح بني حيه غيروا نسبها فهو يعرف في زماننا بشيح بني مي.
قال النسابة في ذكر جري بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد الله، فولد جري زرارة قبيلة،
وقيس قبيلة، وطلحة بطن كبير، فبنوا زرارة بن جري بطون وأفخاذ بأرض الحجاز.
وكان نزول مشارقة بني كلاب شعثه وذيبه أرض الشام سنة عشرين وثلاث مائة، وفي سنة
إثنتان وعشرين نخروا البلد من ضياع الشرق وغيره من البلاد.
ومن بني زرارة عبد العزيز بن زرارة بن جري، وكان سيداً في زمانه، وله جهاد كبير في
بلاد الروم مات رحمه الله شهيداً.
وولد قيس بن جري بن عمرو بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب، صالحاً بطن كبير، وأبا
الصبهاء بطن، واسمه مسلم، وعبيد الله بطن كبير وهم أهل وبر لا مدر ببر الشام.
اليوم، ولهم بالحجاز فريق أهل وبر لا مدر مع أخوتهم زرارة إلا من شذ منهم فجزر
وتحضر، ولهم بأرض الوادي بأدويش وما والاه من الأرض فريق يسير أهل مدر لا وبر.
قال: ومن كعب بن عوف بن عبد بن أبي بكر بن كلاب مطرف بن قتاده بن كعب بن عوف بن
عبد بن أبي بكر بن كلاب، وهو بطن كبير من بني كلاب.=
2. بغية الطلب في تاريخ حلب
المؤلف : ابن العديم
وذكر
أيضاً مطرف بن اياد بن قتادة بن كعب بن عوف وهو بطن أيضاً من اياد من بني كلاب،
وكانوا أهل وبر بأرض الشام لا مدر، وهم أهل مطرف بن عوف ابن عبد بن أبي بكر بن
كلاب.
قلت والمطرفيه بالقرب من بزاعا في وادي بني كلاب نزلها مطرف فنسبت إليهم والله
أعلم.
من نزل عمل حلب من ولد عمرو بن كلاب
ذكر النسابه ولده نفيلا فقال: ونفيل قبيلة كبيرة، فولد نفيل خالد بطن كبير، وخويلد
بطن كبير وأمهما غني من القين بن غني، فولد خويلد بن نفيل ربيعة بطن كبير، وعمرو
بطن كبير، وزفر بطن، ومعاوية وعوف بطنان، وعلس ومعد بطنان كبار، فولد عمرو بن
خويلد يزيد الشاعر وكان سيداً، فمن بني يزيد بن عمرو زفر ابن الحارث بن عبد عمرو
بن معان بن يزيد بن عمرو بن خويلد بن نفيل كان سيداً في زمانه وكان فارساً شجاعاً،
فولد ثلاث بطون، الهذيل، والكوثر، ووكيع، وهم أهل مدر ووبر متفرقين في البلاد.
قلت: وكان منزل زفر وأولاده بالقرب من خساف وناحية بالس، وكان ينزل كوثر ببالس.
قال النسابة: وولد خالد بن نفيل حصين بطن كبير، وحصن بطن كبير وشنين بطن كبير،
وكان شنين فارساً جواداً شاعراً، وذودان وعبد الله قبيلتان كبار، وزهير بطن،
والصباح بطن.
فمن ولد الحصين بن خالد بنو جمهور بطن كبير، وهم أهل مدر لا وبر، وكانوا ينزلون
ببالس، وكان بها بطنان من العرب لا غير هم بنو جري بن عمرو بن مالك بن عمرو بن
كلاب، وبنو صلتان، وكانوا ينزلون الحدث وما والاها.
ومن ولد الحصين بنو الضحاك بن فايد بطن كبير كانوا بأرض زعرايا تعرف بهم كانوا
يتديرونها فأسمي تلك الأرض بدير عمرو وهم أهل مدر لا وبر.
قال: وولد عبد الله بن كلاب معاوية بطن كبير وهو الصموت، ونفاثه بطن كبير، وعوف
بطن كبير.
فولد الصموت عامر بطن كبير وغيره من البطون. وولد نفاثة بن عبد الله عمرة بطن كبير
وغيره من البطون، وهؤلاء أهل وبر ومدر بأرض الشام وأرض العراق، كان منهم بوادي بني
كلاب بضيعة يقال لها البيرة بطن يعرف ببني عامر هم وملاءمتهم متفرقين في البلاد،
منهم بالنقرة خلق كثير أهل مدر ووبر.
وولد معاوية بن كلاب، وهم الضباب: زهير، وحصن، وحصين، وحمل، ومالك وأمهم الأحمسية،
هؤلاء الحمس، بطون يعرفون بأمهم، وربيعة، وضب وضبيب، وحيين، وجني، وزفر، والأعور،
هذه السبع بطون أمهم السلولية وبها يعرفون، وهذه الأسماء تعرف بالضباب، منهم آل
جوشن، واسمه شرحبيل، وانما سمي جوشن لأنه أول عربي لبس الجوشن من كلاب في الجاهلية.
ومنهم بنو الأشهب قبيلة ذات منعة وعدد. ومنهم بنو منة بطن لطيف.
ومن بني السلولية وبني الأحمسية تفرعت قبائل الضباب وبطونها وأفخاذها إلى اليوم،
أهل وبر ومدر، ببر الشام من أرض شيزر وما والاها، وكان منهم بنهر الساجور وبأرض
منبج إلى أرض عدايا كثير، أهل مدر ووبر لأنهم تديروا هذه الأرض وهم بها إلى اليوم.
قال: وولد جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ست قبائل، زهير وربيعة وعبد الله
وهو اللبوة، والطحناء، ومعاوية، ومرداس، وبرقان، فولد ربيعة بن جعدة تسع بطون،
عمرو، وحيان، وعبد الله، وحرب، وعامر، وعوف، وحصن، وعدس، وقرة، ومن هذه البطون
تشعبت بطون جعدة وأفخاذها.
فمن جعده الرفاد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب الوافد على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وكتب له كتاباً هو عند ولده، وأقطعه الفلح، والعايل، وصد، وحراضة،
فجعدة بها إلى اليوم، وبأرض اليمامة أهل مدر ومزارع وحرث إلا من شذ منهم فتشاءم
وجزر وتحضر، وكان منهم بطن بأرض منبج بأخليط والصيادة وما والاها، أهل مدر لا وبر.
من ولد قشير
قال
النسابة: ثم قبائل الأعور بن قشير بنو عبد الله الأعور، وبنو حصن، وبنو قرط، وبنو
عامر، وبنو مسلح، فهذه قبائل عامر بن الأعور، وبنو بيهس، وبنو عاصم بن عامر. فمن
بني بيهس آل زياد وهم يتفخذون وأفخاذهم القاطنون بشط الفرات يعرفون بالشطيين، وهم
أهل مدر لا وبر، ومواليهم إلى اليوم بها ولهم بأرض خراسان خلق كثير وهم من ولد زيد
بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هبيرة ابن زفر بن عبد الله بن الأعور بن قشير، وكان
عمر بن عبد العزيز ولاه خراسان بأسرها فولده هناك أهل مدر ووبر، ولهم بأرض العرب
خلق كثير أهل مدر لا وبر وهم ولد كلثوم بن عياض بن وحوح بن قشير بن الأعور بن قشير
بن كعب ولي لهشام بن عبد الملك افريقية فولده هناك، ولهم خراسان بنيسابور وبسرخس
خلق كثير منهم ولد زرارة بن عمر بن شمس بن سلمة كان ولي خراسان للوليد بن عبد
الملك وعظم بها قدره، فولده هناك إلى اليوم أهل مدر لا وبر، ولهم بأرض الشام خلق،
بالشام بأرض حلب بحموص وعار وما وإلى تلك الأرض أهل مدر لا وبر، وتعرف تلك الأرض
بنقرة قشير، ومنهم متفرقون في البلاد بالجزيرة وغيرها من الأرض.
قلت: ومن آل زياد القشيريين الشطيين جعبر القشيري الذي تنسب إليه قلعة جعبر، وكانت
أولاً تعرف بقلعة دوسر، وكان جعبر هذا يقطع الطريق، وجمع في قلعة جعبر أموالاً
جليلة كثيرة، وقتل في سنة أربع وستين وأربعمائة بحيلة ومكيدة تمت عليه، ويقال أنه
عمي قبل أن يموت، وصات القلعة بعده إلى ولده سابق ابن جعبر القشيري، فسلك مسلك
أبيه في الفساد وقطع الطريق، فلما اجتاز السلطان ملك شاه بقلعة جعبر وهو متوجه إلى
حلب فأنهي إليه سوء سيرته وما هو عليه من الفساد فقبضه وقتله، ولما تسلم قلعة حلب
من من سالم بن مالك بن بدران العقيلي عوضه عنها بقلعة جعبر، وسيأتي ذكر ذلك في
ترجمة سالم إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
من نزل من ولد نمير بن عامر بن صعصعة
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد النسابة الأسدي في كتاب ديوان العرب: ثم قبائل ضنة
بن نمي بنو وهب، وبنو ناضرة، وبنو ناشرة، وبنو عفيف، وبنو سعد، وبنو عمرو، وبنو
ربيعة، وبنو حبيب، وبنو وديعة، وبنو علاثة، ومن هذه العشرة قبائل تفرعت بطون ضنة
بن نمير وأفخاذه إلا أنهم قليل متفرقون في البلاد قد نزل منهم فريق بمحل حلب طرف
البرية وهو يعرف بتل بني ضنة وهو اليوم خراب، متفرقون في البلاد، وكان قد نزل فريق
كبير من سائر فرق بني نمير بأرض الشمال نحو الحوارة والاخترين وما والى تلك الأرض
فتديروها فنسب المحل إليهم فيقال حبل بني نمير، وكان القوم أهل مدر لا وبر وكان
نزول نمير بالجزيرة سنة تسع وثلاثمائة للهجرة.
قلت: وبعد زمن النسابة عمر تل بني ضنة ونزله من أهل نقرة بني أسد من سكنة، وصار
المكان من أمهات قرى النقرة.
وممن كان بأعمال حلب من بني نمير، بنو الحارث بن نمير ومنهم عبيد الراعي ابن
الحصين قيل أنهم نزلوا بشط الفرات، وكانت قلعة نجم لبعض أولاده، وهو منصور بن
الحسن بن جوشن بن منصور بن حميد بن ثال بن وزر بن عطاف بن بشر بن جندل بن عبيد
الراعي بن الحصين بن معاوية بن جندل بن قطن بن ربيعة ابن عبيد الله بن الحارث بن
نمير، وكان له قلعة نجم. فقتل واحد واحد منهم منصوراً ووقع الاختلاف بين عشيرته
واختل أمرهم وتغلب الترك على ديارهم وتفرقت جماعتهم وكان ولده نصر فاضلاً أديباً،
وستأتي ترجمته في موضعها إن شاء الله تعالى.
ولولده نصر المذكور أبيات يرثي والده ويذكر ما جرى من اختلاف عشيرته.
أنشدناها ببغداد أبو الحسن المبارك بن أبي بكر محمد بن مزيد الخواص عنه.
لا تبعدنّ حُسام دولة عامرٍ ... من ليث ملحمة وغيث عطاء
أنحى على شمل العشيرة بعده ... ريبُ الزمان بفُرقة وتنائي
وأنشدنا أيضاً عنه.
ولولا الخُلف ما انصدعت عصانا ... ولا ملك الزمان لنا اقتسارا
عدنا إلى قول النسابة قال: من ولد هلال بن عامر بن صعصعة أخي نمير بنو عبد الله بن
هلال منهم: رويبه بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة.
قال
النسابة: فقبائل رويبه بن عبد الله بن هلال بنو الهزم، وبنو عمرو، وبنو البراق،
وبنو أهي، وبنو زفر، وبنو الخير، ومن هذه السبع تفرقت بطون رويبة ابن عبد الله بن
هلال بن عامر، وهم أهل وبر ومدر بالحجاز إلا من شذ منهم فإنه نزل بأرض الشام، فتديروا
بأرض حوران، ونزل منهم فريق بأرض زعرايا طرف البرهم بالفا وما ولاها، ونسب المحل
إليهم إلى اليوم فكانوا هم ومواليهم به، ثم تخرب البلد فتفرقوا في البلاد.
قلت: ومن بني الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال ممن كان بالفايا عاصم ابن عبيد
الله بن يزيد بن عبد الله بن الأصرم بن شعثة بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن
هلال الهلالي، وولده زفر بن عاصم وابنه العباس بن زفر وابنه زفر بن العباس وابنه
عاصم بن زفر، وما زالوا يقيمون بأرض حلب، والعباس بن زفر بن عاصم هو الذي أنجد
الهاشميين من أهل حلب لما حاربهم أهل حاضر حلب وأرادوا إخراجهم منها وذلك في أيام
فتنة محمد بن الرشيد، وما من أحد من هؤلاء إلا سيد مذكور، وسنذكر كل واحد منهم في
موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
ومن قبائل نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور.
قال النسابة: وكان من نصر بن معاوية بطن نزل بأرض حلب ونسل بها يقال لهم بنو طريف،
وهم أهل مدر ووبر بالغور وما والى تلك الأرض، كانوا بها ومواليهم.
قال النسابة: ثم قبائل ثقيف وهو منبه بن بكر بن هوازن بن منصور، وثقيف واسمه قسي،
فقبائل قسي ثقيف بن عوف وهي: جشم، وبنو خداش وهم في الأزد، وبنو سلامة، ومن هذه
القبائل تفرعت بطون ثقيف وأفخاذه، وقبائل عوف ابن ثقيف بنو مغيث، وبنو عتاب، وبنو
غسان، وبنو منبه، وبنو عقبة، وبنو مالك هذه قبائل عوف، ومنها تفرعت بطون عوف بن
ثقيف، وقبائل مغيث بن غوث ابن مسعود وبنو عامر، وبنو وهبان، وبنو عمر، وبنو
معاوية، وبنو سلمة، وبنو ربيعة ومن هذه القبائل تفرعت قبائل مغيث بن عوف وأفخاذه،
ومنهم بنو خطية بن جشم بطن كبير وهم أهل مدر ووبر كان محلهم الطائف، وهم قبيلة
عظيمة خرج منها سادة في الجاهلية والاسلام، وقد شذ منهم قبائل تشاءمت وجزرت
وتعرقت، وكان منهم بطن نزل أرض منبج وبأرض رعبان وما والى تلك الأرض، وهم أهل مدر
لا وبر.
قال: ومن قبائل النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن
نزار فقبائل تيم الله بن النمر، بنو الخزرج بن تيم الله، ومن الخزرج تفرعت بطون
الخزرج وأفخاذها، فولد الخزرج بن تيم الله بن النمر ابن قاسط سعد قبيلة كبيرة، فولد
لسعد بن الخزرج عامر الضحيان قبيلة، وكان سيداً في زمانه وكان حاكم العرب يقعد
لقومه الضحى، فسمعته ربيعة الضحيان، والبيت فيه وهو البيت الثالث، فمن ولده عامر
بن هلال قبيلة، وهو هلال بن عامر ابن سعد بن الخزرج بن تيم الله.
فمن عامر بن هلال نمير بن عامر أبا سلمة بن سلام بن الحارث بن هلال بن عامر فأهل
كفريا من نمير بن النمر والقشعم وهذه القبيلة لغني.
قال: شذت عن محل النمر وكانوا أهل وبر لا مدربا بأرض العراق ببره.
فولد نمير لأم، ومالك، وحصين، وسهيل، وسالم، وبهيج، وعائش بنو دروه ابن عائش بن
عيسى من ولد سالم بن نمير. وخرج من الخزرج عن المحل، فمنهم من تشاءم ومنهم من جزر
وتفرقوا في البلاد على نسبهم في ربيعة أهل مدر ووبر.
قال: أما هلال بن عامر بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فنزل هو
ومالك بأرض حلب، وولده هناك وذلك المحل يعرف بالنمريات وهي كفريا وكفر زغير وتل
الغبر وهم قبيلة أهل مدر ووبر.
وقال: ومن ولد زهير بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن
تغلب، وذكرهم وقال: ومن هذه القبائل الثلاث تفرعت قبائل بنو زغير بن تيم وبطونها
إلى اليوم وهم أهل مدر ووبر بديار ربيعة إلا من شخص منهم فنزل الشام والجزيرة،
والذي بالشام منهم ولد الحارث بن زهير وهو هيينة، فولده هناك بأرض بلد آمد وما
والى تلك الأرض إلى نهر الساجور إلى شبيث وبقعة منبج أهل مدر لا وبر إلى حد قلعة
بني الشيان، وهذه القبيلة متفرقة في الأرض خلق كثير وسادة، فهم بذلك المحل وهو
يعرف بمحل ربيعة.
قال:
ثم قبائل خالد بن كعب بن زهير بنو سلمة وهو السفاح، فولد السفاح ابن خالد هدم
قبيلة، وسفيح قبيلة، فولد لسفيح بن السفاح قرط بطن كبير، فولد لقرط بن سفيح قيس
بطن كبير، فهذه بطون سلمة، وهم بديار ربيعة أهل مدر ووبر إلا من شذ منهم. فولد
لقيس بن عمرو بطن وهو وبر، فولد لوبر بن قيس حنظلة بطن، فهذه بطون هدم بن كعب بن
زهير ومنه تفرعت هذه البطون وهم أهل مدر ووبر بأرض ديار ربيعة، ومنهم فريق بأرض
الشام مع أخوتهم ببقعة منبج، ولهم الساجور.
قال: وقبائل سعد بن كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم
بن تغلب بنو عبد العزى بن سعد سلمة، ويغمر قبيلتان، ويغمر هو الشمس لقب لزمه في
العرب. فولد لسلمة بن عبد العزى معاوية بطن كبير، فولد لمعاوية بن سلمة عمرو، وولد
لعمرو بن معاوية عامر، فهذه بطون سعد بن كنانة، ومنها تفرعت بطون سعد، ومنهم فريق
مع اخوتهم بالشام بنهر الساجور وبقعة منبج.
قال: ومن قبائل جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وهي القبيلة الثانية
من الأراقم، بنو زهير بن جشم وبنو سعد بن جشم وبنو زيد بن جشم وبنو عبد بن جشم،
ومن هذه القبائل الأربع تفرعت بطون جشم. ثم ولد له خمس قبائل أخر بنو عامر بن جشم،
وبنو معاوية بن جشم، وبنو عوف بن جشم، وبنو الحارث بن جشم وبنو مالك بن جشم.
قال: فولد للحارث بن زهير مرة بطن كبير فولد لمرة بن الحارث ربيعة بطن، فولد
لربيعة بن مرة وائل بطن كبير، وهم أريقة وكليب، وعدي، وامرؤ القيس، ومهلهل،
ومسلمة، وعبد الله.
والبيت الرابع والخامس من ربيعة في كليب وآله، وأسماء بني كليب وائل سيد تغلب في
زمانه وملك ربيعة بن مرة في عصره.
فهذه ولد الحارث من زهير بجميع بطونه وأفخاذه، وهم أهل وبر ومدر بديار ربيعة إلا
من شخص منهم من قبائل جشم فتشاءم وجزر وذلك أنه نزل فريق كبير بأرض حلب بجبل
السماق وهم فيه من حد ريحا إلى النيرب إلى معرة مصرين إلى سرمين إلى تيزين إلى
العمق وأوقيه إلى حد حريم حلب، فهذه من جشم بن بكر ومواليهم خلق كثير أهل مدر
ووبر.
قلت: وهذا كليب وائل الذي قتله جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكاية بن
صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط، فوقعت الحرب بين بكر وتغلب وهي حرب البسوس،
وكان منزل جساس بالأحص، ولما غشي كليباً الموت قال لجساس: أغثني بشربة، فقال
تجاوزت شبيثاً والأحص فأرسلها مثلاً. وسنذكر قصته إن شاء الله تعالى.
وقال بعد ذكر إياد بن نزار.
فولد لإياد بن نزار أربع قبائل: زهير، ودعمى، وقثم، ونمارة، ومن هذه الأربع تفرعت
بطون إياد وأفخاذها، فقبائل زهير بن إياد بنو حذافة وبنو الشليل فولد حذافة بن
زهير أمية بطن كبير. فولد لأمية بن حذافة الدئل بطن كبير، وقدم بطن، فولد لقدم بن
أمية عصيمة بطن، ومن هذه البطون تفرعت بطون زهير بن إياد، وولد للدئل الدوس بطن
كبير، فولد للدوس خمس بطون كبار، بنو سلمان، وبنو حدم، وبنو زمعة، وبنو أنمار،
وبنو سعد، ومن هذه البطون تفرعت بطون الدئل بن أمية.
ثم قبائل دعمى بن إياد مسعود بطن كبير، فولد مسعود وائل والتاج بطنان كبار، ومن
هذه البطون تفرعت بطون دعمى بن إياد.
وولد نمارة بن إياد الطماح قبيلة، ومنه تفرعت بطون نمارة.
ومن قبائل إياد المشهورة بنو يقدم بن أفصى بن دعمى بن إياد قبيلة، وبنو ضبيعة بن
ذهل بن مالك قبيلة، وبنو الهون قبيلة، وبنو النمر من وائلة قبيلة، وبنو كنانة بن
نباتة قبيلة، وبنو الحارث بن ذهل قبيلة، وغير ذلك من عدد القبائل، قبائل إياد بن
نزار، ومن هذه القبائل تفرعت بطون إياد بن نزار، وجلهم أهل مدر، وهم متفرقون في
البلاد بأرض العراق والجزائر، ومنهم فريق بأرض كفر طاب والمعرة، وأرض سرمين وحلب
بتل نصب، وهؤلاء أهل مدر لا وبر.
ذكر من نزل في أعمال حلب من حمير ابن سبأ
بن يشجب بن يعرب بن قحطان
قال أبو عبد الله الأسدي النسابة قال: وولد عمرو بن حمير، وهو الأكبر، من ولده فمن
قضاعة بن مالك بن زيد بن مرة بن عمرو بن مالك بن حمير بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن
قحطان. ويقال: قضاعة بن معد بن عدنان.
قال:
ولم أجد أهل العلم مجمعين على ذلك بل ذكروا أن مالكاً اجتاز هو وزوجته بمعد بن
عدنان وكانت حاملاً، وهي معاية أم قضاعة ابنة جوشم بن جلهمة ابن عمرو بن جرهم
الأصغر.
قال أهل العلم: فنزل مالك بمعد هو وزوجته فلحقه حال فأودعه زوجته ورحل فولدت على
فراش معد ابناً ذكراً وسمته عمراً وهو قضاعة، وقضاعة قبيلة عظيمة تظهر منها عشرون
قبيلة، وتشعبت من كل قبيلة بطن وفخذ وقبيلة وعشيرة إلى يومنا هذا.
فمن قبائل قضاعة: كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة.
ومن بطون كلب وجناب، زهير، وعدي، وعليم، وحارثة، هؤلاء ولد جناب وهم قبائل عدة.
قال: فمن كلب عامر بن عون خرج منها نيف وعشرون بطناً أولهن كلب كنانة ابن عبدود
قبيلة كبيرة تخرج منها أفخاذ وبطون عدة، ومنازل هؤلاء كنانة بأرض حمص والرستن إلى
فامية وما والاها إلى حد جبل بهراء، ومنازل عامر كلب المناظر طرف البر إلى حد أرض
دمشق والقرتين والغنثر وضمير وما والاها. ومنازل جناب عليم وزهير وعدي من أرض حلب
من حد جبل جوشن، وكان بها من كلب ومن كنانة وكذا كانت حاضر حلب نزل كنانة كلب
ظاهرها إلى حد جبل بني عليم، وهم أهل وبر لا مدر.
قلت وإلى عليم بن جناب بن كلب بن وبرة ينسب جبل بني عليم، ومنهم عمرو ابن محمد بن
معاذ البريدي من معراثا البريدية، وسيأتي ذكره وذكر أبيه في هذا الكتاب إن شاء
الله تعالى.
قال النسابة: وأما بهراء، وبلي، وخولان فهم ولد عمرو بن الحارث بن قضاعة ثلاث
قبائل عظام خرج منها عدة قبائل.
وقال: وأما بهراء فتشاءمت فأخذت جبلاً من جبال الأكراد غلبت عليه وعلى جرف منه
فقطنته وهو من حد جبل بلد طرابلس إلى حد جبال اليونانية وما تحته من المدن، ومنهم
بحماة وأرضها إلى حد الجبل بنو عبد الله بطن كبير، وبنو أرقش بطن كبي، وبنو مسعود
أهل بيت شرف وغير ذلك من بطونهم.
ومن قبائل قضاعة سليح، قال النسابة: وأما سليح فتشاءم ونزل ولده طرف من أطراف
الشام منهم بأرض حمص وبكفر طاب وبأرض القسطل طرف البرية وما والاها هم بها إلى
يومنا هذا.
قال: وأما تنوخ فهم قبائل عدة، منها قضاعة، ومنها نزار اجتمعت فتشاءمت وتنخت بأرض
الشام، وجمعها الاسم كما جمع لغيرها من القبائل مثل مذحج وكانوا بقنسرين وحلب فيهم
أمراء وكتاب ووزراء، وسيأتي ذكر أعيانهم في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وهم ينتسبون إلى الفصيص، وهو يوسف بن يعقوب بن إبراهيم بن إسحق ابن قضاعة بن ثويب
بن محطه بن ثويب بن عدي بن زيد بن تميم بن ضبيعة بن بلقن بن عدي بن زيد بن محطه بن
عدي بن زيد بن محطه بن عدي بن زيد ابن حية بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن فهم بن تيم
الله، وهو تيم اللات، والفصيص لقب، وقيل الملقب بالفصيص هو أبوه يعقوب، وكان لهم
بلاد كثيرة من بلاد الشام، وكانت قنسرين لأخي الفصيص، وكانت حمص واللاذقية وجبلة
لابنه إبراهيم، فحصرهم طريف السبكري واستنزل إبراهيم وأهله من حصونهم بالأمان سنة
سبع عشرة وثلاثمائة، وقد ولي اللاذقية بعد ذلك إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن
الفصيص، ثم صاروا إلى حلب، وصار منهم كتاب، وانقرض عقبهم، وإليهم ينسب درب الفصيصي
بحلب.
وحكى كثير بن أبي صابر القنسريني قال: كنت يوماً عند إسحق بن قضاعة التنوخي فدعا
بسيوف فجعل يقلبها، فقال لي: يا كثير هذه سيوف آبائنا التي قاتلوا بها يوم صفين،
وهي عندنا مدخرة حتى يقوم القائم من آل أبي سفيان، فنقاتل بها معه.
ومنهم بنو الساطع واسمه النعمان بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن
فهم بن تيم اللات، ونزلوا معرة النعمان وعقبهم بها إلى يومنا هذا، وكان للساطع
بنون ثلاثة، أسحم، وعدي، وغنم، فأما أسحم فينتسب إليه من أهل معرة النعمان بنو
سليمان، وفيهم جماعة من العلماء والفضلاء منهم أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن
سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان ابن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة
بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم، وقيل أنور بن أسحم بن النعمان بن
الساطع بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة.
وينتسب
إليه أيضاً من أهل معرة النعمان بنو أبي حصين وهو أبو حصين القاضي، واسمه عبد الله
بن المحسن بن عبد الله بن محمد بن عمرو بن سعيد بن أحمد بن داود بن المطهر، وفي
داود يجتمع بنو سليمان وبنو أبي حصين.
وأما عدي بن الساطع فينتسب إليه من أهل معرة النعمان بنو المهذب، وهو المهذب بن
محمد بن همام بن عامر بن عامر بن محارب بن نعيم بن عدي بن عمرو ابن عدي بن الساطع.
وينتسب إليه بنو زريق وهو عبد اللطيف بن سعيد بن يحيى بن عبد اللطيف ابن يحيى بن
عبد المنعم بن نعيم، وفيه يجتمع بنو المهذب وبنو زريق، ويقال لهم العمريون وفيهم
جماعة غير هؤلاء البطنيين وينتسبون كذلك إلى عمرو بن عدي ابن الساطع، وأهل المعرة
يقولون: الشعر عمري لأن الشعراء فيهم كثير، وكلهم مجيدون، وقيل إنما لقب النعمان
الساطع لحسنه وجماله.
وأما بنو غنم بن الساطع فمنهم بمعرة النعمان بنو الحواري وهو الحواري بن حطان بن
المعلى بن حطان بن سعد بن زيد بن لوذان بن غنم بن الساطع، وما من بطن من هذه
البطون إلا وقد خرج منه جماعة من العلماء والأدباء والشعراء والمحدثين وسيأتي
ذكرهم في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
ومن لا معرفة له من الجهال يقول: إن معرة النعمان منسوبة إلى النعمان بن عدي بن
الساطع لأن عامة أهلها من ولده، وهو خطأ منه، وإنما هي منسوبة إلى النعمان بن بشير
الأنصاري كما ذكرناه في الباب المختص بذكرها فيما تقدم.
فهؤلاء بنو جذيمة بن فهم.
قال: وولد بحتر - يعني - بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو ابن الغوث بن
طيء تذول، ومن تذول تشعبت قبائل بحتر ومنازلهم أرض الحجاز إلا من شذ منهم فتشاءم
وجزر.
قلت والذين تشاءموا نزلوا بمنبج والساجور، ومنهم البحتري الوليد بن عبيد بن يحيى
بن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن جشم بن أبي حارثة بن جدي
بن تذول بن بحتر بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء وكان
من قرية بمنبج يقال لها خزدفنة، وهو القائل:
يا خليلي بالسواجير من عمرو ... بن ود وبحتر بن عتود
ونزل من بني بحتر فرقة بأورم الكبرى من قرى حلب، وكان بأورم مزرعة يقال لها
البحترية منسوبة إليهم، وقد دثرت وانضافت إلى أورم.
رأيت كتاباً من كتب أجدادنا وقد اشترى حصة في هذه البحترية من بعضهم.
قال النسابة: وولد مرة بن عمرو بن الغوث بن طيء الكهف، فولد الكهف الكهيف بطن،
وامرؤ القيس بطن، فولد الكهيف وزبيرة بطنين، ونفرة بطن، وهؤلاء هم أهل السهل
والدهر، وتيم اللات بطن، فولد تيم اللات مالكاً، فولد مالك قناية ومبارك، هؤلاء
بأرض الشام، وهم بأرض يقال لها حاضر قنسرين، ومنهم من نزل أرض العراق ومنهم من
جزر.
باب في
ذكر فتح حلب وقنسرين
وما تقرر عليه أحكامهما
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي قراءة عليه بالبيت المقدس قال: أخبرنا
أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد السلفي قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد
بن الشيخ قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سعيد الحبال قال: أخبرنا أبو العباس
منير بن أحمد بن الحسن بن منير الخشاب قال: أخبرنا علي بن أحمد بن إسحق البغدادي
قال: حدثنا أبو العباس الوليد بن حماد الرملي قال: أخبرنا الحسين بن زياد عن أبي
إسماعيل محمد بن عبد الله قال: وحدثني الحسن بن عبد الله أن الأشتر قال لأبي
عبدية: إبعث معي خليلاً أتبع آثار القوم وأمضي نحو أرضهم، فإن عندي جزاء وغناء،
فقال له أبو عبيدة: والله إنك لخليق لكل خير، فبعثه في ثلاثمائة فارس وقال له لا
تباعد في الطلب وكن مني قريباً، فخرج الأشتر فكان يغير منه على مسيرة اليوم
واليومين ونحو ذلك.
قال:
ثم إن أبا عبيدة دعا ميسرة بن مسروق فسرحه في ألفي فارس فمر على قنسرين فأخذ ينظر
إليها في الجبل، فقال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: إنها لكذلك، والله لكأنها
قن نسر ثم إنه مضى في إثر القوم حتى قطع الدروب، وبلغ الأشتر أنه قطع الدروب، فمضى
قبله حتى لحقه، وإذا ميسرة مواقف لجمع من الروم وهم كثير، وكان ميسرة في ألفي فارس
من المسلمين، وكان أولئك أكثر من ثلاثين ألفاً من الروم، وكان ميسرة قد أشفق على
من معه أبو عبيدة قد أشفق عليهم حين بلغه أنهم قد أدربوا، وجزع جزعاً شديداً، وندم
على إرساله إياهم في طلب الروم.
قال: فإنه لجالس في أصحابه مستبطىء قدومهم متأسف على تسريحه إياهم إذ أتى مبشر
بقدوم الأشتر، وجاء الأشتر فحدثه بحديث ما كان من أمرهم ولقائهم ذلك الجيش
وهزيمتهم إياهم وما صنع الله لهم، ولم يذكر مبارزته الرومي وقتله إياه حتى أخبره
غيره، وسأله عن ميسرة بن مسروق وأصحابه فأخبره بالوجه الذي توجه فيه وأخبره أنه لم
يمنعه من التوجه معه بأصحابه إلا الشفقة على أصحابه أن يصابوا بعدما ظفروا، فقال:
قد أحسنت، وما أحب الآن أنك معهم، ولوددت أنهم كانوا معك، قال: وأقام حتى قدم عليه
ميسرة بن مسروق، وكتب كتاباً أماناً للناس من أهل قنسرين، ثم أمر مناديه فنادى
الرحيل إلى إيلياء، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته بين يديه، وأقبل يسير حتى
انتهى إلى حمص، فبعث على حمص حبيب بن مسلمة القرشي، وأرض قنسرين إذ ذاك مجموعة إلى
حمص، وإنما سميت حمص الجند المقدم لأنها كانت أدناها من الروم ومن دمشق والأردن
وفلسطين وهن كلهن وراءها.
أخبرنا أبو علي الأوقي قال: أخبرنا أبو طاهر قال: أخبرنا أبو الحسين قال أخبرنا
أبو إسحق الحبال قال: أخبرنا أبو العباس منير بن أحمد قال: أخبرنا علي ابن أحمد
قال: حدثنا أبو العباس الوليد بن حماد الرملي قال: أخبرنا الحسين بن زياد عن أبي
إسماعيل البصري قال: وحدثني عمر بن عبد الرحمن أنه حين خرج من أنطاكية - يعني هرقل
- أقبل حتى نزل الرها، ثم منها كان خروجه إلى حلب تحصن منه أهل حلب، وجاء أبو
عبيدة حتى نزل عليهم، فطلبوا إلى المسلمين الصلح والأمان فقبل منهم أبو عبيدة
فصالحهم، وكتب لهم أماناً.
ووقع بيدي فتوح الشام بخط أبي عبد الله بن مقلة، رواه أحمد بن عبد العزيز الجوهري
عن أبي زيد عمر بن شبه عن هرون بن عمر فذكر فيه قال: حدثني هرون قال: حدثني محمد
بن سعيد قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو جهضم عن عبد الرحيم بن الشلك عن عبد الله
بن قرظ فذكر نحواً مما ذكر أبو إسماعيل البصري وقال: وكان مخرجه - يعني هرقل - من
أنطاكية إلى الرها ثم إلى القسطنطينية، وكان أبو عبيدة لما نزل حمص قدم خالد في
جنوده إلى قنسرين، فسار خالد حتى نزل على حلب، وأقبل أبو عبيدة في أثره حتى نزل
بها، فعسكر بها فحصر أهلها منه فحاصرهم فطلبوا منه الصلح والأمان، فقبل ذلك منهم
على أن يؤدوا الجزية إلى المسلمين، وكتب لهم كتاباً وأماناً.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم بن علي
بن الحسن قال: أخبرنا أبي رحمه الله غير مرة قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن
قال: أخبرنا أبو الحسن السيرافي قال: أخبرنا أحمد بن اسحق قال: حدثنا أحمد بن
عمران قال: حدثنا موسى قال: حدثنا خليفة بن خياط قال: حدثنا عبيد الله بن المغيرة
قال حدثني أبي أن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنسرين
فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية وافتتح سائر أرض قنسرين عنوة.
وقرأت في مغازي أبي عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد قال: حدثني أبي عن يزيد بن سنان عن
أشياخ لهم قال: بعث عمرو عياض بن غنم الفهري إلى قنسرين والجزيرة، وكانت قنسرين
والجزيرة من حمص، فافتتح قنسرين وكتب لهم كتاباً وختمه.
قال يزيد: فأنا قرأت كتابهم، ثم خرج حتى نزل حران.
وقال:
حدثنا السري قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان عن خالد
وعبادة والربيع عن النعمان عن رجاء عن حيوه قالوا: لما كان ذو القعدة من سنة ست
عشره أغزى هرقل أهل حمص في البحر وقد اتخذوا مسالح، ونزل علقمه بن محرز وعلقمة بن
حكيم الرمله وعسقلان وذواتها، وفعل يزيد وشرحبيل نحواً من ذلك، واستمد أهل الجزيرة
واستثار أهل حمص، فأرسلوا إليه بإنا قد عاهدناهم فنخاف ألا تنصر، وخرج على أبي
عبيدة في جلية الروم، فاستمد أبو عبيدة خالداً، فأمده بمن معه جميعاً، لم يخلف
أحداً، فكفر أهل قنسرين بعده، وتابعوا هرقل، فكان أكفر من هنالك تنوخ الحاضر، وكان
تمسك كل أمير بكورته من القوة وهو أنجز وأعز للمسلمين، ودنا هرقل من حمص وعسكر
وبعث البعوث إلى حمص، فأجمع المسلمون على الخندقه والكتابة إلى عمر رضوان الله
عليه، إلا ما كان من خالد، فإن المناجزة كانت برأيه، فخندقوا على حمص، وكتبوا إلى
عمر، واستصرخوه، وجاء الروم ومن أمدهم حتى نزلوا عليهم، فحصروهم، وبلغت أمداد
الجزازره ثلاثين ألفاً سوى أمداد قنسرين من تنوخ وغيرهم فبلغوا من المسلمين كل
مبلغ، وجاء الكتاب إلى عمر وهو متوجه إلى مكه للحج في ذي الحجة فمضي لحجه، وكتب
إلى سعد إن أبا عبيده قد أحيط به ولزم جهته، فانبذ المسلمين بالجزيره، ومرهم بالجد
ومرهم بالتوجه إلى حمص وأمد أبا عبيدة بالقعقاع بن عمرو فخرج القعقاع بن عمرو
ممداً لأبي عبيدة، وخرجت الخيول نحو الرقه وحران ونصبين، فدوخوا الجزيرة، وبلغ
قبائل القوم بحمص فارتحلوا إلى مدائنهم وبادر المشركون يجفلون عنها وسمعهم
المسلمون فيها، ولما دنا القعقاع بن عمرو من حمص أقبلت إلى هرقل كتائب من تنوخ
خوفاً وذلاً وأخبروه الخبر، فأرسل إليهم إني والله لولا أني في سلطان غيري ما
باليت أقللتم أم كثرتم أو أقمتم أو ذهبتم، فإن كنتم صادقين فانفشوا كما أنفش أهل
الجزيرة فساموا سائر تنوخ ذلك فأجابوهم، وراسلوا خالداً إن ذلك إليك، فإن شئت
فعلنا، وإن شئت أن تخرج علينا فننهزم بالروم، فقال: بل أقيموا فإذا خرجنا فانهزموا
بها؛ وقال المسلمون لأبي عبيدة ارتحل أهل الجزيرة، وقد ندم أهل قنسرين ووعدوا من
أنفسهم بتجنب الحرب فاخرج بنا، وخالد ساكت فقال: مالك يا خالد لا تتكلم؟ فقال: قد
عرفت الذي قلته ورأيي فلم تسمع من كلامي، قال: فتكلم فإني أسمع منك وأطيعك، قال:
فاخرج بالمسلمين فإن الله قد نقص من عدتهم، وبالعدد يقاتلون، وإنما نقاتل منذ
أسلمنا بالنصر فلا تخفك كثرتهم.
وقال السري: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف عن أبي عثمان.. بن أسيد الغساني عن...
عمرو... عن الربيع بن النعمان النصري عن... بن النضر ابن علقمة النضري فجمع أبو
عبيدة الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس إن هذا يوم له ما بعده، أما من
حيي منكم فإنه يصفو له ملكه وقراره، وأما من مات منكم فإنها الشهادة فأحسنوا بالله
الظن، ولا يكرهن إليكم الموت أمراً افترضه أحدكم دون الشرك توبوا إلى الله وتعرضوا
للشهادة، فإني أشهد وليس أوان الكذب، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة وكأنما كان الناس في عقل فنشطت، فخرج بهم
وخالد على الميمنة وعباس على الميسرة، وأبو عبيدة في القلب وعلى باب المدينة معاذ
بن جبل فاجتلدوا بها وبينما هم كذلك إذ قدم القعقاع متعجلاً في مائة وانهزم أهل
قنسرين بالروم، فاجتمع القلب والميمنة على قلبهم وقد انكسر أحد جناحيه وأوعبوا
المدد فما أفلت منهم مخبر وذهبت الميسرة على وجهها، وكان آخر من أصيب منهم بمرج
الديباج انتهوا إليه فكسروا سلاحهم وألقوا يلامقهم تخفيفاً فأصيبوا وتغنموا.
ولما ظفر المسلمون جمعهم أبو عبيدة فخطبهم وقال: لا تتكلوا ولا تزهدوا في الدرجات،
فلو علمت أنه سيبقى منا أحد لم أحدثكم بذلك الحديث، وتوافى إليه آخر أهل الكوفة في
ثلاث من يوم الوقعة.
وقال:
حدثنا السسري بن يحيى قال: حدثنا شعيب بن إبراهيم قال: حدثنا سيف عن أبي عثمان
وأبي حارثة قالا: وبعث أبو عبيدة بعد فتح حمص خالد بن الوليد إلى قنسرين فلما نزل
بالحاضر، زحف إليهم الروم وثار أهل الحاضر وأمروا عليهم ميناس وهو رأس الروم
وأعظمهم فيهم بعد هرقل فالتقوا بالحاضر فقتل ميناس ومن معه مقتله لم يقتلوا مثلها
فأما الروم فماتوا على دمه، حتى لم يبق منهم أحد، وأما أهل الحاضر فهربوا وراسلوا
خالداً بأنهم عرب وأنهم إنما حشروا ولم يكن من رأيهم حربه، فقبل عذرهم وتركهم.
فلما بلغ ذلك عمر رضي الله عنه قال: أمر خالد نفسه، رحم الله أبا بكر، لقد كان
أعلم بالرجال مني، وقد كان عزله والمثنى مع قيامه وقال: لم أعزلهما عن ريبة، ولكن
الناس أعظموهما فخشيت أن يوكلوا إليهما، فلما كان من أمره وأمر قنسرين ما كان رجع
عن رأيه، وكذلك فعل بالمثنى لما قام بعد أبي عبيد، وقال: كان أبو بكر رضي الله عنه
أعلم بالرجال مني.
وسار خالد حتى نزل على قنسرين فتحصنوا منه فقال: إنكم لو كنتم في السحاب لحملنا
الله إليكم أو لأنزلكم إلينا فنظروا في أمرهم وذكروا ما لقي أهل حمص، فصالحوه على
صلح حمص، فأبى إلا على إخراب الدينة فأخربها فاتطأت حمص وقنسرين فعند ذلك خنس
هرقل، وإنما كان سبب خنوسه أن خالداً حين قتل ميناس وماتت الروم على دمه وترك
قنسرين طلع من قبل الكوفة عمر بن مالك من قبل قرقيسيا، وعبد الله بن المعتم من قبل
الموصل، والوليد بن عقبة على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة، وطووا مدائن الجزيرة من
نحو هرقل، وأهل الجزيرة في حران والرقة ونصيبين وذواتها لم يغرضوا غرضهم، حتى
يرجعوا إليهم، إلا أنهم خلفوا في الجزيرة لئلا يؤتوا من خلفهم، فأدرب خالد وعياض
مما يلي الشام، وأدرب عمر وعبد الله مما يلي الجزيرة، ولم يكونوا أدربوا قبله، ثم
رجعوا، فهي أول مدربة كانت في الإسلام سنة ست عشرة، فرجع خالد إلى قنسرين فنزلها،
وأتته امرأته، فلما عزله وضمه إلى المدينة قال: إن عمر ولاني الشام حتى إذا صارت
بثنية وعسلاً عزلني. الحديث.
قلت: وسيأتي ذكر عزله وقول خالد في ترجمته في مكانها من كتابنا هذا إن شاء الله
تعالى.
ونعود إلى تمام الحديث قال حدثنا السري بن يحيى قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف عن
أبي عثمان عن أبيه أن خالد أتي في قنسرين برجل معه زق خمر فقال: اللهم اجعله خلاً،
وأفلت منه فإذا هو خل مسطار، وأقبل الرجل يعدو.
قال زياد بن حنظلة:
ونحن بقنّسرين كُنا ولاتها ... عشية ميناس يكوس ويُعتب
يثور وتُثنيه جوارح جمّة ... وحالفه شيبان منا وتغلب
وقد هربت منا تنوخ وخاطرت ... بحاضرها والسمهرية تضرب
فلما اتقونا بالجزاء وهدّموا ... مدينتهم عدنا هنالك نعجب
وقال أيضاً:
وميناس نلنا يوم جاء بجمعه ... فصادفه منا قراع مُؤزر
فولت فلولاً بالفضاء جُموعهً ... ونازعه منا سنان مُذكّر
فضمنه لما تراخت خيوله ... مبالٍ لديه عسكر ثم عسكر
وغودر ذاك الجمع يعلو وجوههم ... دقاق الحصا والسافياء المُغبّر
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الدمشقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن
المسلم إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر بن الجندي
قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك أحمد ابن إبراهيم
القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد: حدثني هشام بن عباد عن أبي أن
أبا عبيدة بن الجراح عقد لحبيب بن مسلمة حين خزم الله الروم على خيل الطلب، يقتل
من أدرك ويقتفي من سبقه بالهزيمة حتى أجلاهم عن دمشق وغوطتها، والجولان والحولة
وبعلبك وكذا إلى حمص.
قال:
وأخبرني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الخيول طلبت الروم حتى أجلتها عن أرض دمشق
وحمص، وبعث إليه من كان بمدائن قنسرين والجزيرة يسألونه الموادعة سنة، فمن سار إلى
أرض الروم في تلك السنة فهو حرب، ومن أقام فيها فهو ذمة وصلح، فأجابوهم إلى ذلك،
ولم يغزوهم سنة، وجعلوا عموداً قائماً بين المسلمين وبينهم، ليس للمسلمين أن
يجوزوا ذلك العمود إليهم، ولا لهم أن يجوزوا العمود إلى المسلمين وصوروا قيصر في
ذلك العمود جالساً في ملكه؛ فبينا رجل من المسلمين على فرسه معتقل رمحه إذ مر بذلك
العمود وبتلك الصورة، فقال برمحه ففقأ بها عين التمثال، فاجتمعت الروم، فقالوا:
غدرتم يا معشر العرب، وانتقض الصلح، فقالوا ما نقضه؟ فقالوا: فقأتم عين ملكنا،
قالوا: ما ندري من صنع هذا، قالوا: فإنا لا نرضى دون أن نفقأ عين أميركم، قالوا:
وكيف؟ قالوا: تصورونه لنا في عمود ونصنع مثل ما صنعتم.
قال: فصوروا لهم مثالاً، وأقبل رجل منهم حتى فقأ عينه برمحه وتم الصلح بينهم، فما
انقضت السنة سار من سار منهم وأقام من أقام على الصلح والجزية، ودخل المسلمون أرض
قنسرين وأمضوا صلح من أقام بالجزية.
وقال أبو عبد الملك القرشي: وحدثنا ابن عائذ قال: قال الوليد قال أبو عثمان معاوية
بن يحيى: إن أبا عبيدة بن الجراح ولي فتح مدائن قنسرين، وأقبل إليه بطارقة من
بطارقة الروم فيما بين قنسرين ومعرة مصرين فصافوه للقتال وتواقفهم للقتال، فقتل
المسلمون إثني عشر بطريقاً منها رمياً بالنبل، ثم إن سائر البطارقة ركبت وقالت:
نحن تبع لمن بين أيدينا من بطارقة المدائن والحصون، فمضى أبو عبيدة إلى أنطاكية.
قرأت في تاريخ سعيد بن كثير بن عفير قال: ثم كانت سنة سبع عشرة وفيها كان إفتتاح
قنسرين صلحاً على يد أبي عبيدة، سار أبو عبيدة إلى قنسرين فافتتحها بصلح، وأغار
على حاضرها فقتل المقاتلة وسبى الذرية، ولم يدخل مدينة حلب لأنه لم يكن فيها أحد،
كانت قد تركت قبل الإسلام، فبعث إلى عمر بثلث سبي الحاضر.
وقد ذكر سعيد بن البطريق النصراني في تاريخه ما حكاه ابن عائذ أتم خبراً فأوردته
بما فيه من الزيادة، ولعل الزيادة إنما أخذها من كتبهم، قال: وكان هرقل قد تنحى من
دمشق إلى حمص، فلما سمع هرقل أن المسلمين قد أخذوا فلسطين والأردن وصاروا إلى
البثنية خرج من حمص مدينة أنطاكية، ففرض الفروض واستنفر المستعربة من غسان، وجذام،
ولخم، وكل من قدر عليه من الأرمن وأقام عليهم قائداً من قواده يقال له ماهان، ووجه
بهم إلى دمشق، وذكر أمر دمشق وفتحها وقال: وكل من أفلت من الروم من المقاتله لحق
بهرقل بأنطاكية، فلما سمع هرقل أن دمشق قد فتحت، قال: عليك السلام يا سورية، ثم
سار حتى دخل قسطنطينية، وذلك في السنة الثالثة من خلافة عمر بن الخطاب.
وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يصير بجنده إلى فلسطين، وكتب إني قد
استعملت يزيد بن أبي سفيان على دمشق وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وأبا عبيدة بن
الجراح على حمص، فسار عمرو بن العاص إلى فلسطين، وشرحبيل إلى الأردن، وسار أبو
عبيدة بن الجراح إلى بعلبك، فقالوا: نحن على ما صالحتم عليه أهل دمشق، فكتب لهم أماناً،
ثم سار إلى حمص، وكتب لأهل مدينة حلب الأمان، ودخلت المدائن كلها في الصلح،
فالمدائن كلها صلح، ثم اتصل بالمسلمين قدوم عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس، فخلف
أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم على أصحابه، وخلف يزيد بن أبي سفيان معاوية بن
أبي سفيان على أصحابه وخلف عمرو بن العاص ابنه عبد الله بن عمرو على أصحابه، ولقوا
عمر بن الخطاب عند فتح بيت المقدس.
وقال:
ثم رجع عمر بن الخطاب من بيت المقدس إلى المدينة، وخرج أبو عبيدة ابن الجراح إلى
حمص، وسار من حمص إلى قنسرين، فكتب إليه أهل قنسرين يسألونه الموادعة سنة، فمن سار
إلى الروم فهو حرب، ومن أقام فهو ذمة وصلح فأجابوهم ولم يغزوهم، وجعلوا عموداً
قائماً بين الروم وبين المسلمين، ليس للمسلمين أن يجوزوا ذلك العمود إلى الروم،
ولا للروم أن يجوزوا ذلك إلى المسلمين، وصوروا في العود صورة هرقل جالساً في ملكه،
فرضي بذلك أبو عبيدة، فبينما نفر من المسلمين على خيولهم يتعاطون الفروسية إذ مر
أبو جندل بن سهيل بن عمرو على فرسه ملأ فروجه في يده قناه جديدة فمر بذلك العمود
وتلك الصورة فنصب زج رمحه في عين تلك الصورة غير متعمد لذلك، ففقأ عين التمثال،
فأقبل بطريق قنسرين وقال لأبي عبيدة: غدرتم يا معشر العرب ونقضتم الصلح، وقطعتم
المدد التي بيننا وبينكم، فقال أبو عبيدة: ومن نقضه؟ قالوا: الذي فقأ عين ملكنا،
قال أبو عبيدة: فما تريدون؟ قالوا: لا نرضى حتى نفقا عين ملككم، قال أبو عبيدة:
صوروني في صورتكم، ثم افعلوا ما بدا لكم، قالوا لا نرضى بتصوير إلا ملككم الأكبر،
فأجابهم أبو عبيدة إلى ذلك، فصورت الروم مثال عمر بن الخطاب في عمود وأقبل رجل
منهم حتى فقأ عينه برمحه. فقال البطريق: قد أنصفتمونا، وبعد سنة أقاموا على الصلح
والذمة.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي الحافظ،
وأنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي قالا: أخبرنا أبو الحسين علي بن
المسلم إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر الجندي
قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك القرشي قال: حدثنا
محمد بن عائذ قال: قال الوليد: قال: وقطع - يعني قنسرين - فمضى أبو عبيدة بن
الجراح إلى أنطاكية فصالحه أهلها على الإقامه... فأدركهم الثلج.... الثلج ارتحلوا
فلما كان.....
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
وقال البلاذري: حدثني محمد بن سهم الأنطاكي عن أبي صالح الفراء قال: قال مخلد بن
الحسين: سمعت مشايخ الثغر يقولون: كانت أنطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عمر وعثمان
رحمهما الله، فلما فتحت كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية جماعة من
المسلمين أهل نيات حسنة، واجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس عنهم العطاء، ثم لما ولي
معاوية كتب إليه بمثل ذلك، ثم إن عثمان كتب إليه يأمره أن يلزمها قوماً ويقطعهم
قطائع، ففعل.
قال ابن سهم: وكنت واقفاً على جسر أنطاكية على الأرنط فسمعت شيخاً مسناً من أهل
أنطاكية، وأنا يومئذ غلام، يقول: هذه الأرض قطيعة من عثمان لقوم كانوا في بعث أبي
عبيدة، أقطعهم إياها أيام ولاية معاوية الشام.
وقال البلاذري فيما حكاه قال: وبلغ أبا عبيدة أن جمعا للروم بين معارة مصرين وحلب،
فلقيهم وقتل عدة بطارقة وفض ذلك الجيش، وسبى وغنم وفتح معارة مصرين على مثل صلح
حلب، وجالت خيوله حتى بلغت بوقا، وفتحت قرى الجومه وسرمين، ومرتحوان، وتيزين،
وصالحوا أهل دير طيايا، ودير الفسيلة على أن يضيفوا من مر بهم من المسلمين، وأتاه
نصارى خناصره فصالحهم وفتح أبو عبيدة جميع أرضي قنسرين وأنطاكية.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن
الحسن.
وأنبأناه عالياً أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري قالا: أخبرنا أبو الحسن
علي بن المسلم إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد
الملك القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد حدثنا أبو عمرو عبد الرحمن
بن عمرو الأوزاعي: أنه كان في كتاب أبي عبيدة الجراح لأهل دير طيايا: إني آمنتكم
على دمائكم وأموالكم وكنائسكم أن تهدم أو تسكن ما لم تحدثوا أو تؤووا محدثاً فإن
فعلتم فقد برئت منكم الذمة، وأبو عبيدة بن الجراح والمسلمون براء من معرة الجيش،
شهد على ذلك.
قال لي أبو الحسن: قال لي الحافظ أبو محمد القاسم بن علي دير طيايا من أرض قنسرين،
وذكره لي مقيداً بياءين، ونقلته من خط بنوسه فيما نقلته من كتاب البلاذري كذلك
بياءين.
وقرأت
في تاريخ سعيد بن كثير بن عفير في سنة سبعة عشرة، في نسخة قديمة صحيحة، قال:
وافتتح أبو عبيدة في وجهه ذلك ديارات حول قنسرين بصلح منها دير طيايا بياءين.
وقال لي صديقنا بهاء الدين الحسن بن إبراهيم بن الخشاب: هو دير طباثا بالباء
والثاء، وهو الموضع المعروف بدير باثبوا وهو إلى جانب القرية المعروفه بباثبوا في
مكان يشرف على الأثارب وما حولها.
وقع إلى مجموع بخط بعض الفضلاء يتضمن فقراً وقواعد وأخباراً وفوائد في نسخة عتيقة
يغلب على ظني أن كاتب النسخة جمع المجموع، فقرأت فيه: شرط عمر بن الخطاب على أهل
قنسرين على الغني ثمانية وأربعين وعلى الوسط أربعة وعشرين وعلى المدقع إثني عشر
يؤديها بصغار، وعلى مشاطرة المنازل بينهم وبين المسلمين، وألا يحدثوا كنيسة إلا ما
كان في أيديهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا في جوف البيعة، ولا يرفعوا أصواتهم
بالقراءة، ولا يرفعوا صليباً إلا في كنيسة، وأن يؤخذ منهم القبلي من الكنائس
للمساجد، وأن يقروا ضيف المسلمين ثلاثاً، وعلى أن لا تكون الخنازير بين ظهراني
المسلمين وعلى أن يناصحوهم فلا يغشوهم، ولا يمالوا عليهم عدواً، وأن يحملوا راجل
المسلمين من رستاق إلى رستاق وأن لا يلبسوا السلاح ولا يحملوه إلى العدو، ولا
يدلوا على عورات المسلمين، فمن وفى المسلمون له ومنعوه بما يمنعون به نساءهم
وأبناءهم، ومن انتهك شيئاً من ذلك حل دمه وماله وسباء أهله، وبرئت الذمة منه. وكتب
بذلك كتاباً بريء فيه من معرة الجيش، فدخل في هذا الصلح أهل الجزيرة، وقبل ذلك ما
كان أبو عبيدة فارقهم على أربعة دراهم وعباءة على كل جلجله على أن يكون عمر الفارض
عليهم إذا قدم بلادهم.
وذكر البلاذري فيما حكاه في كتابه قال: وحدثني أبو جعفر الدمشقي عن سعيد ابن عبد
العزيز قال: لما فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد على دمشق، وعمرو بن
العاص على فلسطين وشرحبيل على الأردن، وأتى حمص فصالح أهلها على نحو صلح بعلبك، ثم
خلف بحمص عبادة بن الصامت الأنصاري، فمضى نحو حماه فتلقاه أهلها مذعنين فصالحهم
على الجزية في رؤوسهم، والخراج في أرضهم، فمضى إلى شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم
المقلسسون ورضوا بمثل ما رضي به أهل حلب، ومر أبو عبيدة بمعرة حمص وهي التي تنسب
إلى النعمان بن بشير فخرجوا يقلسسون بين يديه، ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك
وأذعنوا بالجزية والخراج، واستمر أمر حمص وكانت حمص وقنسرين شيئاً واحداً.
قوله يكفرون أي يخضعون بأن يضعوا أيديهم على صدورهم، ويتطأمنوا له كما يفعله
بدهاقينهم. قال جرير.
وإذا سمعت بحرب قيس بعدها ... فضعوا السلاح وكفروا تكفيرا
والمقلسون الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا قدم المصر، قال أبو الجراح: التقليس
استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو. قال الكميت يصف ثوراً طعن الكلاب فتبعه
الذباب لما في قرنه من الدم:
ثم استمر يُغنيه الذباب كما ... غنى المقلس بطريقاً بمزمار
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الدمشقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن
المسلم اجازة قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر بن الجندي
قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك أحمد ابن إبراهيم
القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد: حدثنا الهيثم بن حميد عن محمد بن
يزيد الرحبي قال: سمعت أبا الأشعث الصنعاني قال: لما فتح الله علينا دمشق خرجنا مع
أبي الدرداء في مسلحة تبرزه، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح ففتح الله بنا حمص،
ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السمط فأوطأ الله بنا ما دون النهر يعني الفرات، وحاصرنا
عانات وأصابتنا عليها لأواء، وقدم علينا سلمان الخير في مدد لنا فقال: ألا أحدثكم
بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن ييسر الله عليكم بعض ما أنتم
فيه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر
وقيامه صائماً لا يفطر، وقائماً لا يفتر، فإن مات جرى له صالح ما كان يعمل ووقي
عذاب القبر.
أخبرنا
أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال:
أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن قال: حدثنا أبو الحسن السيرافي
قال: أخبرنا أحمد بن اسحق قال: أخبرنا أحمد بن عمران قال: حدثنا موسى قال: حدثنا
خليفة بن خياط قال: وفي هذه السنة - يعني سنة ست عشرة - افتتحت منبج.
باب في
ذكر نبذة من أخبار ثغور الشام
وما كان تجري عليه أمورها في صدر الاسلام
لم يزل الخلفاء في صدر الاسلام مهتمين بأمر الهاد باذلين في ذلك من أنفسهم نهاية
الاعتناء وغاية الاجتهاد، وقد ذكرنا فيما سبق من أحوال البلاد التي قدمنا ذكرها
وبينا حالها، وشرحنا أمرها ما فيه كفاية صالحة ودلائل على ما قصدنا في هذا الباب
واضحة وغير خاف ما كان في زمن عمر وعثمان من الاهتمام بالثغور الشامية، وأن معاوية
أغمى ابنه يزيد حتى وصل إلى القسطنطينية، وأغزى عبد الملك بن مروان ابنه مسلمة
الغزاة المشهورة، وهي مسطورة في التواريخ مذكورة، وأغزى الوليد ابنه العباس
مراراً، وأوسع الروم بغزواته ذلة وصغاراً، ورابط سليمان بدابق سنين، وحلف أن لا
يعود منها حتى يفتح الله القسطنطينية على المسلمين، وجهز لفتحها أخاه مسلمة إلى أن
استدعاه عمر بن عبد العزيز اشفاقاً على المسلمين ومرحمة.
واهتم بعد بني أمية بأمر الثغور أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور فعمرها وحصنها
وقواها بالجند وشحنها، وتمم المهدي ما شرع فيه أبو جعفر، وفعل مثله هرون الرشيد
وأكثر، وغزا المأمون فأدركته في غزاته الوفاة، وقد عرف فعل المعتصم حين بلغه نداء
المرأة - وقد غدر بالمسلمين طاغية الروم - وامعتصماه. واهتم المتوكل في الثغر
بترتيب المراكب، وما زال مشحوناً من ملوك المسلمين بالراجل والراكب إلى أن قصرت
الهمم وولي من تعدى وظلم، واشتغلوا باللذات وتعاطوا الأمور المنكرات، فضعف أمر
لثغور واختل ووهى عقد نظامها وانحل، فجرى ما ذكرناه في باب طرسوس، وحل بالمسلمين
من أعداء الله الشدة والبؤس.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن
الحسن الحافظ قال: قرأت على الخضر بن الحسين بن عبدان عن عبد العزيز الكتاني قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي زروان قال: حدثنا عبد الوهاب بن الحسن قال:
أخبرنا أحمد بن عمير قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر قال: حدثنا الوليد بن مسلم
قال: وحدثني عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر وغيره أن الناس كانوا يجتمعون بالجابية
لقبض العطاء وإقامة البعوث من أرض دمشق في زمن عمر وعثمان، حتى نقلهم إلى معسكر
دابق معاوية ابن أبي سفيان لقربه من الثغور.
وقد ذكرنا في الباب المتقدم أن أول من أدرب من المسلمين خالد بن الوليد من جهة
الشام وعمرو بن مالك وعبد الله بن المعتم من جهة الجزيرة، فهي أول مدربة كانت في
الاسلام سنة ست عشرة فيما رواه سيف بن عمر، وقيل أول من أدرب الأشتر مالك بن
الحارث في ثلاثمائة فارس، وألحقه أبو عبيدة بميسرة بن مسروق العبسي في ألفي فارس
على ما رويناه أيضاً في الباب المتقدم عن أبي إسماعيل محمد بن عبد الله البصري
ومحمد بن عائذ.
وذكر البلاذري في كتاب البلدان قال: وقد اختلفوا في أول من قطع الدرب، وهو درب
بغراس، فقال بعضهم: قطعه ميسرة العبسي، وجهة أبو عبيدة بن الجراح فلقي جمعاً للروم
ومعهم مستعربة من غسان وتنوخ واياد يريدون اللحاق بهرقل، فأوقع بهم، وقتل منهم
مقتله عظيمة، ثم لحق به مالك الأشتر النخعي مدداً من قبل أبي عبيدة وهو بأنطاكية.
وقال بعضهم أول من قطع الدرب عمير بن سعد.....
بيد الروم وبعض قد خربت وكانت طرسوس ومدنها خلف هذه الكورة، وبالس رأس الحد من قبل
الرقة عامرة، وقنسرين مدينة قد خف أهلها.
قال البشاري: فإن قال قائل: لم جعلت قصبة الكورة حلب وها هنا مدينة على اسمها؟ قيل
له: قد قلنا إن مثل القصبات كالقواد والمدن كالجند، ولا يجوز أن تجعل حلب على
جلالتها وحلول السلطان بها، وجمع الدواوين إليها، وأنطاكية ونفاستها، وبالس
وعمارتها، أجناداً لمدينة خربة صغيرة.
وسير
الي القاضي بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب أوراقاً بخطه ذكر لي
أنه نقلها من خط الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة فنقلت منها ما
صورته: كانت حلب في أول الاسلام إلى أخر ملك بني أمية مضافة إلى قنسرين ومعدودة من
أعمالها، ولذلك قل ذكرها في الأخبار عن ذلك الزمان، ثم تدرجت في العمارة وقنسرين
في الخراب حتى صارت مضافة إلى حلب في أيام بني العباس، ووليها لهم جماعة من
الهاشميين وخاصة بنو صالح بن علي بن عبد الله ابن عباس.
فهذه المدن والثغور التي أوردنا ذكرها في هذا الفصل هي شرط كتابنا هذا، وقد بينا
أنها من أعمال حلب، وإن وقع الاختلاف في بعضها، فلا بد من ذكرها في هذا الكتاب،
وذكر ما ورد فيها، وذكر من دخلها أو اجتاز بها، أو كان من أهلها إن شاء الله
تعالى.
//الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
حرف الألف
ذكر من اسمه أحمد
حرف الجيم في آباء الأحمدين
أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد بن المنادي، أبو الحسين البغدادي
حدث عن جده محمد، وأبي داود سليمان بن الأشعث وزكريا بن يحيى المروزي، وأبي
البختري عبد الله بن محمد بن شاكر، والعباس بن محمد الدوري، ومحمد ابن أبي موسى
الزرقي، وحامد بن محمد بن شعيب البلخي، وأبي العباس عيسى بن محمد بن عيسى المروزي،
وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وكثير بن شهاب القزويني، وأبي بكر عمر بن ابراهيم،
والحسن بن المتوكل، والحسن بن العباس الرازي، والعباس بن الفضل بن رشيد
الطبرستاني، وأبي الاحوص محمد بن الهيثم، وأبي بكر أحمد ابن أبي العوام الرياحي،
وابراهيم بن عمر بن دنوقا، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأبي يوسف القلوسي، وعيسى
بن جعفر الوراق، ومحمد بن اسحق الصغاني، وأبي سليمان عبد الله بن جرير الجواليقي،
وعبد العزيز بن محمد بن دينار، وهرون بن علي بن الحكم بن المزوق، وعلي بن داود،
والقاسم بن زكريا، وسعدان بن نصر، وغيرهم.
روى عنه أبو الحسن بن الصلت، وأبو عمر بن حيوية، ومحمد بن فارس الغوري، وأبو...
وقدم طرسوس، ثم عاد منها إلى بغداد سنة سبع وثلاثمائة، وله مصنفات كثيرة وقفت منها
على كتاب الحافظ لمعارف حركات الشمس والقمر والنجوم وأوصاف الافلاك والاقاليم
وأسماء بلدانها، وعلى كتاب في الملاحم وسمه بكتاب ملاحم عابري الايام المقتص على
محمد بن أبي العوام، وعلى كتاب له في الوفيات، وكتاب في خط المصحف، وعلى كتاب وازع
المتنازعين في معنى كلا عن التهاتر لما من غوامضها جلا، ومن مصنفاته كتاب أفواج
القراء.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن أحمد
بن منصور بن قبيس قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال:
أحمد بن جعفر ابن محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو الحسين المعروف بابن المنادي، سمع
جده محمد بن عبيد الله، ومحمد بن اسحق الصغاني، والعباس بن محمد الدوري، وزكريا بن
يحيى المروزي، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأبا البختري عبد الله بن محمد بن شاكر
العنبري، وأبا داود السجستاني، وعيسى بن جعفر الوراق، وأبا يوسف القلوسي، وخلقا
كثيرا نحوهم وكان ثقة أمينا ثبتا، صدوقا، ورعا حجة فيما يرويه، محصلا لما يحكيه،
صنف كتبا كثيرة، وجمع علوما جمة، ولم يسمع الناس من مصنفاته إلا أقلها.
وروى عنه المتقدمون كأبي عمر بن حيوية ونحوه، وآخر من حدث عنه محمد بن فارس
الغوري.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزار قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ
قال: حدثني أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي الصيرفي قال: كان أبو الحسين بن
المنادي صلب الدين خشنا شرس الاخلاق، فلذلك لم تنتشر الرواية عنه
قال:
وقال لي أبو الحسن بن الصلت: كنا نمضي مع ابن قاج الوراق إلى ابن المنادي لنسمع
منه، فإذا وقفنا ببابه خرجت إلينا جارية له وقالت: كم أنتم؟ فنخبرها بعددنا، ويؤذن
لنا في الدخول، ويحدثنا، فحضر معنا مرة انسان علوي وغلام له، فلما استأذنا قالت
الجارية: كم أنتم؟ فقلنا نحن ثلاثة عشر، وما كنا حسبنا العلوي ولا غلامه في العدد،
فدخلنا عليه، فلما رآنا خمسة عشر نفسا قال لنا: انصرفوا اليوم فلست أحدثكم،
فانصرفنا، وظننا أنه عرض له شغل، ثم عدنا إليه مجلسا ثانيا، فصرفنا ولم يحدثنا،
فسألناه بعد عن السبب الذي أوجب ترك التحديث لنا؟ فقال: كنتم تذكرون عددكم في كل
مرة للجارية وتصدقون، ثم كذبتم في المرة الآخرة، ومن كذب في هذا المقدار أيؤمن أن
يكذب فيما هو أكثر منه؟! قال: فاعتذرنا إليه، وقلنا: نحن نتحفظ فيما بعد، فحدثنا،
أو كما قال.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الانصاري قال: أخبرنا علي بن أحمد قال:
أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني عبد العزيز بن علي الوراق قال: ولد أبو الحسين بن
المنادي لثمان عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ومائتين، وقال غيره:
سنة سبع وخمسين.
كتب إلينا أحمد بن أحمد البندنيجي أن منوجهر بن محمد أخبرهم قال: أخبرنا المبارك
بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أنبأنا أبو عمر بن حيوية
الخراز قال: قرىء على أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن محمد بن المنادي
في الوفيات التي جمعها قال: وأبو القاسم عصام بن عتاب ابن عصام الكندي البزاز يوم
الاثنين، يعني من سنة سبع وثلاثمائة، وهو اليوم الذي دخلت فيه إلى مدينتنا من
طرسوس.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب
قال: حدثت عن أبي الحسن بن الفرات قال: توفي أبو الحسين بن المنادي يوم الثلاثاء
لاحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة
الخيزران.
أحمد بن جعفر بن محمد بن هرون بن محمد بن عبد الله
ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو العباس الهاشمي،
الملقب بالمعتمد على الله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور.
قدم حلب صحبة أبيه المتوكل سنة أربع، وقيل ثلاث، وأربعين ومائتين، حين توجه إلى
دمشق وفي عودته منها.
وبويع له بالخلافة يوم الثلاثاء لاربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين
ومائتين، وعقد العهد لاخيه أبي أحمد الموفق، فغلب على أمره، ومنعه من التصرف، وحكم
على جيشه حتى أنه كان لا يمكنه من الخروج إلى موضع إلا بأمره.
وخرج مرة إلى ناحية الموصل ليمضي إلى ابن طولون، فرده منها، ولم يبق له في الخلافة
غير اسمها، وكان سمحا جوادا فصيحا، روى عنه وراقه الحضرمي بيتين من شعره.
أخبرنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن - إذناً - قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو
القاسم قال: بويع له - يعني المعتمد على الله - بالخلافة يوم الثلاثاء لاربع عشرة
ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين.
وكان قدم دمشق مع أبيه جعفر المتوكل، فيما قرأته بخط عبد الله بن محمد الخطابي
الشاعر.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي - كتابه - قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق
قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد - أمير المؤمنين المعتمد على الله - جعفر المتوكل
بن محمد المعتصم بن الرشيد، ويكنى أبا العباس، ولي الخلافة بعد المهتدي بالله،
وكان مولده بسر من رأى.
فأخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق قال: أخبرنا محمد بن أحمد المفيد قال: حدثنا أبو
بشر الدولابي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن الازهر الكاتب قال: ولد أحمد بن جعفر
المعتمد على الله بسر من رأى سنة تسع وعشرين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها فتيان،
رومية.
وقال
الخطيب: أخبرني الازهري قال: أخبرنا أحمد بن ابراهيم قال: حدثنا ابراهيم بن محمد
بن عرفة قال: كانت البيعة للمعتمد على الله - وهو أحمد بن جعفر المتوكل على الله
بن المعتصم بالله بن الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد الكامل بن علي السجاد بن
عبد الله - الحبر والبحر وترجمان القرآن - بن العباس - سيد العمومة ذي الرأي
والمستسقى به - بن عبد المطلب - وهو شيبة الحمد - بن عمرو - وهو مطعم الثريد،
وبذلك سمي هاشما لهشمه الثريد، بن عبد مناف، يوم الثلاثاء لاربع عشرة ليلة بقيت من
رجب سنة ست وخمسين ومائتين.
وأنبأنا أبو حفص عمر بن محمد المؤدب عن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب
بن يسران - اجازة - قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي، وأبو العلاء الواسطي قالا:
أخبرنا ابراهيم بن محمد بن عرفة، وذكر ما ذكره أحمد بن ابراهيم، وقال بعده: وركب
يوم الاثنين إلى دار العامة، ثم مر على الجوسق، وحضره من أولاد الخلفاء: بنو
الواثق: وحمزة بن المعتز، والعباس بن المستعين وبنو المنتصر بن المتوكل، والعباس
بن المعتصم، وبعث بولد المهتدي وعياله إلى مدينة السلام، وقدم عبيد الله بن يحيى،
فخلع عليه، وولي الوزارة.
أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني - اذنا - قال: أخبرنا أبو الحسن الغساني قال:
أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله
الشافعي قال: حدثنا عمر بن حفص السدوسي قال: وبويع أحمد بن المتوكل، المعتمد على
الله، يوم الثلاثاء لاربع عشرة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وأمه أم ولد
يقال له فتيان، وقدم المعتمد بغداد يوم السبت ارتفاع النهار لعشر خلون من جمادى
الآخرة، ونزل الشماسية فأقام بها السبت والأحد والاثنين والثلاثاء، ودخل يوم
الأربعاء بغداد، فعبرها مارا يريد الزعفرانية لحرب الصفار، وكان يوم الأربعاء
لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة، ولاربع عشرة في أذار، سنة اثنتين وستين ومائتين،
فكانت الحرب بين أمير المؤمنين والصفار بسيب بني كوما يوم الأحد العاشر من رجب،
والتاسع من نيسان مع الظهر إلى الليل سنة اثنتين وستين ومائتين.
قال أحمد بن علي: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق
قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: وأقبل يعقوب بن الليث - يعني - الصفار،
وخرج المعتمد إليه والتقى الجيشان باصطربذ بين سيب بني كوما ودير العاقول، فهزم
يعقوب أقبح هزيمة، وذلك في رجب يوم شعانين؛ قال محمد بن أبي عون البلخي:
لله ما يومنا يوم الشعانين ... فضّ الإله به جيش الملاعين
وطار بالناكث الصفّار منشمر ... كأنما بعده نسل السراحين
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي قال: أخبرنا زاهر بن طاهر
بن محمد الشحامي إذناً عن أبي القاسم علي بن أحمد البندار عن أبي أحمد عبيد الله
بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر الصولي إجازة قال: حدثنا الحسين بن إسحق قال: حدثنا
أبو جعفر أحمد بن الحارث قال: بويع المعتمد على الله، وهو أبو العباس أحمد بن جعفر
المتوكل على الله، وأمه أم ولد يقال لها فتيان في يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة
بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وهو اليوم الذي مات فيه المهتدي، ودعي له
بالخلافة على المنبر يوم الجمعة لعشر بقين من رجب، وقد قيل إن المهتدي بالله مات
يوم الخميس بعد ما بويع المعتمد بيومين.
قال: وركب المعتمد يوم الإثنين لسبع بقين من رجب إلى دار العامة، وقعد لبني هاشم
والناس فبايعوه، فلما كان يوم الخميس لأربع ليال بقين من رجب ركب في الميدان إلى
وادي إسحق، وخرج من الماء، فركب وظهر للعامة من الوادي إلى الجوسق في شارع
الحسنية، ثم أمر أن يحدر عيال الواثق وولده إلى مدينة السلام، ولما مات المهتدي
بالله نودي على أخيه عبد الله بن الواثق، وبذل لمن جاء به مال، ثم ظهر أمره أنه
هرب إلى يعقوب الصفار، وأن يعقوب قبله أحسن قبول، وأظهر إكرامه، وكتب المعتمد إلى
يعقوب في حمله فلم يجب إلى ذلك.
وقال
أبو بكر الصولي: حدثنا عون بن محمد قال: قتل المهتدي يوم حارب الأتراك جماعة بيده،
ورأوا من شجاعته وبأسه ما لم يروه من أحد قط، فلما صار في أيديهم أرادوه على الخلع
فأبى، وسمع الضجة، فقال: ما هذا؟ قيل جاءوا بأحمد بن المتوكل للخلافة، فقال: أحمد
هذا هو ابن فتيان؟ قالوا: نعم، قال: ويل لهم، فهلا أتوا بأبي عيسى أخيه، فإنه كان
أقرب لهم إلى الله عز اسمه، وأنفع للمسلمين.
قال: وأوقع الأتراك البيعة لأحمد بن المتوكل على الله وسموه المعتمد، وذلك في يوم
الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، ولم يخلع المهتدي نفسه
فقتلوه، وقيل مات من سهم وضربة كانابه، وصلى عليه جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي.
قال أبو بكر الصولي: وكان المعتمد جهيراً فصيحاً صيتاً إذا خطب أسمع أقصى الناس،
وكان يمثل بينه وبين المستعين بالسخاء فيقال: ما ولي لبني العباس أسخى منهما، وكان
جيد التدبير فهماً بالأمور، جليلاً في قلوب الناس، فلما جرى عليه ما جرى من تفويضه
أمره، وغلب على رأيه، نقصت حاله عند الناس؛ وكان يحب الشعر ويشتهيه، ولم يكن له
طبع يزنه به، فكان ربما وقع له الموزون، وربما لم يتزن فيغني المعنى في الشعر الذي
هو عنه موزون ويعملون ألحاناً عليه فيرى أنه جيد لما غني فيه، وليس كل مغن يفهم
التقطيع والقسمة، ولا يغتي إلا بشعر صحيح.
قال الصولي: أنشدني عبد الله بن المعتز للمعتمد مما وزنه صحيح:
الحمد لله ربي ... ملكت مالك قلبي
فصرت مولى لملكي ... وصار مولى لحبي
قال: وهو القائل لما أكثر الناصر لدين الله نقله من مكان إلى مكان:
ألفت التباعد والغربه ... ففي كل يوم أطأ تربه
وفي كل يوم أرى حادثاً ... يؤدي إلى كبدي كربه
أمرّ الزمان لنا طعمه ... فما لي ترى ساعةٌ عذبه
قال: ومما قاله، وأنشدنيه جماعة، وبعض الناس ينحله إلى غيره لما في نفوسهم مما كان
يقع له في الوزن:
بليت بشادنٍ كالبدر حسناً ... يعذّبني بأنواع الجفاء
ولي عينان دمعهما غزيرٌ ... ونومهما أعز من الوفاء
قال الصولي: وحكى عبد الله بن خرداذبه أنه رأى هذين البيتين بخط الحضرمي وراق
المعتمد، وقد كتب الحضرمي: أنشدنيهما المعتمد لنفسه.
قرأت في كتاب معجم الشعراء لأبي عبيد الله المرزباني: المعتمد على الله أبو العباس
أحمد بن جعفر المتوكل على الله كان يقول الشعر المكسور، ويكتب له بالذهب، ويغني
فيه المغنون وذكر له هذين البيتين والأبيات التي قبلها.
أنبأنا ابن المقير عن ابن ناصر عن أبي القاسم البندار عن أبي أحمد المقرىء قال: أخبرنا
الصولي - إجازة - قال: وكان المكتفي أخرج إلينا مدارج مكتوبة بالذهب، فكان فيها من
شعر المعتمد على الله الموزون:
طال واللّه عذابي ... واهتمامي واكتئابي
لغزالٍ من بني الأصفر ... لا يعنيه ما بي
أنا مغرىً بهواه ... وهو مغرى باجتنابي
فإذا ما قلت صلني ... كان لا منه جوابي
قال الصولي: ووجدت أيضاً من الموزون:
عجّل الحبّ بفرفه ... فبقلبي منه حرقه
مالك بالحب رقي ... وأنا أملك رقه
إنما يستروح الصبّ ... إذا أظهر عشقه
وبعد هذا أبيات لا نظام لها.
وقال الصولي: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: طلب المعتمد ثلاثمائة دينار يصل
بها عريب وقد حضرت مجلسه فلم يجدها، فطلب مائتين فلم يجدها، وكان قد أمر أن يطرح
لها تكاء فأبت، فكان يجعل تحت ركبتها أترجتان من الأتراج الكبار وربما قورتا، وجعل
فيها دنانير؛ قال: فبلغني أنه لما لم يجد الدنانير قال شعراً:
أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قلّ ممتنعاً عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ... وما من ذاك شيء في يديه
إلي تحمل الأموال طرّاً ... ويمنع بعض ما يجبى إليه
قال
الصولي: فكان المعتمد من أسمح الناس، قال له القاسم بن زرزر المغني: يا سيدي إلى
جانب ضيعتي ضيعة لا تصلح إلا بها تباع بسبعة آلاف دينار وما عندي من ثمنها إلا
ألفي دينار، فقال: أحضروني خمسة آلاف دينار، فجيء بها، فدفعها إليه فاشترى الضيعة،
فسأله بعد أيام عنها، فعرفه شراءها، فقال: ما أحب أن يكون لك فيها وزن، ادفعوا
إليه ألفي دينار مكان ألفيه، فأخذها وانصرف.
وقال أبو بكر الصولي: حدثنا الحسن بن إسماعيل قال: جلس المعتمد يشرب يوم الأحد
لإثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب بالحسني على المسناة الشرقية على دجلة مع المغنين
والمخنثين، وأكل في ذلك اليوم من رؤوس الجداء، واصطبح، ثم تشكى في عشيته تلك،
فتعالج وبات وقيذاً، فمات في ليلته، وأحضر المعتضد القضاة ووجوه الناس فنظروا
إليه، ثم حمل إلى سر من رأى، ودفن بها، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وستة أيام،
وقيل: غير يوم، وقيل: يوماً؛ وكان صوته الذي شرب عليه يوم اصطبح في شعر أبي نواس:
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
قال: وكان عمره يوم مات خمسين سنة كاملة، وكان أسن من الموفق بستة أشهر.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر
الخطيب قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء قال: أخبرنا علي بن أحمد بن أبي
قيس.
وأخبرنا عمر بن طبرزد - إذناً - قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي - إن لم يكن
سماعاً فإجازة - قال: أخبرنا أبو منصور بن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو الحسين بن
بشران قال: أخبرنا عمر بن الحسن الأشناني قال: أخبرنا ابن أبي الدنيا قال: ومات
المعتمد على الله ليلة الإثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين فجأة
ببغداد، وحمل إلى سر من رأى.
قال الأشناني: فدفن بها، فكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وثلاثة أيام؛ وكان أسمر
رقيق اللون، أعين، خفيف - زاد الأشناني - العارضين؛ وقالا: لطيف اللحية، جميلا،
وميلاده سنة تسع وعشرين ومائتين في أولها - زاد ابن السمرقندي - ويكنى أبا العباس،
وأمه أم ولد يقال لها فتيان.
أحمد بن جعفر بن محمد البزاز البغدادي
أبو بكر الوزان الحلبي الخزيمي: بغدادي نزل حلب وسكنها، فنسب إليها، حدث عن سوار
بن عبد الله ابن سوار العنبري وأبي علي الحسن بن محمد البوسنجي، وزيد بن أخرم،
ومجاهد بن موسى، ويحيى بن محمد بن السكن، وأبي جعفر محمد بن عبد الله بن المبارك
المخرمي، وحميد بن زنجويه النسائي، ويعقوب الدورقي.
روى الحفاظ: أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحق الحاكم، وأبو بكر محمد بن
إبراهيم بن المقرىء، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، ومحمد بن جعفر قاضي
منبج، وأبو حفص عمر بن علي العتكي الأنطاكي، وأبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن
محمد السراج، المعروف بابن الطبيز، وأبو بكر محمد بن عبد الله الأردبيلي، وأبو
إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد الأبزازي ومحمد بن عبد الله الأبهري، وأبو المفضل
محمد بن عبد الله بن البهلول الشيباني، وأبو العباس أحمد بن محمد بن عمر.
أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي، وزينب بنت عبد الرحمن بن
الحسن بن أحمد الشعري في كتابيهما إلينا من هراة ونيسابور، وأخبرنا عنهما سماعاً،
أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر
الشحامي قال: أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي قال: أخبرنا الحاكم أبو
أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحق الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر
البزاز البغدادي بحلب قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا
يعلى بن منصور: وقال أبو روح سهل بن منصور قال: حدثنا خالد بن موسى عن منصور بن
زاذان عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبي سبرة عن عبد الله بن عمرو عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: حوضي عرضه كطوله كرانية عدد نجوم السماء.
أخبرنا
أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم بن الإخوة قال:
أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قال: أخبرنا أبو طاهر الثقفي وأبو
الفتح منصور بن الحسين قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء قال:
حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر الوزان البغدادي، نزيل حلب بها، قال: حدثنا يحيى بن
محمد السكن قال: حدثنا حبان بن هلال قال: حدثنا مبارك بن فضالة عن عبد الله بن
سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحبكم
إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني
مجلساً يوم القيامة الثرثارون المتشدقون والمتفيهقون؟ قال: المتكبرون.
أنبأنا أبو حفص عمر بن قشام الحلبي عن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني
قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد
قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد الحافظ قال: أبو بكر أحمد بن جعفر البزاز البغدادي،
سكن حلب، مدينة من مدن الشام، سمع سوار بن عبد الله بن سوار العنبري، وأبا جعفر
محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي.
وأخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن - إذناً - قال: أخبرنا أبو منصور الفزاز قال:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن جعفر بن محمد، أبو بكر
البزاز، وقيل: الوزان، سكن حلب، وحدث بها.
أحمد بن جعفر مشكان المصيصي:
حدث عن عبد الله بن رماحس الرمادي؛ روى عنه أبو علي سعيد بن عثمان ابن السكن.
أحمد بن جعفر الارتاحي:
من أرتاح قرية كبيرة بين حلب والعمق، وكان بها حصن مانع، ولها ذكر في التاريخ.
حكى عن شيخ من الصالحين لقيه بأولاس، حصن الزهاد.
حكى عنه أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم.
أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي في كتابه إلينا منها قال:
أخبرنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي قال: أخبرنا أحمد بن عبد
القادر قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا أحمد
بن جعفر الارتاحي قال: دخلت أولاس فإذا شيخ كبير، فدنوت منه، فقلت له: يا شيخ
حدثني بشيء ينفعني الله عز وجل به، قال: عليك بالجد، فإنه كان لي وردا أقرأ فيه
جزوين من القرآن كل ليلة، قال: فنمت عنه، فنوديت من زاوية البيت: ان كنت تزعم حبي
فلم جفوت يا هذا كتابي، أو ما تدبرت ما فيه لك من لطيف عتابي واذكاري، ومواعظي،
وآلائي واعجازي؟! ثم أنشد:
إن كنت تزعم حبي ... فلم جفوت كتابي
أما تدبرت ما في ... ه من لطيف عتابي.
من أفراد حرف الجيم في آباء الأحمدين
أحمد جناب بن المغيرة، أبو الوليد المصيصي الحدثي، وقيل: الحلبي.
حدث عن: عيسى بن يونس بن أبي اسحق السبيعي، وخالد بن يزيد بن خالد ابن عبد الله
القسري.
روى عنه: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل،
وابنه عبد الله بن أحمد، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وجنيد ابن حكيم بن الجنيد
الأزدي، وأبو أحمد بن عبدوس السراج، وعباس بن محمد الدوري، ومحمد بن طاهر بن أبي
الدميك، ومحمد بن هشام بن أبي الدميك، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وأبو
يحيى محمد بن عبد الرحيم البزاز صاحب السابري، وأبو بكر المروزي، وأبو يعلى
الموصلي، وأحمد بن منصور الرمادي، وعثمان بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن ابراهيم
البزاز، ومحمد بن يعقوب بن الفرجي، وعمر ابن شبة النميري، ومحمد بن عيسى التميمي.
أخبرنا
الاخوان أبو محمد عبد الرحمن وأبو العباس أحمد ابنا عبد الله بن علوان والاخوان
أبو البركات سعيد وأبو الفضل عبد الواحد ابنا هاشم بن أحمد بن عبد الواحد الاسديون
الحلبيون، وأبو الحجاج يوسف بن سوار بن عبيد السلمي البرجيني، كلهم بحلب، قالوا:
أخبرنا أبو طالب عبد الرحمن بن العجمي الحلبي بها قال: أخبرنا الرئيس أبو القاسم
علي بن أحمد بن محمد بن بيان قال: أخبرنا أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر بن عبد
المجيب قال: أخبرنا أحمد بن عثمان الآدمي قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا أحمد
ابن جناب قال: حدثنا عيسى بن يونس بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عثمان بن حيان
قال: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله عز وجل
لا يمطر عليه دينارا ولا درهما، وبعضهم من بعض، فإذا أعطي أحدكم شيئا فليقبله، فإن
كان ذا غناء عنه فليضعه في ذي الحاجة من إخوانه، وإن كان إليه محتاجاً فليستعن به
على حاجته ولا يرد على الله عز وجل رزقه الذي رزقه.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو الفتح ناصر
بن محمد قال: أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن
النعمان، وابراهيم بن منصور سبط بحروية قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن
علي قال: أخبرنا أبو يعلى الموصلي قال: حدثنا أحمد بن جناب الحلبي قال: حدثنا عيسى
- يعني - ابن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود.
وذكر أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل قال: أحمد بن
جناب بن المغيرة المصيصي أبو الوليد روى عن عيسى بن يونس روى عنه أبي وأبو زرعة،
سئل أبي عنه فقال صدوق. أخبرنا بذلك الخطيب أبو البركات بن هاشم إذناً عن أبي طاهر
الخضر بن الفضل المعروف برجل عن أبي عمرو بن مندة قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله
قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن
زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرني
محمد بن أحمد ابن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: أخبرني علي بن محمد
الحبيبي بمرو قال: سألت صالح بن محمد جزرة عن أحمد بن جناب المصيصي فقال: صدوق.
قال الخطيب: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: أحمد ابن جناب
بغدادي ويروي عن عيسى بن يونس آخر من حدث عنه أحمد بن الحسن ابن عبد الجبار
الصوفي.
قال الخطيب: كذا قال: علي بن عمر، ولم يكن بغدادي الأصل إنما هو مصيصي ورد إلى
بغداد.
سمع أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي من أحمد بن جناب في رجب من سنة ثلاثين
ومئتين فقد توفي بعد ذلك.
أحمد بن جواس المنبجي
رجل
صالح أثنى عليه علي بن عبد الحميد الغضائري، وحكى عنه مناما رأى فيه يحيى بن أكثم
القاضي وهو ما أخبرنا به القاضي أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن
بهرام القزويني، قراءة عليه بحلب، قلت له: أخبرك أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر
الميائشي القرشي بمكة، فأقر به وقال: نعم، قال: أخبرنا محمد بن حامد المقدسي قال:
أملى علينا الشيخ أبو محمد يحيى بن محمد الكلبي: أخبرنا الشيخ الفقيه أبو نصر أحمد
ابن علي بن محمد المقرىء النسفي بها، والشيخ الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد
الرحيم البركدي قالا: أخبرنا أبو القاسم ميمون بن علي بن ميمون الميموني قال:
حدثنا الأمين أبو سهل اسحق بن محمد بن اسحق المروزي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
علوية العبدي قال: سمعت علي بن عبد الحميد بن سليمان الغضائري بحلب يقول: بلغني عن
أحمد بن جواس المنبجي، وكان من خيار عباد الله، قال: رأيت يحيى بن أكثم في المنام،
فقلت: يا يحيى ماذا فعل بك؟ فقال: وقفت بين يديه جل جلاله فقال: يا شيخ السوء لولا
شيبتك لأحرقتك بالنار، قال: فسقطت بين يدي ربي جل وعز ونزل بي ما ينزل بالعبد بين
يدي مولاه، ثم أفقت، فقال: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، قال: فسقطت
بين يدي ربي جل جلاله، ونزل بي ما ينزل بالعبد بين يدي مولاه، ثم أفقت فقال: يا
شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، قال: فقلت يا سيدي ومولاي ما هكذا أخبرت عنك
فقال: يا يحيى بما أخبرت عني؟ فقلت: حدثني عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري
عن أنس بن مالك عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل صلوات الله عليه عنك تباركت
وتعاليت أنك قلت: لا يشيب لي عبد في الاسلام ثم أحرقه بالنار فقال: جل جلاله صدق
عبد الرزاق، وصدق معمر، وصدق الزهري وأنس، وصدق نبي، وصدق جبريل، انطلقوا به إلى
الجنة.
قلت: وذكرنا هذا المنام فيما يأتي من كتابنا هذا في ترجمة بشرى بن عبد الله
المقتدري عن علي بن عبد الحميد الغضائري عن أحمد بن علي الخواص أنه رأى المنام،
وقد رواه عمر بن سعيد بن سنان عن أحمد بن سلم الخواص وفي الرائي للمنام اختلاف قد
ذكرناه في ترجمة يحيى بن أكثم وقد قيل ان يحيى ابن أكثم رآه في حياته، وسنذكر ذلك
فيما يأتي من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
حرف الحاء في أباء الأحمدين
أحمد بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن بن الغضوبة الطائي صاحب رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
أبو علي الموصلي، أخو علي بن حرب، وقيل: كنيته أبو بكر، نزل أذنة، مدينة من الثغور
الشامية، قد ذكرناها في مقدمة كتابنا هذا، وحدث بها عن أبي محمد عبد الله بن ادريس
الاودي، وأبي بشر اسماعيل بن ابراهيم بن علية الأسدي، وسفيان بن عيينة، وأبي يزيد
قاسم بن يزيد الجرمي الموصلي، ومصعب ابن المقدام، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي،
وأبي بكر أحمد بن هشام بن الحكم وأخيه علي بن حرب، وأبي بكر موسى بن سعيد، وأحمد بن
يوسف المنبجي، وأبي محمد أسباط بن محمد القرشي.
روى عنه عتيق بن عبد الرحمن الأسدي الأذني، ووصيف بن عبد الله الأنطاكي الحافظ،
وأبو الحسين محمد بن عبد الرحمن الملطي، وأبو الفضل صالح بن الأصبغ المنبجي، وأبو
الليث سلم بن معاذ بن سلم البصري، ومحمد بن عبد الله البيروتي، وأبو بكر أحمد بن
محمد بن صدقة.
أخبرنا أبو المحاسن الفضل بن عقيل بن عثمان بن عبد القاهر العباسي قال: أخبرنا أبو
الندى حسان بن تميم الزيات قال: أخبرنا أبو الفتح نصر بن ابراهيم المقدسي قال:
أخبرنا أبو القاسم عمر بن أحمد بن محمد الواسطي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن
عبد الرحمن الملطي قال: حدثنا أبو علي أحمد بن حرب الطائي قال: حدثنا عبد الرحمن
بن محمد المحاربي عن الرصافي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يعتذر إلى أخيه فلا يقبل منه إلا تحمل كخطية
صاحب مكس.
أنبأنا
أبو حفص عمر بن هشام الحلبي قال: كتب إلينا الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد
الهمذاني أن أبا جعفر محمد بن أبي علي أخبرهم قال: أخبرنا أبو علي الصفار قال:
أخبرنا ابن فنجويه قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ قال: أبو بكر
أحمد بن حرب بن محمد بن حيان بن مازن بن الغضوبة الطائي صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، أخو علي بن حرب، أصلهما من الموصل، سكن أحمد أذنة، سمع أبا محمد أسباط
بن محمد القرشي، وأبا محمد عبد الرحمن بن محمد المحاربي، كناه لي أبو الليث سلم بن
معاذ بن سلم البصري.
وقرأت في كتاب الجرح والتعديل لأبي محمد بن أبي حاتم الرازي قال: أحمد ابن حرب
الموصلي، أخو علي بن حرب الموصلي، كان يسكن الثغر، روى عن أبي معاوية الضرير،
وأدركته، ولم أكتب عنه، وكان صدوقا.
أنبأنا بذلك أبو البركات بن هاشم الخطيب عن أبي طاهر محمد بن الفضل قال: أنبأنا
أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا حمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو محمد ابن أبي حاتم.
أخبرنا أبو محمد المعافى بن اسماعيل بن الحسين بن أبي السنان العدل قال: أخبرنا
أبو منصور بن مكارم بن أحمد المؤدب قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمد بن أحمدين
بن صفوان قال: أخبرنا أبو الفضائل الحسن بن هبة الله الخطيب، وأبو البركات سعيد بن
محمد بن ادريس قالا: أخبرنا أبو الفرج محمد ابن ادريس قال: أخبرنا أبو منصور
المظفر بن محمد بن الطوسي قال: أخبرنا أبو زكريا يزيد بن محمد بن اياس الأزدي قال:
ومنهم - يعني من الطبقة السابعة من علماء الموصل - أحمد بن حرب بن محمد، وكان
فاضلا ورعا، ورحل عن الموصل إلى ثغر أذنه رغبة في الجهاد، فأوطن هناك، وتكلم في
مسألة اللفظ التي وقعت إلى أهل الثغور فقال: فيما ذكر لي يقول محمد بن داود
المصيصي، فهجره علي بن حرب لذلك وترك مكاتبته.
وروى عن عبد الله بن ادريس، وسفيان بن عيينه، وشارك عليا في رجاله، وتفرد عنه
باسماعيل بن علية، فإن علياً لم يسمع منه.
وكان مولده في سنة أربع وسبعين ومائة، وتوفي في صدر خلافة هرون الرشيد بأذنه سنة
ثلاث وستين ومائتين، ودفن بها، وله هناك ولد.
أخبرنا المبارك بن مزيد الخواص ببغداد قال: أخبرنا أبو السعادات نصر الله بن عبد
الرحمن القزاز قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا
أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله
الأبهري قال: أخبرنا أبو عروبة الحراني قال: أحمد بن حرب الطائي الموصلي نزل أذنه،
ومات بها سنة ثلاث وستين، يكنى أبا علي.
نقلت من خط أبي طاهر السلفي وأنبأنا عنه أبو القاسم عبد الرحيم بن الطفيل وغيره
قال: أنبأنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد بن الأكفاني عن أبي الحسن علي بن
الحسين بن أحمد التغلبي قال: أخبرنا أبو القاسم تمام بن محمد ابن عبد الله الحافظ
قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن غلاب الحراني قال: أحمد بن حرب الموصلي
أخبرني أبو عروبة أنه نزل أذنه ومت بها سنة ثلاث وستين ومائتين.
أحمد بن حريز بن أحمد بن خميس بن أحمد بن الحسين بن موسى، أبو بكر السلماسي
القاضي.
حج في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، واجتاز بحلب في طريقه، وذكره الحافظ أبو القاسم
علي بن الحسن الدمشقي في تاريخ دمشق، بما أخبرنا به القاضي أبو نصر محمد بن هبة
الله الشيرازي اذنا قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن حريز
بن أحمد بن خميس بن أحمد بن الحسين بن موسى أبو بكر السلماسي القاضي، قدم دمشق سنة
ثمان وعشرين وأربعمائة حاجا.
وحدث عن: أبي علي الحسين بن محمد بن يوسف اللحياني، وأبي القاسم الطيب بن يمن،
وعيسى بن سليمان الفقيه، ويوسف بن الحسين، وعبد الله بن محمد بن حبابة، وأبي حفص
بن شاهين، وأبي بكر بن شاذان، وأبي بكر بن اسماعيل الوراق، وأبي اسحق ابراهيم بن
أحمد الطبري، وأحمد بن طالب بن عثمان بن محمد، وأبي محمد كوهي بن الحسن بن يوسف،
وغيرهم.
روى عنه: أبو الحسن بن أبي الحديد، وأبو القاسم بن أبي العلاء وأبو عبد الله بن
أبي الحديد، وأبو القاسم عمر بن أحمد بن عمر الآمدي.
أنبأنا
أحمد بن محمد بن الحسين قال: أخبرنا علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن
عبد الواحد بن الحسن بن شواش، وأبو يعلى حمزة بن الحسن بن أبي حنش، وأبو القاسم
الخضر بن الحسين بن عبدان، قالوا: حدثنا أبو القاسم بن أبي العلاء سنة سبع وتسعين
قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن حريز بن أحمد بن خميس السلماسي قراءة عليه
بدمشق، في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، قدم علينا حاجاً، قال: حدثنا أبو
علي الحسن بن أحمد بن يوسف اللحياني قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال:
حدثنا أحمد ابن حنبل حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن ابن نديمة: حدثني
قيس بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام.
ذكر من اسم أبيه الحسن من الأحمدين
أحمد بن الحسن بن أحمد أبو العباس الكفر طابي
خطيب سقبا من ضياع الغوطة، أنشد عن أبي سالم الباري شعرا، وكتبه عنه الحافظ أبو
المواهب الحسن بن هبة الله بن صصرى، وذكره في معجم شيوخه وقال في ترجمته: ونقلته
من خط أحمد بن الحسن بن أحمد الكفر طابي، الشيخ الصالح.
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي منصور بن نسيم إجازة قال: أخبرنا أبو المواهب الحسن بن
هبة بن صصرى قال: أنشدنا الشيخ أبو العباس الخطيب بسقبا، قرية من قرى الغوطة، قال:
أنشدني الشيخ أبو سالم المعروف بابن الذكوري، من أهل البارة، الخطيب ببعلبك.
الحر من عرف الدنيا فجاد بها ... فإنّما هي دنيا كلّها غرر
تصفو لمن عاش فيها وهي كارهةٌ ... صفواً قليلاً ويأتي بعده الكدر
ويح اللئام أما يدرون أنّهم ... لا يصبح المال مقبوراً وقد قبروا
لا بارك الله في مال تثمّره ... يد البخيل ولا يجنى له ثمر
قال الحافظ أبو المواهب: ورأيته بخطه، أخبرني هذا الشيخ رحمه الله أنه سمع حديثاً
ببغداد وبدمشق، ولم يقع إلي من سماعه شيء، وتوفي بعد السبعين وقد جاوز التسعين
سنة، وأقام خطيباً ستين سنة، وحفظ جماعة القرآن، وعادت عليهم بركاته.
أحمد بن الحسن بن جندب الترمذي
أبو الحسن الحافظ صاحب الإمام أحمد بن حنبل، قدم الشام ودخل الثغور الشامية، وسمع
بها أبا توبة الربيع بن نافع الحلبي، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وروى عنهما، وعن أحمد
بن محمد بن حنبل وغيرهم؛ روى عنه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في
صحيحه، وأبو عيسى الترمذي في جامعه وغيرهما.
أخبرنا أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي البغدادي، وأبو سعد ثابت
بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي، وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الله روزبه
البغدادي قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي قال: حدثنا أبو الحسن
الداوودي قال: أخبرنا أبو محمد الحموي قال: أخبرنا محمد بن يوسف الكريري قال:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا أحمد بن الحسن قال: حدثنا
أحمد بن محمد بن حنبل هلال قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن كهمس عن بن بريدة عن
أبيه قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازي فيما أذن لنا في روايته عنه
قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن الحسن بن جندب أبو الحسن
الترمذي الحافظ رحال طوف الشام ومصر والعراق، واجتاز بدمشق.
سمع بمصر: سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وسعيد بن كثير بن عفير، وأبا صالح عبد الله
بن صالح.
وبالشام: آدم بن أبي إياس، ويزيد بن عبد ربه الجرجسي، وأبا توبة الربيع ابن نافع،
ومحمد بن عيسى بن الطباع، وبالعراق يعلى بن عبيد، وعبيد الله بن موسى وأبا نعيم،
وأبا النضر هاشم بن القاسم، وأسود بن عامر شاذان، ومحمد بن عبد الله الأنصاري،
وعمرو بن عاصم الكلابي، وأبا النعمان محمد بن الفضل عارما، وأحمد بن حنبل، والحسن
بن الربيع البوراني، ووضاح بن يحيى النهشلي، وقيس بن حفص الدارمي، ومحمد بن عرعرة
بن الرند، وغيرهم.
روى عنه البخاري في الصحيح، وأبو عيسى الترمذي في جامعة، وإبراهيم ابن أبي طالب،
وأبو بكر بن خزيمة، ومحمد بن النضر الجارودي، وجعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، وأبو
عبد الله محمد بن الليث المروزي.
أنبأنا
عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن عمر قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا
زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبوا بكر البيهقي والحيري، وأبوا عثمان الصابوني
والبحيري - إجازة - قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أحمد بن الحسن الحافظ
أبو الحسن الترمذي صاحب أحمد بن حنبل، ورد نيسابور سنة إحدى وأربعين ومائتين، فحدث
في ميدان الحسين، ثم حج وانصرف إلى نيسابور فأقام بها مدة سنة يحدث، فكتب عنه كافة
مشايخنا، وسألوه عن علل الحديث والجرح والتعديل، وذكر بعض من سمع منه، ثم قال: روى
عنه محمد بن اسماعيل البخاري في الجامع الصحيح، وسمع منه مشايخنا بنيسابور.
أنبأنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو
القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: كتب إلي أبو نصر عبد الرحيم ابن عبد الكريم
القشيري: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو
أحمد الحسين بن محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد ابن اسحق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد
بن الحسن الترمذي بنيسابور، وكان أحد أوعية العلم.
أحمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد الشيرازي الواعظ أبو نصر
دخل الشام وجال في أقطارها وسواحلها، واجتاز بحلب، أو ببعض أعمالها، في طريقه ما
بين الجزيرة واطرابلس الشام.
ذكر أبو سعد السمعاني بما أخبرنا به أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب
الهاشمي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور
السمعاني إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أحمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد الشيرازي
الواعظ من أهل شيراز، سكن ديار مصر والاسكندرية وكان حافظاً فاضلا عارفاً بطرق
الحديث، رحل عن بلده وسافر إلى العراق والشام والسواحل والجزيرة، وكان بمصر يخرج
على الشيوخ مثل: القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وأبي الحسن علي بن
الحسن بن الحسين الخلعي وغيرهما. سمع أبو نصر الشيرازي ببلده شيراز: أبا محمد عبد
الرحمن بن محمد الدمشقي، وأبا بكر أحمد بن محمد بن علي الجواليقي، وأبا الحسن علي
يوسف بن أحمد الحافظ، وأبا القاسم عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن القسام، وأبا
القاسم عبد الصمد بن الحسن بن محمد بن جعفر الحافظ، وأبا بكر محمد بن الحسن بن
أحمد بن الليث الصفار.
وبالأهواز: أبا عبد الله الحسين بن محمد بن عمر بن إبراهيم الخطيب الفرضي، وأبا
القاسم رضوان بن الحسن بن يعقوب بن سهلان الفقيه، وأبا الحسن علي بن عمر بن أحمد
البرمكي.
وبا يذج: أبا القاسم علي بن الحسن بن عبد الرحيم البصري.
وبكازرون: أبا الحسين عبد الملك بن الحسن بن شياوش الفارسي.
وبالبصرة: أبا محمد الحسن بن محمد بن أحمد الفقيه الشافعي، وأبا الحسين محمد بن
علي بن أحمد السيرافي، وأبا اسحق إبراهيم بن محمد بن طلحة بن غسان البصري، وأبا
الربيع سليمان بن نفيد بن راشد الحنفي الشاهد.
وبالنعمانية: أبا بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن رزقويه البغدادي.
وببغداد: القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، وأبا الحسن أحمد ابن محمد بن
أحمد بن عبدوس بن كامل الزعفراني السلمي، وأبا طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن
غيلان البزاز، وأبا القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الآزجي، وأبا
الحسين محمد بن محمد بن محمد بن المظفر السراج الدقاق، وأبا بكر محمد بن عبد الملك
بن بشران القندي، وأبا الفرج الحسين بن علي بن أحمد الطناجري، وأبا اسحق إبراهيم
بن عمر بن أحمد البرمكي، وأبا حفص عمر بن محمد بن علي بن عطية المكي، وأبا طالب
محمد بن علي بن الفتح بن العشاري، وأبا القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد بن لؤلؤ
البغدادي، وأبا محمد الحسن بن علي محمد الجوهري.
وبأصبهان: أبا بكر محمد بن عبد الله بن ريذة الضبي، وأبا منصور أحمد ابن محمد بن
إبراهيم الصيرفي، وأبا طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم الكاتب، وأبا بكر محمد بن
علي الجوزداني، وأبا الفرج محمد بن عبد الله بن جعفر البزاز الحافظ، وأبا طاهر عبد
الكريم بن عبد الواحد بن محمد بن سليمان الحسناباذي.
وبمكة: أبا القاسم عبد العزيز بن بندار بن علي الشيرازي، وأبا القاسم عبد الرحمن
بن محمد بن عبد الرحمن الأديب، والقاضي أبا عبد الله محمد بن سلامة ابن جعفر
القضاعي، وبمصر أيضاً.
وسمع
بمصر أبا الحسن محمد بن الحسين بن الطفال النيسابوري، وأبا القاسم عبد العزيز بن
الحسن بن اسماعيل الضراب، وأبا طاهر محمد بن الحسين بن محمد ابن سعدون الموصلي،
وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري الحافظ، وأبا الحسن عبد الملك بن
عبد الله بن محمود بن مسكين الفقيه، وأبا الحسين محمد بن الحسن بن الترجمان الغزي
الصوفي.
وببيت المقدس: أبا عبد الله محمد بن علي البيهقي.
وبصور: أبا الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان الغزال، وأبا محمد عبد
الله بن علي عياض بن أحمد بن أبي عقيل القاضي، وأبا منصور نصر بن أبي نصر الطوسي
المقرىء.
وباطرابلس أبا الحسن حامد بن منير بن عبد الرزاق الطرابلسي، وأبا الفيض محمد بن
علي بن محمد بن عمرو بن رجاء الشاهد.
وبتنيس: أبا الحسن علي بن الحسين بن عثمان بن جابر القاضي.
وبدمشق: أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي، وأبا عبد
الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني، وأبا القاسم علي بن الفضل بن طاهر بن
الفرات المقرىء، وأبا علي الحسين بن علي بن ابراهيم الأهوازي المقرىء وأبا القاسم
الحسين بن محمد بن ابراهيم الحنائي.
وبميافارقين: أبا الفتح العباس بن أحمد بن العباس بن بهات العدل.
وبآمد: أبا منصور محمد بن أحمد بن القاسم المقرىء، وأبا القاسم بن أحمد بن اسحق بن
أحمد الأصبهاني.
وبالموصل: أبا نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسين بن طوق الشاهد.
وبتكريت: أبا الغنائم حاجب بن حمزة بن القاسم بن شعيب الزاهد؛ وجماعة كثيرة سوى من
ذكرناهم.
صنف كتاب المعجم لأسماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع منه ذلك الكتاب
في مجلدين أبو الليث نصر بن الحسن بن القاسم السكتي التاجر.
أخبرنا أبو هاشم الهاشمي قال: أخبرنا عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي المظفر المروزي
- إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا الإمام والدي رحمه الله - إجازة - قال
أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي الحافظ - كتابة - قال: أخبرنا
أحمد بن الحسن بن الحسين، أبو نصر الشيرازي بمصر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله أبو
بكر بن ريذة الضبي قال: أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
الحارث بن محمد بن عبد الرحمن اليحصبي قال: حدثنا أي قال: بقية بن الوليد عن أبي
بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب الزبيدي رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان من لم يكن معه أصفر وأبيض لم
يتهن بالعيش.
أخبرنا أبو هاشم بن الفضل عن أبي سعد السمعاني قال: مات أبو نصر أحمد ابن الحسن بن
الحسين الشيرازي الحافظ بعد سنة ثلاث وستين وأربعمائة، فإن أبا الليث الشاشي سمع
منه في هذه السنة بالإسكندرية.
أحمد بن الحسن بن زريق الحراني أبو محمد.
حدث بدمشق، واجتاز بحلب في طريقه إليها من حران، أو ببعض عملها.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن
الحسن الحافظ قال: أحمد بن الحسن بن زريق، أبو محمد الحراني، حدث بدمشق عن عبد
الله بن محمد النفيلي، واسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي، وعبد العزيز بن داود
الحراني.
روى عنه أبو الميمون بن راشد، وأبو علي بن حبيب الحصائري، وأبو الطيب أحمد بن
ابراهيم بن عبادك.
أحمد بن الحسن بن عبد الله، أبو الحسن الملطي المقرىء
قرأ القرآن العظيم برواية عاصم بن أبي النجود على أبي الحسن محمد بن أحمد بن أيوب
بن الصلت بن شنبوذ، وأخبره أنه قرأ على أبي محمد عبد الله بن سليمان الرقي، وأخبره
أنه قرأ على أبي زيد عمر بن شبه، وأخبره أنه قرأ على أبي أحمد جبلة بن مالك بن
جبلة البصري، وأخبره أنه قرأ على الفضل وأخبره أنه قرأ على عاصم.
روى عنه أبو الحسن أحمد بن ملاعب الحلبي، أنبأنا بذلك عمر بن قشام عن أبي العلاء
الحافظ قال: قرأت به على أبي العز الواسطي، وأخبره أنه قرأ على ابن ملاعب.
أحمد بن الحسن بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب أبو الفوارس:
قاضي بالس، حدث بها عن أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، روى عنه القاضي أبو
البركات محمد بن علي بن محمد الأنصاري قاضي سيوط.
أخبرنا
أبو الحسن مرتضى بن حاتم بن المسلم الحارثي في كتابه إلينا قال: أخبرنا القاضي أبو
البركات محمد بن علي بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا الشيخان: القاضي الأجل أبو
الفوراس أحمد بن الحسن بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب الحاكم يومئذ ببالس، والشيخ
أبو بكر محمد بن منصور بن الفرج الدينوري بقراءتي عليهما بمدينة بالس في صفر سنة
تسع وأربعين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن الحسين بن علي البيهقي رحمه
الله قراءة عليه، قال أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال: أخبرنا أبو عمرو بن
السماك قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن
سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا
أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: صلاح
ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لم يرد أنها تحلق الشعر بل تحلق الدين.
أحمد بن الحسن بن علي كليب، أبو جعفر الطرسوسي:
حدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن سلام الطرسوسي، ومحمد بن إبراهيم بن أبي أميه
الطرسوسي، وأبي حفص عمر بن محمد بن طاهر بن أبي خيثمة، وأبي بكر محمد بن محمد بن
داود بن عيسى الكرجي.
روى عنه أبو القاسم هبة الله بن سليمان الجزري، وأبو الحسين عتيق بن إبراهيم بن
أحمد بن الكاتب الاسكندراني، سمع منه طرابلس، وكتب عنه محتسب دمشق إبراهيم بن عبد
الله بن حصن الأندلسي، وأبو اسحق إبراهيم بن هبة الله ابن إبراهيم.
أخبرنا أبو محمد عبد الوهاب بن رواج الاسكندراني بمنظرة سيف الإسلام بين مصر
والقاهرة، قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، والشريفان أبو محمد
عبد الله، وأبو الطاهر اسماعيل ابنا أبي الفضل عبد الرحمن ابن يحيى الديباجي -
اجازة من كل واحد منهم - قالوا: أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن يحيى بن حمود
المالكي قال: أخبرنا أبو معشر الطبري قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن سليمان
الجزري بميافارقين قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن كليب الطرسوسي قال: حدثنا أبو بكر
محمد بن محمد بن داود بن عيسى الكرجي قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي قال:
حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أفضل من
المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
أحمد بن الحسن بن عيسى الخشاب، أبو الفتح الحلبي الكردي:
من بيوت حلب المذكورة القديمة، وعيسى الخشاب جدهم كان مقدماً في دولة بني حمدان،
وتقدم بنوه وعقبه بعده، ورأسوا بها، واتخذوا الأملاك بحلب، ومال إليهم الشيعة بها،
وتولوا بها المراتب السنية، وسيأتي في كتابنا هذا ذكر جماعة منهم، وكان أبو الفتح
هذا من فقهاء الشيعة، ومن أعيان حلب، وكان عنده تدين وورع، سمع بحلب الحسين بن
أحمد القطان البغدادي، وأبا محمد عبد الرحمن بن الحسن الواعظ النيسابوري، وأبا
الحسن محمد بن الحسين البصري، وكتب عنهم.
قرأت بخط أبي الحسن محمد بن أبي الفتح أحمد بن الحسن بن عيسى الخشاب لنفسه أبياتا
يرثي بها أباه أحمد، وقد توفي بحلب.
أتاني الدهر بما لم أزل ... أحذره منه وأخشاه
بفقد مولىً فعله دائماً ... للخير أدناه وأقصاه
مراقباً في كل أفعاله ... لله ذي العزّة مولاه
تالي كتاب الله مستشعراً ... بآيه قد فاز مسعاه
قوام ليل صائم دهره ... ذو غيرةٍ للدين أوّاه
غزير علمٍ عالم عامل ... رجاه في أفعاله الله
كريم نفسٍ باذل جهده ... ينهب منه المال والجاه
باكٍ لأولاد نبي الهدى ... قد ذهبت بالدمع عيناه
وصول أرحام على قطعها ... يعطي بيمناه ويسراه
يا رب بلغ أحمداً سؤله ... أكرم غداً في البعث مثواه
أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الحسين بن عيسى بن يحيى بن الحسين ابن زيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
أبو الطيب بن القاضي أبي محمد العلوي، الزيدي الشريف، أخو الشريف أبي الغنائم
الزيدي النسابة، أصله من الكوفة.
وتولى
أبوه أبو محمد القضاء بحلب في أيام سعد الدولة أبي المعالي شريف ابن سيف الدولة بن
حمدان، وكان أبو الطيب هذا وأخوه مع أبيهما أبي محمد بحلب.
وذكره أخوه أبو الغنائم عبد الله بن الحسن الزيدي النسابة في كتاب نزهة عيون
المشتاقين في النسب، وذكر له أبياتاً من الشعر، وأنه أنشده إياها لنفسه وهي:
اصبر فإن الصبر مركريه ... سيعقب الصبر بما تشتهيه
كم آملٍ أمراً وقد فاته ... فلم ينل بالسعي ما يرتجيه
فكن على الصبر صبوراً عسى ... ينفعك الصبر بخير تليه
فكم عسير عزّ في عسره ... هوّنه الرحمن باليسر فيه
أحمد بن الحسن الأنطاكي أبو بكر.
روى عن أبي زكريا الحبال، روى عنه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم الأنباري
الضرير.
أخبرنا المؤيد بن محمد الطوسي في كتابه إلينا من نيسابور عن أبي الحسن علي ابن عبد
الله بن أبي جرادة الحلبي قال: حدثني أبو الفضل أحمد بن علي بن زريق المعري قال:
أخبرنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري قال: حدثني أبو الفرج عبد
الصمد بن أحمد بن عبد الصمد قال: حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن إبراهيم
الأنباري الضرير قال: حدثني أبو بكر أحمد بن الحسن الأنطاكي عن أبي زكريا الحبال
عن أبي زيد النحوي عن معاذ بن العلاء قال: لما فتحت مدائن كسرى بيع تابوت مقفل
فاشتراه توبة بن جلهمة بثمانين ديناراً، ففتحه فإذا فيه لوح من الذهب مرصع بالجوهر
فيه تسع عشرة كلمة بالسريانية، ففسرت بالعربية فإذا هي من أكثر التفكر في الله
تزندق، ومن تعاطى النجوم كفر، ومن كثر حديثه كذب، ومن طلب الدنيا بالكيمياء افتقر،
ومن وقر أباه زيد له في العمر، ومن وقر أمه رأى في بيته ما يسره، ومن أحد النظر
إلى والديه فقد عقهما والدهن يذهب البؤس، والكسوة الحسنة تظهر الغنى، والإحسان إلى
المملوك يكبت الأعداء، ومشاش الطير يورث السل، واستقبال الشمس يورث الداء الدفين،
والتخلل بالقصب يورث الداء في الفم، والتدلك بالنخالة يورث الفقر، ومسح الوجه
بالذيل يجلب الصرفة، وأكل سؤر الفأر يورث النسيان، ومن بات في جوفه وزن درهم من
جزر أمن ريح القولنج باقي ليلته، وما أقفر بيت فيه خل، وفوت الحاجة خير من طلبها
من غير أهلها.
أحمد بن الحسن الملطي المقرىء.
أبو الحسن، قرأ على أبي الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ، وروى عنه.
قرأ عليه وروى عنه أبو محمد الحسن بن ملاعب الحلبي المكفوف، وقيل في موضع آخر: قرأ
عليه أبو الحسن أحمد بن ملاعب بن عبد الله الحلبي، والصحيح الحسن بن ملاعب.
أحمد بن الحسن المنبجي من رواة الشيعة:
يروي عن يعقوب بن شعيب، روى عنه الحسن بن محمد.
أحمد بن الحسن الاقليدسي.
أبو يوسف الحاسب المصيصي، وقيل فيه أحمد بن الحسين، وقفت على كتاب صنفه في الجبر
والمقابلة في علم الحساب، وهو كتاب حسن، تكلم في مقدمته في الدلالة على أن جميع
العلوم مفتقرة إلى الحساب.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
من اسم أبيه الحسين من الأحمدين
أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
أبو القاسم الحسيني الشريف العقيقي الدمشقي، وبعضهم يسميه محمداً، ونسب العقيقي
إلى جد جده محمد بن جعفر، وكان يعرف بالعقيقي، منسوب إلى العقيق من ناحية المدينة.
وأبو القاسم هذا هو صاحب الدار والحمام المعروفين بالعقيقي بناحية باب البريد
بدمشق وكان من وجوه الأشراف بدمشق وأولي المراتب العالية والممدحين بها وكان قدم
إلى حلب وافداً على الأمير سيف الدولة، وكان مكرماً له محترماً عنده.
وسمع بحلب أبا عبد الله بن خالويه اللغوي، وسمع منه عبد العزيز بن محمد بن عبدويه
الشيرازي، ومدحه الوأواء الدمشقي، وعبد الله بن محمد الخطابي الشاعر.
أخبرنا
أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله في كتابه قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن
الحسن بن هبة الله قال: قرأت بخط عبد العزيز بن محمد بن عبدويه الشيرازي: سمعت
الشريف أبا القاسم أحمد بن الحسين الحسيني المعروف بالعقيقي يقول في قول الله عز
وجل في قصة يوسف وخطابه لأخوته: إنه من يتق ويصبر قال: يتق الله في جميع أموره
ويصبر على العزوبة كما صبر يوسف عن زليخا وعزوبته في تلك السنين كلها.
قرأت في جزء وقع إلي من أمالي أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، مكتتب من
إملائه وعليه خطه: سأل سيف الدولة جماعة العلماء بحضرته ذات ليلة فقال: هل تعرفون
اسماً ممدوداً وجمعه مقصور؟ فقالوا: لا، فقال ابن خالويه ما تقول أنت؟ قلت أنا
أعرف اسمين ممدودين وجمعهما مقصور، قال: ما هما؟ قلت: لا أقول لك ذلك إلا بألف
درهم، ثم كتبت رقعة فقلت: إنما لم أقلهما لأن لا تؤخذ بغير شكر، وهما صحراء
وصحارى، عذراء وعذارى، فلما كان بعد شهر كتبت إليه إني قد أصبت حرفين آخرين ذكرهما
الجرمي في كتاب التنبيه، وهما صلفاء وصلافى وهي الأرض الغليظة، وخبراء وخبارى وهي
أرض فيها ندوة، فلما كان بعد عشرين سنة من هذا الحديث أمللت هذه الأحرف على أبي
القاسم العقيقي أيده الله، فلما مضى إلى دمشق كتبت إليه: إنه بإقبال الشريف ويمنه
لما استغرب هذه الأحرف وجدت حرفاً خامساً ذكره ابن دريد في الجمهرة وهو سبتاء
وسباتاء وهي الأرض الخشنة.
قرأت في جزء وقع إلي بخط أبي القاسم حمزة بن عبد الله بن الحسين الاطرابلسي يتضمن
تعاليق وأمالي عن أبي عبد الله بن خالويه، وذكر أنه قرأه على ابن خالويه ونقله من
خطه؛ نسخة كتاب كتبه أبو عبد الله بن خالويه إلى أبي القاسم أحمد بن الحسين
العقيقي الحسيني.
هنّأتني براً ملكتت به ... شكري وشكرك واجبٌ فرض
لم يبتلل وجهٌ ولا شفعت ... شفعاء لي في منّها حضٌ
ففداك منّا عون لو ملكوا ... عدد البحار إذاً لما بضّوا
سلام الله عليك وصلواته ومغفرته ورحمته وريحانه أيها السيد الكريم والشريف ذا
الحكمة، يا زينة الدنيا وبهجتها، أطال الله بقاءك ووهب والدك ابن خالويه وقاك
وفداك، فلقد تقيلت آباءك الطاهرين وتسنّمت جدك وأسلافك المنتجبين وأشبهتهم خلقاً
وخلقاً، ومضيت على أساسهم، وقفوت حميد أفعالهم، فأصبحت فذ الدهر، وقريع العصر،
وواحد السمحاء وسيد الأدباء براعة وفصاحة، وكريم الكرماء سخاء وسماحة، وتبعت جديك
محمداً سيد المرسلين وعلياً سيد الوصيين صلوات الله على ذكراهما كلما ذر شارق وطرق
أثناء الليل طارق، ونزعت إليهما حذو القذة والماء بالماء، تهذيب خلق ومحض ضريبة،
ودماثة شمائل، وكرم سجية، أقول من قس إذا نطق. وأفصح من سحبان وائل إذا خطب، وأسخى
من اللافظة كفاً، وأجود من السحاب جوداً، وأبها من فخت القمر، وأسنى من الهالة،
فأنسأ الله أجلك، وبلغك أكلأ الأعمار يد المسند وسير الليالي مابل بحر صوفه، ونعمت
ظبية في تنوفه واستدار من رمل عالج كوفه، وظهرت في أطفور ناشىء فوفه.
كتبت غرة الشهر إلى غرة الزمان عن سلامة تتم بسلامته، ونعمة من الله جل وعز لا
أقوم بشكرها، وتوق إلى الشريف العقيقي لا أصفه.
فأيهات أيهات العقيق ومن به ... وأيهات وهل بالعقيق تواصله
وهيهات هيهات أين للعقيقي شروى ونظير.
عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم
وعن لوعة لا تطفى حرارتها إلا باجتماع وشيك لدى مولانا الشريف بن الشريف، والسيد
بن السيد شريف بن سيف الدولة أطال الله حياته وأعاشه عمر نصر بن دهمان، إذ كان لا
يقطع مجالسه إلا بذكر مناقبك وصفاتك أتاح الله من ذلك ما تحبه.
ووصل كتاب سيدنا الشريف أدام الله عزه بعد ظمأ إليه، فما أتممت قراءته حتى تبادر
أهل المجلس إلى نسخه استحساناً لألفاظه الجزلة، ومعانيه الفخمة، ووصلت معه، وصل
الله أيامه بمحابه، الهدية النفيسة، والكسوة الشريفة.
وذكر تمام الرسالة، اقتصرت منها على ما فيه وصف العقيقي وتقريظه، وألغيت ما عداه.
قرأت
بخط أبي الخطاب عمر بن محمد العليمي وأنبأنا عنه أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن
محمد النسابه وغيره قال: وجدت بخط أبي محمد عبد المنعم بن علي ابن النحوي الدمشقي
سنة ثمان وسبعين - يعني - وثلاثمائة: وفي يوم الثلاثاء لأربع خلون من جمادى الأولى
منها توفي الشريف أبو القاسم العقيقي بين الصلاتين، وركب ابن البقال المحتسب ودار
البلد وأمر أن لا يفتح أحد من الغد إلا خباز أو قصاب، وأغلق البلد بأسره يوم
الأربعاء، وأخرجت جنازته ضحوة إلى المصلى، وحضر بكجور وأصحابه ومشى الأشراف خلف
سريره، ودفن في المقبرة التي كان بناها خارج باب الصغير.
أحمد بن الحسين بن بندار بن أبان الأصبهاني القاضي الطرسوسي.
أبو بكر، سمع أبا سعيد بن الأعرابي، وعبد الله بن محمد بن العلاء الطرسوسي، وكان
زاهدا عابدا.
أنبأنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني عن أبيه الإمام تاج الإسلام أبي
سعد قال: وأبو بكر أحمد بن الحسين بن بندار بن أبان الأصبهاني القاضي الطرسوسي
الشيخ العابد الصالح المجتهد.
سمع أبا سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي، وعبد الله بن محمد بن العلاء
الطرسوسي، ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ.
وقال أبو بكر الطرسوسي: ورد علينا نيسابور عند محنة أهل طرسوس وسكنها إلى أن توفي
بها في شهر رمضان سنة سبعين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة باب معمر.
أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي، أبو بكر البروجردي:
نزيل حلب حدث بها عن أبي الحسن علي بن محمد الفقيه، روى عنه أبو معشر عبد الكريم
بن عبد الصمد الطبري المقرىء.
أخبرنا أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر رواج الاسكندراني بمنظرة سيف الإسلام بين مصر
والقاهرة قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد ابن ابراهيم السلفي،
والشريفان أبو محمد عبد الله وأبو الطاهر اسماعيل ابنا أبي الفضل عبد الرحمن بن
يحيى بن اسماعيل العثمانيان الديباجيان - كلهم اجازة قالوا: أخبرنا أبو محمد عبد
الله بن يحيى بن حمود المالكي قال: أخبرنا أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد بن
محمد الطبري المقرىء قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البروجردي بحلب
قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الفقيه قال: حدثنا أبو القاسم اسماعيل بن القاسم
قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الحميد قال: حدثنا خلاد بن أسلم قال: حدثنا مروان
بن معاوية عن أبان بن اسحق عن الصباح بن محمد عن أبي حازم عن مرة الهمداني عن عبد
الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء
قالوا: يا رسول الله انا لنستحيي، قال: ليس ذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء
فليحفظ الرأس وما حوى، وليحفظ البطن وما وعى وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة
ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الكوفي الشاعر المعروف
بالمتنبي:
وقيل: هو أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار، وكان والده الحسين يعرف بعيدان
السقاء، وكان أبو الطيب شاعرا مشهورا مذكورا محظوظا من الملوك والكبراء الذين
عاصرهم، والجيد من شعره لا يجاري فيه ولا يلحق، والردي منه في نهاية الرداءة
والسقوط، وكان يتعظم في نفسه ويترفع، وقيل انه ادعى النبوة في حداثته فلقب
بالمتنبي لذلك، وكان عارفا باللغة قيما بها.
قدم الشام في صباه وجال في أقطارها، وصعد بعد ذلك إلى الديار المصرية، وكان بها في
سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، ثم قدم حلب وافدا على الأمير سيف الدولة أبي الحسن علي
بن عبد الله بن حمدان، ومادحا له، فأكرمه ونفق عليه، وصار خصيصا به، ملازما له
حضرا وسفرا إلى أن خرج من حلب غضبان بسبب كلام وقع بينه وبين أبي عبد الله بن
خالويه في مجلس سيف الدولة، فضربه ابن خالويه بمفتاح.
وكان دخوله إلى حلب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وخروجه منها إلى مصر الدفعة
الثانية في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، وكان نزوله بحلب في محلتنا المعروفة بآدر
بني كسرى.
قال لي والدي: وكانت داره دارا هي لآن خانكاه سعد الدين كمشتكين ملاصقة لداري.
وكان
ابن خالويه مؤدب ولدي الأمير سيف الدين: أبي المكارم، وأبي المعالي، فظفرت بجزء
بخط ابن خالويه ذكر فيه ما يحفظه الأميران المذكوران، فذكر أنواعاً من الفقه
والأدب وأشعار العرب وقال في جملتها: ويحفظان من شعر الشاعر المعروف بالمتنبي كذا
وكذا قصيدة، وعينها، ولم يذكر أنهما يحفظان لغيره من العصريين شيئاً، وهذا يدل على
عظم قدره وجلالة أمره في ذلك الزمان.
روى عن أبي الطيب: القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، وأبو الفتح
عثمان بن جني النحوي، وأبو محمد الحسن بن علي بن الصقر الكاتب، وأبو الحسن علي بن
أيوب بن الحسين بن الساربان الكاتب، والاستاذ أبو علي أحمد بن محمد مسكويه، وأبو
عبد الله بن باكويه الشيرازي، وأبو الحسن علي ابن عيسى الربعي، وأبو القاسم بن حسن
الحمصي، وعبد الصمد بن زهير بن هرون بن أبي جرادة، ومحمد بن عبد الله بن سعد
النحوي الحلبيان، وعبد الله ابن عبيد الله الصفري الشاعر الحلبي، وعبيد الله بن
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الجوع الوراق المصري، وأبو اسحق ابراهيم بن عبد الله
بن المغربي، وأبو بكر الطائي، وأبو القاسم النيلبختي، وأبو محمد الحسن بن عمر بن
ابراهيم، وأبو العباس بن الحوت، وجماعة سواهم.
أنبأنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن
الحسن عمي قال: قال لنا هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي: قال لنا أبو بكر
الخطيب: عيدان بكسر العين وبالياء المعجمة باثنتين من تحتها، هو والد أبي الطيب
أحمد بن الحسين المتنبي، كان يعرف بعيدان السقاء.
أخبرني صديقنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي مولى الحموي البغدادي قال: رأيت
ديوان أبي الطيب المتنبي بخط أبي الحسن علي بن عيسى الربعي قال في أوله: الذي
أعرفه من نسب أبي الطيب أنه: أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار الجعفي، وكان
يكتم نسبه، وسألته عن سبب طيه ذلك؟ فقال: إني أنزل دائما بعشائر وبقبائل من العرب،
ولا أحب أن يعرفوني خيفة أن يكون لهم في قومي تره، وهذا الذي صح عندي من نسبه.
قال: واجتزت أنا وأبو الحسن محمد بن عبيد الله السلامي الشاعر على الجسر ببغداد
وعليه من جملة السؤال رجل مكفوف، فقال لي السلامي: هذا المكفوف أخو المتنبي: فدنوت
منه فسألته عن ذلك، فصدقه، وانتسب هذا النسب، وقال: من هاهنا انقطع نسبنا.
وكان مولده بالكوفة في كنده سنة ثلاث وثلاثمائة، وأرضعته امرأة علوية من آل عبيد
الله.
قال الربعي: وقال لي المتنبي: كنت أحب البطالة وصحبة البادية، وكان يذم أهل الكوفة
لأنهم يضيقون على أنفسهم في كل شيء حتى في الأسماء فيتداعون بالألقاب، ولما لقبت
بالمتنبي ثقل ذلك علي زمانا، ثم ألفته.
وقال الربعي: رأيت عنده بشيراز جزءا من شعره بخط ابن أبي الجوع الوراق المصري،
وعليه بخط آخر المتنبي السلمي البغدادي، فقال: ما كفاه أن عزاني الي غير بلدي حتى
نسبني إلى غير أبي، قال: وما أظن أن أحدا صدق في رواية هذا الديوان صدقي، فإنني
كنت أكاثره ونحن بشيراز وربما أخذ عني من كلام أبي علي النحوي، وسمعت شعره يقرأ
عليه دفعات، ولم أقرأ عليه بلفظي إلا العضديات والعميديات فإني قرأتها تكرمة لمن
قيلت فيه، ونقلتها بخطي من مدرج بخطه كان معه. هذا آخر كلام الربعي.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، فيما أذن لنا فيه، قال: أخبرنا أبو
منصور بن زريق قال: قال لنا أبو بكر الخطيب: أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد
الصمد، أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف بالمتنبي، بلغني أنه ولد بالكوفة في سنة
ثلاث وثلاثمائة، ونشأ بالشام، وأكثر المقام بالبادية، وطلب الأدب وعلم العربية،
ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشعر من حداثته حتى بلغ فيه الغاية التي فاق أهل
عصره، وعلا شعراء وقته.
واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة، وانقطع إليه، وأكثر القول
في مديحه، ثم مضى إلى مصر، فمدح بها كافور الخادم، وأقام هناك مدة، ثم خرج من مصر
وورد العراق، ودخل بغداد، وجالس بها أهل الأدب، وقرىء عليه ديوانه.
فحدثني
أحمد بن أبي جعفر القطيعي عن أبي أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي قال:
لما ورد المتنبي بغداد سكن في ربض حميد، فمضيت إلى الموضع الذي نزل فيه لأسمع منه
شيئا من شعره، فلم أصادفه، فجلست أنتظره، وأبطأ علي، فانصرفت من غير أن ألقاه، ولم
أعد إليه بعد ذلك، وقد كان القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي سمع
منه ديوانه ورواه عنه.
قال الخطيب: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال: حدثني أبو الحسن محمد بن
يحيى العلوي الزيدي قال: كان المتنبي وهو صبي ينزل في جواري بالكوفة، وكان يعرف
أبوه بعيدان السقاء، يستقي لنا ولاهل المحلة.
ونشأ هو محباً للعلم والأدب فطلبه، وصحب الأعراب في البادية، فجاءنا بعد سنين بدويا
قحا، وقد كان تعلم الكتابة والقراءة، فلزم أهل العلم والأدب، وأكثر من ملازمة
الوراقين، فكان علمه من دفاترهم.
فأخبرني وراق، كان يجلس إليه يوما، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عيدان
قط، فقلت له: كيف؟ فقال: كان اليوم عندي وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعي، سماه
الوراق وأنسيه أبو الحسن، يكون نحو ثلاثين ورقة ليبيعه، قال: فأخذ ينظر فيه طويلا،
فقال له الرجل: أريد بيعه، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله
يكون بعد شهر، قال: فقال له ابن عيدان فإن كنت قد حفظته في هذه المدة فمالي عليك؟
قال: أهب لك الكتاب، قال: فأخذت الدفتر من يده، فأقبل يتلوه علي إلى آخره، ثم
استلبه فجعله في كمه وقام، فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيل،
قد وهبته لي، قال: فمنعناه منه وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام، فتركه
عليه.
وقال أبو الحسن: كان عيدان والد المتنبي يذكر أنه من جعفى، وكانت جدة المتنبي
همدانية صحيحة النسب لا أشك فيها، وكانت جارتنا، وكانت من صلحاء النساء الكوفيات.
قال التنوخي: قال أبي: فاتفق مجىء المتنبي بعد سنين إلى الأهواز منصرفا من فارس،
فذاكرته بأبي الحسن، فقال: تربي وصديقي وجاري بالكوفة، وأطراه ووصفه، وسألت
المتنبي عن نسبه، فما اعترف لي به، وقال: أنا رجل أخبط القبائل وأطوي البوادر
وحدي، ومتى انتسبت لم آمن أني يأخذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي
أنتسب إليها، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم ويخافون لساني.
قال: واجتمعت بعد موت المتنبي بسنين مع القاضي أبي الحسن بن أم شيبان الهاشمي
الكوفي وجرى ذكر المتنبي فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخا يسمى عيدان، يسقي على
بعير له، وكان جعفيا صحيح النسب.
قال: وقد كان المتنبي لما خرج إلى كلب وأقام فيهم ادعى أنه علوي حسني، ثم ادعى بعد
ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين،
وحبس دهرا طويلا وأشرف على القتل، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق.
قرأت بخط عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الجوع الوراق المصري: سألت أبا
الطيب المتنبي أحمد بن الحسين بن الحسن عن مولده ومنشئه، فقال: ولدت بالكوفة سنة
ثلاث وثلاثمائة في كنده، ونشأت بها، ودخلت مدينة السلام، ودرت الشام كله سهله
وجبله.
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر البغدادي في كتابه قال: أخبرنا
الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري قال: أخبرنا أبو البركات محمد
بن عبد الله بن يحيى الوكيل قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين بن الساربان قال:
ولد أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن المتنبي بالكوفة في محلة كنده سنة ثلاث
وثلاثمائة، وقال الشعر وهو صبي في المكتب.
وقرأت في بعض النسخ من شعره أن مولده قيل على التقريب لا على التحقيق وقرأت في
تاريخ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي الحلبي، وأخبرنا به المؤيد بن محمد الطوسي
اجازة عنه، قيل انه ولد - يعني المتنبي - سنة إحدى وثلاثمائة، والأول أصح، والله
أعلم.
أخبرنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الحموي قال: ذكر أبو الريحان محمد بن أحمد
البيروني، ونقلته من خطه، أن المتنبي لما ذكر في القصيدة التي أولها.
كفى أراني ويك لومك ألوما.
النور الذي يظاهر لاهوتيته في ممدوحه، وقال:
أنا مبصر وأظن أنّي حالم
ودار
على الألسن، قالوا: قد تجلى لأبي الطيب ربّه، وبهذا وقع في السجن والوثاق الذي
ذكره في شعره
أيا خدّد الله ورد الخدود.
ولم يذكر سبب لقبه على صدقه وإنما وجه له وجهاً ما، كما حكى عنه أبو الفتح عثمان
بن جني أن سببه هو قوله:
أنا في أمة تدراكها اللّه ... غريب كصالح في ثمود
وإنما هو أن الخيوط في رأسه كانت تديره وتزعجه، فتحين غيبة سيف الدولة في بعض
غزواته، وقصد أعراب الشام، واستغوى مقدار ألف رجل منهم، واتصل خبره بسيف الدولة
فكر راجعا وعاجله فتفرق عنه أصحابه، وجىء به أسيراً، فقال له: أنت النبي؟ قال: بل
أنا المتنبي حتى تطعموني وتسقوني فإذا فعلتم ذلك فأنا أحمد بن الحسين، فأعجب بثبات
جأشه وجرأته في جوابه، وحقن دمه وألقاه في السجن بحمص إلى أن قرر عنده فضله فأطلقه
واستخصه، ولما أكثروا ذكره بالتبني تلقب به كيلا يصير ذما، إذا احتشم أخفي عنه،
وشتماً لا يشافه به. واستمر الأمر على ما تولى التقلب به.
قلت: قول أبي الريحان: إنه تحين غيبة سيف الدولة في بعض غزواته إلى آخر ما ذكره
ليس بصحيح، فإن أهل الشام وغيرهم من الرواة لم ينقلوا أن المتنبي ظهر منه شيء من
ذلك في أيام سيف الدولة ومملكته بحلب والشام، ولا أنه حبسه منذ اتصل به، وإنما كان
ذلك في أيام لؤلؤ الإخشيذي أمير حمص.
أخبرني أبو اليمن زيد بن الحسن البغدادي كتابه قال أخبرنا أبو منصور بن زريق، قال:
أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: وأخبرنا علي بن المحسن التنوخي قال: حدثنا أبي قال:
حدثني أبو علي بن أبي حامد قال: سمعت خلقاً بحلب يحكون، وأبو الطيب المتنبي بها إذ
ذاك، أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج إليه لؤلؤ أمير حمص من قبل
الإخشيذية فقاتله وأسره وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل
العرب وحبسه في السجن دهراً طويلاً فاعتل وكاد أن يتلف حتى سئل في أمره فاستتابه،
وكتب عليه وثيقة أشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام وأنه تائب
منه، ولا يعاود مثله وأطلقه.
قال: وكان قد تلا على البوادي كلاما ذكر أنه قرآن أنزل عليه وكانوا يحكون له سوراً
كثيرة، نسخت منها سورة ضاعت وبقي أولها في حفظي وهو: والنجم السيار، والفلك
الدورا، والليل النهار إن كافر لفي أخطار، أمضى على سننك، واقف إثر من كان قبلك من
المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله، قال: وهي طويلة لم
يبق في حفظي منها غير هذا.
قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة - ونحن إذ ذاك بحلب - يذكر له هذا
القرآن وأمثاله مما كان يحكى عنه، فينكره ويجحده.
قال: وقال له ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما
رضي أن يدعى بالمتنبي، لأن متنبي معناه كاذب، ومن رضي أن يدعى بالكذب فهو جاهل،
فقال له أنا لست أرضى أن أدعى بهذا، وانما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر
على الامتناع.
قال الخطيب: قال لنا التنوخي: قال: قال لي أبي: فأما أنا فإني سألته بالأهواز في
سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، عند اجتيازه بها إلى فارس، في حديث طويل جرى بيننا، عن
معنى المتنبي، لأني أردت أن أسمع منه هل تنبى أم لا؟ فأجابني بجواب مغالط لي، وهو
أن قال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة، فاستحييت أن أستقصي عليه وأمسكت.
وقال لي أبو علي بن أبي حامد: قال لي أبي ونحن بحلب، وقد سمع قوما يحكون عن أبي
الطيب المتنبي هذه السورة التي قدمنا ذكرها: لوى جهله أين قوله: امضي على سننك إلى
آخر الكلام من قول الله تعالى: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين انا كفيناك
المستهزئين إلى آخر القصة، وهل تتقارب الفصاحة فيهما أو يشتبه الكلامان؟! قرأت في
نسخة وقعت إلي من شعر أبي الطيب المتنبي ذكر فيها عند قوله:
أبا عبد الإله معاذ أنى خفي ... عنك في الهيجاء مقامي
ذكرت جسيم ما طلبي وإنّ ... نخاطر فيه بالمهج الجسام
أمثلي تأخذ النكبات منه ... ويجزع من ملاقاة الحمام
ولو برز الزمان إلي شخصياً ... لخضّب شعر مفرقه حسامي
وما بلغت مشيتها الليالي ... ولا سارت وفي يدها زمامي
إذا
امتلأت عيون الخيل مني ... فويلٌ للتيقظ والمنام
وقال: أبو عبد الله معاذ بن اسماعيل اللاذقي: قدم المتنبي اللاذقية في سنة نيف
وعشرين وثلاثمائة وهو كما عذر، وله وفرة إلى شحمتي أذنه، وضوى إلي فأكرمته وعظمته
لما رأيت من فصاحته وحسن سمته، فلما تمكن الأنس بيني وبينه، وخلوت معه في المنزل
اغتناما لمشاهدته، واقتباسا من أدبه، وأعجبني ما رأيت، قلت: والله انك لشاب خطير
تصلح لمنادمة ملك كبير، فقال لي: ويحك أتدري ما تقول: أنابني مرسل، فظننت أنه
يهزل، ثم فكرت أني لم أحصل عليه كلمة هزل منذ عرفته، فقلت له: ما تقول؟ فقال: أنا
نبي مرسل، قلت له: مرسل إلى من؟ قال: إلى هذه الأمة الضالة المضلة، قلت: تفعل
ماذا؟ قال أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، قلت بماذا؟ قال: بإدرار الأرزاق والثواب
العاجل والآجل لمن أطاع وأتى، وضرب الأعناق وقطع الأرزاق لمن عصى وأبى، فقلت له:
إن هذا أمر عظيم أخاف منه عليك أن يظهر، وعذلته على قوله ذلك، فقال بديها:
أبا عبد الله معاذ أنى خفى ... عنك في الهيجاء مقامي
الأبيات، فقلت له: لم ذكرت أنك نبي مرسل إلى هذه الأمة، أفيوحى إليك؟ قال: نعم،
قلت: قاتل علي شيئاً من الوحي إليك، فأتاني بكلام ما مر بسمعي أحسن منه، فقلت: وكم
أوحي إليك من هذا؟ فقال: مائة عبرة وأربع عشرة عبرة، قلت: وكم العبرة؟ فأتى بمقدار
أكبر الآي من كتاب الله، قلت: ففي كم مدة أوحي إليك، قال: جملة واحدة، قلت، فأسمع
في هذه العبر أن لك طاعةً في السماء فما هي؟ قال: أحبس المدرار لقطع أرزاق العصاة
والفجار، قلت أتحبس من السماء مطرها؟ قال: أي والذي فطرها، أفما هي معجزة؟ قلت:
بلى والله، قال: فإن حبست عن مكان تنظر إليه ولا تشك فيه هل تؤمن بي وتصدقني على
ما أتيت به من ربي؟ قلت: أي والله: قال: سأفعل فلا تسألني عن شيء بعدها حتى آتيك
بهذه المعجزة ولا تظهر شيئاً من هذا الأمر حتى يظهر، وانتظر ما وعدته من غير أن
تسأله، فقال لي بعد أيام: أتحب أن تنظر إلى المعجزة التي جرى ذكرها؟ قلت: بلى
والله، فقال لي: إذا أرسلت إليك أحد العبيد فاركب معه ولا تأخر ولا يخرج معك أحد،
قلت: نعم.
فلما كان بعد أيام تغيمت السماء في يوم من أيام الشتاء، وإذا عبده قد أقبل، فقال:
يقول لك مولاي: اركب للوعد، فبادرت بالركوب معه، وقلت أين ركب مولاك؟ فقال: إلى الصحراء
ولم يخرج معه أحد غيري، واشتد وقع المطر، فقال بادر بنا حتى نستكن معه من هذا
المطر، فإنه ينتظرنا بأعلى تل لا يصيبه فيه المطر، قلت: وكيف عمل؟ قال: أقبل ينظر
إلى السماء أول ما بدا السحاب الأسود وهو يتكلم بما لا أفهم، ثم أخذ السوط فأدار
به في موضع ستنظر إليه من التل وهو يهمهم والمطر مما يليه ولا قطرة منه عليه،
فبادرت معه حتى نظرت إليه، وإذا هو على تل على نصف فرسخ من البلد فأتيته وإذا هو
عليه قائم ما عليه من ذلك المطر قطرة واحدة، وقد خضت في الماء إلى ركبتي الفرس
والمطر في أشد ما يكون، ونظرت إلى نحو مائتي ذراع في مثلها من ذلك التل يابس ما
فيه ندى ولا قطرة مطر، فسلمت عليه، فرد علي وقال لي: ما ترى؟ فقلت: ابسط يدك فإني
أشهد أنك رسول الله، فبسط يده فبايعته بيعة الاقرار بنبوته، ثم قال لي: ما قال هذا
الخبيت لما دعا بك - يعني عبده - ؟ فشرحت له ما قال لي في الطريق لما استخبرته،
فقتل العبد وقال:
أي محلٍ أرتقي ... أي عظيم أتقي
وكلّما قد خلق الل ... ه وما لم يخلق
محتقر في همّتي ... كشعرة في مفرقي
وأخذت بيعته لأهلي، ثم صح بعد ذلك أن البيعة عمت كل مدينة بالشام وذلك بأصغر حيلة
تعلمها من بعض العرب، وهي صدحة المطر، يصرفه بها عن أي مكان أحب بعد أن يحوي عليه
بعضا وينفث بالصدحة التي لهم، وقد رأيت كثيرا منهم بالسكون وحضرموت والسكاسك من
اليمن يفعلون هذا ولا يتعاظمونه حتى أن أحدهم يصدح عن غنمة وابله وبقره، عن القرية
من فلا يصيبها من المطر قطرة ويكون المطر مما يلي الصدحة، وهو ضرب من السحر، ورأيت
لهم من السحر ما هو أعظم من هذا، وسألت المتنبي بعد ذلك: هل دخلت السكون؟ قال:
نعم، ووالدي منها، أما سمعت قولي:
أمنسيّ السّكون وحضرموتا ... ووالدتي وكندة والسّبيعا
فقلت:
من ثم استفاد ماجوزه على طغام أهل الشام، وجرت له أشياء بعد ذلك من الحروب والحبس
والانتقال من موضع إلى موضع حتى حصل عند سيف الدولة وعلا شأنه.
قلت: والصدحة التي أشار إلى إنها تمنع المطر معروفة إلى زماننا هذا، وأخبرني غير
واحد ممن أثق به من أهل اليمن أنهم يصرفون المطر عن الإبل والغنم وعن زرع عدوه،
وإن رعاء الإبل والغنم ببلادهم يستعملون ذلك، وهو نوع من السحر.
وذكر أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن فورجة في كتاب التجني على ابن جني قال:
أخبرني أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري عمن أخبره من الكتاب قال: كنت بالديوان
في بعض بلاد الشام، فأسرعت المدية في اصبع بعض الكتاب وهو يبري قلمه وأبو الطيب حاضر،
فقام إليه وتفل عليه وأمسكها ساعة بيده، ثم أرسلها وقد اندملت بدمها، فجعل يعجب من
ذلك ويري من حضر أن ذلك من معجزاته.
قال: ومما كان يمخرق به على أبيات البادية أنه كان مشاءً قوياً على السير سيراً لا
غاية بعده، وكان عارفاً بالفلوات، ومواقع المياه، ومحال العرب بها، فكان يسير من
حلة إلى حلة بالبادية في ليلة وبينهما مسيرة ثلاث. فيأتي ماء ويغسل يديه ووجهه
ورجله، ثم يأتي أهل تلك الحلة فيخبرها عن الحلة التي فارقها، ويريهم أن الأرض طويت
له، فلما علت سنه رغب عن ذلك وزهد فيه، وأقبل على الشعر وقد وسم بتلك النسمة.
أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي
بن علي بن نصر بن سعيد قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله ابن يحيى قال:
أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين قال: أنشدنا أبو الطيب المتنبي لنفسه، وكان قوم في
صباه وشوا به إلى السلطان، وتكذبوا عليه، وقالوا له: قد انقاد له خلق من العرب وقد
عزم على أخذ بلدك حتى أوحشوه منه، فاعتقله وضيق عليه، فكتب إليه يمدحه:
أيا خدّد الله ورد الخدود ... وقدّ قدود الحسان القدود
فهنّ أسلن دماً مقلتي ... وعذّبن علبي بطول الصّدود
قال فيها في ذكر الممدوح: ؟رمى حلباً بنواصي الخيول وسمر يرقن دماً في الصّعيد
وبيضٍ مسافرة ما يقم ... ن لا في الرقاب ولا في الغمود
يقدن الفناء غداة اللقاء ... إلى كل جيش كثير العديد
فولّى بأشياعه الخرشنيّ ... كشاءٍ أحس بزأر الأسود
يرون من الذعر صوت الرياح ... صهيل الجياد وخفق البنود
فمن كالأمير ابن بنت الأمي ... ر أم من كآبائه والجدود
سعوا للمعالي وهم صبية ... وسادوا وجادوا وهم في المهود
أمالك رقي ومن شأنه ... هبات اللّجين وعتق العبيد
دعوتك عند انقطاع الرجا ... ء والموت مني كحبل الوريد
دعوتكم لما براني البلى ... وأوهن رجليّ ثقل الحديد
وقد كان مشيهما في النعال ... فقد صار مشيهما في القيود
وكنت من الناس في محفل ... فها أنا في محفل من قرود
تعجّل فيّ وجوب الحدود ... وحدّي قبيل وجوب السجود
وقيل عدوت على العالمين ... بين ولادي وبين القعودي
فما لك تقبل زور الكلام ... وقدر الشهادة قدر الشهود
فلا تسمعن من الكاذبين ... ولا تعبأن بمحك اليهود
وكن فارقاً بين دعوى أردت ... ودعوى فعلت بشأوٍ بعيد
وفي جود كفّيك ما جدت لي ... بنفسي ولو كنت أشقى ثمود
وذكر أبو منصور الثعالبي في اليتيمة عن ابن جني أنه قال: سمعت أبا الطيب يقول:
إنما لقبت بالمتنبي لقولي:
أنا في أمة تداركها الله ... غريب كصالح في ثمود
ما مقامي بدار نحلة إلاّ ... كمقام المسيح بين اليهود
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد
عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أنشدنا الأستاذ أبو علي أحمد بن محمد
المعروف بمسكويه قال: أنشدنا المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحرأن يرى ... عدواً له ما من صداقته بدّ
قال:
قيل للمتنبي: على من تنبأت؟ قال: على الشعراء، فقيل لكل نبي معجزة فما معجزتك؟
قال: هذا البيت.
وقرأت في رسالة علي بن منصور الحلبي، المعروف بدوخله، وهي التي كتبها إلى أبي
العلاء بن سليمان وأجابه عنها برسالة الغفران، وذم فيها أبا الطيب المتنبي وقال:
وذكر ابن أبي الأزهر والقطربلي في التاريخ الذي اجتمعا على تصنيفه أن الوزير علي
بن عيسى أحضره إلى مجلسه فقال له: أنت أحمد المتنبي؟ فقال: أنا أحمد النبي، ولي
علامة في بطني خاتم النبوة، وأراهم شبيهاً بالسلعة على بطنه فأمر الوزير بصفعه
فصفع وقيد، وأمر بحبسه في المطبق.
ثم طالعت التاريخ المشار إليه فقرأت فيه حوادث سنة اثنتين وثلاثمائة قال: وفيها
جلس الوزير علي بن عيسى للنظر في المظالم، وأحضر مجلسه المتنبي وكان محبوسا ليخلي
سبيله، فناظره بحضرة القضاة والفقهاء، فقال: أنا أحمد النبي ولي علامة في بطني
خاتم النبوة، وكشف عن بطنه وأراهم شبيهاً بالسلعة على بطنه، فأمر الوزير بصفعه
فصفع مائة صفعة، وضربة وقيده، وأمر بحبسه في المطبق. فبان لي أن أبا الحسن علي بن
منصور الحلبي رأى في تاريخ ابن أبي الأزهر والقطربلي ذكر أحمد المتنبي فظنه أبا
الطيب أحمد بن الحسين، فوقع في الغلط الفاحش لجهله بالتاريخ، فإن هذه الواقعة
مذكورة في هذا التاريخ في سنة اثنتين وثلاثمائة، ولم يكن المتنبي ولد بعد، فإن
مولده على الصحيح في سنة ثلاث وثلاثمائة، وقيل ان مولده سنة إحدى وثلاثمائة، فيكون
له من العمر سنة واحدة وأبو محمد عبد الله بن الحسين الكاتب بن القطربلي ومحمد بن
أبي الأزهر ماتا جميعا قبل أن يترعرع المتنبي ويعرف.
وهذا المتنبي الذي أحضره علي بن عيسى هو رجل من أهل أصبهان تنبأ في أيام المقتدر،
يقال له أحمد ابن عبد الرحيم الأصبهاني، ووجدت ذكره هكذا منسوبا في كتاب عبيد الله
بن أحمد بن طاهر الذي ذيل به كتاب أبيه في تاريخ بغداد أخبرني ياقوت بن عبد الله
الحموي قال: وقع لي كتاب مصنف في أخبار أبي الطيب صغير الحجم تصنيف الأستاذ أبو
القاسم عبيد الله بن عبد الرحيم الأصبهاني، وذكر فيه ادعاءه النبوة، وقال فيه: وقد
هجاه الشعراء بذلك فقال الضب الضرير الشامي فيه:
أطللت يا أيها الشقي دمك ... لا رحم الله روح من رحمك
أقسمت لو أقسم الأمير علي ... قتلك قتل العشار ما ظلمك
ويروي قبل العشاء، فأجابه المتنبي فقال:
إيهاً أتاك الحمام فاخترمك ... غير سفيهٍ عليك من شتمك
همك في أمرد تقلّب في ... عين دواةٍ من صلبه قلمك
وهمّتي في انتضاء ذي شطبٍ ... أقد يوما بحده أدمك
فاخسىء كليباً واقعد على ذنبٍ ... وأطل بما بين إليتيك فمك
قال: وهجاه شاعر آخر فقال - وقيل هو الضب أيضاً:
قد صح شعرك والنبوة لم تصح ... والقول بالصدق المبين يتضح
الزم مقال الشعر تحظ برتبة ... وعن التنبي لا أبا لك فاتنزح
تربح دما قد كنت توجب سفكه ... إن الممتع بالحياة لمن ربح
فأجابه بأبيات وهي:
نار الذراية من لساني تقتدح ... تغدو عليّ من النهى ما لم يرح
بحرٌ لو اغترفت لطامة موجه ... بالأرض والسبع الطباق لما نزح
أمري إلي فإن سمحت بمهجةٍ ... كرمت عليّ فإن مثلي من سمح
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الحموي وأبو يعقوب
يوسف بن محمود الساوي الصوفي قالا: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي
اجازة - إن لم يكن سماعا - قال: سمعت أبا عبد الله الحسين ابن علي بن همام الحسيني
الطالقاني ببغداد يقول: هجا أبو عبد الله بن الحجاج أبا الطيب المتنبي لما دخل
بغداد بمقطعات منها:
يا ديمة الصفع هبّي ... على قفا المتنبي
ويا قفاه تقدم ... تعال واجلس بجنبي
ويا يدي فاصفعيه ... بالنعل حتى تدبي
إن كان هذا نبي ... فالقرد لا شك ربي
فلما بلغ أبا الطيب قال:
عارضني كلب بني دارم ... فصنت منه الوجه والعرضا
ولم أكلمه احتقارا به ... من ذا يعض الكلب إن عضا
كذا
رواه السلفي هبى والمحفوظ صبي.
وقال لي ياقوت الحموي: وذكر الاستاذ أبو القاسم عبيد الله بن عبد الرحيم الأصبهاني
في أخبار أبي الطيب قال: وقد تعلق قوم ممن يتعصب على المتنبي فانتزع من شعره
أبياتا زعم أنها تدل على فساد اعتقاد، وقد جعل لها من يتعصب وجهاً منها.
هوّن على بصرٍ ما شق منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم
قالوا: هذا البيت من اعتقاد السوفسطائية، وقوله في أخرى:
تمتع من سهادٍ أو رقادٍ ... ولا تأمل كرىً تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنىً ... سوى معنى انتباهك والمنام
قالوا: فهذا ينبي عن اعتقاد الحشيشية، وقوله في أخرى:
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلاّ على شجبٍ والخلف في الشجب
فقيل تسلم نفس المرء باقيةً ... وقيل تشرك حسم المرء في العطب
قالوا: فهذا مذهب من يقول بالنفس الناطقة، وقوله في عضد الدولة:
نحن بنو الدنيا فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه
تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمانٍ هي من كسبه
فهذه الأرواح من جوه ... وهذه الأجساد من تربه
فهذا مذهب الهوائية وأصحاب الفضاء، وقوله في ابن العميد:
يعللنا هذا الزمان بذا الوعد ... ويخدع عما في يديه من النقد
فإن يكن المهديّ من بان هديه ... فهذا وإلا فالهدى ذا فما المهدي
قالوا: فهذا مذهب أهل النجوم.
وقال لي ياقوت الحموي: نقلت من خط أبي الريحان محمد بن أحمد البيروني في رسالة له
سماها التعلل بإجابة الوهم في معاني نظوم أولي الفضل قال في أثناء كلام ذكره: ثم
إن لي من أخلاقهم - يعني الشعراء - أسوة حسنة ومسلاة أكيدة بإمام الشعراء الذي طرق
لهم ولمن بعده إلى طريقته المخترعة في الشعر، وخلفهم من معاني كلامه في بروق تخطف
أبصارهم وبصائرهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، أبي الطيب
المتنبي، حتى أن أفاضل أهل زماننا كأحمد بن فارس يحسده على ما آتاه الله من فضله،
ويقول: إنه مبخوت وإلاّ.
قال لي ياقوت كذا رأيته مبيضا بخطه.
ويقول: سألت أبا الفضل بن العميد عن معنى قوله: وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه.....
فأجابني بأن المتنبي خرج من الدنيا بعد ستين سنة عاشها ولم يكن وقف على معناه.
وكان أبو الطيب على ضيق عطنه رفيع الهمة في صناعته، فاقتصر لها في رحلته بمدح عضد
الدولة ووزيره ابن العميد، وراوده الصاحب اسماعيل بن عباد على التزاور رغبة في مديحه،
فأبى الانحطاط إلى الكتبة، وهذا ما حمله على الخوض في مساوىء شعره، وليس يترفع عن
حله ونثره في أثناء كتابته ومشاركة الحاتمي في إدامة حل نظمه في رسائله بعد مقالته
التي عملها فيه محرضا عليه ومتنادرا به كنوادر المخنثين، كما حلم مثله أبا محمد
المهلبي مستوزر بختيار بن معز الدولة على إغراء سفهاء بغداد عليه، ومعاملته بالسخف
الذي أعرض بوجهه عنه وعنهم ولم يزد في الجواب على الخسأ ترفعا وتنزها واكتفاء من
مهاجاتهم على ما في خلال شعره من مثل قوله:
أفاضل الناس أعراض لذا الزمن ... يخلو من الغم أخلاهم من الفطن
وذكر أبياتا مثله وقال: ثم ما يدريني هل كان سبب الفتك به من الأعرابي نبذ من ذلك
الإغراء، فالقائل بالشر غير مبال أيضاً بفعله، وخاصة عند استماع ما كان حظي به لدى
المقصودين من القبول والإقبال حتى أنه قال عند دخوله إلى شيراز: أنا لا أنشد ما
ثلا، فأمر عضد الدولة بكرسي له، فلما دخل ورآه أنشده قائما، فأمره بالجلوس، فأبى
وقال: هيبتك تمنع عن ذلك، فوقع قوله وفعله منه أحسن المواقع.
وكان المهلبي مع بختيار يناكر أن عضد الدولة فعل ذلك، حنفا وجهلا بالقدر.
قال: ومما يغيظني حقا قوم متسمون بالفضل يكابرون عفولهم في أمره، ويرتكبون في اطفاء
نوره، كشمس المعالي قابوس، فقد كان يقول: ليس للمتنبي في ديوانه ما يسوى استماعا
إلا أربعة أبيات، ثم لم يكن يبتدىء من ذات نفسه بالإشارة إليها، وكان سوء خلقه
يمنعني من سؤاله عنها، وكأبي الفتح البستي في قوله:
سئلت عن المتنبي فقلت ... مقال إمرىءٍ ليس يغلو
له في مواضع فصل الخطاب ... وسائر ما قاله فهو فسل
قال:
ولو كان قلبه فقال: إن مواضع منه فسل وسائر ما قاله فصل خطاب لكان أبعد عن الإثم،
وأقرب إلى الصدق والصواب.
وذكر ابن الصابىء في كتاب الوزراء أن ابن العميد كان يجلس المتنبي في دسته ويقعد
بين يديه، فيقرأ عليه الجمهرة لابن دريد، لأن المتنبي كان يحفظها عن ظهر قلب.
وقرأت في بعض مطالعاتي أن المتنبي لما اجتاز بالرملة ومدح طاهر بن الحسن ابن طاهر
بن يحيى العلوي، أجلسه طاهر في الدست، وجلس بين يديه حتى فرغ من مدحته.
وقرأت في كتاب نزهة عيون المشتاقين لأبي الغنائم الزيدي قال: حدثني جماعة أن
المتنبي لما مدح طاهر بن الحسن بن طاهر أجازه ألف دينار.
قلت: والقصيدة التي مدحه بها هي القصيدة البائية التي أولها:
أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب ... وردوا رقادي فهو لحظ الحبائب
وقال ابن فورجة في كتاب التجني على ابن جني: حدثني الشيخ أبو علي أحمد بن محمد بن
يعقوب مسكويه بأصبهان، وكان تربية ابن العميد ونديمه قال: حضرت مجلس ابن العميد
بأرجان وقد دخل عليه أبو الطيب، وكان يستعرض سيوفا، فلما بصر بأبي الطيب نهض من
مجلسه، وأجلسه في دسته، ثم قال لأبي الطيب: اختر سيفا من هذه السيوف، فاختار منها
واحداً ثقيل الحلي، واختار ابن العميد أخر غيره، فقال كل منهما: سيفي الذي اخترته
أجود، ثم اصطلحا على أن يجرباهما، فقال ابن العميد، فبماذا نجربهما؟ فقال أبو
الطيب: في الدنانير فيؤتى بها فينضد بعضها على بعض، ثم تضرب به، فإن قدها، فهو
قاطع، فاستدعى ابن العميد بعشرين دينارا، فنضدت ثم ضربها أبو الطيب فقدها وتفرقت
في المجلس فقام من مجلسه المفخم يلتقط الدنانير المتبددة في كمه، فقال ابن العميد:
ليلزم الشيخ مجلسه فإن أحد الخدام يلتقطها ويأتيه بها، فقال: بل صاحب الحاجة أولى
بها.
قال ابن فورجة: وكان رجلا ذا هيئة مر النفس شجاعا حفظه للآداب، عفيفا، وكان يشين
ذلك كله ببخله.
قرأت على ظهر نسخة قديمة من شعر المتنبي ما صورته: وحكى أبو بكر الخوارزمي أن
المتنبي كان قاعدا تحت قول الشاعر:
وإن أحق الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل
وإنما أعرب عن طريقته وعادته بقوله: وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.
قال: فحضرت عنده يوما وقد أحضر مال، فصب بين يديه من صلات سيف الدولة على حصير قد
افترشه، فوزن وأعيد في الكيس، وتخللت قطعة كأصغر ما تكون خلال الحصير، فأكب عليه
بمجامعه يعالج لاستقاذها منه، ويشتغل عن جلسائه حتى توصل إلى إظهار بعضها، وأنشد
قول قيس من الخطيم:
تبدت لنا كالشمس بين غمامةٍ ... بدا حاجب منا وضنت بحاجب
ثم استخرجها وأمر باعادتها إلى مكانها وقال: إنها تخضر المائدة.
أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب البغدادي في كتابه عن أبي بكر محمد ابن عبد
الباقي الأنصاري قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران - اجازة - قال: أخبرنا محمد بن علي
بن نصر الكاتب - قلت: ونقلته من خطه ببغداد - قال: حدثني أبو الفرج عبد الواحد بن
نصر الببغا قال: كان أبو الطيب المتنبي يأنس بي ويشكو عندي سيف الدولة، ويأمنني
على غيبته له، وكانت الحال بيني وبينه صافية عامرة دون باقي الشعراء، وكان سيف
الدولة يغتاظ من عظمته وتعاليه، ويجفو عليه إذا كلمه، والمتنبي يجيبه في أكثر
الأوقات، ويتغاضى في بعضها.
قال: وأذكر ليلةً وقد استدعى سيف الدولة بدرة فشقها بسكين الدواة، فمد أبو عبد
الله ابن خالويه النحوي جانب طيلسانه، وكان صوفاً أزرق، فحثا فيه سيف الدولة
صالحاً، ومددت ذيل دراعتي وكانت ديباجا فحشا لي فيها، وأبو الطيب حاضر، وسيف
الدولة ينتظر منه أن يفعل مثل فعلنا، أو يطلب شيئاً منها، فما فعل، فغاظه ذلك،
فنثرها كلها، فلما رأى أنها قد فاتته زاحم الغلمان يلتقط معهم، فغمزهم عليه سيف
الدولة، فداسوه وركبوه، وصارت عمامته وطرطوره في حلقه، واستحيا ومضت به ليلة
عظيمة، وانصرف فخاطب أبو عبد الله بن خالويه سيف الدولة في ذلك، فقال: من يتعاظم
تلك العظمة يتضع إلى مثل هذه المنزلة لولا حماقته؟!
ومما
يحكى من بخله وشحه ما قرأته في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن المهذب المعري،
سيره إلى بعض الشراف بحلب، قال: وكان سيف الدولة قد أقطعه - يعني المتنبي - ضيعة
تعرف ببصف من ضياع معرة النعمان القبلية، فكان يتردد إليها، وكان يوصف بالبخل فمما
ذكر عنه ما حدثوه جماعة من أهل بصف أن كلباً من كلاب الضيعة المعروفة بصهيان كان
يطرق تين بصف فذكر ذلك لأبي الطيب المتنبي فقال للناطور: إذا جاء الكلب فعرفني به،
فلما جاء عرفه، فقال: شدوا على الحصان، وخرج إليه فطرده أميالا، ثم عاد لا يعقل من
التعب وقد عرق فرسه، فقال له أهل بصف: يا أستاذ كيف جرى أمر الكلب؟ فقال كأنه كان
فارساً مرة إن جئته بالطعنة عن اليمين عاد إلى الشمال، وإن جئته من الشمال عاد إلى
اليمين.
قال أبو همام المعري: وحدثوا عنه أبن أبا البهيء بن عدي، شيخ رفنية، وكان صديقا
له: فنزل عنده ببصف، فسمعوه وهو يقول له: يا أبا البهيء أوجز في أكلك فإن الشمعة
تتوا، وسمعوه يحاسب وكيلاً له وهو يقول: والحتان ما فعلتا، يعني فضه.
أخبرني ياقوت بن عبد الله مولى الحموي قال: قرأت في أخبار المتنبي تصنيف أبي
القاسم عبيد الله بن عبد الرحيم الأصبهاني قال: وأخبرني أبو الحسين الطرائفي
ببغداد أنه قال: رأيت المتنبي وقد مدح رجلاً بقوله:
انصر بجودك ألفاظاً تركت بها ... في الشرق والغرب من عاداك مكبوتا
فقد نظرتك حتى حان مرتحل ... وذا الوداع فكن أهلاً لما شيتا
فأعطي دون الخمسة دراهم وقبلها.
قال: وأخبرني الطرائفي قال: حدثني المتنبي قال: أول يوم وصلت بالشعر إلى ما أردته
أني كنت بدمشق فمدحت أحد بني طغج بقصيدتي التي أولها:
أيا لائمي إن كنت وقت اللوّائم ... علمت بما بي بين تلك المعالم
فأثابني الممدوح بمائة دينار، ثم ابيضت أيامي بعدها.
قال أبو القاسم بن عبد الرحيم، واتصل بعد هذا بأبي العشائر الحسين بن علي بن
الحسين بن حمدان ونفق عليه نفاقاً تاماً، فأجرى ذكره عند سيف الدولة أبي الحسن علي
بن حمدان، فأمره باحضاره عنده، فاشتط المتنبي عليه واشترط أن ينشده جالسا، وأن لا
يكلف بتقبيل الأرض بين يديه، فأجابه إلى ذلك، وأنشده، فصادف من سيف الدولة رجلا قد
غذي بالعلم، وحشي بالفهم، فأعجبه شعره واستخلصه لنفسه وأجزل عطاءه، وأكرم مثواه
ووصله بصلات كثيرة، وسلمه إلى الرواض فعلموه الفروسية، وصحب سيف الدولة في عدة
غزوات إلى بلد الروم منها غزوة الفناء التي لم ينج منها إلا سيف الدولة بنفسه،
وأخذت عليه الروم الطرق، فجرد السيف وحمل على العسكر، وخرق الصفوف ونجا بنفسه.
قرأت بخط محمد بن علي بن نصر الكاتب في كتابه الموسوم بالمفاوضه، وأخبرنا به أبو
حفص عمر بن محمد معمر بن طبرزد وغيره إجازة عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي
الأنصاري، قال: أنبأنا أبو غالب بن بشران قال: أخبرنا ابن نصر قال: حدثني أبو
القاسم الرقي المنجم عن سيف الدولة أنه انهزم في بعض السنين وقد حللت الصناديق عن
بغاله في بعض دروب الروم، وأنها ملأت الدروب، وكان على فرس له يعرف بالثريا وأنه
حرك عليها نحو الفرسخ حتى نزل، ولم يعثر ولم يتلعثم، وأخبرني أنه بقي في هذه
السفرة في تسعة أنفس أحدهم المتنبي، وأنه كان يحدث أبا عبد الله بن خالويه النحوي
حديث الهزيمة،، وأن المتنبي كان يجري بفرسه فاعتلقت بعمامته طاقة من الشجر المعروف
بأم غيلان، فكلما جرى الفرس انتشرت العمامة، وتخيل المتنبي أنه قد ظفر به، فكان
يصيح: الأمان يا علج، قال: فهتفت به وقلت: أيما علج، هذه شجرة قد علقت بعمامتك،
فود أن الأرض خاست به، وما سمعته يقول ذلك، فقال له ابن خالويه: أيها الأمير أفليس
قام معك حتى بقي في تسعة أنفس تكفيه هذه الفضيلة.
وقرأت في مجموع بخط بعض الفضلاء أنه لما فعل ذلك لحقه سيف الدولة وضحك منه وقال
له: يا أبا الطيب أين قول:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والطعن والضرب والقرطاس والقلم
ولم يزل يضحك منه بقية يومه في منهزمه.
أنبأنا
أبو الحسن علي بن أبي عبد الله بن المقير عن أبي علي الحسن بن جعفر ابن المتوكل
البغدادي ونقلته من خطه قال: حدثني الشيخ الإمام الفصيحي وقت قراءتي عليه ديوان
أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي وهو ابن عيدان السقاء قال: قدم بعض الأشراف من
الكوفة فدخل إلى مجلس فيه المتنبي، فنهض الناس كلهم له سوى المتنبي، فجعل كل واحد
من الحاضرين يسأله عن الأحوال بالكوفة، وما تجدد هناك، فقال له المتنبي: يا شريف
كيف خلفت الأسعار بالكوفة؟ فقال: كل راوية برطلين خبز فأخجله. وقصد الشريف أن يعرض
بأن أباه كان سقاء.
ذكر ابن فورجه في التجني على ابن جني وقال: وأما محله - يعني المتنبي في العلم،
فقال الحسن بن علي الجلاب: سمعته يقول: من أراد أن يغرب علي بيتاً لا أعرفه
فليفعل، قال: وهذه دعوى عظيمة، ولا ريب أنه صادق فيها.
وأخبرت عن أبي العلاء بن سليمان المعري أنه كان يسمى المتنبي الشاعر ويسمي غيره من
الشعراء باسمه وكان يقول: ليس في شعره لفظة يمكن أن يغرم عنها ما هو في معناها.
وقرأت في بعض كلام أبي العلاء: قد علم أن أحمد بن الحسين كان شديد التفقد لما ينطق
به من الكلام، يغير الكلمة بعد أن تروى عنه، ويفر من الضرورة وإن جلب إليها الوزن.
سمعت شيخنا ضياء الدين الحسن بن عمرو الموصلي، المعروف بابن دهن الخصا يقول: كان
أبو العلاء المعري يعظم المتنبي ويقول: إياي عني بقوله:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم
أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب السباك قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي
الأنصاري - إجازة عن أبي علي التنوخي - قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن
الصقر الكاتب - رجل من أهل معلثايا، وممن نشأ بالموصل، وكان أبوه عاملاً لسيف
الدولة على أنطاكية، وهو من أهل الأدب قال: جرى ذكر أبي الطيب المتنبي بين يدي أبي
العباس النامي المصيصي فقال لي النامي: كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي.
قال: وقال لي في هذا المجلس: كنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما ما سبق
إليهما، ولا أعلم أن أحداً أخبر عنهما قبله، فقلت: ما هما؟ قال: أما أحدهما فقوله:
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاءٍ من نبال
والآخر قوله:
في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما يبصرن بالآذان
أخبرني ياقوت بن عبد الله الحموي قال: حكى لي بعض الفضلاء في المذاكرة قال: لما
ورد المتنبي إلى شيراز مادحاً لعضد الدولة كان يجتاز على مجلس أبي علي وقد اجتمع
إليه أعيان أهل العلم، وكان زي المتنبي زياً عجيباً يلبس طرطوراً طويلاً وقباءً،
ويعمل له عذبة طويلة تشبهاً بالأعراب، فكان أبو علي يستثقله، ويكره زيه، ويجد في
نفسه نفوراً منه، وكان إذا اجتاز عليهم يقول أبو علي لتلاميذه: إذا سلم عليكم
فأوجزوا في الرد لئلا يستأنس فيجلس إلينا، وكان أبو الفتح عثمان بن جني يعجب بشعره
ويحب سماعه، ولا يقدر على مراجعة شيخه فيه، فقال أبو علي يوماً: هاتوا بيتاً
تعربونه، فابتدر أبو الفتح فأنشد للمتنبي:
حلت دون المزار فاليوم لو زر ... ت لحال النحول دون العناق
فقال أبو علي: أعد، أعد، فأعاده، فقال: ويحك لمن هذا الشعر فإنه غريب المعنى؟ قال:
هو للذي يقول:
أمضى إرادته فسوف له قدٌ ... واستقرب الأقصى فثمّ له هنا
قال: فازداد أبو علي عجباً وقال: ما أعجب هذه المعاني وأغربها من قائلها؟ قال الذي
يقول:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضرّ كوضع السيف في موضع الندى
قال: فاستخف أبا علي الطرب وقال: ويحك من قائل هذا؟ قال: الذي يقول قال: ونسي إلى
البيت الذي أنشده قال: فقال أبو علي: أحسن والله. وأطلت أنت، من يكون هذا؟ قال: هو
صاحب الطرطور الذي يمر بك فتستثقله ولا تحب محاضرته، قال: ويحك أهذاك يقول هذا؟!
فقال: نعم، قال أبو علي: والله ما ظننت أن ذلك يأتي بخير أبداً، إذا كان في الغد
ومر بنا فاسألوه أن يجلس إلينا لنسمع منه، فلما كان الغد ومر بهم كلموه وسألوه
النزول عندهم ففعل، واستنشده أبو علي فملأ صدره، وأحبه وعجب منه ومن فصاحته وسعة
علمه، فكلم عضد الدولة فيه حتى أحسن إليه وضاعف جائزته.
قلت:
وهذه الحكاية لا يقبلها القلب ولا تكاد تثبت، فإن أبا علي الفارسي كان يعرف
المتنبي قبل أن يصير بشيراز حين كانا بحلب، وقد حكى أبو الفتح عثمان بن جني عن أبي
علي الفارسي في كتاب الفسر ما يشهد بخلاف ما تضمنته الحكاية.
قال أبو علي: خرجت بحلب أريد دار سيف الدولة، فلما برزت من السور إذا أنا بفارس
متلثم قد أهوى نحوي برمح طويل فكدت أطرح نفسي من الدابة فرقاً، فلما قرب مني ثنى
السنان وحسر لثامه، فإذا المتنبي وأنشدني:
نثرت رؤوساً بالأحيدب منهم ... كما نثرت فوق العروس الدراهم
ثم قال: كيف ترى هذا القول أحسن هو؟ فقلت: ويحك قتلتني يا رجل.
قال ابن جني: فحكيت هذه الحكاية بمدينة السلام لأبي الطيب فعرفها وضحك لها، وذكر
أبا علي بالثناء والتقريظ بما يقال في مثله.
وجرى للمتنبي مع ابن خالويه مثل هذه الواقعة التي حكاها أبو علي فإنني نقلت من خط
أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني المالكي من كتابه
الموسوم بالبداية والنهاية في التاريخ قال فيه: حدثني أبي قال: حدثني - وبيض ولم
يذكر من حدث أباه - قال: حدثني ابن خالويه، وكان نديماً ومجالساً لسيف الدولة،
قال: خرجت في بعض الأيام إلى ظاهر حلب فقعدت أطالع في كتاب، وأنظر إلى قوقق، فما
رفعت رأسي إلا من وقع فرس، فنظرت فإذا بفارس مسدد نحوي رمحه، فقلت: والله ما أعرف
بيني وبين واحد من الناس ما يوجب هذا ورأيت الفارس متلثماً فلما دنا حط لثامه فإذا
بأحمد بن الحسين المتنبي فسلم علي فرددت السلام وجاريته الحديث فقال: كيف رأيت
قصيدتي التي أنشدتها أول أمس الأمير سيف الدولة؟ فقلت: والله إنها لمليحة، وإن
أولها لا يحتاج إلى تمام في قولك: على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وفيها كذا
وكذا، فقال: ما رأيت إلا مليحاً والذي فيه ما سبقني إليه؛ من أحسن فيه من ذكر
الدراهم فإنها لا تأتي في شعر إلا بردته وضعفته، إلا ما جاءني:
نثرتهم فوق الأحيدب نثرة ... كما نثرت فوق العروس الدراهم
أخبرنا أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن علي - إذناً - عن أبي الفتح محمد ابن عبد
الباقي بن البطي عن أبي نصر الحميدي قال: أخبرنا غرس النعمة محمد بن هلال بن
المحسن بن أبي اسحق الصابىء قال: وحدثني رضي الله عنه: يعني أباه هلال بن المحسن -
قال: حدثني أبو اسحق جدي تجاوز الله عنه قال: لما ورد أبو الطيب أحمد بن الحسين
المتنبي إلى بغداد متوجهاً إلى حضرة الملك عضد الدولة بفارس أعد له أبو محمد عشرة
آلاف درهم وثياباً كثيرة مقطوعة وصحاحاً، وفرسا بمركب ليعطيه ذلك عند مديحه له،
فأخر المتنبي من ذاك ما كان متوقعاً منه، وحضر مجلس أبي محمد للسلام عليه الذي لم
يخلط به غيره، فغاظ أبا محمد فعله، وخاطبت المتنبي على استعماله ما استعمل وتأخيره
من خدمة الوزير ما أخر، فقال: لم تجر عادتي بمدح من لم يتقدم له إلي جميل، فقلت:
إن الوزير شديد الشغف بموردك، ومعتقد فيك الزيادة بك على أملك، والامتناع من خدمته
إلا بعد الاستسلاف لصلته غير مستحسن منك بل مستقبح لك، فقال: ليس إلى مخالفة عادتي
سبيل واتصل ذلك بأبي محمد من غير جهتي، فأكد غيظه، وأظره الاملال به، والاطراح له،
وفرق ما كان أعده على الشعراء، وزادهم، مدة مقام أبي الطيب، من الاحسان والعطاء،
وتوجه أبو الطيب إلى شيراز، ثم عاد منها، فكانت وفاته في الطريق بين دير العاقول
ومدينة السلام، على ما شرح في أخباره؛ وقد كان أبو محمد اعتقد أن يقطعه بالفعال
الجميل، والحباء الجزيل عن قصد شيراز، فلما جرى أمره على ما جرى، تغيرت نيته،
واستحالت تلك العزيمة منه.
قلت: وهذا الوزير أبو محمد هو المهلبي.
قال: وحدثني قال: حدثني أبو علي والدي قال: حدثني أبو اسحق والدي قال: راسلت أبا
الطيب المتنبي في أن يمدحني بقصيدتين، وأعطيته خمسة آلاف درهم، ووسطت بيني وبينه
صديقا له ولي، فأعاد الجواب بأنني ما رأيت بالعراق من يستحق المدح غيرك، ولا من
أوجب علي حقاً سواك، وإن أنا مدحتك تنكر لك الوزير أبو محمد المهلبي لأنني لم
أمدحه، وجرى بيننا في ذاك ما قد عرفته، فإن كنت لا تراعي هذه الحال، ولا تباليها
فعلت ولم أرد منك عوضاً من مال. قال: فنبهني والله إلى ما كان ذهب عني، علمت أنه
نصحني، فلم أعاوده.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه
توفيقي وذكر علي بن عيسى الربعي في كتاب التنبيه الذي رد فيه على ابن جني في كتاب
الفسر قال: كنت يوماً عند المتنبي بشيراز فقيل له: أبو علي الفارسي بالباب، وكانت
بينهما مودة، فقال: بادروا إليه فأنزلوه، فدخل عليه أبو علي وأنا جالس عنده، فقال:
يا أبا الحسن خذ هذا الجزء فأعطاني جزءاً من كتاب التذكرة وقال: اكتب عن الشيخ
البيتين اللذين ذاكرتك بهما، وهما:
سأطلب حقيّ بالقنا ومشايخ ... كأنّهم من طول ما التثموا مرد
ثقالٌ إذا لاقوا خفافٌ إذا دعوا ... كثيرٌ إذا شدّوا قليلٌ إذا عدّوا
فهما مثبتان في التذكرة بخطي، قال: وهذا من فعل الشيخ أبي علي الفارسي عظيم، قال
الربعي: وكان قصد أبي علي الفارسي نفعه لا التأدب والتكثر، وأياً قصد فهو كثير.
قرأت بخط يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي في تعليق له، حكي أن السري
الرفاء حين قصد سيف الدولة ابن حمدان رحمه الله أنشده بديهاً بيتين هما:
إني رأيتك جالساً في مجلس ... قعد الملوك به لديك وقاموا
فكأنك الدهر المحيط عليهم ... وكأنهم من حولك الأيام
ثم أنشده بعد ذلك ما كان قال فيه من الشعر، وبعد يومين أو ثلاثة أنشده أبو الطيب
المتنبي: أيدري الدمع أي دم أراقا.
إلى أن انتهى إلى قوله:
وخصر تنبت الأبصار فيه ... كأنّ عليه من حدقٍ نطاقا
قال: فقال السري هذا والله معنىً ما قدر عليه المتقدمون، ثم إنه حم في الحال
حسداً، وتحامل إلى منزله، فمات بعد ثلاثة أيام.
قلت: هكذا وجدته بخط الحصكفي، والمتنبي فارق سيف الدولة في سنة ست وأربعين
وثلاثمائة والسري توفي بعيد سنة ستين وثلاثمائة ببغداد على ما نقله الخطيب في
تاريخه، وقيل سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، فعلى هذا لا يكون لهذه الحكاية صحة.
وقد نقل أبو اسحق إبراهيم بن حبيب السقطي في تاريخه المسمى بلوامع الأمور أن السري
توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، فعلى هذا تكون هذه الحكاية محتملة الصحة بشرط أن
يكون موت السري بالشام، ولم ينقل ذلك كيف، وهو أن هذه القصيدة من أول شعر أبي
الطيب المتنبي في سيف الدولة والله أعلم.
أخبرنا ياقوت بن عبد الله الحموي قال: وحدث أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي أن
الصاحب إسماعيل بن عباد قال بأصبهان، وهو يومئذ على الإنشاء: بلغني أن هذا الرجل،
يعني المتنبي، قد نزل بأرجان متوجهاً إلى ابن العميد، ولكن إن جاءني خرجت إليه من
جميع ما أملكه، وكان جميع ما يملكه لا يبلغ ثلاثمائة دينار، فكنا نعجب من بعد همته
وسمو نفسه وبلغ ذلك المتنبي، فلم يعرج عليه، ولا التفت إليه، فحقدها الصاحب حتى
حمله على اظهار عيوبه في كتاب ألفه، لم يصنع فيه شيئاً، لأنه أخذ عليه مواضع تحمل
فيها عليه.
أخبرني في بعض أهل الأدب قال: وحدت في كتاب بعض الفضلاء عن أبي القاسم عبد الصمد
بن بابك قال: قال أبو الفتح بن جني: كنت أقرأ ديوان أبي الطيب عليه، فقرأت قوله في
كافور:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب ... وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
حتى بلغت إلى قوله:
ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ... فلا أشتكي فيها ولا أتعتّب
وبي ما يذود الشعر عني أقلّه ... ولكن قلبي يا ابنة القوم قلّب
فقلت له: يعز علي كيف يكون هذا الشعر في ممدوح غير سيف الدولة، فقال: حذرناه
وأنذرناه فما نفع، ألست القائل فيه:
أخا الجود أعط الناس ما أنت مالكٌ ... ولا تعطين الناس ما أنا قائل
فهو الذي أعطاني لكافور بسوء تدبيره وقلة تمييزه.
وأحضر إلي عماد الدين أبو القاسم علي بن القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي، وقد قدم
علينا حلب في رحلته إلى خراسان، جزءاً فيه أخبار سيف الدولة بن حمدان تأليف أبي
الحسن علي بن الحسين الديلمي الزراد، فنقلت منه: وكان لسيف الدولة مجلس يحضره
العلماء كل ليلة فيتكلمون بحضرته، وكان يحضره أبو إبراهيم، وابن ماثل القاضي، وأبو
طالب البغدادي، وغيرهم، فوقع بين المتنبي وبين أبي عبد الله الحسين بن خالويه
كلام، فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح كان معه، ففتخه وخرج دمه يسيل
على ثيابه وغضب، فمضى إلى مصر، فامتدح كافوراً الاخشيدي.
أنبأنا
أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي عن أبي الحسن علي بن أحمد بن منصور الغساني
وأبي الحسن علي بن المسلم السلمي قالا: أخبرنا أبو نصر بن طلاب قال: أملى علينا
أبو عبد الله المحسن بن علي ابن كوجك، وأخبرنا أن أباه حدثه قال: كنت بحضرة سيف
الدولة وأبو الطيب اللغوي والمتنبي وأبو عبد الله بن خالويه، وقد جرت مسألة في
اللغة تكلم فيها ابن خالويه مع أبي الطيب اللغوي، والمتنبي ساكت، فقال له الأمير
سيف الدولة: ألا تتكلم يا أبا الطيب، فتكلم فيها بما قوى حجة أبي الطيب اللغوي،
وأضعف قول ابن خالويه، فحرد منه وأخرج من كمه مفتاح حديد لبيته ليلكم به المتنبي،
فقال له المتنبي: اسكت ويحك فانك عجمي، وأصلك خوزي، وصنعتك الحياكة فما لك
وللعربية؟!.
ودفع إلى بعض الشراف من أهل حلب كتابا فيه تاريخ جمعه أبو غالب همام ابن الفضل بن
جعفر بن علي بن المهذب المعري قال: في حوادث سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وفيها:
وصل أبو الطيب المتنبي الشاعر إلى سيف الدولة ومدحه بالقصيدة الميمية.
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه....
بعد انصرافه من حصن برزويه.
وقال في حوادث سنة ست وأربعين وثلاثمائة: فيها سار المتنبي من الشام إلى مصر.
ووقع إلي أجزاء من تاريخ مختار الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي، فقرأت
فيه قصيدة لأبي الطيب يرثي بها أبا بكر بن طغج الاخشيذ، ويعزي ابنه أنوجور بمصر
سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، والقصيدة ليست في ديوان شعره، فقد كان أبو الطيب صعد
إلى مصر مرة أخرى قبل هذه المرة التي ذكرناها، وأول القصيدة.
هو الزمان مشت بالذي جمعا ... في كل يوم ترى من صرفه بدعا
إن شئت مت أسفاً أو فابق مصطبرا ... قد حل ما كنت تخشاه وقد وقعا
لو كان ممتنع تغنيه منعته ... لم يصنع الدهر بالاخشيذ ما صنعا
وهي طويلة.
وقرأت في كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي الذي ذيل به تاريخ أبي سعيد بن
يونس، وذكر فيه من دخل مصر من الغرباء فقال: أحمد بن الحسين بن الحسن الكوفي
الشاعر، أبو الطيب، يعرف بالمتنبي، رحل من مصر سرا من السلطان ليلة النحر سنة
خمسين وثلاثمائة، ووجه الاستاذ كافور خلفه رواحل إلى جهات شتى، فلم يلحق.
أنشدنا علي بن أحمد المادرائي قال: كتب أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي في حاجة
كانت له بالرملة:
إني سألتك بالذي ... زان الإمامة بالوصي
وأبان في يوم الغدير ... لكل جبار غوي
فضل الإمام عليهم ... بولاية الرب العلي
إلاّ قصدت لحاجتي ... وأعنت عبدك يا علي
قال: وكان يتشيع، وقيل: كان ملحدا، والله أعلم.
قلت: وسنذكر في ترجمة طاهر بن الحسن بن طاهر حكاية عن الخالديين تدل على أن
المتنبي كان مخالفا للشيعة.
أنبأنا أبو اليمن الكندي عن الشيخ أبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي قال: قال علي
بن حمزة البصري صاحب أبي الطيب المتنبي - أو غيره ممن صحب المتنبي، شك فيه أبو
منصور قال: بلوت من أبي الطيب ثلاث خلاف محمودة، وتلك: أنه ما كذب، ولا زنى، ولا
لاط، وبلوت منه ثلاث خلال ذميمة كل الذم، وتلك: أنه ما صام، ولا صلى، ولا قرأ
القرآن، عفا الله عنا وعنه آمين.
وذكر
ابن فورجة في كتاب التجني على ابن جني عن أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان
المعري عن رجل من أهل الشام كان يتوكل لأبي الطيب في داره، يعرف بأبي سعد، قال:
وبقي إلى عهدنا، قال: دعاني أبو الطيب يوما ونحن بحلب، أظنه قال: ولم أكن عرفت منه
الميل إلى اللهو مع النساء ولا الغلمان فقال لي: أرأيت الغلام ذا الأصداغ الجالس
إلى حانوت كذا من السوق، وكان غلاما وسيما فحاشا فيما بسبيله، فقلت: نعم وأعرفه،
فقال: امض فاتني به واتخذ دعوةً وأنفق وأكثر، فقلت: وكم قدر ما أنفقه، فلم يزدني
على قوله: أنفق وأكثر، وكنت أستطلع رأيه في جميع ما أنفق، فمضيت، واتخذت له ثلاثة
ألوان من الأطعمة وصحفات من الحلواء، واستدعيت الغلام، فأجاب وأنا متعجب من جميع
ما أسمع منه، إذ لم تجر له عادة بمثله، فعاد من دار سيف الدولة آخر النهار وقد حضر
الغلام، وفرغ من اتخاذ الطعام، فقال: قدم ما يؤكل وواكل ضيفك، فقدمت الطعام فأكلا
وأنا ثالثهما، ثم أجن الليل، فقدمت شمعة ومرفع دفاتره، وكانت تلك عادته كل ليلة،
فقال: أحضر لضيفك شرابا واقعد إلى جانبه فنادمه، ففعلت ما أمرني به، كل ذلك وعينه
إلى الدفتر يدرس ولا يلتفت إلينا إلا في الحين بعد الحين، فما شربنا إلا قليلا حتى
قال: افرش لضيفك وافرش لنفسك وبت ثالثنا، ولم أكن قبل ذلك أبايته في بيته، ففعلت
وهو يدرس حتى مضى من الليل أكثره، ثم أوى إلى فراشه ونام، فلما أصبحنا قلت له: ما
يصنع الضيف؟ فقال: احبه واصرفه، فقلت له: وكم أعطيه؟ فأطرق ساعة ثم قال: أنطه
ثلاثمائة درهم، فتعجبت من ذلك، ثم جسرت نفسي فدنوت إليه وقلت: إنه ممن يجيب بالشيء
اليسير وأنت لم تنل منه حظا، فقطب ثم قال: أتظنني من هؤلاء الفسقة، أنطه ثلاثمائة
درهم ولينصرف راشدا، قال: ففعلت ما أمرني به، وصرفته قال: وهذا من بديع أخباره،
ولولا قوة اسناده لما صدقت به.
أنبأنا أبو الحسن بن المقير عن أبي الفتح بن البطي عن أبي نصر الحميدي قال: أخبرني
غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن بن أبي اسحق الصابىء قال: وحدثني رضي
الله عنه - يعني والده هلال بن المحسن - قال: حدث الرضي أبو الحسين محمد بن الحسين
الموسوي قال: حدثني أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف حكار قال: لما وصل أبو الطيب
المتنبي إلى حضرة عضد الدولة في أول مجلس شاهده فيه، قال لي عضد الدولة: أخرج
واستوقفه واسأله كيف شاهد مجلسنا، وأين الأمراء الذين لقيهم في نفسه منا؟ قال:
فامتثلت ما أمرني به، ولحقته وجلست معه وحادثته وطاولته وأطلت معه في المعنى الذي
ذكرته، فكان جوابه عن جميع ما سمعه مني أن قال: ما خدمت عيناي قلبي كاليوم، فجاء
بالجواب موزونا، واستوفى القول في اختصار من اللفظ.
قرأت في مجموع صالح بن ابراهيم بن رشدين بخطه قال لي أبو نصر بن غياث النصراني
الكاتب: اعتل أبو الطيب المتنبي بمصر العلة التي وصف الحمى في أبياته من القصيدة
الميمية، فكنت أواصل عيادته وقضاء حقه فلما توجه إلى الصلاح وأبل أغببت زيارته ثقة
بصلاحه، ولشغل قطعني عنه، فكتب إلي: وصلتني وصلك الله معتلاً وقطعتني مبلاً، فإن رأيت
أن لا تحبب العلة إلي، ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله.
ونقلت من هذا المجموع بخطه: ذكر لي أبو العباس بن الحوت الوراق رحمه الله أن أبا
الطيب المتنبي أنشده لنفسه هذين البيتين:
تضاحك منّا دهرنا لعتابنا ... وعلمنا التمويه لو نتعلم
شريفٌ وغاويٌّ وزانٍ مذكر ... وأعمش كحالٌ وأعمى منجمّ
أنشدنا أبو حفص عمر بن علي بن قشام الحلبي - قراءة عليه بها - قال: أنشدنا الحافظ
أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني الحافظ قال: أنشدني أبو القاسم زاهر بن طاهر
قال: أخبرنا أبو الحسين البحيري قال: أنشدنا محمد بن الحسين بن موسى السلمي قال:
أنشدني محمد بن الحسين البغدادي قال: أنشدني المتنبي:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده ... وعيدٌ لمن سمّى وضحّى وعيّدا
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى ... كما كنت فيهم أوحداً كان أو حدا
أخبرنا
الشيخ الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا محمد
بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الخطيب قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن منصور
بن محمد السمعاني قال: سمعت الشيخ أبا الحسين علي بن أحمد المديني قال: سمعت أبا
عبد الرحمن السلمي قال: سمعت السيد أبا الحسن محمد بن أبي اسماعيل العلوي يقول: دخل
المتنبي على الاستاذ الرئيس أبي الفضل محمد بن الحسين، وبين يديه مجامر من آس
ونرجس، قد أخفي فيها مواضع النار، لا ترى النار، ويشم رائحة الند، فقال: يا أبا
الطيب قل فيه شيئا، فأنشأ يقول:
أحبّ الذي حبّت الأنفس ... وأطيب ما شمّه المعطس
ونشر من الند لكنه ... مجامره الآس والنرجس
ولست أرى وهجاً هاجه ... فهل هاجه عزك الأقعس
وإنّ القيام الذي حوله ... لتحسد أقدامها الأرؤس
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود الأخضر البغدادي في كتابه قال: أخبرنا الرئيس
أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد
الله بن يحيى الوكيل قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين بن الساربان قال: وخرج
يعني المتنبي من شيراز لثمان خلون من شعبان قاصدا إلى بغداد ثم إلى الكوفة، حتى
إذا بلغ دير العاقول وخرج منه قدر ميلين، خرج عليه فرسان ورجاله من بني أسد وشيبان
فقاتلهم مع غلامين من غلمانه ساعة وقتلوه، وقتل معه أحد الغلامين وهرب الآخر،
وأخذوا جميع ما كان معه، وتبعهم ابنه المحسد طلبا لكتب أبيه فقتلوه أيضا، وذلك كله
يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
أنبأنا زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر
أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: خرج المتنبي إلى فارس من بغداد فمدح عضد الدولة
وأقام عنده مدة ثم رجع يريد بغداد فقتل في الطريق بالقرب من النعمانية في شهر
رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
وقرأت في تاريخ أبي محمد عبد الله بن أحمد الفرغاني: لما هرب المتنبي الشاعر من
مصر وصار إلى الكوفة فأقام بها، وصار إلى ابن العميد فمدحه، فقيل انه صار إليه منه
ثلاثون ألف دينار، وقال له: تمضي إلى عضد الدولة، فمضى من عنده إليه، فمدحه ووصله
بثلاثين ألف دينار، وفارقه على أن يمضي إلى الكوفة يحمل عياله ويجيء معهم إليه،
وسار حتى وصل إلى النعمانية بازاء قرية تقرب منها يقال لها بنورا، فوجد أثر خيل
هناك فتنسم خبرها فإذا خيل قد كمنت له، فصادفته لأنه قصدها فطعن طعنة نكس عن فرسه،
فلما سقط إلى الأرض نزلوا فاحتزوا رأسه ذبحا، وأخذوا ما كان معه من المال وغيره،
وكان مذهبه أن يحمل ماله معه أين توجه، وقتل ابنه معه وغلام من جملة خمس غلمة
كانوا معه، وإن الغلام المقتول قاتل حتى قتل، وكان قتل المتنبي يوم الاثنين لخمس
بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
قال الفرغاني: وحدثت أنه لما نزل المنزل الذي رحل منه فقتل جاءه قوم خفراء فطلبوا
منه خمسين درهما ليسيروا معه فمنعه الشح والكبر، فأنذروا به، فكان من أمره ما كان.
قال: وقيل بأنهم لما طلبوا منه الخفارة اعتذر في ذلك أن قال لهم:
لا أكذب نفسي في قولي ... يذمّ لمهجتي وسيفي ورمحي
ففارقوه على سخط وأنذروا به وكان من أمره ما كان.
وقرأت في جذاذة طرس مطروح في النسخة التي وقعت إلي بسماع جد جد أبي القاضي أبي
الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة من شعر المتنبي على محمد بن عبد الله بن
سعد النحوي الحلبي وفيها مكتوب بغير خط النسخة: المتنبي أبو الطيب أحمد بن الحسين،
عاد من شيراز من عند فناخسرو وابن العميد وزيره بأموال جزيلة، فلما صار بالصافية
من أرض واسط وقع به جماعة من بني أسد وغيرهم فقتلوه وخمس غلمان كانوا معه وولده،
وسلبوا المال، وذلك في شوال من سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وكان المتولي لقتله رجل
منهم يقال له فاتك بن أبي جهل، وهو ابن خالة ضبة الذي هجاه المتنبي، وكان على
شاطىء دجلة.
وسمعت والدي رحمه الله يقول لي: بلغني أن المتنبي لما خرج عليه قطاع الطريق ومعه
ابنه وغلمانه أراد أن ينهزم، فقال له ابنه: يا أبة وأين قولك:
الخيل
والليل والبيداء تعرفني ... والطعن والضرب والقرطاس والقلم
فقال له: قتلتني يا بن اللخناء ثم ثبت وقاتل حتى قتل.
سير إلى الشريف الأجل العالم تاج الشرف شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن
بن علي الحسيني جزءا بخطه في مقتل أبي الطيب كتب فيه ما نقلته وصورته: نقلت من خط
أبي بكر محمد بن هاشم الخالدي، أحد الخالديين في آخر النسخة التي بخطه من شعر أبي
الطيب المتنبي ما هذه صورته، ذكر مقتله: كنا كتبنا إلى أبي نصر محمد بن المبارك
الجبلي نسأله شرح ذلك، وهذا الرجل من وجوه التناء بهذه الناحية وله أدب وحرمة
فأجابنا عن كتابنا جوابا طويلا يقول فيه: وأما ما سألتما عنه من خبر مقتل أبي
الطيب المتنبي رحمه الله، فأنا أنسقه لكما وأشرحه شرحا بينا: إعلما أن مسيره كان
من واسط في يوم السبت لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربع وخمسين
وثلاثمائة وقتل ببيزع ضيعة بقرب من دير العاقول في يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من
شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، والذي تولى قتله وقتل ابنه وغلامه رجل من
بني أسد يقال له فاتك بن أبي الجهل بن فراس بن بداد، وكان من قوله وهو منعفر:
قبحاً لهذه اللحية يا سباب، وذلك أن فاتكا هذا قرابة لوالدة ضبة بن يزيد العيني
الذي هجاه المتنبي بقوله:
ما أنصف القوم ضبّة ... وأمه الطرطبة
ويقال إن فاتكا خال ضبة، وأن الحمية داخلته لما سمع ذكرها بالقبيح في الشعر وما
للمتنبي شعر أسخف من هذا الشعر كلاما، فكان على سخافته وركالته سبب قتله وقتل ابنه
وذهاب ماله.
وأما شرح الخبر فإن فاتكا كان صديقا لي، وكان كما سمي فاتكا لسفكه الدماء واقدامه
على الأهوال، فلما سمع الشعر الذي هجي به ضبة، أحفظه ذلك واشتد عليه، ورجع على ضبة
باللوم، وقال له: قد كان يجب أن لا تجعل لشاعر عليك سبيلا، وأضمر غير ما أظهر،
واتصل به انصراف المتنبي من بلد فارس إلى العراق، وأن اجتيازه بجبل ودير العاقول،
فلم يكن ينزل عن فرسه وجماعة معه من بني عمه رأيهم في المتنبي مثل رأيه في طلبه
واستعلام خبره من كل صادر ووارد وكان فاتك يتحرق خوفا أن يفوته، وكان كثيرا ما
يجيئني وينزل عندي، فقلت له يوما وقد جاءني وهو يسأل قوما مجتازين عنه: قد أكثرت
المسألة عن هذا الرجل فأي شيء عزمك أن تفعله به متى لقيته، قال: ما عزمي إلا
الجميل، وأن أعذله على ما أفحش فيه من الهجاء، فقلت: هذا الأليق بأخلاقك والأشبه
بأفعالك، فتضاحك ثم قال: يا أبا نصر والله لئن اكتحلت عيني به، أو جمعتني واياه
بقعة لأسفكن دمه ولأمحقن حياته إلا أن يحال بيني وبينه، فقلت له: كف عافاك الله عن
هذا القول، وارجع إلى الله، وأزل هذا الرأي عن قلبك، فإن الرجل شهير الاسم، بعيد
الصوت، وقتلك إياه في شعر قاله لا يحسن، وقد هجت الشعراء الملوك في الجاهلية
والخلفاء في الإسلام فما علمنا أن شاعرا قتل بهجاء، وقد قال:
هجوت زهيراً ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجا وتمدح
ولم يبلغ جرمه ما يوجب قتله، فقال: يفعل الله ما يشاء، وانصرف، فلم يمض لهذا القول
إلا ثلاثة أيام حتى وافى المتنبي ومعه بغال موقرة بكل شيء من الذهب والفضة والثياب
والطيب والجوهر والآلة، لأنه كان إذا سافر لم يخلف في منزله درهماً ولا ديناراً
ولا ثوباً ولا شيئاً يساوي درهما واحداً فما فوقه، وكان أكثر اشفاقه على دفاتره
لأنه كان قد انتخبها وأحكمها قراءة وتصحيحاً.
قال
فتلقيته وأنزلته داري وسائلته عن أخباره وعمن لقي، وكيف وجد من قصده، فعرفني من
ذاك ما سررت به، وأقبل يصف لي ابن العميد وفضله وأدبه وعمله وكرمه، وسماحة الملك
فناخسرو ورغبته في الأدب وميله إلى أهله، فلما أمسينا قلت له: على أي شيء أنت
مجمع؟ قال: على أن أتخذ الليل جملا، فإن السير فيه يخف علي، قلت هذا هو الصواب
رجاء أن يخفيه الليل ولا يصبح إلا وقد قطع بلدا بعيدا، والوجه أن يكون معك من
رجالة هذه المدينة الذين يخبرون الطريق، ويعرفون المواضع المخوفة فيه، جماعة يمشون
بين يديك إلى بغداد، فقطب وقال: لم قلت هذا القول؟ قلت: تستأنس بهم، قال: أما
والجراز في عنقي فما بي حاجة إلى مؤنس غيره، قلت الأمر كما تقول، والرأي في الذي
أشرت به عليك، فقال: تلويحك هذا ينبي عن تعريض، وتعريضك يخبر عن تصريح، فعرفني
الأمر وبين لي الخطب، قلت: إن هذا الجاهل فاتك الأسدي كان عندي منذ ثلاثة أيام،
وهو محفظ عليك لأنك هجوت ابن أخته، وقد تكلم بأشياء توجب الاحتراس والتيقظ، ومعه
أيضاً نحو العشرين فارسا من بني عمه قولهم مثل قوله، قال: وغلامة - وكان عاقلا
لبيبا فارسا - يسمع كلامنا، فقال: الصواب ما رآه أبو نصر، خذ معك عشرين راجلا
يسيرون بين يديك إلى بغداد، فاغتاظ غيظا شديدا وشتم الغلام شتماً قبيحاً، وقال:
والله لا تحدث عني أني سرت في خفارة أحد غير سيفي.
قلت: يا هذا فأنا أوجه قوما من قبلي في حاجة يسيرون بمسيرك ويكونون في خفارتك،
قال: والله لا فعلت شيئا من هذا، ثم قال لي: يا أبا نصر أبخروا الطيل تخشيني، ومن
عبيد العصا تخاف علي، ووالله لو أن مخصرتي هذه ملقاة على شاطىء الفرات وبنو أسد
معطشون لخمس وقد نظروا إلى الماء كبطون الحيات ما جسر لهم خف ولا ظلف أن يرده،
حاشى لله من فكر اشتغله بهم لحظة العين، فقلت له: قل إن شاء الله، فقال: كلمة
مقولة لا تدفع مقضيا ولا تستجلب آتياً، ثم ركب فكان آخر العهد به.
قال: ولما صح عندي خبر قتله، وجهت من دفنه وابنه وغلامه، وذهبت دماؤهم هدرا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين
وسلم تسليما وكتب محمد بن هاشم الخالدي بالموصل في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وهو
يستغفر الله ويستقيله من كل ذنب وخطيئة عن عمد أو خطأ.
أما قولنا بخروا الطير تخشيني ومن عبيد العصا تخاف علي، فإن أسد يلقبون خروا الطير،
قال امرؤ القيس:
فرت بنو أسد خروا الطير عن أربابها.....
ويلقبون أيضاً عبيد العصا، قال الشاعر، ونظنه أمرؤ القيس أيضا: قولا لدودان عبيد
العصا.
آخر ما كان بخط أبي بكر الخالدي.
......... ... ما غركم بالأسد الباسل
كذا في الأصل، قد أتم هذا هذا البيت وأظنه بخط أخيه أبي عثمان ولا أتحققه.
أخبرنا تاج الإماء أحمد بن محمد بن الحسن - كتابة - قال: أخبرنا عمي أبو القاسم عن
أبي غالب شجاع بن فارس بن الحسين الذهلي قال: أنشدني الحكيم أبو علي الحسين بن عبد
الرحمن الثقفي النيسابوري لأبي القاسم المظفر الزوزني الكاتب يرثي المتنبي - قلت:
هو المظفر بن علي:
لا رعى الله سرب هذا الزمان ... إذ دهانا في مثل ذاك اللسان
ما رأى الناس ثاني المتنبي ... أي ثانٍ يرى لبكر الزمان
كان في نفسه الكبيرة في جي ... شٍ وفي كبرياء ذي سلطان
كان في لفظه نبياً ولكن ... ظهرت معجزاته في المعاني
أنشدني نجيب الدين داود بن أحمد بن سعيد بن خلف بن داود الطيبي التاجر إملاءً من
لفظه بحلب قال: أنشدني شمس الدين بن الوالي بالموصل لأخت المتنبي ترثي أخاها
المتنبي لما قتل:
يا حازم الرأي إلاّ في تهجمه ... على المكاره غاب البدر في الطفل
لنعم ما عاملتك المرهفات به ... ونعم ما كنت توليها من العمل
الأرض أمٌ أضناها بواحدها ... فاسترجعته وردّته إلى الحبل
أحمد بن الحسين بن حمدان، أبو العباس التميممي الشمشاطي:
أديب
فاضل شاعر، له معرفة بالنحو واللغة، قدم حلب في أيام سيف الدولة أبي الحسن بن
حمدان وأملى بها أمالي وفوائد، وكتب عنه بعض أفاضل الحلبيين شيئاً منها، وروى في
أماليه عن أبوي بكر بن دريد وابن الأنباري، وأبوي عبد الله إبراهيم بن محمد
نفطويه، والحسن بن اسماعيل المحاملي واسماعيل بن العباس الوراق، وأبي زكريا بن
محمد، وحجظة البرمكي، ومغصا غلام أبي عبد الله نفطويه، ومحمد بن يحيى الصولي،
ومحمد بن عبد الله بن الحسين المستعيني، وأبي نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي،
وجماعة سواهم.
روى عنه أبو القاسم سلامة بن محمد بن عترة، وأبو الحسن محمد بن عبد الكافي بن
محمد، وأبو بكر أحمد بن عمر بن البقال، وغيرهم.
نقلت من أمالي أبي العباس أحمد بن الحسين الشمشاطي التي أملاها بحلب من خط من
كتبها عنه بها، وأنشدنا الشيخ لنفسه.
إذا شئت أن تكبت الحاسدي ... ن غيظاً وتقمع كيد العدو
فأغض وعفّ وسوّ المسا ... ء في الفضل يزداده بالغدو
تبت حاسديك على غصّةٍ ... وتحم عدوّك طيب الهدو
ونقلت من الأمالي المذكورة بعينها: أنشدنا الشيخ لنفسه - يعني التميمي - :
قد تستزلّ المرء أوقاته ... ويطمح السمع به والبصر
فالكيّس العاصي هوى نفسه ... والأيّد العّف إذا ما قدر
استغفر اللّه فكم نظرة ... سكرتها ما كلفت من سهر
قال: وأنشدنا الشيخ لنفسه:
حسرات تطول إن أنت أكثر ... ت التفاتاً إلى الزمان القديم
لك فيما فقدتّ أسوة أسيان ... ن وسالٍ وجاهل وعليهم
كلّهم راعة الزمان بشيب ... وفراق لصاحبٍ ونعيم
فاستكانوا لذلك طوعاً وكرهاً ... ورضوا بالبقاء والتسليم
لو بقوا هانت الرّزايا ولكن ... سلبوا بعد ذاك روح النسيم
قال: وأنشدنا الشيخ لنفسه:
أيها الرائح في العيد ... بأرواح الوقوف
فاتر لحظك تفتّر ... عن الدرّ الرصيف
أنت في العالم إحدى ... بدع البّر اللّطيف
إنّ من قلّدك السيف ... جهول بالسيوف
أو غفولٌ عند إيما ... نك باللحظ الضّعيف
وقرأت في كتاب اطرغش تأليف أبي عبد الله الحسين بن خالويه النحوي، وذكر جماعة مدحوه
ومدحوا كتابه المذكور، وقال: قال أبو العباس:
الشميشاطي تميميٌ ... للعلم لألاءٌ بجانبيه
ليس بنحو نحو سيبويه ... إلاّ إذا قرأته عليه
وقد كان بين أبي العباس وبين ابن خالويه مودة تقتضي الثناء عليه، فإنني وقفت على
أبيات لأبي العباس يرثي بها أبا عبد الله بن خالويه بعد وفاته أنبأنا أبو اليمن
زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن
علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن الحسين بن حمدان، أبو العباس التميمي الشمشاطي،
حدث ببغداد عن محمد بن عبد الله بن الحسين المستعيني.
روى عنه أبو بكر أحمد بن عمر البقال، وقال: هو شيخ ثقة قدم علينا من الموصل في سنة
إحدى وسبعين وثلاثمائة.
رأيت اجازة بخط أبي العباس التيميمي كتبها لأبي الحسن محمد بن عبد الملك بن محمد،
وقال في آخرها: وكتب أحمد بن الحسين التميمي بخطه بشاطىء دجلة في شوال سنة إحدى
وسبعين وثلاثمائة فتكون وفاته بعد ذلك.
أحمد بن الحسين بن سعد بن أبان:
الشاهد الطرسوسي، حدث عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الشيرازي، روى عنه...
أحمد بن الحسين بن العباس الطرسوسي:
أبو علي حدث...، روى عنه الحسن بن فارس الطرسوسي نزيل سمرقند.
أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم بن عبد الله:
أبو
زرعة الرازي، رحل في طلب الحديث، ودخل حلب، وسمع بها أبا بكر محمد بن الحسين بن
صالح بن إسماعيل السبيعي الحافظ، روى عنه أبو الطيب أحمد بن علي الطالبي الجعفري
وغيره، وذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد، بما أخبرنا به زيد بن الحسن الكندي إذنا،
قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
الخطيب قال: أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم بن عبد الله، أبو زرعة
الرازي، سمع محمد بن إبراهيم بن نومرد، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وعلي ابن
ابراهيم القطان القزويني، وعبد الله بن محمد الحارثي، وبكر بن عبد الله المحتسب
البخاري، والحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري وكان حافظاً متقنا
ثقة، رحل في الحديث، وسافر الكثير، وجالس الحفاظ، وجمع التراجم الأبواب، وحدث
ببغداد، فحدثنا عنه القاضيان: أبو العلاء الواسطي، وأبو القاسم التنوخي، وأبو زرعة
روح بن محمد الرازي، ورضوان ابن محمد الدينوري.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي الصوفي - إجازة إن لم يكن سماعاً - عن
الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني قال: أخبرنا أبو البقاء
المعمر بن محمد بن علي الحبال بالكوفة قال: أخبرنا أبو الطيب أحمد بن علي بن محمد
الطالبي الجعفري قال حدثنا أبو زرعة أحمد ابن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم
بن عبد الله الرازي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن إسماعيل السبيعي بحلب
قال: أخبرني المنذر بن محمد القابوسي قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي الحسين بن
سعيد قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو أيوب الإفريقي عبد الله بن علي قال: حدثني
سماك عن جابر بن سمرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناشدون عنده
الشعر ويذكرون أمر جاهليتهم، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبسم إليهم.
أخبرنا أبو الحسن علي بن شجاع عن سالم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عبد
المولى بن محمد اللبني قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا أبو خلف عبد الرحيم ابن محمد
المدبر قال: حدثنا المروزي - يعني أبا عبد الله الحسن بن علي بن محمد - قال: حدثنا
أبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي الرازي رحمه الله قال: حدثنا ابن رميس قال: حدثنا
عبد الملك بن محمد الرقاشي قال: حدثنا أبو زيد الهروي قال: حدثنا شعبة عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي حتى ترم
قدماه، فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا
أكون عبداً شكوراً ! أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري
القاضي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس الغساني قال: أخبرنا الحافظ أبو
بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا علي بن المحسن قال: سألنا أبو زرعة
الرازي عن مولده، فقال: لست أحفظه، ولكن خرجت إلى العراق أول دفعة لطلب الحديث سنة
أربع وعشرين وثلاثمائة وكان لي آنذاك أربع عشرة سنة أو نحوها.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي - إجازة - قال: أخبرنا أبو منصور عبد
الرحمن بن محمد بن زريق القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: قرأت في كتاب
أبي القاسم بن الثلاج بخطه: فقد أبو زرعة أحمد ابن الحسين الرازي في طريق مكة سنة
خمس وسبعين وثلاثمائة.
أحمد بن الحسين بن علي بن محمد السكران:
ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن الأفطس بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب، أبو القاسم الحسيني الأنطاكي الشاعر، ولد بمصر ثم انتقل إلى نصيبين، ثم
أنطاكية، فسكنها فعرف بالأنطاكي لذلك.
ووفد على الأمير سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان إلى حلب، وكان
عنده بها في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة حين استولى نقفور على حلب، وأسر الروم في
تلك السنة امرأته فاطمة بنت محمد بن أحمد ابن محمد بن الشبيه العلوية، وخلصها الله
تعالى من الأسر بغير سعي، وقد ذكرنا حكاية أسرها وخلاصها في ترجمتها في ذكر النساء
فيما يأتي في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
وحكى عنه ابنه منها أبو يعلى، وكان أبو القاسم الشريف هذا شاعراً مجيداً جليل
المقدار فاضلاً أدبياً، ومن شعره ما أورده الشريف النسابة أبو الحسن علي ابن أبي
الغنائم العمري.
قدك
عني سئمت ذلّ الضراعة ... أنا ما لي وصنيعةٌ وبضاعة
إنما العّز قدرةٌ تملأ الأر ... ض وإلاّ فعفّة وقناعة
أحمد بن الحسين بن القاسم:
وقيل ابن أبي القاسم، أبو خالد الصنعاني، قدم منبج، وحدث بها عن أبي القاسم يحيى
بن الحسين بن موسى العطار، وسعيد بن العباس النيسابوري المقرىء؛ روى عنه المبارك
بن محفوظ بن أحمد الرهاوي.
أخبرنا أبو حفص عمر بن علي بن قشام الحلبي الفقيه الحنفي فيما أذن لنا برويه عنه
قال: أخبرنا أبو الفضائل عبد الوهاب بن صالح بن محمد بن علي الهمذاني في كتابه
قال: حدثنا أبو القاسم عبد الغالب بن عمار بن الحسين بن محمد الخطيب بحلب قال:
حدثني أبو الأسد محمد بن عبد العزيز بن محمد البالسي ببالس قال: أخبرنا والدي أبو
تمام عبد العزيز بن محمد القاضي قال: أخبرنا ناشي بن مروان البصير قال: حدثنا
المبارك بن محفوظ بن أحمد الرهاوي قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن الحسين بن القاسم
الصنعاني، قدم علينا منبج، قال: أخبرنا أبو القاسم يحيى بن الحسين بن موسى العطار
قال: حدثنا الحسين ابن عبد العزيز الواعظ الكواز قال: حدثنا أبو الفرج عبد الرزاق
بن حمدان البطين قال: حدثنا أبو بكر محمد بن المنذر قال: حدثني الربيع بن سليمان
قال: سمعت الشافعي يقول: فارقت مكة وأنا ابن خمس عشرة سنة، وذكر القصة إلى آخرها،
أعني رحلة الإمام الشافعي رضى الله عنه.
أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد:
أبو العباس البغدادي الحنبلي المقرىء العراقي، كان عارفاً بعلوم القرآن، وانتفع به
جماعة، وكان حسن المحاضرة، دخل حلب وسمع بها أبا عبد الرحمن بن أبي الرضا بن سالم
الرحبي، وقرأ عليه قصيدة أبي عبد الله محمد بن علي المعروف بابن المتقنه في
الفرائض بروايته لها عنه، وكانت قراءته عليه بمدرسة الزجاجين في شهر رجب من سنة
اثنتين وأربعين وخمسمائه، وسمع أيضاً بحلب أبا الحسين أحمد ابن منير الأطرابلسي،
وسمع ببغداد أبا محمد سعد الخير الأنصاري ومحمد بن عبد الله بن سهلون السبط.
وروى عن هؤلاء المذكورين، وحدثنا أيضاً بدمشق الإجازة عن أبي بكر محمد بن عبيد
الله بن نصر الزاغوني، وروى عنه أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد المقدسي، وشيخنا أبو
محمد عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي، وروى لنا عنه أبو الحجاج يوسف
بن خليل بن عبد الله الدمشقي.
أخبرنا الشيخ الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو
العباس أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد البغدادي المقرىء، بقراءتي عليه بدمشق في
سنة اثنتين وثمانين وخمسمائه، قلت له: أخبركم محمد بن عبد الله بن سهلون السبط
بقراءتك عليه فأقر به، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن
هزارمرد الصريفيني قراءة عليه في مسجده بصريفين في شعبان سنة ستين وأربعمائة قال:
أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن اسحق ابن سليمان بن حبابة قراءة عليه قال:
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا علي بن الجعد قال: أخبرنا
شعبة وشيبان عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم، فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله
الرحمن الرحيم.
وأخبرنا به أعلى منه بدرجة الشيخ أبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء
البغدادي، بقراءتي عليه بحلب، قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم نصر بن نصر بن علي بن
يونس العكبري وأبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني قالا: أخبرنا الشيخ أبو
القاسم علي بن أحمد البسري قال: أخبرنا أبو طاهر محمد ابن عبد الرحمن بن العباس
البزاز المخلص قراءة عليه في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة قال:
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي فذكره باسناده مثله
سواءً.
وقع إلى جزء بخط أبي الخطاب عمر بن محمد العليمي، جزءاً يتضمن أسماء جماعة أجازوا
لأبي العباس أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد البغدادي العراقي هذا، فمنهم: أبو
الفتح بن البطي وأبو محمد عبد الله بن الموصلي، وأبو بكر بن المقرب ويحيى بن ثابت؛
ومن أهل أصبهان: أبو الخير مسعود الثقفي وأبو عبد الله الرستمي، وأبو المطهر
الصيدلاني، وأبو موسى الحافظ وجماعة يطول ذكرهم.
قرأت
بخط شيخنا ناصح الدين أبي محمد عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي في كتاب الاستسعاد
بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد وقد أجاز لنا الرواية عنه الشيخ أحمد بن
الحسين بن محمد البغدادي ورأيت بخطه: العراقي سمع الحديث الكثير ببغداد، وقرأ
القرآن العزيز بطرق كثيرة، وكان ماهراً فيه وتصدر لإقراء القرآن. تحت النسر بجامع
دمشق، فختم عليه القرآن جماعة، وكان كثير الحكايات والنوادر، قدم من بغداد مع
الفقيه الأعز سنة أربعين وخمسمائه، قال لي: جئيت إلى الشام بنية أنني أزور القدس،
وإلى الآن ما زرته، فقلت: معي تزوره إن شاء الله، فزاره في صحبتي سنة سبع وثمانين
أو سنة ثمان.
وقرأت عليه فاتحة الكتاب تجويداً وتحريراً، وقرأت عليه كتاب الفصيح لثعلب، رواه عن
سعد الخير الأندلسي، وقرأت عليه رسالة الشيخ ابن منير إلى الشيخ شرف الإسلام جدي
رواها عنه، قال: اجتمعت بابن منير في حلب، وسمعت الرسالة عليه، وقرأت عليه أيضاً
تصديقه القرآن إنشاء ابن منير، رواها أيضاً عنه، وكان يصلي إماماً في مسجد
الخشابين أقام ه سنين، وكان له منهم أصحاب وجماعة، فحسن فيه الظن، وكان يقول: كان
عندنا في الحربيه قوم من المتشددين يسمون السبعية لا يسلمون على من سلم على من سلم
إلى سبعة على مبتدع.
وبلغ من العمر فوق السبعين سنة، ومات بدمشق.
أحمد بن الحسين بن محمد النفري:
أبو العباس، حدث بحلب عن القاضي أبي عمران موسى بن القاسم بن موسى ابن الحسن
الأشيب، روى عنه أبو الحسن المهذب بن علي بن المهذب بن أبي حامد المعري.
قرأت بخط أبي صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب، وأنبأنا به أبو اليمن زيد بن
الحسن الكندي إجازة، قال: أنبأنا محمد بن كامل بن ديسم قال: أخبرنا أبو صالح محمد
بن المهذب إجازة قال: حدثنا أبي أبو الحسن المهذب في جمادى الأولى من سنة سبع
وتسعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن محمد النفري بحلب لسبع
عشرة ليلة خلت من شوال سنة تسع وستين وثلاثمائة قال: حدثنا القاضي أبو عمران موسى
بن القاسم بن موسى ابن الحسن الأشيب قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا موسى بن
اسماعيل قال: حدثنا معتمر عن أبيه قال: وحدث أيضاً أبو عثمان النهدي عن عبد الرحمن
بن أبي بكر أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائه، فقال: هل مع
أحد منكم طعامً؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك طويل بغنم
يسقوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيع أم عطية؟ أو قال هبة قال: لا بل بيع،
فاشترى منه شاةً فصنعت، وأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى،
قال: وايم الله ما من الثلاثين ومائه إلا وقد جز له رسول الله صلى الله عليه وسلم
جزةً من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه إياها، وإن كان غائباً خبأها له؛ قال:
وجعل منها قصعتين، فأكلنا أجمعين وشبعنا، وفضل في القصعتين، فحملته على البعير، أو
كما قال.
أحمد بن الحسين بن المؤمل:
أبو الفضل المعروف بابن الشواء، وكتب عنه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي
الدمشقي بها انشاداً، ذكره في معجم شيوخه.
أنبأنا أبو الوحش عبد الرحمن بن أبي منصور بن نسيم قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم
علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي في معجم شيوخه قال: أنشدني أحمد ابن الحسين بن
المؤمل أبو الفضل المعري المعروف بابن الشواء بدمشق لابن النوت المعري في بعض
الوزراء من اليهود.
يهود هذا الزمان قد بلغوا ... غاية آمالهم وقد ملكوا
العّز فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك
ولست ممن فيهم يغرّكم ... تهوّدوا قد تهوّد الفلك
أحمد بن الحسين النحوي المقرىء:
أبو بكر المعروف بالكناني، قرأ على أبي عمران موسى بن جرير الضرير الرقي النحوي،
وقرأ عليه بحلب أبو الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي المقرىء، وحدث
عنه بمصر.
أحمد بن الحسين، أبو بكر البصري:
حدث بأنطاكية عن عمران بن موسى النصيبي؛ روى عنه أبو الحسن محمد ابن الحسين
الآبري، وسمع منه بها.
كتب
إلينا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي أن الإمام أبا الفتح محمد
بن عمر بن أبي بكر الحازمي أخبرهم قال: أخبرنا عيسى بن شعيب بن اسحق السجزي قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن بسرى الليثي قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن
ابراهيم الآبري قال: قرأت على أبي بكر أحمد بن الحسين البصري بأنطاكية عن عمران بن
موسى بن أيوب النصيبي عن أبيه في تاريخه، باسناد ذكره عن سعيد بن المسيب عن ابن
عباس فزاد فيه في نسبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أدد بن السميدع بن عائذ بن
شالخ بن الهميسع.
أحمد بن الحسين المنبجي المعروف بدوقلة بن العبد:
شاعر مجيد من أهل منبج، وإليه تنسب القصيدة اليتيمة التي أولها:
هل بالطلول لسائلٍ رد ... أم هل لها بتكلم عهد
وسنذكره إن شاء الله تعالى في حرف الدال لأنه اشتهر بدوقلة، وصار اسمه مهجوراً.
أحمد بن الحسين بن الزيات:
أبو الحسن، أمير الثغور الشامية، ولي إمارة الثغور في غالب ظني بعد أخيه أبي بكر
محمد بن الحسين بن الزيات، وخرج عن طرسوس بعد استيلاء الروم عليها، وتوجه إلى
الديار المصرية، واتصل بكافور الاخشيدي، وسنذكر في ترجمة غيطة مولاة منصور النسيمي
الخادم فيما يأتي من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى في ذكر النساء، أنه كان معها
مال في عشر قماقم حصلت به في مصر، فاعترض فيه كافور وهم به، فخاطبه أمير الثغور أبو
الحسن هذا، وقال: إنه كان هذا المال بطرسوس وعنها أخرج، وقد جرت لنا أحوال كنا
فيها أحوج إليه من الأستاذ، فكففنا عنه وتركناه بحاله ليتولى من هو في يده منه ما
تولى، فأمسك عنه خجلاً.
وكان أحمد هذا وأخوه محمد من أهل الرقه، وسكنا الثغر.
أحمد بن الحسين الجزري التغلبي:
المعروف بالأصفر، كان مقدماً مذكوراً، ظهر في الجزيرة، وعبر إلى الشام مظهراً غزو
الروم فتبعه خلق عظيم من المسلمين، وجرت له مع الروم وقعات، ودخل حلب في سنة خمس
وتسعين وثلاثمائه، فقبض عليه لؤلؤ السيفي، وجعله في قلعة جلب.
وقرأت في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المعري قال:
فحدثني من شاهد عسكره أنه كان يكون في اليوم ثلاثين ألفاً، ثم يصير في يوم آخر في
عشرة آلاف وأكثر وأقل لأنهم كانوا عواماً وعرباً، ونزل على شيزر، وطال أمره
فاشتكاه بسيل ملك الروم إلى الحاكم، فأنفذ إليه مفلحاً اللحياني في عسكر عظيم
فطرده سنة خمس وتسعين.
وقبض عليه أبو محمد لؤلؤ السيفي بخديعة خدعه بها، وذلك أنه أنفذ إليه أن يدخل إليه
إلى حلب، وأوهمه أنه يصير من قبله، فلما حصل عنده قبض عليه وجعله في القلعة
مكرماً، لأنه كان يهول به على الروم.
قال أبو غالب همام بن المهذب: ورأيته أنا وقد خرج مبارك الدولة سنة ست، وله شعرة،
والمصحف في حجره على السرج وهو يقرأ فيه.
ونقلت من خط يحيى بن علي بن عبد اللطيف بن زريق المؤرخ: وفي سنة خمس وتسعين ظهر
رجل غازي متزي بزي الفقراء، ومعه خلق كثير من العرب يسمى أحمد بن الحسين أصفر
تغلب، ويعرف بالأصفر، وتبعه وصحبه رجل من العرب يعرف بالحملي، وأسرى في جماعة من
العرب وغيرهم ممن اجتمع إليه، ولقي عسكر الروم فأخذه وكسره إلى أرتاح، وسار يريد
أنطاكية نحو جسر الحديد، فلقيه بطريق من بطارقة السقلاروس في عسكر كان معه، فقتل
الحملي وانهزم الأصفر إلى بلد سروج، فانتهى إلى الماخسطرس أن الأصفر ساكن في
الجزيرة في ضيعة تعرف بكفر عزور من عمل سروج، وهي ضيعة كبيرة ولها سور، فقصده في
عساكره وعبر الفرات، نازل كفر عزور وكان قد اجتمع إليها أكثر أهل تلك الأعمال
لحصانتها، وأقام ثمانية عشر يوماً وفتحها وأخذ منها اثني عشر ألف أسير وغنائم
كثيرة، وحرم الأصفر، وهرب هو بالليل، وكانت عرب بني نمير وكلاب اجتمعت مع وثاب في
زهاء ستة آلاف فارس، فلقوا عسكر الروم وظفروا بهم، وهرب الروم إلى أنطاكية وجد
الماخسطرس في طلب الأصفر والتمس من لؤلؤ أن يحمله إليه خوفاً من ارهاج المسلمين
عليه، وتوسط الحال بينهما على أن يأتي إلى حلب على أن يكون الأصفر في القلعة بحلب
معتقلاً أبداً، وحمله إليه في شعبان سنة سبع وتسعين، فقيده لؤلؤ واعتقله ولم يزل
في القلعة إلى أن حصلت حلب للمغاربة في سنة ست وأربعمائة.
أحمد بن الحسين أبو الفرج القاضي:
قاضي
طرسوس، كان فاضلاً عالماً، وهو الذي مدحه المتنبي بالقصيدة التي أخبرنا بها أبو
محمد عبد العزيز بن محمود الأخضر البغدادي في كتابه، قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن
علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله بن
يحيى الوكيل قال: أخبرنا علي ابن أيوب بن الحسين بن الساربان قال: أنشدنا أبو
الطيب المتنبي لنفسه يمدح أبا الفرج أحمد بن الحسين القاضي:
لجنّية أم غادةٍ رفع السّجف ... لوحشيةٍّ لا ما لوحشيةّ شنف
قال فيها
أردّد ويلي لو قضى الويل حاجةً ... وأكثر لهفي لو شفى غلةً لهف
ضنىً في الهوى كالسمّ في الشهد كامناً ... لذذت به جهلا وفي اللذّة الحتف
فأفنى وما أفنته نفسي كأنما ... أبو الفرج القاضي له دونها كهف
قليل الكرى لو كانت البيض والقنا ... كآرائه ما أغنت البيض والزّغف
يقوم مقام الجيش تقطيب وجهه ... وتستغرق الألفاظ من لفظه حرف
وإن فقد الاعطاء حنت يمينه ... إليه حنين الإلف فارقه الإلفّ
أديب رست للعلم في أرض صدره ... جبال جبال الأرض في جنبها قف
جواد سمت في الخير والشر كفه ... سمواً لوّد الدهر أن اسمه كفّ
تفكّره علمٌ ومنطقه حكم ... وباطنه دين وظاهره طرف
وهي طويلة اقتصرت منها على هذه الأبيات.
أحمد بن الحسين، وقيل الحسن:
أبو يوسف المصيصي الحاسب، له كتاب في الجبر والمقابله، وقد ذكرناه فيمن اسم أبيه
الحسن.
من أفراد حرف الحاء في آباء الأحمدين
أحمد بن الحصين التميمي:
ورد دابق في أيام عبد الملك بن مروان، وبها مسلمة بن عبد الملك، ودخل معه غازيا
بلاد الروم حين توجه إلى القسطنطينية هو وأخوه مع الفتية الذين تابوا بالمدينة.
وسيأتي ذكر خبرهم إن شاء الله تعالى.
أحمد بن حماد بن سفيان أبو عبد الرحمن القرشي:
مولاهم، الكوفي، قاضي المصيصة، حدث عن خراش بن محمد بن خراش، وهرون بن سعيد
الأيلي، وأبي مسعود محمد بن عبد الملك بن محمد المؤدب، وعقبة بن مكرم، واسحق بن
موسى، وأبي كريب الهمداني، وحكيم بن سعيد المازني، وأبي بلال الأشعري، وأحمد بن
عبد المؤمن، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وجعفر بن دهقان، ويوسف بن موسى القطان،
وأبي الربيع بن أخي رشدين، وعبد الرحمن بن الفضل بن مونق، ومحمد بن سليمان الأسدي،
وعباد ابن يعقوب، وأبي عمرو بن حازم، ومحمد بن عوف، وأبي عبد الله أحمد بن يحيى
ابن الوزير المصري، وكثير بن عبيد، وبشر بن هلال، وأبي سعد الأشج، وإبراهيم ابن
مروان، وعبد الله بن حفص البراد، وعبد الله بن معاوية، واسرائيل.
روى عنه: أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش، وأبو عمر بن السماك، وأبو محمد
الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، وعبد الباقي بن قانع، وأبو القاسم عبد
الرحمن بن منصور ابن سهل بن عمرو الحلبي، وأبو بكر محمد بن الحسين السبعي الحلبي
الحافظ، وأحمد بن محمد بن عبد الرحمن الجلى الطرسوسي، وأبو عبد الله محمد بن نصر
المصيصي، وجعفر بن محمد بن بنت حاتم، ومحمد بن إبراهيم بن حبون الحجازي، ومحمد بن
علي بن حبيش، وأبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد.
أخبرنا أبو حامد محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني قراءة عليه بحلب قال: أخبرنا
عمي أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن
محمد أبي جرادة قال: حدثني أبو الفتح عبد الله بن اسماعيل ابن أحمد الجلي الحلبي
بها قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المعروف بابن الطيوري قال: حدثنا
أبو القاسم عبد الرحمن بن منصور بن سهل قال: حدثنا أحمد بن حماد القاضي قال: حدثنا
يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا عيسى بن عبد الله أبو بكر العلوي قال: حدثني أبي
عن جدي عن جده عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب.
أخبرنا
أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري القاضي بجامع دمشق قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم السلمي قال: أخبرنا أبو نصر ابن طلاب قال: أخبرنا
أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن
برامهرمز قال: حدثنا أحمد بن حماد بن سفيان قال: حدثنا عبد الله بن حفص البراد
قال: حدثنا يحيى بن ميمون قال: حدثنا أبو الأشهب العطاردي عن الحسن عن أبي أيوب
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا أيوب ألا أدلك على عمل يرضاه
الله عز وجل، أصلح بين الناس إذا تفاسدوا وحبب بينهم إذا تباغضوا.
أخبرنا أبو القاسم الأنصاري إذناً قال: أخبرنا أبو الحسن الغساني قال: أخبرنا أبو
بكر الخطيب قال: أحمد بن حماد بن سفيان، أبو عبد الرحمن الكوفي القرشي مولاهم، سمع
أبا بلال الأشعري، وهرون بن سعيد الأيلي، وعبد الله بن معاوية الجمحي وعقبة بن
مكرم، وأبا كريب الهمداني، ويوسف بن موسى القطان ونحوهم، وقدم بغداد، وحدث بها
فروى عنه أبو عمرو بن السماك وعبد الباقي ابن قانع، وجعفر بن محمد بن بنت حاتم بن
ميمون، ومحمد بن علي بين حبيش، وكان ثقة، ولي قضاء المصيصة، وذكره الدارقطني،
فقال: لا بأس به.
أنبأنا عبد العزيز بن الأخضر، أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد عن أحمد بن علي بن خلف
عن أبي عبد الله الحاكم قال: أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال: أحمد بن حماد بن
سفيان القاضي، كوفي لا بأس به.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا
أحمد بن علي قال: أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين المحتسب قال: قرأنا على أحمد بن
الفرج بن الحجاج الوراق عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد قال: توفي أبو عبد
الرحمن أحمد بن حماد بن سفيان بالمصيصة ليومين بقيا من المحرم سنة سبع وتسعين
ومائتين، ورأيته لا يخضب.
أنبأنا حسن بن أحمد الأوقي قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا المبارك بن
عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحربي قال: أخبرنا عبد الله بن
عثمان الصفار قال: أخبرنا عبد الباقي بن قانع قال: سنة سبع وتسعين ومائتين: أحمد
بن حماد بن سفيان الكوفي، وهو قاضي المصيصة؛ يعني مات.
أحمد بن حمدان العائذي الضبي:
أبو الحسن الأنطاكي، من بني عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد، وقيل عائذ
الله بن سعيد بن ضبة من أهل أنطاكية، يروي عن الحسين بن الجنيد الدامغاني روى عنه
علي بن الفضل بن طاهر البلخي، والمثلم بن المشخر الضبي.
من اسم أبيه حمدون من الأحمدين
أحمد بن حمدون بن اسماعيل بن داود:
أبو عبد الله الكاتب الشاعر، وقد سماه بعضهم محمدا؛ قدم حلب صحبة المتوكل حين
قدمها، وغزا الروم مع المأمون والمعتصم، واجتاز بحلب في غزاته تلك.
روى عن أبيه حمدون بن اسماعيل، وعن الواثق بن المعتصم، روى عنه أحمد بن الطيب
السرخسي، وعلي بن محمد بن بسام، والحسن بن محمد، عم أبي الفرج الأصبهاني، وجعفر بن
قدامة. وكان أديباً شاعراً.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد، إذناً، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن
عبد الباقي الأنصاري - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال أخبرنا أبو القاسم بن أبي علي
البصري، إذناً، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الدوري قال: حدثنا أحمد بن اسحق بن
إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن الطيب السرخسي قال: حدثني أبو عبد الله بن حمدون بن
اسماعيل عن أبيه قال: سمعت المعتصم بالله يحدث عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن
المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم:
وذكر الحجامة يوم الخميس فكرهها.
كتب إلينا أبو روح بن محمد الهروي أن زاهر بن طاهر المستملي أخبرهم - إجازة إن لم
يكن سماعاً - عن أبي القاسم علي بن أحمد البندار قال: أنبأنا أبو أحمد عبيد الله
بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي، إجازة،
قال: - في كتاب الأوراق، في ذكر من نفاه المتوكل - قال: ونفى أحمد بن حمدون النديم
إلى بغداد، وقطع طرف أذنه وقال له: أنت قدت علي بعض غلماني، ثم رده.
أنبأنا
أحمد بن محمد بن الحسن، تاج الأمناء، قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن
قال: أحمد بن حمدون بن اسماعيل بن داود، أبو عبد الله الكاتب، شاعر في غاية الظرف
والملاحة والأدب، حكى عن الواثق وعن أبيه حمدون، قدم دمشق في صحبة المتوكل،
وامتدحه البحتري.
روى عنه علي بن محمد بن نصر بن بسام - وهو ابن أخته - ، وجعفر بن قدامة، والحسن بن
محمد - عم أبي الفرج الأصبهاني - ، وأحمد بن الطيب السرخسي.
وذكره أبو عبد الله محمد بن داود الجارح في كتاب الورقة في أسماء الشعراء، وأنشد
له في أحمد بن محمد بن ثوابة، وكان ابن حمدون يلقبه لبابة، وكان ابن ثوابة قد دعا
أبا القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب فبزل لموسى بن بغا رغيفا من بيت ابن ثوابة،
فمات موسى من غد ذلك اليوم. فقال:
استعذنا الإله من شر ما يط ... رق صبحاً ومن رغيف لبابه
قد دهانا الرغيف في الفارس المع ... لم واجتث ملكه ونصابه
من رأى مصرع الأمير فلا يط ... عم طعاما من منزل ابن ثوابه
فلقد حرم الإله على كل ... أديب طعامه وشرابه
إن فيه خلائقاً وخصالا ... موجبات هجرانه واجتنابه
صلف معجب بغيض مقيت ... أحمق مائق ضعيف الكتابه
قال: ومن شعره يعاتب أبا الحسن علي بن يحيى المنجم:
من عذيري من أبي حسن ... حين يجفوني ويصرمني
كان لي خلاًّ وكنت له ... كامتزاج الراح بالبدن
فوشى واشٍ فغيّره ... وعليه كان يحسدني
إنما يزداد معرفة ... بودادي حين يفقدني
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو شجاع
عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي ببلخ قال: وروي أنه رمدت عين الفتح بن خاقان فقال
فيه أحمد بن حمدون:
عيناي أحمل من عينيك للرمد ... فاسلم وكان الأذى بي آخر الأبد
من ضن عنك بعينيه ومهجته ... فلا رأى الخير في مال ولا ولد
فدتك من ألم الشكوى ولوعتها ... نفس تخلصتها من مخلب الأسد
لولا رجاؤك لم تلبث ولا سكنت ... ولا استقر قرار الروح في الجسد
أحمد بن حمدون:
وقيل: محمد بن حمدون، بن مغرض بن صالح بن عمر بن خالد بن سويد ابن يحيى بن الكوثر
بن الفرج بن المنذر بن محذور بن سعدين بن مغرض بن عائذ ابن عمرو بن فهم بن تيم
الله بن أسد بن وبره التنوخي، أبو الحسين وقيل أبو الحسن، وقيل فيه: أحمد بن محمد،
عوض حمدون، ويعرف بالقنوع المعري، شاعر من أهل معرة النعمان، حسن الشعر، روى عنه
شيئا من شعره أبو يعلى محمد بن الحسن البصري، وابراهيم بن أحمد بن الليث الآذري
الكاتب؛ وقيل: إنما لقب بالقنوع لأنه قال: قد قنعت من الدنيا بكسرة وكسوة.
وقال ابراهيم الآذري في ذكره: إنه رضي من دنياه بسد الجوع ولبس المرقوع، ولهذا لقب
بالقنوع.
قرأت في مراثي بني المهذب، في مرثية أبي عبد الله الحسين بن اسماعيل بن جعفر بن
علي ابن المهذب، وقال أبو الحسين أحمد بن حمدون القنوع يرثيه:
أما وذهاب الحزن في كل مذهب ... وروعات قلبٍ ذاهل غير قلّب
لقد شغلتني عن رزية واحدي ... رزية أهل الفضل آل المهذب
فحتى متى يا دهر لست بمعتبي ... وفيم على ما فات منك تعتبي
تصبرت حتى عيل صبري وأخلقت ... قوي جلدي في موطني وتغربي
ولي عبرات عبرت عن ضمائري ... بألسن دمعٍ ترجمت عن تلهّبي
فلله أنفاسٌ علت في تصعد ... وأدمع أجفانٍ هوت في تصوّب
وسنذكر في كل حرف ما سمي به، ونورد من شعره في ذلك الحرف ما نسب إلى ذلك الاسم،
والذي يترجح عندي أن اسمه محمد بن حمدون لان الأكثر عليه، والله أعلم.
أحمد بن حمدون البالسي:
حدث....
روى عنه الفقيه أبو شاكر عثمان بن محمد بن الحجاج بن رزام البزاز النيسابوري.
أحمد بن حمدويه بن موسى:
أبو
حامد المؤذن النيسابوري، كان من الصلحاء الراغبين في عمل الخير وقدم طرسوس مجاهدا
في سبيل الله عز وجل، وأقام بها مرابطا ثلاث سنين.
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن عمر بن علي بن الخضر، وعبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر
قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر أن أبوي بكر البيهقي
والحيري، وأبوي عثمان الصابوني والبحتري كتبوا إليه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن
عبد الله الحافظ قال: أحمد بن حمدويه بن موسى النيسابوري أبو حامد المؤذن الفامي
بباب عزرة.
وكان من أعيان الصالحين جاور بمكة خمس سنين، وبطرسوس ثلاث سنين، وكان كثير الحج
والجهاد والاحسان إلى أكابر العلماء، بلغني أن أبا بكر محمد بن اسحق بن خزيمة كان
لا يخلو من مال لاحمد بن حمدويه قرضا عليه، وكان يفرق بمكة ونيسابور.
سمع بنيسابور ابراهيم بن عبد الله السعدي، ومحمد بن عبد الوهاب، وقطن بن ابراهيم،
ومحمد بن يزيد، وبالري أبا حاتم وطبقته، وببغداد أبا قلابة وطبقته، والكوفة أحمد
بن حازم بن أبي غرزة وطبقته، وبالحجاز محمد بن اسماعيل بن سالم، وابن أبي مسرة
وطبقتهما، وبالبصرة أبا داود السجستاني وطبقته.
روى عنه: أبو سعيد بن أبي عثمان، وابنه أبو سعيد، وأبو الطيب المذكر وغيرهم.
وقال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي حامد يقول: توفي أبي رحمه الله في
جمادي الآخرة سنة خمس عشرة وثلاثمائة، وصلى عليه أبو عمرو الحيري، ودفن في مقبرة
الحسين بن معاذ.
من اسم أبيه حمزة من الأحمدين
أحمد بن حمزة بن الحسين بن الشام الحلبي:
أصله من طرابلس، وسكن حلب فنسب إليها، وكان أديبا فاضلا متقنا، له خط حسن على غاية
ما يكون من الضبط والاتقان، وهو من بيت مشهور بالفضل والأدب، وكان جدهم يعرف
بالشام يده، فاختصر بعد ذلك، وقيل الشام.
قال لي ياقوت بن عبد الله الحموي: رأيت بخطه نسخة من شعر المتنبي نسخه بمصر في سنة
ثمان وخمسمائة، وله عليه نكت حسنة من كلامه تدل على علمه وفضله، وذكر أنه نقله من
نسخة بخط أبي بكر محمد بن هاشم الخالدي.
أحمد بن حمزة بن حماد:
أبو الفضل، شاعر كان بمعرة النعمان، وقفت له على أبيات يرثي بها أبا العلاء أحمد
بن عبد الله بن سليمان، وعلى أبيات يرثي بها أبا طاهر حامد بن جعفر بن المهذب،
فأما مرثيته في أبي العلاء فإنني وقفت عليها في جزء وقع إلي بخط بعض المعريين، جمع
فيه ما رثي به أبو العلاء حين مات، وأورد فيه لأحمد ابن حمزة بن حماد:
لعظيم هذا الرز حار لساني ... ونأى وخان لما أجن جناني
هدم الردى من كان يبني جاهدا ... مجداً لأهل معرة النعمان
أترى يد الدنيا تجود بمثله ... هيهات ليس يرى له من ثان
شرف العلوم وتاج أرباب العلى ... كنف العديم ومعدن الاحسان
أسفي عليه مجدد ما ينقضي ... أو ينقضي عمري ووقت زماني
ما كنت أدري قبل ميتة أحمد ... أن البحار تلف في الأكفان
حتى رأيت أبا العلاء موسدا ... فرويت ذاك رواية بعيان
لله ما يحوي الثرى من جسمه ... ويضم من شرفٍ بغير بنان
فخر لو أن الفخر ينطق لانبرى ... منه التفاخر ناطقا ببيان
إني وإن أوردت معنى حازه ... علمي لقد خلفت فيه معاني
يا موت أنت سقيتني كأس الردى ... وملأت قلبي غلّة الأحزان
وقصدت سيدنا فأمس ثاويا ... ما بيننا فهو البعيد الداني
وأما مرثية أبي طاهر بن المهذب فإنني قرأتها في جزء يتضمن مراثي بني المهذب
المعريين حمله إلي بعضهم فنقلت منه قوله:
جسمي من الوجد الدخيل نحيل ... وكذا الفؤاد متيم معلول
لي مقلة لا ينقضي هملانها ... وجوى على مر الزمان طويل
ذهب الذي قد زال صبري بعده ... عني وحزني ما أراه يزول
قد كنت أرجو أن يفادي ميت ... ويكون منه لدى الحمام بديل
فأكون أول باذلٍ نفسي له ... لو كان لي فيما أروم سبيل
آل المهذب قد عرتكم نكبة ... والصبر عند النائبات جميل
فقد
الرئيس وليس يوجد مثله ... طول الزمان لأن ذاك قليل
هو ماجدٌ من أهل بيتٍ طاهرٍ ... وفواضلٍ فيساره مبذول
قد عاش ذا دعةٍ لأهل وداده ... ولحاسديه صارمٌ مصقول
توفي هذا الشاعر في سنة تسع وأربعين وأربعمائة أو بعدها، فإنه رثى أبا العلاء في
هذا التاريخ.
أحمد بن حمزة بن سويد المعري:
شاعر آخر كان بمعرة النعمان، ظفرت من شعره بأبيات وقعت إلي أيضاً في الجزء الذي
حمل إلي في مراثي بني المهذب، يرثي بها أبا الفضل عامر بن شهاب وأبا اليسر عبد
الجبار بن محمد بن المهذب وهي:
يعارض وجداً في الحشا عارض الفكر ... فينهّل دمع العين مني ولا أدري
وأرفل في ثوب الكآبة كلما ... تذكرت فقدي عامراً وأبا اليسر
تقيّين حازا كل فخر وسؤددٍ ... فمجدهما عال على الأنجم الزهر
وفيّين كانا زاهدين تورعاً ... فقد أمنا من كلفة الاثم والوزر
وما حيلة المشتاق فيمن يوّده ... إذا غيّبوه عنه في ظلمة القبر
وقد رمت صبراً عنهما فوجدته ... أمرّ مذاقاً من مساوغة الصّبر
لقد ألبسا جسمي الصّبابه والضنا ... وقد حملاني الحزن وقرأ على وقن
سأبكيهما ما عشت دمعاً فإن ونت ... دموعي عن التسكاب بكيّت بالشعر
أحمد بن حمزة بن عبيد الله:
وقيل عبد الله، أبو نصر الأسدي الملقب بالمهند، ويعرف بابن الخيشي الحلبي الشاعر،
شاعر مجيد، جزل الألفاظ حسن المعاني، أصله من خلاط، وأقام بحلب فنسب إليها، روى
عنه شيئاً من شعره أبو عبد الله بن الخياط الشاعر، وأبو الفوارس حمدان بن عبد
الرحيم التميمي، وكان قد أنزله حمدان حمدان عنده بداره بالأثارب، فأقام ابن الخيشي
عنده بها أشهراً.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بدمشق قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي
بن الحسن الحافظ قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن المحسن بن أحمد الملحي لفظاً
قال: أنشدني أيضاً - يعني حمدان بن عبد الرحيم - لأبي الخيشي من قصيدة إلى سلطان
الأمراء يستهدي منه مملوكاً.
وما ثلاثون ديناراً تحوز بها ... شكري وعندك نزرٌ ألف دينار
غدا يسوّد نبت الشّعر عارضة ... وعارض المجد مبيضٌ بأشعاري
وقرأت في شرح خطبة ديون شعر أبي القاسم بن أفلح الشاعر وهو الشارح لها لابن الخيشي
الحلبي.
عقبان روع والسروج وكورها ... وليوث حربٍ والقنا آجام
وبدورتمّ والترائك في الوغى ... هالاتها والسابّري غمام
جادوا بممنوع التلاد وجّودوا ... ضرباً تجدّ به الطلى والهام
وتحاورت أسيافهم وجيادهم ... فالأرض تمطر والسماء تغام
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي عن أبي عبد الله محمد بن نصر بن
صغير القيسراني قال: قال أبو عبد الله بن الخياط: رأيت الأمير ابن المهند أبا نصر
أحمد بن حمزة الخيشي بطرابلس، وكنا نجتمع على الطريق وكان يتشوق إلي أبداً،
واجتمعنا يوماً في أوائل شهر رمضان فعرض علي الإفطار عنده فامتنعت، فلم يراجعني،
وافترقنا، وأتبعني غلامه وأنا لا أعلم، فعرف البيت ورصدني إلى حين خروجي فخالفني
إليه فغش القفل، ونقل جميع ما فيه إلى بيت مولاه، فلما انصرفت عشاء وعاينت بيتي
ظننت أني سرقت، وإذا الأمير الخيشي قد وافاني يضحك، فعلمت أنه صاحب القصة، وما برح
حتى انصرفت معه، فأقمت عنده الشهر كله.
قال أبو عبد الله: ورأيته في هذا الشهر وقد بيض سبعاً وعشرين قصيدة لجماعة من
الطرابلسيين وصار إليه منهم نحو مائتي دينار، فعرض علي القسمة فما فعلت، ولم يحصل
لي أنا شيء.
قال القيسراني وكان أبو عبد الله يروي له أشعاراً جيدة منها القطعة التي عملها في
ابن الأحمر:
هو البيين لا أشكو الصبابة لولاه ... ........
قال: وكان أبو عبد الله يستجيدها ويعجب من قوله فيها في صفة الطبيب. قال: وسمعته
يوماً ينشد:
لا تخدعنّ الأماني بالمواعيد ... وكلفّ العزم رمي البيد بالبيد
فالجد
ما صافحت بالمدلجين بها ... أيدي النجائب هامات القراديد
فقلت: لمن هذا؟ فقال: للخيشي يمدح بها نصر بن محمود يقول فيها:
صاحت بهام العدى والضرب يحرسهم ... نصر من الله يا نصر بن محمود
نقلت من خط أبي المظفر أسامة بن مرشد بن علي منقذ، وأخبرنا به أبو الحسن محمد بن
أحمد ابن علي عنه، إجازة، قال: ومن شعراء الشام الأمير المهند أبو نصر أحمد بن
عبيد الله الأسدي المعروف بالخيشي، وهو شاعر مجيد عجيب الاسلوب، طويل النفس، يخرج
من حسن إلى حسن، وكان يبسط لسانه بالهجو سراً، ويترفع عنه ظاهراً؛ فمن شعره يمدح
ضياء الدولة أبا علي حسن بن منيع قصيدة أولها:
كم بين غيطل في الهوى ومعان ... من أربع أشتاقها ومغاني
فارقتها والقلب في قرصاتها ... مستوطنٌ فأنا البعيد الدّاني
لولا غرام لي جريت بحكمها ... لثنى إليها الاشتياق عناني
عجباً لصبري واشتياقي كلما ... اعتلجا بقلبي كيف يتفقان
إني لأنأى مرغماً وكذاك من ... لا يبلغ الأوطار في الأوطان
وأصد عن شرب النمير على الظما ... والذلّ فيه تعلة الظمآن
لا خير في أرض ولا قوم معاً ... لا يعرفون بها شريف مكان
ومنها:
وإذا الرجال غدت عليّ قلوبهم ... قلباً تفيض بجمة الأضغان
وليت أطراف العوالي متحها ... في نزحها عوضاً من الأشطان
إن لم أجشمها الخطار فلا عصت ... يمناي يوم كريهةٍ بيماني
أصبحت في الأقوام أحسب شاعراً ... يا فضل قد بالغت في نقصاني
أعلى السؤال معولي يا سنةً ... شانت علاي ولم يكن من شاني
لا رزق إلا بالصوارم والقنا ... عندي وبعض الرزق كالحرمان
أعززت بالآداب نفساً مرةً ... فعلام أعرضها بسوق هوان
ولقد صدفت عن القوافي برهةٍ ... وأرحت منها خاطري ولساني
حتى تعرض لي ضياء الدولة ال ... عظمى بغامر فضله فثناني
وعلا على عنق القريض نواله ... متغطرساً فانقاد بعد حران
هكذا ذكره أسامه ونسبه إلى جده عبيد الله وأسقط ذكر أبيه حمزة.
وذكره.... ابن الزبير في كتاب جنان الجنان وقال: شاعر مجيد من شعره:
هذا الحمى وكناس الغيد والبان ... فاستوقف الركب واسأل أيةً بانوا
عسى حمائمه يعلمن من خبر ... أو عندهنّ لسر الدّمع إعلان
أشبهننا فوق أكوار المطي وقد ... مات بهن من الأشجار أغصان
وما شجا القلب تغريد سجعن به ... إلا ونمت صباباتٌ وأشجان
إذا هتفن بأطراف الغصون ضحىً ... هاجت لنا الوجد أوطارٌ وأوطان
وفي الهوادج أقمارٌ تضمنها ... مثل النواظر تحويهن أجفان
تألفت لتلاف الصبّ واختلفت ... منها بدور وأغصان وكثبان
وفي رحالهم قلبٌ تقسمه ... بالبغض والحب آسادٌ وغزلان
ما زال يطمعني منهم ويوئسني ... ظبي غريرٌ وباغي الغرم غيران
إن قلت إن شبابي قد مضى وأنا ... كما عهدت إلي ظمياء ظمآن
فكم بنعمي شبيب شبّ من هرمٍ ... وكم صد بأبي الريان ريان
كأنه وكأنّ الأعوجي إذا ... رمى به الروع ضرغامٌ وسرحان
ملء النواظر والراحات من يده ... ووجهه للندى حسنٌ واحسان
وقال:
أيا من يستحلّ دمي ... ويظهر للورى ورعا
أما ترثي لمكتئبٍ ... نقضت عهوده ورعا
وكان حمامه بكم ... ومبدأ حبكم ولعا
فقل لفتىً تعثر في ... هواك سلامةً ولعا
قال: وكتب إلى الأمير سديد الملك، يعني أبا الحسن بن منقذ.
إني وحقك في طرابلس كما ... تهوى العدى تحت المقيم المقعد
أما المحرم قد حرمت نجازماً ... وعدوا وفي صفر فقد صفرت يدي
قالت
لي العلياء لما أن سقو ... ني كاس مطلهم سكرت فعربد
قرأت بخط أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ، وأخبرنا به أبو الحسن محمد ابن أحمد بن
علي إجازة عنه قال: كتب عبد الله بن الدويدة المعري إلى جدي سديد الملك أبي الحسن
علي بن مقلد بن نصر بن منقذ وقد وفد عليه ابن الخيشي الشاعر:
يا عليّ بن منقذٍ يا هماماً ... حين يدعى الوغي يعدّ بجيش
قد أتاك الخيشي في وسط آبٍ ... بقريضٍ يغنيك عن بيت خيش
أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة الهروي:
أبو اسماعيل الحداد الصوفي المعروف بعمويه شيخ الصوفية بهراة.
أحمد بن حميدان الرماني:
أبو القاسم، له كلام حسن في الحقيقة وطريقة الصوفية.
روى عنه أبو الفرج هبة الله بن سهل، وقدم حلب في أيام سيف الدولة أبي الحسن علي بن
حمدان، وحضر عنده وفاوضه في شيء.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أبي طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي قال: أخبرنا
الحافظ أبو موسى محمد أبي بكر بن أحمد المديني إجازة قال: أخبرنا عبد الله بن محمد
بن عمر الإمام قال: أخبرنا أبو مسعود بن أبي القاسم قال: أخبرنا أبو سعد الماليني
إجازة قال سمعت أبا الفرج هبة الله بن سهل يقول: سمعت أبا القاسم أحمد بن حميدان
الرماني يقول: دخلت حلب فأحضرت بين يدي سيف الدولة فقال لي: بما تدخل في الصلاة؟
فقلت على مذهبنا أو مذهبكم؟ فقال: وايش مذهبنا ومذهبكم؟ فقلت: أما على مذهبكم
فتدخل بفرضين وسنة التكبير فرضاه، ورفع اليدين عند التكبير سنة، وأما على مذهبنا
فالدخول بالله والخروج بالله عز وجل.
ذكر حرف الخاء في آباء الأحمدين
من اسم أبيه خالد
أحمد بن خالد المزني الحلبي:
حدث عن مبشر بن اسماعيل الحلبي، روى عنه سليمان بن عبد الحميد البهراني.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب، وسمعت منه بدمشق، قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن
المظفر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله بن مندة قال:
أحمد بن خالد المزني من أهل حلب؛ سمع مبشر بن اسماعيل؛ روى عنه سليمان بن عبد
الحميد البهراني.
أحمد بن خالد الدامغاني:
أبو العباس، نزيل نيسابور، كان رحالا، واسع الرحلة، دخل الشام، وسمع بتل منس من
ناحية حلب المسيب بن واضح السلمي.
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن عمر بن علي بن الخضر، وعبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر
الغزال قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني ببغداد قال: أخبرنا زاهر بن طاهر أن أبوي
عثمان الصابوني والبحتري، وأبوي بكر البيهقي والحيري كتبوا إليه: أخبرنا أبو عبد
الله الحاكم قال: أحمد بن خالد أبو العباس الدامغاني نزيل نيسابور، شيخ ثقة، كثير
الرحلة، سكن نيسابور وتوفي بها، سمع ببغداد داوود بن رشيد، وعبيد الله بن عمر القواريري
وغيرهما، وبالبصرة نصر بن علي، وعمر بن علي وأقرانهما؛ وبالكوفة أبا كريب وأقرانه،
وبالحجاز أبا منصور الزهري ويعقوب بن حميد، وبمصر الحارث بن مسكين، وأبا الطاهر،
وعيسى بن حماد، وأبا الربيع الرشيدي وغيرهم؛ وبالشام محمد بن المصفى، والمسيب بن
واضح، وهشام بن عمار، ودحيم بن اليتيم، روى عنه أبو العباس الكوكبي، وأبو حامد بن
الشرقي، وأبو بكر بن علي، وأبو عبد الله بن يعقوب، وهم حفاظ بلدنا.
قال أبو عبد الله الحافظ: أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد الله عن أبيه قال: توفي
أحمد بن خالد الدامغاني بنيسابور سنة ثمان وثمانين ومائتين.
من أفراد حرف الخاء في آباء الأحمدين
أحمد بن الخصيب بن عبد الرحمن:
نزيل طرسوس؛ حدث عن محمد بن عمرو بن جبلة، وأحمد بن محمد بن حنبل، وصحبه وأخذ عنه
الفقه؛ روى عنه أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم، وكان فقيها تصدر
بطرسوس، وكان له حلقة فقه بها.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله، إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا
مسعود بن أبي منصور الجمال قال: أخبرنا الحسن بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد
بن عبد الله الحافظ قال: أحمد بن الخصيب، سكن طرسوس.
حدثنا
أبو محمد بن الحجاج قال: حدثنا أبو عمرو بن حكيم قال: حدثنا أحمد بن الخصيب بطرسوس
قال: حدثنا محمد بن عمر بن جبلة قال: حدثنا أبو الحواب عمار بن رزيق عن الأعمش عن
أبي اسحق عن أبي أسماء عن أنس بن مالك قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
لبيك بحجة وعمرة معاً.
أنبأنا أبو الحجاج يوسف قال: أخبرنا أبو محمد فارس بن أبي القاسم بن فارس الحربي
قال: أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء
قال: أحمد بن الخصيب بن عبد الرحمن، ذكره أبو بكر الخلال، فقال: مشهور بطرسوس، كان
له حلقة فقه، ورئيس قومه، نقل عن إمامنا مسائل جياداً.
أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاووس:
أبو المعالي بن أبي طالب بن أبي محمد بن أبي البركات الدمشقي، شيخ حسن صحيح السماع
ثقة، سمع والده الخضر بن هبة الله بن أحمد، وأبا يعلي بن كروس سمعت عليه الأربعين
حديثا التي جمعها نصر بن ابراهيم المقدسي بروايته لها عن أبي يعلي بن كروس عن
الفقيه نصر، وسألته عن مولده فقال: تقديرا بعد الأربعين وخمسمائة، فإنني في عشر
الثمانين، وكان سؤالي إياه في شوال سنة ثلاث وعشرين وستمائة بدمشق، قال لي: ودخلت
حلب وأقمت بها مدة، وهو من بيت مشهور بدمشق، خرج منه جماع من أهل الحديث.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس قال: أخبرنا أبو
يعلى حمزة بن أحمد بن فارس السلمي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا الإمام أبو
الفتح نصر بن ابراهيم بن نصر المقدسي بقراءته علينا من لفظه بدمشق قال: أخبرنا أبو
القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد السراج بدمشق قال: حدثنا أبو الحسن محمد
بن جعفر بن السقاء بحلب قال: حدثنا محمد بن معاذ بن هشام قال: حدثنا محمد بن كثير
قال: حدثنا مسلم بن ابراهيم الفراهيدي قال: حدثنا هشام وأبان قالا: حدثنا يحيى عن
أبي جعفر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات لا شك فيهن،
دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم، قال أبان: دعوة الوالد على ولده.
أخبرنا أبو المعالي قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس قال: أخبرنا أبو
الفتح الفقيه قال: أخبرنا عبد الله بن عمر قال: أخبرنا أبو الفتح - هو - الفرغاني
قال: سمعت أبا القاسم المفسر يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن علي ابن الطيان القمي
يقول: قال سالم خادم ذي النون المصري: قال ذو النون: رأيت مجنونا أسود في بعض
البوادي كلما ذكر الله عز وجل أبيض، فسمعته يقول، وقد سألته: لم لا تأنسن بالناي؟
فقال:
أنست به فما أبغي سواه ... مخافة أن أضل فلا أراه
وحسبك حسرةً وضناً وسقما ... يصادر عن موارد أولياه
أخبرني جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمود الصابوني أن شيخنا أبا
المعاني أحمد بن الخضر بن طاووس توفي بدمشق في رابع شهر رمضان من سنة خمس وعشرين
وستمائة.
أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في ذكر من مات في سنة
خمس وعشرين وستمائة: وفي شهر رمضان توفي الشيخ الأجل أبو المعالي بن الشيخ الأجل
أبي البركات أحمد بن عبد الله بن علي بن طاووس بن موسى بن العباس بن طاووس،
البغدادي الأصل الدمشقي المولد والدار، بدمشق سمع من أبي يعلى حمزة بن أحمد بن
فارس بن كروس السلمي، وغالب ظني أنني لقيته ببلبيس، ولم يتفق لي السماع منه، ولنا
منه اجازة، وهو من بيت الحديث.
أحمد بن الخطاب السميساطي:
من أهل سميساط من الثغور الجزرية على شاطىء الفرات، وقد ذكرناه.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر قال: أخبرنا
أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله محمد ابن مندة
قال: أحمد بن الخطاب من أهل سميساط؛ حدث عن العلاء ابن هلال، روى عنه ابن قتيبة.
أحمد بن خلد:
أبو العباس المعروف بابن حياة أمها، رجل أديب فاضل، قرأ بحلب على أبي عبد الله
الحسين بن خالويه، وتصدر بعده بحلب لافادة علم الأدب، قرأ عليه جماعة من الأدباء
بها، ورأيته مضبوطا في بعض الأسانيد التي ظفرت فيها بذكره بفتح الخاء واللام.
أحمد بن خلف بن أحمد بن علي:
أبو
العباس المعري، المعروف بالممتع، أديب شاعر فاضل كان مقيما بحلب في أيام بني مرداس
الكلابيين، وهو شاعر حسن الشعر، سمع الحديث بحلب من الشيخ أبي عبيد الله بن عبد
السلام بن أبي نمير العابد، ومن أبي الحسن علي بن محمد بن الطيوري، وبمعرة النعمان
من الشيخ أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن ابن سليمان، وحدث بمعرة النعمان عن أبي
الحسين محمد بن أحمد الرقي الصوفي.
روى عنه أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان، وخرج عنه حديثا في معجم شيوخه،
وذكره أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان في رسالة الغفران التي أجاب بها علي
بن منصور الحلبي المعروف بدوخلة فقال: وسيدي الشيخ أبو العباس الممتع أدام الله
عزه: في السن ولد، وفي المودة أخ، وفي فضله جد أو أب، وإنه في أدبه لكما قال
تعالى: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " .
وإياه عنى أبو يعلى عبد الباقي بن أبي حصين بقوله في أبيات كتبها إلى تلميذه أبي
اليمن محمد بن الخضر المعروف بالسابق بن أبي مهزول المعري، ونقلته من خط الشيخ أبي
الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي:
أيها السابق الذي سبق النا ... س إلى المعجزات يوم الرّهان
ذهب الممتع الأديب وخلاّ ... ك أباه تجلو غريب المعاني
لأن أبا الممتع اسمه خلف، فقال: ذهب الممتع وخلاك خلفاً من بعده.
كتبت إلينا زينب بنت عبد الرحمن الشعري من نيسابور أن أبا القاسم محمود ابن عمر
الزمخشري أخبرها إجازة، وقرأته بخطه في معجم أبي سعد السمان في الكتب الموقوفة في
مشهد أبي حنيفة رضي الله عنه، ظاهر بغداد، قال: حدثني الاستاذ أبو الحسن علي بن
الحسين بن مردك قال: أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد اسماعيل بن علي بن الحسين
السمان اجازة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن خلف الممتع بقراءتي عليه بمعرة
النعمان قال: حدثنا أبو الحسين محمد أحمد الرقي الصوفي قال: حدثنا أبو هاشم محمد بن
أحمد بن سنان بالموصل قال: حدثنا جدي قال: حدثنا عبد الله بن أيوب بن أبي علاج
قال: حدثنا أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قيل
يا رسول الله: ما منتهى العلم الذي إذا علمه العبد كان عالما؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ومن حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينهم بعثه الله يوم
القيامة فقيها عالما.
وقع إلي جزء بخط بعض المعريين يتضمن مراثي أبي العلاء أحمد بن عبد الله ابن سليمان
فقرأت فيه لأحمد بن خلف الممتع يرثيه:
قبرٌ تضمن شخص العالم العلم ... يجلّ عن لامسٍ أو لاثمٍ بفم
جادت عليه غوادي الدمع واتصلت ... بها السواري فأغنته عن الديم
وآلت الشمس لا تفنك كاسفةً ... فسوّدت غرر الأيام بالظّلم
فلو تكون على هاماتنا لمماً ... لما ألمّ بياض الشيب باللمم
نبغي السرور من الدنيا وقد قدرت ... بها الهموم على الأقدار والهمم
وما تزال بنا الآمال مائلةً ... إلى المطامع في وجدٍ وفي عدم
إذا الشبيبة بانت عن أخي أربٍ ... فلا مآرب بعد الشيب والهرم
نبكي الأقارب منّا والبكاء على ... نفوسنا واجبٌ إذ نقتدي بهم
فليت ذا الحلم منّا حين نفقده ... مخبرٌ بالذي يلقاه في الحلم
وليت من بديار الشام منزله ... ليوم رب العلى والمجد لم يشم
في قلب كل يمانٍ نازحٍ ألمٌ ... فلا يلام حليف القرب في الألم
وفي تهامة أحشاءٌ حشين أسى ... وأعينٌ كحلت بالسهد لا التهم
وقاطنون رأوا تحريم أمنهم ... على النفوس وما بانوا عن الحرم
لا ينعمون بحالٍ يظفرون بها ... من الزمان وهم حالون بالنعم
قوم إلى شرف الآباء نسبتهم ... فطيب فرعهم الزاكي بأصلهم
يرون موت ابن عبد الله عندهم ... نظير موت ابن عبد الله جدّهم
وما العراق بمذموم على جذلٍ ... لوصف أكثره بالغدر في الذمم
أبان
صفحة أهل العلم فيه لمن ... رأى التصفح من عرب ومن عجم
وبثّ من علمه كتبا مصححةً ... بها أبان لهم تصحيف كتبهم
وكان أحدث ما أملاه بينهم ... يفوق أفضل ما أملى أولو القدم
فسلمت لسليمان وأسرته ... بنو الأكارم طرف العلم بالكرم
فما يصنّف علمٌ مثل علمهم ... ولا يشرف بيتٌ مثل بيتهم
تميّزوا بخلالٍ لا نظير لها ... مع الجلال جلال الحكم والحكم
وقد تضّمن عبد الله فخرهم ... فليس يوجد فخر مثل فخرهم
يريد أبا محمد عبد الله بن أبي المجد أخي أبي العلاء، وكان قاضي معرة النعمان،
والقصيدة طويلة اقتصرت منها على هذا القدر، وقرأت بعدها في الجزء المذكور، وله فيه
أيضاً:
أيّ بحرٍ ما كان يخشى عبابه ... وبدرّ المحار يزرى حبابه
وطريق إلى العلاء محوبٍ ... بأبيه ما ضله محتابه
يوم أفضى إلى قرار ضريح ... كل جفنٍ عليه تهمى سحابه
ما الخضمّ المحيط إلا الذي يع ... رب فيه عن الأريب ارتيابه
غاض منه ما طبّق الأرض إذ فا ... ض فلم تحم عنه طوداً شعابه
فكأن الزمان لم يبق فيه ... مذ عداة إلتقاء أو لأسرابه
ترب الدهر من وحيد بنيه ... فبعيدٌ بمثله أترابه
وتألت أن لا أتت بنظير ... بعده في صفاته أحقابه
وادعى النقص غاية الفضل إذ لا ... حكمٌ يدرء المحال صوابه
ونأى النازح الغريب الذي كا ... ن إليه نزوحه واغترابه
فعزيزٌ على المحلّ الذي حو ... ول عنه أن يغلق الدهر بابه
ولقد كان لا يخاف إذا آ ... ن أوان الحجاب منه حجابه
ويرى نازلا به كلّ من حي ... ن يروم الركوب يغش ركابه
طالباً منه ما يهون عليه ... وهو مستصعبٌ يعّز طلابه
فكأنّ الملوك تصحب للعز ... زة في كونها لديه صحابة
أدّبتها وهذّبت رأيها الثا ... قب في كلّ مذهبٍ آدابه
كلّ ملكٍ يزينه عنه ما يح ... فظ لا تاجه ولا ألقابه
لا يرّجيهٍ للثواب وإن كا ... ن جزيلاً على العفاة ثوابه
ورعٌ يؤنس الجليس ولا يؤا ... نس منه إذا يغيب اغتيابه
لم يخلّف من طول دنياه ما يح ... سب كيلا يطول فيه حسابه
أتنوخ اعقري الجياد وحطّي ... كلّ عالٍ على السها أطنابه
فلقد راح واغتدى ابن ترابٍ ... بعد حمر القباب سوداً قبابه
وإلى غير ما انتسبت إليه ... من بني يعرب الكرام انتسابه
كل يوم ترون في الحيّ كالحو ... م تراغى قرومه وسقابه
لا تظنيّ حولاً يحول فللقى ... قاضياً للآسي عليه انقضابه
واضربي في البلاد طولاً وعرضاً ... أبداً لن ترى بها أصرابه
غاب عن لدنها السنان فما تح ... دث نفعاً بعد السنان كعابه
وتعرّي من المعرّة إذ كا ... ن ذهاب الجمال عنها ذهابه
أو أقيمي بها فأكثر أسبا ... ب علاها وفخرها أسبابه
منها:
بان منيّ من كان يكثر عني ... في الخطوب التيّ تنوب منابه
إن قضى نحبه فإني من لا ... ينقضي أو إليه يفضي انتحابه
وقليلٌ لذي الكآبة والوج ... د عليه بكاؤه واكتئابه
فوشى قبره الربيع ولا زا ... ل مرّباً على ثراه ربابه
أحمد بن خليد بن يزيد بن عبد الله الحلبي:
أبو
عبد الله الكندي، سمع بحلب زهير بن عباد الرواسي، وأبا نعيم عبيد بن هشام الحلبي،
ومحمد بن أبي أسامة الحلبي، وعبيد بن جناد الحلبي القاضي، وأبا توبة الربيع بن
نافع الحلبي، وبالثغور محمد بن عيسى الطباع، وإبراهيم بن مهد المصيصي، وإسحق بن
عبد الله الأذني التميمي، وعبد الله بن السري الأنطاكي، وسعيد بن رحمة، وعبد
الرحيم بن مطرف السروجي، وبدمشق عبد الله بن يزيد بن راشد الدمشقي، وبحمص أبا
اليمان الحكم بن نافع، وعبد الله بن جعفر الرقي، وبالحجاز عبد الله بن الزبير
الحميدي، واسماعيل بن أبي أويس، وبالعراق أبا نعيم الفضل بن دكين، وحدث بحلب عنهم،
وعن محمد بن معاوية النيسابوري، وأبي الحسين يوسف بن يونس الأفطس.
روى عنه أبو جعفر أحمد بن اسحق بن يزيد قاضي حلب، وأبو بكر محمد ابن الحسين بن
صالح السبيعي الحلبيان، وأبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف بن بريد الكوفي، وأبو الحسن
علي بن أحمد بن علي المصيصي، وأبو بكر أحمد ابن مروان المالكي، وأبو القاسم سليمان
بن أحمد بن أيوب الطبراني، وأبو عبد الله عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي
بالله، وعمر بن محمد بن سليمان العطار نزيل مصر، وأبو زرعة أحمد بن شبيب الصوري،
وأبو عبد الله أحمد بن جعفر بن أحمد الحاضري الحلبي وأبو بكر محمد بن بركة برداعس
القنسري، وأحمد بن سعيد بن أم سعيد.
حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن هلالة الأندلسي قال: أخبرنا أسعد بن أبي سعيد
الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية.
وأخبرنا يوسف بن خليل بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن معمر
بن عبد الواحد ابن الفاخر الأصبهاني بها قال: أخبرتنا خجسته بنت علي بن أبي ذر
الصالحانية، وفاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية، قالتا:
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة الضبي قال: أخبرنا الإمام أبو القاسم
سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال حدثنا أحمد بن خليد الحلبي أبو عبد الله بحلب
سنة ثمان وسبعين ومائتين.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمود بن عبد الله بن محمد بن يوسف الملثم بالقاهرة
قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن سعود البوصيري قال: أخبرنا أبو الحسن
علي بن الحسن بن عمر الموصلي الفراء.
قال لنا أبو عبد الله: وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي قال: أخبرنا أبو
الحسن الفراء إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن بن اسماعيل الضراب
قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال: حدثنا أحمد بن
خليد الكندي قال: حدثنا يوسف بن الأفطس أخو أبي مسلم المستلمي قال: حدثنا سليمان
بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: إذا كان يوم القيامة دعا الله عز وجل عبداً من عبيده فيوقف بين يديه فيسأله
عن جاهه كما يسأله عن ماله.
قال أبو القاسم الطبراني: لم يروه عن عبد الله بن دينار إلا سليمان بن بلال تفرد
به يوسف بن يونس.
أنبأنا تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي
بن الحسن الدمشقي قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي ابن أبي العلاء قال: حدثنا
أبو بكر الخطيب قال: حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي أن أبا الحسن
الدارقطني ذكر هذا الحديث، يعني حديث الجاه فقال: يوسف بن يونس الأفطس ثقة، وهو
أخو أبي مسلم المستملي، وأحمد بن خليد ثقة أيضاً.
قال أبو الحسن الدارقطني، وحدثني الحسن بن أحمد بن صالح الحافظ الحلبي أن هذا
الحديث كان في كتاب أحمد بن خليد عن يوسف بن يونس عن سليمان بن بلال عن عبد الله
بن دينار عن ابن عمر وقد درس متنه ودرس اسناد الحديث الذي بعده، وبعده هذا الكلام
فكتبه بعض الوراقين عنه، وألزق اسناد حديث سليمان بن بلال إلى هذا المتن.
حدثنا
يحيى بن عقيل بن شريف بن رفاعة بن غدير السعدي قال: أخبرني جدي لأمي وهو عم أبي أو
محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي قال: أخبرنا أبو الحسن الخلعي قال: أخبرنا
أبو العباس الاشبيلي، قال: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن اسحق قال: حدثنا أحمد بن خليد
بن يزيد الحلبي قال: حدثنا محمد بن معاوية النيسابوري قال: حدثنا الوليد بن بكير
عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وصلوا
الذي بينكم وبين ربكم بكثرة الصوم والصلاة تؤجروا وتجبروا وترزقوا وتنصروا.
وذكر أبو حاتم محمد بن حيان البستي في تاريخ الثقات في الطبقة الرابعة قال: أحمد
بن خليد أبو عبد الله الحلبي، يروي عن أبي اليمان، وقد سمع أبو اليمان صفوان بن
عمرو وحريز بن عثمان وقدرويا جميعا عن عبد الله بن بسر، مات بعد الثمانين.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر
قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد
الله بن مندة قال: أحمد بن خليد الحلبي حدث عن أبي نعيم مات بعد الثمانين.
أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي في كتابه إلينا قال:
أخبرنا رجاء بن حامد بن رجاء البعداني عن أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد
العميري قال: أخبرنا أبو يعقوب اسحق ابن ابراهيم القراب قال: سمعت منصور ابن عبد
الله يقول: سمعت علي بن محمود بن داود بن أبي الفهم القاضي التنوخي يقول: توفي
أحمد بن خليد بن يزيد الكندي سنة تسع وثمانية ومائتين.
من اسم أبيه خليفة من الأحمدين
أحمد بن خليفة الحلبي:
حدث.... روى عنه أبو العباس أحمد بن جعفر بن نصر الجمال الرازي
أحمد بن خليفة الهراس المقرىء:
امام جامع معرة النعمان، كان مقرئا صالحا مرضي الطريقة محمود السيرة.
قرأت قي تاريخ أبي غالب همام بن المهذب وفيها - يعني سنة ست وعشرين وأربعمائة -
توفي أبو القاسم علي بن عبد الله بن الحسن بن عبد الملك الطبيب المعروف بالمنجم
إمام المسجد الجامع بالمعرة، وقدم بعده أحمد بن خليفة الهراس، وكان صالحا محمودا
يقرأ للسبعة روايات، قال: وفيها - يعني سنة ثلاثين - توفي أحمد بن خليفة امام
الجامع بمعرة النعمان، وقدم ولده خليفة.
أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى الشافعي أبو العباس الخويي:
القاضي، فقيه فاضل حسن الصورة كامل الأوصاف، قدم علينا حلب، وتولى بها الإعادة
بالمدرسة السيفية ومدرسها إذ ذاك القاضي زين الدين أبو ذر عبد الله ابن شيخنا عبد
الرحمن بن علوان، وسمع بحلب جماعة من شيوخنا مثل قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن
رافع بن تميم، وأبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي وغيرهما.
وأقام بها مدة ثم سار منها إلى دمشق، وحضر مجلس الملك المعظم عيسى بن الملك العادل
صاحبها فأعجبه كلامه، ونفق عليه وارتفعت حاله عنده إلى أن ولاه القضاء بدمشق
والتدريس بالمدرسة العادلية، فسلك أحسن المسالك والطرق في القضاء، ولازم العفة
والصلاح، وحمدت طريقته، وشكرت سيرته، ولم تزل منزلته ومرتبته ترتفع إلى أن مات
الملك المعظم عيسى، وولي ابنه صلاح الدين داود دمشق فاستمر في القضاء على حاله،
إلا أن داود بن عيسى ولى القضاء أيضاً معه القاضي محي الدين يحيى بن محي الدين
محمد بن الزكي، ونزل الملك الكامل محمد والملك الأشرف موسى على دمشق وحصراها
وفتحاها، وسلمت إلى الملك الأشرف موسى، فعزل ابن الزكي عن القضاء واستمر شمس الدين
أحمد الخويي على قضاء القضاة في سنة سبع وعشرين وستمائة.
وسمت
نفسه إلى حفظ القرآن العزيز ولم يكن يحفظه، فحدثني جماعة بدمشق أنه ألزم نفسه
بحفظه حتى حفظه جميعه، وكان يقرأه وهو قاضي القضاة على بعض القراء بدمشق، فكان
يجلس بين يديه وهو قاضي القضاة بجامع دمشق كما يجلس التلميذ بين يدي الاستاذ، ثم
إنه رغب عن القضاء ومال إلى الزهد والانقطاع، وطلب من الملك الأشرف إلا قالة من
القضاء، وأن يأذن له في الحج، فأجابه إلى ذلك، وحج إلى بيت الله الحرام، وأرسله
الملك الأشرف في رسالة إلى سلطان الروم كيقباذ بن كيخسرو، فتوجه إليه، واجتاز
علينا بحلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة، ثم انه ولي القضاء بعد ذلك مرة ثانية،
فبقي قاضيا بها، ومرض مرضة بحمى السل، وتولي بدمشق في سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وكنت إذ ذاك رسولا بمصر فبلغتين وفاته وأنا بها، وكان بيني وبينه اجتماع ومخالطة
بحلب ودمشق، وسمع معي بحلب الحديث وكان حسن العشرة حلو العبارة في بحثه، موفقا في
أحكامه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يراعي في أحكامه ذا سلطان لسلطانه ولا ذا
جاه لجاهه، بل يجري على سنن الحق وطريق العدل.
وكان قد سمع بنيسابور المؤيد بن محمد بن علي الطوسي، وحدث عنه بدمشق بشيء يسير،
وصنف عده تصانيف منها كتاب في تفسير سورة الاخلاص، وكتاب في الفرائض وتعليلها
وبيان الحكمة في مقاديرها، وكتاب في النفس.
وأخبرني ولده أنه توفي في السابع من شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وأخبرني جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الصابوني قال: سألت القاضي شمس
الدين الخويي عن مولده، فقال: في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائه بخوي، وذكر غيره في
شوال.
وقرأت بخط عبد العزيز بن عثمان الاربلي: توفي قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس
أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى الخويي يوم السبت سابع شعبان سنة سبع
وثلاثين وستمائة، ودفن من الغد بسفح جبل قاسيون، وولي قضاء دمشق يوم الاثنين سابع
شهر ذي القعدة من سنة خمس وثلاثين وستمائة، يعني الولاية الثانية.
ذكر حرف الدال في آباء الأحمدين
ذكر من اسم أبيه داود
أحمد بن داود بن هلال:
أبو طالب القاضي، قاضي أذنة، حدث بالمصيصة وغيرها عن محمد بن حرب المديني، وأسد بن
محمد الخشاب، روى عنه أبو حاتم محمد بن حبان البستي، وأبو بكر محمد بن الحسن بن
زياد النقاش.
أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الصوفي في كتابه إلينا من هراة
قال: أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس الجرجاني قال: أخبرنا
البحاثي قال: أخبرنا أبو الحسن الزوزني قال قال: أخبرنا أبو حاتم بن حبان قال:
أخبرنا أبو طالب أحمد بن داود بن هلال بالمصيصة قال: حدثنا محمد بن حرب المديني
قال: حدثنا اسحق الفروي عن مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقال نادما بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة.
قال أبو حاتم: ما رواه عن مالك إلا اسحق.
قرأت في كتاب القضاة تأليف الحافظ أبي محمد عبد الغني بن سعيد المصري، من نسخة
منقولة من خطه، قال: أحمد بن داود بن هلال، أبو طالب، قاضي أذنة، روى عن أسد بن
محمد الخشاب حديثا غريبا حدثناه أبو بكر النقاش قال: حدثنا أبو طالب، وسماه أحمد
بن داود بن هلال، قال: حدثنا أسد بن محمد الخشاب قال: حدثنا أبو عثمان الصياد قال:
حدثنا أبو اسحق الفزاري عن الاوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش عن عبد
الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أيام أحب إلى الله عز وجل
العمل فيهن من أيام العشر، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: ولا الجهاد
في سبيل الله عز وجل.
أحمد بن داود المكي:
سمع بحلب محمد بن أبي أسامة الحلبي، روى عنه أبو القاسم الطبراني. أخبرنا يوسف بن
خليل قال: أخبرنا أبو سعيد خليل بن بدر بن ثابت الصوفي قال: أخبرنا أبو علي الحسن
بن أحمد بن الحسن الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن داود المكي قال: حدثنا محمد
بن أبي أسامة الحلبي، وحدثنا أبو أسامة عبد الله بن محمد بن أبي أسامة قال: حدثني
أبي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة عن السري بن يحيى عن عبد الكريم بن رشيد عن ابن
الشخير عن أبيه قال: كنت أسمع للنبي صلى الله عليه وسلم أزيزا بالدعاء وهو ساجد
كأزيز المرجل.
أحمد
بن دبيس الاحصي:
أبو العباس المعروف بابن عادب، شاعر من أهل الأحص، كان بحلب في أيام أتابك زنكي بن
أقسنقر، قرأت له أشعارا بخط الاستاذ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي الحلبي
وأنبأنا بها المؤيد بن محمد بن علي الطوسي عنه. منها:
خاطر فما المجد إلاّ بين أخطار ... وادلج فإن العلى للمدلج الساري
واضرب غواربها في كل مهلكةٍ ... تفز بعزّ مقيم غير سيّار
ولا ترحها فمن بعد الكلال لها ... بالنجع راحة نفّاع وضرّار
وارخ الرواسم أو تدمى المناسم في ... طلاب ثار العلى إن كنت ذا ثار
العجز يفرس أهليه الهوان كما ... أن العلى في قرابيسٍ وأكوار
وإن تطاول حرمانٌ كما اغترضت ... عوائقٌ دون اغراضٍ وايثار
المجد لا يقتضيه الماجدون إذا ... ما اعتاص إلا بماضي الحدبتار
وارم الخطار إلى العلياء مقتحما ... وناجها بعوالي كل خطّار
واصدع جلابيب هذا اللّيل مقتدحاً ... متى ظللت زناد العزمة الواري
ولا ترق لمحبوبٍ تفارقه ... ولا تعرّج على ربعٍ ولا دار
أحمد بن دهقان:
أبو بكر الحافظ، كان يسكن الحدث، مدينة من الثغور قد ذكرناها. في صدر كتابنا هذا،
ودهقان لقب، واسمه الفضل، وإنما ذكرناه هاهنا لأنه جاء في بعض الأسانيد هكذا،
وسنذكر ترجمته في حرف الفاء من آباء الأحمدين إن شاء الله تعالى.
ذكر حرف الذال في آباء الأحمدين
أحمد بن ذكر بن هارون بن إسحق بن إبراهيم البجلي:
أبو العباس، سمع بمعرة النعمان أبو الفتح محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد ابن روح
المعري، وكيل أبي الطيب المتنبي، وحدث عنه بعكا، روى عنه أبو زكريا عبد الرحيم بن
نصر بن الحافظ البخاري.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل إذنا قال: أنبأنا أبو طاهر أحمد
بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف المصري
قال: أخبرنا أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر الحافظ البخاري قال: أخبرنا أبو
العباس أحمد بن ذكر بن هرون بن إسحق بن إبراهيم البجلي بعكا قال: حدثنا أبو الفتح
محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن روح المعري قال: حدثنا عم أبي البهيء ميمون بن
أحمد بن روح قال: حدثنا عبيد بن خلصة قال: حدثنا مالك بن يحيى القلانسي عن يعلى بن
الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه
النابغة، فأنشده شعراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك، قال:
فعاش النابغة عشرين ومائة سنة لم تسقط له سن
أحمد بن ذوالة المصيصي.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر قال: أخبرنا
أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله بن مندة قال:
أحمد بن ذوالة المصيصي حدث عن أحمد بن خالد الوهبي، روى عنه أحمد بن رشدين.
أحمد ذو غباش القائد:
كان من قواد خمارويه بن أحمد بن طولون، وولاه حلب بعد السبعين والمائتين بعد ولاية
محمد بن العباس بن سعيد الكلابي.
وقع إلي جزء بخط أبي منصور هبة الله بن سعد الله بن سعيد بن الجبراني والد شيخنا
تاج الدين أحمد بن هبة الله، يتضمن ذكر ولاة حلب، وكان أديباً وله عناية بالتاريخ.
قال في هذا الكتاب - ونقلته من خطه - : ثم تنقلت الحال بمحمد بن عباس إلى أن ولي
حلب من ابن طولون، ثم ولي حلب بعده ابن ذو غباش، وكان من قواد الطولونية، ثم وليها
بعده محمد بن ديوداد بن أبي الساج.
ويقال فيه أحمد بن يد غباش، وسنذكره إن شاء الله.
ذكر حرف الراء في آباء الأحمدين
أحمد بن راشد بن أبي الحسن:
أبو العباس الديار بكري ثم الحلبي، سكن حلب وأقام بها، وسمع بها جماعة منهم: يوسف
بن محمد بن مقلد الدمشقي، وأبو الفضل محمد ابن يوسف الغزنوي وغيرهما.
وكان رجلاً كيساً، عنده محاضرة ومجالسة، كتب عنه الشريف ادريس بن الحسن الادريسي
فوائد، وأجاز لشيخنا أبي محمد عبد الله بن عمر بن حموية، وحدثنا عنه بتلك الإجازة.
أخبرنا
شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله بن عمر بن حموية بدمشق قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو
العباس أحمد بن راشد بن أبي الحسن في كتابه إلينا من حلب قال: أخبرنا يوسف بن محمد
بن مقلد الدمشقي بحلب في ذي الحجة من سنة سبع وخمسين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو بكر
محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري.
وأخبرنا عاليا تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو
بكر محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا أبو الحسن عل بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني
قال: حدثنا أبو بكر أحمد جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي قال: حدثنا ادريس بن عبد
الكريم المقريء قال: حدثنا خلف بن هشام قال: حدثنا اسماعيل بن عياش بن بحير بن سعد
عن خالد بن معدان عن عقبة بن عامر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الجاهر
بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة.
أحمد بن رستم بن كيلان شاه:
الديلمي الأصل، الدمشقي المولد أبو العباس الشافعي، وكان أبوه يعرف باسباسلار، شيخ
حسن فقيه، أديب، شاعر، ناثر، أمين، ثقة.
قدم حلب، وأقام بها مدة في صحبة أبي محمد طاهر بن جهبل الحلبي المعروف بالمجد،
وتفقه عليه بها، وولاه ابن جهبل وقف المدرسة النورية المعروفة بالنفري، وانتقل ابن
جهبل إلى البيت المقدس، فانتقل في صحبته ولم يفارقه. وأقام بالبيت المقدس بعد
وفاته، وصار من المعدلين بها.
ولم هدم الملك المعظم أسوار البيت المقدس في سنة خمس عشرة وستمائة خرج من البيت
المقدس، وانتقل إلى دمشق وسكنها إلى أن مات.
وكان قد سمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبي العجائز الأزدي،
ومن أبي علي الحسن بن هبة الله بن يحيى المعروف بابن البوقي الواسطي، ومن أبي محمد
القاسم بن علي بن الحسن الحافظ؛ وسمع بمصر من أبي الطاهر اسماعيل بن ياسين
المقريء، وأبي القاسم البوصيري وأبي عبد الله بن حمد الأرتاحي، وفاطمة بنت سعد
الخير، وغيرهم.
إجتمعت به بالبيت المقدس وكتبت عنه الجزء الأول من حديث ابن سختام بروايته عن أبي
الفهم بن أبي العجائز، وجزاً من روايته عن أبي علي بن البوقي، وجزءاً يتضمن عدة
قصائد ومقاطيع من شعره، وخطبة من انشائه.
وأخبرني رفيقنا الحافظ إبراهيم بن الأزهر الصريفيني أن مولد شيخنا أحمد ابن
اسباسلار رستم في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بدمشق.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن اسباسلار رستم بن كيلان شاه الديلمي الدمشقي قال:
أخبرنا أبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبي العجائز الأزدي بجامع دمشق قال:
أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن ابراهيم الحنائي قال: قرىء على أبي
الحسن علي بن ابراهيم بن نصرويه بن سختام الفقيه السمرقندي، قدم علينا دمشق طالباً
للحد فأقر به، قيل له: حدثكم الشيخ والدك أبو اسحق إبراهيم بن نصرويه بن سختام بن
هرثمة بن اسحق بن عبد الله قال: حدثنا أبو علي محمد بن محمد بن محمد بن الحارث
الحافظ عن علي علي اسماعيل الخجندي، وفتح بن عبيد قالا: حدثنا علي بن اسحق عن محمد
بن مروان عن الكلبي عن عامر بن خليفة الأنصاري عن الحسن عن عبد الله بن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في القيامة لثلاث ساعات يشتغل فيها المرء عن
ولده وعن والده وعن من في الأرض جميعاً حتى يعلم في أي الفريقين يكون
أخبرنا
الفقيه أبو العباس أحمد بن رستم قراءة عليه بالبيت المقدس قال: أخبرنا أبو علي
الحسن بن هبة الله بن يحيى المعروف بابن البوقي الواسطي، قال: حدثنا والدي شيخ
الاسلام أبو جعفر هبة الله قال: قرىء على الشيخ أبي نعيم محمد بن ابراهيم بن محمد
بن خلف الجماري، فأقربه وأنا حاضر أسمع قيل له: أخبركم أبو الحسن أحمد بن المظفر
بن أحمد العطار قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ الواسطي،
الملقب بابن السقا، قال: حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدثنا مسدد
بن مسرهد قال: حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة عن
أسماء بن الحكم الفزاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني حتى حدثني أبو
بكر الصديق رضي الله عنه، وصدق أبو بكر، وكان إذا حدثني بعض أصحابنا حديثا استحلفه
فإن حلف لي صدقته، وانه حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يستغفر الله عز وجل لذلك
الذنب الاغفر له.
أنشدني أبو العباس أحمد بن رستم بن كيلان شاه الديلمي لنفسه في الغزل:
شهرت من لحظها لي مرهفين ... يوم زمّت عيسها بالمازمين
عرفت في عرفاتٍ وانثنت ... بشعار النسك نحو المشعرين
وأفاضت فأفاضت عبرتي ... حاتة الأعمال بين العلمين
لمنىً ثم رمت خاذفة ... جمرةً أذكت بقلبي جمرتين
ثم طابت نفسها في طيبةٍ ... إذ ألبت سحراً باللابتين
حرمت عيني الكرى وادعةً ... حين ولت من وداع الحرمين
ليتها إذ عذبتني بالقلا ... سمحت مالكتي بالأعذبين
كلما استنجدت فيها عزمةً ... لسلوٍ فترت بالفاترين
كيف أسلو والهوى لمحة عين ... أودعتني عارضاً من عارضين
من مجيري من هواها فلقد ... حجب النوم قسيّ الحاجبين
أعرضا عني فما ينفعني ... طب بقراط ولا رأي الشفتين
قد رآني قاضيا حق الصبي ... بحقاق حملت عنبرتين
واعجبا مني ومن معجبة ... بنت تسع وثلاث واثنتين
وأنشدني أحمد بن رستم الشافعي لنفسه:
ربّ كاس عار من الآداب ... همه ما يشيده للخراب
يتباهى بثوبه وثرى الم ... ال وجسم يبلى وعيش لباب
مهملا أمر دينه ليس يدري ... أن هذا جميعه للذهاب
وأنشدني لنفسه:
اشتدي أزمة تنفرجي ... فالضيق منوط بالفرج
والعمر يؤول إلى يسر ... والروح تراح من الحرج
مذ لاح بياض في لمم ... من بعد سواد كالسبج
فاسمع يا صاح وصية من ... في زور الباطل لم يلج
اعلم واعمل بالعلم لكي ... تسمو في الخلد ذرى الدرج
لا ترض أخاك وتوسعه ... مكراً فالبهرج لم يرج
لا ترم الناس بمعضلة ... يرموك بقاصمة الثبج
إياك فلا تك معتذرا ... للاّئم من أمر مرج
إياك وعيب سواك وكن ... ما عشت بعيبك ذا لهج
والخلّ فواس بما ملكت ... كفاك بلا خلق سمج
أخبرني محب الدين أبو عبد الله محمد بن النجار أن شيخنا أبا العباس أحمد بن رستم
الدمشقي توفي بها يوم الجمعة الرابع عشر من ذي الحجة من سنة إحدى وعشرين وستمائة،
ودفن بجبل قاسيون.
أحمد بن رضوان:
أبو الفضل البرمكي، سمع بحلب أبا الحسن علي بن أحمد الجرجاني نزيل حلب، روى عنه
أبو محمد الحسن بن محمد الأنطاكي الوراق.
أنبأنا
أبو القاسم بن يوسف المعري عن أبي طاهر السلفي، ونقلته من خطه، قال: أخبرنا الشيخ
أبو القاسم يوسف بن ابراهيم بن يوسف بن بكران النشوي، بالنشوى، قال: أخبرنا القاضي
أبو الحسين ابراهيم بن حمكان بن محمد النشوي قال: حدثنا أبي قال: حدثني أبو محمد
الحسن بن محمد الأنطاكي الوراق قال: حدثني أبو الفضل أحمد بن رضوان البرمكي قال:
حدثنا أبو الحسن عل بن أحمد الجرجاني قال: حدثنا عمرو بن علي الصيرفي يقول: سمعت
معاذ بن معاذ يقول: كنا عند هشام بن حسان ذات يوم فذكر ابن عون فقال: لأحدثنكم عن
رجل والله ما رأت عياني مثله قط، فقلت: من تقول القاسم بن محمد أو محمد بن سيرين؟ قال:
ذاك القائم يصلي، قال: فإذا هو ابن عون قائم يصلي إلى سارية.
أحمد بن رمضان المصري:
أبو العباس، حدث بطرسوس عن أحمد بن محمد بن سلام البغدادي، وأحمد بن شعيب، والعباس
بن محمد بن العباس المصري، ومحمد بن مخلد العطار، روى عنه أبو عمرو عثمان بن عبد
الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان.
قرأت بخط أبي عمرو الطرسوسي القاضي، حدثنا أبو العباس أحمد بن رمضان المصري قراءة
عليه ونحن ماشيان في صحن المسجد الجامع بطرسوس، فذكر حديثا.
أحمد بن روح بن زياد بن أيوب:
أبو الطيب البغدادي الشعراني سمع بأنطاكية عبد الله بن خبيق ابن سابق الأنطاكي،
وحدث عنه، وعن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، ومحمد بن حرب النشائي، والربيع
بن سليمان، والحسن بن محمد الزعفراني، ومحمد بن يزيد بن ماجة القزويني، والحسن بن
عرفة.
روى عنه القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن ابراهيم العسال، وحبيب بن الحسن القزاز،
وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وأحمد بن بندار بن اسحق الشعار، وعبد الرحمن
بن منصور بن سهل بن أبي طالب.
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي قال: أخبرنا أسعد بن أبي
سعيد الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية قالت: أخبرنا أبو
القاسم الطبراني قال: حدثنا أحمد بن روح الشعراني ببغداد قال: حدثنا عبد الله بن
خبيق الأنطاكي قال: حدثنا الأنطاكي قال: حدثنا يوسف بن أسباط قال: حدثنا سفيان عن
محمد بن جحادة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في
غسل واحد.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن روح ابن زياد بن أيوب،
أبو الطيب الشعراني، حدث عبد الله بن خبيق الأنطاكي، ومحمد بن حرب النشائي، والحسن
بن محمد الصباح الزعفراني.
روى عنه القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن ابراهيم العسال، وأحمد بن بندار بن اسحق
الشعار الأصبهانيان، وأبو القاسم الطبراني.
أنبأنا أبو اليمن قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر قال: قال لنا أبو
نعمي أحمد بن روح بغدادي، قدم أصبهان قبل سنة تسعين ومائتين، له مصنفات في الزهد
والأخبار.
ذكر حرف الزاي في آباء الأحمدين
أحمد بن زرقان:
أبو بكر المصيصي: حدث عن حسين بن الفرج الخياط، روى عنه أبو علي الحسن بن حبيب.
أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي:
أبو الحسن، حدث عن أحمد بن شيبان الرملي، ومحمد بن سليمان بن هشام البصري،
واسماعيل بن حمدويه البيكبدني، وابراهيم بن محمد بن بزة الصنعاني، ومحمد بن حماد
الطهراني، وابراهيم بن عبد الله بن أخي عبد الرزاق.
روى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد بن جميع الغساني، وأبو عبد الله محمد بن مندة
الأصبهاني، ومحمد بن يوسف بن يعقوب الرقي، وأبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني،
وأبو الحسين محمد بن أحمد بن الحسن الكرخي، وأبو الحسن علي بن محمد بن اسحق
الحساني، وتمام بن محمد بن أحمد الرازي.
وروى عنه تمام أيضا مناولة فقال: أخبرني أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي
مناولة وهو مار إلى الرقة، ففي مروره من دمشق إلى الرقة اجتاز بحلب أو ببعض عملها.
أخبرنا
أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني قال: أخبرنا أبو الحسن بن المسلم قال:
أخبرنا أبو نصر بن طلاب قال: أخبرنا أبو الحسين بن جميع قال: أحمد بن زكريا بن
يحيى بن يعقوب أبو الحسن المقدسي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شيبان قال:
حدثنا مؤمل بن اسماعيل قال: حدثنا سفيان الثوري عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في
الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة.
روى الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن هذا الحديث من طريق ابن جميع وقال عقيبه: كذا
قال، والمحفوظ أن كنية أحمد بن شيبان أبو عبد المؤمن.
أحمد بن زياد بن يوسف:
أبو بكر الحلبي، حدث بها عن سهل بن صالح الأنطاكي، روى عنه أبو الحسين محمد بن
المظفر بن موسى الحافظ.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو القاسم ذاكر بن كامل
بن أبي غالب قال: أنبأنا أبو الوفاء عقيل بن محمد بن عقيل قال: أخبرنا أبو بكر
محمد بن عبد الملك بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ
قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن زيد بن يوسف الحلبي بحلب قال: حدثنا سهل بن صالح قال:
حدثنا أبو عامر قال: حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة، أراه
رفعه، أن رجلا مر بكلب على رأس قليب يلهث فنزع خفه فسقاه فغفر له.
السري قال: كان بالبصرة شاب متعبد، وكانت عمة له تقوم بأمره، فأبطأت عليه مرة،
فمكث ثلاثة أيام يصوم ولا يفطر على شيء، فلما كان بعد ثلاث قال: يا رب رفعت رزقي،
فألقي إليه من زاوية البيت مزود ملىء سويق، فقيل له: هاك يا قليل الصبر.
ذكر حرف السين في آباء الأحمدين
أحمد بن سطحان اليماني:
حدث بطرسوس عن علي بن إبراهيم الناقد، وأبي حمد أحمد بن عبد الله الأصبهاني، وعبيد
الله بن محمد بن العباس بن الفضل اللحام.
روى عنه أبو عمرو عثمان بن عبد الله بن ابراهيم الطرسوسي قاضي معرة النعمان.
أحمد بن سعد بن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف:
أبو ابراهيم الزهري، خرج إلى جبل اللكام والثغور، وتردد في نواحيها، ودخل المصيصة،
وكان من العباد المذكورين ويقال إنه كان من الأبدال.
حدث عن علي بن الجعد، وأبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن، ومحمد ابن سلام الجمحي،
وهشام بن عمار، وعفان بن مسلم، وابراهيم بن يحيى بن أبي المهاجر، وسعيد بن حفص
الحراني، وابراهيم بن الحجاج، ودحيم، وإسحق بن موسى الأنصاري، ويحيى بن عبد الله
بن بكير ويحيى بن سليمان الجعفي، وعبيد بن إسحق العطار، وعبد العزيز بن عمران،
وعلي بن بحر بن بري.
روى عنه أبو العباس الأصم، وأبو القاسم البغوي، وأبو عوانه يعقوب بن إسحق
الإسفرائيني، والحسين بن اسماعيل المحاملي، وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، وأبو
الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري،
وأبو عبد الله محمد بن أحمد الحكيمي، واسماعيل بن محمد الصفار، وأبو القاسم الحذاء
الحربي، والقاسم بن زكريا المطرز، ومحمد بن مخلد الدوري.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني في كتابه إلينا من
مرو غير مرة قال: أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي قراءة
عليه.
وأخبرنا
أبو بكر القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار في كتابه إلينا من نيسابور
قال: أخبرنا الشيخان أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد ابن أبي القاسم القشيري
قراءة عليه وأنا أسمع، وأبو البركات الفراوي إجازة، قال أبو البركات: أخبرنا أبو
عمرو عثمان بن محمد بن عبد الله المحمي. وقال أبو الأسعد: أخبرنا ابو محمد عبد
الحميد بن عبد الرحمن البحيري قالا: أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن
الاسفرائيني قال: أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن اسحق بن ابراهيم قال: حدثنا أبو
ابراهيم الزهري - وكان من الأبدال - قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن
قال: حدثنا شعيب بن اسحق قال: حدثنا الأوزاعي قال: أخبرني يحيى بن أبي كثير أن
عمرو بن يحيى أخبره عن أبيه يحيى بن عمارة أنه سمع أبا سعيد الخدري يقال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس أوراق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود
صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.
وقال أبو عوانة في حديث ذكره: قلت لابن خراش - يعني عبد الرحمن بن خراش - : أخاف
أن يكون أبو إبراهيم غلط على علي بن الجعد، فقال: أبو إبراهيم كان أفضل من علي بن
الجعد كذا وكذا مرة، أحسبه قال: مائة مرة.
أنبأنا أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي قال: أخبرنا أبو الفضل عبد الله
بن أحمد بن محمد الخطيب قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف قال:
أخبرنا عبد العزيز بن علي الآزجي قال: حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم
قال: حدثنا عثمان بن الحسين قال: حدثنا أبو القاسم الحربي الحذاء قال: حدثني أبو
إبراهيم الزهري قال: كنت جائياً من المصيصة فمررت باللكام، فأحببت أن أراهم،
فقصدتهم، ووافيت صلاة الظهر، قال: وأحسبه رآني منهم إنسان عرفني، فقلت له: فيكم
رجل تدلوني عليه؟ فقالوا: هذا الشيخ الذي يصلي بنا، فحضرت معهم صلاة الظهر والعصر،
فقال له ذلك الرجل: هذا من ولد عبد الرحمن بن عوف، وجده أبو أمه سعد بن معاذ، قال:
فبش بي وسلم علي كأنه كان يعرفني، فقلت له: من أين تأكل؟ فقال: أنت مقيم عندنا؟
قلت: الليلة، ثم جعل يحدثني ويؤانسني، ثم جاء إلى كهف فدخل، وقعدت وأخرج قعباً
فوضعه، ثم جعل يحدثني حتى إذا كادت أن تغرب، اجتمع حواليه ظباء، فاعتقل منها
واحدة، فحلبها حتى ملأ ذلك القدح، ثم أرسلها، فلما سقط القرص جئناه، ثم قال: ما هو
غير ما ترى.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا أبو منصور
القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أحمد بن عمر بن روح
النهرواني قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: سمعت أبي يقول: مضى عمي
أبو إبراهيم الزهري إلى أحمد بن حنبل فسلم عليه، فلما رآه وثب إليه، وقام إليه
قائماً وأكرمه، فلما أن مضى قال ابنه عبد الله: يا أبة، أبو إبراهيم شاب، وتعمل به
هذا العمل، وتقوم إليه؟! فقال له: يا بني لا تعارضني في مثل هذا، ألا أقوم إلى ابن
عبد الرحمن بن عوف ! قال أبو بكر الخطيب: وكان - يعني أحمد بن سعد - مذكوراً
بالعلم والفضل موصوفاً بالصلاح والزهد، ومن أهل بيت كلهم محدثون.
وقال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أنبأنا محمد بن أحمد رزق قال: أخبرنا إبراهيم بن
محمد بن يحيى المزكى قال: أخبرنا محمد بن اسحق السراج قال: حدثنا أبو إبراهيم أحمد
بن سعد الرضا.
وقال أبو بكر: أخبرني الأزهري قال: حدثنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن
الزهري قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن سعد الزهري، وكان ثقة.
أنبأنا
تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم
علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ قال: أحمد بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إبراهيم الزهري، سمع بدمشق سليمان بن عبد الرحمن، وهشام
بن عمار، وعبد الرحمن ابن إبراهيم دحيماً، وإبراهيم بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد
الله بن أبي المهاجر، وبمصر يحيى بن عبد الله بن بكر، وعبد العزيز بن عمران بن
مقلاص، ويحيى ابن سليمان الجعفي، وبالعراق علي بن الجعد، وعلي بن بحر بن بري،
ومحمد ابن سلام الجمحي، وعبيد بن اسحق العطار واسحق بن موسى الأنصاري، وإبراهيم بن
الحجاج السامي، وعفان بن مسلم، وسعيد بن حفص الحراني خال النفيلي.
روى عنه البغوي، وابن صاعد، والحسين المحاملي، وابن مخلد، وأبو عوانه الإسفرائيني
وأبو الحسين بن المنادي، واسماعيل بن محمد الصفار، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن
إبراهيم الحكيمي، والقاسم بن زكريا المطرز، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد
النيسابوري وغيرهم، وكان يعد من الأبدال، وسكن بغداد، وخرج إلى الثغر.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال:
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا محمد بن العباس قال: أخبرنا أبو الحسين
بن المنادي قال: وأبو إبراهيم أحمد بن سعد بن إبراهيم القرشي ثم الزهري، كان
معروفاً بالخير والصلاح والعفاف إلى أن مات.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر قال: أخبرنا أحمد ابن جعفر
قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: قال عبد الله بن محمد البغوي: سنة ثلاث وسبعين -
يعني - ومائتين فيها مات أبو إبراهيم الزهري.
وقال أبو بكر: أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن العباس قال: قرىء على
ابن المنادي وأنا أسمع قال: أبو إبراهيم أحمد بن سعد بن إبراهيم الزهري توفي يوم
السبت ودفن يوم الأحد لخمس خلون من المحرم سنة ثلاث وسبعين، وقد بلغ خمساً وسبعين
سنة، كان ميلاده سنة ثماني وتسعين ومائة، ودفن في مقبرة التبانيين.
من اسم أبيه سعيد بن الأحمدين
أحمد بن سعيد بن الحسن بن النضر الشيحي:
أبو العباس الشامي: وهو جد عبد المحسن بن محمد بن علي الشيحي التاجر لأمه.
وهو من أهل شيح بني حية بالقرب من بزاعا، أو من شيح الحديد بالقرب من الدربساك
وكلتاهما من أعمال حلب.
وأخبرنا أبو المظفر السمعاني كتابة عن أبيه أبي سعد الإمام، قال في كتاب الأنساب:
الشيحي بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفي آخرها حاء
مهملة مكسورة، هذه النسبة إلى شيحة وهي قرية من قرى حلب، وذكر منها جماعة منهم:
أحمد بن سعيد الشيحي.
قلت: ولا أعرف في قرى حلب قريه يقال لها شيحه، اللهم إلا أن يكون في بلد منبج فإن
بها قرية يقال لها شيحه، والذي يغلب على ظني أني أحمد ابن سعيد من شيح بني حية من
وادي بطنان بالقرب من بزاعا.
حدث أحمد الشيحي عن أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون الحلبي المقرىء، وأبي علي الحسن
بن موسى الثغري، وأبي القاسم شهاب بن محمد بن شهاب الصوري، وأبي أحمد محمد بن محمد
بن عبد الرحيم الزاهد.
روى عنه الإمام القادر أبو العباس أحمد بن اسحق أمير المؤمنين، وأبو طالب محمد بن
علي العشارين وأبو محمد إبراهيم بن الخضر الصائغ، وأبو أحمد عامر ابن أحمد بن محمد
السلمي، وأبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن العباس الهاشمي.
أخبرنا
أبو يعقوب يوسف بن محمود بن الحسين الساوي الصوفي بالقاهرة قال: أنبأنا أبو طاهر أحمد
بن محمد بن أحمد السلفي - قلت: وقرأته بخطه - قال: أخبرني أبو المجد صمصام بن
عساكر بن يعقوب الكاتب بالاسكندرية، قال: أخبرنا يحيى بن أبي مغيث اللخمي قال: كتب
إلي عبد السلام بن عبد العزيز ابن محمد الهاشمي من البصرة: حدثنا أبو الحسن بقية
بن عبد الله بن محمد الزاهد إملاءً في مسجده بقسامل، وهو مجلس أملاه، قال: أخبرنا
الإمام أبو العباس أحمد بن اسحق القادر بالله أمير المؤمنين إجازة قال: أخبرنا
أحمد بن سعيد الشيحي قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن عبد الرحيم الزاهد قرأت
عليه، قلت له: حدثك أبو الحسن علي بن سعيد صاحب أبي بكر بن دانيار قال: حدثني أبو
المؤمل العباس بن الفضل قال: حدثنا أبو عتبة قال حدثنا بقية قال: حدثنا عيسى بن
إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ينزل علي القرآن كلام الله غير مخلوق.
أنبأنا أبو البركات بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال:
أنبأنا أبو علي محمد بن محمد بن المهدي قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو العباس أحمد
بن سعيد الشيحي المعدل قال: حدثنا أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون المقرىء قال: قال
الحسين بن خالويه: كنت عند سيف الدولة وعنده ابن بنت حامد فناظرني على خلق القرآن،
فلما كان تلك الليلة نمت، فأتاني آت فقال: لم لم تحتج عليه بأول القصص طسم تلك
آيات الكتاب المبين نتلو عليك، والتلاوة لا تكون إلا بالكلام.
قرأت بخط أبي طاهر السلفي، وأخبرنا عنه جماعة من شيوخنا إجازة قال: أبو العباس
أحمد بن سعيد الشيحي، كتب عن أبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله ابن غلبون المقرىء
الحلبي بمصر، وأبي أحمد محمد بن عبد الرحيم الزاهد القيسراني المعروف بابن أبي
ربيعة بقيسارية، وعن غيرهما؛ روى عنه أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاوي،
وآخرون من أهل بغداد، وكان استوطنها.
وهو من أهل الشام، وقد روى عنه الإمام القادر بالله أبو العباس أحمد بن اسحق أمير
المؤمنين.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: قال لنا
أبو بكر الخطيب: أحمد بن سعيد، أبو العباس الشامي يعرف بالشيحي، سكن بغداد وحدث
بها عن عبد المنعم بن غلبون المقرىء وغيره؛ وله كتاب مصنف في الزوال وعلم مواقيت
الصلاة، حدثناه عنه محمد بن علي بن الفتح الحربي.
وكان ثقة، صالحاً ديناً، حسن المذهب، وشهد عند القضاة وعدل، ثم ترك الشهادة
تزهداً.
وذكر لي أبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهدي الخطيب أنه مات في ذي القعدة من
سنة ست وأربعمائة، قال: ودفن بباب حرب.
أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة:
ابن مسلم بن عمرو بن الحصين بن ربيعة بن خالد بن أسيد الخير بن قضاعى ابن هلال بن
سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس ابن عيلان بن مضر بن
نزار بن معد بن عدنان، الباهلي.
ولاه الواثق على الثغور والعواصم في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وأمره بحضور الفداء
مع خاقان الخادم، وصاحب الروم ميخائيل بن توفيل، فخرج على سبعة عشر من البريد على
قدم، وأمضى الفداء، وبلغ عدة المسلمين أربعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وستين إنساناً.
فلما انقضت المدة بين خاقان والروم، وأربعون يوماً، غزا أحمد بن سعيد بن سلم
شاتياً، فأصاب الناس الثلج والمطر، فمات منهم قدر مائتين إنسان، وغرق منهم في
البذبذون قوم كثير وأسر منهم نحواً من مائتين، فوجد الواثق عليه لذلك، وعزله وعقد
لنصر بن حمزة الخزاعي في جمادي الآخرة من سنة إحدى وثلاثين.
وكان أبوه سعيد بن سلم من صحاب المأمون وقواده، وولي مرو.
وروى أحمد بن سعيد عن أبيه، روى عنه القاسم بن اسماعيل، وأبو العباس أحمد بن يحيى
ثعلب.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل قال: أخبرنا ابن توش قال: أخبرنا ابن كادش قال:
أخبرنا أبو علي الجازري قال: أخبرنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا محمد بن يحيى
الصولي قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي عن
أبيه قال: دخلنا إلى الرشيد يوماً فقال: أنشدني في شدة البرد فأنشدته لأبي محكان السعدي.
في
ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ ... لا يبصر الكلب في ظلماتها الطنبا
ما ينبح الكلب فيها غير واحدةٍ ... حتى يلف على خرطومه الذنبا
فقال: هات غير هذا، فأنشدته:
وليلة قرٍ يصطلى القوس ربّها ... وأقدحه اللاّتي بها يتنبّل
فقال لي: ما بعد هذا شيء.
أنبأنا عمر بن طبرز وعن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران - إجازة
- قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي، وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا أبو عبد
الله نفطويه قال: وولى الواثق في هذه السنة - يعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين -
الفداء ومعه خاقان خادم الرشيد، ومعهما أبو رملة، وجعفر الحذاء، وأمر بامتحان أسرى
المسلمين ومن قال بخلق القرآن فودي به، ومن امتنع ترك في أيدي الروم، فأجابوا كلهم
إلى خلق القرآن وكانوا ألفين وتسعمائة وخمسين رجلاً، أو نحوا من مائة مراهق.
أحمد بن سعيد بن عباس بن الوليد، أبو العباس الكلابي:
ولي مدينة حلب في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، ومدحه أبو بكر الصنوبري وقرأت في بعض
التواريخ أنه كان واليا حلب سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكانت ولايته حلب بعد طريف
السبكري.
وقرأت في مختصر تاريخ السليل بن أحمد بن عيسى، اختصار الشمشاطي قال: وفيها يعني
سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة دخل سيف الدولة حلب، وصرف عنها صاحب الاخشيذ محمد بن
طغج، وكان أحمد بن سعيد الكلابي.
وهذا يدل على أنه وليها خلافة عن الاخشيذ مرة ثانية، فإن الحسين بن حمدان وليها
سنة اثنتين وثلاثين، وسار محمد بن طغج الاخشيد نحوه، فهزمه عن حلب، واستولى عليها،
فقد استناب الاخشيذ عند استيلائه عليها هذه المرة أحمد بن سعيد الكلابي على حلب،
وبقي واليا بها إلى أن قدم إليها سيف الدولة وافتتحها من يده.
وقرأت بخط أبي الحسين بن المهذب المعري في تاريخ جمعه قال: في سنة خمس وعشرين
وثلاثمائة وفيها أغارت بنو كلاب على البلد، فخرج إليهم والي المعرة معاذ بن سعيد
وجنده، واتبعهم إلى مكان يعرف بمرج البراغيث فعطفوا عليه فأسروه ومن كان معه،
وعذبوهم بالماء والجليد، وأقام معاذ بن سعيد عند بني كلاب وأصحابه حتى خرج إليهم
أبو العباس أحمد بن سعيد الكلابي فخلصهم.
أحمد بن سعيد بن نجدة الأزدي الموصلي:
نزيل طرسوس، وقيل هو بغدادي ذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد بما أنبأنا به أبو
اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد
بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن سعيد بن نجدة الأزدي البغدادي، حدث عن: أبي
بدر شجاع بن الوليد، وعلي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وأبي النضر
هاشم بن القاسم، وداود بن المحبر، والحسين بن علوان، واسحق بن سليمان الرازي.
روى عنه: محمد بن علي الرقي المعروف بالمري، وزيد بن عبد العزيز الموصلي والوليد
بن مضاء الخشاب، وغيرهم.
وذكر بعض الناس أن ابن نجدة هذا موصلي، وقال: مات في سنة ست وسبعين ومائتين.
أخبرنا عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني اذنا قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن
المظفر البرمكي قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن مندة قال: أخبرنا
والدي أبو عبد الله قال: أحمد بن سعيد بن نجدة الأزدي الموصلي، حدث عن أبي بدر
شجاع بن الوليد، سكن طرسوس ومات بها.
أحمد بن سعيد بن أم سعيد:
أبو الحارث: سمع بحلب أبا عبد الله أحمد بن خليد بن يزيد الحلبي الكندي، وروى عنه
وعن يونس بن عبد الأعلى.
روى عنه: محمد بن المظفر البزاز، وأبو بكر بن المقرىء.
أحمد بن سعيد المالكي:
أبو الحسين الصوفي، نزل طرسوس غازيا، وكان من أصحاب الجنيد بن محمد.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني في كتابه إلينا من
مرو قال: أخبرنا أبو سعد محمد بن منصور بن عبد الرحيم الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر
المزكي إجازة قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أحمد بن سعيد
المالكي، أبو الحسين بغدادي الأصل، صحب الجنيد، ونزل طرسوس للغزو ومات بها.
سمعت الشيخ أبا سهل محمد بن سليمان يقول: لم أر فيمن رأيت أفصح من أبي الحسن
المالكي.
أحمد بن سعيد الشيزري:
حدث بدمشق، وكان من طبقة ابن جوصاء.
أنبأنا
أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة
الله الحافظ قال: وجدت بخط أبي محمد بن الاكفاني - ذكر أنه نقله من خط بعض أصحاب
الحديث - في تسمية من سمع منه بدمشق: أحمد ابن سعيد الشيزري، وفوقه غريب، وذكر طبقة
فيها ابن جوصاء وأبو الدحداح في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.
اسم مفرد
أحمد بن سلم الحلبي السقاء:
حدث عن سفيان بن عينية، وعبيد الله بن موسى، وعبد الله بن السري المدائني، وعبد
الرزاق، ومعن بن عيسى، وشبابة.
روى عنه: محمد بن الحسن بن قتيبة أبو العباس العسقلانين ومحمد بن عوف الحمصي وصالح
بن بشر.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو عبد الله
محمود بن أحمد الثقفي قال: أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء.
وأخبرنا أبو الغنائم بن شهريار في كتابه إلينا قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت
أبي الفضل البغدادي قالت: أخبرنا أبو طاهر بن محمود الثقفي قال: أخبرنا أبو بكر بن
المقرىء قال: حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا أحمد بن سلم الحلبي قال:
حدثنا سفيان بن عينية عن مسعر عن سعد بن ابراهيم عن أبي سلمة عن عائشة قالت: ما
زال النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى فارق الدنيا.
قال أبو الفرج: قال ابن المقرىء: يقال أن أحمد بن سلم حدث عنه ابن عوف الحمصي. ذكر
أبو حاتم بن حبان البستي في تاريخ الثقات في الطبقة الرابعة فقال: أحمد بن سلم
السقاء من أهل حلب، يروي عن عبيد الله بن موسى وعبد الرزاق، حدثنا عنه ابن قتيبة
وغيره.
وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل قال: أحمد بن سلم
المقرىء شامي، المعروف بالسقاء، روى عن معن بن عيسى، وسفيان بن عيينة، وشبابة.
روى عنه: صالح بن بشر بن سلمة الطبري، وأبو عامر الإمام الحمصي.
من اسمه سلمان في آباء الأحمدين
أحمد بن سلمان بن أحمد بن سلمان بن أبي شريك:
أبو العباس الحربي الملقب بالسكر، لقبه أبوه بذلك في حال صغره، فاستمر اللقب عليه.
كان عالما بعلوم القرآن من التفسير والقراءات وغيره، وكان رجلا صالحا، سافر إلى
البلاد في طلب الحديث، وقدم حلب في رحلته.
وذكر لي الفقيه عز الدين عمر بن دهجان البصري المالكي أن أحمد بن سلمان الحربي ولد
سنة أربعين وخمسمائة، قال لي: وقرأ القرآن بالروايات وسافر إلى واسط، فقرأ بها
بالقراءات العشر حتى مهر في ذلك وصنف وأقرأ، وكان عالما بتفسير القرآن وأسباب
نزوله وتأويله وكان كل يوم إذا صلى الفرض بآيات يقعد في المسجد ويفسر لهم تلك
الآيات، وكان يقول: والله إني لأعلم تفسير الآية وتأويلها وسبب نزولها ووقته فيمن
نزلت، فايش يذهب علي بعد ذلك من القرآن أو ما هذا معناه.
قال: وكان كثير التلاوة للقرآن، طويل القنوت، كان يصلي التراويح كل ليلة بعشرة
أجزاء من القرآن، فإذا كان النصف من رمضان صلى كل ليلة بنصف الختمة، وكان ينصرف من
صلاة التراويح وقد صعد المسحرون المنارات، وكان خشن العيش يأكل من كسب يديه،
وانقطع إلى العلم.
قال: وكان عفيفا لطيف الاخلاق، كتب الكثير بخطه، وكان خطه رديئا، وكان مفيد الناس
في زمانه يقرأ لهم، وينقل السماعات، ويدلهم على الشيوخ، وسافر في طلب العلم
والحديث إلى البلاد، ودخل حلب ودمشق وغيرهما، وعاد إلى بغداد فتوفي بالحربية في
جمادي من سنة ستمائة ودفن بمقبرة أحمد رضي الله عنهما.
أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي قال في كتاب التكلمة لوفيات
النقلة، في ذكر من مات في سنة إحدى وستمائة: وفي ليلة العاشر من صفر توفي الشيخ
المفيد أبو العباس أحمد بن سلمان بن أبي شريك البغدادي الحربي المقرىء المعروف
بالسكر ببغداد، ودفن من الغد بباب حرب، ومولده سنة تسع وثلاثين أو سنة أربعين وخمسمائة.
قرأ
القرآن الكريم ببغداد بالقراءات الكثيرة على أبي الفضل أحمد بن محمد شنيف، وأبي
محمد يعقوب بن يوسف المقرىء، وبواسط على القاضي أبي الفتح نصر الله بن علي بن
الكيال وأبي بكر عبد الله بن منصور بن الباقلاني، وسمع الكثير من أبي القاسم سعيد
بن أحمد بن البناء وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي ابن أحمد، وأبي السعادات ظافر بن
معاوية الحراني، وخلق كثير، وسمع بمكة شرفها الله تعالى، وبدمشق والقدس وغيرها.
وأقرأ وحدث ببغداد والشام، وكان مفيدا لاصحاب الحديث، كثير الخير، كثير التلاوة
للقرآن الكريم، كثير القيام به، ويكرر قيامه به في ركعة أو ركعتين.
وعرف بالسكر لأن أباه كان وهو صغير يحبه محبة كبيرة، وإذا أقبل عليه وهو بين جملته
أخذه وضمه إليه وقبله، وكان قوم يلومونه على افراط محبته له، فيقول: إنه أحلى في
قلبي من السكر، وتكرر ذلك منه، فلقب بالسكر وغلب عليه حتى كان لا يعرف إلا به.
أحمد بن سلمان بن الحسن بن اسرائيل بن يونس:
المعروف بالنجاد، الفقيه الحنبلي كان فقيها مفتيا ومحدثا متقنا، واسع الرواية،
مشهور الدراية، قدم حلب، وسمع بها محمد بن معاذ المعروف بدران الحربي، وأبا علي
الحسن بن أبي جعفر الحلبي، وبطرسوس أبا الليث يزيد بن جهور الطرسوسي، وعبد الله بن
جناب الطرسوسي، وسعيد بن مسلم بن أحمد بن مسلم، وبأنطاكية أحمد بن يحيى بن صفوان
الأنطاكي، وببالس جعفر بن محمد بكر البالسي، وبمنبج عمر بن سعيد بن سنان المنبجي،
وحدث عن هؤلاء، وعن أبي بكر بن أبي الدنيا، وهلال بن العلاء، وأبي العباس أحمد بن
أصرم بن خزيمة المزني، وأبي محمد عبد الله بن محفوظ وأحمد بن علي بن المثنى،
والحارث ابن أبي أسامة التميمي، وأبي اسماعيل الترمذي، وعبد الملك بن محمد أبي
قلابة الرقاشي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والحسن بن مكرم البزاز، ومحمد بن عبد
الله بن سليمان الحضرمي، وعثمان بن أبي شيبة، وأبي داود سليمان بن ابن الأشعت
السجستاني، ومحمد بن سليمان الباغندي، واسحق بن الحسن الحربي، وابراهيم بن اسحق
الحربي، ويعقوب بن يوسف، والحسين بن الهيثم الكسائي الرازي، ومحمد بن غالب بن حبيب
التمتام، ومحمد بن عبدوس السراج، ومحمد بن عثمان العبسي، وأبي أحمد الزبير بن محمد
الأسدي وادريس بن عبد الكريم المقرىء، ويحيى بن جعفر بن الزبرقان، ويحيى بن أبي
طالب، وجعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، ومحمد بن يونس بن موسى، ومحمد بن الهيثم ابن
حماد القاضي، واسماعيل بن اسحق القاضي، وبشر بن موسى، وموسى بن اسحق القاضي، وأحمد
بن أبي خيثمة، وأحمد بن ملاعب المخرمي، وأحمد بن محمد البرتي، وأحمد بن علي
الأبار، وأبي الأحوص العكبري، وأبي بكر محمد ابن أبي العوام، ومعاذ بن المثنى
وغيرهم.
روى عنه أبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص بن شاهين، وأبو بكر القطيعي، وأبو عبد الله
الحسين بن محمد الغضائري، وأبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران، وأبو الحسن
محمد بن أحمد بن رزقويه، وأبو علي الحسن بن ابن شاذان، وأبو القاسم عبد الرحمن بن
عبيد الله الحرفي، وأبو بكر محمد بن عثمان القطان، وأبو عبد الله أحمد بن عبد الله
المحاملي، وأبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن محمد كثير البيع، ومحمد بن عبد الله
بن أبان الهيتي، وأبو عقيل أحمد بن عيسى بن زيد السلمي البزاز، وأبو القاسم الحسن
بن الحسن بن ابن المنذر، وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن كراكير الرقي، ومحمد بن
الحسين ابن محمد بن الفضل القطان، وأبو زكريا بن أبي اسحق المزكي، وأبو الحسن محمد
بن محمد بن ابراهيم بن مخلد، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن سعيد بن الروزبهان، ومحمد
بن فارس الغوري، والحسين بن عمر بن برهان الغزال، وعلى ابن محمد بن بشران.
أخبرنا
أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيدهم بن هبة الله الأنصاري الدمشقي بها قال: أخبرنا
الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد
بن علي بن ثابت الخطيب عال: أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان قال:
أخبرنا أبو بكر أحمد ابن سلمان بن الحسن النجاد قال: قرأت على محمد بن معاذ وهو
المعروف بدران الحلبي: حدثكم القعنبي قال: حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة رضي الله عنها قالت: جاء عمي من الرضاعة يستفتح بعد أن ضرب علينا الحجاب،
فأبيت حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه، فجاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقلت: إن عمي من الرضاعة جاء يستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى استأذنك
فقال لها ليلج عليك فقالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، فقال: إنه عمك
فليلج عليك.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الإربلي قراءة عليه بحلب
قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور البزاز قال: أخبرنا أبو
بكر أحمد بن المظفر بن الحسن المعروف بابن سوسن التمار قال: حدثنا أبو القاسم عبد
الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي السمسار قال: حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه
قال: حدثنا أبو الليث يزيد بن جهور بطرسوس قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا
بقية بن الوليد عن محمد بن الحجاج عن جابان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: خمس تفطر الصائم وتنقض الوضوء: الكذب، والغيبة، والنميمة، والنظرة
بالشهوة، واليمين الفاجرة، قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقدها كما يعقد
اليسار.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن سلمان بن الحسن ابن إسرائيل بن
يونس، أبو بكر الفقيه الحبلي المعروف بالنجاد، كان له في جامع المنصور يوم الجمعة
حلقتان قبل الصلاة وبعدها، أحديهما للفتوى في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل،
والأخرى لإملاء الحديث، وهو ممن اتسعت رواياته، وانتشرت أحاديثه.
سمع الحسن بن مكرم البزاز، ويحيى بن أبي طالب، وأحمد بن ملاعب المخرمي، وأبا داود
السجستاني، وأبا قلابة الرقاشي، وأحمد بن محمد البري، واسماعيل بن اسحق القاضي،
وأبا الأحوض العكبري، ومحمد بن سليمان الباغندي، وأبا اسماعيل الترمذي، وجعفر بن
محمد بن ساكر الصائغ، وأحمد بن أبي خيثمة، والحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن غالب
التمتام، وأبا بكر بن أبي الدنيا، وهلال ابن العلاء الرقي، وإبراهيم بن اسحق، واسحق
بن الحسن الحربيين، وبشر بن موسى، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبدوس
السراج، وخلقاً سوى هؤلاء من هذه الطبقة.
وكان صدوقاً، عارفاً، جمع المسند، وصنف في السنن كتاباً كبيراً.
روى عنه: أبو بكر بن مالك القطيعي، والدارقطني، وابن شاهين، وغيرهم من المتقدمين.
وحدثنا عنه: ابن رزقويه، وابن الفضل القطان، وأبو القاسم ابن المنذر القاضي، ومحمد
بن فارس الغوري، وعلي وعبد الملك ابنا بشران، والحسين بن عمر بن برهان الغزال،
وخلق يطول ذكرهم.
وقال أبو بكر الخطيب قال: قال ابن أبي الفوارس: أحمد بن سلمان، يقال مولده سنة ثلاث
وخمسين ومائتين.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا أبو عبد
الرحمن محمد بن محمد الخطيب الكشميهني قال: أنبأنا أبو بكر محمد ابن منصور
السمعاني.
وأخبرنا علي بن عبد المنعم بن علي بن الحداد الحلبي قال: أخبرنا يوسف بن آدم
المراغي الدمشقي قال: أنبأنا أبو بكر السمعاني قال: أبو بكر أحمد بن سلمان ابن
الحسن بن إسرائيل بن يونس النجاد الفقيه، من أئمة بغداد في العلم والورع والزهد،
سمع الحسن بن مكرم، ويحيى بن أبي طالب، وأبا داود السجستاني، وأبا قلابة الرقاشي،
واسماعيل بن اسحق، وهلال بن العلاء الرقي، ومن لا يحصى كثرة؛ روى عنه الدارقطني
وابن شاهين وغيرهما من المتقدمين.
أخبرنا زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أحمد ابن علي قال:
حدثني أحمد بن سليمان بن علي المقرىء قال: سمعت أبا الحسن ابن رزقويه غير مرة
يقال: أبو بكر النجاد ابن صاعدنا.
قال
أحمد بن علي: عنى بذلك أن النجاد في كثرة حديثه واتساع طرقه، وعظم رواياته، وأصناف
فوائده لمن سمع منه، كيحيى بن صاعد لأصحابه، إذ كل واحد من الرجلين كان واحد وقته
في كثرة الحديث.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا علي بن
أحمد بن عمر المقرىء قال: سمعت أبا علي بن الصواف يقول: كان أبو بكر النجاد يجيء
معنا إلى المحدثين إلى بشر بن موسى وغيره، ونعله في يده، فقيل له: لم لا تلبس
نعلك؟ قال: أحب أن أمشي في طلب الحديث - رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا
حافي.
وقال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني الحسين بن علي بن محمد الفقيه الحنفي قال:
سمعت أبا اسحق الطبري يقول: كان أحمد بن سلمان النجاد يصوم الدهر ويفطر كل ليلة
على رغيف، ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف، وأكل تلك اللقم
التي استفضلها.
وقال الخطيب: أخبرنا القاضي أبو عبد الله الضيمري قال: حدثنا الرئيس أبو الحسن علي
بن عبد العزيز في مجلسه في دار الخلافة قال: حضرت مجلس أبي بكر أحمد بن سلمان
النجاد وهو يملي فغلط في شيء من العربية، فرد عليه بعض الحاضرين، فاشتد عليه، فلما
فرغ من المجلس، قال: خذوا، ثم قال: أنشدنا هلال بن العلاء الرقي:
سيبلي لسانٌ كان يعرب لفظه ... فياليته في موقف العرض يسلم
وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقىً ... وما ضرّ ذا تقوى لسانٌ معّجم
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد البغدادي - قراءة عليه وأنا أسمع -
قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن طراد الزينبي قال: أخبرنا أبو القاسم ابن مسعدة
الاسماعيلي.
قال شيخنا ابن طبرزد: وأخبرنا اسماعيل بن أحمد السمرقندي وابن مسعود المجلي -
إجازة إن لم يكن سماعاً منهما أو من أحدهما - قالا: أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي
قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي قال: سأل الشيخ أبو سعد الإسماعيلي
أبا الحسن الدارقطني عن أبي بكر أحمد بن سلمان النجاد، فقال الشيخ أبو الحسن: قد
حدث أحمد بن سلمان من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان النجاد قد
كف بصره في آخر عمره، فلعل بعض طلبة الحديث قرأ عليه ما ذكره الدارقطني، والله
أعلم.
وقال أبو بكر الخطيب: سمعت محمد بن أحمد بن رزقويه يقول: مات أبو بكر النجاد في
سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
وقال الخطيب: حدثنا ابن الفضل القطان إملاء قال: توفي أحمد بن سلمان النجاد لعشر
بقين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
وقال أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف العلاف، وأبو عبد الله أحمد بن عبد
الله بن الحسين المحاملي قالا: توفي أحمد بن سلمان الفقيه النجاد يوم الثلاثاء؛
وقال ابن المحاملي: ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين
وثلاثمائة، ودفن في مقبرة باب حرب، قال ابن المحاملي: صبيحة تلك الليلة؛ قال ابن
العلاف: وأحسب أنه عاش خمساً وسبعين سنة.
حدثنا عن ابن الحسن بن الفرات أن النجاد دفن في مقابر الحربية عند قبر بشر الحارث.
أحمد بن سلمان بن أبي بكر بن سلامة بن الأصفر.
أبو العباس الحريمي المستعمل البغدادي، سمع أبا العباس أحمد بن أبي غالب الوراق
المعروف بأبن الطلاية، وأبا القاسم سعيد بن البناء، وأبا بكر بن الأشقر الدلال،
وهو آخر من روى عنه فيما أُرى.
وحدث عنهم وعن أبي سعد بن البغدادي، وأبي محمد المقرىء، وأبي سعد السمعاني بالإجازة.
وأجاز لي رواية جميع مسموعاته، وجميع ما صحت عنه روايته، وكتب إلي يذكر أنه دخل
حلب عند عوده من دمشق، وذكر لي في كتابه إلي أن مولده في عاشر محرم من سنة خمس
وثلاثين وخمسمائة ببغداد.
أخبرني رفيقنا كمال الدين عباس بن بزوان الإربلي أن ابن الأصفر هذا توفي بكرة يوم
الثلاثاء خامس وعشرين ذي الحجة سنة ست عشرة وستمائة بالموصل، ودفن بصحراء عناز،
وكان أوصى أن أغسله وأصلي عليه، فغسلته وصليت عليه، وكان دينا صالحاً، ثقته، صحيح
السماع، رحمه الله.
من اسم أبيه سليمان في آباء الأحمدين
أحمد بن سليمان بن حميد بن ابراهيم بن أحمد بن علي بن ابراهيم المخزومي:
أبو
العباس البلبيسي المعروف بابن كسا المصري، من أهل بلبيس، شاعر مجيد مشهور، كثير
الشعر، طاف البلاد، ومدح الملوك وأخد صلاتهم، وكان له ثروة وتجمل، وقدم حلب.
ومن شعره قوله:
وركبت ظهر توصّلي في أوبتي ... وحلفت أني لا أنام عن السرى
حتى أريت الأفق أن بدوره ... تخض وبدر الدين متّقداً يرى
أخبرني أبو علي القيلوبي قال: بلغ الحاجب علي الأشرفي، وهو بالشرق أن ابن كسا
هجاه، فأحضره وقال: بلغني أنك هجوتني، وها أنا أهجوك لتعلم أينا أهجى، وأي الهجوين
أوجع، ثم مدة وما زال يضر به بالدبابيس حتى أشرف على الموت، ورفع على باب إلى
السجن فبقي بالسجن مدة، ثم أطلقه.
وبلغني أن ابن كسا توفي في صغر سنة أربع وثلاثين وستمائة بالقاهرة.
أنبأنا أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في ذكر من توفى سنة خمس
وثلاثين وستمائة: وفي شهر ربيع الآخر توفي أبو العباس أحمد بن سليمان بن حميد بن
إبراهيم بن مهلهل القرشي المخزومي البلبيسي الشافعي المعروف بابن كسا بالقاهرة،
ومولده ببلبيس في سنة سبع وستين وخمسمائة، تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله
عنه، وتأدب وقال الشعر، وسافر الكثير، وحدث بشيء من شعره ببلبيس وغيرها، وذكر أنه
دخل دمشق واشتغل بها، وبالموصل وبغداد وخراسان، أنه اجتمع بفخر الدين الرازي،
المعروف بابن الخطيب، بخوارزم، وكان له انس بالنظريات والخلاف.
أحمد بن سليمان بن عمر بن شابور الحلبي:
سمع اسحق بن ابراهيم بن الأخيل الحلبي، وابراهيم بن عبد الله بن خرزاد الأنطاكي؛
روى عنه أحمد بن محمد الحلال، ومحمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الرقي الصوفي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة قال: أخبرنا أبو طاهر
أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني
عن أبي بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن حفص الماليني.
وأخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد
بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن الأخوة البغدادي وصاحبته عين الشمس بنت
أبي سعيد بن الحسن بن محمد بن سليم قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء بن
أبي منصور الصيرفي، قال: سماعاً، وقالت: إجازه؛ قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن
محمود بن أحمد الثقفي، وأبو الفتح الكاتب.
وقال لنا أبو الحجاج يوسف بن خليل: أخبرنا أبو عبد الله محمود بن أحمد بن عبد
الرحمن بن أحمد بن محمود الثقفي قال: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء
الصيرفي.
وأخبرنا أبو الغنائم بن شهريار في كتابه قال: أخبرتنا فاطمة بنت البغدادي.
قالا: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود بن أحمد، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن
إبراهيم بن المقرىء قالا: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الصوفي الرقي قال:
حدثنا أحمد بن سليمان الحلبي قال: حدثنا اسحق بن الأخيل قال: حدثنا مبشر بن
إسماعيل عن الخليل بن مرة عن عمرو بن دينار عن عطاء ابن يسار عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.
أحمد بن سليمان بن عمرو:
أبو بكر الأنماطي، وقيل الأنطاكي، حدث بحلب عن مخلد بن مالك وأحمد ابن إبراهيم،
ومؤمل بن إهاب؛ روى عنه عمر بن محمد بن سليمان العطار، وعبد الله بن سعيد الحلبي.
أخبرنا
أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الحموي عن الحافظ أبي طاهر أحمد
بن محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني بدمشق
قال: حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي الكتاني الحافظ قال:
أخبرنا عبد الوهاب بن جعفر الميداني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل بن
نصر النابلسي قال: أخبرنا عمر بن محمد بن سليمان العطار قال: حدثني أبو بكر أحمد
بن سليمان بن عمر الأنماطي بحلب قال: حدثنا مخلد بن مالك قال: حدثنا محمد بن يزيد
عن مجاشع بن عمرو عن الزبرقان عن مقاتل بن حيان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة،
وذلك أنهم يزورون الله تعالى في كل جمعة فيقول لهم: تمنوا علي ما شئتم، فيلتفتون
إلى العلماء فيقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تمنوا كذا وكذا، قال: فهم يحتاجون
إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا.
أحمد بن سليمان:
أبو الفتح الفخري الحلبي، شاعر من أهل حلب، كان في عصر عبد المحسن الصوري، ورحل
إلى مصر فأقام بها إلى أن مات.
وجدت ذكره في مجموع جمعه بعض أهل الأدب، وقرأته بخطه، ذكر أن أحمد ابن سليمان
الفخري الحلبي كتب إلى عبد المحسن الصوري، وقد بلغه ما صار عليه عبد المحسن من الفقر
والفاقة، وقرأتها أيضاً بخط أبي طاهر السلفي:
أعبد المحسن الصوري لم قد ... جثمت جثوم منهاضٍ كسير
فإن قلت العيالة أقعدتني ... على مضضٍ وعاقت عن مسيري
فهذا البحر يحمل هضب رضوى ... ويستثني بركنٍ من ثبير
وإن حاولت سير البرّ يوماً ... فلست بمثقلٍ ظهر البعير
إذا استحلى أخوك قلاك يوماً ... فمثل أخيك موجود النظير
تحرّك عل أن تلقى كريماً ... تزول بقربه إحن الصدور
فما كل البريّة من تراه ... ولا كل البلاد بلاد صور
فكتب إليه عبد المحسن الصوري:
جزاك الله عن ذا النصح خيراً ... ولكن جاء في الزمن الأخير
وقد حدّت لي السبعون حدّاً ... نهى عما أردت من الأمور
ومذ صارت نفوس الناس عني ... قصاراً عدت بالأمل القصير
وذكر صاحب المجموع أنه رحل إلى مصر ومات بها.
من الأفراد
أحمد بن سنان، أبو جعفر المنبجي:
حدث عن عبيد الله بن موسى العبسي، روى عنه موسى بن العباس.
أخبرتنا أم المؤيد زينب بنت الحافظ أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن في كتابها
إلينا من نيسابور، وأخبرنا بذلك عنها إبراهيم بن محمد بن الأزهر الصريفيني، قالت:
أخبرنا أبو محمد اسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر القارىء الواعظ قال: أخبرنا أبو
حفص بن مسرور قال: حدثنا أبو سهل محمد بن سليمان ابن محمد بن سليمان الحنفي
الصعلوكي قال: حدثنا موسى بن العباس سنة ثلاث عشر وثلاثمائة قال: حدثنا أبو جعفر
أحمد بن سنان المنبجي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حنيفة عن نافع عن ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم حنين عن لحوم الحمر الأهلية وعن متعة
النساء قال: وما كنا مسافحين.
أحمد بن سهل بن محمد بن داود بن ميكائيل بن سليمان بن سلجق:
السلطان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغري بك بن ميكائيل، أبو الحارث، قدم
صحبة أبيه ملكشاه وهو طفل وكان قد ولد له بظاهر سنجار في طريقه إلى الشام، وسنذكره
في حرف السين فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان، أبو العباس النجار:
رجل صالح، عارف الحديث، قدم حلب غير مرة، أحديها في سنة سبع وستمائة، وسمع بها
شيخنا أبا هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب، وقدمها مرة أخرى، وحدث بها عن
أبي الفرج بن كليب.
ذكر حرف الشين في آباء الأحمدين
أحمد بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان:
أبو العلاء بن أبي اليسر بن أبي محمد بن أبي المجد بن أبي محمد، القاضي ابن أبي
المجد أخي أبي العلاء التنوخي المعري، من أهل معرة النعمان.
أخو شيخنا إبراهيم الذي قدمنا ذكره، وتمام نسبه قد تقدم في ترجمة أخيه.
شيخ
حسن من أهل الفضل وبيت العلم والقضاء، وأبوه أبو اليسر من الفضلاء المشهورين،
وأجداده الذين نسبناه إليهم ما منهم إلا فاضل مشهور.
وأبو العلاء هذا سمع أباه أبا اليسر شاكراً، والحافظ أبا القاسم علي بن الحسن بن
هبة الله الدمشقي، وغيرهما، وقدم علينا حلب مراراً متعددة، وكان يسكن معرة
النعمان.
وكنت ظفرت بسماعه في عدة أجزاء من تاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم، فانتخبت منها
جزءاً لطيفاً، وقرأته عليه بسماعه منه، وسمعه بقراءتي جماعة كانوا معي بحلب.
وسألته عن مولده فقال: في سنة أربع وأربعين أو خمس وأربعين وخمسمائة.
أخبرنا أبو العلاء أحمد بن شاكر بن عبد الله المعري، قراءة عليه بحلب، قال: أخبرنا
الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو
الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عمر بن
محمد بن الحسن بن القزويني إملاء سنة ست وثلاثين وأربعمائه قال: حدثنا أبو بكر
محمد بن علي بن سعيد المؤدب قال: حدثنا أحمد بن محمد العسكري قال: حدثنا مطلب بن
شعيب قال: أخبرنا عبد الله بن صالح قال: حدثني ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن
نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفظوني في أصحابي، فمن
حفظني في أصحابي رافقني وورد علي حوضي، ومن لم يحفظني فيهم لم يرد علي حوضي، ولم
يرني إلا من بعيد.
قدمت معرة النعمان في بعض قدماتي إليها في جمادى الأولى من سنة ثمان وثلاثين وستمائة،
فأخبرني قاضيها أبو العباس أحمد بن مدرك بن عبد الله بن سليمان أن شيخنا أبا
العلاء أحمد بن شاكر توفي بها في شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وثلاثين المذكوره.
أحمد بن شبوية:
ابن أحمد بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد الأكبر بن كعب بن مالك بن كعب بن
الحارث بن قرط بن مازن بن سنان بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن عامر، وهو خزاعة، أبو
الحسن الماخواني الخزاعي.
وقيل هو أحمد بن محمد بن ثابت، وشبويه لقب أبيه محمد أو جده، وقيل هو مولى لبديل
بن ورقاء الخزاعي، وهو منسوب إلى قرية من قرى مرو يقال له ماخوان، وسكن طرسوس وأقام
بها إلى أن مات.
وذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل فقال: أحمد ابن شبوية
المروزي أبو الحسن الخزاعي، وهو أحمد بن محمد بن شبوية حدثنا علي بن الهسنجاني
عنه.
روى عن وكيع، وعبد الرزاق، وأبي أسامة.
مات بطرسوس سنة ثلاثين ومائتين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك؛ سمعت أبا زرعة
يقول: جاءنا نعيه وأنا بحران، ولم أكتب عنه، وكذلك سمعت أبي يقول: أدركته ولم أكتب
عنه.
روى عنه أيوب بن اسحق بن سافري نزيل الرملة، وعبد الملك بن ابراهيم الجدي.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: هو أحمد بن محمد بن شبوية، حدثنا علي بن
الحسين الهسنجاني عنه هكذا، وسنذكره في باب المحمدين من أباء الأحمدين إن شاء
الله.
أنبأنا أبو يعقوب يوسف بن محمود الصوفي عن الحافظ أبي طاهر السلفي قال: أخبرنا أبو
الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي
بن أحمد بن الفضل الآزجي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد
بجرجرائا قال: أخبرنا أبو عمران موسى بن هرون بن عبد الله البزاز قال: ومات أحمد
بن شبويه بطرسوس آخر سنة ثلاثين أو تسع وعشرين ومائتين.
أنبأنا أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر الحافظ قال: أخبرنا أبو علي أحمد ابن محمد
البرداني قال: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون قال: أخبرنا أبو الحسن
أحمد بن محمد العتيقي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ قراءة
عليه قال: قال أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ابن بنت منيع:
مات أحمد بن شبويه بطرسوس سنة تسع وعشرين، أو سنة ثلاثين في أولها، يعني ومائتين.
من اسمه شعيب في آباء الأحمدين
أحمد بن شعيب بن عبد الأكرم الأنطاكي:
حدث عن الحسن بن عبد الأعلى البياسي، ومحمد بن أبي يعقوب الدينوري، وعبيد بن محمد
الكشوري، ويعقوب بن يوسف الفروي.
روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء، وكان من الصالحين العباد، والأخيار
الزهاد.
أخبرنا
أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد
الكريم بن محمد بن أبي المظفر السمعاني.
وأخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد
بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن الأخوة البغدادي، وصاحبته عين الشمس بنت
أبي سعيد بن الحسين بن محمد بن سليم قالوا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء
الدوري قالا: أخبرنا؛ وقالت: إجازة، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي،
وأبو الفتح منصور بن الحسين الكاتب، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن
المقرىء قال: حدثنا أحمد بن شعيب بن عبد الأكرم الأنطاكي، وكان يقال أنه من
الأبدال، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله البوسي، وقال أبو مسلم وصاحبته: الحسن بن
عبد الأعلى البياس - وهو الصحيح - ، قال: حدثنا عبد الرزاق عن عبد الله عن القاسم
بن محمد عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الغيث
قال: اللهم سيباً نافعاً.
أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد بن أبي الرجاء الشهرياري في كتابه إلينا من
أصبهان قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد بن أحمد البغدادي قالت: أخبرنا أبو
طاهر أحمد بن محمود بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن علي قال: حدثنا أحمد
بن شعيب بن عبد الأكرم الأنطاكي قال: حدثنا عبيد بن محمد ابن إبراهيم الكشوري قال:
حدثني محمد بن عمر بن أبي مسلم قال: حدثنا محمد ابن مصعب الصنعاني قال: حدثني
القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن عمه عبيد
الله بن عمر عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول، فذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: لعله بشفاعتي يوم القيامة يجعل في
ضحضاح من النار، يبلغ كعبيه، تغلي منه جبهته أو دماغه.
أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر:
أبو عبد الرحمن النسائي، القاضي الحافظ الإمام، كان علما من الأعلام، وإماما من
أئمة الإسلام، وإليه في علم الحديث ومعرفة رجاله النقض والابرام، رحل الرحلة
الواسعة، وسافر في طلب الحديث وجمعه إلى البلاد الشاسعة، قدم حلب، وسمع بها أبا
العباس الفضل بن العباس بن ابراهيم الحلبي، وسمع بالمصيصة قاضيها أحمد بن عبد الله
بن علي بن أبي المضاء المصيصي.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بحلب قال: أخبرنا أبو طاهر الشيحي قال: أخبرنا
أبو محمد الدوني قال: أخبرنا القاضي أبو نصر الكسار قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن
محمد بن اسحق السني الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن قال: أخبرنا علي بن حجر
قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس قال: خرجت جاري عليها
أوضاح، فأخذها يهودي فرضخ رأسها، فأخذ ما عليها من الحلي، فأدركت وبها رمق، فأتي
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من قتلك أفلان؟ فقالت برأسها: قال: ففلان
حتى سمى اليهودي، فقالت برأسها: نعم، فأخذ فاعترف، فأتى به رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن
زريق القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا أبو سعد
الماليني قراءة، قال: أخبرنا أبو بكر الوليد بن القاسم بن أحمد الصوفي بمصر قال:
حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي قال: حدثنا الفضل بن العباس بن
ابراهيم قال: حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثني بشر، وهو ابن الحارث، قال: حدثنا
ابراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأكل القثاء بالرطب.
أخبرنا
أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن البناء البغدادي بدمشق وأبو سعد ثابت بن مشرف
بن أبي سعد البناء البغدادي بحلب قالا: أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبيد الله ابن
الزاغوني قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر الأنباري قال:
أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد
بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا محمد بن
ربيعة عن أبي عميس، واسمه عبيد بن عبد الله، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن
أبي هريرة قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا انتصف شعبان فكفوا عن
الصوم.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني في كتابه قال:
أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي.
وأنبأنا القاسم بن عبد الله بن عمر الصفار قال: أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمد بن
منصور قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله
الحافظ قال: سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من
يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
وقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يذكر أربعة من
المسلمين رآهم، فبدأ بأبي عبد الرحمن.
وقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت
مأمون المصري الحافظ يقول: خرجت مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس سنة للفداء فاجتمع
جماعة من مشايخ الاسلام، واجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن
ابراهيم مربع، وأبو الأذان، وكيلجة، وسنجة ألف، وغيرهم، فتشاوروا من ينتقي لهم على
الشيوخ، فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه.
قال الحاكم أبو عبد الله: فأما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث، فأكثر من أن
يذكر في هذا الموضع، ومن نظر في كتاب السنن له تحير في حسن كلامه، وليس هذا الكتاب
مسموع عندنا.
ومع ما جمع أبو عبد الرحمن من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره، فحدثني محمد بن
اسحق الأصبهاني قال: سمعت مشايخنا بمصر يذكرون أن أبا عبد الرحمن فارق مصرفي آخر
عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان وما روى من فضائله فقال: لا
يرضى منا معاوية رأسا برأس حتى يفضل فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من
المسجد، ثم حمل إلى الرملة، فمات بها سنة ثلاث وثلاثمائة وهو مدفون بالرملة.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي، وأخبرنا به اجازة عنه أبو علي حسن
بن أحمد بن يوسف وغيره، قال: قرأت على أبي عبد الله يعني محمد ابن أحمد بن ابراهيم
الرازي بالاسكندرية عن أبيه أبي العباس قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن
عمر الصيرفي قال: حدثنا أبو اسحق ابراهيم ين نصر البزاز، وكتبه لي بخطه، قال:
حدثنا علي بن محمد الكاتب المادرائي قال: حدثني أبو منصور تكين الأمير قال: قرأ
علي أبو عبد الرحمن النسائي كتاب الخصائص فقلت له: حدثني بفضائل معاوية، فجاءني
بعد جمعة بورقة فيها حديثان، فقلت: أهذه بس؟ فقال: وليست بصحاح، هذه غرم معاوية
عليها الدراهم، فقلت له: أنت شيخ سوء، لا تجاورني، فقال: ولا لي في جوارك حظ،
وخرج.
قال علي بن محمد المادرائي: وحدثني أهل بيت المقدس قالوا: قرأ علينا أبو عبد
الرحمن النسائي كتاب الخصائص، فقلت له: أين فضائل معاوية؟ فقال: وما يرضى معاوية
أن يسكت عنه، قال: فرجمناه وضغطناه، وجعلنا نضرب جنبه، فمات بعد ثلاث.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان قال: أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد
الله بن محمد الاشيري قال: أنبأنا القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض قال:
حدثنا الفقيهان أبو محمد عبد الله بن أبي جعفر الخشنين وعبد الرحمن بن محمد بن
عتاب بقراءتي عليهما قالا: حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد قال: حدثنا أبو الحسن
القابسي الفقيه قال: سمعت أبا الحسن بن هاشم المعري يقول: سئل أبو عبد الرحمن
النسائي عن اللحن.
أخبرنا
أبو الفرج محمد محمد بن علي بن بن حمزة بن القبيطي في كتابه قال: أخبرنا أبو الحسن
بن الآبنوسي قال: أخبرنا أبو القاسم الاسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم السهمي
قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت منصور الفقيه وأحمد بن محمد بن سلمة
الطحاوي يقولان: أبو عبد الرحمن النسائي امام من أئمة المسلمين.
وقال أبو أحمد بن عدي: أخبرني محمد بن سعيد البارودي قال: ذكرت لقاسم المطرز أبا
عبد الرحمن النسائي فقال: هو إمام، أو يستحق أن يكون اماما، أو كما قال:.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
أحمد بن شكر بن عبد الرحمن بن أبي حامد بن عبد الرحمن:
الملقب بنان - بن علي - الملقب ذؤيب - بن أبي البركات - وكان يلقب عصية لطوله
ودقته - بن هبة الله - ويكنى أبا الحمر - بن أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن أبي
الحسن علي بن أحمد بن محمد بن موسى بن يعقوب بن محمد ابن المقداد بن عمرو بن ثعلبة
بن مالك بن ربيعة المعروف بابن الاسود الكندي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
أبو العباس بن أبي حامد بن أبي القاسم بن أبي حامد الكندي المقدادي الحربي الخياط،
المعروف بابن عصية المقرىء، من أولاد المحدثين من أهل الحربية.
وكان أبو الحمر هبة الله قدم من دمشق، وسكن الحربية، وأعقب بها.
سمع أبو العباس أباه أبا حامد، وجده أبا القاسم عبد الرحمن، وجده لامه أبا بكر
محمد بن المبارك بن مشق، وأبا منصور عبد الله بن محمد بن علي بن علي بن عبد السلام
الكاتب، وأبا الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني، وأبا الفرج عبد
الرحمن بن علي بن الجوزي، وخلقا غير هؤلاء يطول ذكرهم، وحدث ببعض حديثه وسمع منه
جماعة من طلبة الحديث.
وقال لي أبو حفص عمر بن دهجان البصري: هذا الشيخ سافر إلى البيت المقدس زائرا بعد
أن حج إلى بيت الله الحرام، فدخل حلب مرتين في ذهابه وعوده.
ومولده في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بالحربية، وهو شيخ صالح خير متدين، متواضع
كثيرة التلاوة للقرآن، محب للحديث وأهله، فقير صبور، متقنع بالحلال، يأكل من كسب
يده، حسن الطريقة، صحيح العقيدة، محمود السيرة على قانون السلف.
أحمد بن شيبان الأحنف المصيصي:
حدث عن محمد بن كثير المصيصى، روى عنه أبو سهل أحمد بن محمد بن يزيد الفارسي نزي
المصيصة.
ذكر حرف الصاد في آباء الأحمدين
أحمد بن صافي:
أبو بكر التنيسي، مولى الحباب بن رحيم البزاز، سمع بحلب وغيرها من الثغور: أبا بكر
محمد بن أحمد بن أبي ادريس الامام، وأبا أيوب سليمان بن محمد بن ادريس بن رويط،
وأبا بكر محمد بن بركة بن الفرداح برداعس الحلبيين، وعثمان بن محمد بن علي بن علان
الذهبي نزيل حلب، وأبا عمير عدي ابن أحمد بن عبد الباقي الآذي، وأبا الحسين مسدد
بن يعقوب الفلوسي قاضي تنيس، وأبا عبد الله محمد بن الحكم، وبكر بن أحمد الشعراني،
وأبا جعفر محمد ابن الحسين بن زيد، وأبا الحسن جعفر بن محمد الحروي، وأبا الحسن
علي بن عبد الله بن أبي مطر، وأبا اسحق ابراهيم بن ميمون الصواف، وأبا أحمد جابر
ابن عبد الله بن حاتم الجهازي، وأبا بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي، وأبا الحسن
داود بن أحمد بن مصحح، وأبا الحسين علي بن محمد بن أبي الحديد المصري، وعبد القدوس
بن عيسى بن موسى الحمصي، وأبا علي الحسين بن يوسف بن مليح الطرائفي، واسماعيل بن يعقوب
الحراب.
روى عنه أبو الحسين الميداني، وسمع منه بدمشق عبد العزيز وعبد الواحد ابنا محمد بن
عبدويه الشيرازي.
أنبأنا أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي
بن الحسن بن هبة الله الدمشقي قال: أنبأنا أبو القاسم عبد المنعم بن علي أحمد
الكلابي قال: أخبرنا علي بن الخضر قال: أخبرنا أبو الحسين الميداني قال: حدثنا
أحمد بن صافي التنيسي قال: حدثنا عثمان بن محمد الذهبي قال: حدثنا ابراهيم بن زياد
قال: حدثنا محمد الاسفاطي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا
رسول الله: ان عبد الله بن داود حدثنا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن
مسعود عنك بحديث الصادق المصدوق، فهو عنك يا رسول الله، فذكر الحديث،؟ قال: رحم
الله كل من حدث به إلى يوم القيامة.
قال
الحافظ أبو القاسم: قرأت بخط الميداني: حدثنا أبو بكر أحمد بن صافي مولى الحباب بن
رحيم البزاز، قدم علينا من تنيس في سنة ستين وثلاثمائة، بحديث ذكره، فتكون وفاته
بعد ذلك، والله أعلم.
ذكر من أبوه صالح من الأحمدين
أحمد بن صالح بن عبد الرحمن:
أبو بكر الصوفي الحافظ الأنماطي، المعروف بكليجة، ويسمى أيضاً محمدا، والأكثر على
ذلك، وقد ذكرنا في ترجمة أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي أنه كان مع جماعة من
مشايخ الاسلام والحفاظ بطرسوس، واجتمعوا للفداء، وقد استقصينا ترجمته في المحمدين،
إذ الأكثر على أن اسمه محمد.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن زريق قال: أخبرنا
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن صالح الصوفي، وهو محمد بن صالح
بن عبد الرحمن، أبو بكر الحافظ الأنماطي، المعروف بكليجة، كان محمد بن مخلد يسميه
أحمد في بعض رواياته، ومحمدا في بعضها.
حدث عن أبي حذيفة النهدي، وسعيد بن أبي مريم البصري، وموسى بن أيوب النصيبي،
وغيرهم.
روى عنه أبو بكر بن أبي حامد صاحب بيت المال وسماه أحمد، كما سماه ابن مخلد هاهنا،
وروى عنه غيرهما فسماه محمدا، وقد ذكرناه في المحمدين.
أحمد بن صالح بن عمر بن اسحق:
أبو بكر المقرىء البزاز البغدادي، صاحب أبي بكر بن مجاهد، انتقل من بغداد إلى
الشام، ونزل أطرابلس وسكنها، فقد اجتاز بحلب أو بعملها.
ذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد بما أخبرنا به أبو اليمن زيد بن الحسن قال:
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن صالح بن عمر،
أبو بكر المقريء انتقل إلى الشام، ونزل أطرابلس، حدث بها وبالرملة عن جعفر بن عيسى
الناقد، ومحمد بن الحكم العتكي، وروى عنه الغرباء، وذكر ابن الثلاج أنه سمع منه.
وقال الخطيب: حدثنا يحيى بن علي، أبو طالب الدسكري لفظا قال: أخبرنا أبو العباس
أحمد بن محمد بن الحسن بن مالك الجرجاني بها قال: حدثني أبو بكر أحمد بن صالح بن
عمر المقرىء البغدادي بأطرابلس قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحكم العتكي قال:
حدثنا سليمان - يعني ابن سيف - قال: حدثنا أحمد بن عبد الملك قال: حدثنا أبو بكر
بن عياش عن أبي حصين عن أبي بردة قال: كنت جالسا عند عبد الله بن زياد فقال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان عذاب هذه الأمة في دنياها.
قال الخطيب: هكذا حدثناه أبو طالب من أصل كتابه، وقد سقط منه ألفاظ كثيرة ففسد
بذلكن وصوابه ما أخبرناه أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد ابن القاسم
المخزومي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي - إملاءً - قال: حدثنا أبو جعفر
محمد بن يوسف التركي قال: حدثنا اسحق بن موسى قال: سألت أبا بكر بن عياش، وعنده
هشام بن الكلبي، فأخبرنا عن أبي حصين عن أبي بردة قال: كنت عند عبيد الله بن زياد
فأتي برؤوس من رؤوس الخوارج، فجعلت كما أتي برأس أقول: إلى النار، إلى النار،
فعيرني عبد الله بن يزيد الأنصاري وقال: يا بن أخ وما تدري، سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: جعل عذاب هذه الأمة في دنياها.
كذا قال الخطيب: وقد سقط منه ألفاظ كثيرة ففسد بذلك.
قلت: والظاهر أنه تصحف يزيد بزياد لا غير، والصواب: كنت جالسا عند عبد الله بن
يزيد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، ولم يذكر أنه كان عند
عبيد الله بن زياد، ولا أنه أتي برؤوس الخوارج، فلا يفسد الحديث، والله أعلم.
أحمد بن صالح المصري:
أبو جعفر الحافظ المعروف بابن الطبري، حدث عن عبد الله بن وهب المصري، واسماعيل بن
أبي أويس، وابراهيم بن الحجاج، وعنبسة بن خالد، وعبد الله بن ابن نافع.
روى عنه محمد بن اسماعيل البخاري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان
الفسوي، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وابنه أبو بكر عبد الله بن أبي
داود، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وأبو اسماعيل الترمذي، وأبو بكر بن
زنجويه، وأبو علي صالح بن محمد جزره، ومحمود بن غيلان، ومحمد بن عبد الله بن نمير،
وأبو حاتم محمد بن اسحق الرازي، وسمع منه بأنطاكية.
أخبرنا
أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقي بالبيت المقدس قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن
محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين الطريثيثي، ومحمد بن عبد
الكريم بن محمد.
وأخبرنا أبو اسحق ابراهيم بن عثمان الكاشغري قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد
الباقي بن البطي، وأبو المظفر أحمد بن محمد بن علي الكاغدي، قال أبو الفتح: أخبرنا
أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون. وقال الكاغدي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي
الطريثيثي، قالوا: أخبرنا الحسين ابن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: أخبرنا أبو
محمد عبد الله بن جعفر بن دستوريه قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي
قال:.........
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز
قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أحمد بن صالح، أبو جعفر المصري،
طبري الأصل، سمع عبد الله بن وهب، وعنبسة بن خالد، وعبد الله بن نافع، واسماعيل بن
أبي أويس، وكان أحد حفاظ الأثر، عالماً بعلل الحديث، بصيراً باختلافه.
وورد بغداد قديماً، وجالس بها الحفاظ، وجرى بينه وبي أبي عبد الله أحمد بن حنبل
مذاكرات، وكان أبو عبد الله يذكره ويثني عليه، وقيل إن كل واحد منهما كتب عن صاحبه
في المذاكرة - حدثنا - .
ثم رجع أحمد إلى مصر فأقام بها، وانتشر عند أهلها علمه، وحدث عه الأئمة منهم: محمد
بن يحيى الذهلي، ومحمد بن اسماعيل البخاري، ويعقوب ابن سفيان الفسوي، وأبو زرعة
الدمشقي، وأبو اسماعيل الترمذي، وأبو داود السجستاني، وابنه أبو بكر وصالح جزره؛
ومن الشيوخ المتقدمين: محمد بن عبد الله بن نمير، ومحمود بن عيلان وغيرهما.
أنبأنا تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي
بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحلال قال: أخبرنا أبو
القاسم بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر بن سلمة قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاء.
قال الحلال: وأخبرنا ابن مندة قال: أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني - إجازة -
قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أحمد بن صالح المصري، أبو جعفر، روى عن
ابن عيينة، وابن وهب، وعبد الرزاق، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك.
قال: وسمعت أبي يقول: كتبت عنه بمصر، ودمشق، وأنطاكية.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت محمد ابن عبد الله بن
نمير يقول: حدثنا أحمد بن صالح: فإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله؛ سئل أبي عن أحمد
بن صالح فقال: ثقة.
أخبرنا أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة بن فارس المعروف بابن القبيطي في كتابه قال:
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي قال: أخبرنا أبو القاسم
الإسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال:
سمعت محمد بن سعد السعدي يقال: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي أحمد بن شعيب يقول:
سمعت معاوية بن صالح يقال: سألت يحيى بن معين عن أحمد بن صالح فقال: رأيته كذاباً
يخطب في جامع مصر.
وكان النسائي هذا سيء الرأي فيه، وينكر عليه خمسة أحاديث منها: عن ابن وهب عن مالك
عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة.
قال ابن عدي: حدثناه العباس بن محمد بن العباس عن أحمد بن صالح بذلك.
قال ابن عدي: وأحمد بن صالح من حفاظ الحديث، وخاصة حديث الحجاز، ومن المشهورين
بمعرفته، وحدث عنه البخاري مع شدة استقصائه، ومحمد بن يحيى، واعتمادهما عليه في
كثير من حديث الحجاز، وعلى معرفته، وحدث عنه من حدث من الثقات فاعتمدوه حفظا
وإتقانا، وكلام ابن معين فيه تحامل.
فأما سوء ثناء النسائي عليه، فسمعت محمد بن هارون بن حسان الرقي يقول: هذا
الخراساني - يعني النسائي - يتكلم في أحمد بن صالح، وحضرت أحمد بن صالح فطرده من
مجلسه، فحمله ذلك على أن تكلم فيه، وهذا أحمد ابن حنبل قد أثنى عليه، والقول فيه:
ما قاله أحمد رحمه الله لا ما قاله غيره.
وحديث الدين النصيحة الذي أنكره عليه النسائي فقد رواه عن ابن وهب يونس بن عبد
الأعلى، وقد رواه عن مالك محمد بن خالد بن عثمة، وغيره.
وقال
ابن عدي: سمعت محمد بن موسى الحضرمي - يعرف بأخي أبي عجيبة - بمصر يقول: سمعت بعض
مشايخنا يقول: قال أحمد بن صالح: صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث، فعند بعض
الناس منها الكل - يعني حرملة - ، وعند بعض الناس منها النصف - يعني نفسه - .
قال ابن عدي: وأحمد بن صالح من أجلة الناس، وذاك أني رأيت جمع أبي موسى الزمن في
عامة ما جمع من حديث الزهري يقول: كتب إلي أحمد بن صالح: حدثنا عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري، ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلم فيه متكلم، لكنت
أجل أحمد بن صالح أن أذكره.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب
قال: حدثني أحمد بن محمد العتيقي قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن ابن أحمد بن يونس
بن عبد الأعلى المصري قال: حدثنا أبي قال: كان أحمد بن صالح يكنى أبا جعفر؛ كان
صالح جندياً من أهل طبرستان من العجم، وولد أحمد بن صالح بمصر في سنة سبعين ومائة،
وتوفي بمصر يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين، وكان
حافظاً للحديث.
ذكر أبو عبد الرحمن النسائي أحمد بن صالح فرماه وأساء الثناء عليه وقال: حدثنا
معاوية بن صالح قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف.
وقال أبي: ولم يكن عندنا بحمد الله كما قال، ولم يكن له آفة غير الكبر.
أنبأنا محمد بن علي الحراني قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبد الله بن علي قال: أخبرنا
الإسماعيلي قال: أخبرنا حمزة بن يوسف قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال:
سمعت عبدان الأهوازي يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: أحمد بن صالح ليس هو كما
يتوهمون الناس، يعني ليس بذاك في الجلالة.
قلت: والظاهر أن أبا داود إنما أراد أنه ليس كما يتوهمون في سوء الرأي فيه، فإن
أبا داود ذكر عن أحمد بن صالح كلاما يشعر بتعظيمه وحسن الرأي فيه أخبرناه شيخنا
أبو اليمن الكندي - إذنا - قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال:
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال: أخبرنا محمد بن عدي بن زهر البصري في كتابه
قال: حدثنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري قال: سمعت أبا داود يقول: كتب أحمد بن
صالح عن سلامة بن روح، وكان لا يحدث عنه، وكتب عن ابن زبالة خمسين ألف حديث، وكان
لا يحدث عنه، وحدث أحمد بن صالح ولم يبلغ الأربعين، وكتب عباس العنبري عن رجل عنه.
أخبرنا الكندي - إذنا - قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: كتب
إلي بعد الرحمن بن عثمان الدمشقي يذكر أن أبا الميمون البجلي أخبرهم.
قال أبو بكر: ثم أخبرنا أبو بكر البرقاني قراءة قال: أخبرنا محمد بن عثمان القاضي
قال: حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله البجلي بدمشق قال: حدثنا أبو زرعة
عبد الرحمن بن عمرو النصري قال: سألني أحمد بن حنبل قديما: من بمصر؟ قلت: بها أحمد
بن صالح فسر بذكره ودعا له.
أنبأنا أبو الفرج بن القبيطي قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو القاسم
بن مسعدة قال: أخبرنا حمزة السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت أحمد بن
عاصم الأقرع بمصر يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو يقول: قدمت
العراق فسألني أحمد بن حنبل: من خلفت بمصر؟ قلت: أحمد بن صالح، فسر بذكره، وذكر
خيرا، ودعا الله عز وجل له.
قال ابن عدي: حدثنا عبد الملك بن محمد قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن ابن المغيرة
قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: سمعت أبا نعيم الفضل ابن دكين يقول: ما
قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى، يريد أحمد بن صالح.
قال
أبو أحمد بن عدي: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا بكر زنجويه
يقول: قدمت مصر فأتيت أحمد بن صالح، فسألني: من أين أنت؟ قلت من بغداد، قال: فأين
منزلك من منزل أحمد بن حنبل؟ قلت: أنا من أصحابه، قال: تكتب لي موضع منزلك فإني
أريد أوافي العراق حتى تجمع بيني وبين أحمد بن حنبل، فكتبت له، فوافى أحمد بن صالح
سنة اثنتي عشرة إلى عفان، فسأل عني فلقيني، فقال: الموعد الذي بيني وبينكن فذهبت
به إلى أحمد بن حنبل، فاستأذنت له، فقلت: أحمد بن صالح بالباب، فقال: ابن الطبري؟ قلت:
نعم، فأذن له، فقام إليه ورحب به، وقربه وقال له: بلغني أنك جمعت حديث الزهري
فتعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلا
يتذاكران ولا يغرب أحدهما عن الآخر حتى فرغا، وما رأيت أحسن من مذاكرتهما، ثم قال
أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح: تعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أولاد أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وجعلا يتذاكران ولا يغرب أحدهما عن الآخر، إلى أن قال
أحمد ابن حنبل لأحمد بن صالح: عندك عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن
عبد الرحمن بن عوف قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يسرني أن لي حمر النعم
وأن لي حلف المطيبين، فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا
! فجعل أحمد يتبسم ويقول: رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح، عبد الرحمن بن اسحق،
فقال: من رواه عن عبد الرحمن؟ فقال حدثناه رجلان ثقتان: اسماعيل بن علية، وبشر بن
المفضل، فقال أحمد ابن صالح لأحمد بن حنبل: سألتك بالله، إلا أمليته علي، فقال
أحمد: من الكتاب، فقام فدخل وأخرج الكتاب وأملاه عليه ؛ فقال أحمد بن صالح: لو لم
أستفد بالعراق إلا هذا الحديث كان كثيرا، ثم ودعه وخرج.
وقال أحمد بن عدي: حدثنا العباس بن محمد بن العباس قال: حدثنا موسى ابن سهل قال:
قدم أحمد بن صالح الرملة فسألوه أن يحدثهم ويجلس للناس، فأبى وامتنع عن ذلك،
فكلموا ابن أبي السري العسقلاني، فكلمه فجلس للناس، فحدثنا حينئذ بألوف من حفظه.
قال موسى: وسألته منذ ثلاثين سنة عن تفسير حديث أبي الطفيل، فقال نصدق بهذه
الأحاديث على وجوهها، ولا نسأل عن تأويلها، ثم سألته الآن عن مثل ذلك، فقال لي:
هذه أخت تلك وبينهما نحو من ثلاثين سنة أو أكثر.
وقال ابن عدي: سمعت عصمة بن كماك يقول: سمعت صالح جزرة يقول: حضرت مجلس أحمد بن
صالح فقال أحمد: حرج على كل مبتدع وما جن أن يحضر مجلسي، فقلت: أما المبتدع فلست،
وأما الماجن فأنا هو، وذلك أنه قيل له: إن صالح الماجن قد حضر مجلسك.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد
بن علي الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عبد الله المعبر بأصبهان قال:
حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل بن مخلد الغزال قال: وأحمد بن صالح،
أبو جعفر طبري الأصل، وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ثمان
وأربعين ومائتين؛ كان من حفاظ الحديث، واعياً، رأساً في علم الحديث وعلله، وكان
يصلي بالشافعي، ولم يكن في أصحاب ابن وهب أحد أعلم منه بالآثار.
أنبأنا أبو اليمن قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر قال: أخبرني
الطناجيري قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال: سمت يحيى بن محمد بن صاعد يقول.
قال أبو بكر: وأخبرنا البرقاني قال: قرأت على إسماعيل بن هشام الصرصري حدثكم محمد
بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رشدين قال: مات
أحمد بن صالح سنة ثمان وأربعين ومائتين، زاد ابن رشدين لثلاث بقين من ذي القعدة.
وقد روينا عن ابن يونس أنه توفي بمصر يوم الإثنين لثلاث خلون من ذي القعدة. فوقع
الاتفاق على الشهر والسنة ووقع الاختلاف في الأيام لا غير.
من اسم أبيه الصقر من الأحمدين
أحمد بن الصقر بن أحمد بن ثابت:
أبو الحسن المنبجي المقرىء العابد، رجل صالح عارف بوجوه القراءات وعللها، وله مصنف
في القراءات سماه الحجة ذكر فيه القراءات السبعة، وبين وجوهها وعللها، وهو كتاب
حسن، وقفت عليه وطالعته.
قرأ
القرآن العظيم على أبي القاسم هبة الله بن جعفر بن محمد بن الهيثم المقرىء، وأبي
طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم، وأبي عيسى بكار ابن أحمد بن بكار بن
بنان بن بكار بن زياد، وأبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم النحوي، وأبي الحسن علي بن
محمد بن البزاز القلانسي؛ وأخذ القراءات عنهم دراية ورواية.
وأجاز أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، وشاهدت خطه له في الإجازة، وسماه
بأبي الحسن أحمد بن الصقر العابد.
روى عنه: أبو محمد عبدان بن عمر بن الحسن المنبجي، وأبو الحسن علي ابن محمد بن
معيوف العين ثرماني.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو
القاسم علي بن الحسن قال: بلغني أن أبا الحسن المنبجي الذي كان بدمشق توفي قبل
الستين وثلاثمائة.
ووقع إلي جزء بخط بعض الفضلاء من أهل دمشق، كتبه بها، يتضمن وفاءات جماعة من
المحدثين والعلماء قال: سنة ست وستين وثلاثمائة، توفي أبو الحسن المنبجي، وهو أحمد
بن الصقر بن ثابت صاحب كتاب القراءات، في ربيع الآخر من السنة.
أحمد بن الصقر بن ثوبان:
أبو سعيد الطرسوسي، حدث عن أبي سلمة يحيى بن خلف الباهلي، وأبي كامل الجحدري، ومحمد
بن عبيد بن حساب، وبشر بن معاذ العقدي، ومحمد ابن موسى الجرشي، وعقبة بن سنان
الذارع، وروح بن قرة المقرىء، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن عبد الله بن بزيع،
وأحمد بن اسحق البزار، ومحمد ابن عبد الأعلى الصنعاني، وعبد الجبار بن العلاء.
روى عنه الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي الحافظ الحلبي، وأبو بكر محمد بن عبد الله
بن إبراهيم الشافعي، وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي، وأبو بكر بن
الجعابي، وعلي بن محمد بن لؤلؤ الوراق، وأبو بكر الاسماعيلي.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد
بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن الصقر ابن ثوبان، أبو سعيد
البصري، وأصله من طرسوس.
ذكر لي أبو نعيم الحافظ أنه كان مستملي بندار، سكن بغداد وحدث بها عن: أبي كامل
الجحدري، وبشر بن معاذ العقدي، ومحمد بن عبد الله بن بزيع، ومحمد بن موسى الجرشي،
ومحمد بن عبيد بن حساب، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وعبد الجبار بن العلاء،
ونصر بن علي الجهضمي.
روى عنه: أبو بكر الشافعي، وأبو بكر بن الجعابي، وأبو محمد بن السبيعي، وعلي بن
محمد بن لؤلؤ، وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي وغيرهم، وكان ثقة.
وقال الخطيب: أخبرنا البرقاني قال: أخبرنا أبو بكر الاسماعيلي، قال: حدثنا أبو
سعيد أحمد بن الصقر بن ثوبان، بصري، ببغداد.
حرف الضاد في الآباء
فارغ
ذكر حرف الطاء في آباء الأحمدين
من اسم أبيه طاهر
أحمد بن طاهر بن النجم:
أبو عبد الله الميانجي، سمع بحلب قاضيها أبا اسحق إبراهيم بن جعفر بن جابر، وروى
عنه وعن أحمد بن يحيى ثعلب وأحمد بن علي الأبار ومحمد بن عبدوس، وأحمد ب يحيى
الحلواني، ومحمد بن أيوب، ومحمد بن يوسف الضبي التركي، وموسى بن حمدون العكبري،
ومحمد بن موسى الحلواني، وعلي بن سلم، وموسى بن هارون، وأبي بكر بن بنت معاوية بن
عمرو وإبراهيم بن يوسف الرازي، وحفص بن عمر، ومكحول البيروتي، وأبي يعلى الموصلي،
وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وجعفر الفريابي، وغيرهم.
روى عنه أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي.
قرأت بخط أبي محمد الحسن بن الحسين بن أحمد الخمكري الأديب، وكان من أصحاب أبي
الحسين بن فارس بن زكريا فيما قرأه على أبي الحسين بن فارس، وعليه خطه، قال:
أخبرنا أحمد بن طاهر قال: قرأت على أبي اسحق إبراهيم بن جابر القاضي بحلب، فأقربه،
قال: حدثنا سلم بن جنادة قال: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن قتادة عن
زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكماة من المن
وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهي شفاء للسقم.
أحمد بن طاهر الدمشقي:
حكى عن عبد الله بن خبيق بن سابق الأنطاكي، ولقيه بها، روى عنه عمر ابن المؤمل
الطرسوسي أبو القاسم.
أنبأنا
تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن كتابة، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن
هبة الله قال: أنبأنا أبو طاهر بن الحنائي قال: أخبرنا أبو علي الأهوازي المقرىء
قال: حدثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي المقرىء بمكة قال: حدثنا أبو
القاسم عمر بن المؤمل قال: حدثنا أحمد بن طاهر الدمشقي قال: حدثنا عبد الله بن
خبيق قال: سألت يوسف بن أسباط: هل مع حذيفة المرعشي علم؟ فقال: معه العلم الأكبر،
خوف الله عز وجل.
أحمد بن طاهر الأسدي:
المعروف بابن الموصول الحلبي، وهو جد جد الوزير أبي الفضل هبة الله بن عبد القاهر
بن أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن طاهر، وزير الملك رضوان ابن تتش.
قرأت بخط بعض الحلبيين في جزء يتضمن مدائح الوزير أبي الفضل بن الموصول، وأظنه بخط
سني الدولة أبي العلاء المحسن بن الحسين كاتب الحضرة وذكر في نسب الوزير أبي
الفضل: جد جده أحمد بن طاهر الأسدي المذكور.
وذكر أنه كان من الشهود المميزين بحلب، وكان فيه من قوة النفس، وعظم المحل أجمل
صفه، ومن الدين والزهد، ما لم يكن مثله في سواه من أهل زمانه، فلما اتصل خبره
بالحاكم الفاطمي المستولي على مصر، وما هو عليه من الدين والأدب والعلم، والسؤدد
الثاقب والفهم، حمله الشوق إليه على إيثار مشاهدته، فأنفذ رسولاً قاصداً يستدعيه
إليه ويسومه الوفادة عليه، وأصحبه من المال والدواب ما يستعين به على طريقه، رغبة
منه في رؤيته، والتبرك بمؤانسته فلما مثل بين يديه مال بجملته إليه، وتقدم بأن
يخلع عليه، وأمر بانزاله، واجمال ضيافته، فلما كان بعد ثلاث أمر بإحضاره، فلما حضر
أكرم مثواه وقربه وأدناه، وأمره بمواصلة حضرته، وتقدم إلى الحجاب برقع حجبته،
فأقام عنده المدة الطويلة كل يوم يمضي تتضاعف حظوته، وتتزايد من قلبه مكانته.
وفي بعض الأيام وهو بين يديه أراد الحاكم من شدة محبته له، وإعجابه به أن يبالغ في
كرامته ونباهة قدره فقال له: أدخل يدك يا أحمد حك ظهري، ففعل ما رسم له، وداخل يده
من كمه وحك الموضع الذي أشار إليه من ظهره، فلما أخرج يده قال له الحاكم: يا أحمد
ما أردت بذلك إلا إكرامك، حتى تقول وضعت يدي على ظهر أمير المؤمنين بن بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وأزيدك كرامة وتشريفاً، وخلع عليه طيلسانا كان عليه،
وقلده سيفاً فاخراً كان يتقلد به يوم ركوبه في الأعياد، وأعطاه دواة كانت تحضر بين
يديه للتوقيعات، وذلك كله عند ولده بتوارثه أب عن جد، ولم يزل مقيماً عند الحاكم
إلى حين وفاته في أرفع رتبة وألطف منزلة.
فهذا ما نقلته من الجزء المشار إليه في مدائح الوزير أبي الفضل بن الموصول.
وقيل أن أحمد بن الموصول أقام عند الحاكم بمصر إلى أن توفي في سنة تسعين
وثلاثمائة.
من أفراد حرف الطاء في آباء الأحمدين
أحمد بن طغان:
قائد مذكور من قواد خمارويه بن أحمد بن طولون وولي على طرسوس وعلى جميع الثغور
الشامية في سنة تسع وسبعين ومائتين، سيره واليا عليها خمارويه ابن أحمد بن طولون،
وعزل عنها محمد بن موسى الأعرج، ودخلها ابن طغان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من
شعبان من السنة، ذكر ذلك ابن أبي الأزهر والقطربلي في تاريخهما الذي إجتمعا على
تأليفه وقالا في تاريخهما المذكور: في سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وفي شعبان، كان
الفداء بين المسلمين والروم على يد أحمد بن طغان، وورد كتاب فيه: أعلمك أن أحمد بن
طغان نادى في الناس بحضور الفداء، وأنه خرج إلى اللامش معسكراً بالمسلمين يوم
الجمعة لخمس خلون من شعبان وأنه صلى في الجامع وركب منه، ومعه راغب ومواليه، ووجوه
البلد والقواد، والموالي، والمطوعة بأحسن زي وأكمل عدة، ووقع الفداء يوم الثلاثاء
لتسع خلون منه، فأقاموا على ذلك إثني عشر يوماً، فكان جملة من فودي به من المسلمين
من رجل وامرأة وصبي: ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس، وانصرف الفريقان، وخرج أحمد بن
طغان، واستخلف على طرسوس دميانة، ولم يعد إلى طرسوس.
قالا:
ولما كان في هذا الشهر - يعني في صفر سنة أربع وثمانين - وافى يوسف بن البغامردي
يخلف ابن طغان، فهوى به دميانة، فوثب براغب، فنصر راغب، وقبض على دميانة وابن
البغامردي وابن اليتيم، فقيدهم وبعث بهم إلى بغداد، وكتب أهل طرسوس إلى هارون بن
خمارويه لا توجه إلينا والياً من قبلك، فإن أتانا قاتلناه، فكف عنهم، وبعثوا إلى
المعتضد ليولي عليهم والياً.
قلت: وكان أحمد بن طغان حسن السيرة في تدبير الثغور، مشكور السياسة، وله غناء في
الجهاد، وإليه ينسب المدي الطغاني الذي كان أهل طرسوس يتعارفونه وقد ذكرنا مقداره
فيما تقدم في ذكر مدينة طرسوس في مقدمة كتابنا هذا.
أحمد بن طلحة:
وقيل محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد
الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو العباس المعتضد بالله ابن أبي أحمد
الموفق الناصر ابن أبي الفضل المتوكل ابن أبي اسحق المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي
ابن المنصور ابن ذي الثفنات الهاشمي، أمير المؤمنين.
وإنما وقع الاختلاف في اسم أبيه، أي الموفق، لأن المتوكل قال: من غلب كنيته من
ولدي على اسمه فاسمه محمد، وكان الغالب كنية أبي أحمد الموفق على اسمه، والأكثر
على أن اسمه طلحة.
وأم المعتضد أم ولد يقال لها نخلة، ويقال ضرار، وكان اسمها قبل أن تصير إلى أبيه
خفير فغير اسمها، وقيل إن اسمها خزر.
وكان مولده سنة اثنتين، وقيل ثلاث وأربعين ومائتين، وبويع له بولاية العهد بعد موت
أبيه في يوم الإثنين لثلاث بقين من المحرم من سنة تسع وسبعين ومائتين ثم ولي
الخلافة بعد موت عمه المعتمد على الله يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب
سنة تسع وسبعين ومائتين وهو ابن ست وثلاثين وقيل سبع وثلاثين، وبويع له ساعة موت
المعتمد، وقعد على السرير وسلم عليه بالخلافة وقت طلوع الشمس من يوم الأحد، وكانت
ولايته عهد المسلمين يوم الاثنين وولايته الخلافة يوم الاثنين، وموته يوم الاثنين،
وقدم حلب من بين أحديهما في حياة أبيه، سيره لقتال خمارويه بن أحمد بن طولون في
جيش.
فقدم حلب في وقت ارتفاع النهار من يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع
الآخر من سنة إحدى وسبعين ومائتين، وقدم إليها على طريق بالس على برية خساف حتى
نزل الناعورة، ثم دخل حلب، ثم خرج من حلب إلى قنسرين ثم توجه إلى شيزر ثم إلى حماه
إلى أن انتهى إلى الرملة وجرى بينه وبين ابن طولون وقعة الطواحين، وانهزم ابن
طولون إلى مصر، ثم عادت النصرة لعسكر ابن طولون على أبي العباس فعاد مفلولاً حتى
وصل أنطاكية، ثم خرج منها إلى بغراس ثم نفذ إلى المصيصة ثم إلى أذنه ثم إلى طرسوس
ثم عاد إلى المصيصة ثم إلى الكنيسة السوداء، ثم نفذ إلى مرعش ثم إلى كيسوم، ثم إلى
حصن منصور ثم إلى سميساط ثم خرج إلى الرها وتوجه إلى بغداد، ذكر ذلك سنان بن ثابت
في سيرة المعتضد، ونقله من خط أحمد بن الطيب السرخسي وذكر فيه المراحل التي نزلها
أبو العباس من يوم خرج من بغداد إلى أن عاد إليها من وقعة الطواحين.
وأما القدمة الثانية فقدمها وهو خليفة خلف وصيف الخادم وفد فارق مولاه الإفشين من
برذعة عاصياً، ومضى إلى الثغور وخلع الطاعة، فسار خلفه، وجد في السير، وقدم حلب في
طريقه في سنة سبع وثمانين فلحقه بعين زربة وقبض عليه وأحرق السفن، ونزل المصيصة،
ثم عاد إلى أنطاكية، ثم إلى حلب ثم توجه إلى بغداد.
وكان المعتضد من أشجع الخلفاء، وأعظمهم همة، وأحسنهم سيرة، وأكملهم رأياً، وأكرمهم
نفساً، وأكثرهم عدلاً.
وحدث عن يزيد بن سنان، وأبيه أبي أحمد الموفق، روى عن إسماعيل بن اسحق القاضي،
وابن ابنه محمد بن علي المكتفي، وأظن أن المعتضد سمع كتاب السنن من أبي داود
السجستاني أخبرنا القاضي أبو المعالي محمود بن محمد بن إسماعيل اليعقوبي في كتابه
إلينا من بوشنج.
قال:
أخبرنا محمد بن منصور الأديب قال: أخبرنا أحمد بن أبي عاصم الصيدلاني قال: أخبرنا
أبو يعقوب اسحق بن إبراهيم العراب الحافظ قال: أخبرنا أبو اسحق إبراهيم بن الحسين
بن علي الجوزقي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد ابن موسى الملحمي الأصبهاني قال:
حدثنا محمد بن عبدان الجواليقي قال: حدثنا إسماعيل القاضي قال: حدثنا الإمام أبو
العباس أحمد بن طلحة المعتضد بالله أمير المؤمنين قال: حدثنا يزيد بن سنان قال:
حدثنا يزيد بن هرون عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ما من مؤمن يدخل قبره إلا وعمله معه، فإن كان محسناً أضاء له عمله، وإن
كان مسيئا قبح له.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي قال: أخبرنا أبو
عبد الرحمن محمد بن محمد الخطيب الكشمهني.
وأخبرنا علي بن عبد المنعم بن علي بن الحداد الحلبي قال: أخبرنا يوسف بن آدم
المراغي قالا: أنبأنا أبو بكر محمد بن أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني قال:
أخبرنا الشيخ أبو عبد الله اسماعيل بن عبد الغافر الفارسي قال: أخبرنا أحمد ابن
الحسين الحافظ قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ البيع قال: سمعت محمد ابن
الفضل النحوي قال: سمعت أبا الطيب عبد الله بن شاذان قال: سمعت يوسف ابن يعقوب
يقول: قرأت توقيع المعتضد إلى عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير: واستوص بالشيخين
الخيرين الفاضلين: إسماعيل بن اسحق الأزدي وموسى بن اسحق الخطمي خيراً، فإنهما ممن
إذا أراد الله بأهل الأرض شراً دفع عنهم بدعائهما.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا
أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد ابن نعيم الضبي
قال: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت أبا العباس بن سريج يقول:
سمعت اسماعيل بن اسحق القاضي يقول: دخلت على المعتضد وعلى رأسه أحداث روم صباح
الوجوه، فنظرت إليهم، فرآني المعتضد وأنا آملهم، فلما أردت القيام أشار إلي، فمكثت
ساعة، فلما خلا قال لي: أيها القاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط.
وقع إلي كتاب ذكر صاحبه في ترجمته فيه أخبار وحكايات قرأتها بخط أبي نصر إبراهيم
بن علي بن عيسى بن الجراح فيه: حدثني أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن جعفر الأزدي
النحوي قال: سمعت القاضي اسماعيل بن اسحق يقول: دعاني أمير المؤمنين المعتضد بالله
في بعض الأيام، فدخلت عليه وبين يديه جام لطيف في طبق لطيف فيه خبيص، وبيده ملعقة
وهو يأكل منه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، وسوى الخبيص في الجام بالملعقة التي في
يده حتى استوى وانبسط في الجام كما كان، ثم أمر برفعه، ثم قال لي: يا إسماعيل، قلت:
لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ما على إمام المسلمين إذا عف عن أموالهم، ما أكل من
شيء؟ قلت: لا شيء عليه يا أمير المؤمنين ولا حرج، بل نعمة يديمها الله، ويسعده
بها، وكان بين يديه خادم وضيء الوجه جداً، فجعلت أنظر إليه وألحظه، فرآني المعتضد
فقال: يا إسماعيل، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ما حللت سراويلي على حرام قط،
ولا يسألني الله عنه، قلت: الحمد لله يا أمير المؤمنين، فأحدث بهذا عنك؟ قال: نعم،
حدث به عني من أحببت.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا أبو عبد
الرحمن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الكشمهني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن منصور بن
محمد السمعاني قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي.
وأخبرنا
أبو اليمن الكندي - إذنا - قال: أخبرنا أبو منصور بن محمد قالا: أخبرنا أبو بكر
أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا التنوخي قال: أخبرني أبي قال: حدثني أبي قال: سمعت
القاضي أبا عمر محمد بن يوسف يقول: قدم خادم من وجوه خدم المعتضد إلى أبي في الحكم
فجاء فارتفع في المجلس، فأمره الحاجب بموازاة خصمه، فلم يفعل إدلالاً بعظيم محلة
من الدولة، فصاح أبي عليه وقال: قفاه، أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع ! يا غلام، عمرو
بن أبي عمرو النخاس الساعة، لأتقدم إليه ببيع هذا العبد، وحمل ثمنه إلى أمير
المؤمنين، ثم قال لحاجبه: خذ بيده وسو بينه وبين خصمه فأخذ كرها وأجلس مع خصمه،
فلما انقضى الحكم انصرف الخادم فحدث المعتضد بالحديث وبكى بين يديه، فصاح عليه
المعتضد وقال: لو باعك لأجزت بيعه، وما رددتك إلى ملكي أبداً، وليس خصوصك بي يزيل
مرتبة الحكم فإنه عمود السلطان وقوام الأبدان.
هذا القاضي هو أبو محمد يوسف بن يعقوب بن اسماعيل بن حماد بن زيد البصري.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل قال: أخبرنا زاهر بن طاهر المستملي
إذنا عن أبي القاسم بن أحمد البندار قال: أنبأنا أبو أحمد بن محمد المقرىء قال:
أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي إجازة قال: ومات الموفق ليلة الخميس لثمان
بقين من صفر - يعني من سنة ثمان وسبعين وجلس أبو العباس يوم الخميس فعزله الناس،
وخطب يوم الجمعة للمعتمد ثم المفوض يعني جعفر بن المعتمد بالعهد، ثم لأبي العباس
أحمد المعتضد بالله ولي عهد المسلمين.
وقال الصولي: بعد ذلك أمر المعتمد أن يجعل أبو العباس أحمد بن الموفق في ولاية
العهد مكان جعفر المفوض، وكتبت الكتب وقريت عليه، وأدخل القضاة إليه حتى شهدوا
بذلك في يوم الاثنين لثلاث بقين من المحرم يعني من سنة تسع وسبعين.
قال: فحدثني نصر الحاجب المعروف بالقشوري قال: أنا سفرت في ذلك لما أطلقه لي
المعتضد فأتيت المعتمد فأخبرته به بعد أن أشرت على المعتضد أن يحمل إليه مائتين
ألف دينار، وثياباً وطيباً، ففعل ذلك، وطابت نفسه، وحمل إلى المفوض مثل ذلك،
وفارقنا المعتمد على أن يرضى جعفر بذلك، فلما سألت المعتمد ذلك قال لي: أفيرض
جعفر؟ قلت: نعم، قال فليجئني أحمد حتى أفعل ما يريد، فجاء فأجلسه على كرسي بين
يديه وهو على سريره بعد أن ضمه إليه، وقبل المعتضد يده، فتحدثا ساعة بغير ما
قصداه، ثم ابتداه المعتمد فقال: أحضر من شئت فإني أفعل ما تريد، فأحضر الناس
وشهدوا على خلع جعفر من ولاية العهد، وتولية المعتضد، وكتب بذلك كتب إلى النواحي،
وأن المعتمد قد جعل إليه ما كان إلى الموفق من الأمر والنهي، ووقع المعتمد في
الكتاب: أقر عبد الله أحمد الإمام المعتمد على الله أمير المؤمنين بجميع ما في هذا
الكتاب، وكتب بخطه، وأقر جعفر بن أمير المؤمنين المعتمد على الله بجميع ما في هذا
الكتاب، وكتب بخطه.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب
قال: أحمد أمير المؤمنين المعتضد بالله ببن أبي أحمد الموفق بالله - واسمه - محمد
بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بالله بن هرون الرشيد بن محمد المهدي بن
عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا
العباس.
ويقال إن اسم أبيه طلحة، وأمه أم ولد اسمها خفير، ويقال ضرار، توفيت قبل خلافته
بيسير.
وكان مولده فيما أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء قال: أخبرنا علي بن أحمد ابن
أبي قيس قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثنا محمد بن
حماد أن ميلاد أبي العباس سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: استخلف أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن محمد في
اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة.
وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: وولي المعتضد بالله أبو العباس ابن أبي أحمد
الموفق بالله لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وتسعين ومائتين، وولد بسر من
رأى في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
أنبأنا
أبو حفص عمر بن طبرزد عن أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي قال: أخبرنا أبو القاسم
علي بن أحمد - إذنا - قال: أنبأنا أبو أحمد المقرىء عن أبي بكر محمد بن يحيى
الصولي قال: كانت البيعة بالخلافة لأبي العباس أحمد ابن الموفق بالله - واسم
الموفق محمد، وقيل طلحة، وكان المتوكل على الله قال: كل من غلبت عليه كنيته من
ولدي فاسمه محمد - يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين
ومائتين، وسنه يوم ولي الخلافة سبع وثلاثون سنه، مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث
وأربعين ومائتين، سمعت المكتفي بالله يذكر ذلك.
وقال الصولي: حدثني عبد الله بن المعتز قال: كان المتوكل على الله يجلسني والمعتضد
آخر أيامه معه على السرير ونحن صغيران، فيرمي إلينا بالشيء فنتحارب عليه، فيضحك من
فعلنا؛ قال: وكان هو أسن مني.
قال: وأم المعتضد يقال لها خزر، وقال أن اسمها غير، كان اسمها ضرار ثم سميت بخفير،
وكانت وصيفة لخديجة بنت محمد بن إبراهيم بن مصعب فاشتراها منها أخوها أحمد بن
محمد، ثم اشتراها بعض القواد فأهداها إلى المتوكل، فوهبها لإسحق أم الموفق جاريته،
فوهبتها للموفق. وكان الذي سماه المعتضد عبيد الله بن عبد الله قبل ولايته العهد
ببيتين قالهما وكتب إليهما إليه.
إرث الخلافة معضودٌ بمعتضدٍ ... لا زال عنه وموصولٌ لمن ولدا
خليفةٌ ملكه أمنٌ وعافيةٌ ... ورخص سعر وخصب فليعش أبدا
قال: وكان المعتضد من أكمل الناس عقلاً، وأعلاهم همة، وأكثرهم تجربة، قد حلب الدهر
أشطره، وعاقب بين شدته ورخائه، وكان أبوه الموفق يسمى المنصور الثاني لانشعاب
الأمور عليه وقيامه بها حتى تجلت، وكان المعتضد يسمى السفاح الثاني لأنه جدد ملك
بني العباس بعد اخلاقه، وقتل أعداءه، فكان أول لهم كما كان السفاح أولاً، وقد
احتذى هذا المعنى علي بن العباس الرومي فقال يمدحه لما قام بالخلافة:
هنيئاً بني العباس إنّ إمامكم ... إمام الهدى والباس والجود أحمد
كما بأبي العباس أنشىء ملككم ... كذا بأبي العبّاس أيضاً يجّدد
إمامٌ يظلّ الأمس يعمل نحوه ... تلهّف ملهوف ويشتاقه الغد
قرأ في كتاب أخبار المعتضد من أخبار بغداد لعبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر الذي
ذيل به على تاريخ أبيه قال: وكان المعتضد بالله خليفة لم يقم من خلفاء بني العباس
بعد المنصور خليفة كان أكمل منه شجاعةً، ورجلةً، وجزالة، ورأياً، وحذقاً بكل
صناعة، وعدلا وانصافا وحسن سيرة، مؤيداً بالنصر، مقرونا بالظفر.
تولى الخلافة وهي علقة متمزقة متفرقه، فجمع أطرافها، وضم منتشرها، وشدد أركانها
وقوى عمادها، ووكد أسبابها، وسن السنن العادلة، وأبقى في رعيته الآثار الفاضلة،
ودوخ البلاد، وقوم العباد، حتى رد المملكه إلى حال جدتها بعد دروسها، ودانت له
الأطراف، وخضعت له الأشراف، ولم يبق خارجي إلا قصمه، ولا مستصعب إلا وقمه ولا عاص
إلا اصطلمه وأمنت السبل بعد أن كانت مخوفة، واطمأنت النفوس بعد أن كانت مرعوبة،
ودرت الأموال بعد أن كانت منقطعة، واستوت بالعدل والانصاف أحوال الرعية.
قال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: ومن سيرة المعتضد الجميلة، وسننه الحسنة،
ورفعه المواريث في أول خلافته، وما كان من الظلم فيها، وزيادته في مسجد الجامع
بالجانب الغربي من قصر المنصور بمدينة السلام حتى اتسع، وتأخيره الخراج، وتسهيل
العقاب والطرقات، وقطعه الحجارة المانعة للمجتازين بها، ورفعه المكس الذي كان يجبى
بمكة والمدينة، والخفارات بطريق الموصل، ورفعه البقايا التي كانت على العمال
والرعية في جميع البلدان.
قال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق: وفي تأخير الخراج والنوروز يقول يحيى بن علي:
إنّ يوم النوروز عاد إلى العه ... د الذي كان سنّه اردشير
أنت حوّلته إلى الحالة الأو ... لى وقد كان حائراً يستدير
وافتتحت الخراج فيه فللأم ... ة في ذاك مرفق مذكور
منهم الحمد والثناء ومنك ال ... رفد فيهم والنائل المشكور
قال
الصولي: وكان الحسين بن عبد الله الجوهري جاء بهدايا من عند خمارويه بن أحمد وسعى
في تزويج ابنة خمارويه من علي بن المعتضد، فقال المعتضد: قد علمت إنما أراد
خمارويه أن يتشرف بنا، فأنا أتزوجها، فتزوجها بحضرة القضاة، وزوجه إياها ابن
الجصاص.
قلت: ويقال إنه لم يكن عرس مثل عرس قطر الندى والمعتضد، وبوران بنت الحسن بن سهل،
وعبد الله المأمون.
وقال الصولي: ولما ولي المعتضد الخلافة أمر بالزيادة في المسجد الجامع بالمدينة
وأمر بتسهيل عقبة حلوان، وقال: هذا طريق الملك، فسهلت إلى الموضع المعروف
بدهليزان، وكان الناس يلقون منه تعبا شديدا، فبلغت النفقة عشرين ألف دينار عليهما،
وأمر برد المواريث على ذوي الأرحام في آخر سنة ست وثمانين بكتاب ابن أبي خازم
القاضي إلى أبي النجم بعد أن سأله بدر عما عنده فيه، وأنشئت الكتب بذلك، وما فعله
في أمر النوروز وتأخيره لتأخير الخراج، وإنما احتذى ما كان المتوكل فعله، وكتب فيه
إبراهيم بن العباس الصولي كتاباً بتأخيره إلى سبعة عشر يوما من حزيران، فاحتذى
المعتضد ذلك إلا أنه جعله لأحد عشر يوما من حزيران.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا
أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن المحسن بن علي التنوخي قال: أخبرنا أبي قال: حدثني
أبي قال: لما خرج المعتضد إلى قتال وصيف الخادم إلى طرسوس وأخذه عاد إلى أنطاكية
فنزل خارجها، وطاف البلد بجيشه، وكنت صبيا إذ ذاك في المكتب، قال فخرجت في جملة
الناس، فرأيته وعليه قباء أصفر، فسمعت رجلا يقول: يا قوم الخليفة أصفر بلا سواد،
قال: فقال له أحد الجيش: هذا كان عليه وهو جالس في داره ببغداد، فجاءه الخبر
بعصيان وصيف، فخرج في الحال عن داره إلى باب الشماسية، فعسكر به، وحلف أن لا يغير
هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف، وأقام بباب الشماسية أياما حتى لحقه الجيش، ثم
خرج فهو عليه إلى الآن ما غيره.
أخبرنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب في كتابه عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي
الأنصاري قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد البندار عن أبي أحمد المقرىء قال:
أخبرنا محمد بن يحيى اجازة قال: وشخص المعتضد من بغداد في النصف من شوال سنة سبع
وثمانين لطلب وصيف الخادم، وكان خبره ورد عليه وهو عليل، فكتم علته وأغذ السير إلى
أن ظفر به لسبع بقين من ذي القعدة، ودخل به إلى بغداد في أول المحرم سنة ثمان
وثمانين ومائتين، وأركب الخادم الفالج، وألبس برنسا طويلا.
قال محمد بن يحيى: حدثني أبو أحمد يحيى بن علي قال: قال لنا المعتضد: والله ما
أدري كيف ظفرت بالخادم، وما هو إلا من أمر الله الذي لا يدرى كيف هو.
قال: فقلت: كيف يحب سيدنا أن يصف هذا الفتح، قال بسرعة سيرنا، وسبقنا خبرنا حتى
وافيناه قبل أن يعلم بنا.
قال: فقلت:
ألمّ بعين زربة والمطايا ... جنوح طيف أخت بني عدي
فقال فيها:
أمير المؤمنين هناك فتح ... خطت به من اللّه العلي
لقد خسي الأعادي في النواحي ... بما أنزلت بالخاسي الخصيّ
أتتك بحائنٍ رجلاه منه ... ألا يا ربّ حتفٍ في مجي
خففت إليه حين أتاك عنه ... بريد الصدق بالخبر الجلي
طويت الأرض طياً فتّ فيه ... إليه تغلغل الموت الوحي
قال: وهي قصيدة.
نقلت من خط أبي الحسين علي بن المهذب التنوخي المعري في تعليق له في التاريخ حملة
إلي بعض عقبة قال: سنة ثماني وثمانين - يعني ومائتين - وفيها: هرب وصيف الخادم من
مدينة برذعة من مولاه الافشين، وسار إلى الثغور الشامية وتبعه المعتضد وظفر به
بناحية الكنيسة السوداء وهو يريد دخول بلد الروم، فأخذه وانصرف به إلى بغداد،
فقتله، واعتل المعتضد لاتعابه نفسه في طلبه إياه علة كانت فيها وفاته، وقيل انه
وهو في طلبه، وقد عاينه حصره بول فاستبطأ نفسه أن ينزل وعظم عليه أن يبول في ثيابه
وسرجه، فانفتقت مثانته وكان سبب موته.
أخبرنا
أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد
الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أخبرنا يوسف بن أيوب الإمام بمرو وعبد الله
بن يوسف الحربي ببغداد قالا: حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الهاشمي لفظا قال:
أنشدنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد ابن المكتفي بالله قال: أنشدني الصولي
للمعتضد بالله:
يالا حظي بالفتور والدعج ... وقاتلي بالدلال والغنج
أشكو إليك الذي لقيت من ال ... ود فمل لي لديك من فرج
حللت بالطرف والجمال من النا ... س محل العيون والمهج
أخبرن أبو القاسم بن الحسين بن رواحة الأنصاري قال: أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني
الحافظ إجازة إن لم يكن سماعاً قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا
محمد بن علي بن محمد قال: أخبرنا أبو حاتم محمد بن عبد الواحد قال: أنشدني أبو
الحسن وصيف بن عبد الله الدينوري للمعتضد:
غلب الشوق رقادي ... مثل غلبي للأعادي
هاهنا جسمي مقيم ... وببغداد فؤادي
أملك الأرض ولكن ... تملك الخود قيادي
هكذا كلّ محبّ ... باع قرباً ببعاد
قلت: وقد رويت هذه الأبيات ليحيى بن علي بن المنجم قال: عن لسان المعتضد أنبأنا
بها أبو روح عبد المعز بن محمد عن أبي القاسم زاهر بن طاهر قال: أنبأنا أبو القاسم
بن أحمد عن أبي أحمد المقرىء قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي إجازة قال: حدثني
يحيى بن علي قال: كنا مع المعتضد في بعض أسفاره فدعاني فقال لي: قلبي ببغداد وان
كان جسمي هاهنا، فقل عني شعرا في هذا المعنى أكتب به إلى من أريد ببغداد، فإني قد
رمت ذلك فلم يتسق لي فقلت عن لسانه:
هاهنا جسمي مقيم ... وببغداد فؤادي
وكذا كلّ محبٍّ ... باع قرباً ببعاد
أملك الأرض ولكن ... تملك الخود قيادي
غلب الشوق اصطباري ... مثل غلبي للأعادي
فأنا أحتال أن يخفى ... بجهدي وهو باد
ليس وادٍ لا أرى في ... ه حبيبي لي بواد
فاستحسن الأبيات وكتب بها.
قال الصولي: والناس يروونها للمعتضد، وقد حدثني بهذا يحيى بن علي، وكان ما علمت
صدوقا فيما يحكيه، فأما الذي للمعتضد في هذا المعنى مما أنشدنيه له محمد بن يحيى
بن أبي عباد:
إن جسمي بسميا ... ط وقلبي بالعراق
غلب الشوق اصطباري ... من تباريح الفراق
أملك الأرض ولا أم ... لك دفعا لاشتياقي
قال الصولي: ومن شعر المعتضد:
لم يلق من حرّ الفراق ... أحدٌ كما أنا منه لاق
يا سائلي عن طعمه ... ألفيته مرّ المذاق
جسمي يذوب ومقلتي ... عبرى وقلبي ذو احتراق
ما لي أليفٌ بعدكم ... إلاّ اكتئابي واشتياقي
فالله يحفظكم جميع ... ا في مقامي وانطلاقي
قال الصولي: وكانت دريرة جارية المعتضد مكينة عنده لها موضع من قلبه، فتوفيت فجزع
عليها جزعا شديدا، ومن شعر المعتضد فيها لما ماتت، أنشدنيه محمد ابن يحيى بن أبي
عباد، وكان إبراهيم بن القاسم بن زرزر المغني يغني منه بيتين، ويقول: الشعر واللحن
للمعتضد طرحه علي:
يا حبيبا لم يكن يع ... دله عندي حبيب
أنت عن عيني بعيدٌ ... ومن القلب قريب
ليس لي بعدك في ش ... يء من اللهو نصيب
لك من قلبي على قل ... بي وإن بنت رقيب
وخيالي منك مذ غب ... ت خيال ما يغيب
لو تراني كيف لي بع ... دك عولٌ ونحيب
وفؤادي حشوه من ... حرق الحزن لهيب
لتيقنت بأني ... فيك محزون كئيب
ما أرى نفسي وإن سل ... ليتها عنك تطيب
لي دمعٌ ليس يعصين ... ي وصبرٌ ما يجيب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي وقال الصولي: ومن شعر المعتضد
ضاع الفراق فلا وجدته ... وأتى الحبيب فلا فقدته
واهتاجني
لما أتى ... شوقٌ إليه فاعتنقته
أنشدنيه يحيى بن علي قال: أنشدنيه المعتضد لنفسه وقال: اصدقني عنه فحلفت له أنه من
حسن الشعر ومليحه.
قال الصولي: واعتل المعتضد في سنة تسع وثمانين ولم يزل عليلاً مذ وقت خروجه إلى
الخادم وتزايدت علته.
وقال: حدثني جابر وسعد بن غالب المطببان أن علته كانت فساد مزاح وجفافاً من كثرة
الجماع، وكان دواؤه أن يقل الغذاء ويرطب بدنه قليلاً قليلاً ولا يتعب، فكان يستعمل
ضد هذا ويريهم أنه يحتمي، فإذا خرجوا دعا بالجبن والزيتون والسموك والصحاني، فلم
يزل كذلك إلى أن سقطت قوته واشتدت علته في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر
ربيع الآخر سنة تسع وثمانين.
فوافى دار العامة مؤنس الخادم، ومؤنس الخازن، ووصيف موشجير، وديوداد بن محمد بن
أبي الساج وأخوه، والفضل بن راشد، في السلاح في جميع أصحابهم، وأحضر خفيف
السمرقندي أصحابه، وكذلك رشيق القاري، وجعفر ابن بغلاقر، وحضر القاسم بن عبيد الله
والنوشجاني، ويانس وثابت الرصاصي، وبشر وغلمان الحجر، فسألوا القاسم أخذ البيعة
لأبي محمد علي بن المعتضد، فقال القاسم: لست أجسر أطلب مالاً لهذا وأخاف أن أنفق
بلا إذن، فيفيق أمير المؤمنين ويبل فأطالب بالمال، فقالوا له بأجمعهم: نحن نضمن
المال لك وهو علينا، فقال: رأيكم، فإن أمير المؤمنين المعتضد أمرني أن أسلم
المملكة إلى ابنه أبي محمد والخلافة، فبايع الجميع يوم الجمعة بعد العصر وسمي
المكتفي، وأفاق المعتضد يوم السبت فلم يخبر بشيء، ثم توفي ليلة الاثنين لخسم ساعات
مضت من الليل، فبعث غداة الاثنين لثمان ليال بقين من شهر ربيع الآخر إلى محمد ابن
يزيد المهندس فأعلمه صاف أن المعتضد أوصى أن يدفن في دار محمد بن عبد الله بن
طاهر، وينقل إليها أمهات أولاده وولده ليكونوا بالقرب من قبره، فمضى محمد يزيد
وحفر قبراً عشر أذرع في خمس، وكفن في ثلاثة أثواب أدرج فيها، وحضر القضاة
والفقهاء، وغسله أحمد بن شيبة عند زوال الشمس، وصلى عليه يوسف القاضي، وأدخل حفرته
بعد ثلاث ساعات من ليلة الثلاثاء.
وكتب القاسم إلى المكتفي بالخبر، وقد كان كاتبه قبل ذلك بحقيقه حال المعتضد وهو
أخذ البيعة، فكانت مدة خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام، ومات وهو ابن خمس
وأربعين سنة.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد
بن علي قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا محمد عبد الله ابن إبراهيم
الشافعي قال: حدثنا أبو بكر عمر بن حفص السدوسي قال: المعتضد أرجف الناس بموته يوم
الاثنين للنصف من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وذكر خاصته وقواته أنه
لم يمت، وخطب له يوم الجمعة لعشر بقين من هذا الشهر، وأخذت البيعة بولاية العهد
العلي بن المعتضد بالله ليلة الثلاثاء، ودفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر،
وذكروا أنه أوصى أن يدفن فيها، فكانت ولايته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
وأنبأنا الكندي قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر قال: أخبرني أبو القاسم
الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا إبراهيم بن محمد ابن عرفة قال:
توفي المعتضد يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين،
ودفن في حجرة الرخام في دار محمد بن عبد الله بن طاهر، وصلى عليه يوسف بن يعقوب
القاضي، وتولى أمره، فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
أنبأنا أبو اليمن قال أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر قال: أنبأنا إبراهيم ابن
مخلد قال: أخبرنا إسماعيل بن علي قال: توفي أمير المؤمنين المعتضد بالله وله من
السن خمس وأربعون سنة وعشرة أشهر وأيام، وكان رجلاً أسمر نحيف الجسم معتدل الخلق
وقد وخطه الشيب في مقدم لحيته طول، وفي مقدم رأسه بيضاء هكذا رأيته في خلافته إلا
الشامة.
أخبرنا
أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي الحلبي قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي
الحسن البسطامي قال: قرأت على أبي القاسم بن السمرقندي أخبركم أبو الحسن بن
النقور، وأبو منصور بن عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار قالا: أخبرنا أبو طاهر
محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد
بن عيسى السكري قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا زكرياء بن يحيى بن جلاد المنقري
قال: حدثنا الأصمعي.
قال أبو شجاع البسطامي: ورأيت بخطي أن ابن السمرقندي رواه عن عبد العزيز بن علي بن
بنت الحربي عن المخلص عن أبي أحمد بن المهتدى بالله، فالله أعلم، قال: أخبرني أبو
أحمد بن المهتدي بالله قال: وقال المعتضد عند نزول الموت به: اللهم إنك تعلم أني
أعلم أن لك السموات والأرض وما بينهما فأسألك أن تغفر لي.
أخبرنا أبو اليمن إذنا قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال: أخبرنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا أبو الحسن
أحمد بن جعفر بن موسى البرمكي المعروف بحجظة قال: قال: لي صافي الحرمي: لما مات
المعتضد بالله كفنته والله في ثوبين قوهي قيمتهما ستة عشر قيراطا.
أحمد بن طولون:
أبو العباس قيل إنه ولي حلب في سنة ست وخمسين ومائتين، والذي صح أنه ولي الثغور
الشامية في سنة اثنتين وستين ومائتين، وثم ولي حلب وقنسرين والعواصم من جهة
المعتمد.
وكان أبو أحمد الموفق منحرفاً عنه، فلم يكن له حيلة في دفعه عن ذلك، ولما تمكن أبو
أحمد الموفق استوحش أحمد بن طولون من جهته، وعقد موسى بن بغا لسيما الطويل على
أنطاكية، فوصل إليها، واستولى عليها وعلى حلب.
وعصى أحمد بن طولون على أبي أحمد الموفق، وأظهر خلعه عن ولاية العهد، وأخذ خط قضاة
بلاده باستحقاقه لذلك، ونزل أحمد بن طولون إلى حلب، فانحاز سيما إلى أنطاكية،
فكاتبه أحمد بن طولون يدعوه إلى الطاعة، فامتنع، وكان أحمد إذا لاينه الإنسان لم
يرمنه إلا خيراً، ومن خاشنه قاتله، فحينئذ حصره في أنطاكية، ونصب عليه المنجنيقات،
وكان سيما سيء السيرة، فراسل أهل أنطاكية أحمد بن طولون، ودلوه على موضع فتح منه
الحصن، فركب سيما وقاتل حتى قتلن وأتي برأسه إلى أحمد، فقال أحمد: أما إني كنت أحب
لك غير هذا فأبيت، فأنا برىء من دمك، وقد كان بينهما قبل ذلك موافقة ومصادقة، وكان
ابن طولون راضيا عنه بإقامة الدعوة له فأبى، وكان آخر قوله له: لأن يلعب الصبيان
برأسي يا أحمد آثر عندي من أن تلعب أنت به.
واستولى أحمد بن طولون على الشام جميعه، وجبى أمواله، ولم يحمل شيئاً إلى المعتمد،
وقطع السبيل عن بغداد، وحال بين التجار وبين النفوذ من مصر والشام إلى بغداد، ووكل
بالطرق، ومنع من في ناحيته أن يكاتبوا أحداً من أهل الأمصار، ومنع حمل مال الخراج
بمصر والشام وقنسرين والعواصم، ولعن ابن طولون على منابر بغداد ومكة.
وولى أحمد بن طولون حب غلامه لؤلؤ، وكاتبه أبو أحمد الموفق حتى عاث على مولاه،
وجبى الخراج لنفسه، ومضى إلى أبي أحمد الموفق على ما نذكره في ترجمة لؤلؤ إن شاء
الله.
وكان أحمد بن طولون من موالي بني العباس وقوادهم، وأولي النجدة والبأس والشجاعة،
وله معروف كثير، بنى بمصر الجامع المعروف به، وبنى مصانع كثيرة ومرافق للمسلمين.
ونقلت من خط صالح بن إبراهيم بن رشيدين المصري في مجموعة: ولد أبو العباس أحمد بن
طولون في سنة اثنتي عشرة ومائتين، ومات في ذي القعدة سنة سبعين ومائتين.
وقرأت في كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي الذي ذيل به تاريخ أبي سعيد بن
يونس، قال في ذكر الغرباء ممن دخل مصر: أحمد بن طولون، يكنى أبا العباس، قدم واليا
على مصر، حكي عنه حكايات، قال لي ابن رشيق: قال لي عدنان بن أحمد بن طولون: دخل
والدنا أحمد بن طولون رحمه الله مصر، ويكنى أبا العباس، في شهر رمضان لأربع عشرة
ليلة خلت منه، سنة أربع وخمسين ومائتين، دخل مصر وله اثنان وثلاثون سنة، أقام بها
ست عشرة سنة، وتوفي سنة سبعين ومائتين، ومبلغ سنه ثمان وأربعون سنة.
قلت: فمقتضى قول عدنان يكون مولد أحمد أبيه في سنة اثنتين وعشرين ومائتين، والله
أعلم.
أنبأنا
المؤيد بن محمد بن علي قال: كتب إلينا أبو عبد الله محمد بن علي العظيمي وذكر أن
أحمد بن طولون ملك حلب في سنة ست وخمسين ومائتين.
أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد كتابة عن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن
البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران إجازة قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي،
وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: وفي هذه السنة -
يعني سنة أربع وخمسين ومائتين - ولي أحمد بن طولون مصر خليفة لبابياك مكان مزاحم
بن خاقان، فأخبرني من رأى أحمد بن إسرائيل خارجاً من دار السلطان وهو يقول: إن
أمير المؤمنين قد أمر بتولية ابن طولون مصر، وعليها وعليه السلام، فلم يزل عليها
هو وولده إلى أن افتتحها محمد بن سليمان.
وقال: ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائتين، فذكر فيها حوادث ثم قال: وولي أحمد بن
طولون الثغور الشامية على أن يحمل في كل سنة أربعمائة ألف دينار.
وقال في سنة أربع وستين ومائتين: وولي ابن طولون أجناد الشام وقنسرين والعواصم
والثغور.
وقال في سنة خمس وستين ومائتين: وقتل ابن طولون سيما الطويل وقال فيها: ويقال إنه
مات في محابس ابن طولون ثمانية عشر ألفاً.
وقال في سنة تسع وستين: لعن المعتمد ابن طولون في دار العامة، وأمر بلعنه، وعقد
لاسحق بن كنداج على أعمال ابن طولون.
قال: ولعن بمكة.
وقال: وفي هذه السنة بني أحمد بن طولون أربعة أروقة على قبر معاوية ابن أبي سفيان
وأمر أن يسرج هنالك، وأجلس أقواماً معهم المصاحف يقرأون القرآن.
أنبأنا أبو روح الهروي عن زاهر بن طاهر عن أبي القاسم البندار عن أبي أحمد المقرىء
عن أبي بكر الصولي قال في سنة اثنتين وستين ومائتين: وولي أحمد ابن طولون الثغور
الشامية إلى ما كان يلي من مصر، وفورق على أن يوجه في كل سنة بأربعمائة ألف دينار.
وقال الصولي في سنة خمس وستين ومائتين: وجاء أحمد بن طولون إلى أنطاكية فافتتحها
وقتل سيما الطويل، وكان بها.
وقال في سنة تسع وستين: وركب المعتمد يوم الجمعة فصار إلى دار العامة، وأحضر
الناس، فلعن ابن طولون، وصلى بالناس المفوض ولعنه، وعقد لاسحق على أعماله.
وقال في سنة سبعين: وورد الخبر أن ابن طولون أمر فبنيت أروقة عند قبر معاوية،
وأجلس رجالاً يقرأون في المصاحف عنده.
قلت إنما فعل ابن طولون هذا معاندة لبني العباس، وأبي أحمد الموفق حين لعن على
المنابر وبمكة وامتنع من حمل الخراج.
قرأت في كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي الذي ذيل به تاريخ ابن يونس: حدثنا
ابن رشيق قال: حدثنا سعيد بن هاشم الطبراني قال: حدثنا أحمد ابن محمد الطبراني
قال: حدثني أبي قال: كنت جالساً عند أحمد بن طولون ذات يوم فدعا برجل، فأدخل إليه
فناظره ثم قال لحاجب من حجابه: خذ هذا فاضرب عنقه وائتني برأسه، فأخذه ومضى به،
فأقام طويلاً ثم أتى وليس معه شيء، فقال له أحمد بن طولون: ما قصتك؟ وماذا فعلت؟
فقال: أيها الأمير الأمان، قال: لك الأمان، قال: مضيت بالرجل لأضرب عنقه فجزت ببيت
خال، فقال لي: ائذن لي أدخل هذا البيت فأصلي فيه ركعتين، فاستحييت من الله عز وجل
أن أمنعه من ذلك فأذنت له، فدخل فأطال، فدخلت إلى البيت فلم أجد فيه أحداً وليس في
البيت طاق نافذ، فجئت لأخبرك بذلك.
قال: فقال له: فهل سمعته يقول شيئاً؟ قال: نعم، قال: ماذا سمعته يقول؟ قال: سمعته
قد رفع يديه وهو يشير باصبعه وهو يقول: يا لطيف لما يشاء، يا فعال لما يريد صلي
على محمد وآله والطف لي في هذه الساعة وخلصني من يديه، فدخلت البيت بعد هذا أطلبه
فلم أجد فيه أحداً، فقال له أحمد بن طولون: صدقت هذه دعوة مستجابة.
وقال
الحضرمي: سمعت محمد بن الحسن بن محمد بن يحيى يقول: سمعت أبا يعقوب بن صيغون الرجل
الصالح يقول: كان لي صديق بالمعافر من خيار المسلمين، فقير كان له أربع بنات،
فجمعن من غزلهن أحد عشر دينارا اشترين جارية أعجمية تستقي لهم من العيون والمصانع
بالمعافر، وتخبز الخبز وتخدمهم، فهربت منهم في بعض الأيام، فأخذها أصحاب المصالح
في بني وائل، فجئت فأخبرني بذلك، فجئت إلى أصحاب المصالح فكلمتهم فقالوا: لا
ندفعها إلا بأربعة دنانير، فخاطبت البنات فأخرجن إلي أربعة أزواج حلق في كل زوج
نصف دينار، فجئت إلى أصحاب المصالح، فقالوا: لا نأخذ إلا أربعة دنانير، فانصرفت
آخر النهار إلى بركة المعافر وقد دخلها الماء، فجلست على حجر على الماء، وقلعت
نعلي وجعلت الحلق عليها، فبينا أنا مهموم إذ برجل على بغل قد وقف بي، ونزل إلى
جانبي وقلب العنان وأمسكه بيده وحادثني، واستخبرني عن مسكني وموضعي واستوصف منزلي
إلى أن سألني عن سيرة الوالي، فأخبرته أن له معروفا، وقد عمل هذه المصانع للماء
والمارستان، وبنى الجامع، وحبس عليها الأحباس، إلى أن سألني عن تلك الحلق التي
رآها على النعل، فأخبرته الخبر، فقال لي: أنت تصف الرجل بالعدل ويستعمل من هؤلاء
القوم، يفعل هذا الفعل؟ فقلت: لا علم له بفعلهم، وحضرت صلاة المغرب فقال لي: تقدم
وصل بي، ووقف على يميني فصليت به المغرب، ثم فرغ وركع، وركب بغله وأخذ على المقابر
على الصحراء وانصرفت إلى منزلي، فإني لجالس على إفطاري إذ سمعنا على الباب جلبة،
فاطلعت إحدى البنات فقالت لي: يا أبت على الباب قوم من أصحاب السلطان فنزلت فإذا
صاحب الشرطة سري فحملني على بلغ وأخذ بي على الصحراء إلى جبل، فإذا جمع وإذا
بصاحبي جالس وبين يديه شمع، فقال لي: عندي يا إمامي، الساعة صليت بي المغرب، ثم
قال: يا سري ما يقدر لي أبو أحمد الموفق على مثل ما كدتني به أنت، أبو أحمد يلقاني
برجال، وألقاه برجال، وبكراع وسلاح وعدة، وألقاه بمثلها، أبو أحمد لا يقدر يوقف لي
الليلة مثل هذا الرجل المستور في الليل وخلفه أربع بنات مظلومات يرفعون أيديهم إلى
الله، هذا يهلكني.
قال: ثم التفت إلي فقال: أنشدك الله إن دعوت علي، ثم قال: يا سوار أحضر ما قلت لك،
فأحضر أربع صرر وأربع رزم ثياب وقال لي: يا شيخ ادفع الصرر إلى أصحاب الحلق إلى كل
واحدة مائة دينار ورزمة من الثياب يكتسينها، وهذه ثلاثون ديناراً ابتع بها جارية
مشهورة مخبورة، وبيعوا هذه الجارية التي باتت بحيث لا يصلح. أجريت عليك وعلى بناتك
خمسه دنانير في كل شهر لكل نفس منكم دينار ومائدة طعام يوم الإثنين ومائدة يوم
الخميس، ولا تدعو علي وانصرف.
وقال الحضرمي: حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن يحيى قال: حدثني أبو اسحق بن
الطبيب قال: ركب أحمد بن طولون إلى الجامع في جيشه ورجالته، فاجتاز بالموقف، وكان
في الموقف دكان فقاعي، فعبث السودان بالفقاع فبددوه في مسيرهم، ثم جاء أحمد بن
طولون وقد انكشف له الأرض فرأى الفقاع مبدداً، وكان بين يديه ابناه العباس
وخمارويه يحجبانه، فنزلا فرأيتهما يجمعان الفقاع من الأرض، ويردانه إلى دكان
الفقاعي حتى بقيت واحدى على بعد، فأومى باصبعه إليها، فرأيتهما قد علقا سيفي ذهب
بأيديهما وجريا إليها حتى أخذها أحدهما وردها إلى دكان الفقاعي، فحينئذ سار الأمير
أحمد بن طولون.
قرأت في كتاب نزهة عيون المشتاقين تأليف أبي الغنائم عبد الله بن الحسن النسابة
قال: وحدثني فخر الدولة نقيب النقباء الطالبيين قال: حدثوني عن أحمد ابن طيلون أنه
أراد أن يرفع المكوث التي على الناس بمصر فقال لوزيره: أبصر كم مبلغ المكوس؟ فقال:
مبلغها مائة ألف دينار في كل سنة، فقال له: أريد أن أرفعها عن الناس، فقال له
الوزير: لا تفعل أيها الأمير فإنك إن حططتها ضاق عليك المال، وطالبك الرجال، فتقصر
يدك عن مالهم ويكون ذلك فساد، فثنى عزمه عن حطها.
قال: فلما كان عشية ذلك اليوم رأى أحمد بن طيلون الأمير في النوم كأن قائلاً يقول
له: يا فلان رجع بدا لك مما هممت به من حط المكوس عن الناس، لو كنت تركته لله عز
وجل لكان عوضك خيراً مما تركت، فانتبه فقال: والله لا أخذتها لقاء الله عز وجل، ثم
أمر فحطت عن الناس بأسرها.
قال:
ثم بقي مدة يسيرة وركب حتى أتى إلى سفح الجبل فوقعت رجل الفرس في مثل الخوار من
الأرض فنظروا، فإذا هو كنز فيه ألف ألف دينار، فأخذها وبنى منها مسجد ابن طيلون
بمصر، ووجه إلى الثغور بأربعمائة ألف دينار، واستقل ببقية المال، ولم يأخذ المكوس
أيام حياته.
هكذا قال: ابن طيلون وهي لغة العوام، وقد كان أبو الغنائم الزيدي يقع في ذلك
كثيراً وكان لحانا.
نقلت من خط أبي الحسين علي بن المهذب بن أبي حامد المعري في تعليق له حمله إلي بعض
عقبه - في التاريخ، سنة سبعين ومائتين، وفيها: توفي أحمد بن طولون في ذي القعدة،
وقام مكانه ابنه خمارويه.
ونقلت من تاريخ مصر وذكر ولاتها تصنيف أبي بكر عبيد الله بن محمد ابن سعيد بن أبي
مريم قال: وفي سنة أربع وخمسين ومائتين ولي أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين.
وقال: في سنة تسع ابن طولون على حاله إلى الصلاة، وابن المدبر على الخراج؛ وفيها
توفي المهتدي وبويع للمعتمد.
قال: وفي سنة ستين ومائتين أحمد بن طولون على الصلاة إلى سنة سبعين ومائتين وفيها
توفي أحمد بن طولون لعشر ليال خلت من ذي القعدة.
أنبأنا عمر بن طبرزد عن أبي غالب بن البناء عن أبي غالب بن بشران فقال: أخبرنا أبو
الحسين المراعيشي وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا أبو عبد الله نفطويه قال: وشخص
ابن طولون من دمشق ووافى المعتمد مدينة السلام فلعن بها ابن طولون، ثم ورد الخبر
بوفاة ابن طولون بعد أيام.
أنبأنا ابن المقير عن ابن ناصر قال أنبأنا أبو القاسم البندار قال: أخبرنا أبو
أحمد المقرىء إذناً عن أبي بكر الصولي قال: سنة سبعين ومائتين قال: ووافى اسحق بن
كنداج لليلتين خلتا من جمادى الآخرة فخلع عليه خلعة فيها سيفان محليان وعقد له على
المغرب، فشخص إلى سر من رأى من يومه لأنه اتصل به مصير ابن أبي الساج إلى عانة
وأنه دعا بالرحبة لابن طولون وأن أحمد بن مالك ابن طوق دعا لابن طولون بقرقيسياء،
وكذلك ابن صفوان العقيلي.
قال: وانصرف ابن طولون من دمشق وهو شديد العلة إلى مصر، وانصرف أصحابه عن الرحبة
وقرقيسسياء، فخرج المعتمد يريد بغداد، وأمر بلعن ابن طولون على المنابر، وورد
الخبر يوم السبت لست خلون من ذي الحجة بموت أحمد بن طولون، توفي بمدينة مصر.
قال الصولي: وفيها مات أحمد بن طولون والحسين بن زيد لعشر خلون من ذي القعدة.
قرأت في سيرة أحمد بن طولون من تأليف ابن زولاق المصري قال في آخرها: ورآه عبد
الله بن القاسم، وكان من أصحاب سيما الطويل، قال: رأيت فيما يرى النائم كأن سيما الطويل
متعلق بأحمد بن طولون على باب مسجد، وهو يصيح بأعلى صوته يا رسول الله أعدني على
أحمد بن طولون فإنه قتلني واصطفى ما ملكت، وأسرع في أهلي وولدي، فصاح به صائح:
كذبت يا سيما ما قتلك أحمد بل قتلك عجيج شمل التاجر الذي ظننت أن عنده مالاً
فضربته حتى أشرف على الهلكة، ثم دخنت عليه حتى مات في التدخين، أنت وأحمد خاطئان
إلا أن أخفكما وزراً أحسنكما سيرة، وأكثركما معروفاً أقربكما من المغفرة.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا
أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسن المؤدب قال: أخبرنا
إبراهيم بن عبد الله المالكي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي ابن سيف العنزي قال:
سمعت أبا عبد الله الحسين بن أحمد المنجم النديم قال: سمعت محمد بن علي المادرائي
قال: كنت أجتاز بتربة أحمد بن طولون فأرى شيخاً هند قبره يقرأ ملازماً للقبر، ثم
إني لم أره مدة، ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن
طولون وأنت تقرأ عليه؟ فقال: بلى كان قد ولينا رئاسة في هذا البلد وكان له علينا
بعض العدل إن لم يكن الكل، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن، قلت له: لم انقطعت
عنه؟ فقال لي: رأيته في النوم وهو يقول لي: أحب أن لا تقرأ عندي، فكأني أقول له:
لأي سبب فقال: ما تمر بي آية إلا قرعت بها وقيل لي: ما سمعت هذه؟
أحمد بن الطيب بن مروان الخراساني السرخسي:
ويعرف
بابن الفرانقي، حدث عن أبي عبد الله أحمد بن حمدون بن اسماعيل النديم، وابن حبيب،
وعمر بن شبة، وأبي جعفر محمد بن موسى، ومحمد بن يزيد الثمالي وعبد الله بن هارون
الواثق بن المعتصم، وأبي الخطاب ابن محمد بن الحسين بن الحسن بن عمران الطائي،
وأبي عبد الله الحسين بن علي ابن طاهر ذي اليمينين، ويعقوب بن اسحق الكندي.
روى عنه أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري، وأحمد بن اسحق بن إبراهيم الملحمي، وجحظة
البرمكي، والحسن بن علي الخفاف، والحسن بن محمد الأموي عم أبي الفرج الأصبهاني،
وأبو بكر محمد بن أبي الأزهر، وأبو علي المحسن بن علي بن محمد التنوخي.
وقدم حلب صحبة أبي العباس المعتضد حين قدمها في حياة أبيه لمحاربة خمارويه ابن
أحمد بن طولون في سنة إحدى وسبعين ومائتين؛ ووقفت على نسخة ذكر مسير أبي العباس
لهذه الوقعة منذ خرج من بغداد إلى أن عاد إليها في كتاب سيرة المعتضد تأليف سنان
بن ثابت، وذكر أنه نقله من خط أحمد بن الطيب، وذكر فيه دخوله حلب، وذكر صفة
المدينة وتسمية أبوابها وصفة قلعتها، وقد ذكرنا في صدر كتابنا شيئاً مما نقله عنه،
وكان أحمد بن الطيب نديماً للمعتضد وخصيصاً به قبل الخلافة وبعدها، ثم غضب عليه
لأمور نذكرها إن شاء الله فقتله.
أخبرنا أبو الفضل ذاكر بن اسحق بن محمد الهمذاني بالقاهرة المعزية قال: أخبرنا أبو
سهل عبد السلام الهمذاني قال: أخبرنا أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار
الديلمي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمر البيع قال: أخبرنا أبو غانم حميد بن
المأمون قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي أبو بكر قال: أخبرنا أبو
العباس أحمد بن عبد الرحمن الأسدي قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري قال:
حدثنا أحمد بن الطيب بن مروان السرخسي - وأدخلني عليه أبو الحسن الكردي - قال:
حدثني أبو عبد الله محمد ابن حمدون بن اسماعيل قال: حدثني أبي عن المعتصم قال:
سمعت المأمون يحدث عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن محمد بن علي بن عبد الله عن
عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحتجموا يوم الخميس فمن
احتجم يوم الخميس فناله مكروه فلا يلوم إلا نفسه.
قال أحمد بن الطيب: فذكرت هذا الحديث لعبد الله بن الواثق أبي القاسم فقال: سمعت
أبي الواثق يحدث به عن المعتصم بهذا الاسناد.
هكذا جاء في هذه الرواية قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن حمدون، والمعروف أبو عبد
الله أحمد بن حمدون، وقد تقدم ذكره.
وقع إلى كتاب صنفه أحمد بن الطيب السرخسي، ووسمه بزاد المسافر، ذكر فيه وصية
المسافر وخدمة الملوك، وهو كتاب كتبه إلى بعض إخوانه وقد أراد سفراً لخدمة بعض
الملوك، فوجدته كتابا حسنا جامعاً لوصايا نافعة من كلامه وكلام غيره، فمما قرأت
فيه من الوصايا البالغة من كلام أحمد بن الطيب قوله: إن أول ما أوصيك به وأحثك
عليه، وأراه عزاً وسعة وغنما وفائدة وأنسا، وكثرة وحصنا وجنة ونبلاً ورئاسةً،
استشعار تقوى الله وخشيته والحذر منه في حالاتك كلها، فإنه لا يخاف من خافه، ولا
يأمن من عصاه، يتفرق الأعوان، وينسأ الاخوان، وينأى الجيران، ويجور السلطان، والله
موجود بكل مكان لمن أيقن ألا حول ولا قوة إلا به، فاجعل الثقة بالله معولك،
والاعتماد عليه ثقتل، والتوكل عليه نصيرك، والطاعة له سلاحك وعدتك، وإن نالك خير
فاقرنه بشكر، فإن الشكر على الخير زيادة في النعمة، وإن يمسك ضير، فاجعل مفزعك إلى
الله.
وجماع القول: ارض بالله طبيبا يبرك من داء البطر عند النعم، وذل الاستكانة عند
حلول المحن، وتعوذ بالله من الشيطان كما أمرك يحرسك من شياطين الانس والجن، وتعود
بالله من شر نفسك يقك مصارع هواك، ازجر غضبك بتذكر الحال التي أنت عليها من عجز أو
قدرة، فإن الغضب مع العجز يظهر الزلة والقلة، والغضب مع القدرة يظهر الطيش
والعجلة، وفي الحاجتين جميعاً تعدم الحلم والأناة، وحيث تعدم الحلم والأناة تعدم
الفكرة، وحيث تعدم الفكرة تعدم الحكمة، وحيث تعدم الحكمة تعدم الخير كله.
واعلم أن الشهوة من أكبر أعوان الهوى، فمن قويت شهوته اشتد حرصه، ومن اشتد حرصه
عمي عن مراشده، ومن عمي عن مراشده أخطر ببدنه ودينه.
ونقلت
من كتابة في خدمة الملوك قال: قال لي انسان مرة: لو صحبت الأمير أعزه الله بم كنت
تخدمه؟ فقلت له: كنت أخدمه بأن لا أكذبه إذا سأل، ولا أصدقه إذا سكت، ولا أخونه
إذا ولى، ولا أذمه إذا عزل، ولا أساعد له عدواً، ولا أجالس من كان عنده طبيباً، لا
أسأل ما لم ينله نظرائي، ولا أرتفع فوق قدري، لا أكتسب به من غيره، ولا أشكر على
نعمته سواه، فإن حسن موقعي منه شكرته بالزيادة فيما قرب منه، وإن جرى المقدار
بخلاف ذلك كنت غير لائم لنفسي، ولا عاتب على فعلي.
ووقفت على كتاب المسالك والممالك من تصنيف أحمد بن الطيب، وقد أوردت منه فوائد في
صدر كتابنا هذا في ذكر البلدان المتعلقة بحلب.
قرأت في مجموع وقع إلى بيتين لأحمد بن الطيب وهما:
نعم مصاد المرء للشهادة
اللحية الضخمة والسجادة
قرأت بخط الشريف محمد بن الحسن بن كمال الشرف أبي الحسن الأفساسي: وقف أحمد بن
الطيب السرخسي على المبرد، فقال له المبرد: أنت والله كما قال البحتري:
فعالك إن سئلت لنا مطيع ... وقولك إن سألت لنا مطاع
خصال النبل في أهل المعالي ... مفرقة وأنت لها جماع
أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب السباك عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري
قال: أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري عن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان
قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي الأزهر قال: وحدثني أحمد ابن الطيب صاحب الكندي
قال: دخلت يوما على أمير المؤمنين المعتضد بالله فإذا بين يديه برذعة الموسوس،
فقال لي: يا أحمد ادن مني، فدنوت منه موضع السر، فقال لي: قل لبرذعة: يا أبا عبد
الله خبز، وكان إذا قيل له هذا خرج الأمر عن يده فلم يقرب من أحد إلا أثر فيه،
وكان المعتضد بفرط شهوته للصنعة قد اتخذ له ولنظرائه ولجماعة من الندماء بين يديه
بابا مستطيلا ينطبق على وهدة إذا وطيء عليها الانسان خرج من بعض أقسامها كفان
بلولب فاعتورنا الانسان الواقف وأطبقتا عليها قيداً مقسوماً بهلالين في طرف أحدها
عمود المقفل وفي الآخر فراشة فإذا التقتا فكأن يداً أقفلت قفلا فلا يتهيأ للرجل
مجنونا كان أو صحيحا التخلص منه إلا بعد أن يجيء الخادم بمفتاحه فيفتحه، فقال أحمد
بن الطيب: فقلت: يا أبا عبد الله خبز فوثب وثبة ليقرب مني، فأخذه القيد، فبقي يزبد
ولا يتهيأ له فيّ حيلة، والمعتضد يسكنه ويشغله عني حتى سكن، فقال له: ما تشتهي يا
أبا عبد الله؟ فقال له: أشتهي أن يجلس ابن الطيب إلى جانبي، فقال: قم يا أحمد
فاجلس إلى جانبه، فقلت على شريطة أن يضع أبو عبد الله يديه على الأرض ويقوم على
أربعة، وكان إلى جانب ذلك الموضع باب آخر لطيف على هذه الصورة، قال: نعم، فلما وضع
يديه نالهما ما نال رجليه، فبقي موثقا، فوثبت فقربت منه، فنظر إلي من غير أن يتمكن
مني لبطشه، فصا صياح الشاة ووصل ذلك، فلم يتمالك المعتضد ضاحكا، وكان بعيدا من
الهزل، فلما بصر به برذعة وهو يضحك نظر إلي وهز رأسه ثم أقبل على المعتضد وقال:
يا ابن الموفق لا تضاحك ... واحذر وإلا صرت شاة
هذا خبيث مخبث ... من شر خبّات السعاة
فاحذره واكتب ما أقو ... ل بظهر تذكرة الدواة
لا تأنسن به فإن ... ني قد نصحت وها وهاة
قال: فوالله لقد رأيت المعتضد وقد تغير وجهه وانحط أنسه، فلم أزل أتعرف ما أثر فيّ
من تحريضه، فما زالت تلك الخبية في نفس المعتضد حتى قتل أحمد بسبب السعاية.
كتب إلينا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي أن زاهر بن طاهر الشحامي
أنبأهم عن أبي القاسم علي بن أحمد قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد ابن أحمد بن أبي
مسلم إذناً قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي إجازة قال: في سنة ثلاث
وثمانين غضب المعتضد على أحمد بن الطيب ووجه بشفيع اللؤلؤي ونحرير الصغير خادم بدر
فقبضوا على جميع ما في داره، وقرروا جواريه على ماله حتى أخذوه، فاجتمع من ذلك ومن
ثمن آلاته مما حمل إلى بيت المال مائة وخمسون ألف درهم.
قال:
فحدثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: كان سبب غضب المعتضد على أحمد بن الطيب أن
أحمد كان قديما يمدح عنده الفلاسفة ويستعقلهم ويحكي مذاهبهم، فيقول المعتضد: أنت
على دينهم وكيف لا تكون كذلك وأستاذك الكندي، وكان قد تخمر في نفس المعتضد أنه
فاسد الدين، وكان ابن الطيب أحمق معجبا يدعي ما لا يحسن، وكان مع قصر عقله في
لسانه طول، فكان كثيرا ما يقول للمعتضد: الأمور تخفى عليك وتستر دونك، فقال له
يوما: ما الدواء؟ قال: توليني الخبر على أبي النجم وعبيد الله، قال: قد وليتك،
قال: فاكتب بذلك رقعة، فكتب رقعة بخطه بتوليته، فجاء بها إلى عبيد الله يعلمه ذلك
ويتقرب إليه أنه لم يستر ذلك عنه، فأخذها عبيد الله ووثب، وطلبها ابن الطيب، فوجه
إليه أنا أخرج بها إليك، ووكل به في داره، وركب إلى بدر فأقرأه إياها، فركب إلى
المعتضد بالله حتى عرفاه الخبر، ورمى عبيد الله بنفسه بين يديه وقال له: أنت يا
سيدي نعشتني وابتدأتني بما لم أؤمله، وكل نعمة لي فمنك وبك، فسكن منه، وقال: إنه
يسعى عليكما عندي فاقتلاه وخذا ما يملكه، فأدخل المطامير، وكان آخر العهد به.
قال محمد بن يحيى الصولي: وقد قيل إن سبب ذلك أن عبيد الله لما أراد الخروج إلى
الجبل مع بدر قال المعتضد لبدر: الصواب أن يحضر أحمد بن محمد جراده ليعاون القاسم
على خدمتنا، فسمع ابن الطيب ذلك فأداه إلى عبيد الله فرده عبيد الله على المعتضد،
وقال له نحو ما حكي في الخبر الأول، فعزم عليه ليخبرنه من قال له ذلك، فقال: ابن
الطيب، فكان هذا سببه.
وقال أبو بكر الصولي: حدثني محمد بن أحمد أبو الحسن الأنصاري قال: كان ابن الطيب
يختلف معنا إلى الكندي، وكان الكندي يقول: هذا أحمق وسيتلف نفسه بحمقه، فكان كما
قال.
قال الصولي: حدثنا الحسن ين اسماعيل قال: كان القاسم يغتاظ من ابن الطيب فيقول له
أبوه: نحن نخنقه بوصفه، وكان المعتضد بالله ربما نفث بشكواه والتأذي منه بالكلمة
بع الكلمة فيقرظه عبيد الله ويحتج عنه، فذكر عبيد الله يوما بشيء قدام المعتضد،
فقال له المعتضد: كفاك إن عبيد الله ما ذكرت لي قط إلا احتج عنك ووصفك، وأنت ما
ذكرته عندي قط إلا غمزت منه على جانب، قبحك الله وقبح طبعك السوء، ثم انكشف أمره
فأوقع به في سنة ثلاث وثمانين.
أنبأنا
المؤيد بن محمد بن علي الطوسي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري
إجازة عن أبي علي المحسن بن علي التنوخي قال: كان الذي نقمه المعتضد على أحمد بن
الطيب أن عبيد الله بن سليمان دخل يوما على المعتضد وقد تغيظ المعتضد عليه من شيء
بلغه عنه، وخاطبه بما يكره، فلما خرج قال: يا أحمد ما ترى إلى هذا الفاعل الصانع،
قد أخرب الدنيا واحتجز الأموال، وفي جنبه ثلاثة آلاف آلاف دينار ما يمنعني من
أخذها إلا الحلم عنه، وفعل الله بي وصنع إن أنا استعملته أكثر من هذا، قال: فخرج
أحمد بن الطيب فوجد عبيد الله على الباب ينتظره، فحمله إلى داره وواكله وسقاه ووهب
له مالا عظيما، وخلع عليه خلعا كثيرة، ورفق به وسأله أن يعلمه ما عساه جرى بعد
خروجه من ذكره، فاستحلفه أحمد على كتمان ذلك فحلف له، فكتمه فخبره الخبر على
حقيقته، وودعه أحمد ونهض، فركب عبيد الله من غد بعد أن عمل ثبتاً يحتوي على جميع
ماله من عين وورق وضيعة وخرثي وقماش وعقار ودار، ودابة وبغل ومركب، وغلام وآلة
وسائر الأعراض، وجاء إلى المعتضد فخاطبه على الأمور كما كان يخاطبه، فلما حضر وقت
انصرافه قال: أريد خلوة من أمير المؤمنين لمهم عارض أذكره، فأخلى مجلسه له، فحل
سيفه بين يديه ومنطقته، وقبل الأرض وبكى وقال: يا أمير المؤمنين الله الله في دمي،
أقلني واعف عني، وهب لي الحياة، واغفر لي إجرامي، وما في نفسك علي، فأما مالي
فوالله، وابتدأ يحلف بالطلاق والعتاق وما تبعه من أيمان البيعة إن كتمتك منه شيئا،
وهذا ثبت بجميع ما أملكه فخذه بطيبة من قلبي، وانشراح من صدري، بارك الله لك فيه،
ودعني أخدمك بدابة واحدة، فقال له المعتضد: ما بك إلى هذا حاجة، ولا في نفسي عليك
ما يوجب هذا، فقال: الآن قد علمت أن رأي أمير المؤمنين علي فاسد إذ ليس يخرج إلي
بما عنده فيّ، ولا يقبل ما بذلته، ولا يقع منه عقاب، وأخذ يلج في البكاء والتضرع،
فرق له المعتضد وتغيظ من معرفته بذلك، فقال: أتحب أن أفعل هذا؟ قال: نعم، قال:
تصدقني عن السبب الذي حملك على هذا، فعرفه ما جرى له مع أحمد بن الطيب، فرضي عنه
وحلف له على ما سر به وخفف عن خاطره، ووثق له أنه لا يسيء إليه وأنفذ في الحال
وقبض على أحمد بن الطيب وحبسه.
قال التنوخي: وقيل إن السبب في قتله أن أحمد بن الطيب دعاه إلى مذاهب الفلاسفة
والخروج عن الاسلام، فاستحل قتله، فلما أجمع على قتله أنفذ إليه يقول له: أنت كنت
عرفتنا عن الحكماء أنهم قالوا: لا يجب للملوك أن يغضبوا، فإذا غضبوا، فلا يجب لهم
أن يرضوا، ولولا هذا لأطلقتك لسالف ذمتك وخدمتك، ولكن اختر أي قتلة تحب أن أقتلك،
قال: فاختار أن يطعم اللحم المكبب ويسقى الشراب العتيق حتى يسكر، ثم يفصد من يديه،
ويترك دمه يجري إلى أن يموت، فأمر المعتضد بذلك، ففعل به، وظن أحمد أن دمه إذا
انقطع مات في الحال بغير ألم فانعكس ظنه.
قال: وذلك أنه لما فصد نزف جميع دمه ثم بقيت معه من الحياة بقية فلم يمت وغلبت
عليه الصفراء فصار كالمجنون ينطح برأسه الحيطان ويصيح ويضج لفرط الآلام ويعدو في
محبسه ساعات كثيرة إلى أن مات، فبلغ المعتضد ذلك، فقال: هذا اختياره لنفسه، وليس
في الفساد بأكثر مما اختاره لنفسه من الرأي الذي جر عليه القتل.
أنبأنا
أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف عن أبي الفتح بن البطي عن أبي عبد الله الحميدي قال:
أخبرنا غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن ابن ابراهيم الصابىء قال:
حدثني - يعني أباه - قال: حدثني جدي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبو اسحق أبي قال:
جرى بيني وبين أبي الحسين القاسم بن عبيد الله في وزارته للمكتفي بالله ذكر أحمد
بن الطيب السرخسي الذي قتله المعتضد بالله فقال: كان المعتضد بالله يعد بعد قتله
إياه ذنوبه إليه والأمور التي أنكرها عليه ليعلم أنه كان مستحقا ما عمله به، فمما
حدثني به عنه أن كان له مجلس يجتمع إليه أهل العلم فيفاوضونه ويفاوضهم، وكنت ربما
سألته عن هذا المجلس وما يجري فيه فيخبرني به، وسألته في بعض الأيام على عادتي،
فقال: يا أمير المؤمنين مر بي أمس شيء طريف، قلت: ما هو؟ قال: دخل إلي في جملة
الناس رجل لا أعرفه حسن الرواء والهيئة، فتوهمت فيه أنه من أهل الفضل والمعرفة،
وقعد لا ينطبق من أول المجلس إلى آخره، فلما انصرف من كان حاضرا لم ينصرف معهم،
فقلت: ألك حاجة؟ قال: نعم تخلي لي نفسك، فأبعدت غلماني، فقال لي: أنا رجل أرسلني
الله تعالى إلى هذا البشر وقد بدأت بك لفضلك، وأملت أن أجد عندك معونة على ما بعثت
له، فقلت له: يا هذا أما علمت أني مسلم أعتقد أنه لا نبوة بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ فقال: قد علمت ذلك وما جئتك إلا بأمر وبرهان، فهل لك في الوقوف على
معجزتي، فأردت أن أعلم ما عنده فقلت له: هاتها، فقال: يحضر سطل فيه ماء، فتقدمت
بإحضاره، وأخرج من كمه حجرين أصمين صلدين كأشد ما يكون من الصخر، وقال لي: خذهما،
فأخذتهما، فقال: ما هما:؟ فقلت حجران، قال لي: رم أن تكسرهما فلم أستطع لشدتهما
وصلابتهما، فقلت: ما أستطيع، فقال: ضعهما في السطل، فوضعتهما، قال: وغطهما،
فغطيتهما بمنديل، وأقبل يحدثني، فوجدته ممتعا كثير الحديث، شديد العبارة، حسن
البيان، صحيح العقل لا أنكر منه شيئا، فلما طال الأمر قلت له: فأي شيء بعد هذا؟
فقال: أخرج لي الحجرين، فكشفت عنهما وطلبتهما في السطل فلم أجدهما وتحيرت وقلت:
ليس في السطل شيء، فقال لي: أنت تركتهما بيدك ولم أقرب منهما، ولا لحظت السطل
بعيني فضلا عن غيره، فقلت صدقت، فقال لي: أما في هذا إعجاز؟ فقلت: بقيت عليك حال
واحدة، قال: ما هي؟ قلت: آتيك بحجر من عندي فتفعل به مثل هذا، فقال لي: وهكذا قال
أصحاب موسى له: نريد أن تكون العصا من عندنا، فتوقفت عن جوابه لأفكر فيه، فقام
وقال: فكر في أمرك إلى أن أعود إليك وانصرف وندمت عبد انصرافه على إخراجي عنه،
وأمرت الغلمان بطلبه ورده فتفرقوا في كل طريق وما وجدوه.
قال القاسم: وقال لي المعتضد بالله: أتدري ما أراد أحمد بن الطيب لعنه الله بهذا
الحديث؟ فقلت: لا يا أمير المؤمنين، قال: إنما أراد أن سبيل موسى عليه السلام في
العصا كانت كسبيل هذا الرجل في الحجرين وأن الجميع بحيلة، وكان ذاك من أكبر ما
نقمت عليه.
أخبرنا أبو الحسن بن المقير إذنا عن أبي الفضل بن ناصر قال: أنبأنا أبو القاسم بن
أحمد عن أبي أحمد بن أبي مسلم عن أبي بكر الصولي قال: وأنشدني يحيى بن علي لنفسه
في ابن الطيب، وكان قد زعم أنه أحرق كتبه كلها إلا الحديث والفقه واللغة والشعر،
فقال المعتضد: وما ينفعه ذلك مع كفره.
يا من يصلى رياءً ... ويظهر الصّوم سمعه
وليس يعبد ربّاً ... ولا يدين بشرعه
قد كنت عطلت دهراً ... فكيف أسلمت دفعه
إن كنت قد تبت فالش ... يخ لا يفارق طبعه
لو ظلت في كل يوم ... مصلّياً ألف ركعه
وصمت دهرك لا مف ... طراً ولا يوم جمعه
ما كنت في الكفر إلا ... كالنار في رأس قلعه
تتلو القران ولو تس ... طيع فرقت جمعه
وإن سمعت بحق ... حاولت بالزور دفعه
قل لي أبعد اتباع ال ... كندي تعمر ربعه
وتستقي الكفر منه ... ولا تحاذر شنعه
أظهرت تقوى ونسكا ... هيهات في الأمر صنعه
ولو بدا لك سلح ... منه لآثرت لطعه
فاذهب إلى مذهب الشي ... خ ربّ صك برجعه
فما
تقاك مليحأ ... وليس كفرك بدعه
فأنشدتها المعتضد بالله في آخر أيام ابن الطيب، فقال: اكتبها وادفعها إليه، ففعلت
ذلك.
ذكر أبو الحسين محمد بن أحمد القواس قال: ولي أحمد بن الطيب الحسبة يوم الاثنين،
والمواريث يوم الثلاثاء، وسوق الرقيق يوم الأربعاء لسبع خلون من رجب سنة اثنتين
وثمانين ومائتين.
قال: وفي هذا اليوم وهو يوم الاثنين لخمس خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين
غضب على أحمد بن الطيب.
قال: وفي يوم الخميس لليلة بقيت من جمادى الأولى ضرب أحمد بن الطيب مائة سوط وحول
إلى المطبق، وفي صفر سنة ست وثمانين ومائتين مات أحمد بن الطيب السرخسي.
حرف الظاء في آباء الأحمدين
فارغ
ذكر حرف العين في آباء الأحمدين
من اسم أبيه عاصم من الأحمدين
أحمد بن عاصم بن سليمان:
أبو عمر الجعدي البالسي الخضيب، حدث ببالس عن العباس بن اسماعيل قريق، ومحمد بن
عمرو الباهلي، روى عنه أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أخبرنا أبو الفرج محمد بن
علي بن حمرة القبيطي في كتابه قال: أخبرنا أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري
عن أبي القاسم اسماعيل بن مسعدة الاسماعيلي قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الرحمن بن
محمد الفارسي قال: أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ قال: حدثنا أحمد بن
عاصم البالسي قال: حدثنا محمد بن عمر الباهلي عن عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا عبد
الوهاب بن مجاهد عن مجاهد بن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
تعجلن إلى شيء تظن انك ان استعجلت إليه انك مدركه وإن كان الله عز وجل لم يقدر
ذلك، ولا تستأخرن من شيء تظن أنك ان استأخرت أنه مدفوع عنك وإن كان الله عز وجل قد
قدره عليك.
أحمد بن عاصم الأنطاكي:
أبو عبد الله، وقيل أبو علي الزاهد الحكيم صاحب المواعظ، من كبار المشايخ وزهادهم
وأولى الحكمة واللسان، روى عن الهيثم بن جميل الأنطاكي، ومخلد بن الحسين، وأبي
قتادة، وسفيان بن عيينة، ويوسف بن أسباط وأبي معاوية محمد بن حازم الضرير، وأبي
يعقوب اسحق بن إبراهيم الحنيني، وقيل إنه رأى الفضيل بن عياض.
روى عنه أحمد بن أبي الحواري، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وأبو عمرو
السراج، وأبو حصين محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى التميمي، وعبد العزيز بن محمد
بن المختار، وأحمد بن صالح، واسحق بن عبد المؤمن الدمشقي، وعلي بن الموفق
البغدادي، ومحمود بن خالد، وأبو محمد عبد الله بن هلال الدومي الربعي، وعبد الواحد
بن أحمد الدمشقي، وأبو الحسن محمد بن الفيض بن محمد بن الفياض الغساني.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني في كتابه
إلينا من مرو غير مرة قال: أخبرنا الشيخ أبو سعد محمد بن منصور بن عبد الرحيم
الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم المزكي إجازة قال: أخبرنا أبو
عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أحمد بن عاصم الأنطاكي كنيته أبو علي،
ويقال أبو عبد الله، من متقدمي مشايخ الثغور من أقران بشر بن الحارث، وسري، وحارث
المحاسبي.
سمعت أبا القاسم النصر أباذي يقول: كان يقال: أحمد بن عاصم الأنطاكي جاسوس القلوب
وذكر لي غيره أن أبا سليمان الداراني كان يسميه كذلك.
أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن إذنا قال: أخبرنا علي بن الحسن ابن هبة الله
قال: أخبرنا أبو عبد الله الخلال قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مندة قال: أخبرنا أبو
طاهر الحسين بن سلمة الهمذاني قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاة.
قال ابن مندة وأخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني إجازة قالا: أخبرنا ابن أبي حاتم
قال: أحمد بن عاصم أبو عبد الله الأنطاكي، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، وسمعت
أبا زرعة يقول: رأيته بدمشق يجالس محمود بن خالد وسمعت أبي يقول: أدركته ولم أكتب
عنه، كان صاحب مواعظ وزهد.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة قال: أخبرنا الفتوح
عبد الوهاب بن شاه بن أحمد الشاذيافي.
وأنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن في كتابها إلينا من نيسابور قالا: أخبرنا أبو الفتوح
عبد الوهاب بن شاه بن أحمد الشاذيافي.
وأنبأنا
أبو النجيب بن عثمان القاري قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو
القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: ومنهم أبو علي أحمد بن عاصم الأنطاكي من
أقران بشر بن الحارث، والسري، والحارث المحاسبي، وكان أبو سليمان الداراني يسميه
جاسوس القلوب لحدة فراسته.
وقال أحمد بن عاصم: إذا طلبت صلاح قلبك فاستعن عليه بحفظ لسانك، وقال أحمد بن
عاصم: قال الله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة ونحن نستزيد من الفتنة.
أخبرنا عبد الرحيم بن أبي سعد المروزي كتابة قال: أخبرنا أبو الخير جامع ابن عبد
الرحيم بن ابراهيم السقاء الصوفي قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار
قال: أخبرنا أبو عبد الرحيم السلمي قال: أحمد بن عاصم، وهو أحمد بن عاصم الأنطاكي
أبو علي، ويقال أبو عبد الله وهو الأصح، وهو من أقران بشر بن الحارث، والسري،
وحارث المحاسبي، ويقال إنه رأى الفضيل بن عياض.
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الخشاب يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: سمعت الجنيد
وابن مسروق، والجريري يقولون: قال أبو عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكي: قرة العين،
وسعة الصدر، وروح القلب وطيب النفس في أمور أربعة: الاستبانة للحجة، والانس
بالأحبة، والثقة بالعدة، والمفايز للمناية أخبرنا عمي أبو غانم قال: أخبرنا عمر بن
علي الجويني.
وأنبأتنا زينب الشعرية قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذيافي.
وأنبأنا أبو النجيب القاري قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو
القاسم بن هوازن القشيري قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا أبو
جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال: حدثنا عباس ابن حمزة قال: حدثنا أحمد بن
أبي الحواري قال: قال أبو عبد الله الأنطاكي: إن أقل اليقين إذا وصل إلى القلب
يملأ القلب نورا، وينفي عنه كل ريب، ويمتلىء القلب به شكرا، ومن الله خوفا.
وقالا: أخبرنا أبو القاسم القشيري قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا أبو
جعفر بن أحمد بن سعيد الرازي قال: حدثنا عباس بن حمزة قال: سمعت أحمد بن أبي
الحواري قال: سمعت أحمد بن عاصم الأنطاكي يقول: من كان بالله أعرف كان له أخوف.
أنبأنا عبد الرحيم بن أبي سعد قال: أخبرنا أبو سعد الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر
المزكي اجازة قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد
الرازي يحكى عن أحمد بن عاصم أنه قال: وافقنا الصالحين في أعمال الجوارح وخالفناهم
في الهمم.
وقال أبو عبد الرحمن: سمعت محمد بن ظاهر الوزيري يقول: سمعت الحسن ابن محمد بن
اسحق يقول: سمعت سعيد بن عثمان الحناط يقول: حدثنا أحمد ابن أبي الحواري يقول:
سمعت أحمد بن عاصم أبو عبد الله الأنطاكي يقول: الصبر هو أول مقام الرضا.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله قال: أخبرنا أبو الفتح عمر بن علي بن محمد
بن حموية قال: أخبرنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذيافي.
وأخبرنا أبو النجيب اسماعيل بن عثمان بن اسماعيل القاري، وزينب بنت عبد الرحمن في
كتابيهما، قال أبو النجيب: أخبرنا أبو الأسعد القشيري، وقالت زينب: أخبرنا
الشاذيافي، قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: وسمعته يعني
محمد بن الحسين السلمي يقول: سمعت النصر أباذي يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت
علي بن شهمر دان يقول: قال أحمد بن عاصم الأنطاكي - وسئل ما علاقة الرجاء في العبد
- قال: أن يكون إذا أحاط به الاحسان ألهم الشكر راجيا لتمام النعمة من الله عليه في
الدنيا، وتمام عفوه في الآخرة.
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن عمر قالا: أخبرنا أبو الخير
القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر أن أبوي عثمان الصابوني والبحيري، وأبوي بكر
البيهقي والحيري كتبوا إليه: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال:
سمعت أبا اسحق ابراهيم بن محمد بن يحيى يقول: أنشدنا مسعر بن علي البرذعي قال:
أنشدنا عبد الله بن أحمد بن عقبة الأصبهاني قال: أنشدنا أبو الحسن علي بن متوية
لأحمد بن عاصم الأنطاكي:
داعيات الهوى تخفّ علينا ... وخلاف الهوى علينا ثقيل
فقد الصدق في الأماكن حتى ... وصفه اليوم ما عليه دليل
لا
نرى خائفاً فيلزمنا الخو ... ف ولا صادقاً كما قد نقول
فبقينا مردّدين حيارى ... نطلب الصدق ما إليه سبيل
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بدمشق قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي
بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل قال: أخبرنا جدي أبو
محمد مقاتل بن مطكود السوسي قال: أنشدنا أبو علي الحسن بن علي الأهوازي قال:
أنشدنا أبو القاسم العطار قال: أنشدنا أبو القاسم ابن أبي العقب قال أنشدني أبو
زرعة الدمشقي قال: أنشدنا أحمد بن عاصم الأنطاكي:
هون عليك فكل الأمر منقطع ... وخلّ عنك عنان الهّم يندفع
فكلّ هّمٍ له من بعده فرج ... وكلّ هّم إذا ما ضاق يتّسع
إن البلاء وإن طال الزمان به ... فالموت يقطعه أو سوف ينقطع
أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي اجازة
قال: أخبرنا جد أبي أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي - اجازة إن لم يكن سماعا -
قال: أخبرنا الإمام أبو سعيد محمد بن علي الخشاب قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال:
سمعت أبا جعفر الرازي يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت أحمد بن عاصم
الأنطاكي يقول: يسير اليقين يخرج كل الشك من القلب، ويسير الشك يخرج اليقين كله من
القلب ذكر من اسم أبيه العباس من الأحمدين
أحمد بن العباس بن أحمد بن الخواتيمي:
أبو العباس بن أبي الفضل، كان أبوه قاضي طرسوس، وكان ابنه من الثقات الأمناء
العدول المؤهلين للرئاسة.
حكى عنه القاضي أبو عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي.
قرأت بخط القاضي أبي عمرو في سير الثغور من تأليفه قال: وحدثني أبو العباس أحمد بن
العباس بن أحمد الخواتيمي، وهو ابن القاضي، وكان من يتحفظ إذا تكلم، ويعد من
الصادقين، أنه أحصى على أبي بكر محمد بن محمد بن داود مدة شهري كانون الأول والآخر
وعشرا من شباط في كل يوم كسوة لا تشبه التي تقدمتها.
وقرأت بخط أبي عمرو أيضا قال: توفي أبو العباس أحمد بن العباس بن الخواتيمي أول
يوم من شهر صفر من سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وكان يرجى ويؤهل للرئاسة لفضله
ونبله وستره وثقته وعدالته، وكان أبوه القاضي عليلا، فلما عزوه به، وانصرف المعزون
من داره أمسك على لسانه فلم يتكلم ثلاثا ومات.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أحمد بن العباس بن عثمان، أبو العباس الكشاني:
روى إنشاداً بحلب عن الفقيه علي بن عبد الله السمنقاني، روى عنه جعفر بن الحسن ابن
أحمد بن علي أبو الفضل النيسابوري.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد
عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أنشدنا جعفر بن الحسن القارىء، بعين
أيوب إملاءً، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن العباس بن عثمان الكشاني المقرىء
بحلب قال: أنشدني الفقيه علي بن عبد الله السمنقاني لنفسه:
الدمع ينطق واللسان كتوم ... والصبر ناءٍ والغرام مقيم
والقلب من ألم الفراق مروّع ... فيه لهجران الحبيب كلوم
ولنا على خلل المنازل وقفةٌ ... منا البكاء ومنهم التسليم
فنفاوض الشكوى بكسر جفوننا ... خوف الرقيب وسرنا مكتوم
أحمد بن العباس بن علي بن نوبخت:
كاتب أبي بكر محمد بن رائق، كان في صحبة أبي بكر بن رائق حين وصل إلى حلب والياً
عليها في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ومدحه أبو الفرج علي بن أبي بكر بن العلاف
بحلب بأبيات أولها:
غادني يا غلام بالبابلي
وكان ابن نوبخت فاضلاً أديباً، وكاتباً أريباً، وله رأي ثاقب، وتدبير حسن صائب؛
وقد ذكرنا دخوله حلب في ترجمة علي بن الحسن بن العلاف.
من اسم أبيه عبد الله من الأحمدين
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الحسين:
أبو نصر بن أبي محمد بن أبي العباس الماسرجسي المطوعي، كان كثير الغزو والجهاد،
وخرج إلى طرسوس مجاهداً، فتوفي بعد دخوله إلى الشام وهو متوجه إليها بأعمال حلب.
وذكره
أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور بما أخبرنا به أبو بكر عبد الله ابن عمر بن
علي الخضر القرشي، وعبد الرحمن بن عمر الغزال في كتابيهما قالا: أخبرنا أبو الخير
القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي والحيري،
وأبو عثمان الصابوني والبحيري فيما أذنوا لنا فيه قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد
الله الحافظ قال: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الحسين، أبو نصر بن أبي
محمد بن أبي العباس الماسرجسي، ابن ابنه الحسن بن عيسى بن ماسرجس، وكان من المطوعة
الكثيري الجهاد.
سمع جده أبا العباس، وأباه، وعمه أبا أحمد، وأبا أحمد والد الحسين، وغيرهم من أهل
بيته، وسمع أبا بكر محمد بن اسحق، وأبا العباس السراج وأقرانهما.
توفي أبو نصر الماسرجسي في متوجهه إلى طرسوس وخرجت له الفوائد عند خروجه إلى طرسوس
سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وفيها توفي بالشام.
أحمد بن عبد الله بن أحمد المرعشي أبو الحسن:
حدث عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، روى عنه القاضي أبو بكر
محمد بن يوسف بن الفضل الجرجاني.
أخبرنا أبو بكر القاسم بن أبي سعد بن أبي حفص الصفار في كتابه إلينا من نيسابور
قال: أخبرنا جدي أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور الصفار، وأخته عائشة قالا: أخبرنا
أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن عمير بن خلف الشيرازي قال: أخبرنا القاضي أبو
بكر محمد بن يوسف بن الفضل الجرجاني - قدم علينا رسولا - قال: حدثني أبو الحسن
أحمد بن عبد الله بن أحمد المرعشي قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال: حدثنا طالوت بن عبد الله الجحدري قال: حدثنا حماد بن سلمة عن
عاصم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: أخبرني عن شهد الله بماذا شهد ربنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لما خلق
الله اللوح وسماه محفوطاً جعل دفيته من ياقوتة حمراء، ثم خلق الله القلم من لؤلؤة
رطبة، مشقوق شفته، يستمد من غير من يستمد وأقام بإزاء عرشه، وأراد منهم الإقرار،
فقال لهم: من أنا؟ فقالوا: أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، فأمر الله
القلم اكتب شهد الله أنه لا إله إلا هو، ثم خلق الله الملائكة بعلمه لا يعلم عددهم
إلا الله، وأراد منهم الإقرار، فقال لهم: من أنا؟ فقالوا: أنت الله لا إله إلا أنت
وحدك لا شريك لك، فأمر الله القلم: اكتب والملائكة فكتب القلم والملائكة ثم وقف،
وخلق الله آدم عليه السلام وسماه أبا البشر وخلق ذريته على مثال الذر وأقامهم
بإزاء عرشه، وأراد منهم الإقرار فقال لهم: من أنا؟ فقالوا: أنت الله لذي لا إله
إلا أنت وحدك لا شريك لك فأمر الله القلم: اكتب وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله
إلا هو العزيز الحكيم.
أحمد بن عبد الله بن إسحاق
أبو الحسن وقيل أبو الحسين الخرقي، كان له اختصاص بالمتقي لله قبل أن يلي الخلافة
فلما وليها خلع عليه، وولاه قضاء مصر والشامات جميعها والحرمين، ومر في الشارع
والجيش معه، وكان المتقي يشاركة في الرأي ويقبل مشورته، وسيره في رسائل عدة منها
أنه كان قدم مع المتقي إلى الرقة حين قدمها وقد جرى له ما جرى مع توزون، فسيره
المتقي رسولاً إلى حلب إلى الإخشيذ أبي بكر محمد ابن طغج، فقدم عليه حلب يسأله أن
يسير إليه ليجتمع معه بالرقة ويجدد العهد به، ويستعين به على نصرته ويقتبس من رأيه،
ولما وصل أبو الحسن إلى حلب تلقاه الإخشيذ وأكرمه وأظهر السرور، والمتعة بقرب
المتقي، وسار الإخشيذ إلى المتقي إلى الرقة، فأكرمه وكناه، وخاطبه بأبي بكر،
وسنذكر ذلك في ترجمة الإخشيذ إن شاء الله تعالى.
أنبأنا أبو روح عبد المعز الهروي عن زاهر بن طاهر قال: أنبأنا أبو القاسم البندار
عن أبي أحمد المعرىء قال: أخبرنا أبو بكر الصولي إجازة قال في حوادث سنة ثلاثين
وثلاثمائة: وصرف القضاة عن الجانبين ببغداد، وتقلد القضاء بهما أبو الحسين أحمد بن
اسحق الخرقي لأربع بقين من شهر ربيع الآخر، وخلع عليه في يوم خميس ونزل في جامع
الرصافة، وقرأ عهده.
وقال
أبو بكر الصولي في حوادث سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة قال: ووجه المتقى لله أحمد بن
عبد الله بن اسحق القاضي من الرقة إلى الأمير توزون ليؤكد الأيمان عليه ويجددها،
ووافقه على شرائط اشترطها عليه المتقي لله، وأشهد عدوله عليه ووجوه الهاشميين
أصحاب المراتب الذين يصلون إلى السلطان أيام الموكب، ويتقدمون القضاة والعالم في
السلام، ويسمعون أيمانه، وما عملت له منها مما يطوقون رقبته، فوصل القاضي إلى
بغداد يوم الخميس لأربع خلون من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، ففعل جميع ما
تقدم به إليه المتقي لله، وكان قد وجه معه بخلع وطوق من ذهب ليخلعها على الأمير
توزون إذا فرغ مما بينه، وبينه، ففعل هذا كله إلا أمر الخلع فإنه دافع عنه.
قال: وتحدث الناس بمجىء الخليفة إلى هيت، وخرج القاضي إليه وعرفه جميع ما جرى وطيب
نفسه، وسكن إلى ذلك، ورجع القاضي إلى الأمير توزون فعرفه ما صنع، فدخل بغداد للنصف
من صفر، ثم ذكر قبض توزون على المتقي لله، وأنه كحله.
قال: وعبر توزون مع المستكفي بالله يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر، ونزل
بباب الشماسية، وقبض على أبي الحسين علي بن محمد بن مقلة وزير المتقي، وعلى القاضي
الخرقي، وعلى جماعة معهم.
قال: وحمل القاضي الخرقي إلى دار ابن شيرزاد ليؤدي ما بقي عليه من مال مصادرته
التي فورق عليها.
أحمد بن عبد الله بن الحسن القاضي:
أبو الفضل الأنطاكي، من الرؤساء وأولي الهيئات والممدحين بأنطاكية، ومدح المتنبي
فيه يدل على فضله وسعة علمه.
أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي
بن علي بن نصر بن سعد قال أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله بن يحيى قال:
أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين قال: أنشدنا أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي لنفسه
يمدح القاضي أبا الفضل أحمد بن عبد الله بن الحسن الأنطاكي:
لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهنّ منك أواهل
قال فيها:
جمع الزمان فلا لذيذٌ خالصٌ ... مما يشوب ولا سرورٌ كامل
حتى أبو الفضل بن عبد الله رؤ ... يته المنى وهي المقام الهائل
ممطورةٌ طرقي إليه ودونها ... من جوده في كلّ فجّ وابل
محجوبةٌ برادق من هيبةٍ ... يثني الأزمّة والمطيّ ذوامل
للشمس فيه وللرياح وللسحا ... ب وللبحار وللأسود شمائل
ولديه ملعقيان والأدب المفا ... د وملحياة وملممات مناهل
لو لم تهب لجب الوفود حواله ... لسرى إليه قطا الفلاة الناهل
يدري بما بك قبل تظهره له ... من ذهنه ويجيب قبل تسائل
وتراه معترضاً لها وموالياً ... أحداقنا وتحار حين تقابل
كلماته قضبٌ وهنّ فواصلٌ ... كلّ الضرائب تحتهن مفاصل
هزمت مكارمه المكارم كلها ... حتى كأنّ المكرمات قتائل
وقتلن ذفراً والدهيم فما ترى ... أمّ الدهيم وأم ذفرٍ هائل
علامة العلماء واللجّ الذي ... لا ينتهي ولكلّ لج ساحل
لو طاب ولد كل حيّ مثله ... ولد النساء وما لهنّ قوابل
لو بان بالكرم الجنين بيانه ... لدرت به ذكراً أم انثى الحامل
ليزد بنو الحسن الشراف تواضعاً ... هيهات تكتم في الظلام مشاعل
ستروا الندى ستر الغراب سفاده ... فبدا وهل يخفي الرباب الهاطل
أحمد بن عبد الله بن حمدون بن نصير بن ابراهيم:
أبو الحسن الرملي المعروف بالجبريني، أظن أن أصله من بيت جبرين، وسكن الرملة.
سمع بحلب أبا بكر أحمد بن محمد بن أبي ادريس إمام جامعها، وبأنطاكية أبا بكر محمد
بن الحسن بن فيل، وحدث عنهما وعن أبي محمد عبد الله بن أبان بن شداد العسقلاني،
وأبي الفضل عباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة، وأبي هاشم محمد بن عبد الأعلى بن عليك
الإمام، وأبي الحسن داود بن أحمد بن مصحح العسقلاني وأبي الحسن محمد بن بكار بن
يزيد السكسكي الدمشقي.
روى عنه عبد الوهاب بن جعفر الميداني، وتمام بن محمد الرازي.
أحمد
بن عبد الله بن سابور بن منصور الدقاق:
أبو العباس البغدادي السابوري، منسوب إلى جده سابور، قدم حلب وسمع بها أبا نعيم
عبيد بن هشام، وبركة بن محمد الحلبيين وحدث عنهما، وسمع بغيرها أبا بكر بن أبي
شيبة، وعبد الله بن أحمد بن شبوية، وسفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى الكوفي،
ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن أبي نوح فراد.
روى عنه أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ، وأبو عمر بن حيوية وأبو بكر
الأبهري، وابن المقرىء، وعمر بن محمد بن سنبك، وأبو محمد عبد العزيز بن الحسن بن
علي بن أبي صابر.
أخبرنا أبو اسحق إبراهيم بن عثمان الكاشغري في كتابه، وقرأت عليه بحلب قال: أخبرنا
أحمد بن صالح بن شافع الجيلي قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد ابن عبد الله
بن محمد بن البيضاوي قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الطيوري قال:
أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن
موسى الحافظ قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق قال: حدثنا بركة بن محمد
حلب قال: حدثنا يوسف بن أسباط بن واصل الشيباني عن سفيان بن سعيد عن خالد الحذاء
عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاستنشاق والمضمضة
للجنب ثلاثاً فريضة.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد
بن عبد الرحيم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي
الرجاء الصيرفي - قالت: إجازة؛ قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو
الفتح منصور بن الحسين - قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي المقرىء
قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابورر الدقاق قال: حدثنا أبو نعيم
الحلبي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد أن ابن عباس -
قال: سمعته عن علي - قال: ألا أخبركم بخبر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ قالوا: بلى، قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد - قراءة عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا أبو
القاسم علي بن طراد بن محمد الزينبي.
قال ابن طبرزد: وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي وابن المجلي - إجازة إن لم يكن
سماعاً منهما أو من أحدهما - قالوا: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة
الإسماعيلي قال: قرىء على حمزة بن يوسف السهمي وأنا حاضر أسمع قال: سألت أبا الحسن
الدارقطني عن أبي العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق فقال: ثقة.
أخبرن أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي فيما أذن لنا في روايته عنه قال:
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن
ثابت قال: أحمد بن عبد الله بن سابور بن منصور أبو العباس الدقاق، سمع أبا بكر بن
أبي شيبة، وأبا نعيم عبيد بن هشام، وبركة بن محمد الحلبيين، وعبد الله بن شبويه
المروزي، وسفيان بن وكيع بن الجراح، ونصر بن علي الجهضمي، وواصل بن عبد الأعلى
الكوفي.
روى عنه عمر بن محمد سنبك، وأبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الأبهري الفقيه، وغيره.
وقال الخطيب: أخبرني الأزهري قال: قال لنا محمد بن العباس الخزاز: مات أبو العباس
أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق يوم السبت بالعشي، ودفن يوم الأحد ضحوة لعشر
بقين من المحرم سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.
أنبأنا أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد ابن محمد
بن أحمد السلفي الأصبهاني قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي -
قرأت عليه من أصل ابن الفرات - قال: قرأت على أبي اسحق إبراهيم بن عمر البرمكي:
أخبركم أبو الحسن محمد بن العباس بن الفرات في كتابه قال: قرىء على أبي عبد الله
محمد بن مخلد ونحن نسمع فأقر به وقال: نعم، قال: سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة: فيها
مات أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق في المحرم.
وأنبأنا حسن بن أحمد الأوقي قال: أخبرنا السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد
الجبار: قال أخبرنا أبو الحسن الحربي قال: أخبرنا أبو محمد الصفار قال: أخبرنا عبد
الباقي بن قانع قال: سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، أبو العباس بن سابور الدقاق في
المحرم - يعني مات.
أحمد بن عبد الله بن سليمان:
ابن
محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث
بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم، وقيل أنور بن أسحم بن النعمان، وهو الساطع بن
عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريخ بن جذيمة بن تيم اللات، وهو مجتمع تنوخ بن أسد
بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن
زيد بن مالك بن حمير بن العرنج بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر، وهو هود
عليه السلام، أبو العلاء بن أبي محمد التنوخي المعري.
قرأ النحو واللغة على أبيه أبي محمد عبد الله بمعرة النعمان، ومحمد بن عبد الله بن
سعد النحوي بحلب.
وحدث عن أبيه أبي محمد عبد الله بن سليمان بن محمد - بن محمد - ، وجده سليمان بن
محمد وأبي الفتح محمد بن الحسن بن روح، ويحيى بن مسعر أبي زكريا وأخويه أبي المجد
وأبي الهيثم عبد الواحد ابني عبد الله، وأبي الفرج عبد الصمد بن أحمد بن عبد الصمد
الفقيه الضرير الحمصي، وأبي عبد الله محمد بن يوسف الرقي المعروف بابن كراكير،
وأبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الرحيم الرحبي، والقاضي أبي عمرو
عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان، وجدته أم سلمة بنت الحسن بن اسحق
بن بلبل.
ورحل إلى بغداد سنة ثماني وتسعين وثلاثمائة، ودخلها سنة تسع وتسعين وثلاثمائة،
وسمع بها أبا الحسن علي بن عيسى الربعي، وأبا أحمد عبد السلام ابن الحسين البصري
المعروف بالواجكا.
وقرأ عليه ببغداد أبو القاسم التنوخي، وابن فورجه، وروى عنه أبو زكريا يحيى بن علي
الخطيب التبريزي، وأقام مدة بالمعرة يقرأ عليه، وأبو المكارم عبد الوارث بن محمد
بن عبد المنعم الأبهري، وأبو محمد الحسن بن علي بن عمر المعروف بقحف العلم، وابن
أخيه القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد قاضي معرة النعمان، وابنه أبو المجد محمد
بن عبد الله بن محمد، والشيخ أبو الحسين علي بن محمد بن عبد اللطيف بن زريق
المعري، وابنه أبو الفضل أحمد بن علي، روى عنه سبعة أجزاء من حديث أبي العلاء عن
شيوخه، وأبو الحسن يحيى بن علي بن عبد اللطيف ابن زريق، وجد جدي أبو الفضل هبة
الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة، وأبو محمد عبد الله بن محمد ين سعيد بن سنان
الخفاجي الحلبيان، والقاضي أبو الفتح ابن أحمد بن أبي الروس السروجي، والخليل بن
عبد الجبار بن عبد الله التميمي القرائي، وعثمان بن أبي بكر السفاقسي المغربي،
وأبو التمام غالب بن عيسى بن أبي يوسف الأنصاري الأندلسي، وأبو الخطاب العلاء بن
حزم الأندلسي وأبو الحسن علي بن أخيه أبي المجد بن عبد الله بن سليمان، وزيد بن
أخيه أبي الهيثم عبد الواحد، وأبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن المهذب، وأبو
صالح محمد ابن المهذب بن علي بن المهذب، وأبو اليقظان أحمد بن محمد بن أبي
الحواري، وأبو العباس أحمد بن خلف الممتع، وابن أخته إبراهيم بن الحسن البليغ،
ومحمد ابن الخضر المعروف بالسابق بن أبي مهزول، وأبو الفضل بن صالح المعريون، والقاضي
أبو القاسم المحسن بن عمرو التنوخي المعري، وأبو القاسم عبيد الله بن علي ابن عبد
الله الرقي الأديب، وأبو الحسن رشاء بن نظيف بن ما شاء الله، وأبو نصر محمد بن
محمد بن هميماه السالار، وأبو الحسن الدلفي الشاعر المصيصي، وأبو سعد إسماعيل بن
علي السمان، وأبو الوليد الدربندي، وأبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري،
وأبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني، وأبو الفرج محمد بن أحمد بن
الحسن التبريزي، وأبو المظفر إبراهيم ابن أحمد بن الليث الآذري.
وكتابه الذين كانوا يكتبون مصنفاته وما يمليه: أبو الحسن علي بن عبيد الله ابن أبي
هاشم، وابنه أبو الفتح محمد بن علي، وجعفر بن أحمد بن صالح، وأبو إسحق إبراهيم بن
علي بن إبراهيم الخطيب القاريء.
وكان
خشن العيش، قنوعاً من الدنيا بملك ورثه من أبيه، والناس فيه مختلفون على مذهبين
فمنهم: من يقول أنه كان زنديقاً ملحداً ويحكون عنه أشياء تدل على كفره، ومنهم من
يقول أنه كان على غاية من الدين والزهد، وأنه كان يأخذ نفسه بالرياضة والخشونة
وظلف العيش، وأنه كان مقتنعاً بالقليل، غير راغب في الدنيا، وسأورد من قول كل فريق
ما فيه كفاية ومقنع، وقد أفردت كتاباً جامعاً في ذكره، وشرحت فيه أحواله وتبينت
وجه الصواب في أمره، وسمته بدفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري فمن أراد
معرفة حقيقة حاله فلينظر في ذلك الكتاب فإن فيه غنية في بيان أمره، وتحقيق صحة
اعتقاده، وعلو قدره إن شاء الله تعالى.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن البناء البغدادي بدمشق، وأبو سعد ثابت
بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي بحلب قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله
بن نصر بن الزاغوني قال: حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الخطيب
الأنباري من لفظه قال: أخبرنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي بقراءتي
عليه في داره بمعرة النعمان قال: حدثني أبو زكريا بن مسعر التنوخي المعري قال:
حدثنا أبو عروبة بن أبي معشر الحراني قال: حدثنا هوبر قال: حدثنا مخلد بن عيسى
الخياط عن أبي الزناد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:
إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وإن الصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء
الماء النار، فالصلاة نور المؤمن والصيام جنة من النار.
قرأت بخط أحمد بن علي بن عبد اللطيف المعري: وولد - يعني أبو العلاء - يوم الجمعة
عند غروب الشمس لثلاثة أيام مضت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
وقرأت في تاريخ جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المعري
التنوخي قال: سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، فيها ولد الشيخ أبو العلاء أحمد ابن عبد
الله بن سليمان المعري التنوخي، يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأول.
وسير إلي قاضي معرة النعمان أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان جزءاً بخطه يتضمن
أخبار بني سليمان، نقله من نسخة عنده، فقال في ذكر أبي العلاء: ولد يوم الجمعة قبل
مغيب الشمس لسبع وعشرين ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة،
واعتل علة الجدري التي ذهب بصره فيها في جمادى الأولى من سنة سبع وستين وثلاثمائة.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر
الخطيب قال: حدثني أبو الخطاب العلاء بن حزم الأندلسي قال: ذكر لي أبو العلاء
المعري أنه ولد في يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين
وثلاثمائة.
أخبرنا أبو الحسن بن أبي جعفر أحمد بن علي، وأبو المحامد إسماعيل بن حامد ابن عبد
الرحمن القوصي قالا: أخبرنا أبو جعفر محمد بن المؤيد بن أبي اليقظان أحمد بن محمد
بن حواري التنوخي المعري - قال أبو الحسن: إجازة - قال: أخبرني جدي أبو اليقظان
قال: كان مولد الشيخ أبي العلاء بن سليمان المعري رحمه الله بمعرة النعمان يوم
الجمعة مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وجدر
في أول سنة سبع وستين وثلاثمائة فعمي من الجدري، وغشى يمنى حدقتيه بياضاً، وأذهب
اليسرى جملةً.
ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين، ودخلها سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة
أشهر، ولزم منزله عند منصرفه من بغداد مدة سنة أربعمائة، وسمى نفسه رهين المحبسين
للزومه منزله ولذهاب عينيه، وتوفي بين صلاتي العشاءين ليلة الجمعة الثالث من شهر
ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة، فكان عمره ستاً وثمانين سنة إلا أربعة
وعشرين يوماً، ولم يأكل اللحم من عمره خمساً وأربعين سنة، وقال الشعر وهو ابن إحدى
عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة، رحمة الله عليه.
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن عبد الله بن رواحة الحموي عن أبي طاهر أحمد ابن محمد
السلفي قال: سمعته - يعني أبا محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الإيادي المعري -
يقول: دخلت على أبي العلاء وأنا صبي مع عمي أبي طاهر نزوره، فرأيته قاعداً على
سجادة لبد وهو يسبح، فدعا لي ومسح على رأسي وكأني أنظر إليه الساعة، وإلى عينيه
إحداهما بادرة والأخرى غائرة جداً، وهو مجدر الوجه نحيف الجسم.
أخبرني
والدي رحمه الله يأثره عن شيوخ الحلبيين أنه بلغهم أن أبا العلاء بن سليمان قال:
أحقق من الألوان لون الحمرة، وذلك أنني لما جدرت ألبستني أمي قميصاً أحمر فأنا
أذكر ذلك اللون وأحققه قبل العما.
وقرأت فيما سيره القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك قاضي المعرة من أخبار بني سليمان
قال: ولما قدم من بغداد - يعني أبا العلاء - عزم على العزلة والانقضاب من العالم
فكتب إلى أهل معرة النعمان: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب إلى السكن المقيم
بالمعرة شملهم الله بالسعادة، من أحمد بن عبد الله بن سليمان، خص به من عرفه
وداناه، سلم الله الجماعة ولا أسلمها ولم شعثها ولا آلمها.
أما الآن فهذه مناجاتي بعد منصرفي عن العراق، مجتمع أهل الجدل، وموطن بقية السلف،
بعد أن قضيت الحداثة فانقضت، وودعت الشبيبة فمضت، وحلبت الدهر أشطره، وخبرت خيره
وشره، فوجدت أقوى ما أصنعه أيام الحياة أن اخترت عزلة تجعلني من الناس كبارح
الأروى من سانح النعام، وما ألوت نصيحةً لنفسي، ولا قصرت في اجتذاب المنفعة إلى
حيزي، فأجمعت على ذلك، واستخرت الله فيه بعد جلائه عن نفر يوثق بخصائلهم، فكلهم
رآه حزماً وعدة إذا تم رشداً، وهو أمر أسري عليه بليل قضى سنة، وخبت به النعامة،
ليس بنسج الساعة ولا ربيب الشهر والسنة، ولكنه غذي الحقب المتقادمة، وسليل الفكر
الطويل، وبادرت إعلامهم ذلك مخافة أن يتفضل منهم متفضل بالنهوض إلى المنزل الجارية
عادتي بسكناه ليلقاني فيه، فيتعذر ذلك عليه، فأكون قد جمعت بين سمجين: سوء الأدب،
وسوء القطيعة، ورب ملوم لا ذنب له.
والمثل السائر خل أمرأً وما اختار، وما أسمحت القرون الإياب حتى وعدتها أشياء
ثلاثة: نبذةً كنبذة فتيق النجوم، وانقضابا من العالم كانقضاب القابية من القوب،
وثباتاً في البلد إن جال أهله من خوف الروم، فإن أبى من يشفق علي أو يظهر الشفق
إلا النفرة مع السواد كانت نفرة الأعضب والأدماء.
وأحلف ما سافرت استكثر من النشب، ولا أتكثر بلقاء الرجال، ولكن آثرت الإقامة بدار
العلم، فشاهدت أنفس ما كان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه، والجاهل مغالب القدر، فلهيت
عما ستأثر به الزمان، والله يجعلهم أحلاس الأوطان، لا أحلاس الخيل والركاب، ويسبغ
عليهم النعمة سبوغ القمراء الطلقة على الظبي الغرير، ويحسن جزاء البغداديين فلقد
وصوفوني بما لا أستحق وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم وعرضوا علي أموالهم عرض
الجد، فصادفوني غير جذل بالصفات ولا هش إلى معروف الأقوام، ورحلت وهم لرحلتي
كارهون، وحسبي الله وعليه فليتوكل المتوكلون.
قال: وإنما قيل رهن المحبسين للزومه منزله، وكف بصره، وأقام مدة طويلة في منزله
محتجبا لا يدخل عليه أحد، ثم إن الناس تسببوا إليه حتى دخلوا عليه، فكتب الشيخ أبو
صالح محمد بن المهذب إلى أخيه أبي الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان رحمهما
الله في ذلك.
بشمس زرودٍ لا ببدر معان ... ألمّا وإن كان الجميع شجاني
يقول فيها:
أبا الهيثم اسمع ما أقول فإنّما ... يعين على ما قلت خير معان
قريضي هجاءٌ إن حرمت مديحه ... لأروع وضّاح الجبين هجان
أطلّ على بغداد كالغيث جاءها ... بأسعد نجم في أجلّ أوان
نضاها ثياب المحل وهي لباسها ... وبدّلها من شدّة بليان
فيا طيب بغداد وقد أرجت به ... على بعدها الأطراف من أرجان
غدا بكم المجد المضىء وإنّه ... ليقمر من أضوائه القمران
ميسرّ المعالي دوننا هل يسّرها ... بطون وهادٍ أو ظهور رعان
نأى ما نأى فالموت دون فراقه ... فما عذره في النأي إذ هو دان
فكن حاملاً مني إليه رسالةً ... تبينّ ليناً في هضاب أبان
فإن قال: أخشى من فلان تشبهاً ... فقل ما فلانٌ عندنا كفلان
هو الخلّ ما فيه اختلال مودّةٍ ... فلا تخشى منه زلةً بضمان
فإن خنت عهداً أو أسأت خليقةً ... ولم يك شأني في المودّة شاني
فلا أحسنت في الحرب أمساك مقبضي ... يميني ولا يسراي حفظ عناني
لعلّ
حياتي أن تعود نضيرةً ... لديه كما كانت وطيب زماني
قلت: وكان أبو صالح بن المهذب قائل هذا الشعر ابن عمة أبي العلاء.
وكان أبو العلاء مفرط الذكاء والحفظ، وأخبرني والدي رحمه الله فيما يأثره عن
أسلافه أنه قيل لأبي العلاء: بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال: ما سمعت شيئاً
إلا حفظته، وما حفظت شيئاً فنسيته.
وحكى لي أيضاً والدي فيما يأثره عن سلفه قال: سار أبو العلاء من المعرة إلى بغداد،
فاتفق عند وصوله إليها موت الشريف أبي أحمد الحسين والد المرتضى والرضي، فدخل إلى
عزيته، والناس مجتمعون، فخطا الناس في المجلس، فقال له بعضهم ولم يعرفه: إلى أين
يا كلب؟ فقال: الكلب من لم يعرف للكلب كذا وكذا اسماً، ثم جلس في أخريات الناس إلى
أن أنشد الشعراء، فقام وأنشد قصيدته الفائية التي أولها:
أودى فليت الحادثات كفاف ... مال المسيف وعنبر المستاف
يرثي بها الشريف المتوفى، فلما سمعها الرضي والمرتضى قاما إليه ورفعا مجلسه إليهما
وقالا له: لعلك أبو العلاء المعري؟ فقال: نعم، فأكرماه واحترماه، وطلب أن تعرض
عليه الكتب التي في خزائن بغداد، فأدخل إليها وجعل لا يعرض عليه كتاب إلا وهو على
خاطره، فعجبوا من حفظه.
وزادني غير والدي أنه لما أنشد:
أودى فليت الحادثات كفاف
قيل له: كفاف، فأعادها كفاف، فتأملوا ذلك وعرفوا أن الصواب ما قال.
أخبرنا الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي الاسحاقي - إجازة كتبها لي
ببغداد وأنا بها وقد اجتمعت به بحلب وعلقت عنه فوائد - قال: حدثني والدي رضي الله
عنه وأرضاه يرفعه إلى ابن منقذ قال: كان بأنطاكية خزانة كتب، وكان الخازن بها
رجلاً علوياً، فجلست يوما إليه فقال: قد خبأت لك غريبة طريفة لم يسمع بمثلها في
تاريخ ولا كتاب منسوخ، قلت: وما هي؟ قال: صبي دون البلوغ ضرير يتردد إلي وقد حفظته
في أيام قلائل عدة كتب، وذاك أنني أقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فلا
يستعيد إلا ما يشك فيه، ثم يتلو علي ما قد سمعه كأنه قد كان محفوظه، قلت: فلعله
يكون يحفظ ذلك، قال: سبحان الله كل كتاب في الدنيا يكون محفوظا له، وإن كان ذلك
كذلك فهو أعظم، ثم حضر المشار إليه وهو صبي دميم الخلقة، مجدور الوجه على عينيه
بياض من أثر الجدري كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلا، وهو يتوقد ذكاء، يقوده رجل طوال
من الرجال أحسبه يقرب من نسبه فقال له الخازن: يا ولدي هذا السيد رجل كبير القدر،
وقد وصفتك عنده، وهو يحب أن تحفظ اليوم ما يختاره لك، فقال: سمعا وطاعة فليختر ما
يريد.
قال ابن منقذ: فاخترت شيئا وقرأته على الصبي وهو يموج ويستزيد، فإذا مر به شيء
يحتاج إلى تقريره في خاطره يقول: أعد هذا، فأردده عليه مرة واحدة حتى انتهيت إلى
ما يزيد على كراسة، ثم قلت له: يقنع هذا من قبل نفسي، قال: أجل حرسك الله، قلت:
كذا وكذا وتلا علي ما أمليته عليه وأنا أعارضه بالكتاب حرفا حرفا حتى انتهى إلى
حيث وقفت عليه، فكاد عقلي يذهب لما رأيت منه، وعلمت أن ليس في العالم من يقدر على
ذلك إلا أن يشاء الله، وسألت عنه فقيل لي: هذا أبو العلاء التنوخي من بيت العلم
والقضاء والثروة والغناء.
قلت: ذكره لهذه الحكاية أنها كانت بأنطاكية لا يصح، فإن أنطاكية استولى عليها
الروم وانتزعوها من أيدي المسلمين في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وولد
أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر، وبقيت أنطاكية في أيدي الروم إلى أن
مات أبو العلاء بن سليمان في سنة تسع وأربعين وأربعمائة وبعده إلى أن فتحها سليمان
بن قطلمش في سنة سبع وسبعين وأربعمائة، فكيف يتصور أن يكون بها خزانة كتب وخازن
علوي وهي في أيدي الروم، ويشبه أن تكون هذه الواقعة بكفر طاب أو بغيرها، وقد يتصحف
كفر طاب بأنطاكية، وابن منقذ أبو المتوج مقلد بن نصر بن منقذ كان من أقران أبي
العلاء، وكانت له كفر طاب فيحتمل أن يكون ذلك كان معه والله أعلم.
وقرأت
في كتاب جنان الجنان ورياض الأذهان لابن الزبير المصري ما يناسب هذه الحكاية، قال
ابن الزبير: حدثني القاضي أبو الفتح محمود بن القاضي اسماعيل بن حميد الدمياطي
قال: حدثني أبي قال: حدثني هبة الله بن موسى المؤيد في الدين، وكانت بينه وبين أبي
العلاء صداقة ومراسلة، قال: كنت أسمع من أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في
علم اللسان ما يكثر تعجبي منه، فلما وصلت المعرة قاصدا للديار المصرية لم أقدم
شيئا على لقائه، فحضرت إليه، واتفق حضور أخير معي وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها
المسافر فلم أسمح بمفارقته والاشتغال بها، فتحدث معي أخي حديثاً باللسان الفارسي
فأرشدته إلى ما يعلمه فيها، ثم عدت إلى مذاكرة أبي العلاء، فتجارينا الحديث إلى أن
ذكرت ما وصف به من سرعة الحفظ، وسألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه فقال: خذ
كتابا من هذه الخزانة - لخزانة قريبة منه - واذكر أوله، فإني أورده عليك حفظاً،
فقلت: كتابك ليس بغريب إن حفظته، قال: قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية إن شئت
أعدته، قلت: أعده، فأعاده ما أخل والله منه بحرف، ولم يكن يعرف اللغة الفارسية.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل - إذناً - قال: أخبرنا أبو سعد السمعاني -
إجازة إن لم يكن سماعا - قال: وذكر أبا العلاء بن سليمان، وحكى تلميذه أبو زكريا
التبريزي أنه كان قاعدا في مسجده بمعرة النعمان بين يديه يقرأ عليه شيئا من
تصانيفه، قال: وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم أر أحدا من بلدي، فدخل مغافصة المسجد
بعض جيراننا للصلاة فرأيته وعرفته وتغيرت من الفرح، فقال لي أبو العلاء: ما أصابك،
فحكيت له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من بلدي منذ سنين، فقال لي: قم
وكلمه، فقلت: حتى أتمم السبق، فقال: قم أنا أنتظرك، فقمت وكلمته بالأذربيجية شيئا
كثيرا، إلى أن سألت عن كل ما أردت، فلما عدت وقعدت بين يديه قال لي: أي لسان هذا؟
قلت: هذا لسان أهل أذربيجان، فقال: ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما
قلتماه، ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا، فجعل جاري يتعجب غاية العجب، ويقول: كيف حفظ
شيئا لم يفهمه.
وأخبرني عنه بمثل هذه الحكاية والدي رحمه الله يأثره عن أسلافه قال: كان لأبي
العلاء جار أعجمي فاتفق أنه غاب عن معرة النعمان، فحضر رجل أعجمي يطلبه قد قدم من
بلده فوجده غائبا ولم يمكنه المقام فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه،
فجعل ذلك الرجل يتكلم بالفارسية وأبو العلاء يصغي إليه إلى أن فرغ من كلامه، ولم
يكن أبو العلاء يعرف باللسان الفارسي، ومضى الرجل، فقدم جاره الغائب، وحضر عند أبي
العلاء فذكر له حال الرجل، وجعل يذكر له بالفارسية ما قال والرجل يبكي ويستغيث
ويلطم إلى أن فرغ من حديثه، وسئل عن حاله، فأخبرهم أنه أخبر بموت أبيه وأخوته
وجماعة من أهله.
قال لي والدي: ومما بلغني من ذكائه أن جارا سمانا كان له وبينه وبين رجل من أهل
المعرة معاملة، فجاءه ذلك الرجل وحاسبه برقاع كان يستدعي فيها ما يأخذ منه عند دعو
حاجته إليه، وكان أبو العلاء في غرفة له يسمع محاسبتهما.
قال: فسمع أبو العلاء السمان المذكور بعد مدة يتأوه ويتململ، فسأله عن حاله، فقال:
كنت حاسبت فلانا برقاع كانت له عندي، وقد عدمتها ولا يحضرني حسابه، فقال له: ما عليك
من بأس تعالى إلي فأن أملي عليك حسابه، وجعل يملي معاملته جميعها رقعة رقعة،
والسمان يكتبها إلى أن فرغ وقام، فما مضت إلا أيام يسيرة ووجد السمان الرقاع وقد
جذبها الفأر إلى زاوية في الدكان، فقابل بها ما أملاه عليه أبو العلاء، فلم تخرم
حرفا واحدا.
أخبرني
القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سعيد بن مدرك بن علي بن سليمان قاضي معرة
النعمان، قال: أخبرني جماعة من سلفنا أن بعض أمراء حلب قيل له: إن اللغة التي
ينقلها أبو العلاء إنما هي من الجمهرة، وعنده نسخة من الجمهرة ليس في الدنيا
مثلها، وحسنوا له طلبها منه قصدا لأذاه فسير أمير حلب إليه من يطلبها منه، فقال
للرسول: سمعا وطاعة للأمير، تقيم عندنا هذه الأيام حتى نقضي شغلك، ثم أمر من يقرأ
عليه كتاب الجمهرة، فقرئت عليه حتى فرغت، ثم دفعها إلى الرسول، وقال: ما قصدت بذلك
إلا بأن أمرها على خاطري خوفا من أن يكون قد شذ منها شيء عن خاطري، فعاد الرسول
بها وأخبر أمير حلب بذلك، فقال: من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب،
وأمر برده إليه.
قلت وكان أبو العلاء قد سمع الجمهرة من أبيه أبي محمد عبد الله، وسمعها أبوه من
أبي عبد الله الحسين بن خالويه ورواها أبو عبد الله عن ابن دريد الأزدي.
وسمعت أبا المعالي قاضي المعرة يقول: سمعت جماعة من أهلنا يقولون كان الشيخ أبو
العلاء متوقد الخاطر على غاية من الذكاء من صغره، وتحدث الناس عنه بذلك، وهو إذ
ذاك صبي صغير، فكان الناس يأتون إليه ليشاهدوا منه ذلك، فخرج جماعة من أهل حلب إلى
ناحية معرة النعمان وقصدوا أن يشاهدوا أبا العلاء، فدخلوا إلى معرة النعمان وسألوا
عنه، فقيل لهم هو يلعب مع الصبيان، فجاءوا إليه وسلموا عليه، فرد عليهم السلام،
فقيل له: إن هؤلاء جماعة من أكابر حلب جاءوا لينظروك ويمتحنوك، فقال لهم: هل لكم
في المقافاة؟ فقالوا: نعم، فجعل كل واحد منهم ينشد بيتا وهو يقافية حتى فرغ
محفوظهم بأجمعهم وقهرهم، فقال لهم: أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتا يقافي به عند
الحاجة؟ فقالوا له: فافعل أنت ذلك، فجعل يجيب كل واحد منهم من نظمه في مقابلة ما
أنشده حتى قهرهم، فعجبوا منه وانصرفوا.
ومن أعجب ما بلغني من ذكائه ما حدثني به والدي رحمه الله قال: بلغني أنه لما سافر
أبو العلاء إلى بغداد وأقام بها المدة التي أقامها اجتاز في طريقه وهو متوجه
بشجرة، وهو راكب على جمل، فقيل له طأطىء رأسك لئلا تلحقك الشجرة، ففعل ذلك، فلما
عاد من بغداد ووصل إلى ذلك الموضع، وكانت الشجرة قد قطعت، طأطأ رأسه فقيل له في
ذلك، فقال: ها هنا شجرة، فقال له: ما ها هنا شجرة، فقال: بلى، فحفروا في ذلك
الموضع، فوجدوا أصلها، والله أعلم.
أخبرني بعض أهل المعرة بها قال: كان أبو العلاء المعري يشرب الماء من بئر بالمعرة
يقال له بئر القراميد، وكان يستطيب ماءه، فلما رحل إلى بغداد سيرت له والدته من
ماء بير القراميد شيئا، فلما وصل الماء لم يعلموه به، وسقوه منه، فلما شربه قال:
لا إله إلا الله ما أشبه هذا الماء بماء بير القراميد.
وأخبرني الوزير الفاضل مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن العلقمي ببغداد قال:
سمعت شيخي في النحو ابن أيوب يقول: كان ببغداد رجل من أهل العلم يقال له: أبو
القاسم، وكان أديبا وبينه وبين أبي العلاء بن سليمان مكاتبات قد تكررت، ولم يكونا
اجتمعا، فاتفق أن أبا القاسم المذكور قدم الشام ودخل على أبي العلاء، ولم يكن رآه
قبل ذلك، فسلم عليه فقال له: أبو القاسم؟ فقال: نعم، فقيل له: كيف عرفت أنه أبو
القاسم؟ فقال: أخذت اسمه من كلامه.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي: سمعته - يعني أبا الزاكي حامد بن بختيار خطيب
الشمسانية - يقول: سمعت عبد المنعم - يعني أبا المهذب بن أحمد بن أبي الروس -
يقول: سمعت أخي - يعني أبا الفتح - يقول: دخل أبو العلاء المعري يوما على عمه
القاضي أبي محمد التنوخي فلما رآه من بعيد يقصده قال لجارية لهم: قومي إلى سيدك
وخذي بيده، فقامت وأخذت بيده، فلما قام أشار إليها أيضا، فأخذت بيده لتوصله إلى
حجرته، فلما أخذ يدها إلتفت إلى عمه وقال: دخلت وهذه الجارية بكر، والآن فهي ثيب،
فقال: ومن أين تعلم، أيوحى إليك؟ فقال: حاشى وكلا، قد انقطع الوحي بعد المصطفى
محمد عليه الصلاة والسلام، ولكنني لما دخلت مسكت يدها وعصب الزند كالأوتار
المشدودة، فعلمت أنا بكر، والآن فقد ارتخت، فعلمت أن البكورية زالت، فبحث القاضي أبو
محمد وإذا ابن له قد دخل بها في تلك الساعة.
وهذا
القاضي أبو محمد هو ابن أخي أبي العلاء، وأبو العلاء عمه، ولعل بعض رواة هذا الخبر
نقله من حفظه، فاشتبه عليه أي الرجلين عم صاحبه، فوهم والله أعلم.
أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن محمود بن الحسين الساوي بالقاهرة عن الحافظ أبي طاهر
أحمد بن محمد الأصبهاني قال: سمعت أبا الحسن علي بن بركات بن منصور التاجر الرحبي
بالذنبة من مضافات دمشق يقول: سمات أبا عمران المعري يقول: عرض على أبي العلاء
التنوخي الكفيف كف من اللوبياء، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده، ثم قال: ما أدري ما
هي إلا أني أشبهه بالكلية، فتعجبوا من فطنته واصابة حدسه.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة عن الحافظ أبي طاهر
السلفي.
وكتب إلينا أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي قال: سمعت أحمد بن محمد
الأصبهاني يقول: سألت أبا زكريا التبريزي إمام عصره في اللغة ببغداد وقلت له: قد
رأيت أبا العلاء بالمعرة، وعالي بن عثمان بن جني الموصلي بصور، والقصباني بالبصرة،
وابن برهان ببغداد، وغيرهم من الأدباء فمن المفضل من بينهم؟ فقال: هؤلاء أئمة لا
يقال لهم أدباء، وأفضل من رأيته ممن قرأت عليه أبو العلاء.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي علي الأنصاري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال:
سمعت أبا الطيب سعيد بن إبراهيم بن سعيد الطلبيري الطبيب بالثغر يقول: سمعت عبد
الحليم بن عبد الواحد السوسي بسفاقس يقول: سئل الحسن بن رشيق عن أبي العلاء المعري
هل هو أشعر أم أنت؟ فقال: قد ألفت أنا كتاباً وهو كتاباً في معناه، فالفرق ما
بيننا كالفرق ما بين الترجمتين، سمى هو كتابه زجر النابح وسميت أنا كتابي ساجور
الكلب يشير إلى أن أبا العلاء أفضل وألطف وأهدى إلى المعاني وأعرف.
أخبرنا عبد الله بن أبي علي الحموي عن أبي طاهر أحمد بن محمد، وكتب إلي أبو القاسم
عيسى بن عبد الله بن عيسى اللخمي - قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: سمعت أبا عبد
الله محمد بن الحسن بن زرارة اللغوي يقول: كان بالمشرق لغوي، وبالمغرب لغوي في عصر
واحد لم يكن لهما ثالث وهما ضريران، فالمشرقي أبو العلاء التنوخي بالمعرة،
والمغربي ابن سيدة الأندلسي. وابن سيده أعلم من المعري، أملى من صدره كتاب المحكم
ثلاثين مجلداً، وما في كتب اللغة أحسن منه.
قلت: وهذا غير مسلم لابن زرارة فإن ابن سيدة إن كان أملى المحكم في اللغة فأبو
العلاء قد أملى من خاطره نثراً: كالأيك والغصون، والفصول والغايات، والسجع السلطاني
وغير ذلك مما يتضمن اللغة وغيرها من الألفاظ البليغة، والكلمات الوجيزة، ونظماً
مثل: استغفر أو أستغفري، ولزم ما لا يلزم، وجامع الأوزان يزيد على المحكم في
المقدار أضعافاً مضاعفة، وكتبه محصورة ولولا خوف الإطاله بذكرها لذكرت أسماءها
وبينا حجم كل مصنف منها، وقد استوعبت ذلك في كتاب دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء
المعري.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا ابو منصور بن زريق قال: أخبرنا
أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن عبد الله سليمان أبو العلاء التنوخي الشاعر من أهل
معرة النعمان، كان حسن الشعر، جزل الكلام، فصيح اللسان، غزير الأدب، عالماً باللغة
حافظاً لها.
وذكر لي القاضي أبو القاسم التنوخي أنه ورد بغداد في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة
وأنه قرأ عليه ديوان شعره ببغداد.
قال الخطيب: وكان أبو العلاء ضريراً، عمي في صباه وعاد من بغداد إلى بلده معرة
النعمان، فأقام به إلى حين وفاته، وكان يتزهد ولا يأكل اللحم، ويلبس خشن الثياب،
وصنف كتاباً في اللغة، وعارض سوراً من القرآن، وحكي عنه حكايات مختلفة في اعتقاده
حتى رماه بعض الناس بالالحاد.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي علي الرماني قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي -
إذناً إن لم يكن سماعاً - ؛ وكتب إلينا أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز الأندلسي
قال: أخبرنا أحمد بن محمد قال: يحكى عن أبي العلاء المعري في الكتاب الذي أملاه
وترجمه بالفصول والغايات وكأنه معارضة منه للسور والآيات، فقيل له: أين هذا من
القرآن؟ فقال: لم تصقله المحاريب أربعمائة سنة.
وسمعت والدي يقول: قيل إن أبا العلاء عارض القرآن العزيز، فقيل له: ما هذا إلا
مليح إلا أنه ليس عليه طلاوة القرآن، فقال: حتى تصقله الألسن أربعمائة سنة وعند
ذلك إنظروا كيف يكون.
وقرأت
بخط الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي في كتاب له
تتبع الكلام فيه على الصرفة، ونصر فيه مذهب المعتزلة في أن القرآن ليس بمعجز في
نفسه، لكن العرب صرفوا عن معارضته، فقال فيه: وقد حمل جماعةً من الأدباء قول أرباب
الفصاحة أنه لا يتمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدي على أن نظموا على اسلوب القرآن
وأظهر ذلك قوم وأخفاه آخرون ومما ظهر منه قول أبي العلاء في بعض كلامه: أقسم بخالق
الخيل والريح الهابة بليل بين الشرط ومطالع سهيل إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر
لمكفوف الذيل، اتق مدارج السيل، وطالع التوبة من قبيل تنج وما أخالك بناج.
وقوله: أذلت العائدة أباها، وأضاءت الوهدة ورباها، والله بكرمه احتباها، أولاها
الشرف بما حباها، أرسل الشمال وصباها ولا يخاف عقباها.
وهذا الكلام الذي أورده ابن سنان هو في كتاب الفصول والغايات في تمجيد الله تعالى
والعظات وهو كتاب إذا تأمله العاقل المنصف علم أنه بعيد عن المعارضة وهو بمعزل عن
التشبه بنظم القرآن العزيز والمناقضة، فإنه كتاب وضعه على حروف المعجم، ففي كل حرف
فصول وغايات، فالغاية مثل قوله: نباج، والفصل ما يقدم الغاية، فيذكر فصلاً يتضمن
التمجيد أو الموعظة ويختمه بالغاية على الحرف من حروف المعجم، مثل تاج، وراج،
وحاج، كالمخمسات والموشحات في الشعر.
وله كتاب آخر كبير نحو ستين مجلداً على هذا الوضع أيضاً سماه الأيك والغصون وسماه
الهمزه والردف يتضمن أيضاً تمجيد الله تعالى والثناء عليه والمواعظ، ولم ينسبوه
فيه إلى معارضة القرآن العزيز، وإنما نسبوه في الفصول والغايات لا غير، وقد كان له
جماعة يحسدونه على فضله ومكانته من أبناء زمانه تصدوا لأذاه، وتتبعوا كلامه وحملوه
على غير المقصد الذي قصده كما هو عادة أبناء كل زمان في افتراء الكذب واختلاق
البهتان، ووقفت له على كتاب وضعه في الرد على من نسبه إلى معارضة القرآن والجواب
عن أبيات استخرجوها من نظمه رموه بسببها بالكفر والطغيان، سمى الكتاب بزجر النابح
ورد فيه على الطاعن في دينه والقادح.
قرأت بخط أبي طاهر السلفي في رسالة كتبها أبو المظفر إبراهيم بن أحمد بن الليث
الآذري إلى الكيا أبي الفتح الأصبهاني قال: ومنها - يعني من قنسرين - أدلجت
متوجهاً إلى معرة النعمان، والسوق إلى أبي العلاء أحمد بن عبد الله التنوخي أسعده
الله، يحدو ركابي، والحنين إلى لقائه يحث أصحابي، وبلغت المعرة ضحية فلم أطق صبراً
حتى دخلت إلى الشيخ أبي العلاء أسعده الله، فشاهدت منه بحراً لا بدرك غوره، وقليب
ماء لا يدرك قعره، فأما اللغة ضمن قلبه، والنحو حشو ثوبه، والتصريف نشر بيته،
والعروض ملك يده، والشعر طوع طبعه، والترسل بين أمره ونهيه، ورأيت أسبابه كلها
أسباب من علم أن العيش تعليل وأن المقام فيها قليل.
قال فيها: ورأيت من كتبه كتاب الفصول والغايات، وكتاب لزوم ما لا يلزم، وكتاب زجر
النابح وسبب تصنيفه هذا الكتاب أن قوماً من حساده فكوا من مقاطيع له في كتاب لزوم
ما لا يلزم أبياتاً كفروه فيها، وشهدوا عليه باستحالة معانيها، ومقاصد الشيخ أبي
العلاء فيها غير مقاصدهم، ومغايصه في معانيها غير مغايصهم، فمن ذلك قوله:
إنما هذه المذاهب أسبا ... بٌ لجذب الدنيا إلى الرؤساء
عرض القوم لا يرقون لدم ... ع الشمّاء والخنساء
كالذي قام يجمع الزّنج بالبص ... رة والقرمطي بالأحساء
وأول الأبيات:
يا ملوك البلاد فزتم بنسىء ال ... عمر والجور شانكم في النّساء
ما لكم لا ترون طرق المعالي ... قد يزور الهيجاء زيّ النّساء
يرتجي الناس أن يقوم إمامٌ ... ناطقٌ في الكتيبة الخرساء
كذب الظنّ لا إمام سوى ال ... عقل مشيراً في صبحه والمساء
فإذا ما أطعته جلب الرّح ... مة عند المسير والإرساء
ثم يقول: إنما هذه المذاهب الأبيات الثلاثة، فأي بأس بهذا الشعر، وهل أتي القوم
إلا من ضعف الخيزة وسوء الفكر.
قرأت
بخط الإمام أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني: سمعت الشيخ أبا الطيب سعيد بن
إبراهيم بن سعيد الأندلسي يقول: سمعت عبد الحليم بن عبد الواحد بسفاقس يقول: قدم
بعض أهل الأدب من المشرق إلى إفريقية، فسأله الحسن بن رشيق عن أبي العلاء المعري
وقال: أنشدني شيئاً من شعره، فأنشده القصيدة التي أولها:
منك الصّدود ومني بالصدود رضا ... من ذا عليّ بهذا في هواك قضى
فلم يرتض هذا المذهب من الشعر، واستلانه، وعزم على هجائه، فهجاه، ثم أنشده بعد بعض
أحد الأدباء ممن جاء من المشرق أيضاً:
هات الحديث عن الزوراء أو هيتا ... وموقد النار لا تكرى بتكريتا
فقطع ما عمل فيه من الهجو، وقال: لو أخرج أبو العلاء يده من المعرة وصك ابن رشيق
صكةً لرده إلى الزاب من حيث جاء، وكان رشيق أبوه مملوكاً ربي بالزاب.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الجبار بن عبد الله العثماني في كتابه قال: سمعت
الشيخ الإمام الحافظ السلفي رحمه الله إملاء من لفظه ومن كتابه قال: سمعت أبا
المكارم عبد الوارث بن محمد بن عبد المنعم الأسدي رئيس أبهر بأبهر، وكان من أفراد
الزمان، يقول: سمعت رشاء بن نظيف بن ما شاء الله المقرىء الفاضل الكبير بدمشق
يقول: ما حملت الأرمض مثل أبي العلاء المعري في فنه؛ وكان يتغالى فيه، وكان قد رآه
وقرأ عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله، وعيسى بن عبد
العزيز الأندلسي - قراءة على الأول، وكتابة من الثاني - قالا: أخبرنا الحافظ أبو
طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني - قال عبد الله: إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: سمعت
محمد بن حمزة بن أحمد التنوخي يقول: سمعت عبد الباقي بن علي المعري يقول: كان أبو
نصر المنازي أحد وزراء نصر الدولة بن مروان بديار بكر، فأرسله إلى مصر رسولاً،
فوصل إلى المعرة، ودخل إلى أبي العلاء، مسلماً، فتناشدوا وانبسط أحدهما إلى الآخر،
فذكر أبو العلاء ما يقاسي من الناس وكلامهم فيه، فقال له أبو نصر: ماذا يريدون منك
وقد تركت لهم الدنيا والآخرة ! فقال: والآخرة أيضاً والآخرة أيضاً، وأطرق ولم
يكلمه إلى أن قام.
وهذا عبد الباقي هو أبو المناقب عبد الباقي بن علي من أهل معرة النعمان، وكان قد
أقام بمصر وتلقب خريطة النايات، وشعره شعر بارد متهلهل النسج، والذي ذكره عن
المنازي وجده في تاريخ غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم بن
هلال الصابىء - وقرأته فيه - قال: وحدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهير قال:
حدثني المنازي الشاعر قال: اجتمعت بأبي العلاء المعري بمعرة النعمان وقلت له: ما
هذا الذي يروى عنك ويحكى؟ فقال: حسدني قوم فكذبوا علي وأساءوا إلي، فقلت له: على
ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟! فقال: والآخرة أيها الشيخ؟ قلت: أي
والله، ثم قلت له: لم تمتنع من أكل اللحم وتلوم من يأكله؟ فقال: رحمة مني للحيوان،
قلت: لا بل تقول إنه من شر الناس، فلعمري إنهم يجدون ما يأكلون ويتجزون به عن
اللحمان ويتعوضون، فما تقول في السباع والجوارح التي خلقت لا غذاء لها غير لحوم
الناس والبهائم والطيور ودمائها وعظامها، ولا طعام يعتاض به عنه ولا يتجزى به
منها، حتى لم تخلص من ذلك حشرات الأرض، فإن كان الخالق لها الذي بقوله نحن، فما
أنت بأرأف منه بخلقه ولا أحكم منه في تدبيره، وإن كانت الطبائع المحدثة لذاك على
مذهبك فما أنت بأحذق منها، ولا أتقن صنعة ولا أحكم عملاً حتى تعطلها ويكون رأيك
وعقلك أوفى منها وأرجح وأنت من أبجادها غير محسوس عندها، فأمسك.
قلت: وهذا يبعد وقوعه عن أبي نصر المنازي فإنه كان قدم على أبي العلاء وحكى ما
أخبرنا به أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر السلفي قال: سمعت أبا الحسن المرجي بن
نصر الكاتب يقول: سمعت خالي الوزير أبا نصر أحمد بن يوسف المنازي يقول: بعثني نصر
الدولة أبو نصر أحمد بن مروان سنة من ميا فارقين إلى مصر رسولاً، فدخلت معرة
النعمان واجتمعت بأبي العلاء التنوخي، وجرت بيننا فوائد، فقال أصحابه فينا قصائد،
ومن جملتها هذه الأبيات:
تجمع العلم في شخصين فاقتسما ... على البريّة شطريه وما عدلا
جاء
أخيري زمانٍ ما به لهما ... مماثلٌ وصل الجد الذي وصلا
أبو العلاء وأبو نصر هما جمعا ... علم الورى وهما للفضل قد كملا
هذا كما تراه رامحٌ علمٌ ... وذاك أعزك للدنيا قد اعتزلا
هما هما قدوة الآداب دانيةً ... طوراً وقاصيةً إن مثلا مثلا
لولاهما لتفرّ العلم عن حلم ... أو لافترى صاحب التمويه إن سئلا
يا طالب الأدب اسأل عنهما وأهن ... إذا رأيتهما أن لا ترى الأولا
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... فطلعة البدر تغني أن ترى زحلا
فلو كان المنازي واجه أبا العلاء بهذا الكلام القبيح المستفظع لما مدح أصحابه أبا
نصر بما ذكره، وكذلك الذي احتج به في ترك اللحم لا يليق أن يصدر مثله من أبي نصر
المنازي، وقد كان عارفاً بالفقه، وشهد له سليم الرازي بأن له يداً في الفقه واللغة
على ما نذكره في ترجمته، ومثل ما نقله الناقل عنه جواباً عن قوله في ترك أكل اللحم
أنه رحمة للحيوان لا يحسن الجواب عنه بما ذكر، والرحمة للحيوان من الخصال المندوب
إليها كما قال صلى الله عليه وسلم: والشاة إن رحمتها رحمك، وقد ترك جماعة من
الزهاد والعباد أكل الشهوات والطيبات تقرباً إلى الله تعالى، وعد ذلك في مناقبهم
ومحاسنهم، ولم ينكر عليهم، فكيف يجعل الامتناع من أكل اللحم تركاً للآخرة، وقد
استقصينا الكلام على هذا في كتاب دفع الظلم والتجري.
وقد قال أبو نصر المنازي في أبي العلاء أبياتا خاطبه بها في مدحه:
لله لؤلؤ ألفاظ تساقطها ... لو كن للغيد ما استأنسن بالعطل
ومن عيون معان لو كحلن بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل
سحر من اللفظ لو دارت سلافته ... على الزمان تمشي مشية الثمل
فمن هذا خطابه له وذكره لما قيل فيهما كيف يصح عنه أنه يواجهه بهذا الكلام الفاحش
الخارج عن حسن الآداب، المجانب لصحة القول والصواب.
أخبرنا عبد الله بن أبي علي الأنصاري عن أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: ذكر -
يعني أبا الفضل هبة الله بن المثنى بن ابراهيم الهيتي - له أنه دخل المعرة، وكان
أبو العلاء يعيش فيها، فنهاه أبو صالح بن شهاب عن الدخول عليه.
قلت: وهذا أبو صالح هو أبو صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب ابن أبي حامد بن
همام بن أبي شهاب، وكان ابن عمه أبي العلاء، وهو الذي كتب الأبيات النونية إلى أبي
الهيثم أخي أبي العلاء حين احتجب أبو العلاء ومنع الناس من الدخول عليه وأولها:
بشمس زرودٍ لا ببدر معان....
وقد ذكرناها وفيها من المدح والتقريظ لأبي العلاء والتحيل في الدخول عليه ما هو
واضح، فكيف يمنع الناس من الدخول عليه وينهاههم عنه، اللهم إلا إن كان ذلك وقع في
الوقت الذي قدم أبو العلاء من بغداد، وعزم على العزلة عن الناس، وكتب إلى أهل
المعرة ما كتب، وأراد أبو الفضل الهيتي الدخول عليه فنهاه أبو صالح عن ذلك مخافة
أن يمضي فيتعذر عليه فيكون كما قال في رسالته: فأكون قد جمعت بن سمجين: سوء الأدب
وسوء القطيعة.
ذكر ابن السيد البطليوسي في شرح سقط الزند لأبي العلاء قال: وكان المعري متدينا،
كثير الصيام والصدقة، يسمع له بالليل هينمة لا تفهم، وكان لا يقرع أحد عليه الباب
حتى تطلع الشمس، فإذا سمع قرع الباب علم أن الشمس قد طلعت، فقطع تلك الهينمة وأذن
في الدخول عليه، وكان لا يرى أكل اللحم، ولا شرب المسكر، ولا النكاح، وكان ذا عفة
ونزاهة نفس، إلا أنه كان مخالفاً لما عليه أهل السنة.
وقول ابن السيد: أنه كان مخالفاً لما عليه أهل السنة لا أعلم بأي طريق وقعت المخالفة،
وقد وصفه بهذه الصفات المحمودة، وكان شافعي المذهب من أهل السنة والجماعة.
وقرأت
بخط الحافظ أبي طاهر السلفي في تعليق له: سمعته يقول: - يعني حامد بن بختيار ابن
جروان الشمساني - سمعت عبد المنعم يقول: - يعني عبد المنعم بن أحمد بن أبي الروس
السروجي - سمعت أخي - يعني أبا الفتح - يقول: دخل رجل من أهل الساحل على الشيخ أبي
العلاء التنوخي بالمعرة ونحن عنده، وكان يعرفه، فقال له: أريد أن يملي سيدنا علي
شيئا من غريب القرآن، فقال يا هذا من أين وصل إلي غريب القرآن وأنا هاهنا في زاوية
البيت، فلما خرج قال لنا: مضى فلان؟ فقلنا: نعم، فقال: ضعوا ما في أيديكم من
الكراريس وخذوا سواها ففعلنا، فقال: اكتبوا غريب القرآن فأملى علينا غريب القرآن
والكلام عليه ثلاثة أسابيع من صدره، فقلنا له بعد ذلك: العلم لا يحل منعه وقد منعت
ذلك الرجل الساحلي، فقال: ما كنت لأضيع الحكمة مع رجل يسب أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ويتنقصهم.
وأخبرنا أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر السلفي قال: قال لي الرئيس أبو المكارم
يعني عبد الوارث بن محمد بن عبد المنعم الأبهري، وكان من أفراد الزمان ثقة مالكي
المذهب: لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعرا وختم في اسبوع واحد عند
القبر مائتا ختمة، وهذا ما لم يشارك فيه.
وكانت الفتاوى في بيتهم على مذهب الشافعي من أكثر من مائتي سنة بالمعرة. قلت: ولم
ينقل أن أبا العلاء كان مبتدعا، لكن نسبوه إلى ما هو أعظم من ذلك.
وقرأت في تاريخ غرس النعمة ابن الصابىء: أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان
التنوخي المعري الشاعر، الأديب الضرير، وكان له شعر كثير، وفيه أدب. غزير، ويرمى
بالالحاد، وأشعاره دالة على ما يزن به من ذاك، ولم يك يأكل لحوم الحيوان ولا
البيض، ولا اللبن، ويقتصر على ما تنبته الأرض، ويحرم ايلام الحيوان ويظهر الصوم
زمانه جميعه، ونحن نذكر طرفا مما بلغنا من شعره ليعلم صحة ما يحكى عنه من الحاده،
وله كتاب سماه الفصول والغايات عارض به السور والآيات، لم يقع إلينا منه شيء
فنورده.
وذكر أشعارا: نسبها إليه، فمنها ما هو من شعره في لزوم ما لا يلزم وفي استغفر
وأستغفري قد أجاب عنها في كتابه المعروف بزجر النابح والكتاب بنجر الزجر، وإذا
تأملها المنصف حق التأمل لم يجد فيها ما يوجب القدح في دينه، ومنها ما وضع على
لسانه وتعمل تلامذته المنحرفون وغيرهم من الحسدة نظمها على لسانه وضمنوها أقاويل
الزنادقة، وفيها من ركاكة اللفظ والعدول عن الفصاحة التي هي ظاهرة في شعره ما يوجب
نفيها عنه وبعدها منه، فمما أورده وهو موضوع عليه:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ... وترزق مجنوناً وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على إمرىء ... رأى منك ما لا يشتهى فتزندقا
وهذا شعر في غاية السقوط والنزول والهبوط، يقضي على ناظمة بالجهل والعمه والكفر
والسفه ومما أورد من الأشعار الموضوعة على لسانه البعيدة عن فصاحته وبيانه.
صرف الزمان مفرق الإلفين ... فاحكم إلهي بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمداً ... وبعثت أنت بقبضها ملكين
وزعمت أن لها معاداً ثانياً ... ما كان أغناها عن الحالين
ولم يعز غرس النعمة شيئا من هذه الأشعار المكذوبة إلى كتاب يعتمد عليه، ولا: نسب
روايتها إلى ناقل أسندها إليه، بل اقتصر في ذكرها كما ذكر على البلاغ ولم يتأمل أن
مثلها مما يختلق عليه زورا ويصاغ.
وقد نسج أبو يعلى بن الهبارية على منوال غرس النعمة من غير فكر ولا روية، فقال في
كتابه الموسوم بفلك المعاني المشحون بقول الزور فيما ينقله ويعاني: وقد قال أبو
العلاء أحمد بن سليمان مع تحذلقه ودعواه الطويلة العريضة وشهرته نفسه بالحكمة
ومظاهرته:
ونهيت عن قتل النفوس تعمداً ... وبعثت تقبضها مع الملكين
وزعمت أنّك في المعاد تعيدها ... ما كان أغناها عن الحالين
قال ابن الهبارية: وهذا كلام مجنون معتوه يعتقد أن القتل كالموت، والموت، كالقتل،
فليت هذا الجاهل الذي حرم الشرع وبرده، والحق وحلاوته، والهدى ونوره، واليقين
وراحته، لم يذع ما هو برىء منه بعيد عنه ولم يقل:
غدوت مريض العقل والرأي فأتني ... لتخبر أنباء الأمور الصحائح
حتى
سلط الله عليه أبا نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر، فقال: أنا ذلك المريض رأياً
وعقلاً، وقد أتيتك مستشفياً فاشفني، وجرت بينهما مكاتبات كثيرة، وأمر باحضاره حلب،
ووعده على الإسلام خيراً من بيت المال، فلما علم أبو العلاء أنه يحمل للقتل أو
الإسلام سم نفسه فمات.
وابن الهبارية لا يعتمد على ما ينقله، وأبو نصر بن أبي عمران هو هبة الله ابن
موسى، المؤيد في الدين، وكان اجتمع بأبي العلاء بمعرة النعمان، وذكرنا فيما نقله
ابن الزبير باسناده أنه كانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة، وذكر حكايته
معه.
وأما الرسائل التي جرت بينه وبين أبي العلاء فإنني وقفت عليها، وملكتها نسخه،
والمؤيد في الدين ابتداه وقال: بلغني عن سيدنا الشيخ بيتاً، وذكر البيت المذكور،
وقال: أنا ذلك المريض عقلاً ورأياً وقد أتيتك مستشفياً، لم امتنعت عن أكل اللحم؟
فأجابه أبو العلاء أن ذلك لرقة تأخذه على الحيوان، وأن الذي يحصل له من ملكه لا
يقوم بسعة النفقه.
فأجابه بجواب حسن وقال: إنه قد تقدم إلى الوالي بحلب أن يحمل إليه ما يقوم
بكفايته، لا كما ذكر ابن الهبارية بأن يحمل إلى حلب، وأنه وعد عن الاسلام خيراً من
بيت المال، فامتنع أبو العلاء عن قبول ما بذله له وأجابه عن كتابه بجواب حسن، فورد
جواب المؤيد في الدين يتضمن الاعتذار إليه عن تكليفه المكاتبة في المعنى المذكور،
وشغل خاطره، لا كما ذكر ابن الهبارية.
وكذلك قول ابن الهبارية أن أبا العلاء سم نفسه فمات، خطأ فاحش من القول فإن أبا
العلاء مات حتف أنفه بمرض أصابه، وسنذكر ذلك إن شاء الله في ذكر وفاته.
قرأت بخط أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان أبو بخط أبيه أبي محمد عبد
الله فإن خطيهما متشابهان، في ورقة وقعت إلي، ذكر فيها شيئاً من أحوال أبي العلاء،
وقال فيها: إن المستنصر بالله صاحب مصر بذل له ما لبيت المال بمعرة النعمان من
الحلال، فلم يقبل منه شيئاً وقال:
كأنما غانة لي من غنى ... فعدّ عن معدن أسوان
سرت برغمي عن زمان الصبى ... يعجلني وقتي وأكواني
ضد أبي الطيب لما غدا ... منصرفاً عن شعب بوّان
وقال:
لا أطلب الأرزاق وال ... مولى يفيض علي رزقي
إن أعط بعض القوت أع ... لم أن ذلك ضعف حقي
قال: وكان رضي الله عنه يرمى من أهل الحسد له بالتعطيل، وتعمل تلامذته وغيرهم على
لسانه الأشعار يضمنونها أقاويل الملحدة قصداً لهلاكه، وإيثاراً لتلاف نفسه، فقال
رضي الله عنه:
حاول إهواني قوم ... فما واجهتهم إلا بإهوان
تخوّنوني بسعاياتهم ... فغيروا نية إخواني
لو استطاعوا لوشوا بي ... إلى المريخ في الشهب وكيوان
وقال:
غريت بذمّي أمةٌ ... وبحمد خالقها غريت
وعبدت ربي ما استطع ... ت ومن بريته بريت
وفرتني الجهال حا ... شدة علي وما فريت
سعروا علي فلم أح ... س وعندهم أني هريت
وجميع ما فاهوا به ... كذب لعمرك حنبريت
وقال أيضاً في ذلك:
واللّه سلم بعدما ... حشد العداة ونفّروا
وسعوا إلى الأمراء عل ... لي في المجال أفرفر
وتراسلوا وتألبوا ... وسكت لما اسحنفروا
خالوني الصيد الأخي ... ر سطا عليه غضنفر
واللّه يعلم أينا ... أطغى وأي أكفر
قال: وكان يدفع الله سبحانه عنه مكائد الأعداء، ويقوم له من المقدمين من ينتخي له،
ويذب عنه، فقال في ذلك رضي الله عنه:
ضعفت عن كيدهم غير أن ... اللّه بالحكمة قواني
أعانني من عز سلطانه ... فلم أبك قلة أعواني
وزينوا هلكي بعدوانهم ... لكل ذي جور وعدوان
ومدّ في القصر حديثي وكم ... ذممت في قصر وأيوان
كفاني الصدق ورب رأى ... تعظيمه معظم ديواني
فما رموا سهماً لهم بالغوا ... في سمه إلا وأشواني
يا
دائباً في عنتي جاهداً ... إبليس في ودّك أغواني
خال من الضغن وخال حجىً ... إني وإياك لخلوان
كأن طرحي في لظى مالكٍ ... يدخله جنة رضوان
قال: ولم يكن من شأنه أن يلتمس من أحد من خلق الله شيئا، وكان كثير الأمراض فقال:
لا أطلب السّيب من الناس ... بل أطلبه من خالق السّيب
ويشهد الأول أني أمرؤٌ ... لي جسد يغرق في عيني
تضرب أضراسي وطبي بها الت ... عطيس بالكندس في جيبي
ويلي مما أنا فيه وج ... ل الأمر عن ويح وعن ويب
لو أن أعمالي محمودة ... لقلت حوطي بي وأعني بي
قال: وأبان عن تعظيم الله سبحانه واعتقاده الصحيح فيه فقال:
ترتاح في الصيف إلى أشهر ال ... قرّ وفي مشتاك للصيف
فخف إلهاً عز سلطانه ... وجل عن أين وعن كيف
وعلم الناس محاسن الأخلاق فقال:
والرزق مقسوم فياسر ولا ... تطلبه بالرمح والسيف
وكن لما تملكه باذلا ... ولا تهاون بقرى الضيف
فاز امرؤٌ أنصف في دهره ... وخاب من مال إلى الحيف
سمعت العماد ساطع بن عبد الرزاق بن المحسن بن أبي حصين المعري يقول: بلغني أن
الناس لما أكثروا القول في الشيخ أبي العلاء بن سليمان ورموه بما رموه به من
الإلحاد، سير صاحب حلب قصداً لأذاه، فلما جاءه الرسول بات على عزم أن يأخذوه بكرة
اليوم الآتي، فبات الشيخ أبو العلاء تلك الليلة في محرابه يدعو الله ويذكره،
ويسأله أن يكفيه شره، وقال لبعض أصحابه أرقب النجم الفلاني فما زال يرقبه إلى أن
أخبره بأنه غاب، والشيخ يدعو مستقبلا القبلة. فلما أصبح جاءه الرسول فقال له أبو
العلاء: امض فقد قضي الأمر، فقال: وما ذاك؟ قال: إن صاحبك مات، قال: تركته وهو في
عافية، قال: إنه قد مات الليلة، فعاد فوجد الأمر كما ذكر، وذاك أنه سقط بيت كان
به، وتقصفت الأخشاب فمات، هذا معنى ما ذكره لي أو قريب منه.
وقرأت بخط الشريف إدريس بن الحسن بن علي بن عيسى بن علي الإدريسي الحسني قال:
أخبرني الشريف النقيب: نظام الدين أبو العباس بن أبي الجن الحسيني قال: حدثني ابن
أخت أمين الدولة الشريف القاضي الأفطسي قال: كان الشريف أبو ابراهيم محمد يحضر
مجلس معز الدولة ثمال بن صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب، ويحضره المحبرة العباسي
من ولد إسماعيل بن صالح وكل واحد منهما فقيه نبيل في المذهب الذي عرف به، وكان
المحبرة يدق على أبي العلاء بن سليمان ويكفره ويحض معز الدولة على قتله، فكان معز
الدولة يستطلع رأي الشريف أبي إبراهيم فيه، فيقول فيه بخلاف ما يقول المحبرة
ويقرظه عند معز الدولة ويرغبه في إبقائه وينشده من أشعاره التي لا يلم فيها بأمر
منكر، فجمع المحبرة جماعة من الفقهاء وغيرهم من أهل السنة وصعد إلى معز الدولة
وألجأه إلى أن يبعث إليه فيحضره إلى حلب، ويعقد له مجلس يخاطب فيه على ما شاع له
من الشعر والتصانيف التي صنفها، فندب لإحضاره رسولا من خاصته، فيقال: إن أبا
العلاء بن سليمان صعد في الليلة التي ورد فيها الرسول لإحضاره، وبسط منديلا عليه
رماد فوضع عليه خده ودعا الله عز وجل بدعاء الفرج طول ليلته، فلم ينزل إلا ورسول
ثان من معز الدولة يقول للأول: لا تزعج الرجل واتركه، فعاد، واتفق في تلك الليلة
أن سقط المحبرة من سطوح داره فمات.
وغبر على ذلك مدة طويلة وأبو إبراهيم محمد ينتظر الثواب من أبي العلاء على ما كان
منه إليه، وكان أبو العلاء لا يمدح أحدا ترفعا وضنا بنفسه وشعره، إلا ما كان من
مدحه لنفسه أو أحد من أهل بيته كالقاضي التنوخي، والفصيصي، وما اضطر إليه، فابتدأه
الشريف أبو ابراهيم بالقصيدة النونية التي أولها:
غير مستحسن وصال الغواني ... بعد ستين حجة وثمان
فأجابه عنها بالقصيدة المكتوبة في سقط الزند:
عللاني فان بيض الأماني ... فنيت والظلام ليس بفان
قلت:
والشريف المحبرة هو أبو علي محمد بن محمد بن هارون الهاشمي الحلبي، وكان قد تصدى
للسعي بأبي العلاء، والتأليب عليه، وكان من أكابر الحلبيين وفقهائهم، ولم يسقط من
سطح داره، لكن معز الدولة ثمال بن صالح اعتقله بقلعة حلب سنة أربعين وأربعمائة مع
جماعة من أكابر حلب عندما طرق ناصر الدولة بن حمدان الشام، ثم قتله دونهم بسعاية
علي بن أحمد بن الأيسر في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين، ولم يكن الشريف أبو إبراهيم
محمد بن أحمد ناظم النونية موجودا، ولا أدرك زمان ثمال فإنه توفي قبل الأربعمائة،
ويحتمل أن أبا إبراهيم المذكور الذي كان يقرظ أبا العلاء عند معز الدولة هو أبو
إبراهيم محمد بن جعفر بن أبي إبراهيم، فإنه كان جليل القدر محترما عند صالح بن
مرداس وثمال بن صالح، لكن الشعر الذي ذكره لجده أبي إبراهيم الأكبر، والله أعلم.
أنبأنا الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي قال: قرأت بخط ابن سنان
الخفاجي في ذكر أبي العلاء بن سليمان أنه ترك أكل اللحم تزهدا، وكان مع ذلك يصوم
أكثر زمانه ويفطر على الخل والبقل ويقول: ان في هذا لخيرا كثيرا.
أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد اجازة عن أبي الفضل بن ناصر قال: حدثنا أبو زكريا
التبريزي قال: كان المعري يجري رزقا على جماعة ممن كان يقرأ عليه، ويتردد لاجل
الأدب إليه، ولم يقبل لاحد هدية ولا صلة، وكان له أربعة رجال من الكتاب المجودين
في خزانته وجارية يكتبون عنه ما يرتجله ويمليه.
أنبأنا زيد بن الحسن الكندي قال: أنبأنا هبة الله بن علي العلوي الشجري قال: حدثنا
أبو زكريا التبريزي قال: ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري، ولقد
اتفق قوم ممن كان يقرأ عليه ووضعوا حروفاً وألفوها كلمات وأضافوا إليها من غريب
اللغة ووحشيها كلمات أخرى وسألوه عن الجميع على سبيل الامتحان، فكان كلما وصلوا
إلى كلمة مما ألفوه ينزعج له وينكرها ويستعيدها مرارا ثم يقول: دعوا هذه، والألفاظ
اللغوية يشرحها ويستشهد عليها حتى انتهت الكلمات، ثم أطرق ساعة مفكرا ورفع رأسه
وقال: كأني بكم وقد وضعتم هذه الكلمات لتمتحنوا بها معرفتي وثقتي في روايتي، والله
لئن لم تكشفوا لي الحال وتدعوا المحال، وإلا هذا فراق ما بيني وبينكم، فقالوا له:
والله الأمر كما قلت، وما عدوت ما قصدناه، فقال: سبحان الله، والله ما أقول إلا ما
قالته العرب وما أظن أنها نطقت بشيء لم أعرفه.
قرأت في كتاب تتمة اليتيمه لأبي منصور الثعالبي وذكر فيها أبا العلاء المعري فقال:
وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي الشاعر، وهو ممن لقيته قديماً وحديثاً في مدة
ثلاثين سنة قال: لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب، رأيت أعمى شاعرا طريفا يلعب
بالشطرنج والنرد، ويدخل في كل فن من الجد والهزل، يكنى أبا العلاء؛ وسمعته يقول:
أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني
رؤية الثقلاء والبغضاء.
قال: وحضرته يوماً وهو يملي في جواب كتاب ورد من بعض الرؤساء إليه:
وافى الكتاب فأجب الشكرا ... فضممته ولثمته عشرا
وفضضته وقرأته فإذا ... أحلى كتاب في الورى يقرا
فمحاه دمعي من تحدره ... شوقاً إليك فلم يدع سطرا
فتحفظتها واستعملتها في مكاتبات الإخوان.
قلت: وهذا الذي حكاه الدلفي لم أسمعه في كتاب غير تتمة اليتيمة، ولم ينقل أحد من
المعريين وغيرهم عن أبي العلاء اشتغالا بشطرنج أو نرد، أو دخولا في فن من فنون
الهزل، ولم تزل أوقاته منذ نشأ مصروفة إلى الاشتغال بالعلم، كيف وهو أن منصب أبيه
ومنصب أخيه لا يقتضى تمكينه من شيء من ذلك، فقد كانا من العلماء الفضلاء، وكان أبو
العلاء يزيد عليهما.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن اسماعيل
الطرسوسي قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي إجازة - قلت: ونقلته أنا من
خط المقدسي، قال: سمعت الرئيس أبا نصر أحمد بن أحمد بن عبدوس الوفراوندي بها يقول:
سألت شيخ الإسلام أبا الحسن علي بن أحمد بن يوسف الهكاري عن أبي العلاء المعري -
وكان قد رآه - فقال: رجل من المسلمين.
أخبرنا
أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة - قراءة عليه - قال: أخبرنا
أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي - إجازة، إن لم يكن سماعا - .
وكتب إلينا أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز اللخمي من الاسكندرية قال: سمعت أبا
طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الزاكي حامد بن بختيار بن جروان النميري الخطيب
بالشمسانية - مدينة بالخابور - يقول: سمعت القاضي أبا الفتح عبد المنعم بن أحمد بن
أبي الروس السروجي يقول: سمعت أخي القاضي أبا الفتح يقول: دخلت على الشيخ أبي
العلاء التنوخي بالمعرة ذات يوم في وقت خلوة بغير علم منه، وكنت أتردد إليه وأقرأ
عليه، فسمعته وهو ينشد من قبله:
كم غودرت غادةٌ كعابٌ ... وعمرت أمّها العجوز
أحرزها الوالدان خوفاً ... والقبر حرزٌ لها حريز
يجوز أن تبطىء المنايا ... والخلد في الدّهر لا يجوز
ثم تأوه مرات وتلا قوله تعالى: إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع
له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه
فمنهم شقي وسعيد، ثم صاح وبكى بكاء شديداً وطرح وجهه على الأرض زمانا، ثم رفع رأسه
ومسح وجهه وقال: سبحان من تكلم بهذا في القدم، سبحان من هذا كلامه، وسكت وسكن،
فصبرت ساعة ثم سلمت عليه، فرد علي وقال: يا أبا الفتح متى أتيت؟ فقلت: الساعة،
فأمرني بالجلوس، فجلست وقلت: يا سيدنا أرى في وجهك أثر غيظ، فقال: لا يا أبا الفتح
بل أنشدت شيئاً من كلام المخلوق وتلوت شيئاً من كلام الخالق، فلحقني ما ترى،
فتحققت صحة دينه وقوة يقينه.
أخبرنا أبو القاسم الأنصاري عن الحافظ أبي طاهر السلفي، وأنبأنا أبو القاسم اللخمي
قال: وسمعت أبا طاهر أحمد بن محمد يقول: وقد كان شيخانا أبو زكريا التبريزي ببغداد
وأبو المكارم الأبهري بأبهر، وهما هما ولا يخفى من العلم محلهما، يبالغان في
الثناء عليه ويصفانه بالزهد والدين القوي، والعقيدة الصحيحة القوية، والخوف من
الله تعالى، وإن كل ما يذكر من شعره إنما كان يذكره على ما جرت به عادة أهل الأدب،
كما فعله أبو الحسين بن فارس في فتيا فقيه العرب، وقبله أبو بكر بن دريد في الملاحن،
وعد ذلك منهما في جملة المناقب والمحاسن، وهذا الإمامان فمن أجلاء من رأيته من أهل
الأدب والمتبحرين في علوم العرب، وإلى أبي العلاء انتماؤهما وفي العربية اعزاؤهما،
وقد أقاما عنده برهة من الدهر للقراءة والأخذ عنه والاستفادة.
أخبرنا القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سعيد بن سليمان قاضي معرة النعمان قال:
بلغني من شيوخ المعرة أن جماعة من أهل حلب خرجوا إلى ناحية المعرة فقالوا: نريد أن
نجتمع بالشيخ أبي العلاء فقال: واحد منهم يقال له ابن الطرسوسي: أي حاجة بنا أن
نمضي إلى ذلك العمى الأصطيك فقالوا: لا بد لنا من المضي إليه، فمضوا حتى وصلوا إلى
بابه ودقوا الباب واستأذنوا عليه، فقال: يؤذن للجماعة كلهم ما خلا فلان فلا حاجة
له إلى أن يجتمع بالأعمى الأصطيلىء، فدخلوا وسألوه الإذن له، فأذن له، وعجبوا من
ذلك.
قرأت بخط أبي الفرج محمد بن أحمد بن الحسن الكاتب الوزير في روزنامج أنشأه لولده
الحسن يذكر فيه رحلته إلى الحج من أذربيجان وعبوره بحلب ومعرة النعمان في سنة ثمان
وعشرين وأربعمائة، وكان رجلاً جليلاً وفاضلاً، وسنذكر ترجمته في موضعها إن شاء
الله.
ذكر
معرة النعمان ثم قال وحسنتها وغرتها وديباجتها وعالمها وروايتها وعلامتها ونسابتها
الشيخ الجليل العالم أبو العلاء أحمد عبد الله بن سليمان المعروف برهن المحبسين،
وهو العالم المقصود والبحر من الأدب المورود، والإمام الموجود، والأديب الذي يشهد
بفضله الحسود، والزاهد الذي لو أحل الدين السجود لوجب له السجود، والفاضل الذي
تنضى إليه الركائب، وتركب إلى الاقتباس منه الطريق الموعر واللاحب، وتهجر لمواصلته
المناسب والمصاحب، وتطوى إليه البلاد، ويخالف للاكتحال به الرقاد ويحالف السهاد
ليؤخذ منه العلم المحض والسداد، ويستفاد من مجالسته العلم المطلوب والرشاد، يفقد
لديه الزيغ والإلحاد والفضول في الدين والعناد، الفهم ملء إهابه، والفضل حشو
ثيابه، شخص الأدب ماثلاً، ولسان البلاغة قائلا: جمال الأيام، وزينة خواص الأنام،
وفارس الكلام، والمقدم في النثار والنظام، قد لزم بيته فما يرى متبرزا، وألف داره
وأصبح فيها معتمداً متعززاً لا يؤنسه عن الوحشة إلا الدفاتر، ولا يصحبه في الوحدة
إلا المحابر، وقد اقتصر من دنياه على الزاوية، وأنس الاعتزال والعافية، وقصر همته
على أدب يفيده، وتصنيف يجيده، وقريض ينظمه، ونثر ينثره فيحكمه، ومتعلم يفضل عليه،
ومسترفد صعلوك يحسن إليه، فهو عذب لمشرب، عف المطلب، نقي الساحة من المآثم، بريء
الذمة من الجرائم يرجع إلى نفس أمارة بالخير، بعيدة من الشر، قد كف عن زخرف الدنيا
ونضرتها، وغض طرفه عن متاعها وزهرتها، ونقى جيبه فأمن الناس عيبه، قد استوى في
النزاهة نهاره وليله، فلم يتدنس بفاحشة قط ذيله، وعاد لإصلاح المعاد بإعداد الزاد،
واعتزل هذه الغدارة، وأفرج عن المراد.
وله دار حسنة يأويها، ومعاش يكفيه ويمونه، وأولاد أخ باق يخدمونه ويقرأون بين
يديه، ويدرسون عليه، ويكتبون له، ووراق برسمه مستأجر، ثم ينفق على نفسه من دخل
معاشه نفقة طفيفة، وما يفضل عنه يفرقه على أخيه وأولاده واللائذين به الفقراء
والقاصدين له من الغرباء، ولا يقبل لأحد دقيقا ولا جليلا، فقد استعمل قول النبي
صلى الله عليه وسلم أن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: رجل
يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه. قال ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله
ويدع الناس من شر وما روي أن عقبة بن عامر قال: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أملك
عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك فقد اتخذ الله تعالى ذكره صاحبا، وترك
الناس جانبا.
فمضيت إليه مسلما، وللاستسعاد به مغتنما، فرأيت شيخا حكمت بأنه مولود في طالع
الكمال، وأنه جملة الجمال، شمس عصره، وزينة مصره، وعلم الفضل المطلوب، وواسطة عقد
الادب المحبوب يزيد على العلماء زيادة النور على الظلام، والكرام على اللئام،
وينيف عليهم أنافة صفحة الشمس على كره الأرض ويشأهم كما يشأى السابق يوم الامتحان
والعرض.
وذكر قصائد سمعها منه من شعره، وقال في آخرها: يا ولدي أبقاك الله هذا ما علقته عن
هذا الشيخ المذكور في زورة كانت أقصر من ابهام الضب، وعتاب الصب، وحسوة الطائر،
وهجعة السائر، وسالفة الذباب، ودولة الخضاب، ثم عرضت عليه ما أسأرته النوائب من
حالي، وتخطته الحوادث من نفقتي ومالي، فأبى عن القبول وامتنع وتلكأ علي ودفع، فلما
عرفت مذهبه وظلف نفسه جئته من الباب الذي اقترن بمراده وأنسه.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي في رسالة كتبها الكيا أبو الفتح الحسن ابن عبد
الله بن صالح الأصبهاني إلى أبي المظفر الليثي الآذري، وقد سأله عن حاله في سفرة
سافرها إلى الشام وغيرها، قال فيها: وهل أدرك أبا العلاء المعري المحجوب حجب الله
عنه السوء، وهو أديبهم الراجح، وعالمهم الفاضل، وشاعرهم البارع، وعهدي به راجعا من
بغداد، ولم يصح بجانبي ليله النهار، ولم يقع على شبابه لوقائع الدهر غبار، وهو...
احتجت إلى علمه، وجئت... إلى وطني أربح... رأيته معنا مغنا... فتذكرت قول... لساني
وقلبي... صارم كالسيف ... كتبها إلى الدهخذا أبي الفرج محمد بن أحمد قال: فيها
والشيخ أبو العلاء المعري فإني وجدته كما قال أبو الطيب.
علامة العلماء واللج الذي ... لا ينتهي ولكل لج ساحل
ولم يكن التقائي به في دفعتين إلا قدر قبسة العجلان وخفقه النعسان.
أخبرنا
أبو اسحق ابراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن
عبد الله بن سليمان قال: أخبرني أبي أبو اليسر قال: أخبرني جدي أبو المجد محمد بن
عبد الله قال: كان ظهر بمعرة النعمان منكر في زمن صالح بن مرداس، فعمد شيوخ البلد
إلى انكار ذلك المنكر، فأفضى إلى أن قتلوا الضامن بها، وأهرقوا الخمر، وخافوا
فجمعهم إلى حلب واعتقلهم بها، وكان فيهم بعض بني سليمان، فجاء الجماعة إلى الشيخ
أبي العلاء وقالوا له: ان الأمر قد عظم وليس له غيرك، فسار إلى حلب ليشفع فيهم،
فدخل إلى بين يدي صالح، ولم يعرفه صالح، ثم قال له: السلام عليك أيها الأمير.
الأمير أبقاه الله كالسيف القاطع، لان وسطه، وخشن جانباه، وكالنهار الماتع قاظ،
وسطه، وطاب جانباه، خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين، فقال له: أنت أبو
العلاء؟ فقال: أنا ذاك، فرفعه إلى جانبه، وقضى شغله وأطلق له من كان من المحبسين
من أهل المعرة، فعمل فيه - قال لي: قال لي أبي: قال لي جدي: وأنشدنيها لنفسه:
ولما مضى العمر إلا الأقل ... وحان لروحي فراق الجسد
بعثت رسولاً إلى صالح ... وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني هديل الحمام ... وأسع منه زئير الأسد
فلا يعجبني هذا النفاق ... فكم محنة نفقت ما كسد
وقرأت هذه الحكاية في تاريخ أبي غالب همام بن المهذب المعري، وذكر أن اجتماع أبي
العلاء بصالح كان بظاهر معرة النعمان قال: سنة سبع عشرة وأربعمائة فيها: صاحت
امرأة في الجامع يوم الجمعة، وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغصبها نفسها، فنفر كل
من في الجامع إلا القاضي والمشايخ، وهدموا الماخور، وأخذوا خشبه ونهبوه، وكان أسد
الدولة صالح في نواحي صيدا.
ثم قال: سنة ثماني عشرة وأربعمائة فيها: وصل أسد الدولة صالح بن مرداس إلى حلب
وأمر باعتقال مشايخ المعرة وأما ثلها، فاعتقل سبعون رجلا في مجلس الحصن سبعين يوما،
وذلك بعد عيد الفطر بأيام، وكان أسد الدولة غير مؤثر لذلك، وإنما غلب تاذرس على
رأيه وكان يوهمه أنه يقيم عليهم الهيبة، ولقد بلغنا أنه خاطبه في ذلك فقال له:
أقتل المهذب وأبا المجد بسبب ماخور، ما أفعل وقد بلغني أنه دعي لهم في آمد
وميافارقين، وقطع عليهم ألف دينار، واستدعى الشيخ أبا العلاء بن عبد الله بن
سليمان رحمه الله بظاهر معرة النعمان، فلما حصل عنده في المجلس قال له الشيخ أبو
العلاء: مولانا السيد الاجل، أسد الدولة ومقدمها وناصحها، كالنهار الماته اشتد
هجيره وطاب أبراده، وكالسيف القاطع لان صفحه وخشن حداه، خذ العفو وأمر بالمعروف
وأعرض عن الجاهلين فقال صالح: قد وهبتهم لك أيها الشيخ، ولم يعلم الشيخ أبو العلاء
أن المال قد قطع عليهم وإلا كان قد سأل فيه، ثم قال الشيخ أبو العلاء بعد ذلك
شعرا:
تغيبت في منزلي برهةً ... ستير العيون فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلاّ الأقل ... وحم لروحي فراق الجسد
بعثت شفيعا إلى صالح ... وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبني هذا النفاق ... فكم نفقت محنة ما كسد
قلت: وبلغني في غير هذه الرواية أنه قال بيتين حين أطلق صالح أهل المعرة:
نجى المعرة من براثن صالح ... ربٌ يداوي كل داء معضل
ما كان لي فيها جناح بعوضة ... اللّه ألحفهم جناح تفضل
نقلت من خط أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ في تاريخه قال:
وحدثني أبي قال: حدثني أبو المعافى بن المهذب قال: عمل الشيخ أبو العلاء في بغداد:
منك الصدود ومني بالصدود رضا...
وهي قصيدة مليحة، فلما ظهرت غني بها، فهو ليلةً قاعد في بيته إذ سمع في جواره غناء
من القصيدة:
بي منك ما لو بدا بالشمس ما طلعت ... والغصن ما ماس أو بالبرق ما ومضا
قال: فلطم وبكى واستغفر الله من ذلك وقال: والله لو علمت أنه يغنى بشعري لما نطقت
به.
أنشدنا ضياء الدين الحسن بن عمرو بن دهن الخصا بقراءتي عليه بحلب قال: أنشدنا أبو
الفضل خطيب الموصل قال: أنشدنا أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي.
وأنشدنا
الخطيب أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن حرب خطيب قلعة حلب، والشريف أبو
المحاسن عبد الله بن محمد بن عبد الله الهاشمي الحلبيان بها، والقاضي شهاب الدين
أبو العباس أحمد بن مدرك بن سعيد بن ابن سليمان المعري بها، وشهاب الدين أبو
المحامد اسماعيل بن حامد القوصي بدمشق، قالوا: أنشدنا القاضي المؤيد أبو جعفر محمد
بن مؤيد بن أحمد بن حواري قال: أنشدني جدي أبو اليقظان أحمد بن محمد بن حواري
قالا: أنشدنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه وهي في أبي
الرضا عبد الله بن محمد بن عبد الله القصيصي الكاتب:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر ... لعل بالجزع أعوانا على السفر
وإن بخلت عن الأحياء كلهم ... فاسق المواطر حيا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفها ... حمل الحلي بمن أعيى عن النظر
ما سرت إلاّ وطيف منك يصحبني ... سرى أمامي وتأويبا على أثري
لو حط رحلي فوق النجم رافعة ... ألفيت ثم خيالا منك منتظري
يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر
لو اختصرتم من الاحسان زرتكم ... والعذب يهجر للافراط في الخفر
أبعد حول تناجي الشوق ناجية ... هلا ونحن على عشر من العشر
قال فيها في المدح:
يا روع اللّه سوطي كم أروع به ... فؤاد وجناء مثل الطائر الحذر
باهت بمهرة عدنانا فقلت لها: ... لولا الفصيصي كان المجد في مضر
وقد تبين قدري أن معرفتي ... من تعلمين سترضيني عن القدر
القاتل المحل إذ تبدو السماء ... لنا كأنها من نجيع الجدب في أزر
وقاسم الجود في عال ومنخفض ... كقسمة الغيث بين النبت والشجر
قد أخذ قوم على أبي العلاء قوله: لولا الفصيصي كان المجد في مضر وجعلوا هذا القول
دليلا على سوء اعتقاده لانه يشعر بتفضيل الفصيصي على النبي صلى الله عليه وسلم،
لان المجد في مضر كان به صلى الله عليه وسلم، فلما جاء الفصيصي صار المجد في
قحطان.
قالوا: وهذا تفضيل للفصيصي نعوذ بالله من ذلك، وكنت أبدا أستعظم معنى هذا البيت
وأفكر له في وجه يحمل عليه، وتأويل يصرفه عن هذا المعنى القبيح الذي طعن به الطاعن
على ناظمه، فلم يخطر لي في تأويله شيء أرتضيه، ومضى لي على ذلك سنون، فرأيت في
منامي ليلة من ليالي سنة اثنتين وثلاثين وستمائة كأنني أذاكر رجلا بهذا البيت
وأقول له: ان هذا كفر، فقال لي ذلك الرجل: لم يرد أبو العلاء ما ذهبت إليه من
التفضيل وإنما أراد أن المجد كله كان في مضر دون غيرها من القبائل فلما جاء الفصيص
صار لقحطان به مجد ونصيب منه، وهذا تأويل حسن، وتكون الالف واللام لاستغراق الجنس
والله أعلم.
أنشدنا أبو اسحق ابراهيم بن عثمان بن يوسف بن أيوب الكاشغري قال: أنشدنا هبة الله
بن يحيى بن الحسن بن البوقي الفقيه الشافعي قال: أنشدنا أبو محمد الحسن بن علي بن
عمر قحف العلم قال: أنشدنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه:
أما يفيق المرء من سكر ... مجتهدأ في سيره والسرى
نمت عن الأخرى فلم تنتبه ... وفي سوى الدين هجرت الكرى
كم قائل راح إلى معشرٍ ... أبطل فيما قاله وافترى
على القرا يحمل أثقاله ... وإنما يأمل نزر القرى
يفتقر الحيّ ويثرى وما ... يصير إلا حثوةً في الثرى
اسمع فهذا هاتفٌ صادقٌ ... أراك عقباك فهلاّ ترى
أخبرنا أبو هاشم بن أبي المعالي الحلبي قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الإمام
قال: أنشدتنا أم سلمة سنبك بنت عبد الغابر بن اسماعيل الفارسي بنيسابور، وأبو حفص
عمر بن أحمد بن منصور الإمام بمرو قالا: أنشدنا أبو نصر الرامشي النحوي الإمام
قال: أنشدني أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه:
رغبت إلى الدنيا زماناً فلم تجد ... بغير عناءٍ والحياة بلاغ
والقى ابنه اليأس المريح وبنته ... لدي فعندي راحة وفراغ
وزاد
بلاء الناس في كل بلدةٍ ... أحاديث مما تفترى وتصاغ
تأمّلتها عصر الشباب فلم تسغ ... وليس لها من المشيب مساغ
ومن شرّ ما أسرجت في الصبح والدجى ... كميت لها بالراكبين مراغ
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن
زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: وبلغنا أنه - يعني أبا
العلاء - مات في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وقرأت بخط أبي الفضل هبة الله بن بطرس الحلبي النصراني المعروف بابن شرارة: لزم
أبو العلاء منزله من سنة أربعمائة إلى أن توفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر
ربيع الأول من سنة تسع وأربعين بمعرة النعمان.
وقرأت في الجزء الذي سيره لي قاضي المعرة أبو المعالي بن سليمان في أخبار بني
سليمان أنه توفي رحمه الله وقت صلاة العصر من يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول
من سنة تسع وأربعين وأربعمائة، ودفن في مقابر أهله بمعرة النعمان، وصلى عليه ابن
أخيه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان رحمه الله.
وكذلك قرأت وفاته بخط مؤيد الدولة أبي المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ
الكناني.
أخبرنا أبو العرب بن أبي الشكر بن أبي القاسم الأنصاري قال: أخبرنا محمد ابن
المؤيد التنوخي قال: أخبرني جدي أحمد بن محمد المعري التنوخي أبو اليقظان قال:
وتوفي - يعني - أبا العلاء بين صلاتي العشائين ليلة الجمعة الثالث من شهر ربيع
الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وقرأت في تاريخ غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال الصابىء في حوادث سنة تسع
وأربعين وأربعمائة قال: وفي الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول توفي بمعرة
النعمان من الشام أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان.
قال: وأذكر عند ورود الخبر بموته تذاكرنا امره وإظهاره الإلحاد وكفره، ومعنا غلام
يعرف بأبي غالب بن نبهان من أهل الخير والسلامة والعفة والديانة، فلما كان من غد
يومنا حكى لنا وقد مضى ذلك الحديث يسمعه غرضا فقال: أريت البارحة في منامي رجلاً ضريراً
وعلى عاتقه أفعيان متدليان إلى فخذيه وكل منهما يرفع فمه إلى وجهه فيقطع منه لحماً
يزدرده وهو يصيح ويستغيث، فقلت من هذا - وقد أفزعني ما رأيته منه، وروعني ما
شاهدته عليه - ؟ فقيل لي: هذا المعري الملحد، فعجبنا من ذلك واستطرفناه بعقب ما
تفاوضناه من أمره وتجاريناه.
قلت: خفي على غرس النعمة تأويل المنام وهو أن الأفعيين: هو والذي كان يذاكره
بإلحاد المعري وكفره، فرأى هذا الغلام في النوم ما عاينه منهما في اليقظة، قال
الله سبحانه وتعالى: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه وأما صياحه
واستغاثته فإلى الله تعالى عليهما.
ذكر الوزير القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني في كتاب إنباء الأنباه
في أنباء النحاه قال: قرأت بخط المفضل بن مواهب بن أسد الفارزي الحلبي قال: حدثني
الشيخ أبو عبد الله الأصبهاني قال: لما حضرت الشيخ أبا العلاء أحمد بن عبد الله بن
سليمان التنوخي الوفاة أتاه القاضي الأجل أبو محمد عبد الله التنوخي بقدح شراب
فامتنع من شربه فحلف القاضي أيماناً مؤكدة لا بد من أن يشرب ذلك القدح وكان
سكنجبين، فقال أبو العلاء مجيباً له عن يمينه:
أعبد الله خير من حياتي ... وطول ذمائها موتٌ صريح
تعلّلني لتشفيني فذرني ... لعلي أستريح وتستريح
وكان مرضه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في
اليوم الثالث: اكتبوا فتناولوا الدوى والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال
القاضي أبو محمد: أحسن الله عزاءكم في الشيخ فإنه ميت، فمات في غداة غد، وإنما أخذ
القاضي هذه المعرفة من ابن بطلان، لأن ابن بطلان - كان يدخل على أبي العلاء، ويعرف
ذكاءه وفضله، فقيل له قبل موته بأيام قلائل: إنه أملى شيئا فغلط فيه، فقال ابن
بطلان: مات أبو العلاء، فقيل: وكيف عرفت ذلك فقال: هذا رجل فطن ذكي ولم تجر عادته
بأن يستمر عليه سو ولا غلط، فلما أخبرتموني بأنه غلط علمت أن عقله قد نقص، وفكره
قد انفسد، وآلاته قد اضطربت، فحكمت عليه عند ذلك بالموت والله أعلم.
قرأت
بخط بعض البغداديين، قيل: لما مات أبو العلاء المعري سامحه الله وقف على قبره
سبعون شاعراً من أهل المعرة، فأنشد كل منهم قصيدة يرثيه بها فقال بعضهم:
إن كنت لم ترق الدماء زهاةً ... فلقد أرقت اليوم من عيني دما
سيرت ذكرك في البلاد كأنّه ... مسكٌ فسامعةً تضمّخ أو فما
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلةً ... ذكراك أوجب فديةً من أحرما
قلت: وهذه الأبيات لعلي بن محمد بن همام التنوخي، وسنذكرها في ترجمته إن شاء الله
تعالى.
قرأت في مجموعة بخط بعض الفضلاء لابن أخي المعري يرثي عمه أبا العلاء.
لو كان ينفع بعد مصرع مالكٍ ... تطويلي الأشعار والأشعارا
لو قفت في سبل القوافي خاطري ... ولبست من شعري عليك شعارا
قلت: وإياه عنى أبو محمد الخفاجي الشاعر في قصيدته الرائية بقوله:
ومقيماً على المعرّة تطوي ... ه الليالي وذكره منشور
ووقع إلي جزء بخط بعض المعريين فيه بعض مارثي به أبو العلاء من الشعر فقرأت فيه
لأبي مسلم وادع بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان من جملة قصيدة:
ألا يا شبيبه البحر أقسم لو درى ... بموتك ما جاشت بليلٍ غواربه
ويا من بكى طرف المكارم وحشةً ... له ولسان الفضل والحلم نادبه
ولو نطقت كتب العلوم إذاً بكى ... على فقده من كلّ علم غرائبه
ولو أنّ هذا الليل يعلم أنه ... قضى لقضى ألاّ تزول غياهبه
ولو علمت شهب الظلام بفقده ... إذاً ندبته في الظلام كواكبه
سقى قبره السحب الغزار وخصه ... من الله عفوٌ لا يزال يصاحبه
فما زال كلّ الناس ينهب علمه ... إلى أن غدا صرف الردى وهو ناهبه
وقد عمّ أهل الأرض جمعاً مصابه ... كما عمّهم إحسانه ومواهبه
رعى الله قبراً أنت يا عمّ ملحدٌ ... به وسقاه من حيا المزن صائبه
ولولا توخيك الطهارة شيمة ... لقلت: سقاه من دم الدمع ساكبه
وقرأت فيه لأبي يعلى عبد الباقي بن أبي حصين من قصيدة:
نصال الدهر أقصد من سواها ... وإن أدمت ولم تدم النصال
ألم تر كيف لم يأمن شباها ... أمين الأرض والورع البجال
وسار سريره فوق الهوادي ... لقد خفّت مذ اليوم الجبال
وأقبر في المعرّة وهو أولى ... بقبرٍ في المجرّة لا يطال
وقرأت فيه لأبي الفتح الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة:
العلم بعد أبي العلاء مضيّع ... والأرض خالية الجوانب بلقع
لا عالمٌ فيها يبين مشكلا ... للسائلين ولا سماع ينفع
وعظ الأنام بما استطاع من الهدى ... لو كان يعقل جاهل أو يسمع
ومضى وقد ملأ البلاد غرائباً ... أسفي عليه وقد مشيت وراءه
ما كنت أعلم وهو يودع في الثرى ... أن الثرى فيه الكواكب تودع
جبلٌ ظننت وقد تزعزع ركنه ... أنّ الجبال الراسيات تزعزع
وعجبت أن تسع المعرة قبرة ... ويضيق عرض الأرض عنه الأوسع
أسفي عليه وقد مشيت وراءه ... ومتالع فوق المناكب ترفع
والشمس كاسفة الضياء كئيبةٌ ... والجوّ مسود الجوانب أسفع
والأرض عادمة النسيم كأنما ... سدّت منافسها الرياح الأربع
لو فاضت المهجات يوم وفاته ... ما استكثرت فيه فكيف الأدمع
إني لمحتشم وقد دخل الثرى ... ويكون لي كبدٌ ولا تتقطع
أخبرنا أبو اليمن الكندي في كتابه قال: أجاز لنا أبو عبد الله محمد بن نصر
القيسراني، وقال: وكتبها عند قبر أبي العلاء بمعرة النعمان.
نزلت فزرت قبر أبي العلاء ... فلم أر من قرىً غير البكاء
ألا يا قبر أحمد كم جلال ... تضمه ثراك وكم ذكاء
وزرت
قبر أبي العلاء في البرية التي فيها مقابر أهله داخل معرة النعمان، بالقرب من آدر
بني سليمان، رحمه الله.
أحمد بن عبد الله بن صالح:
ابن عبد الله بن صالح بن علي عبد الله بن العباس، أبو جعفر الصالحي من أهل حلب،
وجدت ذكره في جزء وقع إلي بخط القاضي أبي طاهر صالح بن جعفر الهاشمي يتضمن نسب بني
صالح بن علي.
قال: وكان - يعني أحمد بن عبد الله بن صالح - سيد ولد عبد الله بن صالح في أيامه،
وجليلهم الذي يقتدون برأيه ويرجعون إلى أمره.
أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم:
أبو الحسن العجلي الكوفي الحافظ، كان حافظا كبيراً كثير الحديث، تفقه في الحديث
ومهرفيه، وخرج عن الكوفة وقدم الشام، ودخل أنطاكية، وتوجه منها إلى الساحل، ودخل
مصر، وتوجه إلى أطرابلس المغرب وأقام بها إلى أن مات.
سمع بأنطاكية نزيلها يعقوب بن كعب الحلبي، وبالمصيصة نزيلها موسى بن أيوب النصيبي،
وروى عنهما وعن أبيه عبد الله بن صالح، وعن الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل،
وعبيد الله بن موسى، والحسين بن علي الجعفي، وأبي أحمد الأسدي، ومحمد بن جعفر
غندر، ويحيى بن معين، وأبي داود الجفري، ومحمد ابن يوسف الفيريابي، وأبي سفيان
الحميري، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وعثمان ابن محمد العبسي، ومحمد ويعلى ابني
عبيد، وقاسم العرفطي، وأبي زيد سعيد بن الربيع الهروي، وأسد بن موسى، وقبيصة بن
عقبة، وعفان بن مسلم، وحجاج بن منهال، وعبد الله بن نافع الزبيري، وشبابه، وسليمان
بن حرب، ويزيد بن هارون واسماعيل بن عبد الكريم وابن أبي مريم، واسماعيل بن خليل، ونعيم
بن حماد، وعمر بن حفص بن غياث، وجعفر بن عون، ويعقوب بن اسحق، ويحيى بن آدم، ونصر
بن علي، وعمرو بن عون، والعلاء بن عبد الجبار.
روى عنه ابنه أبو مسلم صالح بن أحمد، وكان زاهدا، ورعا، وهو من بيت العلم والحديث،
وجده صالح من شيوخ الكوفة من أقران سعيد الثوري والد سفيان، وأبوه كان قاضيا
بشيراز من أصحاب شعبة واسرائيل، وقد أخرجه البخاري في صحيحه، وابنه صالح بن أحمد
كان من أهل العلم والرواية، وله سؤالات سأل عنها أباه.
أنبأنا أبو الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد
بن محمد الأصبهاني - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أخبرنا أبو المعالي ثابت بن
بندار بن ابراهيم البقال قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر ابن محمد
السلماسي قال: أخبرنا أبو العباس الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد الغمري
الأندلسي قال: سمعت علي بن أحمد - يعني ابن زكريا بن الخصيب الهاشمي - قال: سمعت
صالح بن أحمد يقول: سمعت أبي أحمد يقول: طلبت الحديث سنة سبع وتسعين ومائة، وكان
مولدي بالكوفة سنة ثنتين وثمانين ومائة.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف - فيما أذن لنا أن نرويه عنه عن أحمد بن محمد
بن أحمد السلفي - قال: أخبرنا ثابت بن بندار قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن
جعفر السلماسي قال: أخبرنا أبو العباس الوليد بن بكر بن مخلد الغمري قال: أخبرنا
أبو الحسن علي بن أحمد بن زكريا قال: حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن
صالح العجلي قال: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب ابن كعب قال: حدثنا يحيى بن اليمان
العجلي عن أشعث بن اسحق بن جعفر بن أبي المغيرة عن سعد بن جبير قال: الذين يبخلون
ويأمرون الناس بالبخل. قال: هذا في العلم.
وقال: حدثنا أبو مسلم قال: حدثني أبي قال: أخرج إلي أحمد بن نوح نفقة دنانير كثيرة
فقال: خذ منها حاجتك، أراك رث الهيئة، فأخرجت إليه منطقة لي فيها دنانير بعت بها
بزا بأنطاكية فقلت: لو كنت أحوج الخلق أجىء إلى أسير آخد منه.
قلت: وكان أحمد بن نوح محبوسا في المحنة مع أحمد بن حنبل.
أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري عن الحافظ أبي طاهر قال: أخبرنا
أبو المعالي البقال قال: أخبرنا أبو عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا أبو العباس
الوليد بن بكر بن مخلد قال: وكان أبو الحسن أحمد بن عبد الله من أئمة أصحاب الحفاظ
المتقنين، ومن ذوي الورع والزهد.
كما سمعت زياد بن عبد الرحمن أبا الحسن اللولي بالقيروان يقول: سمعت مشايخنا بهذا
المغرب يقولون لم يكن لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي ببلادنا شبه ولا
نظير في زمانه ومعرفته بالحديث واتقانه له، وزهده وورعه.
وقال:
أخبرنا الوليد قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن زكريا بن الخصيب بأطرابلس
المغرب قال: حدثنا أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم الحافظ بالقيروان قال: سألت
مالك بن عيسى القفصي - وكان من علماء أصحاب الحديث بالمغرب - فقلت له: من أعلم من
رأيت بالحديث؟ فقال لي: أما من الشيوخ فأبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي
الساكن باطرابلس المغرب.
وقال: أخبرنا الوليد قال: وحدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا أبو العرب قال: حدثنا
مالك بن عيسى قال: حدثنا عباس بن يحيى الدوري عن عبد الله بن صالح العجلي - قال
مالك بن عيسى: فقلت لعباس الدوري: إن له ابنا عندنا بالمغرب، فقال: أحمد؟ فقلت
نعم، قال عباس: إنما كنا نعده مثل أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين - قال: قال لي علي
بن أحمد: وقد ذكر أحمد بن عبد الله بن صالح أن ابن حنبل وابن معين قد كانا يأخذان
عنه.
وقال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن أحمد ابن غانم
الحافظ قال: سمعت أحمد بن معتب - مغربي ثقة - يقول: سئل يحيى بن معين عن أبي الحسن
أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم فقال: ثقة ابن ثقة ابن ثقة.
قال الوليد: وإنما قال فيه يحيى بن معين بهذه التزكية لأنه عرفه بالعراق قبل خروج
أحمد بن عبد الله إلى المغرب، وكان نظيره في الحفظ إلا أنه دونه في السن، وكان
خروجه إلى المغرب أيام محنة أحمد بن حنبل لأنه يقول في هذه السؤالات: دخلت على
أحمد بن حنبل وهو محبوس بصور، وذلك أن المأمون احتمل ابن حنبل إليه من بغداد
للمحنة في القرآن.
وأحمد بن عبد الله هذا أقدم في طلب العلم، وأعلى إسناداً، وأجل عند أهل المغرب في
القديم والحديث ورعاً وزهداً من محمد بن اسماعيل البخاري لأنه سمع من الحسين بن
علي الجعفي، ومن محمد بن جعفر غندر، ومن أبي داود الجفري، وأبي سفيان الحميري،
وأبي عامر العقدي، ومحمد ويعلى ابني عبيد، ومن أسد ابن موسى بمصر، وسمع الأكابر من
أصحاب سفيان وشعبة، وغيرهما، وهو كثير الحديث، خرج عن الكوفة والعراق بعد أن تفقه
في الحديث، ثم نزل أطرابلس المغرب.
قال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا أبو مسلم عن أبيه قال: آخر
سفرة سافرتها إلى البصرة كتبت بها ألف حديث منتقاً إلا حديث حماد بن سلمة القعيني،
واستعرت حديث حفص بن عمر النميري، وكانت عشرين ألف حديث فما تنقيت منها إلا مائتي
حديث فسمعتها.
قال: أخبرنا الوليد قال: قلت لزياد بن عبد الرحمن: أي شيء أراد أحمد بن صالح
بخروجه إلى المغرب؟ فقال: أراد التفرد للعبادة.
يحكي ذلك عن مشايخ المغرب، قال: وسمعت علي بن أحمد يقول نحو ذلك.
قال الوليد: وحدث أحمد، وتصانيفه وأخباره بالمغرب، وحديثه عزيز بمصر والشام
والعراق لبعد المسافة.
وتوفي باطرابلس، وقبره هناك على الساحل، وقبر ابنه صالح إلى جنبه رحمهما الله.
أنبأنا أبو علي الأوقي عن أبي طاهر السلفي قال: أخبرنا ثابت بن بندار قال: أخبرنا
أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي قال: أخبرنا الوليد بن بكر الأندلسي قال:
حدثنا علي بن أحمد قال: سمعت صالح بن أحمد قال: ومات أبي بعد الستين والمائتين.
أحمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين:
ابن مصعب بن رزيق بن أسعد بن زاذان الخزاعي، الأمير أبو الفضل ابن الأمير أبي
العباس ابن الأمير أبي طلحة ذي اليمينين؛ أمير فاضل من الأمراء الكبراء، والأجواد
الكرماء، قدم الشام، ونزل جبل السماق فاستطاب ماءه، واستلذ هواءه، وأعجب به
إعجاباً كثيراً، ورحل منه عن هوىً له، فقال أبياتاً ذكرها السري الموصلي في كتابه
الذي سماه المحب والمحبوب والمشموم والمشروب فقال: أنشد المبرد قال: أنشدني أحمد
بن عبد الله بن طاهر لنفسه:
يا جبل السماق سقيا لكا ... ما فعل الظبي الذي حلّكا
فارقت أطلالك لا أنه ... قلاك قلبي لا ولا ملكا
فأي لذاتك أبكي دماً؟ ... ماءك أم ظبيك أم ظلكا
أم نفحات منك تبدي إذا ... دمع الندى إثر الدجى بلكا
أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن عبد الرزاق السلمي:
أبو
القاسم العطار بن أبي محمد البغدادي، سمع أباه أبا محمد عبد الله، وأبا الوقت عبد
الأول بن شعيب السجزي، وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وغيرهم بإفادة
والده أبي محمد، وكان والده من شيوخ الحديث ببغداد.
وقال القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي فيما نقلته من خطه: كان يذكر - يعني
أبا محمد عبد الله - أنه من ولد أبي عبد الرحمن السلمي.
وكان أبو القاسم ولده شيخاً صالحاً ورعا ثقة أمينا صموتا، حسن السمت، اجتمعت به
بدمشق في سنة ثلاث وستمائة، وكان عطاراً بها، وسمعت منه جزء بيتي الهرثمية، ثم قدم
علينا حلب في سنة اثنتي عشرة وستمائة، وأنزله الملك المحسن أحمد بن الملك الناصر
يوسف بن أيوب في جواره، وكان يصحبه بدمشق، فسمعت منه بحلب صحيح البخاري ومسند
الدارمي بروايته لهما عن أبي الوقت، وغيرهما من الأجزاء، وكان رحمه الله تعجبه
قراءتي الحديث، وكان به لما قدم علينا حلب رياح الشوكة؛ وسألته عن مولده فقال: يوم
الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وخمسمائة - يعني ببغداد - .
أخبرنا الشيخ الثقة شمس الدين أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي
قراءة عليه بدمشق قال: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي قال:
أخبرتنا الحرة أم عزي بيبي بنت عبد الصمد بن علي بن محمد الهرثمية قالت: أخبرنا
أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن
عبد العزيز البغوي قال: حدثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب قال: حدثني مالك بن أنس عن
سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من
حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قراءة عليه بحلب حرسها الله قال: أخبرنا أبو الوقت
عبد الأول بن عيسى قال: أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداوودي
قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية السرخسي قال: أخبرنا أبو عمران
عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن
الدارمي قال: أخبرنا يوسف بن موسى قال: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا محمد بن
الحسن الصنعاني قال: حدثنا منذر عن وهب بن منبه قال: مجلس يتنازع فيه العلم أحب
إلي من قدره صلاة، لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها سنه أو ما بقي من عمره.
رجع شيخنا أبو القاسم من حلب إلى دمشق فتوفي بها في يوم الخميس سابع عشر شعبان من
سنة خمس عشرة وستمائة، ودفن من يومه بجبل قاسيون.
وأخبرني الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي قال: أبو القاسم هذا
بغدادي سكن دمشق، من أهل الصلاح والعفاف والخير، ويعرف بالشمس العطار، محدث ابن
محدث، وكان والده يذكر أنه من ولد أبي عبد الرحمن السلمي.
وذكر الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في كتاب التكملة لوفيات
النقلة فيمن مات سنة خمس عشرة وستمائة قال: وفي ليلة السابع عشر من شعبان توفي
الشيخ الأجل أبو القاسم أحمد بن الشيخ الأجل أبي محمد عبد الله بن عبد الصمد بن
عبد الرزاق السلمي البغدادي العطار الصيدلاني، نزيل دمشق، بدمشق، وصلي عليه من
الغد بالمدرسة المجاهدية ظاهر باب الفراديس، ودفن بجبل قاسيون.
سمع بإفادة والده، وذكر بعضهم أن أبا القاسم هذا توفي في جمادى الآخرة من السنة،
والأول أكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أحمد بن عبد الله بن علي:
أبو العباس الفرائضي الرازي، سمع بحلب نزيلها سليمان بن المعافى بن سليمان ومحمد
بن معاذ الحلبي المعروف بدران، وبالمصيصة الحسن بن منصور المصيصي.
وروى عنهم عن: الحسين بن أحمد بن الفضل الباهلي، والحسن بن علي بن زكريا العدوي،
ومطين الحضرمي، وأبي بكر محمد بن قارن، وأبي بكر أحمد بن سعيد السوسي، وعثمان بن
الأصبغ الرقي، والحسين بن محمد بن أبي الأحوص، وجعفر بن محمد الفريابي، وأحمد بن
جعفر القطان، وعبد الله بن أحمد القواريري، وأبي شعيب الحراني، وابن أبي حسان؛ وعن
موسى بن عمران الوراق، سمع منه بطرسوس، ويوسف بن يعقوب القاضي، ومكي بن أحمد بن
ماهان.
روى
عنه: أبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين، ويوسف القواس، وأحمد بن
الفرج بن الحجاج، وعبد الله بن عثمان الصفار، وأبو الحسن علي بن محمد بن اسحق بن
محمد بن يزيد الحلبي.
أنبأنا أحمد بن عبد الله بن علوان عن أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي قال:
أخبرنا أبو الحسن رشاء بن نظيف المقرىء - إجازة - قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن
محمد الحلبي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله الفرائضي قال: حدثنا موسى بن
عمران الوراق بطرسوس قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال: حدثنا يحيى
بن اليمان قال: سمعت سليمان الأعمش يقول: إني لأرى الشيخ يخضب بالحناء، ليس عنده
شيء من الحديث فأشتهي أن ألطم قفاه.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن ابن محمد
القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو بكر البرقاني قال: أخبرنا أبو
الحسن الدارقطني قال: أحمد بن عبد الله بن علي الفرائضي رازي ثقة.
أحمد بن عبد الله بن علوان:
أبو العباس الأسدي الحلبي، أخو شيخنا أبي محمد عبد الرحمن بن الاستاذ، شيخ حسن
صالح، زاهد ورع، حسن الأخلاق، كثير العبادة والدعاء.
سمع بحلب الحافظ أبا بكر محمد بن علي بن ياسر الحياني، وأبا طالب عبد الرحمن بن
الحسن بن العجمي الحلبي، ومحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مسعود المسعودي الفنجديهي
وغيرهم، وسمع بمكة أبا محمد عبد الدائم بن عمر بن حسين الكتاني وغيره، وبالموصل
أبا الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي.
وكان سار من حلب صحبة والدته، وكانت امرأة صالحة، وصحبه أخيه الشيخ علوان إلى
الحج، فجاور بمكة مع أخيه ووالدته يخدمهما إلى أن مات أخوه علوان، فأقام بمكة يخدم
والدته إلى أن ماتت، فكانت إقامته بمكة عشرين سنة متوالية يخدم والدته، ثم عاد إلى
حلب الحروسة من مكة بأخت له كانت مع والدته، وكان بعد ذلك يتردد من حلب حاجاً إلى
مكة في بعض السنين، وكان يجاور في بعضها، وآخر حجة حجها في سنة ثمان وستمائة، سيره
الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب ليلحق عمته ربيعه خاتون بنت أيوب، وكانت حجت في
هذه السنة، ليعلمها مناسك الحج، وكانت حجت من إربل، وعادت على الشام، فقدم معها،
وكنت بالبيت المقدس، فقدم علينا معها في أوائل سنة تسع وستمائة، وأقام بعدها بحلب
إلى أن مات.
وقال لي ابن أخيه القاضي الإمام زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن: إنه
تكمل للشيخ أحمد - عمه - إلى أن مات ثلاثون حجة إلى مكة حرسها الله بسني المجاورة.
وسمعت القاضي زين الدين المذكور يقول: كان الشيخ ربيع بن محمود المارديني - وكان
أحد الأولياء - يقول: لو صعد أحد إلى السماء بخدمة والدته لصعد الشيخ أحمد، فإنه
لم يخدم أحد والدته مثل خدمته.
قال: وبلغني أنه طاف ليلة بأمه من العشاء إلى الصباح ويدها على كتفه لضعفها ومعه
إبريق فيه ماء، وهو يطوف والماء معه معد لأمه إن عرضت لها حاجة إليه.
قال: وكان الشيخ عبد الحق الفاسي، وكان أيضاً أحد الأولياء قد سكن الفين، قرية في
وادي بطنان، وأقام بمسجدها، وذلك بعد موت الشيخ أبي زكريا المدفون بدير النقيرة،
وعزم عبد الحق على أن لا يخرج من الفين إلى أن يموت، فلما قدم الشيخ أحمد من مكة
بعد المجاورة الطويلة، دخل عبد الحق من الفين قصداً لرؤيته، وأقام بحلب أياماً
قلائل حتى قضى حق زيارته، ثم عاد إلى الفين.
وسألت القاضي أبا محمد المذكور عن مولد عمه أبي العباس، فقال: لا أعلم، إلا أنه
كان بينه وبين والدي في العمر مقدار سبع سنين، ومولد والدي في سنة أربع وثلاثين
وخمسمائة في ربيع، فيكون تقدير مولد عمي في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وخمسمائة،
ثم وجدت في تعليق بخط رفيقنا رزق الله الدنيسري: إن شيخنا أحمد مولده سنة أربع
وأربعين وخمسمائة، فلا أدري من أين وقع له ذلك.
سمعت من الشيخ أحمد رحمه الله كتاب الصحاح للجوهري في اللغة، بحق سماعه لها من أبي
محمد عبد الدائم الكناني عن أبي البركات بن العرقي، وبإجازته من ابن العرقي، وكان
له إجازة حسنة من شيوخ مصر ودمشق وأصبهان، وغير ذلك من البلاد، أخذها له ولأخيه
شيخنا أبي محمد بن عبد الرحمن الفنجديهي، وسمعت منه عدة أجزاء من حديثه، وعلقت عنه
فوائد وانشادات عن شيوخه.
أخبرنا
أبو العباس أحمد بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي بها قال: أخبرنا أبو طالب عبد
الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن العجمي الحلبي بها قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن
أحمد بن محمد بن بيان الرزاز قال: أخبرنا أبو قاسم طلحة ابن علي بن الصقر بن عبد
المجيب بن عبد الحميد قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن ابراهيم قال:
حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرنا
عمرو بن الحارث عن كعب بن علقة التنوخي عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن أبي
الخير عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفارة
اليمين هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن علوان قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ابن
محمد بن أبي الحسن المسعودي قال: أخبرنا أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد بن عمر
المقدر قال: أخبرنا الشيخ أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة قال:
أخبرنا والدي أبو عبد الله محمد بن اسحق قال: أخبرنا أبو بكر محمد ابن الحسين بن
الحسن القطان قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي قال: حدثنا عبد الرزاق بن
همام بن نافع الحميري عن معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما
يدخل الجنة قالوا: وكيف يا رسول الله؟ قال: يقتل هذا فيلج الجنة، ثم يتوب الله على
الآخر فيهديه إلى الاسلام، ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد.
أنشدنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن علوان من لفظه قال: أنشدني الخطيب أبو
الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي بالموصل بمسجده عند منزله، في سنة ثمان
وستين وخمسمائة قال: أنشدني والدي لنفسه:
إني وإن بعدت داري لمغتربٌ ... منكم بمحض موالاةٍ واخلاص
وربّ دانٍ وإن دامت مودته ... أدنى إلى القلب منه النازح القاصي
وأنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الخطيب أيضا لوالده:
إنا وإن بعد اللقاء فودنا ... باقٍ ونحن على النأي أحباب
كم نازح بالود وهو مقاربٌ ... ومقارب بودادنا مرتاب
أنشدنا أحمد بن عبد الله الأسدي قال: أنشدني شيخ بالحجاز لبعضهم:
قد تفاءلت بالأراك فلما ... أن رأيت الأراك قلت أراكا
وتخوفت أن يكون سواكا ... فيكون الذي أراه سواكا
توفي شيخنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بحلب في سنة سبع عشرة وستمائة، ودفن
بالجبيل في التربة المدفون بها والده رحمها الله.
أحمد بن عبد الله بن عمر بن جعفر:
أبو علي المالكي البغدادي، نزيل حلب، وقيل ان اسم جد أبيه حفص بدل جعفر، حدث عن
أبي جعفر الحسن بن علي بن الوليد الفسوي، وأبي شعيب الحراني، وجعفر بن محمد بن
المستفاص الفريابي، وخلد بن عمرو العكبري، والحسن بن علي بن الوليد الفارسي.
روى عنه محمد بن يونس بن هاشم الاسكاف، وتمام بن محمد بن عبد الله الرازي.
أخبرنا يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو طاهر بركات ابن ابراهيم
بن طاهر قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي.
وأخبرنا أبو القاسم بن محمد بن أبي الفضل الحرستاني - إجازة عاليا - قال: أخبرنا
أبو محمد عبد الكريم بن حمزة قال: أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد
الكتاني قال: أخبرنا أبو القاسم تمام بن محمد ابن عبد الله الرازي قال: حدثنا أبو
علي أحمد بن عبد الله بن عمر بن حفص البغدادي - ومسكنة حلب، قدم دمشق - قال: حدثنا
أبو شعيب عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال: حدثنا يحيى بن عبد
الله البابلتي قال: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ
بالله من عذاب القبر وعذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، وشر المسيح الدجال.
هكذا في كتابه، والصواب حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة، والله
أعلم.
أنبأنا
أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب
قال: أحمد بن عبد الله بن عمر جعفر، أبو علي، سكن حلب، وحدث بدمشق عن: أبي شعيب
الحراني، وجعفر الفريابي، والحسن بن علي بن الوليد الفارسي.
روى عنه تمام الرازي.
أحمد بن عبد بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق:
ابن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو العباس، صاحب الخال، نسب نفسه
هكذا.
وقيل: أحمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر.
وقيل: محمد بن عبد الله بن جعفر، وقيل عبد الله بن أحمد بن محمد بن اسماعيل.
وقيل: ان اسمه الحسين بن زكرويه بن مهرويه وقيل ابن مهري - الصواني، من أهل صوان،
من سواد الكوفة، وهو المعروف بصاحب الخال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، نسب نفسه
إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر، وتسمى بالمهدي.
وبايعته القرامطة بعد قتل أخيه بنواحي دمشق وصار إلى السخنة، والاركه والزيتونة
وخناصرة من الأحص من أعمال حلب، ودخل هذه المواضع عنوة، ونهب ما فيها من الأموال
والسلاح.
وأفسد بالشام، وعاث في بلادها، وغلب على أطراف حمص، وخطب على منابرها، وفتحوا له
بابها، وسار إلى حماه، ومعرة النعمان وغيرهما من البلاد، فقتل أهلها، والنساء
والأطفال، ثم جاء إلى سلمية، فمنعوه، ثم أعطاهم الأمان ففتحوا له بابها، فدخل وقتل
الهاشميين أجمعين بها، ثم قتل الرجال، ثم البهائم ثم الصبيان ثم خرج منها وليس بها
عين تطرف.
وجهز جيشا كثيفا بخيل ورجاله مع بعض دعاته ويعرف بعميطر المطوق، إلى ناحية حلب
فأوقعوا بأبي الأغر خليفة بن المارك بوادي بطنان، وقتلوا خلقا عظيما، وانتهبوا
عسكره، وأفلت أبو الأغر في ألف رجل لا غير، فدخل إلى حلب، ووصلوا خلفه إلى حلب،
فأقاموا عليها على سبيل المحاصرة، وتسرع أهل حلب في يوم الجمعة سلخ شهر رمضان من
سنة تسعين ومائتين، وطلبوا الخروج لقتالهم فمنعوا من ذلك، فكسروا قفل باب المدينة،
وخرجوا إلى القرامطة فتحاربوا، ونصر الله الرعية من أهل حلب عليهم، وقتل من
القرامطة جماعة كبيرة، وخرجوا يوم السبت يوم عيد الفطر مع أبي الأغر إلى مصلى
العيد، وعيد المسلمون وخطب الخطيب على العادة، ودخل الرعية إلى مدينة حلب في أمن
وسلامة، وأشرف أبو الأغر على عسكر القرامطة فلم يخرج إليه أحد منهم، فلما يئسوا من
فرصة ينتهزونها من حلب ساروا ومضوا إلى صاحب الخال.
ولما انتهى إلى المكتفي بالله هذه الأمور خرج نحوه، وجهز إليه عسكرا قويا في
المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين، فقتل من أصحاب القرمطي خلق كثير، وانهزم نحو
الكوفة، فقبض بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى الرقة إلى المكتفي بالله.
فحمل إلى بغداد، وشهر وطيف به على جمل، وقيل على فيل، ثم بنيت له دكة فقتل عليها
هو وأصحابه في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين.
وكثير مما يقع الاختلاف في اسمه ونسبه، واسم أخيه الذي قبله علي بن عبد الله،
وبعضهم يسمي أخاه محمد بن عبد الله بن يحيى، والصحيح أن الذي ثبت عليه في اسمه
ونسبه: أبو العباس أحمد بن عبد الله، وهو دعي.
وإنما سموا القرامطة، زعموا أنهم يدعون إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر ابن محمد بن
علي، ونسبوا إلى قرمط، وهو حمدان بن الأشعث، كان بسواد الكوفة، وإنما سمي قرمطا
لأنه كان رجلا قصيرا، وكان رجلاه قصيرتين، وكان خطوه متقاربا، فسمي بهذا السبب
قرمطا، وكان قرمط قد أظهر الزهد والورع وتسوق به على الناس مكيدة وخبثا.
وكان أول سنة ظهر فيها أمر القرامطة سنة أربع وستين ومائتين، وذكر بعض العلماء أن
لفظة قرامطة إنما هو نسبة إلى مذهب يقال له القرمطة خارج عن مذاهب الاسلام، فيكون
على هذه المقالة عزوة إلى مذهب باطل، لا إلى رجل.
وإنما
قيل لهذا القرمطي صاحب الخال، لأنه كان على خده الأيمن خال، ويعرف بابن المهزول
زكرويه بن مهري الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة وقيل هو وأخوه من قيس من بني
عبادة بن عقيل من بني عامر، ثم من بني قرمطي ابن جعفر بن عمرو بن المهيا بن يزيد
بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن جوثة بن طهفة بن حزن بن عبادة بن عقيل بن كعب بن
ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن
عيلان، فادعى أنه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر، فعلى هذا يكون منسوبا إلى
قرمطي، ولا يبعد أن يكون الأمران جميعا، والله أعلم.
وقرأت في رسالة أبي عبد الله محمد بن يوسف الأنباري الكاتب إلى أخيه أبي علي في
ذكر أخبار هذا القرمطي: انه ادعى أنه أحمد بن عبد الله بن جعفر، وأنه المهدي، وأنه
نظر محمد بن اسماعيل في النسب، فلما وقف على بعد هذا النسب، ادعى بعد وقعة السطح
من الكسوة، أنه محمد بن عبد الله بن جعفر، وكتب بذلك كتابا بخطه إلى المعروف بابن
حوي السكسكي ممن يسكن بيت لهيا، فصار ابن حوي إلى أبي نصر حمد بن محمد، كاتب طغج،
ثم نزع عن هذا النسب إلى عبد الله بن ادريس الحسني القادم من الحجاز إلى مدينة
أذرعات من جهة دمشق، وقيل ابن القرمطي من يهود نجران، وأنه دعي وذكر أبو محمد عبد
الله بن الحسين الكاتب القطربلي ومحمد بن أبي الأزهر في التاريخ الذي اجتمعا على
تأليفه في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين قالا: وفي آخر هذه السنة ظهر رجل يقال له
محمد بن عبد الله بن يحيى، من ولد اسماعيل ابن جعفر العلوي بنواحي دمشق، يدعو إلى
نفسه، واجتمع إليه خلق كثير من الأعراب، وأتباع الفتن، فسار بهم إلى دمشق، وكان
بها طغج بن جف مولى أمير المؤمنين من قبل هارون بن خمارويه عامل أمير المؤمنين على
مصر والشام، فلما بلغه خبره استعد لحربه، وتحصن طغج بدمشق، فحصره هذا العلوي بها،
وكانت بينهما وقعات، وانقضت.
قالا: وفي هذه السنة - يعني سنة تسعين ومائتين - جرت بين طغج بن جف وبين القرمطي
حروب كثيرة كلها على طغج، فكتب إلى هارون يستنجده، فوجه إليه من مصر جيشا بعد جيش،
كل ذلك يهزمهم القرمطي.
ثم وجه هرون بن خمارويه ببدر الحمامي، وكتب إلى طغج في معاضدته، وضم إليه وجوه
القواد بمصر والشام، فخرج إلى القرمطي، فكانت بينهم حروب كثيرة أتت على أصحاب بدر
الحمامي، وكان هذا القرمطي قد جعل علامته ركوب جمل من جماله، وترك ركوب الدواب،
ولبس ثيابا واسعة، وتعمم عمة أعرابية، وأمر أصحابه أن لا يحاربوا أحدا وأن أتي
عليهم حتى ينبعث الجمل من قبل نفسه من غير أن يثيره أحد، فكانوا إذ فعلوا ذلك لم
يهزموا، وكان إذا أشار بيده إلى ناحية من النواحي انهزم من يحاربه، واستغوى بذلك
الأعراب.
فخرج إليه بدر يوماً لمحابرته، فقصد القرمطي رجل من أصحاب بدر يقال له زهير بزانة،
فرماه بها فقتله، ولم يظهر على ذلك أصحاب بدر إلا بعد مدة، فطلب في القتلى فلم يوجد،
وكان يكنى أبا القاسم.
قال ابن أبي الأزهر: وحدثني كاتبه المعروف بإسماعيل بن النعمان، ويكنى بأبي
المحمدين، وسبب هذه الكنية أنه وافى مع جماعة من القرامطة بعد الصلح وقبولهم
الأمان من القاسم بن سيماء، وكان على طريق الفرات، ومن عبد الله بن الحسين بن سعد
وكان على القابون، فكان القاسم بن سيماء يكنى أبا محمد وصاحب الخرائط قرابة أبي
مروان يكنى أبا محمد، فكني إسماعيل هذا أبا المحمدين، فبقي معروفاً بذلك.
فحدثني إسماعيل عن هذه الوقعة قال: فصرت إليه غير مرة وهو راكب على نجيبه، وعليه
دراعة ملحم، فقلت له: قد اشتد الأمر على أصحابنا، وقد قربوا منك، فتنح عن هذا
الموضع إلى غيره، فلم يرد علي جواباً، ولم يثر نجيبه، فعدلت إليه ثانية، فقلت له:
قم، فانتهرني ولم يرم إلى أن وافته زانة، أو قال: حربة، فسقط عن البعير، وكاثرنا
من يريد أخذه، فمنعنا منه، وقتل زهاء مائة إنسان في ذلك الوضع، ثم أخذناه وتنحينا
بأجمعنا.
فقلت: هذا الذي أقمتموه مقامه أهو أخوه؟ فقال لا والله ما نعلم ذاك غير أنه وافانا
قبل هذه الحادثة بيومين، فسألناه من أنت من الإمام؟ فقال: أنا أخوه، ولم نسمع من
الشيخ شيئاً في أمره، يعني المكتني أبا القاسم.
وكان
هذا المدعي أخاه يكنى أبا العباس، واسمه أحمد بن عبد الله، فعقد لنفسه البيعة على
القرامطة، ودعاهم إلى مثل ما كان أخوه يدعوهم إليه، فاشتدت شوكته، ورغبت البوادي
في النهب، وانثالت عليه انثيالاً، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
ثم صار إلى دمشق فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه، فانصرف عنهم، ثم سار إلى أطراف
دمشق وحمص فتغلب عليها، وخطب له على منابرها، وتسمى بالمهدي، ثم صار إلى مدينة حمص
فأطاعه أهلها وفتحوا له بابها فدخلها، ثم صار إلى حماه، وسلمية، وبعلبك فاستباح
أهلها، وقتل الذراري ولم يبق شريفاً لشرفه، ولا صغيراً لصغره، ولا امرأة لمحرمها؛
وقتل أهل الذمة، وفجروا بالنساء.
وحدثني من كان معهم قال: رأيت عصاماً سيافه وقد أخذ من بعلبك امرأة جميلة جداً
ومعها طفل لها رضيع، فرأيته والله وقد فجر بها، ثم أخذ الطفل بعد ذلك فرمى به نحو
السماء ثم تلقاه بسيفه فرمى به قطعتين، ثم عدل إلى أمه بذلك السيف بعينه، فضربها
به فبترها.
فلما اتصل عظيم خبرهم، واقدامهم على انتهاك المحارم، ودام، خرج أمير المؤمنين
المكتفي بالله متوجهاً نحوه، يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر رمضان، في قواده،
ومواليه، وغلمانه، وجيوشه، وأخذ على طريق الموصل، ثم صار إلى الرقة وأقام بها،
وأنفذ الجيوش نحو القرامطة، وقلد القاسم بن عبيد الله بن سليمان تدبير أمر هذه
الجيوش، فوجه القاسم محمد بن سليمان الكاتب صاحب الجيش خليفة له على جميع القواد،
وأمرهم بالسمع والطاعة، فنفذ عن الرقة في جيش ضخم، وآلة جميلة، وسلاح شاك؛ وكتب
إلى جميع القواد والأمراء في النواحي بالسمع له والطاعة لأمره، وضم محمد بن سليمان
القواد بعضهم إلى بعض، وصمد نحو القرمطي، فلم يزل يعمل التدبير، ويذكي العيون،
ويشاور ذوي الرأي، ويتعرف الطرقات إلى أن دخلت سنة إحدى وتسعين.
قال: وفي أول هذه السنة كتب أمير المؤمنين إلى محمد بن سليمان، وإلى سائر القواد
في مناهضة القرمطي فساروا إليه فالتقوا على اثني عشر ميلا من حماه في موضع بينه
وبين سلمية، فاشتدت الحرب بينهم وصدقوهم القتال، فتجمع القرامطة وحملوا على
الميمنة حمل رجل واحد، فثبت الأولياء، فمروا صادفين عنها وجعلوها هزيمة، ومنح الله
أكتافهم، وقتل منهم وأسر أكثر من عشرة آلاف رجل، وشرد الباقون في البوادي، واستمرت
بهم الهزيمة، وطلبهم الأولياء إلى وقت صلاة عشاء الآخرة من ليلة الأربعاء لسبع
خلون من المحرم.
ولما رأى القرمطي ذلك، ورأى من بقي من القرامطة قد كاعوا عنه، حمل أخاً له يكنى
أبا الفضل مالاً، وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع آخر، فيصير
إليه، وتجمع رؤساء القرامطة، وهم الذين كانوا صاروا إلى رحبة مالك بن طوق، فطلبوا
الأمان، وهم: أبو المحمدين، والنعمان بن أحمد، وأحمد بن النعمان أخو أبي المحمدين،
ووشاح، وعطير، وشديد بن ربعي، وكليب من رهط النحاس، وعصمة السياف، وسجيفة رفيقه،
ومسرور، وغشام فقالوا للقرمطي، وهو صاحب الخال،: قد وجب حقك علينا، وقد رأيت ما
كان من جدنا واجتهادنا ومن حقك علينا أن ندعك ورأيك، وإنما يطلبنا السلطان بسببك،
فانج بنفسك، فأخذ ألف دينار فشدها في وسطه في هميان، وأخذ معه غلاما له روميا يقال
له لؤلؤ، كان يهواه ويحل منه محل بدر من المعتضد بالله، وركب معه المدثر، وكان
يزعم أنه ابن عمه، والمطوق غلامه، ومع كل واحد منهم هميان في وسطه.
فأما المطوق - وهو اتخذ له سخاب وقت دخوله إلى مدينة السلام - فإني سألت عنه أبا
المحمدين فذكر أنه رجل من أهل الموصل، وأنه صار إلى الإمام - بزعمه - فجعل يورق له
ويسامره، ولم يعرف قبل ذلك الوقت.
وأخذوا
دليلاً، وسار يريد الكوفة عرضاً في البرية، فغلط بهم الدليل الطريق، وأخرجهم بموضع
بين الدالية والرحبة يقال له بنو محرز، فلما صاروا إلى بني محرز نزلوا خارج القرية
في بيدر عامر، فأخرجوا دقيقاً كان معهم في مزود، واقتدحوا ناراً، واحتطبوا ليخبزوا
هناك، وكان وقت مغيب الشمس، فعلا الدخان، وارتاب الموكلون ببني محرز من أصحاب
المسالح بما رأوه، فأموا الموضع، فلقوا الدليل فعرفه بعضهم، فقال ما وراءك؟ قال:
هذا القرمطي وراء الدالية، فشدوا عليهم فأخذوهم، وكتبوا إلى أبي خبزة وهو في
الدالية يعلمونه بهذا، فأتاهم ليلاً، فأخذهم وصار بهم إلى الدالية، وأخذ من وسط
غلام له هميانا فيه ألفا دينار، ومن وسط المدثر مثل ذلك، وأخذ الهميان الذي كان مع
القرمطي، ووكل بهم في دار بالدالية، وكتب إلى أحمد بن محمد بن كشمرد وهو بالرحبة
يخبره فأسرع في السير إليهم، فلما وافى احتبس القرمطي في بيت لطيف في مجنب الحيري،
فحدثني بعض أهل الدالية قال: لما وافى ابن كشمرد سأل القرمطي ما أخذه منك؟ قال: ما
أخذ مني شيء، فقال له المطوق: أتبغي من الإمام ما لا يحسن منه الإقرار به، ودعا
بالبزاز فأخذ ثياباً، ثم دعا بالخياط ليقطع للقرمطي تلك الثياب، فقال مالخياط
للقرمطي: قم حتى أقدر الثوب عليك، فقال المطوق للخياط: أتقول يا بن اللخناء للإمام
قم ! اقطع ثكلتك أمك على سبعة أشبار.
وصار ابن كشمرد وأبو خبزه بالقرمطي إلى الرقة، ورجعت جيوش أمير المؤمنين بعد أن
تلقطوا كل من قدروا عليه من أصحاب القرمطي في أعمال حمص ونواحيها، وورد كتاب
القاسم بن عبيد الله بأن القرمطي أدخل الرقة ظاهرا للناس على جمل فالج، وعليه برنس
حرير ودراعة ديباج، وبين يديه المدثر والمطوق على جملين في يوم الاثنين لأربع ليال
بقين من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين حتى صير بهم إلى دار أمير المؤمنين بالرقة
فأوقفوا بين يديه، ثم أمر بهم فحبسوا، واستبشر الناس والأولياء بما هنأه الله في
أمر هذا القرمطي، وقرظ أمير المؤمنين القاسم بن عبيد الله هذا الوقت وأحمده فيما كان
من تدبيره في أمر هذا الفتح، وخلع عليه خلعاً شرفه بها، وقلده سيفاً ولقبه بولي
الدولة، وانصرف إلى منزله بالرقة.
وخلف أمير المؤمنين عساكره مع محمد بن سليمان، وشخص من الرقة في غلمانه ووجوه
أصحابه، وحرمه، وشخص معه أبو الحسين القاسم بن عبيد إلى بغداد وحمل معه القرمطي
والمدثر، والمطوق وجماعة ممن أسر في الوقعة مستهل صفر، وقعد في الحراقات في
الفرات، ولم يزل متلوماً في الطريق حتى وصل إلى البستان المعروف بالبشرى ليلة
السبت لليلتين بقيتا من صفر، فأقام به، ثم عبر من هناك إلى الجانب الشرقي، فعبأ
الجيوش بباب الشماسمية، وكان أمير المؤمنين قد عزم على أن يدخل القرمطي بغداد
مصلوباً على دقل، والدقل على ظهر فيل، وأمر بهدم الطاقات التي يجتاز بها الفيل إذ
كانت أقصر من الدقل، ثم استسمج ذلك، فعمل له دميانة غلام يازمار كرسياً ارتفاعه
ذراعان ونصف، وأجلسه عليه، وركب الكرسي على ظهر الفيل، فدخل أمير المؤمنين مدينة
السلام صبيحة يوم الاثنين مستهل ربيع الأول في زي حسن، وتعبئة جيش كثيف، وآلة
تامة، وسلاح شاك، بين يدي القرمطي على جمل فالج، وعليه دراعة حرير وبرنس، ثم
القرمطي على الكرسي على ظهر الفيل وعليه دراعة ديباج وبرنس حرير، ثم دخل أمير المؤمنين
خلفه حتى اشتق مدينة السلام إلى قصره المعروف بالحسني، والقاسم بن عبيد الله خلفه،
وأمر بالقرمطي والمدثر فأدخلا الحبس بالحسني، ووجه بالأسرى إلى الحبس الجديد
بالجانب الغربي، ومضى المكتفي من ساعته من الحسني إلى الثريا بعد أن خلع على أبي
الحسين القاسم بن عبيد الله، وانصرف إلى منزله.
ووافى
محمد بن سليمان بعد اصلاحه الأمور وتلقطه جماعة من قواد القرمطي وقضاته وأصحاب
شرطه، فأخذهم وقيدهم، وانحدر والقواد الذين تخلفوا معه إلى مدينة السلام فوافى
بغداد إلى الباب المعروف بباب الأنبار ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر
ربيع الأول، وكان أمر القواد جميعاً بتلقي محمد بن سليمان والدخول معه إلى بغداد،
ففعلوا ذلك، ودخل محمد بن سليمان صبيحة يوم الخميس وبين يديه نيف وسبعون أسيراً
غير من أسمينا والقواد معه حتى صاروا إلى دار أمير المؤمنين بالثريا، فدخلوا عليه،
وأمر أن يخلع على محمد بن سليمان، ويطوق بطوق ذهب، ويسور بسوار، وخلع على جميع
القواد القادمين معه، وطوقوا وسوروا وانصرفوا إلى منازلهم، وأدخل الأسرى إلى الحبس
الجديد بمدينة السلام في الجانب الغربي منها.
فلما كان في يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول بنيت دكة في المصلى العتيق من
الجانب الشرقي الذي تخرج إليه الثلاث الأبواب ومن باب خراسان، تكسير ذرعها عشرون
ذراعاً في عشرين ذراعاً، وجعل لها أربع درج يصعد منها إليها، وأمر القواد جميعاً
بحضور هذه الدكة، ونودي بذلك في الناس أن يحضروا عذاب القرامطة ففعلوا وكثر الناس
في هذا الموضع، وحضر القواد والواثقي المتقلد للشرطة بمدينة السلام، وحضر محمد بن
سليمان، فقعدوا جميعاً عليها، وأحضروها ثلاثمائة ونيفاً وعشرين إنساناً ممن كان
أسر قديما، ومن جاء به محمد بن سليمان، وأحضر القرمطي والمدثر فأقعدا، وقدم نيف
وثلاثون إنساناً من هؤلاء الأسارى من وجوههم فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم،
ثم قدم القرمطي فضرب مائتي سوط، ورش على الضرب الزيت المغلى، وكوي بالجمر، ثم قطعت
يداه ورجلاه، وضربت عنقه، فلما قتل انصرف القواد وأكثر الناس من حضر للنظر إلى
عذاب القرمطي، وأقام الواثقي إلى وقت العشاء الآخرة في جماعة من أصحابه حتى ضرب
أعناق باقي الأسارى، ثم انصرف، فلما كان يوم الأربعاء لست بقين من هذا الشهر صير
ببدن القرمطي إلى جانب الجسر الأعلى من الجانب الشرقي فصلب هناك، وحفر لأجساد
القتلى آبار إلى جانب الدكة فطرحوا فيها، وطمت، فلما كان بعد أمر بهدم الدكة وتعفية
أثرها ففعل ذلك.
قال ابن أبي الأزهر في هذا التاريخ في حوادث سنة ثلاث وتسعين ومائتين: وفيها ورد
الخبر بأن أخا الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات
في نفر واجتمع إليه جماعة من الأعراب وسار بهم إلى نحو دمشق. فعاث في نواحيها،
فندب للخروج إليه حسين بن حمدان فخرج في جماعة، وورد الخبر برجوعه إلى الدالية.
فحدث محمد بن داود بن الجراح أن زكرويه بعد قتل صاحب الشامة أنفذ رجلاً كان معلماً
للصبيان يقال له عبد الله بن سعيد، فتسمى نصراً ليخفي أمره، فدار في أحياء كلب
يدعوهم إلى رأيه، فاستجاب له جماعة من صعاليكهم وسقاطهم وسقاط العليصيين، فسار
فيهم إلى بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية فقتل وسبى، وأخذ الأموال.
قال: وأنقذ زكرويه رجلاً يقال له القاسم بن أحمد داعية، فصار إلى نحو رستاق نهر
ملخانا.
قال: فالتقت به طائفة، فساروا إلى الكوفة حتى صبحوها غداه يوم النحر وهم غارون
فوافوا باب الكوفة عند انصراف الناس من المصلى، فأوقعوا بمن قدروا عليه، وسلبوا
وقتلوا نحواً من عشرين رجلاً، وكان رئيسهم هذا قد حملوه في قبة يقولون: هذا ابن
رسول الله وهو القاسم بن أحمد داعية زكرويه، وينادون يا ثارات الحسين - يعنون الحسين
صاحب الشامة - ، وشعارهم يا محمد يا أحمد - يعنون ابني زكرويه، ويموهون بهذا القول
على أهل الكوفة - ونذر بهم الناس فرموهم بالحجارة من المنازل.
وإنما ذكرت هذا الفصل من قول ابن أبي الأزهر لأن فيه ما يدل على أن صاحب الخال كان
يسمى الحسين بن زكرويه، وعاش زكرويه بعد ولديه القرمطيين في زعمه.
أنبأنا
تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسين بن هبة الله الدمشقي قال: أخبرنا
عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو غالب بن البناء قال: أخبرنا
أبو الحسين بن الآبنوسي قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق قال:
أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الحطمي قال: قام مقامه - يعني مقام
صاحب الجمل - أخ له في وجهه خال يعرف به يقال له صاحب الخال، فأسرف في سوء الفعل،
وقبح السيرة، وكثرة القتل، حتى تجاوز ما فعله أخوه، وتضاعف قبح فعله على فعله،
وقتل الأطفال، ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء، فخرج الكتفي إلى الرقة،
وسير إليه الجيوش، فكانت له وقائع وزادت أيامه على أيام أخيه في المدة والبلاء حتى
هزم وهرب، فظفر به في موضع يقال له الدالية بناحية الرحبة، فأخذ أسيراً، وأخذ معه
ابن عم له يقال له المدثر كان قد رشحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى
وتسعين. وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد وهو معه، فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في
الجيش والتعبئة، وهو بين يديه على الفيل، وجماعة من أصحابه على الجمال مشهرين
بالبرانس، وذلك يوم الاثنين غرة ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين، ثم بنيت له دكة في
المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر بعد أن
ضرب بالسياط، وكوى جميعه بالنار، وقطعت منه أربعته، ثم قتل ونودي في الناس فخرجوا
مخرجاً عظيماً للنظر إليه، وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر.
وقيل إنه وأخوه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان، وهما فيما ذكر ابنا زكرويه
بن مهرويه القرمطي الذي خرج في طريق مكة في آخر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وتلقى
الحاج في المحرم من سنة أربع وتسعين فقتلهم قتلا ذريعاً لم يسمع قط بمثله، واستباح
القوافل، وأخذ شمسة البيت الحرام، وقبل ذلك ما دخل الكوفة يوم الأضحى بغتة وأخرج
منها، ثم لقيه جيش السلطان بظاهر الكوفة بعد دخوله إياها، وخروجه عنها، فهزمهم
وأخذ ما كان معهم من السلاح والعدة، فتقوى بها، وعظم أمره في النفوس وهال السلطان،
وأجلبت معه كلب وأسد، وكان يدعى السيد، ثم سير إليه السلطان جيشاً عظيماً فلقوه
بذي قار بين البصرة والكوفة في الفراض فهزم وأسر جريحاً، ثم مات، وكان أخذه أسيراً
يوم الأحد لثمان بقين من ربيع الأول سنة أربع وتسعين بعد أن أسر، فقدم به إلى
بغداد مشهوراً في ربيع الأول، وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت،
فطيف به ببغداد، وقيل إنه خرج يطلب ثأر ابنه المقتول على الدكة.
وذكر ابن أبي الأزهر في تاريخه أنه لما خرج على قافلة الحاج أن أصحابه أكبوا على
الحاج فقتلوهم كيف شاؤوا واحتووا على جميع ما كان في القافلة، وسبوا النساء
الحرائر، وجمع القرمطي لعنه الله أجساد القتلى، فعمل منها دكة تشبيها بالدكة التي
قتل عليها أصحابه.
وسير إلي بعض الشراف الهاشميين بحلب تاريخاً جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر
بن علي بن المهذب، ذكر أنه تذكرة كتبها مما وجده في التواريخ المتقدمة، ومما وجده
بخط جد أبيه الشيخ أبي الحسين علي بن المهذب بن أبي حامد محمد بن همام بن أبي شهاب
وغيره قال فيه: سنة تسعين ومائتين فيها نجم بالشام قرمطي بأرض دمشق، انتسب إلى
العلوية.
قال:
وذكر الشيخ أبو الحسين علي بن المهذب أن أباه المهذب أخبره أن هذا القرمطي أول من
وقع عليه هذا اللقب، وكان خرج في بطن من بني عدي من كلب يقال لهم بنو العليص، فخرج
إليه طغج بن جف والي دمشق من قبل الطولونية محتقراً له في غير عدة ولا عدة، وكان
هذا القرمطي في بادية كلب فأوقع بطغج، ودخل إلى دمشق مهزوماً، ثم رجع فجمع عسكره،
وحشد، وخرج إليه فكان الظفر للقرمطي أيضاً، وقتل حلقاً كثيراً من أصحاب طغج،
ونهبوا عسكره وعاد طغج إلى دمشق، فقوي القرمطي وكتب طغج إلى مصر، فوجه إليه جماعة
من الفرسان والرجالة، وأمدهم من في الشام، فصار جيشاً عظيماً، فخرج وهو غير شاك في
الظفر به، فأوقع القرمطي به، وكانت الوقعة في موضع بعرف بالكسوة، وسار القرمطي إلى
بعلبك ففتحها وقتل أهلها، ونهب وأحرق، وسار منها إلى حمص فدعا لنفسه بها، وبث
ولاته في أعمالها، وضرب الدنانير والدراهم، وكتب عليها المهدي المنصور أمير
المؤمنين، وكذلك كان يدعى له على المنابر، وأنفذ سرية إلى حلب فأوقع بأبي الأغر
خليفة بن المبارك السلمي، وعادت السرية، وجبى الخراج، وحمل إليه مال جند حمص،
فأنفذ الأمير أبو الحجر المؤمل بن مصبح أمير برزويه والبارة والروق وأفامية وأعمال
ذلك - وبقي والي هذه المواضع من قبل الخلفاء ببغداد أربعين سنة فيها - رجلين من
أهل معرة النعمان اسم أحدهما أحمد بن محمد بن تمام، والآخر ابن عاص القسري، وجاءا
إلى القرمطي يرفعان على أهل معرة النعمان فمضيا إليه، وقالا له: إن أهل معرة
النعمان قد شقوا العصا، وبطلوا الدعوة، وغيروا الأذان، ومنعوا الخراج، وكان أهل
معرة النعمان قد أرسوا معهما الخراج فأخذ منهما في الطريق، فلما قالا له ذلك،
التفت إلى كاتبه وقال له: اكتب وشهد شاهدان من أهلها، فسار إليها وقال لأصحابه: إن
أغلقوا الباب فاجعلوها غارة على الدارين، فخرج أهل معرة النعمان ولا علم لهم بما
قد جرى، وأصحاب القرمطي يقولون: القوا مولانا السيد، فبلغ كثير من الناس إلى قرب
حناك، وأخذ الأبواب أصحاب القرمطي على الناس، فقتل خلق كثير، ودخلها يوم الأربعاء
النصف من ذي الحجة، فأقام يقتل المشايخ والنساء والرجال والأطفال، ويحرق وينهب
خمسة عشر يوما، فذكر أن القتلى كانوا بضعة عشر ألفاً.
وخرج المكتفي إلى الرقة وأنفذ عساكره مع محمد بن سليمان الأنباري، وكان شهماً
شجاعاً مدبراً، فحصل في حلب في جيش فيه ثلاثون ألفا مرتزقة، فيما ذكر غير واحد،
وكان جهير بن محمد يقول له: تخرج إليهم فقد أهلكوا عشيرتي، فيقول له ابن الأنباري
الكاتب: لو أخذوا بلحيتي ما خرجت إليهم حتى يهل هلال المحرم، يريد سنة إحدى
وتسعين.
قال أبو غالب بن المهذب: سنة إحدى وتسعين، فيها: سار محمد ابن سليمان الكاتب
الأنباري إلى القرامطة فأوقع بهم في قرية تعرف بالحسينية فقتلهم وبدد شملهم، ولما
تصور القرمطي ورأى أنه لا طاقة له بعساكر الخلافة هرب قبل الوقعة بأصحابه، فحصل في
قرية شرقي الرحبة تعرف بالدالية، في نفر يسير من خواص أصحابه، فتستروا بها، وبعث
بعض أصحابه متنكراً ليمتار لهم ما يحتاجون إليه، فأخذ وأنكر، وأتي به إلى رجل كان
يتولى معونة الدالية يعرف بأبي خبزة لأحمد ابن محمد بن كشمرد والي الرقة، وكان أبو
خبزة صغير الشأن حقيراً في الجند، فسأله أبو خبزة عن خبزه وقصته، فتبين منه قولا
مختلفا، فألح عليه أبو خبزة، فأقر ذلك الرجل بأنه من رجال القرمطي، ودل عليهم في
أي موضع هم، فخرج أبو خبزة فيمن جمعه من الأجناد الرجال إلى الموضع الذي فيه
القرمطي وأصحابه فظفر بهم وبالقرمطي، وكان معهم حملان من المال، فأخذهم والمال
معهم، وحملهم إلى ابن كشمرد والي الرقة، فأخذهم وكتب بخبرهم إلى المكتفي، فبعث
إليه من تسلمهم منه وأوردهم الرقة، وانحدر المكتفي إلى مدينة السلام بغداد وهم
معه، فبنى لهم دكة عظيمة بظاهر القصر المعتضدي، وعذبوا عليها بأنواع العذاب.
أخبرنا
أبو البركات بن محمد بن الحسن كتابة قال: أخبرنا علي ابن أبي محمد الدمشقي قال:
قرأت على أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري وأبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبد
الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: أحمد بن عبد الله الخارج بالشام في
أيام المكتفي بالله، وكان ينتمي إلى الطالبيين، وهو المعروف بصاحب الخال، وقتل
بالدكة في سنة إحدى وتسعين ومائتين يروى له ولأخيه علي بن عبد الله شعر يشك في
صحته، فمما يروى لأحمد:
متى أرى الدنيا بلا كاذب ... ولا حروري ولا ناصبي
متى أرى السيف على كل من ... عادى عليّ بن أبي طالب
متى يقول الحق أهل النهى ... وينصف المغلوب من غالب
هل لبغاة الخير من ناصرٍ ... هل لكؤوس العدل من شارب
قال: ويروى له:
نفيت من الحسين ومن عليّ ... وجعفر الغطارف من جدودي
وخيب سائلي وجفوت ضيفي ... وبتّ فقيد مكرمةٍ وجود
وأعطيت القياد الدّهر مني ... يمين فتىً وفيٍّ بالعهود
لئن لم أعط ما ملكت يميني ... لحرب من طريفٍ أو تليد
وأفتتحنها حربا عوانا ... تقحم بالبنود على البنود
فإما أن أبوح بروح عزٍّ ... وجدٍّ آخذٍ ثار الجدود
وإما أن يقال فتىً أبيٌّ ... تخرّم في ذرى مجدٍ مشيد
وهي أكثر من هذا فيقال أن عبد الله بن المعتز أجابه عنها بقصيدة منها:
تهددنا زعمت شبوب حربٍ ... تقحم بالبنود على البنود
فكان السيف أدنى عند وردٍ ... إلى ود جيك من حبل الوريد
قرأت بخط أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، وأخبرنا به أبو القاسم عبد الصمد بن محمد
بن أبي الفضل، فيما أذن لنا أن نرويه عنه، قال: كتب إلينا أبو القاسم زاهر بن طاهر
الشحامي أن أبا القاسم البندار أنبأهم عن أبي أحمد ابن أبي مسلم عن أبي بكر الصولي
قال: وأجلس القرامطة مكان علي بن عبد الله أخاً له يقال له أحمد بن عبد الله،
زعموا أنه عهد إليه، وصار أحمد بن عبد الله إلى حمص ودعي له بها وبكورها، وأمرهم
أن يصلوا الجمعة أربع ركعات، وأن يخطبوا بعد الظهر، ويكون أذانهم: أشهد أن محمداً
رسول الله، أشهد أن علياً ولي المؤمنين حي على خير العمل؛ وضرب الدراهم والدنانير
وكتب عليها الهادي المهدي، لا إله إلا الله محمد رسول الله، جاء الحق وزهق الباطل
إن الباطل كان زهوقا وعلى الجانب الآخر قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.
ووجه أحمد بن عبد الله هذا برجل يعرف بالمطوق - أمرد فرأيته بعد ذلك - فكبس أبا
الاغر وهو غافل، فقتل أكثر أصحابه، وأفلت أبو الاغر، ثم خرج المكتفي بالله إليه،
وأقام بالرقة، وأنفذ الجيوش إليه محمد بن سليمان، وأنفذ غلامه سوسنا معه في جيش
عظيم، فورد الخبر بأنه قتل، ذكر ذلك الصولي في سنة احدى وتسعين ومائتين.
قال: ثم أتى الخبر للنصف من المحرم من الدالية بأن فارسين من الكلبيين أحدهما من
بني الاصبغ والآخر من بني ليلى نزلا بالسقافية فأخذا فأقرا أنهما من القرامطة، وأن
القرمطي بالقرب، فركب محمد بن علي أبو خبزة، وأحمد بن محمد بن كشمرد من الرحبة
فظفرا بالقرمطي، وأخذ معه رجل يقال له المدثر، وكاتبه، وغلام أمرد حدث يقال له
المطوق، وحمل إلى الرقة، وقد ذكرنا خبره.
قال الصولي: ومما يروى من شعر أحمد بن عبد الله:
متى أرى الدنيا بلا كاذب..
وذكر الأبيات الاربعة، وقال: ومنه:
ثأرت بجدي خير من وطي الحصا ... وأنصاره بالطف قتلى بني هند
فأفنيت من بالشام منهم لأنهم ... بقصدهم جاروا عن المنهج القصد
على أنهم جاشوا لنا وتجمعوا ... وكادوا وكان الله أعلم بالقصد
فجاهدتهم بالله منتصرا به ... فأفنيتهم بالبيض والسمر والجرد
قال الصولي: ولعلي بن عبد الله وأخيه أحمد بن عبد الله شعر أظن بعض من يميل إليهم
ويكره السلطان عمله أو أكثره، وحمله عليهما.
أنبأنا
أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي
بن الحسن بن هبة الله قال: أحمد بن عبد الله، ويقال عبد الله بن أحمد بن محمد بن
اسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كما زعم،
وهو صاحب الخال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، بايعته القرامطة بعد قتل أخيه
بنواحي دمشق، وتسمى بالمهدي، وأفسد بالشام، فبعث إليه المكتفي عسكرا في المحرم سنة
احدى وتسعين ومائتين، فقتل من أصحابه خلق كثير، ومضى هو في نفر من أصحابه يريد
الكوفة فأخذ بقرية تعرف بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى بغداد، وأشهر وطيف به
على بعير، ثم بنيت له دكة، فقتل عليها هو وأصحابه الذين أخذوا معه يوم الاثنين
لسبع بقين من شهر ربيع الاول من سنة احدى وتسعين ومائتين، وكان شاعرا، وله في
الفخار أشعار من جملتها:
سبقت يدي يده لضر ... به هاشمي المحتد
وأنا ابن أحمد لم أقل ... كذبا ولم أتزيد
من خوف بأسي قال بد ... ر: ليتني لم أولد
يعني بدر الحمامي الطولوني أمير دمشق.
هكذا قال الحافظ أبو القاسم، ولا أعلم أحدا قال في صاحب الخال عبد الله ابن أحمد
غيره، والمعروف بهذا الاسم ابن عمه المعروف بالمدثر، وكان سار إلى الشام فلقيه شبل
الديلمي مولى المعتضد بالرصافة في سنة أربع وثمانين ومائتين، فقتله القرامطة،
وقتلوا أصحابه، ودخلوا الرصافة فأحرقوها، وجاءوا مسجدها ونهبوها، وساروا نحو
الشام، فالظاهر أنه اشتبه عليه بصاحب الخال، وأكد عنده ذلك هذه الابيات الثلاثة
التي عزاها إليه، وقوله فيها:
وأنا ابن أحمد لم أقل ... كذبا ولم أتزيد
على أن هذه الابيات ليس مراد صاحب الخال منها أن أحمد أبوه، بل أراد بقوله: وأنا
ابن أحمد أنه من نسل أحمد النبي صلى الله عليه وسلم.
أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي المضاء المصيصي القاضي:
قاضي المصيصة حدث عن....
روى عنه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان النسائي الامام، وقال فيه:
ثقة.
أحمد بن عبد الله بن مرزوق:
أبو العباس الأصبهاني الدستجردي الحافظ، سمع أبا القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل،
وغانم بن أبي نصر محمد بن عبيد الله البرجي، وهبة الله بن محمد بن الحصين
البغدادي، وأبوي سعد أحمد بن عبد الجبار الصيرفي، ومحمد ابن محمد بن محمد بن عبد
الله المطرز، وأبا منصور عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الشرابي، والقاضي أبا بكر
أحمد بن محمد بن الحسين الارجاني، وأبا طالب عبد القادر بن يوسف البغدادي، وأبوي
علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني ومحمد بن محمد بن المهدي، وأبا محمد طاهر بن
محمد بن عبد الله الفزاري.
روى عنه الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، وذكره في معجم
شيوخه، وقدم حلب سنة ثماني وأربعين وخمسمائة، وحدث بها وسمع منه بها أبو محمد عبد
الله بن محمد بن سعد الله البجلي الحنفي الفقيه، وحدث عنه بمصر، والحافظ أبو
المحاسن عمر بن علي بن الخضر القرشي، وخرج عنه حديثا في معجم شيوخه، والحافظ أبو
المواهب بن صصرى، وشيخنا أبو اليمن الكندي وسمع منه بدمشق.
أخبرنا
أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قراءة عليه وأنا أسمع بحلب
قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني - إجازة إن لم يكن
سماعا - قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن مرزوق الأصبهاني ببغداد قال: أخبرنا أبو
منصور عبد الرحيم بن أحمد بن يحيى الشرابي بشيراز قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن
الحسن بن أحمد بن محمد بن أبي الليث الشاهد قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد
الله بن محمد خميرويه الكرابيسي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عيسى الخزاعي
الحكاني قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن
الزهري قال: حدثني عروة ابن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي
عنها قالت: كان عتبة ابن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن يقبض إليه ابن
وليدة زمعة وقال: انه ابني، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح أخذ
ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه ابن زمعة،
فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عهد الي أنه ابنه، وقال عبد ابن زمعة: يا رسول
الله هذا أخي ابن زمعة وولد على فراشه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن
وليدة زمعة فاذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: هو لك يا عبد ابن زمعة من أجل أنه ولد على فراش أبيه، وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: احتجبي منه يا سودة بنت زمعة، مما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص
وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
أنبأنا أبو البيان نبأ بن أبي المكارم بن هجام الحنفي، وسمعت منه بالقاهرة قال:
أخبرنا الامام العالم أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعد الله البجلي الحنفي قراءة
عليه وأنا أسمع سنة سبع وسبعين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو العباس أحمد ابن عبد الله
بن مرزوق الأصبهاني قراءة عليه في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين
وخمسمائة بمدينة حلب: قال: أخبرنا أبو القاسم اسماعيل بن محمد ابن الفضل قال:
أخبرنا الامام أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني قال: حدثنا الشيخ أبو حفص هبة
الله بن محمد بن عمر بن زاذان قال: حدثنا عمي أبو محمد عبد الله بن عمر بن زاذان
قال: حدثنا أبو الحسين علي بن خفيف بن عبد الله الدقاق قال: حدثنا الحسن بن محمد
بن سعيد قال: حدثنا محمد بن داود القنطري قال: حدثنا خيرون بن واقد الإفريقي قال:
حدثنا مخلد بن حسين عن هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: أقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذان السمع
والبصر.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا الشيخ أبو العباس أحمد ابن عبد
الله بن مرزوق الأصبهاني الدستجردي بقراءتي عليه سنة سبع وأربعين وخمسمائة بدمشق
قال: أخبرنا القاضي أبو محمد طاهر بن محمد بن عبد الله ابن الحسين الفزاري قال:
أخبرنا أبو الفتوح حمزة بن محمد بن عبد الله السرخسي الصوفي قال: أخبرنا أبو سعد
محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي بنيسابور قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب
الأصم قال: حدثنا محمد بن هشام بن ملاس النميري من أهل دمشق قال: حدثنا مروان قال:
حدثنا حميد قال: قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو
مظلوما، قيل يا رسول الله انصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي عن أبي سعد السمعاني قال: أنشدنا
أحمد بن عبد الله بن مرزوق الأصبهاني ببغداد لفظا قال: أنشدنا القاضي الإمام أبو
بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني لنفسه بتستر:
فلقد دفعت إلى الهموم ينوبني ... منها ثلاث شدائد جمعن لي
أسف على ماضي الزمان وحيرة ... في الحال منه وخشية المستقبل
ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأول
أخبرنا
أبو هاشم قال: أخبرنا أبو سعد السمعاني - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أحمد بن
عبد الله بن مرزوق الأصبهاني أبو العباس فقيه متودد إلى الناس، وهو من أصحاب شيخنا
اسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ من أهل أصبهان، دخل بغداد سنة خمس عشرة وخمسمائة،
وتفقه على الحسن بن سلمان ثم رجع إلى أصبهان، وسافر إلى بلاد خوزستان، ثم ورد
بغداد وأنا بها في سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
سمع بأصبهان أبا سعد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله المطرز، وأبا علي الحسن بن
أحمد الحداد، وأبا القاسم غنائم بن محمد بن عبيد الله البرجي وببغداد أبا سعد أحمد
بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي، وأبا علي محمد بن محمد ابن المهدي، وأبا طالب عبد
القادر بن يوسف، وأبا القاسم هبة الله ابن محمد بن الحصين الشيباني، وبشيراز أبا
منصور عبد الرحيم بن محمد بن ابن أحمد بن يحيى الشرابي، وغيرهم، كتبت عنه شيئا
يسيرا، وسألته عن مولده فقال: قالت لي والدتي: ولدت بعد موت ملكشاه بسنة.
قلت: وكانت وفاة السلطان ملكشاه في سنة خمس وثمانين وأربعمائة، فيكون مولده سنة ست
وثمانين.
أحمد بن عبد الله:
أبي الحواري بن ميمون بن عياش بن الحارث الغطفاني، أبو الحسن التغلبي الزاهد
المشهور، وقيل بأن اسم أبي الحواري ميمون؛ أصله من الكوفة، وسكن دمشق، وقدم الثغور
الشامية والعواصم، وسمع بها أبا بكر محمد بن توبة الطرسوسي، وأبا جعفر محمد بن
حاتم المصيصي، وأبا معاوية الأسود الزاهد، والمسيب بن واضح بن سرحان التلمنسي.
وأنبأنا زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ
أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن عبد الله، أبي الحواري بن ميمون بن عياش بن
الحارث، أبو الحسن التغلبي الغطفاني الزاهد، أحد الثقات، وذكر أبو عبد الله بن
مندة أن أصله من الكوفة، وسكن دمشق.
روى عن سفيان بن عيينة، وأبي معاوية، وحفص بن غياث، ووكيع بن الجراح، ومروان بن
محمد، عن شيخه واستاذه أبي سليمان الداراني، وأبي سعد عبد الله بن إدريس، وأبي
أسامة حماد بن أسامة، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن يحيى بن
اسماعيل، وعمرو بن أبي سلمة، ورواد بن الجراح، وزكريا بن إبراهيم الخصاف، واسحق
الحناط، وسليمان بن أبي سليمان الداراني، ومحمد بن يوسف الفريابي وعبد الله بن
نمير، وإسماعيل بن علية، وجعفر بن محمد، وإسحق بن خلف، وأبي بكر محمد بن توبة
الطرسوسي، ومضاء بن عيسى، وأبي جعفر محمد بن حاتم، وعبد الله ابن أحمد بن بشير بن
ذكوان، وعبد الواحد بن جرير العطار الدمشقي، وأبي مسهر الدمشقي، وسلام بن سليمان
المدائني، وعيسى بن خالد اليمامي، وزهير ابن عباد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين،
وأحمد بن ثعلبة، وعبد العزيز بن عمير الدمشقي، وأحمد بن معاوية بن وديع، وعلي بن
حمزة الكسائي، وإبراهيم بن أيوب.
روى عنه أبو داود، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، ومحمود بن إبراهيم
بن سميع، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو، وأبو عبد الملك التستري، وسليمان بن أيوب
بن حذلم، ومحمد بن يعقوب وأبو عبد الرحمن محمد بن العباس بن الوليد بن الدرفس،
وأبو الحسن محمد ابن اسحق بن الحريص، وجعفر بن أحمد بن عاصم، وأبو العباس أحمد بن
مسلمة العذري، وأحمد بن عامر بن المعمر الأزدي، ومحمد بن الفيض الغساني، وعبد الله
بن عتاب بن الزفتي، ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد، ومحمد بن خريم، ومحمد بن عون بن
الحسن الوحيدي، وعبد الصمد بن عبد الله بن عبد الصمد، وسيار بن نصر، وأحمد بن
سليمان بن زبان، والحسن بن محمد بن بكار بن بلال، وأبو محمد عبد الرحمن بن اسحق بن
إبراهيم بن الضامدي الدمشقيون، وعلي بن الحسين بن ثابت الرازي، وأبو عبد الله محمد
بن المعافى الصيداوي، وعبد الله بن هلال الدومي، وسعد بن محمد البيروتي، وأبو بكر
محمد بن يحيى السماقي، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، وأبو الجهم أحمد بن الحسين بن
طلاب المشعرائي، وأبو عصمة نوح بن هشام الجوزجاني، وأبو بكر محمد بن محمد
الباغندي.
أخبرنا
أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي بدمشق قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن
أحمد بن عمر الحريري المعروف بابن الطبر قال: أخبرنا أبو طاب محمد بن علي بن الفتح
قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن شمعون قال: حدثنا أحمد بن سليمان الكندي،
المعروف بابن ابن هريرة بدمشق قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا وكيع
قال: حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه
ولا يمسح بيمينه.
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة
بن أحمد بن فارس السلمي قال: حدثنا الفقيه الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر
المقدسي قال: حدثنا أبو المعمر المسدد علي بن عبد الله بن عبد الله الحمصي قال:
حدثنا أبو حفص عمر بن علي العتكي قال: حدثنا أبو العباس الفضل بن محمد الأحدب
بأنطاكية قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا حفص بن غياث عن مسعر عن
العوام بن حوشب عن إبراهيم السكسكي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر، قال الله تبارك وتعالى
لملائكته: اكتبوا لعبدي من الأجر مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد معمر بن طبرزد قال: سمعت اسماعيل بن أحمد بن
عمر السمرقندي يقول: سمعت عبد الدائم بن الحسن الهلالي بدمشق في سنة ستين
وأربعمائة يقول: سمعت عبد الوهاب بن الحسن الكلابي يقول: سمعت محمد بن خريم
العقيلي يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني
في المنام، فرأيته بعد سنة، فقلت له: يا معلم ما فعل الله بك؟ قال: يا أحمد جئت من
باب الصغير فلقيت وسق شيخ فأخذت منه عوداً ما أدري تخللت به أو رميت به فأنا في
حسابه من سنة إلى هذه الغاية.
أخبرنا أبو بكر عبد الله بن علي بن الخضر البغدادي التاجر بحلب قال: أخبرنا أبو
السعادات المبارك بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز، وشهدة بنت أحمد بن
الآبري ببغداد.
وأخبرنا أبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي قال: أخبرنا الخطيب أبو الفضل عبد
الله بن أحمد بن محمد الطوسي قالوا: أخبرنا الحاجب أبو الحسن علي بن محمد بن علي
بن العلاف قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران قال:
أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن بن
سهل الخرائطي قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: حدثنا عون بن إبراهيم
بن الصلت قال: حدثني أحمد بن أبي الحواري قال: حدثني أحمد بن وديع عن الوليد بن
مسلم قال: كانت امرأة من التابعين تقول: اللهم أقبل بما أدبر من قلبي، وافتح ما
أقفل عنه حتى تجعله هنيئاً مرئاً بالذكر لك.
وقال: أخبرنا أبو بكر الخرائطي قال: حدثنا أبو حفص النسائي قال: حدثنا أحمد بن أبي
الحواري قال: حدثنا أبو سلمة الطائي عن أبي عبد الله البناجي قال: سمعت هاتفاً
يهتف عجباً لمن وجد حاجته عند مولاه فأنزلها بالعبيد.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل بالقاهرة قال: أخبرنا الحافظ أبو
طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني قال: أخبرنا أبو الفتح اسماعيل بن عبد
الجبار المالكي قال: سمعت أبا يعلى الحافظ يقول: سمعت علي ابن عمر الفقيه يقول:
سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي يقول: سمعت عبد الله بن هلال الاسكندراني
يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: كنت مع أبي سليمان الداراني في أمحل، فتلهفت
يوماً، فنظر إلي وقال: ما هذا؟ قلت: قد ظهر بي منذ أيام، فقال: احذر هذا لو كان
فيه خير لما أظهره الله فيك.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة، والشيخ أبو محمد عبد
الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قالا: أخبرنا أبو الفتح بن أبي الحسن الصوفي.
وأخبرتنا الحرة زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الشعري في كتابها قالا: أخبرنا عبد
الوهاب بن شاه بن أحمد الشاذيافي.
وأنبأنا
أبو النجيب اسماعيل بن عثمان القارى في كتابه قال: أخبرنا أبو الأسعد عبد الرحمن
بن عبد الواحد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم ابن هوزان القشيري قال:
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: سمعت سعيد بن
عبد العزيز الحلبي يقول: سمعت أحمد ابن أبي الحواري يقول: من نظر إلى الدنيا نظر
إرادة وحب، أخرج الله نور اليقين والزهد من قبله.
وقال: سمعت أبا عبد الرحمن يقول: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: سمعت سعيد بن عبد
العزيز يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: من عمل بلا انباع سنة، فباطل عمله.
وقال: قال أحمد: أفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة.
قال: وقال أحمد ما ابتلى الله عبداً بشيء أشد من الغفلة والقسوة.
أنبأنا أبو المفضل أحمد بن محمد قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو عبد
الله الخلال قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر بن سلمة قال:
أخبرنا أبو الحسن الفأفاء.
قال: وأخبرنا ابن مندة قال: أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني - إجازة - قالا:
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا محمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني قال:
حدثني هرون بن سعيد قال: قال يحيى بن سعيد: قال يحيى بن معين، وذكر أحمد بن أبي
الحواري فقال: أهل الشام به يمطرون.
أخبرنا عمي أبو غانم قال: أخبرنا أبو الفتح عمر بن علي بن محمد بن حمويه.
وأنبأنا زينب بنت عبد الرحمن الشعري قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذيافي.
وأخبرنا أبو النجيب القارىء إجازة قال: أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد
الواحد قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: سمعت محمد بن
الحسين يقول: كان بين أبي سليمان وأحمد بن أبي الحواري عقد لا يخالفه في شيء يأمره
به، فجاءه يوماً وهو يتكلم في مجلسه وقال: إن التنور قد سجر فما تأمر، فلم يجبه،
فقال: مرتين أو ثلاثة، فقال أبو سليمان: اذهب فاقعد فيه - كأنه ضاق به قلبه - ،
وتغافل أبو سليمان ساعة ثم ذكر فقال: اطلبوا أحمد فإنه في التنور لأنه على عقد أن
لا يخالفني، فنظروا فإذا هو في التنور لم تحترق منه شعرة.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل بالقاهرة المعزية قال: أخبرنا أبو
طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني قال: سمعت أبا الفتح اسماعيل ابن عبد الجبار
بن محمد الماكي قال: سمعت أبا يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي قال: أحمد
أبي الحواري الزاهد ثقة، كبير في العبادة والمحل؛ روى عنه مثل أبي حاتم الرازي في
الزهد والعبادة، ومروان بن محمد، وعمر حتى أدركه المتأخرون، آخر من روى عنه بالري
إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، وبخراسان الحسين بن عبد الله بن شاكر السمرقندي، وبالشام
ابن خريم، ومحمد ابن الفيض.
أنبأنا الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد الحافظ قال: أخبرنا أبو
عبد الله الخلال قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر ابن سلمة
قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاء.
قال: وأخبرنا ابن مندة قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبهاني - إجازة - قالا:
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري أبو
الحسن الدمشقي، روى عن حفص بن غياث، ووكيع، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن وهب،
يعد في الدمشقين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، وكتبا عنه، سمعت أبي يحسن الثناء
عليه ويطنب فيه.
كتب إلينا أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي أن أبا الأسعد هبة الرحمن بن
عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري أخبرهم قال: أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك
المؤذن الحافظ قال: ومنهم - يعني من مشايخ الصوفية - أحمد بن أبي الحواري، واسمه
ميمون، من أهل دمشق، وكنيته أبو الحسن، صحب أبا سليمان، وبشر بن السري، والنباجي،
ومضاء بن عيسى، وغيرهم من المشايخ، ومات سنة ثلاثين ومائتين، وكان هو وأخوه محمد،
وأبوه أبو الحواري، وابنه عبد الله كلهم من الورعين العارفين، وبيتهم بيت العلم
والورع والزهد.
أخرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة قال: أخبرنا عمر بن علي بن محمد
بن حموية.
وأخبرتنا زينب الشعرية في كتابها قالا: أخبرنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه
الشاذيافي.
وأنبأنا
أبو النجيب القارىء قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد
الكريم بن هوازن القشيري قال: ومنهم أبو الحسن أحمد بن أبي الحواري من أهل دمشق،
صحب أبا سليمان الداراني وغيره، مات سنة ثلاثين ومائتين.
وكان الجنيد يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد بن محمد المروزي في كتابه منها قال:
أخبرنا أبو الخير جامع بن عبد الرحمن بن ابراهيم السقاء الصوفي قراءة عليه
بنيسابور قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار الصوفي قال: أخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي قال: ومنهم أحمد بن أبي الحواري كنيته أبو الحسن، وأبو الحواري،
اسمه ميمون من أهل دمشق، صحب أبا سليمان الداراني، وسفيان بن عيينة، ومروان بن
معاوية الفزاري، ومضاء بن عيسى، وبشر بن السري، وأبا عبد الله النباجي، وله أخ
يقال له محمد بن أبي الحواري، يجري مجراه في الزهد والورع، وابنه عبد الله بن أحمد
بن أبي الحواري من الزهاد، وأبوه أبو الحواري، كان بيتهم بيت الزهد والورع، مات
سنة ثلاثين ومائتين.
أنبأنا عبد الرحيم بن عبد الكريم قال: أخبرنا أبو سعيد الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر
المزكي - إجازة - قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرني أحمد بن محمد بن
الفضل قال: مات أحمد بن أبي الحواري في سنة ثلاثين ومائتين.
أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير بن عبد الله بن صالح بن أسامة:
أبو العباس الذهلي القاضي والد القاضي أبي الطاهر الذهلي، ولي القضاء بالبصرة
وواسط وغيرها من البلاد، وسمع بحلب صالح بن علي النوفلي الحلبي، وأبا أسامة عبد
الله بن محمد بن أبي أسامة الحلبي، وبمنبج حاجب بن سليمان ومحمد بن سلام
المنبجيين، وبغيرهما من البلاد: علي بن عثمان بن نفيل الحراني، وأبا أمية محمد بن
ابراهيم الطرسوسي، وأبا الدرداء هاشم بن محمد الأنصاري مؤذن بيت المقدس، والعباس
بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عوف، ومحمد بن عبد النور الخزاز، وأحمد بن محمد بن
يزيد بن أبي الخناجر الأطرابلسي، وربيعة ابن الحارث الجيلاني الحمصي، والخليل بن
عبد القهار الصيداوي، وأبا عيينة أحمد بن الفرج الحمصي، واسحق بن سيار النصيبي،
وأحمد بن عبد الحميد الكوفي، وسعيد بن محمد زريق الرسعيني، وابراهيم بن هانىء
النيسابوري، وعلي بن موفق الأنباري، ويعقوب بن ابراهيم الدورقي ومحمد بن عبد الله
المخرمي، وعمران بن بكار، ومحمد بن خالد بن خلي الحمصي، ومحمد بن حماد الطهراني،
ومحمود بن خداش، ومحمد بن صالح بن البطاح.
روى عنه: ابنه أبو الطاهر محمد بن أحمد، وأبو الطاهر المخلص، وأبو الحسن
الدارقطني، وأبو بكر المقرىء، والمعافى بن زكريا الجريري، ومحمد بن أحمد الهاشمي
المصيصي، وأبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين، وعبد الباقي بن قانع بن مرزوق.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم بن
الأخوة وصاحبته عين الشمس قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي -
قالت: إجازة - قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفتح منصور بن
الحسين - قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقرىء قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن نصر بن
بجير القاضي قاضي واسط قال: حدثنا علي ابن الموفق الأنباري عن أحمد بن أبي الحواري
عن أبي سليمان قال: لقيت عابدة بمكة فقالت لي: من أين أنت؟ فقلت: من أهل الشام،
قالت: إقرأ على كل محزون مني السلام.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: قال لنا أبو بكر
الخطيب: أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير بن عبد الله بن صالح بن أسامة، أبو
العباس الذهلي كان من شيوخ القضاة ومقدميهم، ولي قضاء البصرة وواسط وغيرهما من
البلدان، وحدث عن يعقوب بن ابراهيم الدورقي، ومحمد ابن عبد الله المخرمي، ومحمود
بن خداش، ومحمد بن حماد الطهراني، وعمران ابن بكار، ومحمد بن خالد بن خلي
الحمصيين، ونحوهم.
روى عنه أبو الحسن الدارقطني، والمعافى بن زكريا الجريري، وأبو طاهر المخلص، وكان
ثقة.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني الحسن
بن محمد الخلال قال: وجدت في كتاب أبي الفتح القواس: مات ابن بجير القاضي سنة
اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
قال:
وكذلك حدثني عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ عن أبيه قال: وقال: مات يوم الثلاثاء
سلخ شهر ربيع الآخر.
أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي:
أبو الفضل، دخل الثغور الشامية وسمع بها أبا بكر محمد بن أحمد بن زرقان المصيصي،
وعبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، وأبا أمية بن ابراهيم الطرسوسي، وحدث عنهم
وعن غيرهم.
وذكره أبو القاسم الدمشقي الحافظ في تاريخ دمشق بما أخبرنا به ابن أخيه تاج
الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي - إذناً - قال: أخبرنا أبو
القاسم علي بن الحسن الحافظ عمي قال: أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال، أبو الفضل
السلمي، حدث عن أبيه عبد الله بن نصر، وأبي عامر موسى بن عامر المري، ومحمد بن عبد
الرحمن بن الأشعث، وابراهيم بن عتيق وأحمد بن علي بن يوسف الخزاز، وعمر بن مضر
العبسي، ويزيد بن محمد بن عبد الصمد، وأبي حارثة أحمد بن ابراهيم بن هشام
الدمشقيين، والمؤمل بن إهاب الربعي، ووريزة بن محمد الغساني الحمصي، وأبي أمية
الطرسوسي، وأبي بكر محمد بن أحمد بن رزقان المصيصي، وأحمد بن محمد بن أبي الخناجر
الأطرابلسي، وعبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، وأبي سعد إسماعيل بن حمدويه
البيكندي، ومحمد بن اسماعيل بن علية البصري قاضي دمشق، ومحمد ابن عبد الرحمن بن
علي الجعفي الكوفي نزيل دمشق، وابراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وأبي الخير فهد بن
موسى الاسكندراني، والوليد بن مروان الأزدي الحمصي، وجعفر بن محمد بن حماد
القلانسي.
روى عنه أبو الحسين الرازي، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو علي الحسن بن محمد بن الحسن
بن درستويه، وأبو القاسم الحسن بن سعيد بن حليم القرشي، وأبو العباس أحمد بن عتبة
بن مكين السلامي الحوثري، وعمران بن الحسن الحفاف الدمشقيون وأبو الفتح المظفر
أحمد بن ابراهيم بن برهان المقرىء، وأبو بكر بن أبي الحديد، وأبو العباس أحمد بن
محمد بن علي بن هرون البرذعي الصوفي، وأبو علي محمد بن علي الحافظ الإسفرائيني،
وأبو حفص بن شاهين.
أخبرنا تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن في كتابه قال: أخبرنا عمي
الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال: قرأت بخط أبي الحسين نجا
العطار فيما ذكر أنه نقله من خط أبي الحسين الرازي في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو
الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي، مات في جمادى الأولى سنة أربع
وثلاثين وثلاثمائة.
أحمد بن عبد الله، أبو بكر الطرسوسي:
روى عن حامد بن يحيى السلمي، روى عنه أبو القاسم الطبراني.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد البغدادي المؤدب فيما أذن لنا فيه
مرارا قال: أخبرنا أبو منصور بن خيرون قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن شهريار
الأصبهاني قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا أبو
بكر أحمد بن عبد الله الطرسوسي قال: سمعت حامد بن يحيى البلخي يقول: سمعت سفيان بن
عيينة يقول: رأيت كان أسناني كلها سقطت، فذكرت ذلك للزهري، فقال: يموت أسنانك،
وتبقى أنت، فمات أسناني وبقيت، فجعل الله كل عدو لي محدثاً.
أحمد بن عبد الله الرصافي:
من رصافة هشام بن عبد الملك من عمل قنسرين، حكى عن عثمان بن عبد الله العابد، روى
عنه محمد بن عيسى القرشي.
كتب
إلينا أبو اسحق ابراهيم بن عثمان بن يوسف الكاشغري المعروف والده بأزرتق أن أبا
المعالي أحمد بن عبد الغني بن خيفة أخبرهم قال: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال:
أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد الآزجي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله
بن الحسن بن حهضم قال: حدثنا المفيد قال: حدثنا محمد بن عيسى القرشي قال: حدثنا
أبو الأشهب السائح، وأحمد بن عبد الله الرصافي عن عثمان بن عبد الله، رجل من
العباد، خرجت من بيت المقدس أريد بعض قراها في حاجة، فإذا أنا بعجوز عليها مدرعة
من صوف، وخمار من صوف، تعتمد على عكاز لها، فقلت في نفسي: راهبة تدير ديرا، فحان
منها إلتفاتة، فقالت لي: يا عبد الله، على دين الحنيفية؟ فقلت: وما أعرف دينا
غيره، فقالت: ما اسمك؟ فقلت: عثمان، فقالت: يا عثمان من أين خرجت، وأين تريد؟
فقلت: من بيت المقدس إلى بعض قراها في حاجة، فقالت: كم بينك وبين أهلك ومنزلك؟
فقلت: ثمانية عشر ميلا، فقالت: إن هذه لحاجة مهمة؟ قلت: نعم، فقالت: ألا سألت صاحب
القرية يوجه إليك بحاجتك ولا يعنيك، قال عثمان: فلم أدر ما تريد، فقلت: يا عجوز
ليس بيني وبينه معرفة، فقالت: يا حبيبي وما الذي قطع بينك وبين معرفته في حال بينك
وبين الاتصال به؟ قال عثمان: ففهمت ما قالت، فبكيت، فقالت: مم بكاؤك من شيء كنت
تعلمه فتركته وذكرته؟ قلت: نعم، فقالت: إحمد الله عز وجل الذي لم يتركك في حيرتك،
فقلت: يا عجوز لو دعوت الله عز وجل بدعوة، فقالت: بماذا؟ قلت: ينقذني من حب
الدنيا، فقالت: امض لشأنك فقد علم المحبوب ما ناداه الضمير من أجلك، ثم قالت: يا
عثمان تحب الله عز وجل؟ قلت: أجل، فقالت: اصدقني ولا تكن كذاباً، فقلت: والله إني
أحب الله عز وجل، قالت: يا عثمان فما الذي أفادك من طرائف حكمته إذ أوصلك بها إلى
محبته؟ قال: فأمسكت لا أجيبها، فقالت: يا هذا عساك ممن يحب كتمان المحبة؟ قال:
فأمسكت لا أدري ما أقول لها، فسمعتها تقول: يأبى الله عز وجل أن يدنس طرائف حكمته
وخفي مكنون محبته قلوب البطالين، ثم قالت يا عثمان أما والله لو سألتني عن محبة
ربي لكشفت القناع الذي على قلبي وأخبرتك بمحبة سيدي وربي عز وجل، ثم استقبلت
بوجهها إلى القبلة وهي تقول: من أين لعقلي الرجوع إلهي، ومن أين لوجهي الحياء منك
سيدي، إن لم تكن لي هلكت، وإن لم تكن معي في وحدتي عطبت، ثم استقبلتني بوجهها
توبخني وهي تقول: يا عثمان، فقلت: لبيك، فقالت:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا وربي في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
قال عثمان: فما ذكرت والله كلامها إلا هيجت علي أحزاني.
أحمد بن عبد الله، أبو العباس الحلبي المعروف بابن كاتب البكتمري:
وقيل إن اسم أبيه كاتب، وقيل اسمه عبد الله وأنه كان يكتب لوصيف البكتمري، وهو
شاعر مشهور، وذكرناه فيمن اسم أبيه على حرف الكاف للاختلاف في اسمه ولكونه إنما
يعرف بابن البكتمري.
أحمد بن عبد الدائم بن أحمد بن نعمة المقدسي:
أبو العباس الدمشقي الحنبلي، شيخ حسن فاضل من أهل الحديث المقيمين بجبل الصالحين
بدمشق في سفح قاسيون، رحل إلى بغداد واجتاز في طريقه حلب، وسمع ببغداد أبا الفتح
محمد بن أحمد بن المنداي، وأبا الفرج بن كليب، وأبا الفرج بن الجوزي، وسمع بدمشق
أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي، ويحيى الثقفي، وأبا القاسم بن الحرستاني وعمر بن
طبرزد، وحنبلا المكبر، وجماعة يطول ذكرهم.
واجتمعت به بدمشق، وسمعت بقراءته على جماعة من الشيوخ بدمشق، ثم قدم علينا حلب،
وسمع بها من جماعة من شيوخنا مثل: قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم،
وأبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي وغيرهما، ثم اجتمعت به بدمشق
بعد ذلك، وسمعت منه جزء الحسن بن عرفة بسماعه من أبي الفرج بن كليب، وغير ذلك من
حديثه.
وكان يورق بالاجرة ويكتب سريعا، وكتب شيئاً كثيراً، ولم يكن بخطه بأس وكتب لي بخطه
تاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم الدمشقي، وكتاب الذيل لأبي سعد السمعاني.
وكان
حسن الخلق، سألته عن مولده فأخبرني أن مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة بدمشق، وأن
أباه كان من أهل قرية تعرف بالفندق من جبل نابلس، وأنه هاجر به، وهو حمل، منها في
أيام صلاح الدين يوسف بن أيوب، فولد بدمشق، وسكنوا بجبل الصالحين.
وذكر لي أنه نسخ بخطه ألفي مجلد، وقال لي: أنا أنسخ إلى الآن وأطالع، وعمري إحدى
وثمانون سنة، وكتبت أمس اثنتي عشرة ورقة، وأنا أشكر الله تعالى على ذلك.
حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن أحمد بن نعمة المقدسي من لفظه بدمشق قال:
أخبرنا أبو الفرج بن كليب الحراني قال: أخبرنا علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز
قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد البزاز قال: أخبرنا أبو علي
اسماعيل بن محمد بن اسماعيل الصفار قال: حدثنا الحسن بن عرفة العبدي أبو علي قال:
حدثني محمد بن صالح الواسطي عن سليمان بن محمد عن عمر بن نافع عن أبيه قال: قال
عبد الله بن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على هذا المنبر - يعني
منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يحكي عن ربه قال: ان الله عز وجل إذا كان
يوم القيامة جمع السموات السبع والأرضين السبع في قبضته، ثم قال: هكذا وشد قبضته
ثم بسطها، ثم يقول عز وجل: أنا الرحمن، أنا الملك القدوس، أنا السلام، أنا المؤمن،
أنا المهيمن، أنا العزيز، أنا الجبار أنا المتكبر أنا الذي الذي بدأت الدنيا ولم
تك شيئا، أنا الذي أعدتها، أين الملوك أين الجبارة.
توفي أحمد بن عبد الدائم بن أحمد بن نعمة المذكور في يوم الاثنين تاسع رجب سنة
ثمان وستين وستمائة بمنزلة في سفح جبل قاسيون، ودفن هناك عند مشايخهم، وكان قد كف
بصره، وذلك بعد وفاة والدي مؤلف هذا التاريخ رحمه الله.
أحمد بن عبد ذي العرش الربعي المصيصي:
روى عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، كتب عنه بعض أهل العلم.
من اسم أبيه عبد الرحمن من الأحمدين
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد:
ابن محمد بن عيسى بن طلحة بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمد
بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو بكر العلوي المروزي الواعظ البكري،
منسوب إلى تلميذه أبي بكر محمد بن منصور السمعاني حدث عن أبي منصور محمد بن علي بن
محمود الكراعي، وأبي بكر محمد بن منصور بن محمد السمعاني، وأبي ابراهيم اسماعيل بن
عبد الوهاب الناقدي، وأبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن علي البخاري الهروي.
روى عنه الحافظان أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، وأبو سعد عبد
الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، وكان قد أقام بدمشق مدة، وأخرج منه فمضى إلى
بلد الروم واجتاز في طريقه بحلب، وكان له قبول في الوعظ.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي - قراءة عليه وأنا
أسمع بحلب - قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي منصور المروزي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد
بن عبد الرحمن البكري بالري قال: أخبرنا أبو ابراهيم اسماعيل ابن عبد الوهاب
الناقدي بمرو قال: أخبرنا أبو عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار.
قال أبو سعد: وأخبرناه عاليا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلال بأصبهان
قال: أخبرنا أبو عثمان سعيد بن أحمد العيار الصوفي قال: أخبرنا أبو محمد عبد
الرحمن بن أحمد بن محمد بن يحيى الأنصاري قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد
البغوي قال: حدثنا ابن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها عن
النبي صلى الله عليه وسلم، لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا رواه
البخاري في صحيحه عن علي بن الجعد.
أخبرنا تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن - اذنا - قال: أخبرنا عمي
الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي قال: أحمد بن عبد الرحمن ابن أحمد، أبو
بكر العلوي الزيدي المروزي الشافعي الواعظ، قدم دمشق وأملى بها الحديث، وعقد بها
مجالس الوعظ، وروى عن أبي منصور محمد بن علي ابن محمود نافلة الكراعي، وأبي القاسم
عبد الصمد بن محمد بن علي البخاري الهروي، وأبي ابراهيم اسماعيل بن عبد الوهاب
الناقدي الخراجي، وأبي بكر محمد بن منصور بن محمد السمعاني المراوزة، وارتبت ببعض
سماعه، فكتبت إلى أبي سعد بن السمعاني فكتب إلي أنه وجد سماعه على أصول الكراعي
والناقدي.
أخبرنا
أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد
الكريم بن محمد السمعاني قال: أحمد بن عبد الرحمن الأشرف البكري، أبو بكر، ولد
بنواحي أبيورد، وتفقه بمرو وخالط الفقهاء، وكتب الحديث الكثير، وقرأه، وكان ينتسب
في التتلمذ إلى والدي رحمه الله، وخرج إلى ما وراء النهر. ودخل فرغانة، وأقام بأوش
مدة مديدة، ونفق سوقه عندهم في الوعظ والتذكير، ثم رجع إلى مرو، وخرج منها إلى
البلاد، ولقي القبول التام فيها من العوام، وكان يكذب في كلام المحاورة كذبا
فاحشا، ثم ولد له ولد علمه التذكير وحفظ المجالس، وخرج إلى مازندران، ومنها إلى
العراق وورد بغداد، وسمعت أنه خرج إلى الشام، ووعظ هو وابنه بدمشق، وحصل لهما مبلغ
من المال، وانصرف إلى بغداد.
وكان سمع بمرو والدي الإمام رحمه الله، وأبا ابراهيم اسماعيل بن عبد الوهاب
الناقدي، وأبا منصور محمد بن علي بن محمد الكراعي وغيرهم، لقيته بمرو وظني أني
سمعت بقراءته على أبي طاهر السبخي شيئا، ثم لقيته بالري منصرفي من العراق وهو
متوجه إليه، وكتبت عنه حديثاً واحداً لا غيره.
قال السمعاني: ورأيت في كتاب القند في معرفة علماء سمرقند لأبي حفص عمر بن محمد بن
أحمد النسفي نسب أخي أبي بكر هذا، ولا أشك أن النسفي كتبه من قول أخيه، ولا يعتمد
على قوله، وذكرت النسب هاهنا، وما ذكره عمر في حقهما.
قال: ذكر السيد العالم محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عيسى بن طلحة بن
محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن
أبي طالب المروزي، قال دخل سمرقند مع أخيه السيد العالم أحمد بن عبد الرحمن، وجلس
أخوه للعامة مجالس، وذلك سنة تسع عشرة وخمسمائة، وروى حديثا عن محمد بن عبد
الرحمن، أخي صاحب الترجمة، عن أبي نصر هبة الله بن عبد الجبار السجزي.
أنبأنا أبو البركات بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا علي بن الحسن الحافظ قال: أخرج
أبو بكر العلوي من دمشق في ذي الحجة سنة سبع وأربعين وخمسمائة وسار إلى ناحية ديار
الملك مسعود بن سليمان، وانقطع خبره عنا بعد ذلك، وكان غير مرضي الطريقة.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله:
أبو العباس المقدسي الصوفي، قيم المسجد الأقصى، كان رجلا صالحا ورعا فاضلا، حسن
السمت، من أهل الحديث والتصوف، سمع الحديث الكثير بدمشق من شيوخنا أبي اليمن
الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني وغيرهما، وبحماه من أبي البركات بن قرناص، وببيت
المقدس من أبي منصور عبد الرحمن بن محمد وكان يلازم السماع بقراءتي في المسجد
الأقصى من الشيخ أبي علي الأوقي، وأقام بالبيت المقدس قيما بالمسجد الأقصى إلى أن
خربت أسوار البيت المقدس، وشعثت دوره خوفاً من استيلاء الفرنج عليه، فانتقل إلى
حلب وسكنها ونزل بخانكاه سنقرجا بالقرب من القلعة، كتب عنه بعض طلبة الحديث شيئا
منه، وتوفي بحلب يوم الجمعة سلخ جمادي الأولى من سنة تسع وثلاثين وستمائة، وصلي
عليه بالمسجد الجامع، ودفن بمقابر مقام ابراهيم عليه السلام خارج باب العراق، تجاه
المشهد المعروف بالمقام من غربيه وشماليه، وحضرت دفنه والصلاة عليه رحمه الله.
أحمد بن عبد الرحمن بن علي:
ابن عبد الملك بن بدر بن الهيثم بن خلف بن خالد بن راشد بن الضحاك بن النعمان بن
محرق بن النعمان بن المنذر اللخمي القاضي، أبو عصمة بن الوزير أبي الهيثم أبي
حصين، وقيل بدر بن الهيثم بن خليفة بن راشد بن خالد بن الضحاك ابن قابوس بن أبي
قابوس النعمان بن المنذر، أصله من الكوفة، ثم سكن سلفه الرقة، وإليها ينسب جده
القاضي أبو حصين قاضي حلب لسيف الدولة أبي الحسن بن حمدان، ووزر والده أبو الهيثم
عبد الرحمن لسعد الدولة أبي المعالي شريف بن سيف الدولة، وانتقل أبو عصمة هذا إلى
طرابلس، وأظنه ولي بها القضاء، وهم من بيت القضاء والعلم، وبدر ولي قضاء الكوفة،
ولأبي عصمة عم يقال له عبد الحميد بن علي ولي قضاء جبيل، وسيأتي ذكره وذكر أبي
الهيثم، وذكر أبي حصين في مواضعهم من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
وأظن أبا عصمة ولد بحلب، والله أعلم، حكى بطرابلس انشادا عن قاضي القضاة أبي محمد
بن معروف، رواه عنه الحافظ أبو عبد الله الصوري.
أخبرنا
أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد
الكريم بن محمد السمعاني قال: أنشدنا أبو الفضل موسى بن علي المؤذن ببغداد قال:
أنشدنا محمد بن عبد السلام بن أحمد الأنصاري قال أنشدنا محمد بن علي بن محمد
الحافظ الصوري.
وأنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسين قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو
بكر الخطيب قال: حدثني محمد بن علي الصوري قال: أنشدني القاضي أبو عصمة أحمد بن
عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك بن بدر بن الهيثم اللخمي بطرابلس قال: أنشدنا قاضي
القضاة أبو محمد عبد الله بن أحمد بن معروف لنفسه ببغداد مضمنا للبيت الآخر.
أشتاقكم اشتياق الأرض وابلها ... والأم واحدها والغائب الوطنا
أبيت أطلب أسباب السلو فما ... ظفرت إلاّ ببيت شفني وعنا
أستودع الله قوما ما ذكرتهم ... إلاّ تحدر من عيني ما خزنا
قال أبو بكر الخطيب: وأنشدني الصوري الأبيات التي ضمن ابن معروف منها شعره البيت
الآخر قال:
يا صاحبي سلا الأطلال والدمنا ... متى يعود إلى عسفان من ظعنا
إن الليالي التي كنا نسربها ... أبدى تذكرها في مهجتي حزنا
أستودع الله قوما ما ذكرتهم ... إلا تحدر من عيني ما خزنا
كان الزمان بنا غرا فما برحت ... أيدي الحوادث حتى فطنته بنا
أحمد عبد الرحمن بن قابوس بن محمد بن خلف بن قابوس:
أبو النمر الأطرابلسي الأديب اللغوي، وقيل في جد أبيه محمد بن قابوس بن خلف.
كان بحلب في سنة سبعين وثلاثمائة، وقرأ بها على أبي عبد الله الحسين بن أحمد ابن
خالويه النحوي كتاب الجمهرة لأبي بكر بن دريد، وغيرها، وشاهدت على أصل أبي عبد
الله بن خالويه قراءته عليه بخطه، وروى عنه وعن أبي الحسن علي ابن محمد بن عمران
الناقد البغدادي، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي، وأبي بكر أحمد بن صالح بن عمر
المقرىء البغدادي، وأبي محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم الفقيه الحلبي البحري وأبي
العلاء أحمد بن عبيد الله بن شقير النحوي اللغوي، وأبي نصر محمد بن محمد بن عمرو
النيسابوري المعروف بالبنص.
روى عنه الحافظان أبو عبد الله محمد بن علي الصوري، وأبو سعد اسماعيل ابن علي
السمان، والحافظ أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري، وأبو علي الحسن بن
علي الأهوازي المقرىء.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن - فيما أذن لنا في روايته، وقرأت عليه
اسناده - قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم
نصر بن أحمد قال: أخبرنا جدي أبو محمد قال: حدثنا الحسن ابن علي الأهوازي قال:
حدثنا أبو النمر الأديب قال: حدثنا القاضي يوسف بن القاسم الميانجي قال: حدثنا أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمذاني قال: حدثنا
أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي برزة الأسلمي قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا
تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن
تتبع الله عورته يفضحه في بيته.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن
محمد بن منصور المروزي قال: أخبرنا أبو الفضل موسى بن علي الخياط - بقراءتي عليه -
قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد
بن علي الساحلي الحافظ قال: قرأت على أبي النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس بن
محمد قابوس بن خلف الأديب بطرابلس قلت: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن خالويه قال:
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد عن الرياشي عن الأصمعي عن منتجع بن نبهان
الصيداوي قال: أخبرني رجل من بني الصيداء من أهل الصريم قال: كنت أهوى جارية من
باهلة وكان أهلها قد أخافوني، وأخذوا علي المسالك فخرجت ذات يوم فإذا حمامات يسجعن
على أفنان أيكات متناوحات في سرارة واد، فاستنفرني الشوق فركبت وأنا أقول:
دعت فوق أغصان من الأيك موهنا ... مطوقة ورقاء في إثر آلف
فهاجت
عقابيل الهوى إذ ترنمت ... وشيب ضرام الشوق بين الشراسف
بكت بجفون دمعها غير ذارق ... وأغرت جفوني بالدموع الذوارف
لكني سرت فآواني الليل إلى حي، فخفت أن يكون من قومها، فبت القفر فلما هدأت الرجل،
ورنقت في عيني سنة، وإذا قائل يقول:
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
فتفاءلت بها والله، ثم غلبتني عيناني فإذا آخر يقول:
لن يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار
فقمت وعبرت، وركبت متنكبا عن الطريق، فإذا راع مع الشروق وقد سرح غنما له وهو
يتمثل:
كفى بالليالي المخلقات لجدة ... وبالموت قطاعا حبال القرائن
فأظلمت والله علي الأرض، فتأملته فعرفته، قلت: فلان؟ قال فلان، قلت ما وراءك؟ قال:
ماتت والله رملة، فما تمالكت أن سقطت عن بعيري، فما أيقظني إلا حر الشمس، فقمت وقد
عقل الغلام ناقتي ومضى، فركبت إلى أهلي بأخيب ما آب به راكب، وقلت:
يا راعي الضّان قد أبقيت لي كمداً ... يبقى ويتلفني يا راعي الضّان
نعيت نفسي إلى جسمي فكيف إذاً ... أبقى ونفسي في أثناء أكفان
لو كنت تعلم ما أسأرت في كبدي ... بكيت مما تراه اليوم أبكاني
أخبرنا أبو هاشم الحلبي قال: أخبرنا عبد الكريم بن أبي المظفر - اجازة ان لم يكن
سماعا - قال: أخبرنا أبو الفتح نصر بن مهدي بن نصر بن مهدي الحسيني بالري قال:
أخبرنا طاهر بن الحسين السمان قال: حدثنا اسماعيل بن علي الحافظ قال: قرأت على أبي
النمر الأديب الطرابلسي قلت له: أنشدكم ابن خالويه قال: أنشدني أبو الحسن الوراق
الشاعر لسعيد بن المسيب:
إنظر لنفسك حين ترضى ... وانظر لنفسك حين تغضب
فالمشكلات كثيرة ... والوقوف عند الشك أصوب
أنبأنا أحمد بن محمد بن الحسن تاج الأمناء قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن
الحسن قال: أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس بن محمد بن خلف بن قابوس، أبو النمر
الأطرابلسي الأديب، حدث بصور سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وبأطرابلس عن أبي الحسن علي
بن محمد بن عمران النافد البغدادي وأبي بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرىء البغدادي،
وأبي عبد الله بن خالويه، وأبي نصر محمد بن محمد بن عمرو النيسابوري، وأبي محمد
الحسن بن أحمد بن ابراهيم البحري، ويوسف بن القاسم الميانجي.
روى عنه أبو عبد الله الصوري، وأبو علي الأهوازي.
أنبأنا أبو البركات بن محمد قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: وجدت بخط أبي الفرج
غيث بن علي الصوري: قرأت بخط أبي طاهر الصوري في ذكر من أدركه بطرابلس من الشيوخ:
أبو النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس، عاصر ابن خالويه، وكان يدرس العربية
واللغة، وتوفي بها وخلف ولدا شخص إلى العراق، وتقدم هناك.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الجارود بن هرون:
أبو بكر الحافظ الرقي، دخل أنطاكية، وسمع بها الحافظ أبا عمرو عثمان ابن عبد الله
بن خرزاد، وأبا محمد عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكيين، واجتاز بحلب في طريقه
إليها.
وذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن في تاريخه بما أنبأنا به تاج الأمناء أحمد بن
محمد قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن
الجارود بن هرون، أبو بكر الرقي الحافظ نزيل عسكر مكرم.
ذكر أنه سمع بدمشق هشام بن عمار، وأبا زرعة النصري، ومحمد بن عوف بحمص، وحدث عنهم
وعن أبيه عبد الرحمن بن الجارود، وعلي بن حرب، وأحمد ابن حرب، وهلال بن العلاء،
وأحمد بن شيبان الرملي، وعثمان بن خرزاد وعبد الله بن نصر الأنطاكيين، ويونس بن
عبد الأعلى، والمزني، والربيع بن سليمان ويزيد بن سنان البصري، والحسن بن عرفة،
والحسن بن محمد بن الصباح، وشعيب بن أيوب الصريفيني، وعيسى بن أحمد البلخي، ومحمد
بن عبيد بن عتبة الكوفي، وأحمد بن منصور الرمادي، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي،
وأبي زرعة، وأبي حاتم الرازيين.
روى
عنه القاضي أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد البسطامي نزيل نيسابور، وأبو الحسن علي
بن الحسن بن بندار بن المثنى الاستراباذي، وأبو اسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد
الطبراني المقرىء الشاهد، وأبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، وأبو علي
منصور بن عبد الله بن خالد بن أحمد بن خالد الذهلي الخالدي، وأبو علي الحسن بن
أحمد بن الليث الحافظ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الأعلى الأندلسي الورسي.
أخبرنا أبو البركات بن محمد - إذنا - قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو
سعد عبد الله بن أسعد بن أحمد بن محمد بن حيان النسوي الطبيب، وأبو بكر عبد الجبار
بن محمد بن أبي صالح النيسابوري الصوفيان قالا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبيد
الله بن محمد الصرام قال: أخبرنا القاضي الإمام أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد
البسطامي قال: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود بن هرون الرقي قال: أخبرنا
محمد بن عبد الملك الدقيقي وعثمان بن خرزاد الأنطاكي، وعباس الدوري قالوا: حدثنا
عفان بن مسلم قال: حدثنا شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: " يا بن آدم أنا بُدّك اللازم فاعمل
لبدك، كل الناس لهم بُدّ وليس لك مني بد " .
قال علي بن أبي محمد: رواه أبو بكر الخطيب عن الحسن بن محمد الخلال عن القاضي أبي
عمر البسطامي، فأخبرنا أبو القاسم علي بن ابراهيم، وأبو الحسن علي بن أحمد بن
منصور، وأبو منصور ابن خيرون قالوا: قال لنا أبو بكر الخطيب هذا الحديث موضوع
المتن مركب على هذا الاسناد وكل رجاله مشهورون معروفون بالصدق إلا ابن الجارود
فإنه كذاب، ولم نكتبه إلا من حديثه.
وقال أبو بكر في موضع آخر بهذا الاسناد: وقد رواه - يعني حديث بقية عن مالك عن
الزهري عن أنس، انتظار الفرج - شيخ كذاب: كان بعسكر مكرم عن عيسى بن أحمد
العسقلاني عن بقية، وأفحش في الجرأة على ذلك لأنه معروف أن الحيائري تفرد به،
والله أعلم.
ذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب تكملة الكامل في معرفة
الضعفاء: أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي، يضع الحديث ويركبه على الأسانيد
المعروفة.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن ماكا:
أبو بكر المقرىء، مقرىء مذكور، قدم أنطاكية سنة أربعين وثلاثمائة وأقرأ بها القرآن
العزيز.
أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا علي بن أبي محمد ابن هبة الله
قال: قرأت بخط الحسين علي بن محمد بن ابراهيم الحنائي قال: أخبرنا أبو عبد الله
محمد بن اسحق بن ابراهيم الأنطاكي المعروف بابن العريف قال: قدم علينا أنطاكية سنة
أربعين وثلاثمائة أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد ابن ماكا فقيل له: ان
ابراهيم بن عبد الرزاق يذكر أنه قرأ على قنبل، فلم يحفل بهذا القول إلى أن ورد في
بعض الأيام رجل من أهل خراسان شيخ كبير عليه ثياب صوف، فجلس بين يدي الشيخ ابن
ماكا، وقال: أريد أقرأ، فقرأ عليه عشرين آية وقال: حسبي آجرك الله، فقال له: أيش
في كمك؟.
قال: قراءات، قال له: وعلى من قرأت؟ قال: قرأت على قنبل أنا ورجل من أهل أنطاكية
يقال له ابراهيم بن عبد الرزاق الخياط، فقال الشيخ ابن ماكا: قوموا بنا إلى الشيخ،
فجاء إلى ابن عبد الرزاق، فقال: يا شيخ اجعلني في حل، فجعله، وعرف ابن عبد الرزاق الرجل،
فقال له: أيش لي معك، فأخرج خط قنبل بقراءة ابن عبد الرزاق عليه.
أحمد بن عبد الرحمن بن المبارك:
وقيل ابن عبد الرحمن بن علي بن المبارك بن الحسن بن نفاذة، أبو الفضل السلمي
الدمشقي، شاعر مجيد فاضل أديب، يلقب نشء الدولة، وبدر الدين، وكان يكتب للملك
الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وصحبه حضراً وسفراً، وقدم معه حلب حين افتتحها.
أنشدنا عنه شيئاً من شعره أبو محمد مكي بن المسلم بن علان الدمشقي، وأبو المحامد
اسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن القوصي، قال لي أبو المحامد: كان لا يبارى في فضله،
ولا يجارى في معرفته ونبله، وجمعه بن رئاسة نفسه وطيب أصله، وورث عنه حسن الكتابة
وحلية الفضل لذريته ونسله.
قال: ومولده بدمشق في شهور سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
وقال لي السديد أبو محمد مكي بن المسلم: إن أبا الفضل بن نفاذة دخل حلب مرارا،
ومدح بها الملك الظاهر غازي رحمه الله.
أنشدنا
سديد الدين أبو محمد مكي بن المسلم قال: أنشدنا الأمير نشو الدولة أبو الفضل أحمد
بن عبد الرحمن بن المبارك بن الحسن بن نفاذة السلمي الدمشقي لنفسه:
سفرت عن جبينها الوضّاح ... فأرتنا في الليل ضوء الصّباح
قلت لما زارت على غير وعدٍ ... تتهادى كالغصن تحت الرياح:
مرحباً بالتي أبادت همومي ... وغمومي وأبدأت أفراحي
أيها اللائمي على حبها ... أقصر فما أنت فيه من نصّاحي
مقلة الظبي سالف الريم قد ال ... غصن خدّ الشقيق ثغر الأقاحي
أنشدني شهاب الدين أبو المحامد اسماعيل بن حامد القوصي: أنشدني الشيخ الرئيس
الأديب الفاضل البارع نشء الدولة بدر الدين أبو الفضل أحمد بن عبد الرحمن بن علي
بن المبارك بن الحسن بن نفاذة السلمي متغزلا على حرف الهمزة.
يا ساكناً في مهجتي تتبوّأ ... لم لا ترقّ لأدمعٍ لا ترقأ
لي منك جفن لا يجف وثقل ه ... مٍ لا يخف ومضجع لا يهدأ
هل ما تمزق من فؤادي بالجفا ... يا هاجري بيدي وصالك يرفأ
ومدللٍ أنا في هواه مذلّلٌ ... منه ومني مالك وموطأ
ثمل المعاطف قده متأودٌ ... بالغصن يزري إذ يهزّ ويهزأ
بلحاظه قلبي جريح مثخن ... فالوصل يأسو والتجني ينكأ
سبحان خالقه ومبدع حسنه ... واللّه يخلق ما يشاء ويذرأ
كالليل شعراً غاسقاً والصبح وج ... هاً شارقاً أنواره تتلألأ
في ثغره حانية عانية ... تسبى العقول بها وليست تسبأ
سفك الدماء وطرفه سيافه ... وبه على أجرائها يتجرأ
متمرض الأجفان قلبي مذ جفا ... متمرض وكلاهما لا يبرأ
صبري لدائرة الصبابة نقطة ... تسمى وليس ترى ولا تتجزأ
يحظى به غيري وأحرم وده ... وسواي يروى بالوصال وأظمأ
قال لنا أبو المحامد القوصي: وأنشدني لنفسه متغزلاً على حرف الذال المعجمة:
رسل اللحاظ إلى الخواطر تنفذ ... وسهامها في كل قلب تنفذ
ومن العجائب وهي تصمي مهجتي ... أني بوقع سهامها أتلذذ
إن السهام لتخطىء المرمى سوى ... سهم بأهداب الجفون مقذذ
وبمهجتي صاح يعربد لحظه ... تيهاً عليّ فطرفه متنبذ
رشأٌيصيد بحسنه مهج الورىوعلى العقول بسحره يستحوذ
تحوي القلوب بخفة وصناعة ... أجفانه فاللحظ منه مشعبذ
سحر به فتن الأنام فحق ... هاروت الإمام لجفنه يتتلمذ
مقبول شخص بالعيون مقبّلٍ ... ميهوب حسن بالأماني يجبذ
ميعاده مثل السراب ووصله ... بالقول لا بالفعل فهو مطرمذ
من طبع أهل الشام قاس قلبه ... لكنه في دلّه يتبغدذ
يا نظرة قد أعقبتني حسرة ... طرفي جنا فعلام قلبي يؤخذ
وجدي به طول الزمان مجدد ... والقلب منه بالصدود مجذذ
والحزن مردٍ في هواه مرددٌ ... والخد من مطر الدموع مرذذ
وأنشدنا أبو المحامد القوصي قال: وأنشدني رحمه الله لنفسه متغزلاً على حرف الزاي:
أعانوا على القلب الجريح وأجهزوا ... وسفك دمي ظلماً أباحوا وجوزوا
هم رحلوا صبري غداة رحيلهم ... وسرى بوجدي أبرزوا يوم برزوا
وكنت كنزت الدمع ذخراً لبينهم ... فأنفقت يوم البين ما كنت أكنز
يعز وقد بانوا علي فراقهم ... ويعزب صبري والتجلد يعوز
وكانوا حياتي فارقوني ففارقت ... فها أنا حي في ثياب مجنز
وبي حب من لا الود يطلب عنده ... ولا الوصل مرجو ولا الوعد منجز
لدائرة الأبصار من حول وجهه ... إذا ما بدا من نقطة الخال مركز
له غصن قدّ بالملاحة مزهر ... وديباج خدٍ بالعذار مطرز
هو
الرمح قدّاً واعتدالاً ولحظه ... سنان به ما زال قلبي يوخز
حكى ألف الخط اعتدال قوامه ... ولكنه من عطفه الصدغ يهمز
لقد صاد قلبي حبه بيد الهوى ... ولم يجد فيه أنني متحرز
أخبرني أبو المحامد القوصي أن أبا الفضل بن نفاذة توفي بدمشق في شهور سنة إحدى
وستمائة تاسع المحرم منها.
أحمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن الحسن بن أحمد اللخمي:
أبو العباس بن أبي علي بن أبي المجد البيساني المصري المعروف بالقاضي الأشرف بن
القاضي الفاضل، أصل سلفه من بيسان، وانتقلوا إلى عسقلان، وولي جده قضاءها، وولد
أبوه بها، ثم انتقل عنها إلى مصر حين غلب عليها الفرنج، فنشأ بمصر على ما نذكره في
ترجمته إن شاء الله، وولد له هذا الولد أبو العباس بمصر في المحرم سنة ثلاث وسبعين
وخمسمائة، أخبرني بمولده جمال الدين محمد بن علي الصابوني، وكان رجلا حسنا فاضلا،
شريف النفس، وقورا مشتغلا بما يعنيه.
سمع الحديث الكثير في كبره بدمشق وبغداد وحلب، وغيرها من البلاد، وكان سمع الحافظ
أبا محمد القاسم بن أبي القاسم الحافظ الدمشقي، وفاطمة بنت سعد الخير وغيرهما،
وقدم علينا حلب رسولا إلى بغداد فسمع بها من جماعة منهم: أبو الحجاج يوسف بن خليل
بن عبد الله وغيره، وكان قد سمع إنشاد السعيد ابن سناء الملك، وأجازت له بحنى
الوهبانية وطبقتها، وكان ينظم الشعر، ولم يزل يطلب ويسمع الحديث حتى علت سنه.
ووقف على أهل الحديث كتباً حسنة بالمقصورتين المعروفتين به وبوالده بالكلاسة من جامع
دمشق.
وكان أخبرني عنه جماعة من المحدثين أنه يمتنع من الرواية والتحديث، ثم إنني اشتريت
أجزاء من مسموعاته، فوجدته قد حدث بمدرسه أبيه بالقاهرة في سنة ثمان وعشرين
وستمائة بشىء من حديثه، وسمع منه جماعة من طلبة الحديث منهم صاحبنا - بالديار
المصرية - أبو الحسن علي بن عبد الوهاب بن وردان، وروى لنا عنه شيئا من شعره أبو
الفضل عباس بن بزوان الإربلي، وأبو عبد الله بن الصابوني، وكنت اجتمعت به في سنة
ست وعشرين وستمائة بدمشق، وفي سنة.... وثلاثين بمصر، ولم يتفق لي سماع شيء منه.
أنشدني أبو الفضل عباس بن بزوان قال: أنشدني القاضي الأشرف أحمد بن عبد الرحيم بن
علي بن البيساني لنفسه، وقال: أنشدتها الوزير ببغداد ارتجالا حين أرسلت إلى بغداد
يا أيها المولى الوزير ومن له ... نعم حللن من الزمان وثاقي
من شاكرٌ عني بذاك فإنني ... من عظم ما أوليت ضاق نطاقي
مننٌ تحفّ على يديك وإنما ... ثقلت مؤونتها على الأعناق
أنشدنا جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الصابوني قال: أنشدني القاضي
الأشرف بن القاضي الفاضل لنفسه بالقاهرة.
الحمد للّه وشكراً له ... كم نعمة ألبسني فاخره
أعطاني الدنيا بأفضاله ... وأنظر لما خول في الآخرة
أنشدني جمال الدين ابن الصابوني قال: أنشدني القاضي الأشرف بن الفاضل قال: أنشدني
هبة الله بن جعفر بن سناء الملك لنفسه:
لعلوي جربت لا لانحطاطي ... جربي رفعةٌ وما هوداء
جربت قبلي السماء وناهي ... ك علوّاً أن أشبهتني السماء
ولقد أجمع الرواة وما في ... ذاك خلفٌ أن اسمها الجرباء
سمعت أبا الفضل عباس بن بزوان رفيقنا رحمه الله يقول: مات القاضي الأشرف أبو
العباس أحمد بن القاضي الفاضل بالقاهرة في ليلة الاثنين سابع جمادي الآخرة من سنة
ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن في يوم الاثنين بعد صلاة العصر بسارية إلى جنب والده
رحمهما الله.
أحمد بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب:
أبو الفوارس البالسي القاضي ببالس، حدث بها، روى عنه القاضي أبو البركات محمد بن
علي بن محمد بن محمد الأنصاري قاضي سيوط
أحمد بن عبد السيد بن شعبان بن محمد بن بزوان بن جابر بن قحطان:
أبو
العباس الهذباني الكردي المعروف بصلاح الدين الإربلي، كان صائغاً بإربل، واشتغل
بالأدب، واتصل بخدمة الملك المغيث بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب حين كان بإربل،
وكان يغني له، وخدمه وصار حاجباً له، ووصل معه إلى مصر، فلما توفي اتصل بالملك
الكامل فنفق عليه وتقدم عنده، وصار عنده أميراً كبيراً، وحبسه مدة، ثم أطلقه، وعظم
عنده، وكان أميراً فاضلا شاعراً، حسن الأخلاق، قدم حلب في اجتيازه إلى مصر، ثم قدم
منبج صحبة الملك الكامل أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب، حين وردها قاصداً
بلد الروم بعساكره.
روى لنا عنه شيئاً من شعره القاضي محي الدين محمد بن جعفر بن قاضي إربل، والفقيه
شهاب الدين أبو المحامد اسماعيل بن حامد القوصي، وأبو الربيع سليمان بن بنيمان
الإربلي.
وأخبرني أبو المحامد القوصي أن مولد الأمير صلاح الدين بإربل في شهور سنة أربع
وستين وخمسمائة على ما ذكر.
أنشدنا القاضي محي الدين بن جعفر بن محمد بن محمود الإربلي قال: أنشدني صلاح الدين
أحمد بن عبد السيد بن شعبان الإربلي لنفسه بالجسور ظاهر مدينة دمشق:
تعدّى إلى الخيل الغرام كأنما ... بطيب زمان الوصل يخبرها عنا
نجاذبها رفقاً بها وتمدّنا ... إليكم من الشوق الذي اكتسب منا
أنشدني شهاب الدين أبو المحامد القوصي قال: أنشدني الأمير الأجل الفاضل صلاح الدين
أبو العباس أحمد بن عبد السيد بن شعبان الهذباني رحمه الله بدمشق سنة ست وعشرين
وستمائة لنفسه في الفراق:
والله لولا أماني القلب تخبرني ... بأنّ من بان يدنو مسرعاً عجلا
قتلت نفسي يوم البين من أسف ... وكان حقاً بأن أستعجل الأجلا
وأنشدنا قال: وأنشدني أيضاً لنفسه وكتب بها إلى صديق له:
لم ترحلوا عني لأن محلكم ... قلبٌ بكم ما إن يزال متيما
والبين إن نقض الخيام من الثرى ... فالوجد أودعها الفؤاد وخيمّا
قال: وأنشني لنفسه في المعنى، وكتب بها إلى صديق له:
على بقعة عنها ترحّلت وحشةٌ ... كأنس مكان أنت فيه مخيمّ
وحسبي عذاباً أنني عنك نازحٌ ... وغيري قريبٌ بالوصال منعم
أنشدني أبو الربيع سليمان بن بنيمان الإربلي قال: أنشدني صلاح الدين الإربلي أحمد
بن عبد السيد لنفسه:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض عني فهي نائبتي
وهذه نوبة الأشباح قد حضرت ... فامدد يمينك كي تحظى بهاشفتى
وأنشدني سليمان بن بنيمان قال: أنشدني صلاح الدين لنفسه:
ما إلى ترك هواكم لي سبيل ... كيف شئتم فاعدلوا عني وميلوا
آه ما قولى لكم آهاً على ... زمن يفنى وأوقات تحول
إنما أبكي على يتم الهوى ... بعد موتي من له حيٌ حمول
أنشدنا أبو المحامد القوصي قال: أنشدني صلاح الدين الإربلي لنفسه، وذكر أنه أوصى
بأن يكتب البيتان على قبره رحمه الله.
يا رب عبدك جاء رهن ذنوبه ... مترجياً من عفوكم للجود
فشماله في شعر شيبة وجهه ... ويمينه في عروة التوحيد
قال القوصي: وهذا الأمير صلاح الدين الإربلي رحمه الله كان فاضلا مجيد لشعره
ودوبيتاته، مفيداً في محاضراته ومذاكراته، وصحب الملك المغيث مدة طويلة، وكانت
صحبته له بإربل ودمشق صحبة جميلة؛ ثم خدم الدولة الملكية الكاملية فحصل له فيها
المال الوافر والجاه الحسن، وكفر دهره في آخر وقته بحسنات المنح ما جناه عليه من سيئات
المحن، وتوفي في الشرق في العسكر الكاملي في شهور سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ودفن
بالرها، ثم نقل إلى قرافة مصر.
وقال لي ابن بنيمان: إنه توفي بالرها في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وكان قد مرض
بالسويداء فنقل في محفة، فمات بالرها ودفن بها.
أنبأنا
الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في ذكر من مات في سنة إحدى
وثلاثين وستمائة في كتاب التكملة لوفيات النقلة: وفي العشرين من ذي الحجة توفي
الأمير الأجل أبو العباس أحمد بن عبد السيد بن شعبان بن محمد بن جابر بن قحطان
الإربلي المولد والمنشأ، المصري الدار، المنعوت بالصلاح، بمدينة الرها، ودفن من
يومه بالمقبرة المعروفة بمقبرة باب حران، وكنت إذ ذاك بها، ثم نقل من هناك إلى
مصر.
حدث بشيء من شعره، سمعت منه شيئاَ منه ببعض بلاد حمص، ومولده في شهر ربيع الآخر
سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بإربل؛ ذكر أنه رآه بخط والده عبد السيد بن شعبان،
وكان اتصل بخدمة مظفر الدين بن زين الدين صاحب إربل مدة، ثم توجه إلى الشام، ثم
اتصل بخدمة الملك الكامل، وتقدم وترسل عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي ذكر من اسم أبيه عبد العزيز من الأحمدين
أحمد بن عبد العزيز بن أيوب بن زيد:
أبو عبد الله العرقي، من أهل عرقة، وولد بالموصل، ففي نقلته من الموصل إلى عرقة
إجتاز بجلب أو ببعض عملها.
أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن الشيرازي - إذنا - قال: أخبرنا
الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال: أحمد بن عبد العزيز بن
أيوب بن زيد أبو عبد الله العرقي الأطروش المعروف بالعجيل، ولد بالموصل وحدث بعرقة
عن يحيى بن عثمان الحمصي.
روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن زوزان الأنطاكي.
أحمد بن عبد العزيز بن داود بن مهران الراذاني الحراني:
رحل إلى مصر وسمع بها الحديث، ثم عاد إلى بلده حران، ففي طريقه اجتاز بحلب أو ببعض
عملها.
ذكره أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي في كتابه في تاريخ الغرباء ممن
قدم مصر، وقرأته بخط عبد الغني بن سعيد الحافظ قال: أحمد بن عبد العزيز داود بن
مهران الراذاني من أهل حران، هو ابن أخي أبي صالح عبد الغفار بن داود الحراني، قدم
مصر سنة تسع وستين، وكان قد رحل وكتب الحديث، وكان يحفظ كتباً عن ثابت بن موسى
وطبقته نحو النيف وعشرين ومائتين، ورجع إلى حران سنة سبعين ومائتين، ومات في
رجوعه، وكتب عنه.
أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب السلمي:
المقدسي الواعظ، أمام جامع الرافقة، أبو الطيب، قدم حلب مجتازا، وسمع بشيزر أبا
السمع إبراهيم بن عبد الرحمن بن جعفر المعري التنوخي معلم بني منقذ، وبالبيت
المقدس الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وبمكة أبا عبد الله الحسين بن علي الطبري.
روى عنه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي في مصنفاته، وكان شاعراً حسن
الشعر.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي المعروف بابن الشيرجي بحلب،
وأبو اسحق إبراهيم بن بركات بن إبراهيم المعروف بالخشوعي بقراءتي عليه بالربوة من
ظاهر دمشق قالا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الشافعي قال:
أخبرنا أبو الطيب أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب السلمي المقدسي الواعظ -
إمام جامع الرافقة، بقراءتي عليه في المحرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة - قال: أخبرنا
الشيخ الإمام إمام الحرمين أبو عبد الله الحسين بن علي الطبري الفقيه بمكة حرسها
الله في المسجد الحرام سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
قال الحافظ أبو القاسم: وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضيل الفراوي وأبو محمد
اسماعيل بن أبي بكر القارىء بنيسابور قالوا: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد
الفارسي بنيسابور قال: أخبرنا أبو سهل بشر بن أحمد الفارسي قال: حدثنا أبو سليمان
داود بن الحسين بن عقيل البيهقي بخسروجرد قال: حدثنا يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن
التميمي قال: أخبرنا هشيم عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف: سبحان
ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين.
أنبأنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: أنشدنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: أنشدني أبو
الطيب لنفسه:
من لصب نازح الدار ... نهب أشواق وأفكار
مستهام القلب محترق ... بهوى أذكى من النار
فنيت بالبعد أدمعة ... فهو يبكي بالدم الجاري
قائلا
جار الزمان على ... مهجتي في فرقة الجار
فإلى من أشتكي زمنا ... غالني في حكمه الجاري
بيد قذافة سلبت ... كل أغراضي وأوقاري
صرت أرضى بعد رؤيتكم ... بخيال أو بأخبار
كتب إلينا الحسن بن محمد الدمشقي أن علي بن الحسن الشافعي أنشدهم قال: وأنشدني
يعني أبا الطيب المقدسي لنفسه معاتبة:
يا واقعاً بين الفرات ودجلة ... عطشان يطلب شربة من ماء
إن البلاد كثيرة أنهارها ... وسحابها فغزيرة الأنواء
ما اختلت الدنيا ولا عدم الندا ... فيها ولا ضاقت على العلماء
أرض بأرض والذي خلق الورى ... قد قسم الأرزاق في الأحياء
قال الحافظ: وأنشدني أيضاً لنفسه:
يا ناظري ناظري وقف على السهر ... ويا فؤادي فؤادي مسكن الضرر
ويا حياتي حياتي غير طيبة ... وهل تطيب بفقد السمع والبصر
ويا سروري سروري قد ذهبت به ... وإن تبقى قليل فهو في ثر
فالعين بعدك يا عيني مدامعها ... تسقي مغانيك وما يغني عن المطر
والقلب بعدك يا قلبي تقلبه ... في النار أيدي الأسى من شدة الفكر
كم يبك قلبي على ما نابه أحد ... في الناس كلهم إلا أبو البشر
لو أن أيوب لاقى بعض ما لقيت ... نفسي لبادر يشكو غير مصطبر
وما مصيبه اسرائيل فادحه ... لأنه كان يرجو فرحة الظفر
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا
أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال:
أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب السلمي، أبو الطيب المقدسي، إمام جامع الرافقة
- وهي بلدة على شط الفرات تعرف بالرقة الساعة، والرقة كانت يجنبها فخربت - كان
واعظا ورد بغداد حاجاً، وسمع بمكة أبا عبد الله الحسين بن علي الطبري، سمع منه
رفيقنا أبو القاسم الدمشقي وغيره.
أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن هبة الله بن محمد بن مميل الشيرازي قال:
أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي قال: أحمد بن عبد
العزيز بن محمد بن حبيب أبو الطيب المقدسي الفقيه الواعظ إمام جامع الرافقة، سمع
أبا عبد الله الحسين بن علي الطبري بمكة، وذكر لي أنه سمع الفقيه نصر بن إبراهيم
المقدسي، ودخل المغرب مع أبيه، وسمع من جماعة من الشيوخ، ولم يكن عنده عنهم شيء.
وكان له ديوان شعر حسن، سمعت منه بعضه بالرافقة، وكان قد قدم دمشق غير مرة، ورأيته
في إحدى القدمات وأنا صغير ولم أسمع منه بدمشق شيئاً، وكتبت عنه بالرافقة شيئا
يسيراً، وكان شيخاً مستورا معيلاً مقلاً.
وقال الحافظ أبو القاسم: فارقت أبا الطيب حيا في سنة تسع وعشرين وخمسمائة ومات بعد
ذلك.
ذكر من اسم أبيه عبد الغني من الأحمدين
أحمد بن عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحمن بن خلف بن المسلم اللخمي القطرسي
أبو العباس بن أبي القاسم المغربي المصري، الملقب بالنفيس، شاعر مجيد، أصله من
المغرب وهو مصري، ورد حلب وامتدح بها الملك الظاهري غازي بن يوسف رحمه الله، وكان
فقيها أديبا له عناية بعلوم الأوائل، وترك الفقه، وتصرف وخدم في الديوان بقوص.
روى لنا عنه شيئاً من شعره أبو المحامد اسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن القوصي،
وقال لي: كان هناك الأجل نفيس الدين، فاضلا أديباً فيلسوفاً، ولم يزل برقيق الشعر
موصوفا، وبدقيق فن الحكمة معروفا.
وذكره العماد أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني في كتاب خريدة القصر
بما أنبأنا به صديقنا أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن عبد الجبار بن أبي الحجاج
المقدسي المصري قال: أخبرنا العماد الكاتب قال: النفيس بن القطرسي شاب مصري فقيه
في المدرسة المالكية بمصر، له خاطر حسن، ودراية ولسن، ويد في علوم الأوائل قوية،
وروية من منابع الأدب ومشارعه روية، أنشدت له:
يسسرّ بالعيد أقوام لهم سعة ... من الثراء وأما المقترون فلا
هل
سرني وثيابي فيه قوم سبا ... أوراقني وعلى رأسي به ابن جلا
عيد عداني الغني فيه إلى سفل ... لا تعرف العرف أيديهم ولا القبلا
ظللت أنحر فيهم مهجتي أسفاً ... وهم به ينحرون الشاء والابلا
تباً لها قسمة لو أنها عدلت ... لكان أرفع حظينا الذي سفلا
أنشدنا شهاب الدين أبو المحامد القوصي قال: أنشدنا الفقيه الأجل الأديب نفيس الدين
أبو العباس أحمد بن عبد الغني القطرسي المصري لنفسه.
هلا عطفت على المحب المدنف ... فشفيت غلة قلبه المتلهف
يا محرقا قلبي بنار صدوده ... لو شئت كان ببرد ريقك ينطفي
أتلفتني بهواك ثم تركتني ... حيران يدأب في تلافي متلفي
أو ما علمت بأنني رهن الضنا ... متوقف لعذارك المتوقف
لا شيء أحسن من محب مغرم ... وجد السبيل إلى حبيب منصف
من لي وقد سمع الزمان بخلسة ... لولا تذكر طيبها لم تعرف
إذبت معتنق القضيب على النقا ... وظللت مغتبق السلاف القرقف
أجني جني الورد ثم يعيده ... خجل بحوري الملاحة مترف
فعجبت من ورد يعود بقطفه ... غض النبات كأنه لم يقطف
أنشدنا أبو المحامد قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنشدني أبو العباس لنفسه:
يا من تعوذه محاسنه ... من عين عاشقه إذا يشكو
فبوجهه ياسين طرته ... وعلى لماه ختامه مسك
وأنشدنا القوصي - إجازة - قال أنشدنا ابن القطرسي يرثي صديقاً له:
يا راحلا وجميل الصبر يتبعه ... هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك جفوني وهي دامية ... ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
وأنشدنا القوصي من كتابه قال: أنشدنا أبو العباس لنفسه في شجرة ياسمين:
ولما حللناها سماء زبرجد ... لها أنجم زهر من الزهر الغض
تناولها الجاني من الأرض قاعداً ... ولم أر من يجني النجوم من الأرض
وأنشدنا القوصي قراءة قال: وأنشدني ابن القطرسي لنفسه وأبدع فيهما:
أحب المعالي وأسعى لها ... وأتعب نفسي لها والجسد
لأرقع بالعز أهل الولاء ... وأخفض بالذل أهل الحسد
قال: وانشدني لنفسه:
يا صاحبي خذا لقلبي عصمة ... فلقد هفا بهوى الغزال الأهيف
وترقبا شغل الرقيب لتخبرا ... سعدى بشقوة عاشق متلهف
صنم فتنت به وتلك بليةٌ ... شنعاء من متكلم متفلسف
أنشدني رشيد الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم المنذري بالقاهرة، وكتبه لي بخطه
قال: أنشدنا الشيخ الأجل أبو الحسين أحمد بن محمد بن اسماعيل الخزرجي التلمساني
رحمه الله قال: أنشدنا الأديب البارع أبو العباس أحمد بن عبد الغني القطرسي لنفسه
يمدح الملك الناصر ويهنيه بفتوح الشام وأنشدت بظاهر بيت المقدس في شعبان سنة ثلاث
وثمانين:
فيك تتلو عليك إنا فتحنا ... فتهنأ بما ملكت تهنا
ما رأى الناس قبل دولتك ال ... غراء من نال كل ما يتمنا
أيد الله دينه بك حتى ... كنت درعا له وسيفا وحصنا
وأعز الهدى بعزك حتى ... بدل الشام خوفه بك أمنا
فرأينا الثغور مبتسمات ... لتلقّيك قائلات أمنّا
وسمعنا السيوف ينشد عنها ... ما تقضى لبانه عند لبنا
تتهادى إليك مثل الغواني ... حاليات وهنّ بالحسن أغنا
كلما رمت معقلاً ملكته ... لك يمنى لا تعدم الدهر يمنا
راقه منك خاطبٌ نقد الهن ... دي ضرباً والسّمهرية طعنا
ونثار من السهام عليها ... نظم الشمل بالوصال وهنا
ومجانيق راعت الجو حتى ... درعته أنامل الريح مزنا
فسنا البرق لوعة فيه والرع ... د أنينٌ كذاك من خاف أنّا
فهي كالشهب في البروج وإن ... كانت سماواتها من الأرض تبنا
حائرات
بسطوة الملك النا ... صر جوراً به على العدل يثنا
ملكٌ عنده تنال الأماني ... إن دعونا صوب الغمام فضنّا
أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في كتاب التكملة وفي
الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول يعني من سنة ثلاث وستمائة توفي الشيخ الفقيه
الأديب أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي القاسم عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحمن بن
خلف المسلم اللخمي المالكي المعروف بالقطرسي المنعوت بالنفيس بمدينة قوص من صعيد
مصر الأعلى وقد ناهز السبعين، تفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه على
الفقيه أبي المنصور ظافر بن الحسين اليزدي، واشتغل بالأصوليين والمنطق وغير ذلك،
وقرأ الأدب على الشيخ الموفق أبي الحجاج يوسف ابن محمد المعروف بابن الخلال كاتب
الدست، وصحبه مدة، وسمع من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسين المأموني وغيره،
وتصدر للإقراء، وله ديوان شعر مشهور ومدح جماعة من الملوك والوزراء وغيرهم وتقلب
في الخدم الديوانية، وحدث، أنشدنا عنه جماعة من أصحابنا.
أنشدني الشيخ الحافظ رشيد الدين أبو الحسن يحيى بن علي بن عبد الله القرشي للنفيس
أحمد بن عبد الغني القطرسي من قصيدة، قال: وكان فقيها فاضلا متكلما أصوليا.
بين الكثيب والنقا ... ما أربٌ لولا التقا
وفي اللثام قمرٌ ... أضلني وأشرقا
ومنها في ذكر الصعيد:
ليس صعيداً طيباً ... لكن صعيداً زلقا
أخبرنا أبو المحامد القوصي أن مولد النفيس بن القطرسي بمصر وتوفي بها في شهور سنة
ثلاث وستمائة.
أحمد بن عبد الغني القشيري الحموي:
الملقب بالتاج، ابن بنت الشيخ أبي سعد النحوي الحموي الضرير، شيخنا، وكان أبوه عبد
الغني من أهل المغرب، وكان ولده هذا أحمد شاعرا مجيدا فاضلا، وكان مقيما بحماه عند
جده لأمه أبي سعد النحوي، وقدم إلى حلب في محاكمة شرعية.
روى لنا عنه شيئاً من شعره عفيف الدين عبد الرحمن بن عوض المعري، ووصفه لي بالذكاء
وحدة الخاطر، وجودة الشعر.
قال: وكان ناظماً ناثراً فاضلاً عروضياً، نحوياً، حسن المحاضرة، رقيق الحاشية لطيف
المعاشرة، وصنف كتابا في العروض، ومات ولم يبلغ ثلاثين سنة.
أنشدني عفيف الدين عبد الرحمن بن عوض قال: أنشدني تاج الدين أحمد بن عبد الغني
حفيد الشيخ أبي سعد النحوي لنفسه يرثي شمس الدين محمد بن علي بن المهذب، وكان غرق
بحماه في العاصي عند مسجد ابن نظيف، وكان صديقاً له، فأسف عليه، وقال فيه يرثيه:
لتبك العيون الجامدات محمداً ... فقد أبلت الأيام حسن شبابه
غريب غريق أدركته شهادة ... تخفف عن أهليه عظم مصابه
كريم أسال البحر من سيب كفه ... فلذ له أن مات تحت عبابه
وأنشدني عبد الرحمن بن عوض المعري قال: كتب إلي أحمد بن عبد الغني لنفسه، ثم
أنشدنيها بعد ذلك:
ما بين خيف منى إلى الجمرات ... فمواقف الحجاج من عرفات
ظبيات أنسٍ يقتنصن الأسد بال ... ألحاظ أفديهن من ظبيات
عارضننا بالمآزمين سوافراً ... عن أوجهٍ بالورد منتقبات
ونحرننا عوض الأضاحي فاغتدت ... أبداننا تجزى عن البدنات
منها:
أمعرة النعمان بعدك مل من ... جسمي الضنا وسئمت طيب حياتي
أترى يساعدني الزمان فأرتوي ... من عذبك السلسال قبل مماتي
ما بين ثغرتها وباب كفيرها ... رام يصيب مواقع الثغرات
يا صاحبيّ خذا بثاري واعلما ... أني قتيل جفونه الغنجات
قال لي عبد الرحمن بن عوض: توفي أحمد بن عبد الغني سنة اثنتين وعشرين وستمائة
بحماه.
أحمد بن عبد القاهر بن أحمد بن عبد القاهر بن أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد ابن طاهر
بن الموصول:
أبو سالم الحلبي المعروف بأمين الدولة، كان من عدول حلب وأمنائها وأعيانها،
وكبرائها وعلمائها وفضلائها، ورواتها وأدبائها.
=
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق